الموقف الحقيقي للإمام ابن تيميه من الحكم على الشيعة
الموقف الحقيقي للإمام ابن تيميه من الحكم على الشيعة
د. صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم
تمهيد: يحاول هذا المقال بيان خطا المذهب القائل أن مذهب الإمام ابن تيميه في الحكم على الشيعة ، هو مذهب اجمالى ، قائم على إطلاق حكم واحد عليهم هو تكفير الشيعة ، دون تمييز بين فرقها ، و بين أفكارها والأشخاص المنتمين إليها .. و أن الإمام ابن تيميه قد تبنى مذهب تفصيلي ، يميز بين الفرق الشيعية المتعددة ، كما يميز بين الأفكار الشيعية والأشخاص المنتمين إلى المذهب أو المذاهب الشيعيه، وهو لا يحكم على الشيعة بالخروج الكلى عن الإسلام ، وان حكم عليهم بالضلال والابتداع ، وفيما يلي نشير لمذهب ابن تيميه في الحكم على الشيعة بالتفصيل :
وصف الشيعة بأنها فرقه ضالة ومبتدعه : يصف الإمام ابن تيميه الشيعة بأنها فرقه ضالة ومبتدعه (منهاج السنة 1/160) ، وهذا الوصف” اى الضلال” هو محل إجماع بين علماء أهل السنة بفرقهم المتعددة ، كما يصف الإمام ابن تيميه الشيعة بقلة العلم والعقل , والتناقض والاضطراب , والعداء للمسلمين , والتعاون مع الأعداء ضد المسلمين نسبه لتعاون بعض الشيعة مع التتار فى عهده) مجموع الفتاوى :3/356) ، ومنهاج السنة النبوية: ( 7/220 .
الشيعة مع ضلالهم لم يخرجوا عن الإسلام بالكلية: غير ان الإمام ابن تيميه مع وصفه للشيعة بالضلال، إلا انه لم يخرجهم عن دائرة الإسلام بالكلية ويدل على هذا:
ا/ تقريره أن دخول الكافر في الإسلام على مذهب الرافضة خير له من بقائه على كفره:حيث يقول( وقد ذهب كثير من مبتدعة المسلمين من الرافضة والجهمية وغيرهم إلى بلاد الكفار فأسلم على يديه خلق كثير , وانتفعوا بذلك , وصاروا مسلمين مبتدعين , وهو خير من أن يكونوا كفارا ) (مجموع الفتاوى : 13/96).
ب/ تقريره أن الرافضة فيهم خلق مسلمون ظاهرا وباطنا : حيث يقول عند ذكر قول الرافضة في عصمة الأئمة( فهذه خاصة الرافضة الأمامية، التي لم يشركهم فيها أحد، لا الزيدية الشيعة , ولا سائر طوائف المسلمين , إلا من هو شر منهم كالإسماعيلية الذين يقولون بعصمة بني عبيد , المنتسبين إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر , القائلين : بأن الإمامة بعد جعفر في محمد بن إسماعيل دون موسى بن جعفر , وأولئك ملاحدة منافقون . والإمامية الاثنا عشرية خير منهم بكثير , فإن الإمامية مع فرط جهلهم وضلالهم فيهم خلق مسلمون باطنا وظاهرا , ليسوا زنادقة منافقين , لكنهم جهلوا وضلوا واتبعوا أهواءهم ..) (منهاج السنة : 2/452 ).
ج/ العذر بالجهل وعدم تكفيره لعوام الشيعة: وقد طبق الإمام ابن تيميه قاعد هي العذر بالجهل اى عدم تكفير من جهل أن قوله هو كفر، وبناء عليها فقد قرر ان عوام الشيعة الذين لم يعرفوا أمرهم قد يكونوا مسلمين حيث يقول (.. وأما أولئك فأئمتهم الكبار العارفون بحقيقة دعوتهم الباطنية زنادقة منافقون , وأما عوامهم الذين لم يعرفوا أمرهم فقد يكونون مسلمين , (منهاج السنة : 2/452 ).
د/ قوله بقاعدة التكفير على العموم أما المعين فيتوقف تكفيره على استيفاء الشروط وانتفاء الموانع: كما طبق الإمام ابن تيميه قاعدة ” التكفير على العموم أما المعين فيتوقف تكفيره على استيفاء الشروط وانتفاء الموانع” في الحكم على الشيعة ،والتي تعنى جواز القول بان القول المعين هو كفر، أما الشخص المعين فلا يجوز القول بكفره إلا بعد استيفائه شروط التكفير وانتفاء موانعه عنه. حيث يقول فى مجوع الفتاوى ( وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ الَّتِي يَقُولُونَهَا الَّتِي يُعْلَمُ أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لَمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ كُفْرٌ وَكَذَلِكَ أَفْعَالُهُمْ الَّتِي هِيَ مِنْ جِنْسِ أَفْعَالِ الْكُفَّارِ بِالْمُسْلِمِينَ هِيَ كُفْرٌ أَيْضًا . وَقَدْ ذَكَرْت دَلَائِلَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ؛ لَكِنْ تَكْفِيرُ الْوَاحِدِ الْمُعَيَّنِ مِنْهُمْ وَالْحُكْمُ بِتَخْلِيدِهِ فِي النَّارِ مَوْقُوفٌ عَلَى ثُبُوتِ شُرُوطِ التَّكْفِيرِ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ . فَإِنَّا نُطْلِقُ الْقَوْلَ بِنُصُوصِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالتَّكْفِيرِ وَالتَّفْسِيقِ وَلَا نَحْكُمُ لِلْمُعَيَّنِ بِدُخُولِهِ فِي ذَلِكَ الْعَامِّ حَتَّى يَقُومَ فِيهِ الْمُقْتَضَى الَّذِي لَا مَعَارِضَ لَهُ . وَقَدْ بَسَطْت هَذِهِ الْقَاعِدَةَ فِي ” قَاعِدَةِ التَّكْفِيرِ)
ه/ إنكاره القول بتفضيل اليهود النصارى على الشيعة : حيث يقول فى الرد على من يفضل اليهود والنصارى على الرافضة ( كل من كان مؤمنا بما جاء به محمد فهو خير من كل من كفر به , وإن كان في المؤمن بذلك نوع من البدعة , سواء كانت بدعة الخوارج والشيعة والمرجئة والقدرية أو غيرهم) (مجموع الفتاوى :35/201 ).
و/ قوله صحة الصلاة خلف الإمام الرافضي: حيث يقول( والفاسق والمبتدع صلاته في نفسه صحيحة , فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته , لكن إنما كره من كره الصلاة خلفه لأن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واجب , ومن ذلك أن من أظهر بدعة أو فجورا لا يرتب إماما للمسلمين , فانه يستحق التعزير حتى يتوب , فإذا أمكن هجره حتى يتوب كان حسنا , وإذا كان بعض الناس إذا ترك الصلاة خلفه وصلى خلف غيره آثر ذلك حتى يتوب , أو يعزل , أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه , فمثل هذا إذا ترك الصلاة خلفه كان فيه مصلحة , ولم يفت المأموم جمعة ولا جماعة , وأما إذا كان ترك الصلاة يفوت المأموم الجمعة والجماعة فهنا لا يترك الصلاة خلفهم إلا مبتدع مخالف للصحابة رضي الله عنهم. وكذلك إذا كان الأمام قد رتبه ولاة الأمور , ولم يكن في ترك الصلاة خلفه مصلحة , فهنا ليس عليه ترك الصلاة خلفه , بل الصلاة خلف الإمام الأفضل أفضل , وهذا كله يكون فيمن ظهر منه فسق أو بدعة تظهر مخالفتها للكتاب والسنة ,كبدعة الرافضة والجهمية( مجموع الفتاوى : 23/354 ).,
تقرير أن علماء أهل السنة لم يجمعوا على تكفير الشيعة : كما ينفى الإمام ابن تيميه إجماع علماء أهل السنة على تكفير الشيعة،من خلال تقريره أن للعلماء قولان فى تكفيرهم حيث يقول في مجموع الفتاوى (وَأَمَّا تَكْفِيرُهُمْ وَتَخْلِيدُهُمْ : فَفِيهِ أَيْضًا لِلْعُلَمَاءِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ : وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد . وَالْقَوْلَانِ فِي الْخَوَارِجِ وَالْمَارِقِينَ مِنْ الحرورية وَالرَّافِضَةِ وَنَحْوِهِمْ …)
التمييز بين الفرق الشيعية : وقد ميز الإمام ابن تيميه بين الفرق ” المذاهب” الشيعية المتعددة ،ونتيجة لذلك لم يضع حكم واحد على هذه الفرق، بل وضع أحكام متعددة ،وهذا الموقف يتفق معه فيه كثير من علماء أهل ألسنه الذين قرروا : إن الشيعة على ثلاثة أقسام : قسم كافر بالإجماع كغلاة الشيعة , وقسم غير كافر بالإجماع كالشيعة المفضلة , وقسم وقع فيه خلاف بين العلماء كالرافضة .حيث ذكر الإمام ابن تيمية الشيعة المفضلة عند ذكر الفرق التي أجمع الأئمة على عدم كفرهم (مجموع الفتاوى : 3/351 ). كما ذكر ان غلاة الشيعة بفرقهم المتعددة كفار بالإجماع) منهاج السنة : 3/452 و 5/337) , وذكر أن العلماء لهم في الرافضة قولان , هما روايتان عن الإمام أحمد) مجموع الفتاوى :3/56 والصارم المسلول :567ـ571).
القتال مشروط وليس مطلق : أما تقرير الإمام ابن تيميه وجوب قتال الشيعة فهو مقيد بمن تنطبق عليه شروط القتال من الشيعة، ممن خرج على الحاكم الشرعي، أو أعان الأعداء على المسلمين… فهو من باب مقاتله الفئه الباغية وليس من باب جهاد الكفار المحاربين.
مذهب التفصيل في الحكم على الشيعة عند بعض العلماء المعاصرين :وقد تبنى بعض العلماء المعاصرين ذات مذهب الإمام ابن تيميه في الحكم على الشيعة، والقائم على التفصيل، ومن هؤلاء العلماء :
الشيخ ابن عثيمين : يقول الشيخ ابن عثيمين في الاجابه على السؤال : بالنسبة للرافضة هل يعتبرون كفرة ؟ وكيف يكون تعامل المسلم معهم لأنهم كثيرا ما يظهرون الحقد والبغض لأهل السنة ؟( الرافضة – بارك الله فيك – كغيرهم من أهل البدع ، إذا أتوا بما يوجب الكفر صاروا كفارا وإذا أتوا بما يوجب الفسق صاروا فساقا ، وإذا كان لشيء من أقوالهم القريبة من أقوال أهل السنة شيء من النظر ، وصار محل اجتهاد فهم فيه كغيرهم ، فلا يمكن أن يجاء بجواب عام ويقال :كل الرافضة كفار ، أو كل الرافضة فساق ، لا بد من التفصيل والنظر في بدعتهم ، ويجب علينا أن ندعوهم إلى الحق ، وأن نبيّنه لهم ، وإذا كنا نعلم من أي فرقة هم ، فعلينا أن نبيّن عيب هذه الفرقة ، ولا نيأس ، فإن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل ، ربما يهديهم الله على أيدينا ، فيحصل لنا خير كثير ، والانسان الذي يهتدي بعد أن كان غير مهتد قد تكون فائدته للمجتمع أكثر وأكبر من الذي كان مهتديا من الأول ، لأنه عرف الباطل ورجع عنه ، وبيّنه للناس فيكون بيانه للناس عن علم) (.لقاءات الباب المفتوح رقم السؤال 1557رقم اللقاء 70
3 / 520 طبعة دار البصيرة )
الشيخ سلمان العودة: ويقول الشيخ سلمان عوده في الاجابه على السؤال: ما هو موقف السني من الشيعي ؟
علماً أن هناك ممن يحبونكم ويستمعون لأشرطتكم، ووجدت منه ميلاً للشيعة وانخداعاً بهم بسبب تقيتهم، وعندما ناقشته مراراً لم يقتنع، ويقول هؤلاء الشيعة أفضل منا، ويدعون إلى وحدة المسلمين.
( موضوع الشيعة فيه تفصيل؛ فإن في كتبهم ما هو كفر صريح، ومنها ما هو بدعة غليظة أو دون ذلك، أو فيها ما هو كسائر الكلام.أما الأشخاص فيحكم عليهم بحسب اعتقادهم الذي نعلمه فمن طعن في القرآن، أو أنكر قطعياً معلوماً بالضرورة من الدين، أو اتهم عائشة أم المؤمنين – رضي الله عنها – بالزنا، فهو كافر بالله العظيم. ومن كانت بدعته دون ذلك، كتفضيل علي – رضي الله عنه – على الشيخين فهو مخطئ مبتدع، لكنه لا يكفر بها..، والتفصيل خير من الإجمال).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق