الأحد، 13 نوفمبر 2016

قاعدة عروبة القرآن الكريم وتطبيقاتها




د.صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم


sabri.m.khalil@hotmail.com


أولا: القاعدة وأدلتها: : مضمون قاعدة عروبة القرآن الكريم : نزول القران الكريم باللغة العربية، وما يترتب على ذلك  من وصفه بأنه عربي ” فهو قران – لسان عربي” ،مع كون المخاطب به كل الناس،  وقد وردت الاشاره إلى هذه القاعدة في  القران الكريم والسنة النبوية، واتساقا مع ذلك قررها السلف الصالح وعلماء أهل السنة .


أولا: في القران الكريم :  قال تعالى (وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا)( طه: 110 ) ، وقال تعالى (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين) (النحل :103)،, وقال تعالى (وإنه لتنزيل رب العالمين, نزل به الروح الأمين, على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين) (الشعراء 192 -)195 ), وقال تعالى (حم تنزيل من الرحمن الرحيم, كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون) (فصلت: 1 – 2), وقال تعالى: (حم والكتاب المبين, انا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون, وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم)( الزخرف: 1 – 2 -3 ), وقال تعالى (وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا اليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم, ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لتنذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين)( الاحقاف : 11 ).


  ثانيا: في السنة النبوية: روى الطبراني في الأوسط والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان وغيرهم عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال : قال رسول الله( صلى الله عليه وسلم ): (أحبوا العرب لثلاث لأني عربي ، والقرآن عربي ، وكلام أهل الجنة عربي) .


ثالثا:في أقوال السلف الصالح: كتب عمر بن الخطاب(رضي الله عنه) إلى أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه )( أما بعد فتفقهوا في السنة وتفقهوا في العربية وأعربوا القرآن فإنه عربي).


رابعا:في أقوال علماء أهل السنة: قال الإمام الشافعي (فأقام ” الله سبحانه وتعالى ” حجته بأن كتابه عربي في كل آية ذكرناها , ثم أكد ذلك بأن نفى عنه ـ جل ثناؤه ـ كل لسان غير لسان العرب في آيتين من كتابه ، فقال الله تعالى ” ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين”, وقال الله تعالى ” ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي” ) ، وقال  الامام ابن القيم ( وقد أنزل الله بها أشرف كتبه ومدحه بلسان عربي، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن لسان أهل الجنة عربي) ( أحكام أهل الذمة).


ثانيا: تطبيقات القاعدة :ويترتب على قاعدة عروبة القران الكريم العديد من القواعد، التي هي بمثابة تطبيق لها:


تعلم اللغة العربية من الدين:  من هذه القواعد التطبيقية ان تعلم اللغة العربية من الدين ، قال عمر بن الخطاب( رضي الله عنه) (تعلموا العربية فإنها من دينكم وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم) ، و قال الامام ابن تيمية (وإنما الطريق الحسن: اعتياد الخطاب بالعربية، حتى يتلقنها الصغار في الدور والمكاتب، فيظهر شعار الإسلام وأهله، ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب والسنة وكلام السلف. بخلاف من اعتاد لغة ثم أراد أن ينتقل إلى أخرى، فإنه يصعب عليه. واعلم أن اعتياد اللغة، يؤثّر في العقل والخُلُق والدّين تأثيراً قوياً بيناَ. ويؤثر أيضاً في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين. ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق. وأيضاً فإن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب. فإن فهم الكتاب والسنة فرض. ولا يُفهم إلا بفهم اللغة العربية. وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب. ثم منها ما هو واجب على الأعيان، ومنها ما هو واجب على الكفاية..)(اقتضاء الصراط المستقيم: 2|207) .


العلم باللغة العربية شرط لتفسير القران الكريم : ومن هذه القواعد التطبيقية أن العلم باللغة العربية شرط من شروط تفسير القران الكريم ، قال مجاهد  (لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر , أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالماً بلغات العرب) ،وقال الإمام مالك (لا أوتى برجل غير عالم بلغات العرب يفسر كتاب الله إلا جعلته نكالاً )  ، ويقول الإمام الشافعي  ( وإنما بدأت بما وصفت من أن القرآن نزل بلسان العرب دون غيره , لأنه لا يعلم من إيضاح جمل علم الكتاب أحد جهل سعة لسان العرب , وكثرة وجوهه , وجماع معانيه وتفرقها , ومن عَلِمَه انتفت عنه الشبه التي دخلت على من جهل لسانها).


التلازم بين العروبة والإسلام: ومن هذه القواعد التطبيقية أن العلاقة بين العروبة والاسلام هي علاقة تلازم وارتباط ، قال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)( نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فلا نطلب بغير الله بديلاً. )( البداية والنهاية).ويترتب على هذا بطلان المذاهب التي تجعل العلاقة بينهما علاقه إلغاء وتناقض، كالمذاهب التي تناهض الإسلام بالعروبة(كالمذهب العلماني في  القومية)،والمذاهب التي تناهض العروبة بالإسلام(كالشعوبية ومذهب إنكار وحدات وأطوار التكوين الاجتماعي).


الامامه “التكوينية” للامه العربية المسلمة : ومن هذه  القواعد التطبيقية الامامه التكوينية للامه العربية المسلمة، و الإمامة لغة – وكذا اصطلاحا – تتصل بمعاني الاقتداء والإتباع ( لسان العرب “21/42″، مادة “أمم” ) ، ويمكن تقسيم الامامه إلى أقسام متعددة ، نتيجة لتعدد المعايير المستخدمة في تقسيمها، و إمامه الامه شكل من أشكال الامامه الجماعية، وتنقسم  أيضا إلى أقسام متعددة بتعدد معايير تقسيمها ،حيث تنقسم الامه طبقا لمعيار أنماط الأمم إلى الأقسام التالية :


أولا: الإمامة ألتكليفيه” إمامه الامه الاسلاميه”: فأمه التكليف هي التي تتميز عن غيرها بالمضمون العقدي كما في قوله تعالى﴿ أن هذه أمتكم أمه واحده وأنا ربكم فاعبدون﴾ ،وتنقسم إلى قسمين:


الأول :أمة الدعوة: وتضم كل من أرسل إليهم الرسول ( صلى الله عليه وسلم) من الناس كافة ، ولقد خصّ القرآن الكريم خطاب أمة الدعوة بنداء: (يا أيها الناس) و(يا أيها الإنسان).


الثاني: أمه الاستجابة: وتضم المسلمين “الامه الاسلاميه” كما في قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾[سورة الأنفال:24 ، وقد خص القران الكريم خطاب أمة الإجابة بنداء (يا أيها الذين آمنوا).ومضمون الإمامه ألتكليفيه هنا هو إمامه أمه الاستجابة ” الامه الاسلاميه ” لامه الدعوة ” الناس كافه”.


ثانيا: الامامه التكوينية” إمامه الامه العربية ألمسلمه”: اما أمه التكوين فهي التي تتميز عن غيرها بالمضمون الاجتماعي كما في قوله تعالى﴿ وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا ﴾(الأعراف:160)، وهنا نستخدم مصطلح الامه بدلاله خاصة – لا تتناقض مع دلالته العامة ألسابقه الذكر- مضمونها الامه كوحدة – وطور – تكوين اجتماعي تتميز بان مناط الانتماء إليها اللسان لا النسب، بالاضافه إلى الاستقرار في ارض خاصة” أو الديار بالتعبير القرانى”. ومضمون الامامه التكوينية هنا هو إمامه أمه التكوين” الامه العربية المسلمة لامه التكليف ” الامه الاسلاميه ” ، وقد أشارت إليها بعض النصوص كقوله تعالى (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ )( الزخرف : 44) ، فالايه تشير إلى الامامه التكوينية لقريش على وجه الخصوص ، والتي أشارت إليها أحاديث كثيره، والعرب على وجه العموم . وورد في تفسير القرطبي(عنِي الْقُرْآن شَرَف لَك وَلِقَوْمِك مِنْ قُرَيْش , إِذْ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ وَعَلَى رَجُل مِنْهُمْ…قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : ” وَلِقَوْمِك ” فِيهِمْ قَوْلَانِ : أَحَدهمَا : مَنْ اِتَّبَعَك مِنْ أُمَّتك ; قَالَهُ قَتَادَة وَذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ عَنْ الْحَسَن . الثَّانِي : لِقَوْمِك مِنْ قُرَيْش ; فَيُقَال مِمَّنْ هَذَا ؟ فَيُقَال مِنْ الْعَرَب , فَيُقَال مِنْ أَيّ الْعَرَب ؟ فَيُقَال مِنْ قُرَيْش ; قَالَ مُجَاهِد . قُلْت : وَالصَّحِيح أَنَّهُ شَرَف لِمَنْ عَمِلَبِهِ , كَانَ مِنْ قُرَيْش أَوْ مِنْ غَيْرهمْ ). وورد في تفسير الجلالين ( “وَإِنَّهُ لَذِكْر” لَشَرَف “لَك وَلِقَوْمِك” لِنُزُولِهِ بِلُغَتِهِمْ “وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ” عَنْ الْقِيَام بِحَقِّهِ). وقد اقر علماء أهل السنة بالامامه التكوينية للامه العربية المسلمة للامه الاسلاميه: يقول أبو محمد بن حرب بن إسماعيل بن خلف الكرماني (هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها، وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها، فمن خالف شيئاً من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مبتدع خارج عن الجماعة، زائل عن منهج السنة وسبيل الحق، وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم. فكان من قولهم: أن الإيمان قول وعمل ونية”. ,,, ونعرف للعرب حقها وفضلها وسابقتها، ونحبهم لحديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم): حب العرب إيمان، وبغضهم نفاق. ولا نقول بقول الشعوبية و أرذال الموالي الذين لا يحبون العرب ولا يقرون لهم بفضلهم، فإن قولهم بدعة و خلاف). ويقول الإمام ابن تيمية (بغض جنس العرب ومعاداتهم كفر أو سبب لكفر ، لأن منهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وعامة أصحابه، ومقتضاه أنهم أفضل من غيرهم وأن محبتهم سبب قوة الإيمان). ويقول أبو منصور الثعالبي  (ومَنْ هداه الله للإسلام، وشرح صدره للإيمان، وأتاه حسن سريرة فيه اعتقد أنّ محمداً خيرُ الرسل، والإسلام خير الملل، والعرب خير الأمم، والعربية خير اللغات والألسنة، والإقبال عليها وعلى تفهمها من الديانة، إذ هي أداة العلم)(فقه اللغة وسر العربية- ص21)،  يقول أبي القاسم محمود الزمخشري الخوارزمي):اللهَ أحمد على أن جعلني من علماء العربية , وجبلني على الغضب للعرب والعصبية , وأبى لي أن أنفرد عن صميم أنصارهم وأمتاز , وأنضوي إلى لفيف الشعوبية وأنحاز , وعصمني من مذهبهم الذي لم يجد عليهم إلا الرشق بألسنة اللاعنين , والمشق بأسنة الطاعنين) (المفصل)


مفهوم الاصطفاء الالهى : وتتأسس هذه الامامه على مفهوم الاصطفاء الالهى الذي أشارت إليه العديد من النصوص كقوله تعالى( الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ) قول الرسول (صلى الله علي وسلم) )إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) ،يقول الإمام ابن تيمية في كتاب (اقتضاء الصراط المستقيم) ( فإن الذي عليه أهل السنة والجماعة اعتقاد أن جنس العرب أفضل من جنس العجم: عبرانيهم وسريانيهم، رومهم و فرسهم وغيرهم، وأن قريشاً أفضل العرب وأن بني هاشم أفضل قريش وأن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أفضل بني هاشم، فهو أفضل الخلق نفساً وأفضلهم نسباً. وليس فضل العرب ثم قريش ثم بني هاشم بمجرد كون النبي (صلى الله عليه وسلم) منهم، وإن كان هذا من الفضل، بل هم أنفسهم أفضل. وبذلك ثبت لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه أفضل نفساً و نسباً، وإلا لزم الدور)، ومضمون الامامه التكوينية للامه العربية المسلمة للامه الاسلاميه – و المستندة على مفهوم الاصطفاء الالهى – أن الامه العربية المسلمة تتميز- ولا تمتاز- عن غيرها من الشعوب والأمم المسلمة الأخرى بأن الإسلام هو الذي أوجدها (فلم تكن موجودة من قبله كأمه واحده،وان وجدت كقبائل وشعوب متفرقة)، و أنها حاضنه حضارته ( فتميزت باللغة العربية ” لغة القران “لغة قوميه مشتركه ، واللغة هي وعاء الحضارة )، وحامله رسالته إلى كل شعوب وأمم الأرض بدون اكراه ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق