الأحد، 13 نوفمبر 2016

الصفات الإلهية بين التشبيه والتعطيل والتنزيه



د.صبري محمد خليل / أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه بجامعه الخرطوم
sabri.m.khalil@hotmail.com

تمهيد:في إطار علم الكلام الاسلامى، تعددت مواقف الفرق من مسالة الصفات الالهيه،واهم هذه المواقف هي:

التشبيه (التجسيم):التشبيه هو القول بالتشابه بين الله تعالي ومخلوقاته، والتجسيم هو تصور الله تعالى على صورة جسم، والتشبيه ظهر قبل الإسلام عند بعض الفرق المسيحية واليهودية ،ثم تسرب إلى بعض الفرق المتطرفة في البلاد الإسلامية، وقد استندت هذه الفرق إلى فهم الآيات التي يفيد ظاهرها التشابه بين الله تعالى والمخلوقات على هذا الظاهر ، وأهم هذه الفرق:

غلاة الشيعة: من هؤلاء المغيرة بن سعيد ، الذي قال أن معبودة رجل من نور على رأسه تاج ، وله من الأعضاء ما للرجل، ومن هؤلاء بيان بن سمعان الذي زعم أن معبودة إنسان من نور على صورة إنسان في أعضائه ،وأنه يفنى كله إلا وجهه.

الكرامية: وتنسب هذه الفرقة إلى مؤسسها محمد بن كرام السجستاني ، وهو من مثبتي الصفات الإلهية، لكنه تطرف لينتهي إلى التجسيم والتشبيه، وقد دعا أتباعه إلى تجسيم معبوده، وزعم أنه جسم له حد ونهاية، وذكر في كتاب عذاب القبر أن معبودة أحدى الجوهر، وقال أنه مماس للعرش من الصفحة العليا، وجوز عليه الانتقال والتحول والزوال ، كما أثبت رؤية الله تعالى سواء استلزمت الجهة والجسمية أم لا ، وقد وصف  الإمام الشهرستاني الكرامية بأنهم (ليسوا علماء معتبرين بل سفهاء جاهلين).

الحشوية: وهم الذين أدى تمسكهم بفهم الآيات، التي يفيد ظاهرها التشابه بين الله تعالى والمخلوقات على هذا الظاهر ، إلى الوقوع في التشبيه يقول التهانوي في كشاف اصطلاحات الفنون (إن الحشوية قوم تمسكوا بالظواهر، فذهبوا إلى التجسيم وغيره) ، وهم تيار يضم بعض المنتسبين إلى أهل السنة بفرقهم المختلفة، وعلى وجه الخصوص بعض متأخري الحنابلة، إذ على الرغم من أن أحمد بن حنبل لم يكن مشبهاً، بل دعا إلى مذهب خاص في التفويض، إلا أن بعض متأخري الحنابلة قد وقعوا في التشبيه ، استناداً إلى الأخذ بظاهر الآيات المتشابهة ،وجوز هؤلاء رؤية الله تعالي في الدنيا ،ومن هؤلاء أبو يعلي الذي قال فيه بعض فقهاء المذهب الحنبلي (لقد شان أبو يعلي الحنابلة شيناً لا يغسله ماء البحار)، وابن الزاغوني والذي قال فيه بعض الحنابلة (أن في قوله من غرائب التشبيه ما يحاور فيه النبيه)، وقد استنكر العديد من أئمة المذهب الحنبلي هذا التيار، عندما شاع في القرنين الرابع والخامس ، منهم الامام ابن الجوزي حيث يقول (رأيت من أصحابنا من تكلم في الأصول بما لا يصلح…. فصنفوا كتباً شانوا بها المذهب،ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام، فحملوا الصفات على مقتضى الحس… ثم يتحرجون من التشبيه ويأنفون من إضافته ويقولون نحن أهل السنة وكلامهم صريح في التشبيه) ( أبو زهرة، الفرق الإسلامية، ص324 ) . وهكذا فان الحشوية فهموا التفويض فهماً خاطئاً أدى بهم إلى الوقوع في التشبيه، فالتفويض  عند بعض السلف، هو السكوت عن الكلام في الآيات المتشابهة، وقد فهموه على أنه فهم (حمل) الآيات على ظواهرها، مع الكلام عن هذا الفهم ،يقول ابن الجوزي (عجبت من أقوام يدعون العلم ويميلون إلى التشبيه بحملهم الأحاديث على ظواهرها فلو أنهم أمروها كما جاءت سلموا) ( صيد الخاطر، ج1، ص128) ،فالحمل هنا يضمن فهم معين وكلام عن هذا الفهم، أما الإمرار فيقوم على السكوت عن الخوض في الكلام أو الفهم.

