الأحد، 6 يوليو 2014

فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه وقعها على الصحابة والتابعين

فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه وقعها على الصحابة والتابعين 

إبراهيم بن محمد الحقيل

عندما تموج الفتن، ويختلط الأمر، ويكثر الجدل، ويلتبس الحق بالباطل؛ فإن من توفيق الله تعالى للعبد أن يثبت على الجادة، ويلزم الصراط المستقيم، ويخرج من الدنيا وهو سليم القلب والجوارح.. قد سلم قلبه من الشبهات فما أشربها، وسلم من الفتنة فما مال إليها، وسلم على إخوانه المسلمين فلم يحمل في قلبه غشاً ولا ضغينة بسبب دنيا منع منها وأعطيت لغيره، وسلم قلبه لله تعالى فامتلأ إيماناً ويقيناً، وولاءً لله تعالى ولدينه ولعباده المؤمنين.
ومن كان كذلك سلامة قلب فإن جوارحه ستكون نظيفة سليمة، فلا تتلطخ يده بدماء محرمة، ولا يقع لسانه في أعراض إخوانه، ولن يكون شريكاً في تأجيج فتنة.. وإذا ما استزله الشيطان في حال ضعفٍ وغفلة هرع إلى الله تعالى فاستغفره وتاب إليه، واعتنى بصلاح قلبه من الشهوات والشبهات، وسلامة جوارحه مما حرم الله تعالى.
والفتن لا تبدأ عظيمة كبيرة، ولا تكون في أولها ملتبسةً محيرة، ولكنها تكبر شيئاً شيئاً؛ فمن سارع فيها ملكته ولم يملكها، وسيَّرته ولم يسيِّرها، وأوقعته فيما يسبب خسارته، ويوجب ندمه.
حينها يتمنى المتشرب بالفتن عودة الزمن إلى بدايته؛ لكيلا يسير في ركابها، ولا يركب أمواجها؛ ولكن فات وقت التمني، وحقت آثار الفتنة ونتائجها.


باب الفتنة:


الباب الموصدُّ دون الفتن في هذه الأمة كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما جاء في حديث حذيفه رضي الله عنه وفيه: أن حذيفة قال لعمر رضي الله عنهما لما سأله عن الفتنة التي تموج موج البحر: "ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين، إن بينك وبينها باباً مغلقاً، قال عمر: أيكسر الباب أم يفتح؟ قال: لا بل يكسر، قال عمر: إذاً لا يغلق أبداً"(1) فلما كسر الباب بقتله انطلقت الفتن في هذه الأمة، فلا تقف إلا بقتل الدجال، ثم هلاك يأجوج ماجوج في آخر الزمان.


مقتل عثمان } أول فتنة:


قال أعلم الصحابة بالفتن، وأمينُ سِرِّ النبي صلى الله عليه وسلم، حذيفه بن اليمان رضي الله عنهما: "أول الفتن قتل عثمان، وآخر الفتن خروج الدجال، والذي نفسي بيده لا يموت رجل وفي قلبه مثقال حبةٍ من حُبِّ قتل عثمان إلا تبع الدجال إن أدركه، وإن لم يدركه آمن به في قبره"(2).
لقد كان الخروج على عثمان رضي الله عنه وقتله أعظم فتنةٍ ابتلي بها المسلمون في صدر هذه الأمة، ورغم أن عمر أفضل من عثمان وهو مقتول أيضاً؛ فإن قتل عثمان كان أشدَّ وطأةً على المسلمين، رضي الله عنهما وأرضاهما؛ فقاتل عمر رضي الله عنه فرد مجوسي كافر، أكله الحقد،وأعماه الحسد، وما ادعى بقتل عمر إصلاحاً.. أما قتلة عثمان فمسلمون داخلتهم الشبهات، وتشربتهم الفتن والأهواء، في جمع غفير من الرعاع والدهماء، زعموا بالخروج على الخليفة وقتله صلاح المسلمين، وهو الفساد عينه!!.


تأثر الصحابة بمقتل عثمان }:


لقد طاشت عقول المسلمين من قتل عثمان رضي الله عنه، وعظم ذلك في نفوسهم، وضاقت حيلتهم؛ من شدة الفتنة، وألم المصيبة، وهول الفاجعة؛ حتى إن علياً رضي الله عنه دخل على عثمان وهو مقتول فوقع عليه، وجعل يبكي، فظنوا أنه سيلحق به(3) من شدة ما ألَمَّ به!!
ورغم ما مرّ بأمير المؤمنين علي رضي الله عنه من مصائب وحروب وفتن فإنه ما نسي مقتل عثمان رضي الله عنه، وتذّكره وهو يقابل أعداءه في موقعة الجمل لقتالهم، قال قيس بن عباد: "سمعت علياً رضي الله عنه يوم الجمل يقول: اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان، ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان، وأنكرت نفسي، وجاءوني للبيعة، فقلت: والله إني لأستحيي من الله أن أبايع قوماً قتلوا رجلاً قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:ألا أستحيي ممن تستحيي منه الملائكة، وإني لأستحيي من الله أن أبايع وعثمان قتيل على الأرض لم يدفن بعد، فانصرفوا، فلما دفن رجع الناس فسألوني البيعة فقلت: اللهم إني مشفق مما أقدم عليه، ثم جاءت عزيمة فبايعت، فلقد قالوا: يا أمير المؤمنين، فكأنما صُدِع قلبي، وقلت: اللهم خذ مني لعثمان حتى ترضى"(4).
كان أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وقت مقتل عثمان رضي الله عنه في الطريق إلى المدينة عائدات من الحج، فلما بلغهن الخبر رجعن إلى مكة، وأقمن بها أربعة أشهر إلى أن خفَّ ألم المصيبة(5).


سبب الفجيعة بمقتل عثمان }:


ما كان الصحابة رضي الله عنهم ليُفجعوا بمقتل عثمان هذه الفجيعة العظيمة لولا علمهم أن لهذا الحدث ما وراءه، فما كان لأمةٍ أن تخرج على سلطانها، وتقتل خليفتها، ثم تأمن بعد ذلك!!.
لقد أدرك الصحابة والتابعون رضي الله عن جميعهم حجم هذه الكارثة، وعلموا مقدار تلك الفتنة؛ فكانت فجيعتهم على قدر الحدث، ووصفهم لآثاره وقع كما ظنوا، وإليك طرفاً من أقوالهم يوضح حجم هذه الكارثة:
1- قال التابعي الجليل زيد بن صُوحان رحمه الله تعالى: "يوم قُتِلَ عثمانُ نفرت القلوب منافرها، والذي نفسي بيده لا تتألف إلى يوم القيامة"(6).
2- سمع عبدالله بن سلام رضي الله عنه رجلاً يقول لآخر: "قتل عثمان ابن عفان فلم ينتطح فيه عنزان، فقال ابن سلام رضي الله عنه: أجل! إن البقر والمعز لا تنتطح في قتل الخليفة، ولكن ينتطح فيه الرجال بالسلاح، والله لتُقْتَلَنَّ به أقوام إنهم لفي أصلاب آبائهم ما ولدوا بعد"(7).ووقع الأمر كذلك، نسأل الله العافية.
3- كان حذيفة رضي الله عنه إذ ذاك مريضاً مرضه الذي توفي فيه، ولم يعلم بالأمر، فسمع رجلاً يناجي امرأته، ففتح عينيه فسألهما: "ماذا تقولان؟ فقالا: خير، فقال: إن شيئاً تُسِرَّانه دوني ما هو بخير! قال: قتل الرجل يعني عثمان قال: فاسترجع حذيفة ثم قال: اللهم إني كنت من هذا الأمر بمعزل، فإن كان خيراً فهو لمن حضره وأنا منه بريء، وإن كان شراً فهو لمن حضره وأنا منه بريء، اليوم نفرت القلوب بأنفارها، الحمدلله الذي سبق بي الفتن قادتها وعلوجها، الحظي من تردى بعيره، فشبع شحماً وقلَّ عمله"(8).
4- رأى التابعي الجليل أبو مسلم الخولاني رحمه الله تعالى الوفد الذين قدموا من قتلة عثمان سألهم فقال:"أما مررتم ببلاد ثمود؟ قالوا: نعم، قال: أشهد أنكم مثلهم؛ لخليفة الله أكرم عليه من ناقته"(9).
5- قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: "لو كان قتل عثمان هدى لاحتلبت به الأمة لبناً، ولكنه كان ضلالاً، فاحتلبت به الأمة دماً"(10).
إن هذه الأقوال المتظافرة من الصحابة وكبار التابعين في فتنة مقتل عثمان لتدل على فهم سلفنا الصالح للواقع مع فقههم للنصوص، وتثبت أنهم رضي الله عنهم كانوا يدركون حجم الفتنة، وآثارها السيئة في الأمة، وأن دم عثمان رضي الله عنه الذي أهريق ظلماً وعدواناً ستتبعه دماء كثيرة لن يتوقف نزيفها إلا بخروج الدجال؛ فوقع الأمر كذلك في القرون الماضية في كثير من الأمصار، ومنذ مقتل عثمان رضي الله عنه وفتن الدماء يأخذ بعضها برقاب بعض إلى يومنا هذا.


مصير قتلة عثمان }:


أما قتلة عثمان، فإن كثيراً منهم ندموا أشدَّ الندم، وما ظنوا أن الأمور ستبلغ ما بلغت، ولكن ما نَفْعُ ندمٍ بعد سفك دم، وإشعال نار فتنة، لا يملك من أشعلها إطفاءها؟!.
ولما بلغ علياً رضي الله عنه أن قتَلَةَ عثمان ندموا تلا قول الله تعالى: كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين صلى الله عليه وسلملله 16 صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلمالحشر: 16} (11) .
وتلا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في حقهم قول الله تعالى: قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا صلى الله عليه وسلملله103صلى الله عليه وسلم الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا صلى الله عليه وسلملله104صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلمالكهف:104}(12).
نعم والله! إنهم قد ظنوا أنهم أحسنوا صنعاً بقتله، وقد أساءوا أعظم الإساءة، ودعا سعد عليهم وهو مجاب الدعوة فقال: "اللهم أندمهم ثم خذهم"(13).
فاستجاب الله تعالى دعاء سعد، فما مات أحد من قتلة عثمان إلا مقتولاً؛ كما أقسم على ذلك بعض السلف(14)، وبعضهم قتل شر قتِْلة بعد أن طُورِدوا وعُذِّبوا ومُثِّلَ ببعضهم.
نسأل الله العفو والعافية، كما أسأله أن يحفظنا والمسلمين من مضلات الفتن، ونوازع الهوى، والتباس الحق بالباطل.
بين مقتل عثمان وواقعنا الحاضر:
ما يحصل في بلاد المسلمين من اختلاف وفرقة، وتنازعٍ في الأقوال، وتراشقٍ بالتهم، وانتشارٍ للأهواء، وازدياد الفتن في وقت عصيب عسير ليستدعي التوبة الجماعية إلى الله تعالى، والتجرد من الأهواء، والتزام الكتاب والسنة، والنصح لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، والسعي الحثيث إلى ما يجمع الكلمة، ويرأب الصدع، مع الاستفادة من التجارب السابقة في تاريخ المسلمين في مواجهة المحن، ومعالجة الفتن، واجتناب أخطائها، والتزام صوابها.
ولو نظرنا في فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه لوجدنا أن بدايتها كانت مجرد آراء في الاعتراض على سياسات معينة، ثم تفاقمت بفعل أعداءٍ ملأ الحقد قلوبهم، فاندسوا في صفوف الدهماء والرعاع، يؤلبونهم ويحرضونهم على الخروج على عثمان رضي الله عنه، كان على رأسهم: ابن السوداء (عبدالله بن سبأ اليهودي) الذي لقب بالموت الأسود، وأظهر الإسلام، وكان على رأس طلائع الخارجين على عثمان، ينفخ في نار الفتنة، ويقطع الطريق على أيِّ مبادرة لرد العدوان عن عثمان رضي الله عنه، ويُحَرِّض عامة الناس، ويضخم الأخطاء، ويتخذ الكذب والأباطيل والإشاعات سبيلاً إلى ما يريد؛حتى بلغ ما تمنى، وكان أخزاه الله تعالى من جملة من اقتحموا الدار على عثمان رضي الله عنه، وخنقه خنقاً شديداً(15).

وسبب آخر لايقل أهمية عن السبب الأول وهو

 أن مروان بن الحكم زور كتاب عثمان 

( تعليق على كاتب الموضوع
عن اتهام مروان بكتابة الكتاب الصحيح ان الكتاب زُوِّر من قبل حكيم بن جبلة أحد رؤوس الفتنة وليس مروان)


هل زور مروان بن الحكم الرسالة إلى ثوار مصر؟

كتبه طارق الحمودي

بسم الله الرحمن الرحيم 

اتفق جملة المنصفين أن عثمان لم يرسل رسالة إلى عامله بمصر للذرب على يد الثوار المصريين الذين كانوا في طريقهم إلى مصر بعد مفاوضات ناجحة بينهم وبين عثمان..فيما يبدو ! واختلفوا في المزور ..
فمن قائل إنه مروان....كما فعل الثوار !
ومن قائل إنهم الثوار أنفسهم !
والعجيب في الأمر أنه فات الثوار ومن وافقهم في ذلك الانتباه إلى جزئية تاريخية صغيرة لكنها فاصلة حاسمة في الموضوع لمن كان مبطنا العزم على الإنصاف ولزوم الحجة والبينة
ولنرو القصة كما هي :
بعدما فاوض الثوار عثمان ووافقهم على جملة مطالبهم ..ونجح سياسيا ودبلوماسيا في إفشال المحاولة الأولى لإحراجه وأمر على المصريين منهم محمد بن أبي بكر برغبة منهم كما في بعض الروايات عوض عبد الله بن سعد بن أبي السرح ..وانصرافهم مع البصريين والكوفيين كل إلى بلده...وقت يد المصريين في الطريق على رسول عثمانيي فيما يبدو للوهلة ومعه رسالة منه بختمه ..فيما يبدو أيضا إلى عامله على مصر ابن أبي السرح ...يأمره فيها بالقبض عليهم وتعزيرهم ! فرجع المصريون والتقوا مع الكوفيين والبصريين على حدود المدينة ..!
قد يقول قائل كما فعل علي رضي الله عنه مخاطبا الثوار العراقيين : كيف علمتم يا أهل الكوفة ويا أهل البصرة بما لقي أهل مصر وقد سرتم مراحل ثم طويتم نحونا هذا والله أمر أبرم بليل وفي رواية: بالمدينة! 
قال طارق الحمودي:وقد يكون الجواب : أن المصريين أخبروهم..فأرسلوا إليهم رسلا بسرعة كبيرة ...وهذا لا يستقيم جغرافيا ورياضيا ..والأمر واضح ! لا يحتاج إلا إلى حسابات رياضية للمسافات والسرعة, لمحاولة حل معادلة تلاقيهم في نفس الوقت على حدود المدينة بهذه الدقة ! وستكون مفاجأة ! أضف إلى هذا أن حكيم بن جبلة والأشتر النخعي وهما قياديان بارزان في الثوار كما يقال اليوم بقيا في المدينة ...بلا سبب!!!
والذي خفي هنا أمر لم يخطر وما كان ليخطر على بال الثوار المصريين ومعهم غيرهم وهو أن عامل مصر ابن أبي السرح الذي أرسل إليه مروان بن الحكم في زعم الثوار وبعد إنكار عثمان كان إما في طريقه إلى الشام أو أو كان قد وصل فعلا إلى الشام وكان قد تغلب حينها على مصر بغير إذن عثمان محمد بن أبي حذيفة
فكيف يكتب مروان لابن أبي السرح بتعزيرهم بعدما سرح من وظيفته وهو في طريقه إلى فلسطين بعدما استأذن عثمان وقد تغلب محمد بن أبي حذيفة على مصر!!!؟؟؟ كما يقول علي الصلابي في سيرة عثمان (), ومروان يعرف مثل هذا كما يقول من يزعم أنه كان متمكنا من ديوان الخلافة وهو كاتبه!!؟
فدخول الثوار المدينة كان سنة خمس وثلاثين في شوال ..بينهم وبين سنة ست وثلاثين شهران ,وابن أبي السرح مات بعسقلان سنة ست وثلاثين كما قال ابن حجر في الإصابة.

هذا ما خفي على الثوار المصريين وفضح اللعبة كلها...لعبة تزويرهم الرسالة لفشلهم في إحراج عثمان في المفاوضات !
انتهى التعليق ========

كان من خاصة عثمان رضي الله عنه، وأقام معه في الدار، ولما وقع الصلح في بدايات الفتنة بين عثمان والخارجين عليه بأن يلبي بعض مطالبهم، وكتب كتاباً بذلك؛ إخماداً للفتنة، وحقناً للدماء؛ اجتهد مروان من تلقاء نفسه، وافتات على ولي أمره، فكتب كتاباً ختمه بخاتم عثمان،ووجهه إلى أمير مصر يأمره بقتل الخوارج على عثمان وصلبهم، وتقطيع أيديهم وأرجلهم من خلاف، فاطلع الخارجون على عثمان على هذا الكتاب فثارت ثائرتهم، وعادوا مرة أخرى بعد أن سكنوا وتم الصلح،فحلف عثمان رضي الله عنه أنه ما كتب كتاباً ولا رضيه،فطلبوا منه أن يسلم مروان فأبى عثمان رضي الله عنه؛ خشية أن يقتلوه بسبب ذلك، ورأى عثمان أن اجتهاد مروان خاطيء ولكنه لا يوجب قتله، ولو استحق القتل فذلك لولي الأمر وليس للخوارج. فكان من أمر الله تعالى وقدره ما كان (16).
وذكر بعض المحققين أن الكتاب زوّره الخوارج على عثمان }، كما زوّروا كتباً على بقية الصحابة وأمهات المؤمنين رضي الله عن الجميع قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: "وفي رواية أنهم طلبوا منه أن يعزل نوابه عن الأمصار ويولي عليهم من يريدون هم، وإن لم يعزل نفسه أن يسلم لهم مروان بن الحكم فيعاقبوه كما زوّر على عثمان كتابه إلى مصر، فخشي عثمان إن سلمه إليهم أن يقتلوه فيكون سبباً في قتل امريء مسلم، وما فعل من الأمر ما يستحق بسببه القتل" وقال في موضع آخر: "وقد ذكر ابن جرير في تاريخه بأسانيده: أن المصريين لما وجدوا ذلك الكتاب مع البريد إلى أمير مصر، فيه الأمر بقتل بعضهم وصلب بعضهم، وبقطع أيدي بعضهم وأرجلهم، وكان قد كتبه مروان بن الحكم على لسان عثمان؛ متأولاً قوله تعالى: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم صلى الله عليه وسلملله 33 صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلمالمائدة: 33}، وعنده أن هؤلاء الذين خرجوا على أمير المؤمنين عثمان رضى الله عنه من جملة المفسدين في الأرض، ولا شك أنهم كذلك، لكن لم يكن له أن يفتات على عثمان، ويكتب على لسانه بغير علمه، ويزوّر على خطه وخاتمه، ويبعث غلامه على بعيره بعد ما وقع الصلح بين عثمان وبين المصريين على تأمير محمد بن أبي بكر على مصر بخلاف ذلك كله؛ ولهذا لما وجدوا هذا الكتاب على خلاف ما وقع الاتفاق عليه، وظنوا أنه من عثمان؛ أعظموا ذلك مع ما هم مشتملون عليه من الشر، فرجعوا إلى المدينة فطافوا به على رؤوس الصحابة، وأعانهم على ذلك قوم آخرون، حتى ظن بعض الصحابة أن هذا عن أمر عثمان رضي الله عنه، فلما قيل لعثمان رضي الله عنه في أمر هذا الكتاب بحضرة جماعة من أعيان الصحابة وجمهور المصريين حلف بالله العظيم وهو الصادق البار الراشد أنه لم يكتب هذا الكتاب، ولا أملاه على من كتبه، ولا علم به، فقالوا: إن عليه خاتمك، فقال: إن الرجل قد يُزَّور على خطه وخاتمه، قالوا: فإنه مع غلامك وعلى جملك، فقال: والله لم أشعر بشيء من ذلك.."(17).

وكما افتات مروان على عثمان رضي الله عنه فإن كثيراً ممن يُسمون بالمثقفين والمفكرين والإعلاميين يفتاتون على ولاة الأمر، ويذكون نار الفتنة بالطعن في الدين، واتهام البرءاء، واختلاق أسباب للإرهاب ليست صحيحة، والتغافل عن الأسباب الحقيقية.
إن أية فتنةٍ لا تستعر إلا بأبواقٍ حاقدةٍ تؤلِّبُ الناس، وتدفع الرعاع ليكونوا حطبها،وفي الأزمات والفتن يبرز ذوو المنافع الشخصية، والمطامع الدنيوية، وأصحاب الأهواء والأحقاد، ويتخذون من الفتنة مجالاً للكسب المادي، أو لتصفية حسابات شخصية، ولو كان ذلك على حساب دماء الناس وآلامهم، ولوسائل الاتصال الحديث من شبكة عالمية، وقنواتٍ فضائية، وصحفٍ ومجلات نصيب كبير في ذلك.
إن على كل متحدث وكاتب أن يتقي الله عز وجل في قلمه ولسانه؛ فلا يروج الإشاعات، ولا يختلق الأكاذيب، ولا يرمي الأبرياء بتهم باطلة؛ لإثبات رأيه،أو نيل مراده من كسب مادي، أو تصفية حسابات شخصية،وليكن صادقاً في معالجته، مخلصاً في قوله وفعله، لايريد إلا الإصلاح والنصح؛ فإن الشرَّ إن وقع عصف بالجميع.
وعلى كل مسلم أن يَصْدُقَ في النصح لله تعالى، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم، ولايفتات على ولاة أمره بقول أو فعل يظن فيه صلاحاً وهو عين الفساد، ولا سيما إذا كان من أهل الرأي والاستشارة.
وما يقع في بلاد المسلمين من استحلالٍ للدماء المحرمة، وقتل الأبرياء، وبوجه أخص في منبع الرسالة، ومهبط الوحي ينتفع به الحاقدون الموتورون من الكفار والمنافقين، الذين يعجبهم اختلاط الأمر، واشتعال الفتن في بلاد المسلمين، وقد اتخذوا الإسلام سخرياً بالطعن في شريعته، واتهام أهله بأنهم متعطشون لسفك الدماء، وانتهاك الحرمات.
نسأل الله تعالى اللطف والثبات، كما نسأله تعالى أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كيد الكائدين، وشر الحاسدين.

الهوامش:
1- أخرجه البخاري في الفتن باب الفتنة التي تموج كموج البحر (6683) ومسلم في الفتن وأشراط الساعة باب في الفتنة التي تموج كموج البحر(144)
(2) أخرجه بهذا اللفظ ابن عساكر في تاريخه (39-447) ونقله عنه ابن كثير في البداية والنهاية (7-154) وهو في تاريخ الخلفاء للسيوطي(162)
وجاء في مصنف ابن أبي شيبة عن حذيفة رضي الله عنه قال:"أول الفتن قتل عثمان، وآخرها الدجال" (7-264) وأخرجه عمر ابن شبه في أخبار المدينة (22102209) والفسوي في المعرفة والتاريخ(2-88).
(3) البداية والنهاية (7-155).
(4) أخرجه الحاكم وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي(3-95).
(5) البداية والنهاية(7-156).
(6) أخرجه ابن عساكر في تاريخه (39-491490) وهو في البداية والنهاية(7-156).
وزيد بن صوحان هو ابن حجر بن الحارث ابن الهجرس العبدي أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، واختلف في صحبته، قال ابن عبدالبر في الاستيعاب (2-556555):"لا أعلم له عن النبي صلى الله عليه وسلم رواية وإنما يروي عن عمر وعلي" ثم نقل ابن عبدالبر عن محمد بن السائب الكلبي أن زيداً أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه، قال ابن عبدالبر "ولا أعلم له صحبة ولكنه ممن أدرك النبي صلى الله عليه وسلم بسنة مسلماً" أه.
وذكره ابن حبان في مشاهير التابعين بالكوفة في كتابه: مشاهير علماء الأمصار (745).
وقال الذهبي في السير (3-525):"ذكروه في كتب معرفة الصحابة، ولا صحبة له لكنه أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.."أ ه.
وذكر ابن عساكر في تاريخه وفداً جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم معهم زيد بن صوحان وأثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم (19-473) قال الحافظ في الإصابة (2-625) بعد أن أورد ذلك: "وعلى هذا فهو صحابي لا محالة"
قلت: المشهور أنه أسلم في وقت النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره.
(7)أخرجه ابن عساكر في تاريخه (39-481) وهو في البداية والنهاية (7-156).
(8) أخرجه ابن عساكر (39-479) وهو في البداية والنهاية (7-154) والمعنى فيما يظهر لي: أي: ضعف بعيره عن المسير وعجز عن ذلك، كناية عن عدم سيره في الفتنة، واستعجاله إليها، والله أعلم.
(9) البداية والنهاية (7-154)
(10) أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1-369) وابن عساكر في تاريخه (39-480) وابن شبة في تاريخ المدينة(6605)
وجاء مثله عن الحسن البصري أخرجه ابن عساكر (39-491) وذكره ابن كثير في البداية والنهاية(7-157).
(11) أخرجه ابن عساكر (39-440) وهو في مقتل الشهيد عثمان للجاحظ (149) والبداية والنهاية (7-152).
(12) البداية والنهاية (7-152).
(13) أخرجه الطبري في تاريخه (2-676) وابن عساكر(39-440) وهو في مقتل الشهيد عثمان للجاحظ (149).
(14) البداية والنهاية (7-152).
(15) انظر: مصنف ابن أبي شيبة (7-520) برقم (37690) وتاريخ الطبري (2-671) وفضائل الصحابه للإمام أحمد (1-472) ومقتل الشهيد عثمان (232).
16- البداية والنهاية (7-145).
17- البداية والنهاية (7-149) وانظر: تاريخ الطبري (2-655) وتاريخ خليفة (169) وفضائل الصحابة للإمام أحمد (1-471) والنجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة (1-81).


الجزء الثاني

في المحن والبلايا، والفتن والرزايا؛ معرفة عزّ الربوبية وقهرها، وذلة العبودية وكسرها الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون صلى الله عليه وسلم لله156صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم البقرة: 156}،اعترفوا بأنهم ملكه وعبيده، وأنهم راجعون إلى حكمه وتدبيره، وقضائه وتقديره، لا مفر لهم منه، ولا محيد لهم عنه(1).
والمؤمن يبتلى بالشر كما يبتلى بالخير، وتصيبه الضراء كما تصيبه السراء؛ فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فعليه السخط، وإذا انقشعت سحابة المحن، وسكنت عاصفة الفتن كان في الناس مأجور وموزور، وسالم وموتور، وأعظم الوَتْر الوتر في الدين، ثم الوتر في النفس، ثم في الأهل والمال. 
وأمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، ُوِترَ في نفسه، وَوُتِرَ به أهله بعد شدة شديدة، ومحنة عظيمة، وبلوى كبيرة؛أخبره عنها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يفارق أصحابه رضي الله عنهم، فوقع الأمر كما أخبر بعد أكثر من ربع قرن من إخباره عليه الصلاة والسلام(2). 
روى أبو موسى الأشعرى رضي الله عنه :"أن عثمان رضي الله عنه أستأذن بالدخول على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال عليه الصلاة والسلام لأبي موسى: أئذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه، قال أبو موسى: فجئته فقلت له: أدخل وبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة على بلوى تصيبك" رواه الشيخان، وفي رواية: قال أبو موسى:" فذهبت فإذا هو عثمان بن عفان، قال:"ففتحت وبشرته بالجنة، قال: وقلت الذي قال، فقال: اللهم صبراً أو الله المستعان" وفي رواية أخرى:"أن عثمان رضي الله عنه حمد الله تعالى ثم قال: الله المستعان"(3).
وهذه البلوى التي أخبره بها النبي صلى الله عليه وسلم أصابته في آخر حياته رضي الله عنه، وهو شيخ قد بلغ من الكبر عتيا، وتحمل من أمور الأمة ما تحمل؛ فقابل بلواه بثبات عجيب، وصبرجميل، فلم يتزحزح عن إيمانه، ولا جزع من مصابه، فرضي الله عنه وأرضاه، وجعل دار الخلد مأواه.


بداية الفتنة:


كانت بداية هذه البلوى العظيمة لهذا الخليفة الراشد بفتنة منكرة، أطلت برأسها في آخر خلافته، أشعل نارها المنافقون، وجعلوا حطبها الجهلة والرعاع من نزاع القبائل، وسفلة الأطراف والأراذل، قد امتلأت بالفتنة قلوبهم، وتواصوا بالشر فيما بينهم، فتراسلوا وتكاتبوا يسبون أميرالمؤمنين، ويملؤون صدور العامة عليه وعلى ولاته؛ جرّاء سياسات انتقدوها، وأفعال نقموها؛ كان الحق فيها مع عثمان رضي الله عنه، ولكنهم قوم يستعجلون، وأوباش إلى الفتنة يسارعون(4).
فاستفحل أمرهم، واستطار شرهم، فما عادت تكفيهم المراسلات والمكاتبات، ولا أشبعت قلوبهم المفتونة الأقوال والمشاتمات، فانتقلوا إلى التجمعات والخروج المسلح؛ فسار المفتونون، يقودهم المنافقون، ساروا من مصر إلى المدينة النبوية، عاصمة الخلافة، وموطن الخليفة.
فوصلوها وقد أضمر رؤوسهم الشر، وتشرب أتباعهم الفتنة،فوقعت أمور عظائم، وكثرت الأقاويل والشتائم التي أوذي فيها عثمان رضي الله عنه إيذاءً شديداً، حتى وقفوا عليه يوم الجمعة وهويخطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقاطعوه في خطبته بالسب والشتيمة، ثم حصبوه بالحصى فشجوه وأدموه، وخر مغشياً عليه رضي الله عنه، وحمل إلى بيته، وهو إمام المسلمين في وقته(5) فطمع فيه الخوارج أكثر من ذي قبل، ولا سيما أن أكثر الصحابة رضي الله عنهم كانوا في الحج وفي الثغور، والبقية الباقية منهم في المدينة لا تكفي لرد عدوان الخوارج.
ذكر ابن كثير في الجواب عن عدم منع الصحابة رضي الله عنهم في المدينة الخوارج من قتل عثمان أوجهاً عدة قال في الوجه الثالث منها: "إن هؤلاء الخوارج لما اغتنموا غيبة كثير من أهل المدينة في أيام الحج، ولم تقدم الجيوش من الآفاق للنصرة، بل لما اقترب مجيئهم انتهزوا فرصتهم قبحهم الله، وصنعوا ما صنعوا من الأمر العظيم"(6). 


فعلهم بعثمان }:


حاصر الخوارج عثمان رضي الله عنه في بيته، ومنعوا عنه الماء الحلو، فشرب الماء المالح في حصاره، وحالوا بينه وبين الصلاة في المسجد، وهو إمام المسلمين!! أيفعل ذلك بعثمان رضي الله عنه وهو المبشر بالجنة، وقد زوجه النبي صلى الله عليه وسلم ابنتيه الواحدة تلو الأخرى، وجهز جيش العسرة من خالص ماله حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم "ما ضرَّ عثمانَ ما عمل بعد اليوم"(7).
لقد منعوه الماء والصلاة في المسجد وهو شيخ كبير قد جاوز الثمانين، وهو إمامهم وولي أمرهم، وله عليهم السمع والطاعة، ولكنهم قوم مفتونون، قد أعمت الفتنة أبصارهم، ورانت على قلوبهم، فلم يميزوا بين رعاع وإمام، ولا عرفوا للصحابة فضلهم وهو من كبار الصحابة، بل من أوائلهم إسلاماً وهجرة، وجهاداًودعوة!!
أطل عليهم رضي الله عنه من داره وهومحصور، وقد أحاطوا به شاهرين أسلحتهم، متربصين به، فناقشهم وجادلهم، ووعظهم وذكرهم وقال لهم: "أنشدكم الله، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ضاق المسجد بأهله فقال: من يشتري هذه البقعة من خالص ماله فيكون فيها كالمسلمين وله خير منها في الجنة(8)؛ فاشتريتها من خالص مالي فجعلتها بين المسلمين، وأنتم تمنعوني أن أصلي فيه ركعتين، ثم قال: أنشدكم الله، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة لم يكن فيها بئر يستعذب منه إلا رومة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من يشتريها من خالص ماله فيكون دلوه فيها كدلاء المسلمين، وله خير منها في الجنة؛ فاشتريتها من خالص مالي وأنتم تمنعوني أن أشرب منها"(9) فأقروا له بذلك لكنهم ما استجابوا ولا سمعوا!!
طال حصاره رضي الله عنه حتى قارب أربعين ليلة، وعلم الخوارج أن الصحابة عائدون من الحج، وأن أهل الأمصار قد بلغهم ما يجري في المدينة، فسيِّروا الجيوش لنصرة الخليفه، فاستعجلوا قتله رضي الله عنه قبل قدوم الحجاج، ووصول الجيوش من الأمصار(10).
عن أبي عون مولى المسور بن مخرمة قال: "مازال المصريون كافين عن القتال حتى قدمت أمداد العراق من عند ابن عامر، وأمداد ابن أبي سرح من مصر، فقالوا: نعاجله قبل أن تقدم الأمداد"(11).


بشائر لعثمان }:


في آخر يوم من عمره رضي الله عنه رأى في المنام أنه إن قاتلهم بمن معه من المهاجرين والأنصار وأبنائهم فهو منصور، وإن تركهم قدم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فاختار القدوم على النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فقال لمن كانوا يحمونه من الصحابة وأبنائهم "أقسم على من لي عليه حق أن يكف يده، وأن ينطلق إلى منزله" ثم قال لرقيقه: "من أغمد منكم سيفه فهو حر"(12).
وعن أبي الصلت قال: "أغفى عثمان بن عفان في اليوم الذي قتل فيه فاستيقظ فقال: لولا أن يقول الناس تمنى عثمان أمنية لحدثتكم، قال: قلنا: أصلحك الله، حدثنا فلسنا نقول ما يقول الناس، فقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامي هذا فقال: إنك شاهد معنا الجمعة" رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي(13).
وروى أبو يعلى وعبدالله بن الإمام أحمد عن مسلمٍ أبي سعيد مولى عثمان ابن عفان رضي الله عنه: "أن عثمان أعتق عشرين مملوكاً، ودعا بسراويل فشدها لم يلبسها في جاهلية ولا إسلام، وقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وأبا بكر وعمر وأنهم قالوا لي: اصبر فإنك تفطر عندنا القابلة، ثم دعا بمصحف فنشره بين يديه، فقتل وهو بين يديه"(14).
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: "إنما لبس السراويل رضي الله عنه في هذا اليوم لئلا تبدو عورته إذا قتل؛ فإنه كان شديد الحياء، كانت تستحيي منه الملائكة؛ كما نطق بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، ووضع بين يديه المصحف يتلو فيه، واستسلم لقضاء الله عز وجل، وكفَّ يده عن القتال، وأمر الناس وعزم عليهم أن لا يقاتلوا دونه، ولولا عزيمته عليهم لنصروه من أعدائه، ولكن كان أمر الله قدراً مقدوراً"(15).
وثبت من غير وجه: أن أول قطرة من دمه سقطت على قول الله تعالى فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم صلى الله عليه وسلم لله137صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم البقرة: 137} ويروى أنه وصل إليها في تلاوته حين دخل عليه الخوارج الأشقياء(16).
وروى ابن سعد أنه لما طعن رضي الله عنه قال:"بسم الله، توكلت على الله،وإذا الدم يسيل على لحيته، فقطر والمصحف بين يديه فاتكأ على شقه الأيسر وهو يقول: سبحان الله العظيم، وهو في ذلك يقرأ المصحف، والدم يسيل على المصحف حتى وقف الدم عند قوله فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم صلى الله عليه وسلم لله137صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم البقرة: 137} وأطبق المصحف وضربوه جميعاً ضربة واحدة"(17).


عاقبة القتلة الظالمين:


أقسم بعض السلف بالله تعالى: "أنه ما مات أحد من قتلة عثمان إلا مقتولاً، أصابتهم دعوة سعد بن أبي وقاص حين دعا عليهم وهو مجاب الدعوة فقال: اللهم أندمهم ثم خذهم"(18)، وعن يزيد بن حبيب رحمه الله تعالى قال:"ما مات أحد منهم حتى جُنَّ"(19).
وعن محمد بن سيرين رحمه الله تعالى قال:"كنت أطوف بالكعبة وإذا رجل يقول: اللهم اغفر لي، وما أظن أن تغفر لي! فقلت: يا عبدالله، ما سمعت أحداً يقول ما تقول، قال: كنت أعطيت الله عهداً إن قدرت أن ألطم وجه عثمان إلا لطمته، فلما قتل وضع على سريره في البيت، والناس يجيئون فيصلون عليه، فدخلت كأني أصلي عليه، فوجدت خلوة، فرفعت الثوب عن وجهه فلطمته وسجيته، وقد يبست يمينى، قال ابن سيرين: فرأيتها يابسة كأنها عود"(20).
وعن سفيان بن عينيه عن طمعة بن عمرو وكان رجلاً قد يبس وشحب من العبادة، فقيل له: ما شأنك؟ قال: إني كنت حلفت أن ألطم عثمان، فلما قتل جئت فلطمته فقالت لي امرأته: أشلَّ الله يمينك، وصلى وجهك النار، فقد شلت يمني وأنا أخاف" وذكر ابن عساكر قصصاً أخرى في هذا المعنى(21).
فقه عثمان وحسن اختياره }:
هدي الصحابة رضي الله عنهم خيرُ الهدي، وهم أصلح الأمة قلوباً، وأزكاهم أعمالاً، وأكثرهم علماً وفقهاً، فمن رام الهداية إلى الحق، فليسلك مسلكهم، وليستمسك بهديهم، ولينهل من فقههم وعلمهم.
وفي حادثه مقتل عثمان رضي الله عنه، وموقفه من تلك الفتنة العمياء: ما يدل على أنه رضي الله عنه كان من كبار فقهاء هذه الأمة، ومن أشدهم تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم ، واتباعاً لسنته، وعملاً بقوله، ولم تفقده الفتنة صوابه، ولاخرج عن الاتباع قيد أنملة، رغم ما مرّ به من شدة ومحنة.
ويتجلى ذلك أكثر ما يتجلى في استسلامه لقضاء الله تعالى وقدره، وحقنه لدماء المسلمين، وتقديم مصلحة الأمة على مصلحته الخاصة؛ بالاكتفاء بسفك دمه دون دم غيره، مع وجود من سيدافع عنه، ويقيه بدمه؛ لكنه رأى أن لا فائدة من ذلك، وأحس بدنو أجله؛ فكان شجاعاً، واجه الأمر لوحده، وأعفى المسلمين من تبعة ذلك، فحقن بفعله هذا دماءً كثيرة.
وأعظم من ذلك فقهاً وعلماً: أنه رفض التنازل عن الخلافة؛ تلبية لمطالب الخوارج، ولو كان في ذلك ذهاب نفسه؛ إعمالاً للنصوص النبوية التي استحضرها في تلك الفتنة، وعلم ما فيها من العلم والفقه رغم ما هو فيه من الشدة والمحنة، فمن يثبت عقله كما ثبت عقل عثمان،في فتنةٍ تجعل الحليم حيران؟!
روى أبو سهلة مولى عثمان رضي الله عنه أن عثمان قال يوم الدار حين حُصِر:"إن رسول صلى الله عليه وسلم عهد إليّ عهداً، فأنا صابر عليه، قال قيس ابن أبي حازم: فكانوا يرونه ذلك اليوم" رواه أحمد والترمذي، وقال :حسن صحيح(22). 
وروت عائشة رضي الله عنها فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا عثمان، لعل الله يقمصك قميصاً فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه حتى يخلعوه" رواه الترمذي وقال: حسن غريب.
وفي لفظ للإمام أحمد:"إن الله لعله يُقَمِصُّك قميصاً فإن أرادك أحد على خلعه فلا تخلعه، ثلاث مرات، قال النعمان بن بشير لعائشة: يا أم المؤمنين، فأين كنت عن هذا الحديث؟ فقالت: يا بني، والله أُنسيته"(23).
رضي الله عن عائشة؛ نسيت هذا الحديث، فلما قتل عثمان تذكرته، ورضي الله عن عثمان ما نسيه رغم المصيبة التي ألمت به، وهذا من أعظم الدلائل على ثبات عثمان،وشدة امتثاله لوصايا النبي صلى الله عليه وسلم .
وروت عائشة رضي الله عنها:"أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عثمان يوماً فتنحى به،فجعل ُيسارُّه ولون عثمان يتغير، فلما كان يوم الدار وحصر فيها قلنا: يا أمير المؤمنين،ألا تقاتل؟قال: لا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليّ عهداً وإني صابر نفسي عليه" رواه أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي(24).
لقد كان عثمان رضي الله عنه مسدداً في رأيه، موفقاً في اختياره، وتجاوز الفتنة بأقل الخسائر، وأكبر المكاسب؛ فلقي الله عز وجل وقد حفظ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصيته،ولم تتلطخ يداه بدماء معصومةٍ محرمة، بل لم يسفك حتى دماء أعدائه الخارجين عليه، وهم يستحقون ذلك، وقُتِل ظلماً وعدواناً يجد عقبى ذلك يوم القيامة.
إن استمساكه رضي الله عنه بالخلافة حتى آخر قطرةٍ من دمه، مع عدم القتال عليها؛ كان الخيار الحسن بين شرين عظيمين، فلو قاتل عليها لسفكت دماء كثيرة من ضمنها دمه، فكانت الخسائر أكبر. ولو تنحى عن الخلافة لما وفى بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، وفي تنحيه عنها فتح لباب شرٍ كبير على الأمة؛ إذ يتولى شؤونها الرعاع والدهماء، يقودهم أصحاب النوايا السيئة من المنافقين والمفسدين، فيعزلون من شاؤوا، ويولون من شاؤوا حسب أهوائهم، ومنصب الإمامة الكبرى ليس ألعوبة في أيدي السفهاء والدهماء، بل هو شأن كبراء الأمة وعقلائها وعلمائها من أهل الحل والعقد.
ولا يفتات على هذا الحق من عامة الناس، إلا من أُشرب الفتنة، كما أُشرب بنو إسرائيل العجل، ولا يطعن فيه لأجل دنيا لم يصبها إلا طلاب الدنيا، وعّباد الأموال والجاه، الذين إن أعطي أحدهم رضي، وإن لم يعط سخط،تعس فانتكس، وإذا شيك فلا انتقش.
جعلنا الله تعالى هداة مهتدين، لا ضالين ولا مضلين، وهدانا صراطه المستقيم، وأصلح لنا أحوال الدنيا والدين.

الهوامش:
(1) انظر: فوائد البلوى والمحن للعز بن عبدالسلام(9).
(2) وذلك أن راوي الحديث أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، وهو بوّاب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم، والأشعريون رضي الله عنهم قدموا عام خيبر سنة سبع من الهجرة؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الحديث بين العام السابع والعاشر، وعثمان رضي الله عنه قتل سنة خمس وثلاثين للهجرة، فوقع إخباره عليه الصلاة والسلام بعد ثمان وعشرين سنة، أو بعد خمس وعشرين سنة، أو بينهما.
(3) أخرجه البخاري (3492) ومسلم (2403) وأحمد(4-393) وعبد بن حميد(555) وابن حبان (6912) والرواية الثانية لمسلم والرواية الثالثة للبخاري (3490).
(4) كان مبتدأ ذلك من الكوفة، ثم امتد إلى البصرة، حتى وصل إلى مصر، وانظر تفصيل ذلك في: تاريخ الطبري(4-251) وتاريخ خليفة (157) والكامل لابن الأثير(3-82) وعبد الله بن سبأ وأثره في إحداث الفتنة في صدر الإسلام للدكتور سليمان بن حمد العودة وفيه نقولات مهمة، وتحليلات جيدة، ومقارنات موفقة في هذا الموضوع جزى الله كاتبه خيراً(142133).
(5) انظر: تاريخ الطبري (4-351) والبداية والنهاية(7-142141) وسير أعلام النبلاء "الخلفاء الراشدون" (193).
(6) البداية والنهاية(7-158).
(7) أخرجه من حديث عبدالرحمن بن سمرة رضي الله عنه أحمد في المسند (5-63) وفي فضائل الصحابة(738) والترمذي، وقال: حديث حسن غريب من هذا الوجه(3701) وابن أبي عاصم في السنة (1279) والطبراني في مسند الشاميين(1274) والحاكم وصححه ووافقه الذهبي(3-110).
وجاء نحوه عن ابن عمر رضي الله عنهما عند أحمد في فضائل الصحابة(854).
(8) أخرجه من حديث ثمامة بن حزن العشيري عن عثمان رضي الله عنه: عبدالله ابن أحمد في زيادات المسند (1-74) والترمذي وقال: حديث حسن(3703) والنسائي (6-235) والدارقطني (4-197) وابن عساكر في تاريخه (39-336) وصححه ابن خزيمة (2492)والشيخ أحمد شاكر في شرحه على المسند(555).
(9) أخرج البخاري بعضه معلقاً مجزوماً به (2-829) ووصله من حديث أبي عبدالرحمن السلمي: الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح غريب (3699) والنسائي (6-236) والدارقطني (4-199) والبيهقي(6-167) وصححه ابن خزيمة(2491) وابن حبان (6916)
وجاء أيضاً من حديث ثمامة بن حزن القشيري المخرج في هامش (8).
(10) انظر: البداية والنهاية (7-150).
(11) أخرجه ابن سعد في الطبقات (3-71) والطبري في تاريخه (2-678) وابن عساكر في تاريخه (39-399) من طريق الواقدي.
(12) البداية والنهاية (7-146)ومرآة الجنان (1-91) وشذرات الذهب (1-4). 
(13) أخرجه ابن شبة في أخبار المدينة (2-254) برقم (2158) والبزار في البحر الزخار (412) والحاكم وصححه ووافقه الذهبي من حديث أبي الصلت كثير بن الصلت(3-106) وابن عساكر في تاريخه (39-384) وعزاه الهيثمي في مجمع الزوائد (7-232) لأبي يعلى في المسند الكبير وقال :"وفيه أبو علقمة مولى عبدالرحمن بن عوف ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات".
وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (6-181) برقم (30510) وابن سعد في الطبقات (3-74) وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (576) وعبدالله بن الإمام أحمد في فضائل الصحابة (811) والزوائد على المسند (1-73) من حديث نائلة بنت الفرافصة زوج عثمان رضي الله عنه، وإسناده ضعيف، في إسناده زياد بن عبدالله بن حدير الأسدي وفيه نظر كما في تعجيل المنفعة(141) وأم هلال بنت وكيع وقد ذكرها ابن حبان في الثقات (5-487) وقال الحافظ في تعجيل المنفعة (1685): "لا تعرف".
(14) أخرجه عبدالله بن الإمام أحمد في زوائد المسند(1-72) وفي فضائل الصحابة (908) وصححه الشيخ أحمد شاكر (526) وفي سنده يونس بن أبي يعفور مختلف فيه وخرج له مسلم، وعزاه الهيثمي لعبد الله وأبي يعلى في الكبير وقال: ورجالهما ثقات (7-232).
(15) البداية والنهاية(7-149).
(16) كما في حديث أبي سعيد مولى أبي أسيد الأنصاري رضي الله عنه، أخرجه عبدالله بن أحمد في فضائل الصحابة (765 766) وابن أبي شيبة في المصنف (7-520) برقم (37690) والطبري في تاريخة (2-672671) وابن عساكر في تاريخه (39-411) وصححه ابن حبان (6919).
(17) أخرجه ابن سعد في الطبقات(3-74) وابن عساكر في تاريخ دمشق (39-413) وانظر: التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان لأبي بكر المالقي الأندلسي (142).
(18) أخرجه سيف بن عمر في الفتن ووقعة الجمل (72 74) والطبري في تاريخه (2-676) وابن عساكر في تاريخه (39-440) وانظر: البداية والنهاية(7-152) والتمهيد والبيان للمالقي (149) وقال ابن العماد: "والصحيح أنه لم يتعين قاتله، وكانوا أربعة آلأف" أ ه من شذرات الذهب (1-4).
(19) أخرجه الطبراني في الكبير(1-45) برقم (134) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: وإسناده حسن(9-94).
(20) أخرجه اللالكائي في السنة (7-1329) برقم (2362) وابن عساكر في تاريخه (70-141) وعزاه ابن كثير في البداية والنهاية(7-153) للبخاري في التاريخ الكبير ولم أقف عليه فيه.
(21) أنظر: تاريخ ابن عساكر (140/7).
(22) أخرجه أحمد (1-6957) وابن أبي شيبة في مصنفه(6-361) والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن أبي خالد(3711) وابن ماجه (113) وصححه ابن حبان(6918) والشيخ أحمد شاكر(407) وقد نبه الشيخ أحمد شاكر على أن الحاكم روى هذا الحديث وحديث عائشة في مقتل عثمان فجعلهما حديثاً واحداً في المستدرك (3-99) والصواب أنهما حديثان منفصلان، وأن الخطأ من بعض الرواة. أ ه
(23) أخرجه أحمد(6-149) وابن أبي شيبة(6-7362-514) والترمذي، وقال: حديث حسن غريب (3705) وابن أبي عاصم في السنة (1172) والطبراني في مسند الشاميين (1934) وصححه ابن حبان (6915).
(24) أخرجه أحمد في المسند (6-21451) وفي فضائل الصحابة (804) وابن أبي شيبة (6-361) وأبو يعلى (4805) وابن ماجه(113) والحاكم وصححه ووافقه الذهبي(3-106).

الجزء الثالث
من أسبابها: الانفتاح على الدنيا 

كثرة النعم عند الناس، وتدفق الخيرات عليهم، وحصول الفراغ لديهم ؛سلاح ذو حدين؛ فهو من جهةٍ يحقق لهم أنواعاً من الرفاهية، ويُمَكِّنُهم من أعمالٍ صالحة كثيرة؛ لضمان قوتهم، وكثرة فراغهم، ومن أعطاه الله تعالى بسطة في المال، وسعة في الرزق؛ تيسر له الإنفاق في وجوه الخير، وصلة الأرحام، ونفع الناس،وقد ذهب أهل الدثور بالأجور من الصحابة رضي الله عنهم.
ومن جهة أخرى فإن كثرة النعم سبب للأشر والبطر، وانفتاح أبواب الفتن، وضعف الحمد والشكر، وكثرة السخط والتشكي؛ فلا الفقير يصبر، ولا المستور يقنع، ولا الغني يرضى.
ولقد كان من أهم عوامل الخروج على الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه: كثرة الخيرات، واتساع الدنيا في أيدي الناس، وفراغهم بعد أن فتحت الأقاليم،وغنموا واطمأنوا،فأخذوا ينقمون على خليفتهم؛إذا تفرغوا لذلك
وقد نقل المؤرخون في الكلام على فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه قول حكيم عباد بن حنيف:"إن أول منكر ظهر بالمدينة حين فاضت الدنيا، وانتهى سمن الناس"(1) وفي رواية ذكر:"لهو الناس بالحمام، والرمي على الجلاهقات"وهي قوس البندق كانت تتخذ للهو؛ حتى إن عثمان رضي الله عنه قص الطيور، وكسر الجلاهقات(2).
بين سياسة عمر وسياسة عثمان رضي الله عنهما:
كان من سياسية عمر رضي الله عنه: حبس الناس عن الدنيا، وتزهيدهم فيها، وتقليل حظهم منها، وإشغالهم عنها بالعبادة والعمل الصالح، وبدأ بنفسه في ذلك، وأهل بيته، وعسف رعيته على ذلك.. وما استطاع عثمان لما جاء بعده أن يسير سيرته، ويعمل بسياسته؛ لما فيها من الرهق والمشقة.. وكان من حكمة عبدالرحمن ابن عوف رضي الله عنه لما تولى أمر الشورى بعد أن أصيب عمر رضي الله عنه:عزل نفسه من الخلافة؛ فإنه رضي الله عنه خطب في الناس، فقال له سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:"ارفع رأسك،وانظر في أمور الناس يقصد أن يتولى الخلافة فقال له عبدالرحمن: ثكلتك أمك، إنه لن يلي هذا الأمر أحد بعد عمر إلا لامه الناس"(3).
وقد وصف الشعبي رحمه الله تعالى الأحوال آنذاك وصفاً دقيقاً،أثبت فيه أن من أسباب الفتنة، انفتاح الناس على الدنيا،وخاصة الأكابر منهم وهم قريش لأن الناس ينظرون إليهم، ويتبعون هديهم، فقال الشعبي رحمه الله تعالى:"لم يمت عمر حتى مَلَّتُه قريش، وقد كان حصرهم بالمدينة فامتنع عليهم، وقال: إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة انتشاركم في البلاد، فإن جاء الرجل منهم ليستأذنه في الغزو قال له: قد كان لك في غزوك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبلغك، وخير لك من غزوك اليوم أن لا ترى الدنيا ولا تراك، وكان يفعل هذا بالمهاجرين من قريش لأن الإمامة فيهم ولم يكن يفعله بغيرهم من أهل مكة، فلما ولي عثمان رضي الله عنه خلَّى عنهم، فانتشروا في البلاد، وانقطع إليهم الناس، وكان أحب إليهم من عمر، رضي الله عن عمر وعثمان"(4).
وكان عثمان رضى الله عنه يقول:"إن عمر رضي الله عنه أتعب والله من تبع أثره"(5).


غزو الدنيا لأهل الفتنة:


لم تمض سنة من إمارة عثمان رضي الله عنه حتى اتخذ رجال من قريش الأموال في الأمصار، وصار الناس يدخلون عليهم، ويخرجون منهم، وثبتوا سبع سنين على حالهم هذه، ثم أفسدت الدنيا أبناءهم،(6) فسألوا عثمان الإمارة فلم يرهم أكفاء لها، فنقموا عليه، فاستغلهم رؤوس الفتنة من المنافقين والمفسدين،وألبوهم على عثمان رضي الله عنه، فكانوا من الخوارج عليه، نسأل الله العافية والسلامة.
كان منهم: محمد بن أبي بكر الصديق الذي نَفَسَتْ به أمه في حجة الوداع مع النبي صلى الله عليه وسلم (7)، ومحمد بن أبي حذيفة الذي ولد في الهجرة إلى الحبشة(8).
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:"ونشأ بمصر طائفة من أبناء الصحابة يؤلبون الناس على حربه أي عثمان والإنكار عليه، وكان معظم ذلك مسنداً إلى محمد بن أبي بكر ومحمد ابن أبي حذيفة؛ حتى استنفرا نحواً من ست مئة راكب يذهبون إلى المدينة في صفة معتمرين في شهر رجب؛ لينكروا على عثمان فساروا إليه تحت أربع أرفاق... وأقبل معهم محمد بن أبي بكر، وأقام بمصر محمد بن أبي حذيفة يؤلب الناس ويدافع عن هؤلاء"(9).
وكلا الاثنين ما أُتي إلا من قبل الدنيا، ولا حرضهما من حرضهما على عثمان رضي الله عنه إلا بها؛ إذ طلبا الإمارة فلما لم يُمَكَّنا منها؛ فنكثا البيعة،ونازعا السلطان، فهاج معهما أهل الشر والفتنة.


فعل محمد بن أبي بكر:


أما محمد بن أبي بكر فخرج على عثمان يطلب ولاية مصر فولاه عليها أول الأمر؛ حقناً للدماء،وتسكيناً للدهماء،وإخماداً للفتنة.
سئل سالم عبدالله بن عمر رضي الله عنهم عن محمد بن أبي بكر: "ما دعاه إلى ركوب عثمان؟ فقال: الغضب والطمع، قيل: ما الغضب والطمع؟ قال: كان من الإسلام بالمكان الذي هو به، وغَرَّه أقوام فطمع، وكانت له دالة فلزمه حق، فأخذه عثمان من ظهره ولم يداهن، فاجتمع هذا إلى هذا، فصار مذمماً بعد أن كان محمداً"(10).
ولكن من خرجوا معه ما أرادوا إلا دم الخليفة عثمان رضي الله عنه، فكان محمد فيمن دخل على عثمان وقت مقتله، فأخذ بلحيته، فقال له عثمان رضي الله عنه:"يا ابن أخي، ما كان أبوك ليأخذ بلحيتي"(11) وفي رواية:"لقد أخذت بلحية كان أبوك يكرمُها"(12). 
وقال الطبري: "وكان أول من دخل عليه الدار محمد بن أبي بكر فأخذ بلحيته، فقال: له دعها يا ابن أخي، فوالله لقد كان أبوك يكرمها، فاستحيا وخرج"(13).
وروى أبو سعيد مولى أبي أسيد الأنصاري:"أن محمد بن أبي بكر دخل عليه فأخذ بلحيته قال:فقال له: قد أخذت منا مأخذاً، وقعدت مني مقعداً ما كان أبو بكر ليقعده أو ليأخذه، قال فخرج وتركه"(14).
وروى الشعبي:"أن محمد بن أبي بكر دخل على عثمان فأخذ بلحيته فقال: أرسل لحيتي فلم يكن أبوك ليتناولها فأرسلها"(15).
وروى سعيد بن المسيب:"أن محمد أبي بكر دخل على عثمان فأخذ بلحيته، فقال له عثمان رضي الله عنه:أما والله لو رآك أبوك لساءه مكانك مني، فتراخت يده"(16).
فاستحيا محمد من قوله، وأفاق من سكرته، وظهر له خطؤه، فتذمم من ذلك، وغطى وجهه حياءً، ورجع وحاجز دون عثمان يحميه فلم يفد ذلك؛ لأنه كان بعد فوات الأوان، وتمكن أهل الفتنة والأهواء(17) ثم إنه قتل بعد ذلك في خضم هذه الفتنة العظيمة التي كان هو سبباً في إشعالها،وعسى الله أن يكفر عنه بما ناله من أذى وقتل، وبما حصل له من ندم ورجوع إلى الحق.
وذكر الذهبي: "أن محمد بن أبي بكر هُزم من جيش معاوية بن حُديج الكندي فاختفى في بيت لامرأة فدلت عليه، فقال: احفظوني في أبي بكر، فقال معاوية بن حديج: قتلت ثمانية من قومي في دم عثمان وأتركك، فقتله وصيره في بطن حمار وأحرقه"(18).


فعل محمد بن أبي حذيفة:


وأما محمد بن أبي حذيفة فقد كان يتيماً في حُجْر عثمان، وكان عثمان رضي الله عنه والي أهل بيته، ومحتملاً كَلَّهُم،وقيماً عليهم،فسأل عثمان أن يؤمره فاعتذر منه، فألحّ عليه يطلب الإمارة، فقال له عثمان رضي الله عنه:"يابني، لو كنت رضاً لاستعملتك، قال فأْذَنْ لي فأخرج فأطلب الرزق، قال: اذهب حيث شئت، وجهزه من عنده،وحَمَّلَه وأعطاه، وأغدق عليه، فذهب إلى مصر وتغير على عثمان، وحرض الناس على الفتنة؛ لأن عثمان منعه الولاية(19).
ويروى أن كعب الأحبار نصحه فما انتصح؛ فقد ركب معه السفينة فقال محمد بن أبي حذيفة:"يا كعب، كيف تجد نعت سفينتنا هذه في التوراة قال كعب: لست أجد نعت هذه السفينة ولكن أجد في التوراة أنه ينزو في الفتنة رجل يدعى فرخ قريش له سن شاغية فإياك أن تكون ذاك"(20).
وقد قتل أيضاً في تلك الفتنة التي كان أحد مشعليها عفا الله عنا وعنه، ورحمنا وإياه.
قال الذهبي رحمه الله تعالى بعد أن عرض سيرته: "عامة من سعى في دم عثمان قتلوا وعسى القتل خيراً لهم وتمحيصاً"(21).


الفتنة بالدنيا سبب كل فتنة:


ذكر المؤرخون(22) أن الدنيا لما انفتحت على المسلمين آنذاك، ووسع عليهم عثمان بعد أن زهدَّهم عمر رضي الله عنهما؛ اتخذوا الضياع، ومالوا إلى الجاه والمال؛ فاستطالوا عمر عثمان، وسعوا في الفتنة وهم لا يعلمون عواقبها، فما سلمت لهم الدنيا التي أثاروا الفتنة من أجلها، وأضروا بدينهم ضرراً كبيراً، يلقون الله تعالى يوم لقائه بدم خليفة راشد، زوّجه النبي صلى الله عليه وسلم ابنتيه، وبشره بالجنة، وشهد له بها، وزكاه أعظم تزكية فقال عليه الصلاة والسلام: "ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم"(23).
وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم حين حذر أمته من الدنيا، واستشرافها، ومحبتها، والخضوع لها، وخافها أشد الخوف فقال عليه الصلاة والسلام: "فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم" وفي رواية: "وتلهيكم كما ألهتهم" رواه الشيخان(24).
فمن أعظم الفتن التي تفتح أبواب فتن كثيرة: الفتنة بالدنيا وزهرتها، وليس شيئاً مفسداً لقلوب العباد كالفتنة بها؛ فمن فُتِنَ بها بدّل كلام الله تعالى، وحرَّف الكلم عن مواضعه، ولم يتورع عن فعل أي شيء؛ حتى إنه ليسفك الدماء المحرمة، وينتهب الأموال المحترمة، وينتهك الأعراض المصونة، بتأويلات خاطئة. وحب الدنيا رأس كل خطيئة(25)؛ لأنه سبب للهوى، والهوى لا ضابط له، ولا قيد يقيده، فصاحبه يستحل محارم الله تعالى، ويرفض شريعته؛ لأنها تخالف هواه؛ ولذلك سمى الله تعالى الهوى إلهاً يعبد من دونه فقال سبحانه: أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على" علم وختم على" سمعه وقلبه وجعل على" بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون صلى الله عليه وسلم لله 23 صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم الجاثية: 23}. 
وقد يظن كثير من الناس:أن سعة الدنيا خير لهم من ضيقها؛ ولذلك يسألون الله تعالى سعة الرزق، وليس الأمر كما يظنون؛ فكم من عبدٍ حماه الله تعالى الدنيا فكان ذلك خيراً له، كما في حديث قتادة بن النعمان رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أحب الله عبداً حماه الدنيا كما يحمي أحدكم سقيمه الماء"(26). وكم من عبد بسط له منها ما بسط ففتن بها، فكان هلاكه بسبب ذلك.
ومن معجزات النبي صلى الله عليه وسلم : أنه أخبر أن انفتاح الدنيا سيكون سبباً لفتنة المسلمين واقتتالهم فقال عليه الصلاة والسلام: "إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم أنتم؟ قال عبدالرحمن ابن عوف:نقول كما أمرنا الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أو غير ذلك؟ تتنافسون، ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون، أو نحو ذلك، ثم تنطلقون في مساكين المهاجرين فتجعلون بعضهم على رقاب بعض" رواه مسلم(27).
والسلامة من الدنيا خير من زهرتها واتساعها، وأوزارها وفتنتها، وما ينتج عنها من التنافس والتقاطع الذي يؤدي إلى الفرقة والتقاتل، فقد روى علي رضي الله عنه فقال:"إنا لجلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ طلع مصعب بن عمير ما عليه إلا بردة له مرقوعة بفرو ،فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى للذي كان فيه من النعمة والذي هو اليوم فيه، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كيف بكم إذا غدا أحدكم في حلة وراح في حلةٍ؟ ووضعت بين يديه صحفة ورفعت أخرى؟ وسترتم بيوتكم كما تستر الكعبة؟ قالوا: يا رسول الله، نحن يومئذ خير منا اليوم، نتفرغ للعبادة، ونكفى المؤنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لأنتم اليوم خير منكم يومئذ" رواه الترمذي وقال: حديث حسن(28)، فهذه النصوص وأمثالها تدل على أن بسط الدنيا على الناس يكون سبباً في فتنتهم بها، واختلافهم عليها، وتكون نتيجة ذلك البغي والعدوان والظلم والأثرة، وغير ذلك من الأخلاق الذميمة، التي هي من أسباب الفتن والمحن، وصدق الله العظيم إذ يقول: ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير صلى الله عليه وسلم الشورى: 27}.

الهوامش:
(1) أخرجه الطبري في تاريخه (2-680) وابن عساكر في تاريخه(39-228).
(2) الكامل لابن الأثير (3-70).
(3) أخرجه اللالكائي في السنة (2550) وابن عساكر (35-292) وذكره الذهبي في السير (1-87).
(4) أخرجه الطبري في تاريخه (2-679) وابن عساكر (39-303302) ونقله ابن الأثير في الكامل (3-70) وما بين الحاصرتين ليس من كلام الشعبي، وإنما هو إيضاح مني.
(5) أخرجه الطبري في تاريخه (2-681).
(6) انظر تاريخ الطبري (2-679)والتمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان للمالقى الأندلسي (91).
(7) أخرجه مرسلاً من حديث سعيد بن المسيب: أن أسماء بنت عميس نفست بمحمد ابن أبي بكر الصديق بذي الحليفة وهم يريدون حجة الوداع...: ابن سعد في الطبقات (8-282) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني(657) والبيهقي (5-32) والطبراني في الكبير (24-141) برقم (374) وصححه مرسلاً: الضياء في المختارة (53).
ورواه مالك عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه:عن أسماء، وفي إسناد آخر: عن أبيه أن أسماء، وفي إسناد ثالث: عن أبيه عن عائشة، قال الدارقطني في العلل (1-270) بعد أن ذكرها كلها:"وأصحها عندي قول مالك ومن تابعه".
وأخرجه النسائي (5-128127) وابن ماجه (972) والبزار (78) من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد عن أبيه عن أبي بكر رضي الله عنه قال:"أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء بنت عميس حين نفست بمحمد بن أبي بكر أن تغتسل وتهل" قال البزار:"وهذا الحديث هكذا رواه يحيى بن سعيد عن القاسم ابن محمد عن أبيه عن جده، ورواه عبد الله بن عمر عن عبدالرحمن القاسم عن أبيه عن عائشة، وقد روي عن القاسم عن أسماء، ومحمد بن أبي بكر كان صغيراً حين توفي أبو بكر رضي الله عنه إنما كان له أقل من ثلاث سنين" أ ه من مسند البزار(1-156).
وثبت ذلك من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما في ذكر قصة حجة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه قال جابر "حتى أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر..." أخرجه مسلم في الحج باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم (1218).
(8) أخرجه ابن عساكر في تاريخه (52-269) وذكره الذهبي في السير (3-480).
(9) البداية (7-137) أحداث سنة (35).
(10) أخرجه الطبري في تاريخه (2-681) وابن عساكر (39-305) وانظر: البداية والنهاية (7-35).
(11) أخرجه من حديث الشعبي رحمه الله تعالى: عمر بن شبة في أخبار المدينة (2-291) برقم (2330).
(12) انظر: البداية والنهاية (7-149) والوافي بالوفيات (20-30).
(13) انظر: تاريخ الطبري (2-665).
(14) تاريخ الطبري (2-671) ورواه بنحوه أحمد في فضائل الصحابة (1-472) برقم (765) وابن شبة في أخبار المدينة(2-286) (2329) عن الحسن.
(15) أخرجه الطبري (2-677) وابن عساكر(39-410).
(16) أخرجه ابن شبة في أخبار المدينة (2-300) برقم (2363) وابن عساكر (39-418).
(17) انظر: البداية والنهاية (7-149).
(18) انظر: العبر (44/1)، والسير (482/3).
(19) ذكر ذلك سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى فيما رواه الطبري في تاريخه (2-680) وابن عساكر (39-303) وذكره ابن الأثير في الكامل (3-71) والمالقي في التمهيد البيان في مقتل الشهيد عثمان (93).
(20) أخرجه أبو عبيد بن سلام في غريب الحديث (4-347) وابن شبه في أخبار المدينة (2-192) برقم (1950) ونقله الذهبي في السير (3-481)،والسن الشاغية هي الزائدة على الأسنان، يقال: رجل أشغى، وامرأة شغواء، والجمع: شُغْوُ. أه من الغريب لابن سلام، وانظر: الغريب لابن الجوزي (1-549) وقال بعد أن نقل قول أبي عبيد: "وقال غيره: الشغا خروج التنيتين من الشفة وارتفاعهما".
وقال الزمخشري؛ "شفى الشاغية: التي تخالف نبتتها نبتة غيرها من الأسنان" أه من الفائق "2-254) ونقل ابن الأثير قولاً ثالثاً فقال: "وقيل هو الذي تقع أسنانه العليا تحت رؤوس السفلى" والأول أصح يعني قول أبي عبيد، انظر: النهاية (2-484).
(21) سير أعلام النبلاء (3-481).
(22) انظر: تاريخ الطبري (2-679) والتمهيد والبيان (91).
(23) أخرجه من حديث عبدالرحمن بن سمرة: الترمذي وقال: حسن غريب (3701) وابن أبي عاصم في السنة (1279) والطبراني في مسند الشاميين (1274) والحاكم وصححه (3-110) .
(24) أخرجه من حديث عمرو بن عوف الأنصاري رضى الله عنه: البخاري (2988) ومسلم (2961) والرواية الثانية للبخاري (6061) ومسلم (2961).
(25) جاء ذلك من كلام جندب بن عبدالله رضي الله عنه؛ كما عند البيهقي في الشعب (10501) وقال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم (300) بعد أن أورده من كلام جندب رضي الله عنه"وروي مرفوعاً، وروي عن الحسن مرسلاً" أ ه.
وقال العجلوني في كشف الخفاء (1-412): رواه البيهقي في الشعب بإسناد حسن إلى الحسن البصري رفعه مرسلاً، وذكره الديلمي في الفردوس، وتبعه ولده بلا سند عن علي رفعه، وقال ابن الغرس: الحديث ضعيف، ورواه البيهقي أيضاً في الزهد، وأبو نعيم من قول عيسى بن مريم، وفي رواية لولد أحمد بلفظ:"رأس الخطيئة حب الدنيا والنساء حبالة الشيطان والخمر مفتاح كل شر" ولأحمد في الزهد عن سفيان قال:كان عيسى بن مريم.. فذكره". 
وقال السيوطي في تدريب الراوي (1-287):"حديث حب الدينا رأس كل خطيئة إما من كلام مالك بن دينار، كما رواه ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان بإسناده إليه، أو من كلام عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم كما رواه البيهقي في الزهد، ولا أصل له من حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، إلا من مراسيل الحسن البصري كما رواه البيهقي في شعب الإيمان، ومراسيل الحسن عندهم شبه الريح، وقال شيخ الإسلام يعني ابن حجر : إسناده إلى الحسن حسن، ومراسيله أثنى عليها أبو زرعة وابن المديني، فلا دليل على وضعه والأمر كما قال".
وقال السخاوي في فتح المغيث (1-265):"حديث "حب الدنيا رأس كل خطيئة" رواه البيهقي في الزهد، وأبو نعيم في ترجمة الثوري من الحلية من قول عيسى بن مريم عليه السلام وجزم ابن تيمية بأنه من قول جندب البجلي رضي الله عنه، وأورده ابن أبي الدنيا في مكائد الشيطان له من قول مالك بن دينار، وابن يونس في ترجمة سعد بن مسعود التجيبي في تاريخ مصر له من قول سعد هذا، ولكن قد أخرجه البيهقي أيضاً في الحادي والسبعين من الشعب بسند حسن إلى الحسن البصري رفعه مرسلاً، وأورده الديلمي في الفردوس وتبعه ولده بلا إسناد عن علي بن أبي طالب رفعه أيضاً، ولا دليل للحكم عليه بالوضع مع وجود هذا.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمة رحمه الله تعالى عن معنى قول من يقول:"حب الدنيا رأس كل خطيئة" فهل هي من جهة المعاصي، أو من جهة جمع المال؟
فأجاب: ليس هذا محفوظاً عن النبي، ولكن هو معروف عن جندب بن عبدالله البجلي من الصحابة، ويذكر عن المسيح بن مريم عليه السلام، وأكثر ما يغلو في هذا اللفظ: المتفلسفة، ومن حذا حذوهم من الصوفية، على أصلهم في تعلق النفس إلى أمور ليس هذا موضوع بسطها، وأما حكم الإسلام في ذلك فالذي يعاقب الرجل عليه الحب الذي يستلزم المعاصي، فإنه يستلزم الظلم، والكذب، والفواحش، ولا ريب أن الحرص على المال والرئاسة يوجب هذا، كما في الصحيحين أنه قال: "إياكم والشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالظلم فظلموا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا" وعن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه" قال الترمذي: حديث حسن، فحرص الرجل على المال والشرف يوجب فساد الدين، فأما مجرد الحب الذي في القلب إذا كان الإنسان يفعل ما أمره الله به، ويترك ما نهى الله عنه، ويخاف مقام ربه، وينهى النفس عن الهوى؛ فإن الله لا يعاقبه على مثل هذا إذا لم يكن معه عمل وجمع المال، وإذ قام بالواجبات فيه، ولم يكتسبه من الحرام لا يعاقب عليه، لكن إخراج فضول المال، والاقتصار على الكفاية أفضل وأسلم، وأفرغ للقلب، وأجمع للهم، وأنفع في الدنيا والآخرة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم :"من أصبح والدنيا أكبر همه شتت الله عليه شمله، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن أصبح والآخرة أكبر همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه ضيعته، وأتته الدنيا وهي راغمة" أه من مجموع الفتاوى (11-108107).
وقال أيضاً ((18-123) "وما يرووه :"حب الدنيا رأس كل خطيئة" هذا معروف عن جندب ابن عبدالله البجلي، وأما عن النبي فليس له إسناد معروف".
وقال المناوي في فيض القدير (3-368):"ب الدنيا رأس كل خطيئة بشاهد التجربة والمشاهدة؛ فإن حبها يدعو إلى كل خطيئة ظاهرة وباطنة، سيما خطيئة يتوقف تحصليها عليها، فيُسكر عاشقَها حبُها عن علمه بتلك الخطيئة وقبحها، وعن كراهتها واجتنابها، وحبُها يوقع في الشبهات، ثم في المكروه، ثم في المحرم، وطالما أوقع في الكفر؛ بل جميع الأمم المكذبة لانبيائهم إنما حملهم على كفرهم حب الدنيا؛ فإن الرسل لما نهوا عن المعاصي التي كانوا يلتمسون بها حب الدنيا حملهم على حبها تكذيبهم، فكل خطيئة في العالم أصلها: حب الدنيا، ولا تنس خطيئة الأبوين، فإن سببها حب الخلود في الدنيا، ولا تنس خطيئة إبليس فإن سببها حب الرياسة التي هي شر من حب الدنيا، وكفر فرعون وهامان وجنودهما، فحبها هو الذي عمر النار بأهلها، وبغضها هو الذي عمر الجنة بأهلها، ومن ثم قيل: الدنيا خمر الشيطان فمن شرب منها لم يفق من سكرتها إلا في عسكر الموتى خاسراً نادماً"أ ه.
(26) أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب (2036) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1957) والطبراني في الكبير (19-12) برقم (17) وصححه ابن حبان (669) والحاكم ووافقه الذهبي (4-230).
وجاء مرسلاً عن محمود بن لبيد عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أبن أبي شيبة في مصنفه (7-243) وقد بيّن ذلك الترمذي في جامعه (4-381).
وجاء أيضاً عن محمود بن لبيد عن عقبة ابن رافع عند أبي يعلى (6865) وجاء أيضاً عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج كما عند القضاعي في مسند الشهاب (1397) والطبراني في الكبير (4-252) برقم (4296) وحسنه المنذري في الترغيب والترهيب (4-61) برقم (4809) والهيثمي في الزوائد(10-285).
(27) أخرجه من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه: مسلم (2962) وابن ماجه (3996) وابن حبان (6688).
(28) أخرجه الترمذي (35) وقال: هذا حديث حسن (2476) وأبو يعلى(502) وهناد في الزهد (758) ونقل المنذري في الترغيب والترهيب أن الترمذي قال عقبه:"حديث حسن غريب" وكذا الألباني في ضعيف الترمذي وضعفه الألباني (440) وفي ضعيف الجامع (4293) لكن معنى الحديث جاء في أحاديث أخرى بأسانيد جيدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق