د. صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم
تمهيد: هذه الدراسة هي محاوله لتقديم فهم صحيح لمذهب الإمام ابن تيميه ، من خلال بيان موقفه الحقيقي من بعض المجالات المعرفية (كعلم الكلام والفلسفة)،وبعض التيارات الفكرية (كالتصوف) وبعض الفرق والمذاهب (كالشيعة)، ،وبعض الأحكام (كحكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف) ، وبعض القضايا (كقضية دلالات مصطلح ” اهل ألسنه ” بين التضييق المذهبي والشمول الشرعي ، وقضيه الضبط الشرعي لمفهومي التكفير والقتال)،وذلك استنادا إلى قراءه شامله لتراثه الفكري. وهذا ما يعنى – ضمنا – بيان بطلان الفهم الخاطئ لمذهب الإمام ابن تيميه ، والذي ينطلق من موقف مفترض “غير حقيقي ” للإمام ابن تيميه ، من هذه المجالات المعرفية والتيارات الفكرية والمذاهب والقضايا، يستند إلى قراءه جزئيه لتراثه الفكري.
أولا: موقف الإمام ابن تيميه من بعض المجالات المعرفية(علم الكلام والفلسفة): هناك من يفترض أن موقف الإمام ابن تيميه من بعض المجالات المعرفية (كعلم الكلام والفلسفة) هو موقف الرفض المطلق ، القائم على تحريم تدريس هذه المجالات المعرفية وتكفير المشتغلين بها ، استنادا إلى قراءه جزئيه لتراثه الفكري. إلا أن القراءة الشاملة لتراثه الفكري تبين أن موقفه الحقيقي يتجاوز كل من موقفي الرفض والقبول المطلقين ، إلى موقف نقدي قائم على أخذ وقبول ما وافق الكتاب والسنة ، ورد و رفض ما خالفهما.
التمييز بين النقد والنقض: وهنا يجب التمييز بين النقد والنقض ، فالنقد لغة :تمييز الصحيح من الزائف والجيد من الرديء ، ورد في (معجم متن اللغة) : النقد ( تمحيص الدنانير الصحيحة من الزائفة، و نقد الشعر والكلام: نظر فيه ، وميز الجيد من الرديء، فهو ناقد وجمعه نقاد ونقدة، ونقد الكلام ابان ما فيه واخرج زيفه) ، أما في الاصطلاح المعرفي فان النقد هو موقف معرفي قائم على أخذ وقبول ما هو صواب في الراى، ورد ورفض ما هو خطأ فيه، وفى الاصطلاح الشرعي اخذ ما وافق الشرع ورد ما خالفه ، وقد دعي الإسلام إلى الالتزام بالموقف النقدي ، بعد تقييده بمعايير موضوعيه مطلقه ، هي النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة، قال تعالى: ( الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه).وقال الرسول (صلى الله عليه وسلم) (لا يكن أحدكم إمعة، يقول أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسئت، بل وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم)، أما النقض فهو ما يقابل الرفض المطلق.
ا/ الموقف الحقيقي للإمام ابن تيميه من علم الكلام:
اولا:تقريره جواز الإشغال بعلم الكلام لإحقاق الحق وإبطال الباطل: وفى مجال علم الكلام يتمثل موقف الإمام ابن تيميه النقدي منه فى تقريره (جواز الإشغال بعلم الكلام لإحقاق الحق وإبطال الباطل، وإذا لم يقصد به الاستدلال بالأدلة الفاسدة أو تبني المقررات الباطلة) حيث يقول ( فَالسَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ لَمْ يَكْرَهُوا الْكَلَامَ لِمُجَرَّدِ مَا فِيهِ مِنْ الِاصْطِلَاحَاتِ الْمُوَلَّدَةِ ، كَلَفْظِ الْجَوْهَرِ وَالْعَرَضِ وَالْجِسْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ؛ بَلْ لِأَنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي يُعَبِّرُونَ عَنْهَا بِهَذِهِ الْعِبَارَاتِ فِيهَا مِنْ الْبَاطِلِ الْمَذْمُومِ فِي الْأَدِلَّةِ وَالْأَحْكَامِ مَا يَجِبُ النَّهْيُ عَنْهُ ، لِاشْتِمَالِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَعَانِي مُجْمَلَةٍ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي وَصْفِهِ لِأَهْلِ الْبِدَعِ ، فَقَالَ : هُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي الْكِتَابِ ، مُخَالِفُونَ لِلْكِتَابِ ، مُتَّفِقُونَ عَلَى مُخَالَفَةِ الْكِتَابِ ، يَتَكَلَّمُونَ بِالْمُتَشَابِهِ مِنْ الْكَلَامِ ، وَيُلَبِّسُونَ عَلَى جُهَّالِ النَّاسِ بِمَا يَتَكَلَّمُونَ بِهِ مِنْ الْمُتَشَابِهِ . إذَا عُرِفَتْ الْمَعَانِي الَّتِي يَقْصِدُونَهَا بِأَمْثَالِ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ ، وَوُزِنَتْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، بِحَيْثُ يَثْبُتُ الْحَقُّ الَّذِي أَثْبَتَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، وَيُنْفَى الْبَاطِلُ الَّذِي نَفَاهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْحَقَّ ) (مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية ، المجلد الثالث (العقيدة)، الخوض فيما تكلم الناس فيه من مسائل في أصول الدين).
ثانيا: تناوله للمسائل الكلامية : وبناء على هذا الموقف النقدي من علم الكلام تناول ابن تيميه كثير من المسائل الكلامية (مثل العلاقة بين الوجود والموجود، والقدر بر والاختيار، والقدم بالنوع …) كما في الجزء الثالث من مجموعة فتاواه.
ب/ الموقف الحقيقي للإمام ابن تيميه من الفلسفة:
وفى مجال الفلسفة يتمثل تجاوز الإمام ابن تيميه لموقفي الرفض والقبول المطلقين للفلسفة والى موقف نقدي منها في:
أولا: رفضه فرضية أن للفلسفة موقف موحد من القضايا: يرفض الإمام ابن تيميه فرضية أن الفلسفة تأخذ موقفاً موحداً من جميع القضايا ، و ما يترتب عليها من أن هذا الموقف مناقض لموقف الدين منها ( كما يرى انصار مذهب الرفض المطلق للفلسفة) حيث يقول في معرض رده على من قال أن الفلاسفة جميعاً قالوا بقدم العالم(…أما نفي الفلسفة مطلقاً أو إثباتها فلا يمكن ، إذ ليس للفلاسفة معين ينصرونه، ولا قول يتفقون عليه في الإلهيات والمعاد والنبوات، ولا في الطبيعيات والرياضيات) ( ابن تيمية، منهاج السنة، ص253.)
ثانيا: تقسيمه الفلسفة: كما لا يأخذ الإمام ابن تيميه موقفا موحدا من الفلسفة (المقصود هنا الفلسفة اليونانية) سواء بالرفض أو القبول بل يقسمها إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: الإلهيات (الميتافيزيقا): وهو يرفض هذا القسم، وأغلب رفضه للفلسفة ينصب على هذا القسم منها.
القسم الثاني: الطبيعيات: ويرى جواز الأخذ بهذا القسم مع عدم ربطه بالإلهيات(الميتافيزيقا) اليونانية، ويعتبر ان هذه القسم (غالبه كلام جيد، وهو كلام كثير واسع، ولهم عقول عرفوا بها، وهم يقصدون به الحق لا يظهر عليهم فيه العناد، ولكنهم جهال بالعلم الإلهي).
القسم الثالث: الرياضيات: ويرى وجوب الأخذ به وبتعبيره (ضرورية لعلوم الفرائض وقسمة التركة وغيرها )(ابن تيمية، الرد على المنطقيين، طبعة بيروت دار المعرفة).
ثالثا: تمييزه بين أقوال الفلاسفة الإسلاميين طبقا لمعيار موافقة او مخالفه الكتاب والسنة : كما ميز ابن تيميه بين أقوال الفلاسفة الإسلاميين طبقا لمعيار موافقة او مخالفه الكتاب والسنة ، حيث يقول (أنه كان في كل من هؤلاء من الإلحاد التحريف بحسب ما خالف به الكتاب والسنة، ولهم من الصواب والحكمة ما وافقوا فيه ذلك) ( ابن تيمية، منهاج السنة، ص252).
ثانيا: موقف الإمام ابن تيميه من بعض التيارات الفكرية:
الموقف الحقيقي للإمام ابن تيميه من التصوف: كما ان هناك من يفترض أن موقف الإمام ابن تيميه من التصوف هو الرفض المطلق القائم على تكفير وتبديع الصوفية دون تمييز بين أصنافهم ، استنادا إلى قراءه جزئيه لتراثه الفكري . إلا ان القراءة الشاملة لتراثه الفكري تبين أن موقفه الحقيقي هو ذات موقفه من المجالات المعرفية المذكورة أعلاه (علم الكلام والفلسفة )،اى الموقف النقدي الذي يتجاوز موقفي الرفض والقبول المطلقين . ويتمثل هذا الموقف النقدي في تمييزه بين أصناف الصوفية
رفض موقفي الرفض والقبول المطلقين(تبديع الصوفية والغلو فيهم): يرفض الإمام ابن تيميه موقفي الرفض والقبول المطلقين للتصوف والذي عبر عنهما بمصطلحي” تبديع الصوفية “و “الغلو فيهم ” ، حيث يقول (فَطَائِفَةٌ ذَمَّتْ ” الصُّوفِيَّةَ وَالتَّصَوُّفَ ” . وَقَالُوا : إنَّهُمْ مُبْتَدِعُونَ خَارِجُونَ عَنْ السُّنَّةِ وَنُقِلَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ فِي ذَلِكَ مِنْ الْكَلَامِ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ وَتَبِعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْكَلَامِ . وَطَائِفَةٌ غَلَتْ فِيهِمْ وَادَّعَوْا أَنَّهُمْ أَفْضَلُ الْخَلْقِ وَأَكْمَلُهُمْ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ . وَكِلَا طَرَفَيْ هَذِهِ الْأُمُورِ ذَمِيمٌ ).
الموقف النقدي:
الصوفية فيهم السابق والمقتصد والظالم لنفسه: ومن مظاهر الموقف النقدي من التصوف عند الإمام ابن تيميه تقريره أن الصوفية مجتهدون فى طاعة الله وفيهم السابق والمقتصد والظالم لنفسه ،حيث يقول ( وَ ” الصَّوَابُ ” أَنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ كَمَا اجْتَهَدَ غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ طَاعَةِ اللَّهِ فَفِيهِمْ السَّابِقُ الْمُقَرَّبُ بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِ وَفِيهِمْ الْمُقْتَصِدُ الَّذِي هُوَ مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ وَفِي كُلٍّ مِنْ الصِّنْفَيْنِ مَنْ قَدْ يَجْتَهِدُ فَيُخْطِئُ وَفِيهِمْ مَنْ يُذْنِبُ فَيَتُوبُ أَوْ لَا يَتُوبُ . وَمِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَيْهِمْ مَنْ هُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ عَاصٍ لِرَبِّهِ . وَقَدْ انْتَسَبَ إلَيْهِمْ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالزَّنْدَقَةِ ؛ وَلَكِنْ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ التَّصَوُّفِ لَيْسُوا مِنْهُمْ : كَالْحَلَّاجِ مَثَلًا ).
التمييز بين صوفيه الحقائق والأرزاق والرسم: ومن مظاهر الموقف النقدي من التصوف عند الإمام ابن تيميه تمييزه بين صوفيه الحقائق والأرزاق والرسم (ثُمَّ إنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ تَشَعَّبَ وَتَنَوَّعَ وَصَارَتْ الصُّوفِيَّةُ ” ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ ” صُوفِيَّةُ الْحَقَائِقِ وَصُوفِيَّةُ الْأَرْزَاقِ وَصُوفِيَّةُ الرَّسْمِ . فَأَمَّا ” صُوفِيَّةُ الْحَقَائِقِ ” : فَهُمْ الَّذِينَ وَصَفْنَاهُمْ . وَأَمَّا ” صُوفِيَّةُ الْأَرْزَاقِ ” فَهُمْ الَّذِينَ وُقِفَتْ عَلَيْهِمْ الْوُقُوفُ . كالخوانك فَلَا يُشْتَرَطُ فِي هَؤُلَاءِ أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْحَقَائِقِ… وَأَمَّا ” صُوفِيَّةُ الرَّسْمِ ” فَهُمْ الْمُقْتَصِرُونَ عَلَى النِّسْبَةِ فَهَمُّهُمْ فِي اللِّبَاسِ وَالْآدَابِ الْوَضْعِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَؤُلَاءِ فِي الصُّوفِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يَقْتَصِرُ عَلَى زِيِّ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَهْلِ الْجِهَادِ وَنَوْعٌ مَا مِنْ أَقْوَالِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ بِحَيْثُ يَظُنُّ الْجَاهِلُ حَقِيقَةَ أَمْرِهِ أَنَّهُ مِنْهُمْ وَلَيْسَ مِنْهُمْ )( ابن تيمية ، رسالة الصوفية و الفقراء )
ثالثا:موقف الإمام ابن تيميه من بعض الفرق والمذاهب:
الموقف الحقيقي للإمام ابن تيميه من الحكم على الشيعة: كما ان هناك من يفترض أن موقف الإمام ابن تيميه من الشيعة هو مذهب اجمالى ، قائم على إطلاق حكم واحد عليهم هو التكفير ، دون تمييز بين فرقها ، و بين أفكارها والأشخاص المنتمين إليها استنادا إلى قراءه جزئيه لتراثه الفكري. إلا ان القراءة الشاملة لتراثه الفكري تبين أن موقفه الحقيقي قائم على تبنى مذهب تفصيلي ، يميز بين الفرق الشيعية المتعددة ، كما يميز بين الأفكار الشيعية والأشخاص المنتمين إلى المذهب أو المذاهب الشيعية، وهو لا يحكم على الشيعة بالخروج الكلى عن الإسلام ، وان حكم عليهم بالضلال والابتداع ، وفيما يلي نشير لمذهب ابن تيميه في الحكم على الشيعة بالتفصيل :
وصف الشيعة بأنها فرقه ضالة ومبتدعه : يصف الإمام ابن تيميه الشيعة بأنها فرقه ضالة ومبتدعه (منهاج السنة 1/160) ، وهذا الوصف” اى الضلال” هو محل إجماع بين علماء أهل السنة بفرقهم المتعددة ، كما يصف الإمام ابن تيميه الشيعة بقلة العلم والعقل , والتناقض والاضطراب , والعداء للمسلمين , والتعاون مع الأعداء ضد المسلمين نسبه لتعاون بعض الشيعة مع التتار فى عهده) مجموع الفتاوى :3/356) ، ومنهاج السنة النبوية: 7/220 .
الشيعة مع ضلالهم لم يخرجوا عن الإسلام بالكلية: غير ان الإمام ابن تيميه مع وصفه للشيعة بالضلال، إلا انه لم يخرجهم عن دائرة الإسلام بالكلية ويدل على هذا:
ا/ تقريره أن دخول الكافر في الإسلام على مذهب الرافضة خير له من بقائه على كفره:حيث يقول( وقد ذهب كثير من مبتدعة المسلمين من الرافضة والجهمية وغيرهم إلى بلاد الكفار فأسلم على يديه خلق كثير , وانتفعوا بذلك , وصاروا مسلمين مبتدعين , وهو خير من أن يكونوا كفارا ) (مجموع الفتاوى : 13/96).
ب/ تقريره أن الرافضة فيهم خلق مسلمون ظاهرا وباطنا : حيث يقول عند ذكر قول الرافضة في عصمة الأئمة( فهذه خاصة الرافضة الأمامية، التي لم يشركهم فيها أحد، لا الزيدية الشيعة , ولا سائر طوائف المسلمين , إلا من هو شر منهم كالإسماعيلية الذين يقولون بعصمة بني عبيد , المنتسبين إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر , القائلين : بأن الإمامة بعد جعفر في محمد بن إسماعيل دون موسى بن جعفر , وأولئك ملاحدة منافقون . والإمامية الاثنا عشرية خير منهم بكثير , فإن الإمامية مع فرط جهلهم وضلالهم فيهم خلق مسلمون باطنا وظاهرا , ليسوا زنادقة منافقين , لكنهم جهلوا وضلوا واتبعوا أهواءهم ..) (منهاج السنة : 2/452 ).
ج/ العذر بالجهل وعدم تكفيره لعوام الشيعة: وقد طبق الإمام ابن تيميه قاعد هي العذر بالجهل اى عدم تكفير من جهل أن قوله هو كفر، وبناء عليها فقد قرر ان عوام الشيعة الذين لم يعرفوا أمرهم قد يكونوا مسلمين حيث يقول (.. وأما أولئك فأئمتهم الكبار العارفون بحقيقة دعوتهم الباطنية زنادقة منافقون , وأما عوامهم الذين لم يعرفوا أمرهم فقد يكونون مسلمين , (منهاج السنة : 2/452 ).
د/ قوله بقاعدة التكفير على العموم أما المعين فيتوقف تكفيره على استيفاء الشروط وانتفاء الموانع: كما طبق الإمام ابن تيميه قاعدة ” التكفير على العموم أما المعين فيتوقف تكفيره على استيفاء الشروط وانتفاء الموانع” في الحكم على الشيعة ،والتي تعنى جواز القول بان القول المعين هو كفر، أما الشخص المعين فلا يجوز القول بكفره إلا بعد استيفائه شروط التكفير وانتفاء موانعه عنه. حيث يقول فى مجوع الفتاوى ( وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ الَّتِي يَقُولُونَهَا الَّتِي يُعْلَمُ أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لَمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ كُفْرٌ وَكَذَلِكَ أَفْعَالُهُمْ الَّتِي هِيَ مِنْ جِنْسِ أَفْعَالِ الْكُفَّارِ بِالْمُسْلِمِينَ هِيَ كُفْرٌ أَيْضًا . وَقَدْ ذَكَرْت دَلَائِلَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ؛ لَكِنْ تَكْفِيرُ الْوَاحِدِ الْمُعَيَّنِ مِنْهُمْ وَالْحُكْمُ بِتَخْلِيدِهِ فِي النَّارِ مَوْقُوفٌ عَلَى ثُبُوتِ شُرُوطِ التَّكْفِيرِ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ . فَإِنَّا نُطْلِقُ الْقَوْلَ بِنُصُوصِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالتَّكْفِيرِ وَالتَّفْسِيقِ وَلَا نَحْكُمُ لِلْمُعَيَّنِ بِدُخُولِهِ فِي ذَلِكَ الْعَامِّ حَتَّى يَقُومَ فِيهِ الْمُقْتَضَى الَّذِي لَا مَعَارِضَ لَهُ . وَقَدْ بَسَطْت هَذِهِ الْقَاعِدَةَ فِي ” قَاعِدَةِ التَّكْفِيرِ)
ه/ إنكاره القول بتفضيل اليهود النصارى على الشيعة : حيث يقول فى الرد على من يفضل اليهود والنصارى على الرافضة ( كل من كان مؤمنا بما جاء به محمد فهو خير من كل من كفر به , وإن كان في المؤمن بذلك نوع من البدعة , سواء كانت بدعة الخوارج والشيعة والمرجئة والقدرية أو غيرهم) (مجموع الفتاوى :35/201 ).
و/ قوله صحة الصلاة خلف الإمام الرافضي: حيث يقول( والفاسق والمبتدع صلاته في نفسه صحيحة , فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته , لكن إنما كره من كره الصلاة خلفه لأن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واجب , ومن ذلك أن من أظهر بدعة أو فجورا لا يرتب إماما للمسلمين , فانه يستحق التعزير حتى يتوب , فإذا أمكن هجره حتى يتوب كان حسنا , وإذا كان بعض الناس إذا ترك الصلاة خلفه وصلى خلف غيره آثر ذلك حتى يتوب , أو يعزل , أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه , فمثل هذا إذا ترك الصلاة خلفه كان فيه مصلحة , ولم يفت المأموم جمعة ولا جماعة , وأما إذا كان ترك الصلاة يفوت المأموم الجمعة والجماعة فهنا لا يترك الصلاة خلفهم إلا مبتدع مخالف للصحابة رضي الله عنهم. وكذلك إذا كان الأمام قد رتبه ولاة الأمور , ولم يكن في ترك الصلاة خلفه مصلحة , فهنا ليس عليه ترك الصلاة خلفه , بل الصلاة خلف الإمام الأفضل أفضل , وهذا كله يكون فيمن ظهر منه فسق أو بدعة تظهر مخالفتها للكتاب والسنة ,كبدعة الرافضة والجهمية( مجموع الفتاوى : 23/354 ).,
تقرير أن علماء أهل السنة لم يجمعوا على تكفير الشيعة : كما ينفى الإمام ابن تيميه إجماع علماء أهل السنة على تكفير الشيعة،من خلال تقريره أن للعلماء قولان فى تكفيرهم حيث يقول في مجموع الفتاوى (وَأَمَّا تَكْفِيرُهُمْ وَتَخْلِيدُهُمْ : فَفِيهِ أَيْضًا لِلْعُلَمَاءِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ : وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد . وَالْقَوْلَانِ فِي الْخَوَارِجِ وَالْمَارِقِينَ مِنْ الحرورية وَالرَّافِضَةِ وَنَحْوِهِمْ …)
التمييز بين الفرق الشيعية : وقد ميز الإمام ابن تيميه بين الفرق ” المذاهب” الشيعية المتعددة ،ونتيجة لذلك لم يضع حكم واحد على هذه الفرق، بل وضع أحكام متعددة ،وهذا الموقف يتفق معه فيه كثير من علماء أهل ألسنه الذين قرروا : إن الشيعة على ثلاثة أقسام : قسم كافر بالإجماع كغلاة الشيعة , وقسم غير كافر بالإجماع كالشيعة المفضلة , وقسم وقع فيه خلاف بين العلماء كالرافضة .حيث ذكر الإمام ابن تيمية الشيعة المفضلة عند ذكر الفرق التي أجمع الأئمة على عدم كفرهم (مجموع الفتاوى : 3/351 ). كما ذكر ان غلاة الشيعة بفرقهم المتعددة كفار بالإجماع) منهاج السنة : 3/452 و 5/337) , وذكر أن العلماء لهم في الرافضة قولان , هما روايتان عن الإمام أحمد) مجموع الفتاوى :3/56 والصارم المسلول :567ـ571).
القتال مشروط وليس مطلق : أما تقرير الإمام ابن تيميه وجوب قتال الشيعة فهو مقيد بمن تنطبق عليه شروط القتال من الشيعة، ممن خرج على الحاكم الشرعي، أو أعان الأعداء على المسلمين… فهو من باب مقاتله الفئه الباغية وليس من باب جهاد الكفار المحاربين.
رابعا: موقف الإمام ابن تيميه من بعض الأحكام:
الموقف الحقيقي للإمام ابن تيميه من حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف: كما ان هناك من يفترض أن موقف الإمام ابن تيميه من حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف هو القول بالمنع باعتباره بدعه ، دون تمييز بين هذا الحكم(المنع) والحكم على مخالفه (والذي يتوقف على علم المخالف أو عدم علمه بهذا الحكم ، ومقصده ونيته )- ويرتب البعض على هذا الموقف المفترض للإمام ابن تيميه تكفير المخالف واباحه دمه- وذلك استنادا إلى قراءه جزئيه لتراثه الفكري . إلا أن القراء الكلية لتراثه الفكري تبين أن موقفه الحقيقي من حكم الاحتفال بالمولد النبوي هو القول بالمنع باعتباره بدعه مع تمييزه بين الحكم (المنع )، والحكم على المخالف(والذي يتوقف على علم او عدم علم المخالف بهذا الحكم “وهنا يستند إلى قاعدة العذر بالجهل” ، ويتوقف أيضا عل مقصد المخالف ونيته ” وهنا يرى انه قد يثاب بعض الناس على فعل المولد لحسن نيتهم وقصدهم”،ويترتب على هذا ان موقف الإمام ابن تيميه الحقيقي لا يترتب عليه تكفيرالمخالف أو أباحه دمه.وفيما يلى تفصيل موقفه:
أولا: الحكم : فعلى مستوى الحكم يقول ابن تيميه بالمنع باعتبار بدعية الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم (دون تمييز بين الكيفيات المتعددة للاحتفال بالمولد النبوى الشريف)، حيث يقول (ما يحدثه بعض الناس من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدًا إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا بدعة لأنّ هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضى له، وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيرًا محضًا، أو راجحًا، لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منّا فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم له منا وهم على الخير أحرص) [ اقتضاء الصراط المستقيم: ص (254-295).]. ويقول أيضا ( وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار، فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها. )( مجموع الفتاوى 25/298).
ثانيا: الحكم على مخالف الحكم : أما على مستوى الحكم على مخالف هذا الحكم يميز الإمام ابن تيميه بين هذا الحكم ، والحكم على مخالف هذا الحكم ، حيث يتوقف الأخير على شرطين هما:
أولا: حيث علم المخالف بالحكم او عدم علمه: وهنا يقرر الإمام ابن تيميه قاعدة العذر بالجهل ، حيث يقول ( فمن كان قد آمن بالله ورسوله ولم يعلم بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يؤمن به تفصيلاً إما لأنه لم يسمعه أو سمعه من طريق لا يجب التصديق بها، أو اعتقد معنىً آخر لنوع من التأويل الذي يعذر به، فهذا قد جعل فيه من الإيمان بالله ورسوله ما يوجب أن يثيبه الله عليه، وما لم يؤمن به فلم تقم عليه به الحجة التي يكفر مخالفها)( مجموع الفتاوى 12/494 ). ثانيا: مقصد المخالف ونيته : وهنا يرى الإمام انه قد يثاب بعض الناس على فعل المولد لحسن نيتهم وقصدهم، حيث يقول (قَدْ يُثاب بعض الناس على فعل المولد، وكذلك مَا يُحْدِثُهُ بَعضُ النَّاس إمَّا مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام وإما مَحبَّةً للنبي صلّى الله عليه وسلّم وتعظيمًا له، والله قد يُثيبهم على هذه المحبَّة والاجتهاد، لاَ عَلَى البِدَعِ… واعلم أنَّ منَ الأعمَال مَا يَكونُ فيه خيرٌ لاشتماله على أنواعٍ من المََشرُوعِ، وفيه أيضاً شرٌّ من بدعة وَغيرها فَيكون ذلك العملُ شراً بالنسبة إلى الإعراض عن الدين بالكُليَّةِ كَحَالِ المنافقين والفاسقين… فتَعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعضُ الناس وَيكون له فيه أجرٌ عظيمٌ لحسنِ قَصدهِ وَتَعْظِيمِهِ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليه وسلّم كما قدمته لك أنه يحسن من بعض الناس ما يستقبح من المؤمن المسدد، ولهذا قيل للإمام أحمد عن بعض الأمراء إنه أَنفقَ على مصحف ألف دينار ونحو ذلك فقال: دعه فهذا أفضل ما أنفق فيه الذهب، أو كما قال، مع أنَّ مذهبَه أنَّ زَخرفةَ المصاحف مكروهةٌ، وَقد تأوَّلَ بعضُ الأصحاب أنَّه أنفقها في تجديد الورق والخط، وليس مقصود الإمام أحمد هذا وإنما قصده أنَّ هذا العمل فيه مصلحة وفيه أيضاً مَفسدَةٌ كُرهَ لأجلها) ( اقتضاء الصراط المستقيم / ص 297 ) . وبناء على ما سبق فان موقف الإمام ابن تيميه لا يترتب عليه تكفير المخالف او اباحه دمه، استنادا إلى تقريره قاعدة العذر بالجهل ، نقل الذهبي في الموقظة عن ابن تيمية: (كنت أقول للجهمية ، من الحلولية والنفاه الذين نفوا أن الله فوق العرش لما وقعت محنتهم، أنا لو وافقتكم كنت كافراً ، لأني أعلم أن قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال”، وكان هذا خطاباً لعلمائهم وقضاتهم وشيوخهم وأمرائهم).
خامسا: موقف الإمام ابن تيميه من بعض القضايا:
ا/ قضيه دلالات مصطلح ” اهل ألسنه ” بين التضييق المذهبي والشمول الشرعي: : كما أن هناك من يفترض أن موقف الإمام ابن تيميه من قضيه دلالات مصطلح “اهل السنة ” ،هو الأخذ بمذهب التضييق المذهبي للمصطلح ، بالقول بان المصطلح مقصور على مذهب معين “هو المذهب الحنبلي” ،استنادا إلى قراءه جزئيه لترثه الفكري . غير أن القراءة الشاملة لتراثه الفكري تبين ان موقفه الحقيقي قائم على الأخذ بمذهب الشمول الشرعي ، لمصطلح أهل السنة على المستويين الفقهي والاعتقادى، والقائم على إن المصطلح غير مقصور على مذهب معين، بل يمتد ويشمل العديد من المذاهب الفقهية والاعتقاديه ، ما دامت ملتزمة بالضوابط الشر عبه للمصطلح.
تفصيل مذهب الشمول الشرعي عند الإمام ابن تيميه : فقد أورد الإمام ابن تيميه تعريفا عاما لمصطلح أهل السنة،يمكن ان ينطبق على العديد من المذاهب حيث يقول فى تعريف أهل السنه (هم المتمسكون بكتاب الله وسنة رسول الله وما اتفق عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان)(جموع الفتاوى (3/375)، ويقول(فمن قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والجماعة)( مجموع الفتاوى (3/346). كما يورد دلالتين للمصطلح ،الأولى هي الدلالة العامة له ويمكن ان يندرج تحتها المذاهب الفقهية : الحنبلي والشافعي والمالكي…والمذاهب ألاعتقاديه الكلامية: الاشعرى والماتريدي والطحاوي وأهل الظاهر ، حيث يقول ابن تيمية ( فلفظ السنة يراد به من أثبت الخلفاء الثلاثة ، فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلاّ الرافضة )(منهاج السنة/ 2/ ص 221)، أما الدلالة الثانية فهي الدلالة الخاصة لمصطلح أهل السنة كما فى قوله ( وقد يراد به أهل الحديث والسنة المحضة ، فلا يدخل فيه إلا من أثبت الصفات لله تعالى، ويقول : إن القرآن غير مخلوق، وإن الله يرى في الآخرة ، ويثبت القدر وغير ذلك من الأصول المعروفة عند أهل الحديث والسنة). اتساقا مع ما سبق فان الإمام ابن تيميه يعتبر أن المذهب الاشعرى هو احد مذاهب أهل السنه ،طبقا لمعيار نسبى مضمونه أن الاشاعره هم أهل السنه في البلاد التي يكون فيها أهل البدع هم المعتزلة والرافضة حيث يقول (… فإنهم أقرب طوائف أهل الكلام إلى السنة والجماعة والحديث، وهو يعدون من أهل السنة والجماعة عند النظر إلى مثل المعتزلة والرافضة وغيرهم، بل هم أهل السنة والجماعة في البلاد التي يكون أهل البدع فيها هم المعتزلة والرافضة ونحوهم )(نقض تأسيس المطبوع/2/87). .).ويذكر عن الاشاعره أنهم من المتكلمين (المنتسبين إلى السنة )( الجواب الصحيح /1/252)
ب/ الموقف الحقيقي للإمام ابن تيميه من قضيه الضبط الشرعي لمفهومي التكفير والقتال : وأخيرا فان هناك من يفترض أن موقف الإمام ابن تيميه من قضيه الضبط الشرعي لمفهومي التكفير والقتال، يقوم على عدم الالتزام بالضوابط الشرعية للتكفير والقتال، استنادا إلى قراءه جزئيه لتراثه الفكري- ومثال لمن يستند إلى هذا الموقف المفترض ” غير الحقيقي” التنظيمات التي تستند إلى مذهب الغلو في التكفير واستحلال الدماء المحرمة- والذي يخالف مذهب اهل السنة وترجع جذوره إلى مذهب الخوارج البدعى ، وادعائها أنها تنتسب إلى التراث الفكري للإمام أين تيميه – غير أن القراءة الشاملة للتراث الفكري للإمام ابن تيميه تبين ان موقفه الحقيقي من قضيه الضبط الشرعي لمفهومي التكفير و القتال ، قائم على الالتزام بالضوابط الشرعية لمفهومي التكفير والقتال، والتي أقرتها النصوص ، وأكد عليها علماء اهل لسنه بفرقهم المتعددة
أولا: الضوابط الشرعية لمفهوم التكفير عند الإمام ابن تيميه :
أولا: التكفير على العموم أما المعين فيتوقف تكفيره على استيفاء الشروط وانتفاء الموانع: ومن ضوابط التكفير التي قررها علماء أهل السنة القول بجواز التكفير على العموم، بمعنى جواز القول بان المذهب المعين أو القول المعين هو كفر، أما الشخص المعين فلا يجوز القول بكفره إلا بعد استيفائه شروط التكفير وانتفاء موانعه عنه، والدليل على ذلك أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لعن شارب الخمر على العموم، ولما جلد رجلاً شرب الخمر قام رجل فلعنه فقال (صلى الله عليه وسلم) (لا تلعنوه فو الله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله) (رواه البخاري)، فوجد الرسول(صلى الله عليه وسلم) مانع من اللعن العام وهو محبته لله والرسول .وقد اقر الإمام ابن تيمية بهذا الضابط الشرعى كما فى قوله( إن التكفير العام يجب القول بإطلاقه وعمومه، وأما الحكم على المعين بأنه كافراً أو مشهود له بالنار، فهذا يقف على الدليل المعين، فإن الحكم يقف على ثبوت شروطه وانتفاء موانعه) (ابن تيمية، الفتاوى، الفتاوى ،مجلد 12، ص22.)
ثانيا:العذر بالجهل : ومن ضوابط التكفير التي قررها علماء أهل السنة عدم تكفير من جهل ان قوله هو كفر، ودليل ذلك في السنة قوله (صلى الله عليه وسلم) (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون). وقد اقر الامام ابن تيميه بهذا الضابط الشرعي، حيث ينقل الذهبي في الموقظة عن ابن تيمية (كنت أقول للجهمية من الحلولية والنفاه، الذين نفوا أن الله فوق العرش لما وقعت محنتهم ، أنا لو وافقتكم كنت كافراً لأني أعلم أن قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال” وكان هذا خطاباً لعلمائهم وقضاتهم وشيوخهم وأمرائهم).
ثالث: لازم المذهب ليس بلازم: ومن ضوابط التكفير التي قررها علماء أهل السنة ان الكفر الذي يلزم منطقيا من مذهب معين لا يوجب التكفير إلا في حاله التزام أصحاب هذا المذهب بهذا اللازم ، وقد اقر الإمام ابن تيميه بهذا الضابط الشرعي كما في قوله (فلازم المذهب ليس بمذهب ، إلا أن يلتزمه صاحب المذهب ،فخلق كثير من الناس ينفون ألفاظاً أو يثبتونها ، بل ينفون معاني أو يثبتونها ، ويكون ذلك مستلزماً لأمور هي كفر ، وهم لا يعلمون بالملازمة) ( مجموع الفتاوى : 5/306) ، وقوله في موضع آخر : (… ولو كان لازم المذهب مذهباً للزم تكفير كل من قال عن الاستواء وغيره من الصفات أنه مجاز ليس بحقيقة؛ فإن لازم هذا القول يقتضي أن لا يكون شيء من أسمائه وصفاته حقيقة) (مجموع الفتاوى: 20/217).
ثانيا:الضوابط الشرعية لمفهوم القتال عند الإمام ابن تيميه:
إجماع علماء اهل السنة على تحريم الخروج على الحاكم ” التغيير السياسي باستخدام القوه المسلحة “: اجمع علماء اهل السنة على تحريم الخروج على الحاكم ، والمقصود ب(الخروج ) محاوله تغيير الحاكم باستخدام القوه المسلحة ، يقول الإمام النووي (وأما الخروج عليهم وقتالهم؛ فحرام بإجماع المسلمين – وإن كانوا فسقة ظلمة – وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته…) (شرح مسلم:12/432-433) . ، ولم يخرج الإمام ابن تيميه عن هذا الإجماع، حيث يقول (وأما أهل العلم والدين والفضل؛ فلا يرخّصون لأحدٍ فيما نهى الله عنه:من معصية ولاة الأمور، وغشهم، والخروج عليهم بوجه من الوجوه، كما قد عُرِف من عادات أهل السنة والدين قديمًا وحديثًا، ومن سيرة غيرهم) (مجموع الفتاوى:35/12) .
تحريم قتل المدنيين : ومن الضوابط الشرعية للقتال التحريم القطعي لقتل المدنيين، لورود الكثير من النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة القطعية ، في النهى عن قتل المدنيين كالنساء والولدان و الشيوخ و الأجراء و الرهبان منها ما روى عن أنس بن مالك ( رضي الله عنه ): أن الرسول صلى الله عليه و سلم كان إذا بعث جيشاً قال : ( انطلقوا باسم الله لا تقتلوا شيخاً فانياً و لا طفلاً صغيراً ولا امرأة ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين)( رواه أبو داود في السنن )، وقد اقر الامام ابن تيميه لبهذا الضابط الشرعي ،حيث يقول في معرض بيانه مخالفته الرأي القائل بقتال الجميع لمجرد الكفر(..وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد ، ومقصودة أن يكون الدين كله لله ،وأن تكون كلمة الله هي العليا، فمن منع هذا قوتل باتفاق المسلمين، وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة- كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى والزمن وغيرهم- فلا يقتل عند جمهور العلماء إلا أن يقاتل بقوله أو فعله. وإن كان بعضهم يرى إباحة قتل الجميع لمجرد الكفر إلا النساء والصبيان لكونهم مالاً للمسلمين، والأول هو الصواب لأن القتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله كما قال تعالى “وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين”، وفي السنة عن النبي (صلى الله علسه وسلم) أنه مر على امرأة مقتولة في بعض مغازية قد وقف الناس عليها فقال “ما كانت هذه لتقاتل”، وقال لأحدهم: الحق خالداً فقل له لا تقتلوا ذرية ولا عسيفاً “وفيها أيضاً عنه (صلى الله عليه وسلم ) يقول: لا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً صغيراً ولا إمرأة. وذلك أن الله أباح من قتل النفوس ما يحتاج إليه في صلاح الخلق، كما قال تعالى “والفتنة أشد من القتل”، أي أن القتل وإن كان فيه شر وفساد ففي فتنة الكفار من الشر والفساد ما هو أشد، فمن لم يمنع المسلمين من إقامة دين الله لم يكن كفره إلا على نفسه).
تقرير الإمام ابن تيميه التقاء أهل الغلو في التكفير واستحلال الدماء المحرمة بالخوارج ومفارقتهم لأهل السنه : وقد أشار الإمام ابن تيميه إلى التقاء أهل الغلو فى التكفير واستحلال الدماء المحرمة مع الخوارج ومفارقتهم لأهل ألسنه ، حيث يقول في وصف الخوارج (ولهم خاصيتان مشهورتان فارقوا بها جماعه المسلمين وأئمتهم ، احدهما خروجهم من عن السنة ، وجعلهم ما ليس بسيئة سيئة، و ما ليس بحسنه حسنه.. الفرق الثاني: في الخوارج وأهل البدع أنهم يكفرون بالذنوب والسيئات ، ويترتب على تكفيرهم بالذنوب استحلال دماء المسلمين وأموالهم، وان دار الإسلام دار حرب ودارهم هي دار إيمان ،وكذلك يقول جمهور الرافضة وجمهور المعتزلة والجهميه، وطائفة من غلاه المنتسبين إلى أهل الحديث والفقه ومتكلميهم… فينبغي على للمسلم أن يحذر من هذين الأصلين الخبيثين ،وما يتولد عنهما من بغض المسلمين وذمهم ولعنهم واستحلال دمائهم وأموالهم)( مجموع الفتاوى 19/72).
نقل الإمام ابن تيميه الإجماع على أن مذهب الغلو فى التكفير واستحلال الدماء بدعي ضال: كما ينقل الإمام ابن تيميه إجماع علماء اهل السنة على أن مذهب الغلو في التكفير واستحلال الدماء المعصومة – الذي مثله في عصرهم الخوارج – مذهب بدعي ضال حيث يقول (َإِنَّ ْأُمَّةَ مُتَّفِقُونَ عَلَى ذَمِّ الْخَوَارِجِ وَتَضْلِيلِهِمْ … ) ( الفتاوى : 28/518 ).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق