2015-12-02 20:42:55
شؤون خليجية - سامية عبدالله
بأدوات القوة الناعمة استطاعت دولة قطر، برغم صغر حجمها الجغرافي، لعب دور إقليمي استراتيجي كبير أعاد هيكلة التحالفات الإقليمية، كان من أبرز مظاهره مساهمة الدوحة في تحقيق التقارب التركي - السعودي الذي وفر أرضية مشتركة لبلورة "المحور السني" "التركي- القطري- السعودي"، الذي يخوض الآن معارك دبلوماسية وسياسية في مواجهة حلف "موسكو - طهران"، ويعد سعي قطر للإطاحة بنظام الأسد محور عمل قطري نشط مع قيامها بتسليح المعارضة السورية المعتدلة، وبرز الدور القطري في لعب دور الوسيط الناجح في عدة أزمات معقدة، أبرزها تسليم الأسرى اللبنانيين والأزمة الليبية.
تدفع قطر الآن ثمنًا لهذا الدور الفعال بالأزمة السورية، حيث أصبحت هي والمحور السني في مرمى الاستهداف الروسي والتهديد بضرب مواقع عسكرية ونفطية، كذلك دورها في دعم ثورات الربيع العربي جعلها مستهدفة من قبل أذرع الدول العميقة والأنظمة المستبدة وأجهزتها الإعلامية.
تدشين التحالف التركي الخليجي
تغير شكل العلاقة بين قطر والرياض بطريقة ساهمت في إعادة ترتيب التحالفات بالدول العربية والإسلامية المركزية والدول الكبرى، ويرى مراقبون أن الزيارة الرسمية، التي بدأها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى الدوحة، أمس الثلاثاء، على رأس وفد حكومي رفيع المستوى، تحظى بأهمية كبيرة، لما سينتج عنها من اتفاقيات ثنائية بين الدوحة وأنقرة، وما تحمله في ثناياها من رسائل إلى المنطقة والإقليم، إذا صحت المعلومات، عن زيارات مرتقبة، أيضاً، للرئيس التركي إلى الرياض والكويت، خصوصاً أن الزيارات الثلاث تأتي قبل أيام قليلة، من عقد قمة مجلس التعاون الخليجي المقبلة، التي تستضيفها العاصمة السعودية، في العاشر من شهر ديسمبر الجاري.
وتؤشر الزيارة في جانب منها على قرب اكتمال ما يمكن اعتباره التحالف (التركي ــ الخليجي) حول سوريا تحديداً، والذي لعبت قطر دورًا كبيرًا في التمهيد له، وهو ما يتبلور في وحدة موقف كاملة بين الطرفين في هذا الملف، سواء في مؤتمرات فيينا أم في دعم المعارضة السورية السياسية والمسلحة، والجهود الآيلة إلى جمع ممثلي هذه المعارضة في إطار واحد، للتفاوض مع النظام في المرحلة المقبلة، فضلاً عن السعي إلى الخروج بورقة سياسية موحدة في مؤتمر الرياض المقرر في 11 و12 من الشهر الحالي.
ويتفق كثيرون على أن غالبية دول الخليج وجدت في الصفعة التركية لروسيا بإسقاط طائرة "السوخوي"، رداً قوياً على "العنجهية الروسية التي باتت بلا حدود". من هنا، يعتبر كثيرون أن الفرصة باتت سانحة على أكثر من مجال لترسيخ التحالف (الخليجي ــ التركي) على ضوء التوتر (التركي ــ الروسي).
وتعد زيارة أردوغان للدوحة مؤشرًا قويًا على اقتراب تشكل التحالف الخليجي التركي، حيث أعلن رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو الاثنين، أن تركيا ستبدأ عملية جديدة مع السعودية ودولة أخرى لمكافحة الإرهاب في سوريا وبدعم إقليمي، ومن المتوقع أن تكون قطر أحد أهم دول التحالف الناشئ.
وساهمت قطر في بلورة إرهاصات المحور السني (القطري- السعودي- التركي) مبكرًا، وبخاصة في إبريل 2015، عقب سعي قطري نشط للتقريب بين الرياض وأنقرة في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، حيث تصاعد الحديث عن "عاصفة حزم" في سوريا، إلا أنه لم يعلن رسميًا ولم يدخل في مواجهة عسكرية مباشرة ضد إيران ونظام الأسد أو روسيا الآن، ولكنه يستهدف بالأساس تسليح المعارضة المعتدلة، مع التصعيد الدبلوماسي ضد الاحتلال الروسي.
قطر تدعم المعارضة السورية
انصب الدعم القطري على المعارضة المعتدلة، حيث ذكرت رويترز نقلًا عن مصدر مطلع على عملية دعم المعارضين في 31 أكتوبر 2015 من واشنطن، أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بالتعاون مع السعودية ودولة قطر سعت في الآونة الأخيرة، إلى تسليم مجموعات عدة في المعارضة أسلحة، من بينها صواريخ تاو.
واستطاعت المعارضة السورية قلب المعادلة ميدانيًا، ولوحت قطر باستمرار الخيار العسكري مع أولوية الحل السلمي، حيث أكد وزير الخارجية القطري، خالد بن محمد العطية، في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الأميركية في 12 أكتوبر الماضي، أن "مجلس الأمن الدولي لا يقوم بما فيه الكفاية لحماية الشعب السوري، لذلك حملنا، على عاتقنا، نحن وأصدقاؤنا مهمة القيام بكل ما بوسعنا لحماية الشعب السوري، عبر دعم المعارضة السورية المعتدلة".
وفيما إذا كانت دولة قطر والسعودية، ستقومان بالتدخل المباشر في سوريا على خلفية التدخل الروسي، قال وزير الخارجية القطري: إن "أي شيء سيؤدي إلى حماية الشعب السوري، ويحمي سوريا من الانقسام، لن نألوَ جهداً للقيام به مع إخوتنا السعوديين والأتراك، مهما كان هذا الشيء، وإذا كان التدخل العسكري سيحمي الشعب السوري من وحشية النظام السوري فبالطبع سنقوم به". لافتاً إلى أن "الشعب السوري، اليوم، يقاتل على جبهتين؛ جبهة النظام وجبهة الجماعات الإرهابية، وهو يفعل ذلك منذ سنتين، وهناك الكثير من الطرق لتعزيز قوته".
التقارب (التركي - القطري) بملفات إقليمية
من تجليات العمل التركي القطري المشترك التدخل المباشر في الملف السوري، والعمل كجسم واحد لإسقاط نظام بشار الأسد وتطوير العمل لاحقًا ليشمل السعودية، وفي الملف اليمني انسجم موقف البلدين في دعم التحالف الذي تتزعمه السعودية في اليمن ضد الحوثيين، كذلك حققا وحدة في الموقف تجاه دعم الرئيس مرسي خلال حكمه ورفض عزله، والاعتراف بشرعية السلطات الجديدة في مصر، كما بقيت القضية الفلسطينية ميدانًا واسعًا للعمل المشترك بين البلدين اللذين يحتفظان بعلاقة متقدمة بالأطراف الفلسطينية المختلفة، لاسيما مع حركة حماس، ما يمكنهما من لعب دور أكبر في قضية المسلمين المركزية.
الدبلوماسية الهادئة
تتبع قطر سياسة الدبلوماسية الهادئة، حيث دعت قطر وإيطاليا إلى تخطي الأزمة بين روسيا وتركيا، وإيجاد مخرج سياسي لها بشكل سريع. ورأى وزير الخارجية القطري، خالد بن محمد العطية، "أن تركيا وروسيا ستجدان طريقة للحل السياسي والدبلوماسي، عقب حادثة إسقاط الطائرة الروسية بعد اختراقها للأجواء التركية".
كما نشطت قطر ونجحت مؤخرًا في التوسط لحل أزمات معقدة في لبنان وليبيا وغيرها، فقد أنهى اتفاق وُقّع في الدوحة، في 23 نوفمبر 2015، بين ممثلين عن قبائل التبو وممثلين عن قبائل الطوارق، وبرعاية قطرية، عامين من الاقتتال الدامي بين القبيلتين، أوقع أكثر من 300 قتيل وألفي جريح من الطرفين، وهجّر مئات العوائل الليبية من مناطقها.
وجرت المفاوضات، بين ممثلين عن القبيلتين في الدوحة على مدار عام كامل، حيث لم يعلن عن هذه المفاوضات إلاّ لحظة توقيع الاتفاق، الذي يعد بداية رحلة الألف ميل، لتحقيق السلام ليس في الجنوب الليبي، فحسب، بل في جميع أنحاء ليبيا.
وبحسب مراقبين، فإنّ الدوحة، من خلال هذا الاتفاق، أرسلت أكثر من رسالة، إلى مختلف الأطراف الليبية، وإلى دول الجوار الليبي، وأيضاً إلى الفاعلين الإقليمين في الأزمة الليبية؛ مفادها أن الحوار المباشر، وغير المشروط بين الأطراف هناك، هو الطريق الأقصر لتحقيق السلام في ليبيا وإنهاء الفوضى، والانفلات الأمني، وأن أبوابها مفتوحة لجميع الأطراف للحوار والتفاوض، لتحقيق السلام في ليبيا.
ملف الأسرى اللبنانيين
برغم أنه ملف حساس أكدت وزارة الخارجية القطرية نجاح الوساطة التي قامت بها في ملف التبادل بين الجيش اللبناني وجبهة النصرة. وأشار بيان صادر عن الخارجية القطرية إلى أنه تم "إطلاق سراح 16 من الجنود اللبنانيين المختطفين في جرود عرسال منذ شهر أغسطس من العام الماضي، مقابل 25 أسيراً بينهم 17 امرأة وأطفالهم"، مضيفة أنّ الوساطة القطرية جاءت تلبية لطلب من الحكومة اللبنانية، إذ "قامت الأجهزة المعنية بدولة قطر بجهود حثيثة ومكثفة من أجل إطلاق سراح الجنود اللبنانيين المختطفين في بلدة عرسال، وذلك بالتعاون مع الأمن العام اللبناني".
حل الأزمة اليمنية
تتواصل جهود قطر أيضًا لحل الأزمة اليمنية ففي بداية نوفمبر، التقى وزير الخارجية القطري، خالد العطية، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ، وذلك بمناسبة زيارته والوفد المرافق له للبلاد.
وقالت وكالة الأنباء القطرية الرسمية إنه جرى «خلال اللقاء تبادل وجهات النظر حول الإجراءات التي يقوم بها المبعوث الأممي من أجل التوصل إلى حل سياسي في اليمن، يستند على قرارات مجلس الأمن ذات الصلة ومخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية».
دور الوسيط النزيه
نشطت قطر في لعب دور الوسيط في النزاعات الإقليمية، والمشاركة بدور قيادي في المؤسسات الدولية، حيث نجحت عام 2008 في التوسط لإبرام "اتفاق الدوحة" لإنهاء الأزمة السياسية في لبنان. وفي عام 2010، توسطت من أجل وقف إطلاق النار في السودان بين حكومة الخرطوم ومتمردي دارفور. وفي كلتا الحالتين، حققت قطر نجاحًا، بينما أخفقت القوى الفاعلة الإقليمية والدولية الأخرى، الأمر الذي عزز من سمعتها كوسيط "أمين" بين الأطراف المتنازعة. بالإضافة إلى ذلك، قادت قطر الجامعة العربية لاتخاذ إجراء لإنهاء الأزمة في سوريا، بل وذهبت إلى حد المطالبة بتدخل عسكري خارجي.
تتمتع قطر بوضع متميز بين اللاعبين الرئيسيين في العالم العربي. فمن ناحية، لا تنتمي قطر لمجموعة "الاستقرار"، أو "الوضع الراهن" التي تضم الملكيات المحافظة، وعلى رأسها السعودية، أو "محور المقاومة" الذي يضم إيران وعملاءها السوريين واللبنانيين، كما تحتفظ قطر بعلاقات "صداقة" مع دول الجانبين، كذلك تعد قطر حليفًا وثيقًا للولايات المتحدة، وتستضيف أكبر قاعدة جوية أمريكية في الشرق الأوسط. ومع ذلك، فهي تملك من الثروة والنفوذ والاستراتيجية التي تجعلها قادرة على العمل بشكل مستقل عن المصالح الأمريكية في المنطقة. بحسب مراقبين.
المصدر : شؤون خليجية-خاص
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق