تفسير الايه ( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )(المائدة:44) بأنها تدل على تكفير حكام المسلمين الذين لا يحكمون بما انزل الله وتوجب الخروج عليهم ، وهو ذات تفسير الخوارج لهذه الآية ،وهو تفسير يخالف تفسير أهل السنة للأيه، والقائم وجوب التمييز بين عدم الحكم بما انزل الله مع الإقرار به فهو ظلم او فسق، وعدم الحكم بما انزل الله مع إنكاره فهو كفر بدليل قوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون )( المائدة /45).وقوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) (المائدة /47). روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ قال: من جحد ما أنزل الله، فقد كفر، ومن أقرّبه، لم يحكم به فهو ظالم فاسق. (أخرجه الطبري في جامع البيان بإسناد حسن. سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني ذكره أبو عبد الله بن بطة في الإبانة الحكم بغير ما أنزل الله).لذا ينسب لابن عباس في رده على الخوارج ” إنه ليس الكفر الذي تذهبون إليه، إنه ليس كفراًً ينقل عن الملة: كفر دون كفر” يقول الشيخ الألباني رحمه الله (وقد جاء عن السلف ما يدعمها، وهو قولهم في تفسير الآية: «كفر دون كفر” صحّ ذلك عن ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنه، ثم تلقاه عنه بعض التابعين وغيرهم) ، وما هو ثابت ان الزعيم الراحل جمال عبد الناصر لم ينكر ما انزل الله تعالى في اى من خطاباته الشفهية أو وثائقه المكتوبة . كما لم يكن الخلاف بينه وبين جماعه الأخوان المسلمين ، حول إنكار أو عدم إنكار ما انزل الله ،ولكنه كان -في الأساس- خلاف حول قضايا سياسيه متعددة منها رفض الجماعة – أو بالاحرى اغلب قياداتها -لاتفاقيه الجلاء رغم انه ترتب عليها خروج الانجليز من مصر ، بحجه أن بها بندا يبيح للانجليز العودة إلى المنطقة في حالات معينه، أما قضيه النظام القانوني الاسلامى، فإنها لم تكن القضية الخلافية الاساسيه – أو الوحيدة – كما حول ان يصور البعض لاحقا – فضلا عن الخلاف بينهما فى هذه القضية انحصر في كيفيه تطبيق النظام القانوني الاسلامى – وليس إقرار أو إنكار النظام القانوني الاسلامى – حيث كان عبد الناصر يرى أن التحرير من الاستعمار ، سابق على التطبيق “الشامل” للنظام القانوني الاسلامى ، بينما كانت جماعه الأخوان المسلمين – أو بالاحرى سيد قطب و القطاع المؤيد له من جماعه الإخوان المسلمين- يقولون بوجوب التطبيق “الفوري” للنظام القانوني الاسلامى ، بصرف النظر عن الظروف السياسية والاجتماعية والاقصاديه. مع ملاحظه أن قطاع من الحركات السياسية التي تبنت مذهب التفسير السياسي للدين ،والتي وصلت للسلطة في بعض البلدان، تبنت لاحقا موقف يقارب موقف عبد الناصر، والقائم على وجوب توفير الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية اللازمة لتطبيق النظام القانوني الاسلامى، وأهمها تحقيق الاستقرار ، استنادا إلى قاعدة النهى عن اقامه الحد وقت الغزو ، والتي تستنبط من أن الرسول ” صلى الله عليه وسلم” لم يقم الرسول حدا قط في غزو، بدليل ما رواه بسر بن ارطاه من انه وجد رجلا يسرق فجلده ولم يقطع يده وقال: نهانا الرسول عن القطع في الغزو، و روى عن عمر النهى عن اقامه الحد وقت الغزو ، و قرر الأكثرون انه لا يقام الحد على المحارب أثناء الحرب خشيه ان يلحق بالأعداء (محمد أبو زهره ، الجريمة والعقوبة، ص 324 ).هذا مع ملاحظه أن الدولة في عهد عبد الناصر قدا قرت بالإسلام كدين للدولة على المستوى الدستوري، كما أصدرت الكثير من القوانين الاسلاميه .
ثالثا: الاستناد الى الاحاديث التى تفيد ان المرء يحشر مع من احب : وقد منع البعض حب الزعيم الراحل جمال عبد الناصر استنادا الى الاحاديث الداله على معنى ان المرء يحشر مع من احب كقول الرَسُولُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) ( ثَلَاثٌ هُنَّ حَقٌّ :… وَلَا يُحِبُّ رَجُلٌ قَوْمًا إِلَّا حُشِرَ مَعَهُمْ )
(رواه الطبراني في المعجم الأوسط :6/293 . وصححه الألباني في ” صحيح الترغيب والترهيب :3/96) ، وكذلك حديث أَنَسٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ )، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ ، فَقَالَ : مَتَى السَّاعَةُ ؟ قَالَ : وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا ؟ قَالَ : لاَ شَيْءَ ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ. (رواه البخاري :3688، ومسلم :2639).وهنا نوضح اوجه الخطا فى هذا الاستناد:
اولا:ان الاستناد الى هذه الاحاديث لمنع حب الزعيم الراحل يعنى : اولا تكفير الزعيم الراحل ، ثانيا: القطع بانه فى النار، ثالثا: القطع بان كل من احبه – فى حياته او بعد مماته وهم اغلب الشهعب العربى – فى النار .
ثانيا: ان المحبة المقصودة في الحديث هى المحبة الدينية المتعلقه بالدين والمعتقد ، اى الحب الدينى بتعبير ابن كثير الذى يقول في تفسير قوله تعالى : ( وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ) ( أي : وإن حرصا عليك أن تتابعهما على دينهما إذا كانا مشركين ، فإياك وإياهما ، لا تطعهما في ذلك ، فإن مرجعكم إليّ يوم القيامة ، فأجزيك بإحسانك إليهما ، وصبرك على دينك ، وأحشرك مع الصالحين ، لا في زمرة والديك ، وإن كنت أقرب الناس إليهما في الدنيا ، فإن المرء إنما يحشر يوم القيامة مع من أحب ، أي : حبا دينيا ؛ ولهذا قال ” والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين” )( تفسير القرآن العظيم :6/265) . ثالثا: يترتب على ما سبق ان المحبه المقصوده فى الحديث هى المحبه بسبب المعتقد ، يقول ابن حجر الهيتمي في حديثه عن كبيرة محبة الظلمة أو الفسقة وبغض الصالحين ( عد هذين كبيرة هو ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة : ( المرء مع من أحب ) وله وجه ، إذ الفرض أنه أحب الفاسقين لفسقهم ، وأبغض الصالحين لصلاحهم ، وظاهر أن محبة الفسق كبيرة كفعله ، وكذا بغض الصالحين ؛ لأن حب أولئك الفاسقين وبغض الصالحين يدل على انفكاك ربقة الإسلام وعلى بغضه ، وبغض الإسلام كفر ، فما يؤدي إليه ينبغي أن يكون كبيرة) ( الزواجر عن اقتراف الكبائر :1/184) ،ويقول ابن بطال ( بيان هذا المعنى أنه لما كان المحب للصالحين إنما أحبهم من أجل طاعتهم لله ، وكانت المحبة عملا من أعمال القلوب ، واعتقادًا لها ، أثاب الله معتقد ذلك ثواب الصالحين ، إذ النية هي الأصل ، والعمل تابع لها ، والله يؤتي فضله من يشاء )( شرح صحيح البخاري: 9/333).
رابعا: كما ان المحبه المقصوده فى الحديث ليست المحبه المجرده، بل محبه مقرونه بالعمل، فمن احب شخص ولم يعمل عمله- سواء كان صالح او طالح- لم يحشر معه، يقول الامام أبو حامد الغزالي ” قال الحسن : يا ابن آدم ! لا يغرنك قول من يقول : ( المرء مع من أحب ) فإنك لن تلحق الأبرار إلا بأعمالهم ، فإن اليهود والنصارى يحبون أنبياءهم وليسوا معهم ، وهذه إشارة إلى أن مجرد ذلك ، من غير موافقة في بعض الأعمال ، أو كلها : لا ينفع )( إحياء علوم الدين :2/160)، وقال السخاوي : قال بعض العلماء : ومعنى الحديث أنه إذا أحبَّهم عمل بمثل أعمالهم ، قال الحسن البصري : من أحبَّ قومًا اتبع آثارهم ، واعلم أنك لن تلحق بالأخيار حتى تتبع آثارهم ، فتأخذ بهديهم ، وتقتدي بسنتهم ، وتصبح وتمسي على مناهجهم ، حرصًا أن تكون منهم )( شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية :5/304).
خامسا: اما المحبه الدنيويه فلا تدخل فى معنى المحبه الوارده فى الحديث ،اى لا تكون سببا للجمع في المحشر، كمحبه المسلم لوالديه غير المسلمين وغير ذلك،قال تعالى ( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا ) …يقول ابن كثير في تفسير الايه ( أي : وإن حرصا عليك أن تتابعهما على دينهما إذا كانا مشركين ، فإياك وإياهما ، لا تطعهما في ذلك ، فإن مرجعكم إليّ يوم القيامة ، فأجزيك بإحسانك إليهما ، وصبرك على دينك ، وأحشرك مع الصالحين ، لا في زمرة والديك ، وإن كنت أقرب الناس إليهما في الدنيا ، فإن المرء إنما يحشر يوم القيامة مع من أحب ، أي : حبا دينيا ؛ ولهذا قال ” والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين” )( تفسير القرآن العظيم :6/265)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق