السبت، 26 يوليو 2014

شكرا مصر .. والحل في باريس !

شكرا مصر .. والحل في باريس !

جمال سلطان


في تعبير عن الإهانة والهوان وضعف المكانة وقلة القيمة حفظت العرب واحدا من أشهر أبيات شعر الهجاء في دالية جرير حين هجا أحدهم فقال : ويقضى الأمر حين تغيب تيم .. ولا يستأمرون وهم شهود ، ولقد تذكرت قول جرير وأنا أتابع التطور الخطير للمفاوضات الدولية الجارية للبحث عن حل للأزمة المتفجرة في غزة ووقف المعارك بين حماس والمقاومة الفلسطينية من جانب وقوات العدوان الصهيوني من جانب آخر ، وبعد أن قرر المجتمع الدولي نقل المحادثات والمفاوضات من القاهرة إلى باريس مع استبعاد مصر من حضورها ، بينما يحضرها وزيرا خارجية كل من دولة قطر وتركيا ، وكانت مصر قد سارعت في البداية بوضع مبادرة للحل ، أعلنها وزير الخارجية سامح شكري ، وصفت بأنها مكافأة للعدوان ولا تحقق أي مكسب سياسي أو اقتصادي أو أمني أو حتى إنساني للفلسطينيين المحاصرين في غزة ، كما أن حماس والمقاومة أبدوا استياءهم الشديد من طريقة إخراج المبادرة التي قالوا أنهم عرفوا بها من الإعلام ولم يحترم أحد مكانهم كطرف في المواجهة لا بد من مشورته والتواصل المباشر معه بينما تم التشاور المصري مع العدو الذي أعلن قبولها في الصباح الباكر من اليوم التالي ، فكان أن رفضت حماس والمقاومة المبادرة المصرية رفضا باتا ، وكان موقفهم في الرفض منطقيا وله وجه أخلاقي وإنساني ، لأنهم قالوا أن الشعب الذي ضحى بكل هذه الأرواح من أجل حريته لن يقبل بأي حل لا ينهي الحصار الإجرامي المفروض عليه من سنوات والذي أدى إلى هلاك الأطفال من غياب الأدوية والأغذية وبؤس الحياة للمواطنين العاديين ، وتدمير كل ثقب يمكن أن يمر منه غذاء أو وقود أو دواء سواء من الجانب الإسرائيلي أم من الجانب المصري بما في ذلك تدمير الأنفاق ، إمعانا في إحكام الحصار والموت على غزة ، ومع مرور الوقت بدأ المجتمع الدولي ينزعج من التشدد المصري غير المفهوم وغير المبرر ، وبدأت المقاومة تكسب تعاطفا لموقفها حتى من خصومها التقليديين في الداخل الفلسطيني ، فأعلنت حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية تأييدهما لمطالب المقاومة ، بما جعل لعب مصر بورقة محمود عباس بدون أي معنى ، وبدأ عباس نفسه يقدم مقترحات للجانب المصري محصلتها أن يتم دمج بعض مطالب حماس ضمن المبادرة المصرية بما يسمح بقبولها وكسر الجمود ، فرفضت الخارجية المصرية ـ بإباء وشمم وعزة نفس ـ أي تغيير في المبادرة أو إدخال أي إضافات أو تعديلات عليها ، فزاد الحريق وبدأ ينذر بالكوارث ، فأتى بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة فلم تتغير اللهجة المصرية ، ثم أتى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الذي استقبلوه بالإهانة على أبواب قصر الاتحادية في سلوك مثير للشفقة على سوء التقدير لمجرد صناعة فخر إعلامي فارغ ، وحاول كيري أن يدخل تعديلات على المبادرة المصرية ففشل ، وتسربت التقارير والأخبار المتتالية عبر أكثر من وسيط وأكثر من طرف ، ونشر ذلك الإعلام الإسرائيلي نفسه ، بأن مصر أصبحت جزاء من الأزمة والمشكلة وبالتالي لم تعد مهيأة لأن تكون جزءا من الحل ، وأن الرفض المصري غير المفهوم لأي تعديل على مبادرتها وكأنها نص من النصوص الإلهية المقدسة ، لسابق خصومتها مع حماس وكراهيتها لها ، أصاب الموقف بالجمود الشديد والانسداد الذي احتاج إلى تدخل قاسي ومهين من المجتمع الدولي ، انتهى إلى أن قال بان كي مون ما معناه "شكرا لمصر ، والحل في باريس" ، وكان أن تم تشكيل لجنة دولية للبحث في الأزمة تجتمع في باريس ، يحضرها وزراء خارجية فرنسا وإيطاليا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة إضافة إلى ممثلة الاتحاد الأوربي أشتون إضافة إلى وزيري خارجية قطر وتركيا ، وهما الجهتان اللتان تمسكت بهما المقاومة لضمان أي تسوية أو اتفاق عادل ، وكان الاستبعاد المهين لمصر من حضور مثل هذا الاجتماع الدولي ، وهي المرة الأولى منذ نصف قرن تقريبا الذي تغيب فيه مصر عن وساطات دولية لحل أزمة فلسطينية من أي نوع ، وبأي معيار لا يمكن تجاهل تصنيف الواقعة كهزيمة تاريخية للديبلوماسية المصرية ومؤشر بالغ السوء على مستقبل الدور المصري والمكانة المصرية في المنطقة والعالم . ستزداد العصبية في الإعلام المصري ، وتزداد العصبية والتشنج في سلوك الديبلوماسية المصرية أيضا ، وسيتم هجاء تركيا وهجاء قطر ، وتصعيد السباب والهجوم على الدولتين ، كما سيزداد خطاب الكراهية لحماس في الإعلام الرسمي والموالي ، لكن ذلك كله لن يغير من حقيقة المشهد شيئا ، كما أن أي كلمات مجاملة من المجتمعين في باريس عن شكرهم لمبادرة مصر أو أن جهدهم يأتي لجعلها قابلة للتطبيق لن يغير من جوهر المشهد شيئا ، ولن يمحو صورة الاجتماع وقد تم إبعاد ممثل الدولة المصرية عنه ، ولقد كان هذا هو المآل الذي حذرت منه في هذه الزاوية قبل أسبوع تقريبا ، وهو أن الجمود والكبر والعنجهية في إدارة ملف هذه الأزمة ، والتعالي في التعامل مع المقاومة الفلسطينية ، والاستكبار عن قبول ملاحظاتها على المبادرة ، وعدم القدرة على الفصل بين مشكلاتك الداخلية مع الإخوان وخصوصية وضع حماس كحركة مقاومة وطنية في فلسطين ، كل ذلك سيجعل مصر حجر عثرة في طريق الحل وليس وسيطا من أجله ، وسيعرض مكان مصر ومكانتها للخسارة الفادحة والهوان الإقليمي والدولي ، بدون أي مبرر يعقل ، ولكن هذا ـ مع الأسف ـ الذي حدث ، وعلى النحو الذي جعلنا نستحضر بيت جرير في هجاء "تيم" .

اقرأ المقال الاصلى فى المصريون :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق