5 لمَّا وقف الزبيرُ يومَ الجملِ ، دعاني فقمتُ إلى جنبِهِ ، فقال : يا بنيَّ إنَّهُ لا يُقْتَلُ اليومَ إلا ظالمٌ أو مظلومٌ ، وإني لا أُرَاني إلا سأقتلُ اليومَ مظلومًا ، وإنَّ من أكبرِ همي لَدَيْنِي ، أفترى يُبْقِي دَيْنُنَا من مالنا شيئًا ؟ فقال : يا بنيَّ بِعْ مالنا فاقضِ دَيْنِي ، وأوصى بالثلثِ ، وثلثِهِ لبنيهِ - يعني بني عبدِ اللهِ بنِ الزبيرِ - يقول : ثلثُ الثلثِ ، فإن فضلَ من مالنا فضلٌ بعد قضاءِ الدَّيْنِ فثلثُهُ لولدِكَ ، قال هشامٌ : وكان بعضُ ولدِ عبدِ اللهِ قد وازى بعضَ بني الزبيرِ ، خبيبٌ وعبادٌ ، ولهُ يومئذٍ تسعةُ بنينَ وتسعُ بناتٍ . قال عبدُ اللهِ : فجعل يُوصيني بدَيْنِهِ ويقول : يا بنيَّ إن عجزتَ عنهُ في شيٍء فاستعنْ عليهِ مولايَ . قال : فواللهِ ما دريتُ ما أراد حتى قلتُ : يا أبتِ من مولاكَ ؟ قال : اللهُ ، قال : فواللهِ ما وقعتُ في كربةٍ من دَيْنِهِ إلا قلتُ : يا مولى الزبيرِ اقضِ عنهُ دَيْنَهُ فيقضيهِ ، فقُتِلَ الزبيرُ رَضِيَ اللهُ عنه ولم يدعْ دينارًا ولا درهمًا إلا أرضينَ ، منها الغابةُ وإحدى عشرةَ دارًا بالمدينةِ ، وداريْنِ بالبصرةِ ، ودارًا بالكوفةِ ، ودارًا بمصرَ ، قال : إنما كان دَيْنُهُ الذي عليهِ أنَّ الرجلَ كان يأتيهِ بالمالِ فيستودعُهُ إياهُ ، فيقولُ الزبيرُ : لا ، ولكنَّهُ سلفٌ ، فإني أخشى عليهِ الضيعةَ ، وما وَلِيَ إمارةً قطُّ ، ولا جبايةَ خَرَاجٍ ، ولا شيئًا إلا أن يكونَ في غزوةٍ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، أو مع أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ رَضِيَ اللهُ عنهم ، قال عبدُ اللهِ بنُ الزبيرِ : فحسبتُ ما عليهِ من الدَّيْنِ فوجدتُهُ ألفيْ ألفَ ومائتيْ ألفٍ ، قال : فلقيَ حكيمُ بنُ حزامٍ عبدَ اللهِ بنَ الزبيرِ فقال : يا ابنَ أخي ، كم على أخي من الدَّيْنِ ؟ فكتمَهُ ، فقال : مائةُ ألفٍ ، فقال حكيمٌ : واللهِ ما أرى أموالكم تَسَعُ لهذهِ ، فقال لهُ عبدُ اللهِ : أفرأيتُكَ إن كانت ألفيْ ألفٍ ومائتي ألفٍ ؟ قال : ما أراكم تَطيقونَ هذا ، فإن عجزتم عن شيٍء منهُ فاستعينوا بي ، قال : وكان الزبيرُ اشترى الغابةَ بسبعينَ ومائةَ ألفٍ ، فباعها عبدُ اللهِ بألفِ ألفٍ وستمائةِ ألفٍ ، ثم قام فقال : من كان لهُ على الزبيرِ حقٌّ فليُوافنا بالغابةِ ، فأتاهُ عبدُ اللهِ بنُ جعفرَ ، وكان لهُ على الزبيرِ أربعمائةِ ألفٍ ، فقال لعبدِ اللهِ : إن شئتم تركتها لكم ، قال عبدُ اللهِ : لا ، قال : فإن شئتم جعلتموها فيما تُؤخرونَ إن أخرتم ، فقال عبدُ اللهِ : لا ، قال : قال : فاقطعوا لي قطعةً ، فقال عبدُ اللهِ : لك من ها هنا إلى ها هنا ، قال : فباع منها فقضى دَيْنَهُ فأوفاهُ ، وبقيَ منها أربعةَ أسهمٍ ونصفٌ ، فقَدِمَ على معاويةَ وعندَهُ عمرو بنُ عثمانَ والمنذرُ بنُ الزبيرِ وابنِ زُمْعَةَ ، فقال لهُ معاويةُ : كم قَوَّمْتَ الغابةَ ؟ قال : كلُّ سهمٍ مائةُ ألفٍ ، فكم بقيَ ، قال : أربعةُ أسهمٍ ونصفٌ ، قال المنذرُ بنُ الزبيرِ : قد أخذتُ سهمًا بمائةِ ألفٍ ، قال عمرو بنُ عثمانَ : قد أخذتُ سهمًا بمائةِ ألفٍ ، وقال ابنُ زُمْعَةَ : قد أخذتُ سهمًا بمائةِ ألفٍ ، فقال معاويةُ : كم بقيَ ؟ فقال : سهمٌ ونصفٌ ، قال : أخذتُهُ بخمسينَ ومائةَ ألفٍ ، قال : وباع عبدُ اللهِ بنُ جعفرَ نصيبَهُ من معاويةَ بستمائةِ ألفٍ ، فلمَّا فرغ ابنُ الزبيرِ من قضاءِ دَينِهِ ، قال بنو الزبيرِ : اقسمْ بيننا ميراثنا ، قال : لا واللهِ لا أقسمُ بينكم حتى أُنَادِي بالموسمِ أربعَ سنينَ : ألا من كان لهُ على الزبيرِ دَيْنٌ فليأتنا فلنقضِهِ ، قال : فجعل كلَّ سَنَةٍ يُنادي بالموسمِ ، فلمَّا مضى أربعُ سنينَ قَسَمَ بينهم ، قال : فكان للزبيرِ أربعُ نسوةٍ ، ورَفَعَ الثلثَ ، فأصابَ كلُّ امرأةٍ ألفَ ألفٍ ومائتا ألفٍ ، فجميعُ مالِهِ خمسونَ ألفَ ألفٍ ، ومائتا ألفٍ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق