حذر الكاتب الصحفي فهمي هويدي، من محاولة لتأميم الفتوى من خلال إعداد قوانين جديدة للسيطرة على دار الإفتاء، واصفًا الحلول التي طرحت لمعالجة فوضى الفتوى بأنها خبيثة أو ساذجة.

وقال هويدي في مقال له على صحيفة “الشروق” بعنوان ” تأميم بعد التكميم إن الشغل الشاغل لأجهزة السلطة هو اتخاذ إجراءات وأساليب  للسيطرة على الأزهر والمؤسسات الدينية بدلا من العمل على استقلالها.

نص المقال..
إذا كانت فوضى الفتاوى الدينية مشكلة فإن الحلول الخبيثة أو الساذجة التى تطرح لحلها مشكلة أكبر.  أقول ذلك بمناسبة الجدل الذى أثير حول الموضوع فى مؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، واللغط الذى أحدثه نشر خبر عن الشروع في إعداد قوانين جديدة لتنظيم العمل فى دار الإفتاء المصرية، ذلك أننى لم أصادف أى حوار جاد حول العوامل التى أدت إلى فوضى الإفتاء.

ولاحظت أن الشغل الشاغل للمتحاورين هو كيفية تأميم الفتوى وإحكام سيطرة الدولة عليها. لم أجد إشارة إلى دور ثورة الاتصالات التى أتاحت لكل من هب ودب أن تكون له قناته الخاصة وهو قاعد فى بيته، يرسل من خلالها إلى الكافة ما شاء من آراء وتحليلات وفتاوى. ولا أذكر أن أحدا أجاب على السؤال: لماذا ينصرف الناس عن العلماء الذين على رأس المؤسسات الدينية الرسمية فى حين يقبلون على من عداهم، ولماذا فقدوا ثقتهم فى الأولين وساروا وراء الأخيرين؟ وما علاقة متغيرات البيئة السياسية بكل ذلك؟   إن أى متابع للموضوع لا تفوته ملاحظة أن السلطة فى  لم تسترح يوما ما إلى استقلال الأزهر  والمؤسسات الدينية الموازية له.

لذلك فإن الشغل الشاغل لأجهزة السلطة ظل متمثلا فى كيفية اتخاذ الإجراءات وابتكار الأساليب التى تكفل إخضاع هذه الجبهة كلها لنفوذ السلطة. وأصبحت حدود ذلك الإخضاع تتفاوت بحسب تفاوت معدل الحالة الديمقراطية فى البلد. ومنذ برز التطرف وجماعاته فى سبعينيات القرن الماضى كثفت السلطة من جهود الإخضاع، حتى بلغت ذروتها فى السنوات الأخيرة، التى تطور فيها التطرف وخرجت من عباءته جماعات .

وهى الأجواء التى أفرزت وميزت بين نوعين من العلماء، الأولون يخافون من الله، وهؤلاء ظلوا منبوذين طول الوقت، والآخرون يخافون من الحكومة، وهؤلاء جرى الاحتفاء بهم واحتلوا مواقع الصدارة فى أغلب المؤسسات الدينية الرسمية فضلا عن منابر الخطاب الدينى الموجه. أحدث ما تفتقت عنه قريحة دعاة الإلحاق ذلك الاقتراح الذى تم تداوله فى  النواب ودعا إلى إصدار ثلاثة قوانين، الأول يختص بتنظيم  العمل داخل دار الإفتاء، ليضمن سيطرة السلطة على آلية العملية.

والثانى يدعو إلى تنظيم الفتوى بحيث تصبح مقصورة على أعضاء هيئة كبار العلماء أو دار الإفتاء. والثالث يقضى بتحجيم ظهور الفقهاء على القنوات الفضائية، بحيث لا يسمح بذلك إلا للذين يحصلون على ترخيص من وزارة الأوقاف. وحسبما نشر فإنه فى حالة المخالفة يتم تغريم القناة بمبالغ تتراوح بين ٥٠ و١٠٠ ألف جنيه. ويتصور أصحاب المشروع أن تؤدى تلك القوانين إلى الحد من فوضى الإفتاء، بحيث تصبح تحت السيطرة تماما. وهو ما يكمل مساعي وزير الأوقاف الحالي الذى خاض معركة لتعميم الخطبة المكتوبة سلفا بحيث لا يتفوه خطيب المسجد إلا بما تقرره الوزارة وترضى عنه الأجهزة الأمنية. لقد شاءت المقادير أن تنشر الصحف المصرية قبل إثارة موضوع القوانين الثلاثة خبرا له دلالته فى السياق الذى نحن بصدده نصه كما يلى: توجه الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية بالتهنئة إلى الرئيس عبدالفتاح بمناسبة انطلاق الحوار المجتمعي في صباح السبت ٢٥/٢٢ بحضور عدد من الوزراء ومحافظ مطروح، تمهيدا للبدء في إنشاء أول محطة سلمية للطاقة النووية بمحطة الضبعة فى محافظة مطروح.

وأكد المفتي أن الشعب  عازم على تحقيق البناء والتنمية تحت قيادته. كما شدد على أن الجماعات الإرهابية الظلامية لن تستطيع النيل من قوة وعزيمة الشعب ، وإصراره على بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة، والعبور بالوطن إلى بر الأمان.

حين قرأت «الفتوى» قلت إن المفتي سائر على درب وزير الأوقاف، ثم إنه لم يرد فقط أن يستبق جهود تنظيم وترشيد عملية الإفتاء، ولكنه أراد أيضا أن يثبت تجاوبه وتفاعله مع الدعوة المطروحة لتجديد الخطاب الدينى.