موقف الحنابلة من الصفات الالهيه : وقد رتب البعض على قول بعض تاخرى الحنابلة بالتشبيه ، وصف كافه الحنابلة بأنهم مشبهه ومجسمه ، وهو تعميم خاطئ  ، حيث تعددت مواقف ائمه المذهب الحنبلي من مسالة الصفات الالهيه،  فكان مذهب  الامام أحمد بن حنبل هو السكوت عن الكلام في الآيات والأحاديث الواردة في الصفات ، وتفويض الأمر لله مع تنزيهه عن التشبيه والتعطيل ،استناداً إلى قراءته للآية (….. وما يعلم تأويله إلا الله….) ولكنه لم يتحدث عن كيفية فهم هذه الآيات ، باعتبار أن فهم معانيها يختص به الله تعالى.ثم اخذ الامام  ابن تيمية بمذهب التفويض ، أي السكوت عن الكلام في هذه الآيات والأحاديث مثل الامام ابن حنبل، ولكنه أضاف أن السلف فهموا هذه الآيات والأحاديث على ظاهرها ، حيث يقول (…. ثم من المعلوم أن الرب لما وصف نفسه بأنه عليم قادر لم يقل أن ظاهر هذا غير مراد لأن مفهوم ذلك في حقه مثل مفهومه في حقنا فكذلك لما وصف نفسه أن خلق آدم بيديه لم يوجب ذلك أن ظاهره غير مراد…،( الإكليل في المتشابه والتأويل، ص12.)  ويفترق الامام ابن الجوزي عن ابن تيميه و ابن القيم في أنه يرى فهم الآيات والأحاديث المتشابهة على معانيها المجازية المشهورة التي يعرفها العربي من غير تأويل، وهو مذهب ابن حزم والغزالي والماتريدي حيث يقول (ولا يحتاج إلى تأويل من قال الأصبع الأثر الحسن …. ولا إلى تأويل من قال يداه نعمته)، ويقول (والشيء إنما يحمل على حقيقته إذا أمكن فإن صرف صارف حمل على المجاز).

التعطيل: وهو نفى الصفات الإلهية:

مذهب التعطيل الجزئي ( المعتزلة ( : أطلق على المعتزلة لقب  المعطلة، بمعنى تعطيلهم الصفات الإلهية ونفيها يقول ، البغدادى( … وعشرون منها قدرية محضة ، يجمعها كلها في بدعتها امور : منها نفيها كلها عن الله عز وجل صفاته الازليه، وقولهم بأنه ليس لله عز وجل علم ولا قدرة ولا حياة ولا سمع ولا بصر ولا صفه أزليه) (الفرق بين الفرق، ص93.  ).والصواب هو أنهم لم ينفوا الصفات إطلاقا بل نفوا الصفات الزائدة عن الذات. و نلاحظ أن تطرف المعتزلة في التجريد يعود إلى سببين :الأول : انه جاء كرد فعل لتجسيم المشبهة، الذين عنوا بالرد عليهم.الثاني :- أنهم استعانوا في تكوين مذهبهم بما عرفوا من فلسفة اليونان ، يقول الامام  الاشعرى( أن أبا هزيل اخذ من أرسطو ما قال في بعض كتبه ان الباري علم كله حياة كله سمع كله بصر كله، فحسن أبو هزيل لفظه أرسطو وقال علمه هوهو وقدرته هي هو).

مذهب التعطيل الكلى ( الإسماعيلية ) : وهم فيما نرى هم نفاه الصفات الإلهية إطلاقا، وقالوا بذلك من اجل تأييد نظرية الإمامة عندهم، فقالوا الله لا تدركه الأبصار، ولا ينسب له اسم ولا صفه ولا نعت. وعلى هذا وجب أن يتجسد في شئ لنعرفه به، وهو الإمام فهو يد الله ووجه الله… الخ إذ بدون ذلك نكون عابدين لعدم ، لهذا فان أسماء الله الحسنى إنما هو تخص الإمام ( ابو ريان، تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام،1986، ص12).

ثالثا: التنزيه: هو تقرير ان وجود لله تعالى مطلق عن قيود الزمان والمكان ، وبالتالي لا تتوافر للإنسان أمكانيه تصوره. ويترتب على هذا التعريف ان أركان التنزيه ثلاثة هي:

أولا: ان وجود لله تعالى مطلق عن قيود المكان، اى لا يحده الوجود في المكان:  قال تعالى :( أينما تولوا فثم وجه الله )،وقال تعالى( وهو معكم اينما كنتم والله بما تعلمون بصير )، .يقول ابن الجوزى ( تعالى الله عز وجل عن المحل والحيز ، لاستغنائه عنهما ، ولان ذلك مستحيل فى حقه عز وجل،  ولان المحل والحيز من لوازم  الأجرام  ولا نزاع في ذلك،  وهو سبحانه منزه عن ذلك)([1])

ثانيا : ان  وجود الله تعالى مطلق عن قيود الزمان ،اى انه تعالى لا تحده الحركة خلال الزمان ،قال تعالى ( هو الاول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم )، وقال الرسول (صلى الله عليه وسلم ) (لا تسبوا الدهر فان الله هو الدهر ) اى خالق الدهر وخالق الدهر لا يحد به ، و يقول ابن الجوزى .( يستحيل على الله عز وجل الحركة والتنقل والتغير، لان ذلك من صفات الحدث)([2]) . ويقول ابن الحزم (وانه تعالى لا فى مكان ولا فى زمان، بل هو الله تعالى خالق الازمنه  و الامكنة   قال تعالى ” خلق كل شئ فقدره تقديرا ” وقال تعالى ” خلق السموات وما بينهما”  )([3])

ثالثا : انه لا يمكن للإنسان ان يتصور وجوده تعالى ، لان التصور محدود بالواقع الزمانى المكانى كما يدركه الإنسان، من حيث هو نقيض له، وإعادة تشكيل لذات عناصره فى صورة جديدة . قال تعالى : ) لا تدركه الإبصار وهو يدرك الإبصار ) (الأنعام:13)، قال ابوبكر(رضي الله عنه) ( سبحان من لم يجعل للخلق سبيلا إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته ) وقال ( العجز عن درك الإدراك إدراك )([4]).وقال على بن ابى طالب رضي الله عنه( التوحيد ان لا تتوهمه والعدل ان لا تتهمه) .وقال ابن الجوزى (وما ليس كمثله شئ لا يتصوره وهم ولا يتخيله خيال، التصور والخيال انما هما من نتائج المحسوسات والمخلوقات تعالى عن ذلك). وعن يحي معاذ (التوحيد فى كلمة واحدة ما تصوره فى الاوهام فهو بخلافه).

الآيات التي يفيد ظاهر ألفاظها التشابه بين الله تعالى والإنسان:  استنادا إلى موقف الأخير من الصفات الالهيه ( التنزيه )، نرى ان المذهب الصحيح من الآيات التي يفيد ظاهر ألفاظها التشابه بين الله تعالى والإنسان ، يقوم على وجوب الإيمان بان الله تعالى أورد هذه الآيات ، بما يفيد ظاهر ألفاظها التشابه بين الله تعالى وبين والإنسان،  لحكمة هي ان تدل على وجود المطلق لله تعالى(شان الصفات)، لا لتعلقها بعين هذا الوجود المطلق ( شأن الذات ) .فقد أودع الله تعالى فى عقل الإنسان ملكة التصور ( التخيل )، ولما كان وجود  لله تعالى مطلق عن قيود الزمان والمكان، استحال على الإنسان تصور عين هذا الوجود المطلق ( الذات ) ، قضت حكمته تعالى ان يتنزل القران إلى مستوى العقل الانسانى المحدود ، وهو ما يتمثل هنا في إيراد هذه الآيات على هذا النحو،  لتتوافر للإنسان إمكانية تصور ما دل على هذا الوجود المطلق (الصفات)  .يقول ابن الجوزى ( وقد حدثنا بما نعقل ، وضرب لنا الأمثال بما نعلم ، وقد ثبت عندنا بالأصل المقطوع به، انه لا يجوز عليه ما يعرفه الحس علمنا المقصود لذلك) ( دفع شبه التشبيه،ص8)، ويقول فى مكان أخر( فان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالغوا فى الإثبات، ليتقرر فى أنفس العوام وجود الخالق . وبيان ذلك ان الله تعالى اخبر باستوائه على العرش ، فأنست النفوس إلى إثبات الإله ووجوده ، قال تعالى “ويبقى وجه ربك ” وقال تعالى ” بل يداه مبسوطتان ” فإذا امتلئ العامى والصبى من الإثبات ، وكاد يأنس من الأوصاف بما يفهمه الحس قيل له ” ليس كمثله شئ ” فمحى من قلبه ما نقشه الخيال،  وتبقى ألفاظ الإثبات متمكنة).وبقى ان نقرر انه لما كانت ملكة التصور مشتركة بين الناس،  فان إيراد هذه الآيات على هذا الوجه لازم لكل الناس لا للعامة فقط .

مذهب السلف: أما مذهب السلف الصالح في  ألفاظ الآيات التي يفيد ظاهر ألفاظها التشابه بين الإنسان والله تعالى  فينقسم إلى :

 أولا: معرفة : اى كيف فهم السلف الصالح  ألفاظ  هذه الآيات ؟ وهنا نجد قولين:

 القول الأول: ( فهمها على معانيها  المجازية المشهورة بدون تأويل ) : أنهم فهموا هذه الألفاظ على معانيها المجازية المشهورة ، التي يعرفها العربي من غير تأويل،  وهو مذهب ابن الحزم وابن الجوزى والغزالي والماتريدى وغيرهم . يقول الامام ابن الحزم ( إن الألفاظ الموهومة للتشبيه امثال قوله ” يد الله فوق ايديهم ” ” ويبقى وجهك ربك ذو الجلال والإكرام ” ” فانك بأعيننا” ليس هناك داعي لتأويلها على غير ظاهرها ، فهي مجاز ظاهر يفهمه العربي دون حاجة إلى أدنى تأويل ، فوجه الله مثلا ليس غير الله بدليل قوله عز وجل ” إنما نطعمكم لوجه الله “حاكيا عمن رضي عنهم من الصالحين ، وهم لا يقصدون بذلك غير الله وقوله أيضا ” أينما تولوا فثم وجه الله” ومعناه فثم الله بعمله وقبوله لمن أراد التوبة)( الفصل، ج2، ص4)، ويقول الامام  ابن الجوزى ( ولا يحتاج إلى تأويل من قال الإصبع الأثر الحسن،  فان القلوب بين اثرين من أثار الربوبية هما الإقامة والإزاغة، ولا إلى تأويل من قال يداه نعمتاه )( صيد الخاطر، ج1، ص 51)، ويقول ..(ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر من سمات الحديث، ولم يقنعوا ان يقولوا صفة فعل ،حتى قالوا صفة ذات، ثم لما اثبتوا أنها صفات قالوا لا نحملها على ما توجبه اللغة مثل اليد على النعمة او القدرة ، ولا المجئ على معنى البر واللطف ، ولا الساق على الشدة ونحو ذلك ،بل قالوا نحملها على ظواهرها المتعارفه ، والظاهر هو المعهود من لغوت الآدميين ، والشئ إنما يحمل على حقيقته إذا أمكن فان صرف صارف حمل على المجاز)( دفع شبه التشبيه، ص8)، ويقول الامام الغزالي ( التقديس معناه اذا سمع اليد والإصبع … وقوله (ص) قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن.. فينبغي ان يفهم ان هذه الألفاظ تطلق على معنيين: احدهما الوضع الاصلى، وهو العضو المركب من لحم وعظم وعصب . وقد يستعار هذا اللفظ لمعنى أخر ليس هو هذا بجسم أصلا،  فعلى العامل ان يتحقق قطعا ويقينا ان الرسول لم يرد  بذلك جسما هو عضو مركب من لحم..)( إلجام العوام عن علم الكلام )

المعاني المجازية المشهورة  التي قررها السلف الصالح:

 ا/الآيات التي يفيد ظاهر ألفاظها المحدودية فى المكان : فلفظ فوق له فى القران معاني مثل العلو فى القهر والقدرة كما فى القران على لسان فرعون (إنا فوقهم قاهرون ) ، وهو نفس المعنى فى الآيات (يخافون  ربهم من فوقهم )، ( وهو القاهر فوق عباده ) .ولفظ الاستواء له معاني فى القران مثل الاستقرار منه قول تعالى ( ثم استوي إلى السماء )، ومنها إتمام الشئ كقوله تعالى ( ولما بلغ أشده واستوى )، ومنه الملك والقهر كما فى قوله تعالى ( الرحمن على العرش استوى ) . يقول ابن الجوزى( وقد ذهبت طائفة من أصحابنا إلى ان الله عز وجل على عرشه ما ملاءة ، وانه يقعد نبيه معه على العرش ، ثم قال : العجب من قول هذا ما نحن مجسمة وهو تشبيه محض، تعالى الله عز وجل عن المحل والحيز لاستغنائة عنهما ذلك مستحيل فى حقه عز وجل) ( دفع شبه التشبيه)) دفع شبه التشبيه،نفس المكان( وروى ابن حجر فى الفتح والبغوى فى تفسيره عن عبد الله بن عباس وأكثر المفسرين أنهم تأولوا ( استوى ) فى قوله ( الرحمن على العرش استوى ) (طه :5) بمعنى ارتفع .ومثله ما رواة ابن حجر عن ابن مالك من كلام طويل عن معنى الاستواء فى الآية المذكورة إلى ان قال .. وإما تفسير استوى : علا فهو صحيح وهو المذهب الحق وقول أهل السنة (فنح الباري، ج13، ص135، وعن حديث ( ان الله فوق عرشه وعرشه فوق سماواته ) قال الخطابى هذا الكلام اذا جرى على ظاهرة كان فيه نوع من الكيفية ، والكيفية عن الله وصفاته منتفيه، فعقل ان ليس المراد من تحقيق هذه الصفه، لا تحديده على هذه الهيئة، وانما هو كلام تقريب أريد به تقدير عظمة الله جل جلاله وسبحانه، وإنما قصد به إفهام السائل من حيث يدركه، إذ كان إعرابيا جلفا ،لا اعلم له بمعانى ما دق من الكلام وبما لطف منه عن درك الإفهام) الحصنى،المرجع السابق (

ب/ الألفاظ التي يفيد ظاهرها المحدودية فى الزمان : فلفظ المجئ له معاني فى القران مثل اتيان البأس كقوله تعالى ( فما كان دعواهم إذ جاءهم باسنا إلا ان قالوا ان كنا ظالمين) ( الاعراف :5) ،ومثل اتيان أمر الله ( وجاء ربك والملك صفا ) 22:89) ،قال الإمام احمد بن حنبل معناه أمر ربك،  و قال القاضي أبو يعلى قال الإمام احمد المراد به قدرته وأمره بينه فى قوله تعالى ( او يؤتى أمر ربك )) الحصنى، المرجع السابق(  .لفظ النزول له معاني فى القران منها الإيجاد والخلق (وأنزلنا الحديد ) والوحي ( وأنزلنا إليك الكتاب ) ومنه اقرب الإجابة كما حديث النزول . ونقل البهيقى عن حماد بن زيد من تأويله لنزول الله تعالى إلى السماء الدنيا  الوارد فى أحاديث النزول باقباله جل جلاله إلى عباده  )البيهقى،الأسماء والصفات،ص471  (.

ج/ الألفاظ التي يفيد ظاهرها التشابه بين الله تعالى والإنسان: فلفظ اليد له معاني فى القران مثل الحضور والمثول كما فى قوله تعالى ( بين يدى رحمته ) ( وبين يدى عذاب شديد ) ومثل النعمة فى قوله تعالى ( بين يداه مبسوطتان ) . يقول ابن الجوزى: ولا يحتاج إلى تأويل من قال الإصبع الأثر الحسن،  فان القلوب بين اثرين من أثار الربويية هما الإقامة والإزاغة ولا  إلى  تأويل من قال يداه نعمتاه ) ابن الجوزى، المرجع السابق(. يقول ابن حزم ( ان الألفاظ الموهمة للتشبيه امثال قوله ( يد الله فوق أيهم )  ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) ( فانك بأعيننا ) ليس هناك داعيا لتاويلها على غير ظاهرها فهي مجاز ظاهر يفهمه العربي دون حاجة إلى ادني تأويل ، فوجه الله مثلاً ليس غير الله بدليل قوله عز وجل ” انما نطعكم لوجه الله” حاكيا عن رضي منهم من الصالحين وهم لا يقصدون بذلك غير الله وقوله أيضا ” اينما تولوا فثم وجه الله” وفى الحديث ” لقد ضحك الله الليلة من فعالكما ” أول البخاري الضحك بالرحمة ) ابن حجر، فتح الباري ج 7 ، ص82.( وفى الحديث ( لا تزال جهنم تقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فتقول قط…) . قال أبو سليمان (وذكر القدم يحتمل ان يكون المراد به من قدمهم الله للنار من أهلها ، فيقع بهم استيفاء عدد آهل النار، وكل شئ قدمته فهو قدم ، كما قيل لما هدمته هدم ، ولما قبضته ومن هذا قول عزوجل ” لهم قدم صدق عند ربهم ” اى ما تقدموه من الأعمال الصالحة،  وقد روى معنى هذا عن الحسن ويؤيده قوله فى الحديث، وإما الجنة فان الله ينشى لهما خلقا ، فاتفق المعنيان ان كل واحد من الجنة والنار تمد بزيارة عدد من استوفى بها عدد أهلها فتمتلىء عند ذلك)) معالم السلف على سنن ابن داوود، طبعه حمص ج5 ، ص95  (. وتأويل ابن تيميه الوجه بمعنى الجهه ،قال (فيكون المعنى كل شئ هناك إلا ما أريد به جهة الله تعالى ،ثم قال (وهكذا قال جمهور السلف ) مجموعه الفتاوى، ج2، ص428(

 وروى عن جعفر الصادق تأويل الوجه بالدين، وروى عن الضحاك بذات الله . وعن الآية ” ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله”. حكى المزني عن الشافعي “رضي الله عنه” قال فى هذه الآية يعنى والله أعلم فثم الوجه الذي وجهكم الله إليه ، واخبرنا عبد الله الحافظ وابو بكر القاضي قال  وثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حديث الحسن بن على بن عفان ثنا أبو أسامة عن مجاهد فى قوله عز وجل ( فأينما تولوا فثم وجه الله) قال : قبله الله فأينما كنت فى شروق او غرب فلا تتوجهن إلا إليها.

القول الثاني: ( فهمها على معانيها الظاهرة):  أنهم فهموا ألفاظ هذه الآيات على معانيها الظاهرة، وهو القول الذي ذهب إليه ابن تيمه وابن القيم .

ثانيا: عمل : اى ما هو موقف السلف الصالح العملي من هذه الآيات  ؟ وهو انهم سكتوا عن الكلام فيها ، عندما كان الفهم الصحيح سائدا ،وتصدى فريق منهم للفهم الخاطئ لها لما شاع في فتره تاليه.

[1] ابن الجوزى، دفع شبه التشبيه، ص8

[2] المرجع السابق،نفس المكان

[3] ابن حزم، المحلى  مجلد 1،ص 29

[4] الإمام الحصنى، دفع شبه من شبه، ص 51

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق