السبت، 12 نوفمبر 2016

أدلة الإمامة عند الشيعة من القرآن


الآية الأولى
نقض الاستدلال بالآية
الآية الثانية
نقض الاستدلال بالآية
الآية الثالثة
نقض الاستدلال بالآية
الآية الرابعة
الخاتمة

  
استدل الشيعة على عقيدة الإمامة عندهم بعدة آيات من القرآن أرادوا من خلالها إثبات صحة عقيدتهم هذه وأن سندها هو كتاب الله تعالى وفيما يلي توجز أهم هذه الآيات ووجه الاستدلال بها:
الآية الأولى

 قوله تعالى((وإذ أبتلى إبراهيم ربُهُ بكلماتٍ فأتمهن قال أني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين))البقرة/124
             أستدل الشيعة بهذه الآية على عدة مسائل منها:
1.  أن منزلة الإمامة منفصلة عن النبوة: حيث قالوا: أن الله خاطب إبراهيم وهو نبي، فقال له أنه سيجعله أماماً جزاء له على أتمامه ما أبتلاه الله به من الكلمات، ولو كان أماماً في الحال لما كان للكلام معنى، فدل ذلك على أن منزلة الإمامة منفصلة عن النبوة(1) واستدلوا على كونه عليه السلام نبياً حين خاطبه ربه عز وجل بهذه الآية بالابتلاء الذي حصل قبل هذه الحادثة والمذكور في الآية الكريمة كقصة ذبح إسماعيل قال تعالى((قال يا بني أني أرى في المنام أني أذبحك)) إلى أن قال((أن هذا لهو البلاء المبين))، كما استدلوا على نبوته بقولهعليه السلام في الآية((ومن ذريتي)) حيث قالوا(( أن الآية ذكرت أن إبراهيمعليه السلام حين أعطي الإمامة سألها لذريته أيضاً بقوله تعالى((ومن ذريتي)) أي أن هذه الحادثة وقعت في أواخر عهد إبراهيم وبعد أن رزقه الله تعالى بإسماعيل وإسحاق، ومما يؤكد أن حادثة أعطاء الإمامة وقعت في كبر إبراهيم عليه السلام قوله تعالى حكاية عن إبراهيم((الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق أن ربي لسميع الدعاء)) والإمامة أنما وهبت له بعدها(2) ولم يكتف الشيعة بهذا بل جعلوا الإمامة تفوق النبوة والرسالة في الرتبة والمنزلة وفي هذا يقول الشيراز في تفسيره(( يتبين من الآية الكريمة التي نحن بصددها أن منزلة الإمامة الممنوحة لإبراهيم بعد كل هذه الاختبارات تفوق منزلة النبوة والرسالة))(3).
2.  أن الأمام يجب أن يكون معصوماً عن الضلال والمعصية وجميع القبائح: حيث قالوا أن العهد في الآية هو الإمامة والله تعالى نفى أن ينال عهده الذي هو الإمامة ظالم، ومن ليس بمعصوم فهو ظالم إما لنفسه أو لغيره(4). وأن لفظ ((الظالمين)) في الآية تخص(( مطلق من صدر عنه ظلم ما، من شرك أو معصية، وأن كان منه في برهة من عمره، ثم تاب أو أصلح))(5).
3.  أن الإمامة لا تكون ألا بجعل من الله تعالى وليس لأحد تنصيب الأمام: وفي هذا الصدد يقول محمد جواد مغنية في التفسير الكاشف ما نصه((واستدل الشيعة الأمامية بقوله تعالى ـ جاعلك للناس أماماً ـ على أن الإمامة لا تكون ألا بجعل من الله سبحانه))(6)،أما صاحب تفسير الميزان فأنه يستنبط من الآية عدة أمور أولها أن الإمامة مجعولة من قبل الله تعالى وفي هذا يقول((وقد ظهر مما تقدم من البيان أمور: الأول: أن الإمامة لمجعولة))(7).   
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.      ينظر تفسير البيان: الطوسي(1/449)
2.      ينظر محمد حسين طباطبائي: تفسير الميزان(1/262ـ263)
3.      الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل(1/263)
4.      ينظر الطوسي: تفسير البيان(1/449)
5.      محمد حسين طباطبائي: تفسير الميزان(1/270)
6.      محمد جواد مغنيه: التفسير الكاشف(1/198)
7.      محمد حسين طباطبائي: تفسير الميزان(1/270)

نقض الاستدلال بالآية


فأما قولهم أن الإمامة منفصلة عن النبوة فمردود من عدة وجوه:
1.  الآية الكريمة مختلف في تأويلها، والقطع بأن المراد هو ما ذهب التسمية الشيعة من التأويل ينقصه الدليل ورد باقي الأدلة. فقوله تعالى((أني جاعلك للناس أماماً)) يحتمل جعله رسولاً يقتدى به لأن أهل الأديان مع اختلافهم يدينون به ويقرون نبوته، ويحتمل إماماً من الإمامة والخلافة، أو الإمامة والاقتداء فيقتدي به الصالحون. والعهد اختلف في تأويله: فقيل الرسالة والوحي، وقيل الإمامة وقيل عهد الله دينه، وقيل عهدي طاعتي(1)، وقيل نبوتي وقيل أماني فهي ليست في مسألة الإمامة أصلاً في قول أكثرهم، والذين فسروها بالإمامة قصدوا إمامة العلم والصلاح والاقتداء لا الإمامة بمفهوم الرافضة(2)، أن الآية ليست نصاً فيما ذهبوا إليه وإنما غايتها أن تكون مشتبهة تحتمل هذا وتحتمل غيره وما كان كذلك فليس بدليل معتبر في الأصول التي شرطها أن يكون دليلها نصاً قرآنياً محكماً صريحاً، فلو كانت الإمامة فرعاً من الفروع الفقهية لما صح الاستدلال بمثل هذه الآية عليها(3) فأين الاستدلال بهذه الآية على أصل عظيم من أصول الدين عندهم وهو الإمامة من الاستدلال بقوله تعالى في النص المحكم((محمد رسول الله)).
2.  أن هذه الفرضية قائمة على أساس تقدم النبوة ثم الابتلاء فالإمامة وهذا التقسيم غير مقطوع به لا من نص الآية ولا من تأويلها. ((أن قوله تعالى ـ أني جاعلك للناس إماماً ـ يمكن حمله على أنه جملة مفسرة للجملة السابقة، وهي قوله تعالى ـ وإذ أبتلى إبراهيم ربه بكلماتٍ فأتمهن ـ فتكون وما بعدها تفسيراً للكلمات التي أبتلى الله بهن إبراهيم عليه السلام وتكون الإمامة أول الابتلاءات أو الكلمات التي أبتلي بها ثم تتابعت بقية الابتلاءات والأوامر كبناء البيت وإعداده ثم الأمر بذبح ولده....الخ فأول ما ابتلي به إبراهيم أن أخبره الله تعالى بأنه جاعله للناس إماماً أي نبياً ورسولاً يقتدى به الناس لأن كل رسول قدوة يؤتم به ومن هنا يكون الابتلاء))(4). أن هذا التفسير للآية يجعل الإمامة المذكورة هي النبوة والرسالة وهي متقدمة على الابتلاء وبدايته وبهذا ينتفي التسلسل المفترض وينتفي كل ما يترتب عليه من أدعاء انفصال منصب الإمامة عن النبوة ومغايرته له. أما سؤال إبراهيم عليه السلام أن تكون الإمامة في ذريته فيحمل على توقع وجودهم في المستقبل لأنه لم تكن له آنذاك ذريَّة، ويكون قد سأل النبوة لذريته أيضاً(ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى عن إبراهيم((وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب)) ولم يقل الإمامة، ولا مانع من أن نجعل ذلك تفسيراً لقول إبراهيم في الآية((ومن ذريتي)) واستجابة لدعائه)(5). ((وأما القول بأن الابتلاء متقدم على((الإمامة)) على اعتبار أنها حصلت كجزاء على النجاح في الابتلاء كما قال به الطوسي في البيان والطبرسي في مجمع البيان.... فهو قول مرجوح من الناحية اللغوية لأنه لو كان الأمر كذلك لكان الأولى أن يقال: وإذ أبتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن فقال أني جاعلك للناس إماماً)) فيؤتى بالفاء كرابطة ليكون ما قبلها وهو الابتلاء سبباً لما بعدها وهو الإمامة وبعدم وجود الفاء يترجح كون العبارة تفسيراً وليس جزاءاً لما قبلها. مما يؤيد ذلك أن الجملة أذا جاءت جزاءاً لجملة تقدمت عليها ولم تتأخر عنها أما أذا تأخرت فهي سبب أو تفسير لما قبلها. فالجملة المتأخرة التفسيرية كقوله تعالى((والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها)) فجملة((أخرج)) تفسير لجملة((دحاها)).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.      ينظر علي السالوس: مع الأثني عشرية(1/92ـ93)
2.      ينظر علي محمد الصلابي: الخوارج والشيعة صـ129
3.      ينظر طه حامد الدليمي: آيات الإمامة، عرض وتحليل صـ31
4.      د. طه الدليمي: آيات الإمامة عرض وتحليل صـ34   
5.      المصدر السابق: صـ40   

 وأما السبب فكقوله تعالى((خذوه فغلوه.... أنه كان لا يؤمن بالله العظيم)) فجملة((أنه كان لا يؤمن بالله العظيم)) سبب لما قبلها من قوله((خذوه فغلوه)) ..... والخلاصة أن القول بأن((الإمامة)) حصلت كجزاء على الابتلاء ليسلم الادعاء بأنها منصب متأخر عن النبوة ظن مرجوح لغة وأصول العقيدة لا تبنى على الظن الراجح فكيف بالمرجوح))(1). ومما ورد في تفسير الآية ما ذكره السيد((محمد حسين فضل الله)) إذ يقول عن إبراهيم عليه السلام(( وإذ أبتلى إبراهيم ربه ـ أي أختبره في حركته في خط المسؤولية الرسالية التي تعمل على تغيير الحياة.... فقال أني جاعلك لناس إماماً)).... وربما كانت المسألة كناية عن الرسالة كلها في خطها الفكري والعملي.... إذ لا دليل على أن الجعل كان بعد النبوة، بل كل ما هناك أن الآية توحي بأن ثمة هناك إيحاء من الله بالكلمات الرسالية، وإعلاناً له بأنها تمثل خط الإمامة بمعنى الولاية النبوية والقدوة الحركية في حياته، وقد لا نجد في القرآن الكريم أي شاهد على أن الإمامة تحمل مفهوماً مقابلاً للنبوة في مفهومها الواقعي العام))(2). فقال أيضاً((وأما الاستدلال به البعض أن مورد الآية قد جاءني أواخر عهد إبراهيم بعد كبره وولادة إسماعيل وإسحاق له... مما يلزم عنه أن الإمامة المجعولة لإبراهيم هي غير النبوة، لا يصلح دليلاً على الموضوع، إذ من الممكن للإنسان أن يتحدث عن مستقبل أولاده الذين يرجوا أن يرزق بهم... ولا سيما إذا عرفنا أنه لم يتحدث عن ذريته بشكل مباشر بل كان يتحدث عن الأجيال القادمة من أولاده ممن لم يكونوا موجودين))
3.  لو سلمنا بصحة هذا التقسيم وأن النبوة كانت أولاً ثم الابتلاء فالإمامة لامتنع شرعاً وعقلاً ولغةً اعتبار الإمامة منصب ومرتبة مستقلة عن النبوة حيث أن الآية يكون تفسيرها أن الله تعالى أمتحن نبيه إبراهيم بعدة ابتلاءات فلما وفى بها إبراهيم أكرمه الله تعالى بأن جعله إماماً للناس وليس إماماً لقومه كغيره من الأنبياء وفي هذا المعنى يقول الرازي في تفسيره((أن الله تعالى لما وعده بأن يجعله إماماً للناس حقق الله تعالى ذلك الوعد فيه إلى قيام الساعة، فأن أهل الأديان على شدة اختلافها ونهاية تنافيها يعظمون إبراهيم صلى الله عليه وسلم ويتشرفون بالانتساب إليه إما في النسب وإما في الدين والشريعة حتى أن عبدة الأوثان كانوا معظمين لإبراهيم، وقال الله تعالى في كتابه((ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً)) وقال((ومن يرغب عن ملة إبراهيم ألا من سفه نفسه))(3). ومن خلال ما ذكر نرى أن الإمامة في الآية لا تخرج عن معنى النبوة بحال ومما يؤكد أن المقصود بالإمامة هنا هو النبوة هو((أن الله تعالى جعله إماماً لكل الناس والذي يكون كذلك لا بد وأن يكون رسولاً من عند الله مستقلاً بالشرع لأنه لو كان تبعاً لرسول آخر لكان مأموماً لذلك الرسول لا إماماً له فحينئذ يبطل العموم))(4). وعلى ذلك يكون الله تعالى قد عبر عن النبوة بالوصف اللازم لها وهو الإمامة كما عبر عنها بأوصاف أخرى لازمة لها مثل البشير والنذير والداعي وغيرها وهي ليست مناصب مستقلة عن النبوة، وإنما هي أوصاف لازمة لكل نبي فيكون إماماً وشاهداً وبشيراً ونذيراً....الخ(5).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
   1. د. طه الدليمي: آيات الإمامة عرض وتحليل، صـ41ـ42
   2. المصدر نفسه(3/11ـ12)
   3. الأمام محمد بن عمر الرازي: التفسير الكبير(4/42) 
   4. المصدر نفسه(4/42)
   5. ينظر د. طه حامد الدليمي: آيات الإمامة عرض وتحليل، صـ34ـ35   

4.  أن إبراهيم عليه السلام لم يكن خليفة وحاكماً مطاعاً وإنما كان قدوة ونموذج للتأسي والإتباع والأمام عند الأمامية هو الخليفة أو الحاكم المتصرف في أمور الناس بتعيين من الله وليس القدوة المجرد عن ذلك، ولو كان الله تعالى قصد بالإمامة التي جعلها له ما ذهبت إليه الأمامية لما تخلف وعد الله له ولصار حاكماً مطاعاً فعلم من ذلك أن الله تعالى لم يقصد بالإمامة الحكم والتصرف ولذلك فرق الله تعالى بين داود وإبراهيم في اللفظ فقال لداود عليه السلام((يا داود أنا جعلناك خليفة في الأرض)) بينما قال لإبراهيم((أني جاعلك للناس إماماً)) لأن داود كان خليفة وحاكماً ومتصرفاً، وإبراهيم لم يكن كذلك(1). وأما قولهم أن الأمام معصوم عن الضلال والمعصية وجميع القبائح فهو قول مردود أيضاً من وجوه عدة:
1.  أن الآية الكريمة لم تذكر العصمة ولم تتعرض لها لا تصريحاً ولا تلميحاً، كما أن السياق الذي وردت فيه الآية لم يتناول العقائد وتقريرها أو نقضها وإنما كانت ضمن القصص القرآني الذي أورد حكاية الأنبياء الماضين، والقارئ لها لا يفهم منها وجود رتبة في الدين هي الإمامة مستقلة بذاتها عن النبوة ولا يدرك شيئاً عن تعلقها بالعصمة وارتباطها بها، وكل ما يمكن أن يقال أن هذه العقيدة ليست من المنطوق وإنما هي من المفهوم، والمفهوم غير المنطوق وهو قد يصح وقد لا يصح، أن الاحتجاج بهذه الآية على العصمة فضلاً عن الإمامة يفتقر إلى نص قرآني آخر يكون محكماً وقطعياً في دلالته عليها يحمل هذا النص عليه ويفسر به أما أن يحتج به كأصل لهذه العقيدة فهو مما لا يصح وهو من أتباع المتشابه المذموم والمنهي عنه شرعاً.(( وهذا التقرير استنتاج وليس نصحاً صريحاً، والأصول مبناها على النصوص الصريحة وليس على الاستنتاج أو الاستنباط....، أن أول ما يبطل هذا القول أن تعرف أنه دعوى بلا دليل))(2).
2.  أن العهد الذي نفى الرب سبحانه وتعالى أن ينله ظالم مختلف في معناه كما مر سابقاً وحمله على الإمامة تحكم غير مبرر ولا يصح الاستدلال به: قال أبن عباس والسدي: أنه النبوة، وقال مجاهد: الإمامة، وقال قتادة والحسن وغيرهما: لا ينال عهد الله في الآخرة الظالمين قال الزجاج: أي لا أؤمنهم من عذابي والمراد بالظالم: المشرك، وقال الربيع والضحاك عهد الله: دينه والدليل متى تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال(3).
3.  لو كانت الآية في الإمامة فهي لا تدل على العصمة مطلقاً: أن نفي الظلم أثبات للعدل لا للعصمة، إذ لا يمكن أن يقال بأن غير الظالم معصوم لا يخطئ ولا ينسى ولا يسهو كما هو عند الشيعة وهذا لا يوافقهم عليه أحد ولا يتفق مع أصول الإسلام، فبين أثبات العصمة ونفي الظلم فرق كبير، ويترتب على هذا الفهم أن المخطئ ظالم وأن من سها فهو ظالم(4).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.      ينظر المصدر نفسه: صـ35ـ36
2.      د.طه حامد الدليمي: آيات الإمامة عرض وتحليل، صـ52  
3.      ينظر: علي محمد الصلابي، فكر الخوارج والشيعة صـ129
4.      ينظر: المصدر السابق صـ129    

4.   لا يسلم لهم أن من أرتكب ظلماً ثم تاب منه لحقه وصف الظلم ولازمه:((فأن لفظ الظالمين جمع((ظالم)) والظالم أسم للمتلبس بالظلم المقيم عليه أما من تاب وأنخلع منه فلا يسمى ظالماً وألا لم يدخل أحد من التائبين الجنة لأنهم ظالمون والله تعالى يقول((ألا لعنة الله على الظالمين)) وتوعدهم بالعذاب فقال((أنا اعتدنا للظالمين ناراً)) ومثله في القرآن كثير....))(1) إذن كل المسلمين في النار حتى الشيعة.
5.  أن العصمة المطلقة من الأخطاء والذنوب مخالفة لظاهر القرآن:(أقرأ قوله تعالى عن موسى عليه السلام حين قتل نفساً لا يحل قتلها:((قال هذا من عمل الشيطان أنه عدو مضل مبين قال رب أني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له أنه هو الغفور الرحيم))القصص 15ـ16، والآيات تصرح بارتكاب موسى عليه السلام لظلم قتل النفس وتوبته منه فكيف اختاره الله رسولاً إماماً وهل هناك أعظم ذنباً بعد الشرك من القتل؟! فأين العصمة المطلقة.... فموسى أذن لا ينبغي أن يناله عهد الله لأنه من((الظالمين)))(2) والقرآن فيه الكثير من الآيات التي تذكر للأنبياء أحوالاً وأخطاء عاتبهم اله أو عاقبهم عليها ليس أقلها ذنب ذي النون عليه السلام الذي عاقبه الله عليه((فالتقمه الحوت وهو مليم))الصافات/142، أي مرتكب ما يلام عليه وقد صرح الله بأنه صار بذلك من الظالمين فقال((وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظنَّ أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا أله ألا أنت سبحانك أني كنت من الظالمين))(3) ويؤيد ذلك أن أدم عليه السلام نصص الله على(جعله) خليفة بقوله تعالى((أني جاعل في الأرض خليفة)) وهو يشمل آدم قطعاً، وقد اصطفاه الله تعالى فقال((أن الله اصطفى آدم ونوحاً....الآية)) والاصطفاء مما يتبع بها الأمامية على الإمامة ومع هذا صرح الله تعالى بذكر ظلمه ومعصيته في عدة مواضع من القرآن فقال تعالى((ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين))البقرة/35، وقال تعالى((قالا ربنا ظلمنا أنفسنا))الأعراف/23، وقال أيضاً((وعصى آدم ربه فغوى))طه/121، وأما استدلالهم بالآية على أن الإمامة لا تكون ألا بجعل من الله فهو غير صحيح وباطل، يتضح ذلك من خلال الأتي(4):
1.  أن هذا الاستدلال هو ظن لا يقين فيه لأن اللفظ ((جاعل)) يحتمل الجعل القدري التكويني الذي لا دخل للأسباب البشرية في حدوثه كدوران الأرض ويحتمل الجعل الشرعي السببي الذي يتوقف على الأسباب البشرية كالذرية التي لا بد من الزواج كسبب لولادتهم ووجودهم على الرغم من كونها قدر من الله، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال. ومن هذا قول إبراهيم  عليه السلام((ربِّ أجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي)) فالجعل هنا ليس مستقلاً عن الأسباب ولاحظ أنه هنا في هذه الآية سأل إقامة الصلاة لذريته أيضاً وهو جعل شرعي سببي لا قدري تكويني.وقد سأل إبراهيم عدة أشياء له ولذريته،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.      د. طه الدليمي: آيات الإمامة عرض وتحليل صـ52 
2.      د. طه الدليمي: آيات الإمامة، صـ58
3.      المصدر نفسه صـ59   
4.      ينظر د. طه الدليمي: آيات الإمامة صـ48ـ50

  واللفظ واحد في جميع هذه الأسئلة مما يشير إلى أن الجعل فيها واحد وأن الإمامة من جنس بقية الأسئلة وهذه الآيات: ((قال أني جاعلك للناس أماماً قال ومن ذريتي))البقرة/124 
((ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك))البقرة/128
((رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي))إبراهيم/40       
وأقرأ هذه الآيات:
((وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة))النحل/27
((وجعل لكم من بيوت الأنعام بيوتاً))النحل/80    وغيرها كثير.
2.  أن الإمامة التي أثبتها الأمامية لـ(الأئمة) قدرية كائنة مع الأمام منذ وجوده، وإمامة إبراهيمعليه السلام حسب قول الأمامية حادثة بعد أن لم تكن، فهي ليست قدرية تكوينية، فأما أن تكون الإمامة حادثة كإمامة إبراهيم فهي ليست الإمامة التي أثبتوها للأئمة وأما أن تكون غيرها فلا وجه للاحتجاج لها بإمامة إبراهيم(1). ومما تجدر الإشارة إليه أن صاحب تفسير الميزان يرفض تفسير الكلمات في الآية بقوله تعالى بعدها((قال أني جاعلك للناس أماماً)) ويقول(وأما ما ذكره بعضهم أن المراد بالكلمات قوله تعالى: قال أني جاعلك للناس أماماً، إلى آخر الآيات، فمعنى لا ينبغي الركون إليه إذ لم يعهد في القرآن إطلاق الكلمات على جمل الكلام)(2) وكلامه هذا مردود لأن إطلاق الكلمات على الجمل موجود في القرآن كقوله تعالى((كلا أنها كلمة هو قائلها)) وقصد بها قوله في الآية قبلها((حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون* لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا أنها كلمة هو قائلها))المؤمنون/99ـ100 وأنا لنعجب كيف خفت هذه الآية عليه حتى أنكر تفسيرها هذا. والأعجب منه ما أورده في تفسير الآية نفسها حيث عاد وفسر الكلمات بالإمامة بعد نقضه لها، وأورد رواية صفوان الجمال نقلاً عن تفسير العياشي ثم علق عليها قائلاً(أقول: والرواية مبنية على كون المراد بالكلمة الإمامة......فيكون معنى الآية:((وإذ أبتلى إبراهيم ربه بكلمات)) هن إمامته وإمامة إسحاق وذريته، وأتمهن بإمامة محمد والأئمة من أهل بيته من ولد إسماعيل ثم بين الأمر بقوله((قال أني جاعلك للناس إماماً)) إلى آخر الآية)(3). كما وأحتج في تفسير الآية برواية الكليني في الكافي والتي مفادها أن الله تعالى أتخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتخذه نبياً، وأتخذه نبياً قبل أن يتخذه رسولاً وأتخذه رسولاً قبل أن يتخذه خليلاً وأنه أتخذه خليلاً قبل أن يتخذه إماماً وهذه الرواية مردودة فقد حققها ألمجلسي في مرآة العقول وقال عنها ضعيفة(4).  
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.       د. طه الدليمي: آيات الإمامة عرض وتحليل صـ51
2.       محمد حسين الطباطبائي: تفسير الميزان(1/265ـ266)
3.       محمد حسين الطباطبائي: تفسير الميزان(1/274ـ275)
4.       ألمجلسي: مرآة العقول(2/285ـ286) 

الآية الثانية

 قوله تعالى((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً))الأحزاب/33.
أستدل الشيعة بهذه الآية الكريمة على ما يلي:
1.  أن أهل البيت المذكورين في الآية هم النبي صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين، وأن من عداهم ممن يطلق عليهم عرفاً أسم أهل البيت غير مقصودين بالآية كأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأقربائه. واستدلوا على صحة ما ذهبوا إليه بحديث الكساء وأنه صلى الله عليه وسلم دعا فاطمة وعلياً وحسناً وحسيناً فأدخلهم كساءً له وقال((اللهم هؤلاء أهل بيتي، أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)) قالت أم سلمة: فأنا معهم يا نبي الله؟ قال: أنت على مكانك وأنك على خير(1)، وهذه الحادثة وردت بروايات عدة تزيد على سبعين حديثاً، فقد رواها أهل السنة في قريب من أربعين طريقاً وروتها الشيعة في بضع وثلاثين طريقاً(2). وقالوا بأن هذه الروايات وخاصة ما رويت عن أم سلمة وفي بيتها نزلت الآية تصرح باختصاصها بهم وعدم شمولها لأزواج النبي(3) وقالوا أن نص الكتاب ووقوع الآية في سياق خطاب أزواج النبي لا يعني شمولهن بهذه الآية، لأن الروايات على كثرتها في هذه الحادثة ناصة في نزول الآية وحدها ولم يرد حتى في رواية واحدة نزول هذه الآية في ضمن آيات نساء النبي ولا ذكره احد، فالآية لم تكن بحسب النزول جزءاً من آيات نساء النبي ولا متصلة بها وإنما وضعت بينها إما بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم أو عند التأليف بعد الرحلة، ويؤيده أن آية((وقرن في بيوتكن)) على انسجامها واتصالها لو قدر ارتفاع آية التطهير من بين جملها، فموقع آية التطهير من آية((وقرن في بيوتكن)) كموقع آية((اليوم يئس الذين كفروا)) من آية محرمات الأكل من سورة المائدة(4). وقالوا أن تغير الخطاب في الآية من ضير الإناث إلى الجمع فقال تعالى((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت)) ولم يقل عنكن يبعد اختصاص نساء النبي صلى الله عليه وسلم بالآية(5). وقالوا أن شمول الآية لأزواج النبي وأهل البيت جميعاً منفي بروايات أم سلمة في حديث الكساء لأنها عندما سألت النبي عن شمولها لها قال النبي صلى الله عليه وسلم لها((أنك على خير)) ولم يجعلها معهم(6). واستدلوا على رأيهم أيضاً بحديث الثقلين الذي راوده زيد أبن أرقم رضي الله عنه في صحيح مسلم وفيه((فقلنا: من أهل بيته نساؤه؟ قال: لا وايم الله أن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده))(7). وقالوا أن لفظة إنما محققة لما أثبت بعدها نافية لما لم يثبت فأن قول القائل إنما لك عندي درهم وإنما في الدار زيد يقتضي أنه ليس عنده سوى الدرهم وليس في الدار سوى زيد وقد استدلوا بها على اختصاص الآية بهؤلاء الخمسة(8). وقالوا في الآية قصران قصر الإدارة في إذهاب الرجس والتطهير وقصر إذهاب الرجس والتطهير في أهل البيت(9). يقول صاحب تفسير الميزان((وبالبناء على ما تقدم تصير لفظة أهل البيت أسماً خاصاً في عرف القرآن بهؤلاء الخمسة وهم النبي وعلي وفاطمة والحسنان عليهم الصلاة والسلام لا يطلق على غيرهم، ولو كان من أقربائه الأقربين وأن صح بحسب العرف العام إطلاقه عليهم))(10).            
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.      ينظر محمد حسين الطباطبائي: الميزان في تفسير القرآن(16/324)
2.      ينظر المصدر نفسه(16/317)
3.      ينظر المصدر نفسه(16/317)
4.      ينظر محمد حسين الطباطبائي: تفسير الميزان(16/317ـ318)
5.      ينظر محمد حسين فضل الله: من وحي القرآن(18/301)
6.      ينظر المصدر السابق(18/301)
7.      ينظر محمد حسين فضل الله: من وحي القرآن(18/301ـ302)
8.      ينظر الفضل بن الحسن الطبرسي: تفسير مجمع البيان(8/120)
9.      ينظر محمد حسين الطباطبائي: تفسير الميزان(16/315) 
10.  ينظر المصدر نفسه(16/318)     

2.  أن إذهاب الرجس والتطهير يدل على العصمة لأهل البيت وهم الخمسة أصحاب الكساء، وقالوا أنهم معصومون عن الذنوب والفواحش وكل ما قبح عمداً أو سهواً أو خطئاً. وفي ذلك يقول الطبرسي((فلا تخلو الإرادة في الآية أن تكون هي الإرادة المحضة ـ أي الإرادة الشرعية ـ أو الإرادة التي يتبعها التطهير وإذهاب الرجس ولا يجوز الوجه الأول لأن الله تعالى قد أراد من كل مكلف هذه الإرادة المطلقة فلا اختصاص لها بأهل البيت دون سائر الخلق ولأن هذا القول يقتضي المدح والتعظيم لهم بغير شك وشبهة ولا مدح في الإرادة المجردة فثبت الوجه الثاني وفي ثبوته ثبوت عصمة المعنيين من جميع القبائح.... ومتى قيل: أن صدر الآية وما بعدها في الأزواج فالقول فيه أن هذا لا ينكره من عرف عادة الفصحاء في كلامهم فأنهم يذهبون من خطاب إلى غيره ويعودون إليه والقرآن من ذلك مملوء))(1). ويقول محمد حسين فضل الله((أن الشيعة الأمامية استدلوا بهذه الآية على العصمة، لأن اللام في الكلمة للجنس، مما يجعلها شاملة لكل ما يوجب الخلل في الشخصية مما يوجب النفور منها... أن الآية مختصة بأهل البيت كما أنها شاملة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم مما يوحي بأن هناك خصوصية في المسألة تختلف عن الوضع العام الذي يتعلق بالناس بشكل عام، لاسيما فيما يتعلق بمقام النبي صلى الله عليه وسلم))(2). أما صاحب تفسير الأمثل فيستدل بالآية على العصمة ويقول((أن المراد من الإرادة التشريعية هي أوامر الله ونوهيه....، ومن المعلوم أن الإرادة التشريعية تتعلق بأفعالنا لا بأفعال الله عز وجل، في حين أن الآية أعلاه تتعلق بأفعال الله سبحانه، فهي تقول: أن الله أراد أن يذهب عنكم الرجس، وبناءً على هذا فأن مثل هذه الإرادة يجب أن تكون تكوينية))(3).

نقض الاستدلال بالآية

1.  أن الاستدلال بهذه الآية على عصمة أهل البيت ظن واشتباه ومن المعلوم أن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال(4). ((فالآية ليست صريحة في الدلالة على عصمة أحد، فضلاً عن عصمة أشخاص معينين محددين))(5) كدلالة قوله تعالى((الله لا أله ألا هو الحي القيوم)) على التوحيد، ودلالة((محمد رسول الله)) على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وعقيدة بهذه المنزلة والخطورة لا بد أن تكون أدلتها صريحة قطعية في دلالتها، محكمة لا يتطرق إليها الشك أو الاحتمال بأي حال من الأحوال وألا صار الدين لعباً لكل لاعب(6).
2.  لا يسلم لهم حصر أهل البيت بعلي وفاطمة والحسنين رضي الله عنهم وإخراج أزواج النبي صلى الله عليه وسلم منه، وأدلة ذلك:
أولاً:دليل اللغة(7): لفظ((الأهل)) في أصل الوضع اللغوي يعني زوجة الرجل، ومن يجمعه وإياهم مسكن واحد وليس الأقارب بالنسب الأعلى سبيل المجاز. فأهل الشيء عموماً أصحابه الملازمون له كما قال تعالى((أن ذلك لحق تخاصم أهل النار))صـ64، فأهل النار أصحابها وسكانها الملازمون لها،((وأهل الكتاب))((وأهل الذكر)) أصحابه وحملته و((أهل المدينة)) و((أهل القرى)) أصحابها وسكانها المقيمون فيها الملازمون لها، وكذلك كل لفظ أضيف إلى كلمة أهل ومنه أهل البيت أي سكانه الذين يجمعهم ذلك البيت كما قال تعالى((يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها))النور/27،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.       الفضل بن الحسن الطبرسي: تفسير مجمع البيان(8/120)
2.       محمد حسين فضل الله: تفسير من وحي القرآن(18/302ـ303)
3.       ناصر مكارم الشيرازي: تفسير الأمثل(13/177)
4.       ينظر د. عبد الهادي الحسيني: أية التطهير وعلاقتها بعصمة الأئمة صـ4
5.       ينظر المصدر نفسه: صـ6
6.       ينظر المصدر نفسه: صـ5ـ6
7.       ينظر عبد الهادي الحسيني: آية التطهير وعلاقتها بعصمة الأئمة صـ10ـ12 

يقول الراغب الأصفهاني: أهل الرجل في الأصل من يجمعه وإياهم مسكن واحد ثم تجوز به فقيل أهل بيت الرجل لمن يجمعه وإياهم نسب، وبهذا جاءت النصوص القرآنية كما في قوله تعالى((قلنا أحمل فيها من كل زوجين أثنين وأهلك ألا من سبق عليه القول))هود/40،وقال أخوة يوسف((وغير أهلنا))يوسف/65، وقال يوسف عليه السلام((وأتوني بأهلكم أجمعين)) وكانوا أباه وزوجة أبيه وأخوته كما أخبر عنهم الرب جل وعلا بقوله((فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه))يوسف/99، وقال تعالى((ورفع أبويه على العرش))يوسف/100.
ثانياً: دليل الشرع(1): بالرجوع إلى كتاب الله تعالى نجد قوله(( قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت أنه حميد مجيد))هود/73، وهذا خطاب لامرأة إبراهيم عليه السلام. وقوله تعالى((فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارً قال لأهله أمكثوا....))القصص/29، ومعلوم أن موسى سار بزوجته ابنة شعيب وقوله عز وجل((أنا منجوك وأهلك ألا امرأتك كانت من الغابرين)) إلى غير ذلك م الآيات الكريمة التي تبين أن الاستعمال القرآني لا يمنع أن يكون المراد بأهل البيت في الآية الكريمة نساء النبي مع الخطاب بالجمع المذكر حتى امرأة العزيز خاطبت زوجها فقالت((ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً))يوسف/25، أي بزوجتك.
ثالثاً: دليل العرف(2): وإطلاق لفظ((الأهل)) والمراد منه الزوجة أمر متعارف عليه إلى اليوم، يقول الرجل مثلاً:((جاءت معي أهلي)) يقصد زوجته والناس تفهم منه ذلك.
رابعاً:دليل العقل(3): إذ كل رجل إنما يبدأ بيته بزوجته وكل عائلة تبدأ برجل وامرأة هي زوجته فالزوجة أول شخص في البيت يطلق عليه أسم((الأهل)) فهي أول أهل بيت الرجل أو أهل البيت، فموسى زوجته من أهله وإبراهيم زوجته من أهله وعمران زوجته من أهله وحتى لوط امرأته من أهله بل حتى الوزير الفاسق امرأته من أهله بل كل رجال الدنيا منذ خلقت وإلى أن تفنى زوجاتهم من أهل بيتهم، ألا رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاهر المطهر زوجاته الطاهرات أمهات المؤمنين بض القرآن لسن من أهله! يقول الله تعالى((وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال))آل عمران/21، فمن هؤلاء الأهل الذين غدا منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم متوجهاً للقتال. أليسوا هم الذين كان يجمعهم وإياه مسكن واحد؟ وهم أزواجه لا غير، وبيت رسول الله له وجود مستقل كان يأوي إليه وينام فيه كذلك يأكل ويشرب وفي هذا البيت أزواجه وهن أهله لا غيرهن فأولاده الذكور ماتوا جميعاً والبنات بعضهن مات وبعضهن تزوج وخرج من بيته.
خامساً: أن الخطاب في الآيات كله لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم حيث بدأ بهن وختم بهن ووجه لهن الأمر والنهي والوعد والوعيد، لكن لما تبين ما في هذا من المنفعة التي تعمهن وتعم غيرهن من أهل البيت جاء التطهير بضمير المذكر لأنه إذا أجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر، وهذا شائع في اللغة وقد قال تعالى((قالوا أتعجبين من أمر الله رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت))هود/73، والمخاطب بهذه الآية بالإجماع هي سارة زوجة إبراهيم 4)عليه السلام)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.       ينظر علي السالوس: مع الشيعة الأثني عشرية صـ73ـ74، عبد الهادي الحسيني: آية التطهير صـ13
2.       عبد الهادي الحسيني: آية التطهير صـ15
3.       ينظر عبد الهادي الحسيني: آية التطهير صـ15ـ16
4.       ينظر علي محمد الصلابي: فكر الخوارج والشيعة صـ133ـ134

 رغم أن الخطاب معها جاء بصيغة المذكر لا المؤنث والمراد أن الرحمة والبركات من الله تعالى تعم جميع أهل بيت النبي إبراهيم عليه السلام لا زوجته فقط وأن كانت هي المخاطبة بذلك وهذا بالضبط ما حصل في آية التطهير، فالله تعالى لم يرد تطهير أزواج النبي فقط بل وجميع أهل بيته رغم أن الخطاب كان معهد فلا معنى لقولهم بعد هذا البيان أن تغير الخطاب من المؤنث إلى المذكر يبعد اختصاص أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بالآية، وأنا لنعجب كيف غاب هذا المعنى عن علماء الشيعة وكيف خفت عنهم((آية هود)) في خطاب الملائكة لسارة زوجة إبراهيم عليه السلام وفيها ما يرد طرحهم قبل أن يعلنوا به!؟. ومن العجيب أنهم يخرجون نساء النبي صلى الله عليه وسلم من حكم الآية لكونهم إناثاً وفي الوقت نفسه يدخلون فاطمة رضي الله عنها تحت حكمها مع أنها أنثى(1) وفي هذا الخصوص يقول علي السالوس((لم أجد التعبير بالمؤنث مع كلمة الأهل سواء أريد به الزوجات أم غيرهن ـ في القرآن الكريم كله))(2). ويحتمل أن يكون الخطاب بالمذكر في الآية خرج على لفظ الأهل، كما يقول الرجل لصاحبه: كيف أهلك؟ أي امرأتك ونساؤك، فيقول: هم بخير(3).
سادساً: روايات حديث الكساء الذي فسرت به الآية متعددة والذي صح منها وهو ما أورده الأمام مسلم في صحيحة لا يؤيد ما ذهبت إليه الشيعة ولا يخرج نساء الرسول صلى الله عليه وسلم من معنى الآية كما أنه لا يفيد حصر أهل البيت بعلي وفاطمة والحسنين رضي الله عنهم وإنما غايته إدخال هؤلاء الأفاضل في عموم الآية وهذه الرواية عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها(4). أما روية أم سلمة التي جرت حادثة الكساء في بيتها فمنها روايتان تتفقان مع رواية مسلم عن السيدة عائشة رضي الله عنها في دخول الخمسة الآية وعدم أخراج أزواج النبي منها(5). وقد وردت روايات عن أم سلمة رضي الله عنها فيها زيادات تشير إلى عدم دخولها مع أهل الكساء، لا يخلو أكثرها من ضعف))(6). منها روايتان ينتهي الإسناد فيهما إلى عطية عن أبي سعيد عن أم سلمة رضي الله عنها،وعطية هذا كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير وكان يكنيه بأبي سعيد فيقول: قال أبو سعيد ليوهم أنه ألخدري. وقد ضعفه أحمد والنسائي وغيرهما(7). وفي ثالث هذه الروايات((خالد بن مخلد)) وهو متكلم فيه: وثقه جماعة، وقال الآجري عن أبي داود: صدوق ولكنه يتشيع، وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه له أحاديث منا كير، وقال أبن سعد: كان متشيعاً منكر الحديث في التشيع مفرطاً وكتبوا عنه للضرورة، وقال صالح بن محمد جزرة: ثقة في الحديث ألا أنه كان متهماً بالغلو، وقال الجوزجاني: كان شتاماً معلناً لسوء مذهبه، وقال الأعين: قلت له: عندك أحاديث في مناقب الصحابة؟ قال: قل في المثالب أو المثاقب((ومن هنا نرى أن ما يرويه خالد بن مخلد متصلاً بمذهبه الشيعي لا يحتج به)) وقد أخرج له البخاري في صحيحة ألا أن البخاري يعرف متى يكتب عنه ومتى يترك ولم يخرج البخاري لخالد بن مخلد حديثاً من أفراده سوى حديث واحد وهو حديث أبي هريرة: من عاد لي ولياً(8). وفي إسناد هذه الرواية كذلك يروي خالد بن موسى بن يعقوب، وهو متكلم فيه أيضاً: وثقه أبن معين وأبن حبان وأبن القطان وقال الآجري عن أبي داود: هو صالح، وقال علي بن ألمديني: ضعيف الحديث: منكر الحديث، وقال النسائي ليس بالقوي، وقال أحمد: لا يعجبني(9).وفي إسناد الرواية الرابعة عبد الرحمن بن صالح، وهو من شيعة الكوفة ومتكلم فيه: وثقه أبو حاتم وأبن حيان وغيرهما، وقال موسى بن هارون: كان ثقة وكان يحدث بمثالب أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الآجري عن أبي داود: لم أر أن أكتب عنه، وضع كتاب مثالب في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،وقال ذكره مرة أخرى فقال: كان رجل سوء،                     
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.      ينظر عبد الهادي الحسيني: آية التطهير صـ18   
2.      علي السالوس: مع الأثني عشرية(1/74)
3.      ينظر المصدر نفسه: صـ84
4.      ينظر المصدر نفسه: صـ77
5.      ينظر علي محمد الصلابي: فكر الخوارج والشيعة صـ132
6.      ينظر المصدر نفسه: صـ132 
7.      ينظر علي السالوس: مع الأثني عشرية(1/75)
8.      ينظر المصدر نفسه(1/80)  
9.      ينظر علي السالوس: مع الأثني عشرية(1/80)

وقال أبن عدي: محترق فيما كان فيه من التشيع(1). وفي الإسناد أيضاً محمد بن سليمان الأصبهاني: ذكره أبن حبان في الثقات وقال أبو حاتم: لا بأس به، يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال أبن عدي: مضطرب الحديث قليل الحديث وضعفه النسائي(2). وفي إسناد الرواية الخامسة عبد الله بن عبد القدوس، وهو شيعي متكلم فيه قال البخاري: هو في الأصل صدوق ألا أنه يروي عن أقوام ضعاف، وذكره أبن حبان في الثقات وقال: ربما أعزب، وقال عبد الله بن أحمد: سألت أبن معين عنه قال: ليس بشيء رافضي خبيث، وقال أبو داود: ضعيف الحديث كان يرمى بالرفض، وضعفه النسائي والدار قطني(3). وفي سند الرواية كذلك ضعف آخر، فالأعمش ـ وهو مدلس ـ لم يذكر ما يفيد سماعه من حكيم بن سعد الذي يروي عن أم سلمة(4). وقد ذكر الترمذي رواية عن أم سلمة فيها هذه الزيادة ثم عقب على الحديث بقوله: أنه غريب، ويتحدث الترمذي في أبواب العلل عن الحديث الغريب فيقول: أهل الحديث يستغربون الحديث لمعان: رب حديث يكون غريباً لا يروى ألا من وجه واحد... ورب حديث إنما يستغرب لزيادة تكون في الحديث، وإنما تصح إذا كانت الزيادة ممن يعتمد على حفظه...، ورب حديث يروى من أوجه كثيرة وإنما يستغرب لحال الإسناد، فلعل الترمذي أستغربه من أجل هذه الزيادة(5). وقد ذكر الطبري رواية أخرى عن عكرمة أنها نزلت في نساء النبي خاصة، وعكرمة يرويها عن أبن عباس وقال: من شاء بأهلته أنها نزلت في شأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم، فأن كان المراد أنهن كن سبب النزول دون غيرهن فهذا يتفق مع ما ذهب إليه كثير من المفسرين، وأن أريد أنهن المراد فقط دون غيرهن فهذا معارض بكثير من الروايات(6). وقد ذكر الطبري روايتين عن واثلة بن الأسقع تتفقان مع ما سبق من الروايات التي تدخل علي وفاطمة وأبنيهما في معنى الآية ولا تخرج منها نساء النبي صلى الله عليه وسلم وتدخلانه هو مع أهل البيت وجاء في أحداهما فقلت من ناحية البيت: وأنا رسول الله من أهلك؟ قال: وأنت من أهلي، قال واثلة أنها لمن أرجى ما أرتجي(7). وقد جاءت روايتين عن أم سلمة تذكر أحدهما أنها قالت: قلت يا رسول الله ألست من أهلك؟ قال بلى، قالت فدخلت الكساء بعد ما قضى دعاءه لأبن عمه وابنيه وأبنته فاطمة رضي الله عنهم، ودخولها في الكساء بعدهم أليق بالأدب النبوي، فما كان صلى الله عليه وسلم ليدخل زوجته في كسائه مع أبن عمه(8) وأما الأخرى فيرويها القرطبي قال: قالت أم سلمة: أدخلت رأسي في الكساء وقلت: أنا منهم يا رسول الله؟ قال نعم(9). ونقول في استدلالهم بهذا الحديث((وإذا كان هذا اللفظ يمنع دخول أحد من بيت النبي صلى الله عليه وسلم مع هؤلاء الأربعة فكيف أدخلوا تسعة آخرين معهم لم يكونوا موجودين أصلاً عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم قوله ودعا دعاءه؟!! فأن قالوا: لوجود أدلة على ذلك قلنا:((الأدلة كلها تدل على أن أزواجه هن خصوص أهل بيته مع أن الأدلة التي احتجوا بها لإدخال أولئك التسعة ليس فيها دليل واحد من القرآن وإنما هي روايات صاغوها وأحاديث وضعوها ليس ألا))(10) والحديث قرينة واضحة على أن المقصود بالآية أزواجه فلو كانت نازلة بخصوص أصحاب الكساء لما كان لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم معنى فما الداعي له والأمر محسوم من الأساس بدون دعائه؟! وأذن دعاء النبي طلب من الله أن يشمل بكرامته من دعا لهم ولو كان النبي يقطع بدخولهم في حكمها أو كان مطمئناً إلى ذلك لما دعا لهم(11)،                    
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.      ينظر علي السالوس: مع الأثني عشرية (1/80)
2.      ينظر المصدر نفسه(1/81)
3.      ينظر علي السالوس: مع الأثني عشرية(1/81)
4.      ينظر المصدر نفسه(1/81)
5.      ينظر المصدر نفسه(1/81ـ82)
6.      ينظر علي السالوس: مع الأثني عشرية(1/77)
7.      المصدر نفسه(1/85)
8.      المصدر نفسه(1/85)
9.      المصدر نفسه(1/85)
10.  عبد الهادي الحسيني: آية التطهير صـ20
11.  ينظر المصدر نفسه: صـ20 

وأذن يتبين لنا بطلان قولهم أن الآية نزلت بخصوصهم ويتضح أنها نزلت بخصوص نساءه صلى الله عليه وسلم وهذا(ما يقول به كثير من المفسرين)(1). ومن قال أن معنى((أهل البيت)) خصوص أصحاب الكساء فإن ذلك يستلزم أن الآية نزلت خاصة بأهل بيت علي دون بيت النبي وكأننا ألغينا أن يكون للنبي بيت خاص به يمكن أن يكون محلاً لتزل الرحمات وحلول البركات! وهذا لا يقول به مسلم بل ولا عاقل(2).
سابعاً: أن الاستدلال بحديث الثقلين الذي يرويه الأمام مسلم عن زيد بن أرقم على عدم شمول لفظ((أهل البيت)) لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم منقوض وغير صحيح، وذلك للأسباب التالية:
أولاً: أن الرواية المذكورة جاءت بصيغة أخرى حيث ورد فيها((فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال ومن هم؟ قال: هم آل علي وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس،  رضي الله عنهم)) وهذه الرواية وردت من ثلاث طرق في صحيح مسلم فالأخذ بها أولى من الرواية الأولى لأنها أصح، كما أن تلك الرواية تحتمل أنه أراد تفسير الأهل المذكورين في حديث الثقلين إنما المراد بهم آله الذين حرموا الصدقة، أو أنه ليس المراد بالأهل الأزواج فقط بل هم مع آله، وهذا الاحتمال أرجح جميعاً بينها وبين الرواية الأخرى، وفي رواية مماثلة في المسند: قال حصين:((ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال أن نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده))(3). فهنا تأكيد أن نساؤه من أهل بيته. مما سبق يتبين لنا أن حديث الثقلين ليس فيه ما يثبت ما ذهبت إليه الشيعة من أخراج أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من عموم أهل البيت الوارد في آية التطهير وللاطمئنان والمزيد من الإيضاح نورد نص حديث الثقلين الذي أخرجه مسلم في صحيحة عن زيد بن أرقم قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً خطيباً بماء يدعى حما بين مكة والمدينة، فحمد الله تعالى وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال(( أما بعد ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتني رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم الثقلين، أولهما كتاب الله تعالى فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به)) فحث على كتاب الله عز وجل ورغب فيه ثم قال:((وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي ثلاثاً)) فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال ومن هم؟ قال: هم آل علي وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس، رضي الله عنهم(4). كما أننا لو اعتمدنا رواية زيد هذه والتي أستدل بها الشيعة على أخراج نساؤه صلى الله عليه وسلم من إرادة التطهير لأدى ذلك إلى نفي العصمة عن أهل البيت حيث أن أحداً لم يقل بعصمة آل عقيل وآل جعفر وآل عباس فضلاً عن آل علي ممن لم يرد ذكرهم في حديث الكساء فهذا الحديث إذا أعتمدناه ذهبنا إلى عدم حصر أهل البيت في هؤلاء الخمسة وأن أهل البيت من آل علي وغيرهم غير معصومين وهذا ينقض عقيدتهم التي يحاولون أثباتها بهذا الحديث.
3.  لو سلمنا جدلاً أن أهل البيت المذكورين في الآية هم علي وفاطمة والحسنين رضي الله عنهم لما كان فيها ما ينص على عصمتهم ولا يفهم منها ذلك:
أولاً:التطهير وإذهاب الرجس لا يعني العصمة من الذنوب ومن الخطأ في لغة القرآن، كما في قوله تعالى((وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم أن الله غفور رحيم(102) خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها))التوبة/28، وهؤلاء قوم ارتكبوا المعاصي،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.      ينظر علي السالوس: مع الأثني عشرية(1/76)
2.      ينظر عبد الهادي الحسيني: آية التطهير صـ23
3.      ينظر علي السالوس: مع الأثني عشرية(1/83)
4.      ينظر علي السالوس: مع الأثني عشرية(1/82)

 فلو كان التطهير يعني العصمة من الذنوب لما أطلق على هؤلاء المذنبين الذين اعترفوا بذنوبهم كما أن التزكية أعلى من التطهير وقد وصفوا بها في الآية ومع ذلك لم يكونوا معصومين فكيف يوصف من ذكره  تعالى بما هو أقل منزلة من حيث المعنى وهم الأئمة وقال تعالى((فما كان جواب قومه ألا أن قالوا أخرجوا آل لوطٍ من قريتكم إنهم أناس يتطهرون)) ولم تكن ابنتا لوط معصومتين مع أنها من الآل، فتطهير آل محمد صلى الله عليه وسلم هو تطهير آل لوط عليه السلام(1). وقال مخاطباً المسلمين جميعاً((ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون))المائدة/6، فهل نقول أن جميع المسلمين معصومون استدلاً بهذه الآية. ولا يعرف من لغة القرآن أطلاق لفض الرجس على الخطأ، فأن الرجس القذر والنتن وأمثالهما، فمن قال أن الآية نص في التنزيه من الخطأ فقد جاء بما لا يعرف من لغة العرب(2).
ثانياً: أن الإرادة في الآية هي إرادة((شرعية)) لا قدرية، وهناك قرائن تدل على ذلك:
1.  ليس في الآية أخبار بذهاب الرجس والطهارة، بل فيها الأمر لهم بما يوجبهما فالإرادة هنا متضمنة للأمر والمحبة والرضا، ليست هي الملتزمة لوقوع المراد(3).
2.  حديث الكساء دليل على أن الإرادة في الآية شرعية لا قدرية، حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لعلي وفاطمة وأبنيهما قائلاً((اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)) فلو كانت الآية أخبار من الله تعالى بوقوع التطهير لهم وإذهاب الرجس عنهم وهو العصمة عندهم لما كان لدعاءه معنى ولو كانت الآية نصاً في عصمتهم فعلام يطلب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً حاصلاً لهم من الأساس وهذا لغو ينبغي أن ننزه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم(4).
3.  آية التطهير واقعة بين آيات فيها الأمر والنهي مما يؤيد إرادة فعل الطاعات واجتناب المعاصي ليؤدي ذلك إلى إذهاب الرجس وحصول التطهير ويؤيده مروره صلى الله عليه وسلم ستة أشهر ببيت فاطمة كلما خرج إلى الصلاة فيقول: الصلاة أهل البيت ويتلوا الآية، فهنا يبدو الربط بين الأمر بالصلاة والآية الكريمة(5)، وهذا ما يبين الإرادة المقصودة في الآية وأنها إرادة شرعية(6).
4.  ويزيد ذلك تأييداً ما روي بسند صحيح عن علي بن أبي طالب أنه أتاه النبي صلى الله عليه وسلم في السحر فقال: ألا تصلون؟ فقال له: يا رسول الله، إنما نفوسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا، قال: فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرجع إلى الكلام فسمعته حين ولى يقول، وضرب بيده على فخذه: وكان الإنسان أكثر شيء جدلا. فهنا يتضح حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على إذهاب الرجس عن أهل بيته وتطهيرهم تطهيرا(7).
ثالثاً: إنفراد الشيعة بهذا القول، وخالفوا أهل التأويل جميعاً مما يجعل قولهم غير مقبول ما لم يؤيد بأدلة قوية تسانده(8)، وهو أمر لم يستطيعوا فعله كما تبين لنا من العرض والمناقشة السابقة لهذه الآية.          
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.  ينظر عبد الهادي الحسيني: آية التطهير صـ7ـ10
2.  ينظر المصدر نفسه صـ7ـ8
3. ينظر محمد بن عثمان الذهبي: المنتقى من منهاج الاعتدال صـ179 
4. ينظر عبد الهادي الحسيني: آية التطهير صـ28ـ29
5. ينظر علي السالوس: مع الأثني عشرية(1/88)    
6. ينظر المصدر نفسه(1/88)
7. ينظر علي السالوس: مع الأثني عشرية(1/89)
8. ينظر المصدر نفسه(1/88)

ومن الغريب قولهم أن الآية لم تكن بحسب النزول جزءاً من آيات نساء النبي ولا متصلة بها، وإنما وضعت بينها أما بأمر النبي صلى الله عليه وسلم أو عند التأليف بعد الرحلة(1)،((فكيف أن عجز آية يضم إلى صدرها ولا صلة بينهما؟ ثم كيف يكون الصدر متصلاً بما قبله وما بعده والعجز يبعد عن هذا كل البعد؟ وما الحكمة في وضعه هنا إذن والأشد غرابة ونكراً أن يوجد احتمال وضعه بدون أمر النبي صلى الله عليه وسلم(2). ونقول أنه من المعلوم في الخطاب القرآني أن ترد آية يتغير فيها الخطاب وسياق الكلام بالالتفات إلى أمر أخر ثم يعود السياق إلى وجهته الأولى وهذا مثل آية النهي عن أكل الربا في سورة آل عمران والتي خرج فيها السياق القرآني من الحديث عن أحداث معركة أحد ثم عاد بعد عدة آيات للحديث عن تلك المعركة(3) أما أن يتغير الخطاب في بعض آية أو جزء منها ثم يعود السياق إلى وجهته الأولى فهذا لم يوجد مثله في كتاب الله وهذا ما يحاول الشيعة أن يفعلوه مع هذه الآية الكريمة، ثم أن حمل الآية على معنى خارج السياق العام للخطاب فلأنه يتناول موضوعاً أخر لا علاقة له به مما يوجب محله على هذا المعنى المغاير، أما أن يكون الخطاب متصل المعنى ثم يحمل على معنى أخر مغاير فهذا مما لا يقبل به أحد وقد بينا فيما سبق أن حديث الكساء لا يعد قرينة لحمل الخطاب على المعنى الذي أرادوا. وروايات حديث الكساء لا تذكر أن هذا الجزء من الآية نزل من مستقلاً عن آيات نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يوجد من أشار إلى ذلك وإنما غاية ما فيها أنها تذكر أن نزول هذه الآية جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو لعلي وزوجته وأبنيه بهذا الدعاء فلا يعتمد عليه في أثبات أنها نزلت مستقلة عن غيرها من آيات نساءه صلى الله عليه وسلم. وعلى العكس من ذلك فأن رواية عكرمة عن أبن عباس والتي سبق ذكرها(4) وفيها أن الآية نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم وقال من شاء بأهلته يشعر أنها نزلت مع آيات نساء النبي صلى الله عليه وسلم ولم تنزل مستقلة بذاتها.

الآية الثالثة

قوله تعالى((إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون))المائدة/55، قالوا: أن هذه الآية من أوضح الدلائل على صحة إمامة علي بعد النبي بلا فصل(5)، واستدلوا على ما ذهبوا إليه بما يلي:
1.  قالوا أن الولي في الآية بمعنى الأولى والأحق، وهذا المعنى معروف في لغة العرب كقولهم للسلطان المالك: فلان ولي الأمر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم((أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل)) يريد من هو أولى بالعقد عليها وقال المبرد: الولي والأولى والأحق والمولى بمعنى واحد(6). وقالوا أن الذي يدل على أن المعنى المراد في الآية ما أثبتناه وهو((الأشراف والتصرف والإمامة))(7) هو أن الله تعالى نفى أن يكون لنا ولي غير الله وغير رسوله والذين آمنوا بلفظة((إنما)) ولو كان المراد به الموالاة في الدين لما خص بها المذكورين لأن الموالاة في الدين عامة في المؤمنين كلهم قال الله تعالى(( والمؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض))التوبة/72(8). وقالوا: ويدل أيضاً على أن الولاية في الآية مختصة أنه قال((وليكم)) فخاطب به جميع المؤمنين ودخل فيه النبي صلى الله عليه وسلم وغيره، ثم قال: ورسوله، فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم من جملتهم لكونهم مضافين إلى ولايته، فلما قال((والذين آمنوا)) وجب أيضاً أن يكون الذي خوطب بالآية غير الذي جعلت له الولاية،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.      الميزان(16/317)
2.      علي السالوس: مع الأثني عشرية(1/86)
3.      سورة آل عمران:(121ـ148)  
4.      ينظر علي السالوس: مع الأثني عشرية(1/77)
5.      الفضل بن الحسن الطبرسي: تفسير مجمع البيان(3/275)، أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي: تفسير البيان(3/559)
6.      محمد بن الحسن الطوسي: تفسير التبيان(3/558، 560)
7.      ناصر مكارم الشيرازي: تفسير الأمثل(4/35)
8.      محمد بن الحسن الطوسي: تفسير التبيان(3/560)

وألا أدى إلى أن يكون المضاف هو المضاف إليه وأدى إلى أن يكون كل واحد منهم ولي نفسه، وذلك محال(1). وقالوا: أن كلمة((الولي)) في هذه الآية لا تعني الناصر والمحب، لأن الولاية التي هي بمعنى الحب أو النصرة لا تنحصر في من يؤدون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، بل تشمل كل المسلمين الذين يجب أن يتحابوا فيما بينهم وينصر بعضهم البعض حتى أولئك الذين لا زكاة عليهم، أو لا يمتلكون ـ أساساً ـ شيئاً ليؤدوا زكاته(2). وقالوا أنها لا يمكن أن تحمل على معنى((النصرة)) لأنه  يستلزم أن يكون النبي ولياً للمؤمنين ولاية النصرة ويعد صلى الله عليه وسلم ناصرً لهم، ولذلك لا نجد القرآن الكريم يعد النبي صلى الله عليه وسلم ناصراً للمؤمنين ولا في آية واحدة، وهذا دليل على أن ما نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من الولاية في القرآن هو ولاية التصرف أو الحب والمودة، وعليه فإن آية الولاية لا تشارك السياق السابق عليها لو فرض أنه متعرض لحال ولاية النصرة، وهذا بخلاف العكس فهم يوالونه هذه الولاية وينصرونه(3) وقالوا أن الآيات السابقة لآية الولاية واللاحقة لها وهي تتحدث عن موالاة اليهود والنصارى والكفار أن((الغرض في القبيلتين من الآيات السابقة واللاحقة مختلف، ومعه كيف يتحد السياق؟!))(4).
2.  أن المعنى بقوله تعالى في الآية((والذين آمنوا)) هو علي رضي الله عنه وهو المخصوص بها والدليل على ذلك أشياء: قالوا: أن كل من قال: أن معنى الولي في الآية معنى الأحق قال أنه هو المخصوص به، ومن خالف في اختصاص الآية يجعل الآية عامة في المؤمنين وذلك قد ابطلناه(5) وقالوا: أن الطائفتين المختلفتين الشيعة وأصحاب الحديث رووا أن الآية نزلت فيه خاصة(6)، وقد نقل(24) حديث من طرق أهل السنة و19 حديث عن طرق الشيعة(7) واستدلوا أيضاً أن الله تعالى وصف الذين أسنوا بصفات ليست حاصلة ألا فيه، لأنه قال((والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)) فبين أن المعني في الآية هو الذي أتى الزكاة في حال الركوع، قالوا وأجمعت الأمة على أنه لم يؤت الزكاة في حال الركوع غير أمير المؤمنين(8).وقد نفوا أن يكون قوله تعالى(( وهم راكعون)) المراد به الخضوع، كأنه قال يؤتون الزكاة خاضعين متواضعين وعللوا ذلك المنع بأنه خلاف لأهل العربية، فإذا قيل: لقيت فلاناً وهو راكب لم يفهم منه ألا لقاؤه له في حال الركوب، ولم يفهم منه أن من شأنه الركوب وبأنه يقال للخضوع ركوعاً تشبيهاً ومجازاً، وإذا أمكن حمل اللفظ على الحقيقة لم يجز حمله على المجاز(9). وقد ردوا الروايات التي تذكر أن الآية نزلت في عبادة بن الصامت أو عبد الله بن سلام وأصحابه بأن الآية نزلت في علي رضي الله عنه بنقل الطائفتين، وبأن الصفة المذكورة في الآية ليست حاصلة ألا فيه ولم تحصل في غيره، وبأن هذه الروايات لا تنافي حمل الآية على ما ذهبوا إليه من ولاية وإمامة علي رضي الله عنه بل يمكن الجمع بينهما بأن الله أبدلهم بموالاة اليهود وموالاة من ذكر في الآية(10).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.      محمد بن حسن الطوسي: تفسير التبيان(3/560/561)
2.      ناصر مكارم الشيرازي: تفسير الأمثل(4/33)
3.      ينظر محمد حسين الطباطبائي: تفسير الميزان(6/7ـ8)
4.      المصدر نفسه(6/6)
5.      محمد بن الحسن الطوسي: تفسير التبيان(3/561)
6.      ينظر المصدر نفسه(3/561)
7.      ينظر ناصر مكارم الشيرازي: تفسير الأمثل(4/34)
8.      محمد بن حسن الطوسي: تفسير التبيان(3/561)
9.      ينظر محمد بن الحسن الطوسي: تفسير التبيان(3/561ـ562)
10.  ينظر المصدر نفسه(3/563ـ564)

   وقالوا: فلو أمكن التغاضي عن كل الروايات التي وردت في تفسير هذه الآية، وهي روايات كثيرة للزم أن لا نعتمد على أية رواية في تفسير النصوص القرآنية، لأننا قلما نجد أسباباً لنزول آية أو آيات قرآنية جاءت مدعومة بهذا العدد الكبير من الروايات، كما ورد في هذه الآية الكريمة(1). ومما رووه في نزول هذه الآية ما ورد في الكافي عن أبي جعفر قال: أمر الله عز وجل رسوله بولاية علي وأنزل عليه:((إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)) وفرض من ولاية أولي الأمر فلم يدروا ما هي؟ فأمر الله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يفسر لهم الولاية كما فسر الصلاة والزكاة والصوم والحج. فلما أتاه ذلك من الله ضاق بذلك صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخوف أن يرتدوا عن دينهم وأن يكذبوه، فضاق صدره وراجع ربه عز وجل فأوحى الله عز وجل إليه:(( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وأن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس)) فصدع بأمر الله عز ذكره، فقام بولاية علي عليه السلام يوم غدير خم فنادى: الصلاة جامعة، وأمر الناس أن يبلغ الشاهد الغائب. قال عمر أبن أذينة: قالوا جميعاً غير أبي الجارود: قال أبو جعفر عليه السلام: وكانت الفريضة الأخرى وكانت الولاية أخر الفرائض فأنزل الله عز وجل:((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي))، قال أبو جعفر عليه السلام: يقول الله عز وجل: لا أنزل عليكم بعد هذه فريضة قد أكملت لكم الفرائض(2).

نقض الاستدلال بالآية

1.  الآية لا يتوافر فيها شرط الدليل الأصولي وهو الإحكام والقطع أو الوضوح والصراحة في الدلالة على المراد(3).((فالآية متشابهة ـ هذا في أحسن أحوالها ـ وليست نصاً في الإمامة عموماً ولا في إمامة علي أو غيره خصوصاً.  والاستدلال بها على هذه المسألة ظن واحتمال، وتخرص واستنتاج أو استنباط، وهذا كله لا يصلح في باب الأصول، والقول به أتباع للمتشابهة، وقد نهينا عنه بنص قوله تعالى:((فإما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه))آل عمران/7. والأمامية يقولون: أن إمامة علي كنبوة محمد صلى الله عليه وسلم! بل كألوهية الله!! من أنكرها كان كمن أنكر معرفة الله ومعرفة رسوله. أن هذا يحتاج إلى نص قرآني صريح كصراحة قوله تعالى((محمد رسول الله))الفتح/29، في النص على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وألا بطل الدعاء وذلك غير موجود. وهذه الآية((إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا...)) ليست كذلك. فالاستدلال بها باطل(4). فأنت ترى أنهم يعتمدون في استدلالهم بالآية. بما روي في سبب نزولها، لأنه ليس في نصها ما يدل على مرادهم، فصار استدلالهم بالرواية لا بالقرآن(5).
2.  لا يمكن الجزم والقطع بأن معنى الولي في الآية هو الأولى والأحق أو الأشرف والتصرف والإمامة، وليس هو الناصر والمحب، بل العكس هو الأولى والأصح. فسياق الكلام هو الذي يحدد المعنى المراد، والقرآن الكريم عندما يأمر بموالاة المؤمنين، أو ينهاهم عن موالاة غير المؤمنين من الكفار وأهل الكتاب، تأتي الموالاة بمعنى النصرة والمحبة، ولم يخرج عن هذا المعنى ألا حالات خاصة كولاية الدم وولاية السفيه ولكن حالة من هذه الحالات لم تأت بمعنى الولاية العامة على المؤمنين، أفآية الولاية شذت عن هذا النسق القرآني. وقبل هذه الآية الكريمة جاءت الآيات تنهى عن موالاة من تجب معاداتهم من اليهود والنصارى، ثم بينت آية الولاية من تجب موالاتهم،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.      ناصر مكارم الشيرازي: تفسير الأمثل(4/35)
2.      محمد حسين الطباطبائي: تفسير الميزان(6/16)، وذكر رواية أخرى نقلها عن العياشي في تفسيره بنفس المعنى(6/18)  
3.      طه حامد الدليمي: آيات الإمامة صـ102 
4.      المصدر نفسه: الصفحة نفسها
5.      علي محمد الصلابي: فكر الخوارج والشيعة، صـ156

ثم جاء النهي مرةً أخرى عن موالاة المستهزئين بدين الإسلام من أهل الكتاب والكفار، ولا شك أن الذي جاء قبل الآية الكريمة وبعدها عن الموالاة في الدين والمحبة، فإذا جاء الأمر بالموالاة بين نهيين فإنه قطعاً لا يخرج عن هذا المعنى ألا بدليل آخر. فكلمة((وليكم)) ليست دليلاً على الإمامة العظمى لعلي رضي الله عنه، وإنما هي في حاجة إلى دليل يظهر أنها خرجت على الاستعمال القرآني العام، وعلى المفهوم الخاص لتلك الآيات الكريمة المتتابعة في سورة المائدة(1). وقولهم: أن المراد بقوله((إنما وليكم الله...)) الإمارة ـ لا يصح، فإن الله سبحانه لا يوصف بأنه متولٍ على عباده، وأنه أمير عليهم، ولا يقال: أن الله أمير المؤمنين كما يسمى المتولي مثل علي وغيره أمير المؤمنين، وإما الولاية المخالفة للعداوة فأنه يتولى عباده المؤمنين فيحبهم ويحبونه، فهذه الولاية هي المقصودة في الآية(2). قال أبن تيمية((رحمه الله))! أنه من المعلوم المستفيض عند أهل التفسير خلفاً عن سلف هذه الآية نزلت في النهي عن موالاة الكفار، والأمر بموالاة المؤمنين(3). أما الوجه الذي عولوا عليه وهو أن الولاية المذكورة في الآية خاصة وغير عامة، والولاية بمعنى النصرة عامة، فنقول: لا نسلم أن الولاية المذكورة في الآية غير عامة، ولا نسلم أن كلمة إنما للحصر، والدليل عليه قوله تعالى((إنما مثل الحياة الدنيا كماءٍ أنزلناه من السماء))يونس/24، ولا شك أن الحياة الدنيا لها أمثال أخرى سوى هذا المثل(4). ولو كان للولاية معنى أخر أخص من معنى التناصر والتحالف ـ كأن يكون الإمامة أو الخلافة ـ لما أختص النهي باليهود والنصارى فقط، لأن الإمامة حسب العقيدة الأمامية ـ منفية أيضاً عن المؤمنين سوى علي، فيتعدى نفيها إلى عموم المؤمنين أيضاً، ولجاء التعبير محصوراً بشخص واحد هو علي حتى يكون الكلام واضحاً مبيناً لا لبس فيه. وبتعبير آخر لو كان الولي معناه الأمام لقال الله:(لا تتخذوا اليهود والنصارى ولا تتخذوا المؤمنين سوى علي أولياء)(5).((لا خلاف في لفظة((إنما)) تقتضي التخصيص ونفي الحكم عمن عدا المذكور، ولكن الجعفرية بنوا على هذا  عدم جواز حمل لفظ الولي على الموالاة في الدين والمحبة لأنه لا تخصيص في هذا المعنى لمؤمن دون مؤمن آخر. وهذا الاستدلال أيضاً لا يستقيم، فالموالاة مختصة بالمؤمنين جميعاً دون غيرهم ممن تجب معاداتهم، وليست لمؤمن دون مؤمن، بل أن هذا التخصيص يقتضي عكس ما ذهبوا إليه لأن الحصر يكون فيما يحتمل اعتقاد الشركة والتردد والنزاع، ولم يكن بالإجماع وقت نزول هذه الآية تردد ونزاع في الإمامة وولاية التصرف، بل كان في النصرة والمحبة))(6). وأما قولهم بأن الذي خوطب بالآية غير الذي جعلت له الولاية وألا أدى إلى أن يكون المضاف هو المضاف إليه بعينه((وهذا نوع من الجدل العقيم لأن المراد ولاية بعض المؤمنين بعضاً لا أن يكون كل واحد منهم ولي نفسه، كما أن الخطاب موجه كذلك إلى أولئك الذين تبرءوا من ولاية اليهود فأوليائهم المؤمنون، وهم أيضاً أولياء لغيرهم من المؤمنين، وفي مثل قوله تعالى((لا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب)) خطاب للمؤمنين جميعاً، أفمعنى هذا أنه نهي لكل مسلم أن يلمز نفسه؟! قال الألوسي: كيف يتوهم من قولك مثلاً: أيها الناس لا تغتابوا الناس أنه نهي لكل واحد من الناس أن يغتاب نفسه(7). فعلى هذا: الآية عامة في حق كل المؤمنين، فكل من كان مؤمناً فهو ولي كل المؤمنين ونظيره قوله تعالى((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض))التوبة/71. وأما ما ذكروه من أن الولاية لو كانت بمعنى النصرة لوجب أن تشمل كل المسلمين وليس الذين يؤتون الزكاة فقط فنقول(أن قوله تعالى((الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة)) صفة لكل المؤمنين، والمراد بذكر هذه الصفات تمييز عن المنافقين لأنهم كانوا يدعون الأيمان،به              
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.      ينظر علي السالوس: مع الأثني عشرية(1/66ـ67)
2.      ينظر علي محمد الصلابي: فكر الخوارج والشيعة صـ159
3.      المصدر نفسه: صـ158
4.      ينظر محمد بن عمر الرازي: التفسير الكبير(12/26)
5.      طه حامد الدليمي: آيات الإمامة صـ104
6.      علي السالوس: مع الأثني عشرية(1/67ـ68)
7.      علي السالوس: مع الأثني عشرية(1/66)    

ألا أنهم ما كانوا مداومين على الصلوات والزكوات قال تعالى في صفة صلاتهم((ولا يؤتون الصلاة ألا وهم كسالى))التوبة/54، وقال((يراءون الناس ولا يذكرون الله ألا قليلا))النساء/142، وقال في صفة زكاتهم((أشحةً على الخير))الأحزاب/19(1))) أما قولهم أن الولاية في الآية لا تكون بمعنى((النصرة)) لأنه يترتب عليها أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم ناصراً للمؤمنين وأن هذا لم يرد في القرآن ولا في آية واحدة، فهو قول مردود وباطل والاستدلال به غير صحيح وذلك لأن الله تعالى أثبت النصرة للمؤمنين منه تعالى في غير آية فمن ذلك قوله:((أن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدمكم))محمد/7، وقوله تعالى:((الله ولي الذين آمنوا))البقرة/257، فإذا كان الله تعالى ولي المؤمنين وناصرهم أفلا يكون رسوله صلى الله عليه وسلم وليهم وناصرهم بالأولى والتبع؟! ثم أن خطاب الله تعالى للمؤمنين بقوله((المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض))التوبة/17، أفلا يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عموم هذا الخطاب ولم يرد في الآية ما يخرج النبي من حكمها أم أنه صلى الله عليه وسلم ليس من المؤمنين. ومما يثبت نصرة رسول الله للمؤمنين ما أخرجه ألمجلسي في البحار في حادثة مكة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم عليه عمرو بن سالم الخزاعي وهو في المسجد فقال:
لا همَّ أني ناشد محمدا                         حلف أبينا وأبيه ألا تلدا
أن قريشاً أخلفوك الموعدا                     ونقضوا ميثاقك المؤكدا
                             وقتلونا ركعاً وسجداً
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حسبك يا عمرو، ثم قام فدخل دار ميمونة وقال اسكبي لي ماء فجعل يغتسل وهو يقول: لا نصرت أن لم أنصر بني كعب، وهم رهط عمرو بن سالم(2). ثم هل يجوز لنبي أن يترك نصرة قومه الذين صدقوه وآمنوا به، وأن لم ينصرهم ألا يقتضي هذا أن يخذلهم عند حاجتهم له، وهل يجوز هذا في حق بني مرسل من عند الله تعالى؟!.فإذا ثبتت نصرة النبي للمؤمنين فلا وجه للقول بأن الآية لا تشارك السياق العام للآيات التي قبلها وبعدها، وإنما السياق في الجميع واحد.
3. لا يمكن الجزم بأن الآية نزلت في علي رضي الله عنه عندما تصدق بخاتمه وهو في الصلاة: فأن أكثر المفسرين زعموا أنه في حق الأمة، والمراد أن الله تعالى أمر المسلم أن لا يتخذ الحبيب والناصر ألا من المسلمين، ومنهم من يقول: أنها نزلت في حق أبي بكر(3). وأما زعمهم بأن أهل السنة أجمعوا على أنها نزلت في علي هو من أعظم الدعاوى الكاذبة، بل أجمع أهل العلم بالنقل أنها لم تنزل في علي بخصومه وأن علياً لم يتصدق بخاتمه في الصلاة، وأجمع أهل العلم بالحديث على أن القصة المروية في ذلك من الكذب في الموضوع، وقوله: أنها مذكورة في الصحاح الستة كذب، إذ لا وجود لهذه الرواية في الكتب الستة، وقد ساق أبن كثير الآثار التي تروي في أن هذه الآية نزلت في علي حين تصدق بخاتمه وعقب عليها: وليس يصح شيء منها بالكلية لضعف أسانيدها، وجهالة رجالها(4). وقد قال((عبد العزيز الدهلوي)) في هذه الرواية أنها للثعلبي فقط، وهو متفرد به ولا يعتد المحدثون من أهل السنة بروايات الثعلبي قدر شعيرة ولقبوه بحاطب ليل، فأنمه لا يميز الرطب من اليابس، وأكثر رواياته عن الكلبي عن أبي صالح وهي من أوهى ما يروى في التفسير عندهم(5). وهكذا ترى أن هذه الرواية لا تصح سنداً، وهي مرفوضة من ناحية المتن كما أشار أبن كثير وغيره، فالفضيلة في الصلاة كونها خالية عما لا يتعلق بها من الحركات سواء أكانت كثيرة أم قليلة(6).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.      محمد بن عمر الرازي: التفسير الكبير(12/22)
2.      محمد باقر ألمجلسي: بحار الأنوار(21/101، 125)
3.      محمد بن عمر الرازي: التفسير الكبير(12/26)
4.      علي محمد الصلابي: فكر الخوارج والشيعة، صـ156
5.      علي محمد الصلابي: فكر الخوارج والشيعة صـ156
6.      علي السالوس: مع الأثني عشرية(1/63 ،64)

       وقد ذكر الشيعة أن التصدق أثناء الركوع لم يقتصر على أمير المؤمنين ولكن اقتدى به باقي الأئمة جميعاً، ونقول إذا صح هذا فكيف لم يحرص على هذه الفضيلة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم؟ بل لعملت به سائر الأمة وأشتهر هذا عندهم(1). والتصدق أثناء الصلاة ليس بمستحب باتفاق علماء الملة،... وأن في الصلاة لشغلاً، وإعطاء السائل لا يفوت، وعلي رضي الله عنه لم يكن ممن تجب عليه الزكاة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأنه كان فقيراً(2). أن علياً لم يؤدي الزكاة لأنه فقير. وأداء الزكاة حال الصلاة أمر خفي وفعل منقطع، فكيف يرتب الله عليه أمراً عظيماً هو أصل من أصول الدين(3)؟ وان قيل أن الزكاة هنا معناها الصدقة غير المفروضة فنقول: أن الزكاة أذا اقترنت بالصلاة ـ خصوصاً أذا عبر أدائها بلفظ((الإيتاء)) ـ فلا يعني بها في جميع القرآن آلا الزكاة المفروضة، كما أن الصلاة هنا هي الصلاة المفروضة لا غير(4). أن سبب نزول هذه الآية على الصحيح هو: أنه لما خانت بنو قينقاع الرسول صلى الله عليه وسلم ذهبوا إلى عبادة بن الصامت ـ كما أخرج أبن جرير في تفسيره ـ وأرادوه أن يكون معهم فتركهم وعاداهم وتولى الله ورسوله،... ولذلك قال الله تبارك وتعالى في أول الآيات((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولى منكم فأنه منهم))المائدة/51، يعني عبد الله بن أبي سلول، لأنه كان موالياً لبني قينقاع، ولما حصلت الخصومة بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم والاهم ونصرهم ووقف معهم، وذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلميشفع لهم أما عبادة بن الصامت رضي الله عنه وأرضاه فأنه تبرأ منهم وتركهم(5). لقد نهى الله تعالى عن موالاة اليهود والنصارى بالود والمحبة والنصرة ثم أردف ذلك بذكر من تجب موالاته وهو: الله ورسوله والمؤمنون، فواضح من ذلك أن موالاة المحبة والنصرة التي نهى عنها في الأولى وهي بعينها التي أمر بها المؤمنون في هذه الآية بحكم المقابلة، كما هو بين جلي من لغة العرب(6). أما قولهم أن قوله تعالى((وهم راكعون)) أن الوارد فيه حالية وأن المقصود في الآية هو الركوع الوارد في الصلاة وليس الخشوع والخضوع فهو ظن واحتمال لاحتمالها لأمرين والدليل أذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال، فأن الواو ممكن أن تكون عاطفة والركوع هو الخشوع والخضوع وقد أستخدمه العرب بهذا المعنى(7).أن الخطاب في هذه الآية هو نظير قوله تعالى وهو يخاطب بني إسرائيل((وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين))البقرة/43، والفرق هو أنه تعالى أمرهم في هذه الآية بهذه الأوامر من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والركوع أما في آية الإمامة فهو يذكر أن المؤمنين الذين حققوا هذه الصفات والتزموا بهذه الأوامر فهم الذين نتولاهم ولا نتولى كل دعي مضيع لأوامر الله تعالى، وقد قال تعالى((وظن داود أنما فتناه فأستغفر ربه وخرَّ راكعاً وأناب))ص/24، وهو خر ساجداً، وإنما سمي راكعاً للذل والخضوع لله تبارك وتعالى(8). ويؤيد هذا المعنى((مجيء الآية الكريمة بالفعل المضارع، فهو يدل على أن الآية الكريمة لا تشير إلى حادثة حدثت وانتهت، وإنما تدل على الاستمرار والدوام أي أن صفات المؤمنين وطبيعتهم الصلاة والزكاة وهم راكعون ولا يستقيم المعنى ـ بغير تكلف ـ أن يكون من صفاتهم أخراج الزكاة أثناء الصلاة))(9).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.      علي السالوس: مع الأثني عشرية(1/63، 64)
2.      الصلابي فكر الخوارج والشيعة، صـ158
3.      طه حامد الدليمي: آيات الإمامة 112
4.      المصدر نفسه: صـ116 
5.      الصلابي: فكر الخوارج والشيعة، صـ156ـ157
6.      المصدر نفسه، صـ157
7.      ينظر طه حامد الدليمي: آيات الإمامة، صـ112
8.      الصلابي: فكر لخوارج والشيعة، صـ159
9.      علي السالوس: مع الأثني عشرية(1/64)

4. لو سلمنا أن الآية نزلت في علي رضي الله عنه، وأن الولاية فيها بمعنى المتصرف والإمام لما أمكن حملها على م ذهبوا إليه. ذلك أن الآية تخبر أن المتصرف في شأن المؤمنين هو الله ورسوله والمؤمنون الذين يتصفون بهذه الصفات الثلاث، وليس علي رضي الله عنه عنه تحديداً وبيان ذلك((أن علياً غير مذكور في الآية، وذكره لا بد منه شرطاً للاعتقاد وألا حصل الأشكال والاشتباه وهو غير مقبول في الأصول، لقد ذكر الله تعالى في الآية نفسها بصراحة، وصرح ذلك رسوله صلى الله عليه وسلم ثم عمَّ المؤمنين فلو أراد واحداًً منهم بعينة لصرح بذكره وألا أشتبه بغيره وكان من النص عليه مشتبهاً غير مبين. وذلك مخالف لكلام رب العالمين(1). أن رواية تصدقه بالخاتم أذا صحت فغيتها أن تكون سبباً للنزول وهي تثبت فضيلته رضي الله عنه ولا تثبت إمامته، فأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص لسبب وألا فلو حصرنا كل آية بسببها لتعطلت أحكام القرآن(2).
5.أما ما رووه في الكافي عن أبي جعفر وذكر حادثة غدير خم فهي رواية مكذوبة عليه وغير صحيحة وذلك لوجوه: منها أن الآية أكمال الدين نزلت على النبي بعرفة وليس في موضع الغدير، وهي لا تتحدث عن الإمامة لا لعلي رضي الله عنه ولا لغيره فبطل الاستدلال بالآية على الإمامة، وإنما الدليل في الحديث والرواية وهي لم تثبت كما أن الحديث لا يستدل به على أصول العقائد وإنما الدليل عليها من القرآن وهذا ما لا يستطيعون الإتيان به أبداً، وفي ذلك يقول أبن تيمية((وهذا من الكذب باتفاق أهل المعرفة بالموضوعات. وقد ثبت أن الآية نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة قبل يوم الغدير بسبعة أيام. ثم ليس فيها دلالة على علي رضي الله عنه بوجه، ولا على إمامته. فدعواك أن البراهين دلت عليه من القرآن من الكذب الواضح، وإنما يكون ذلك من الحديث لو صح))(3)، ونقول لا يمكن لهذا الحديث أن يكون صحيحاً أبداً على فرض الاستدلال به على إمامته كأصل من أصول الدين لما أسلفنا أن أدلتها من القرآن لا من الرواية وهذا هو منهج القرآن في أثبات أصول العقائد وبإمكان من شاء الرجوع إليه والتثبت منه. ومنها الرواية جعلت أثبات الإمامة وهي أحد أركان الإيمان كإثبات الصلاة والزكاة والصوم والحج وهي ليست من أصول العقائد وإنما من أركان العبادة وطريقة أثباتها هو أن يأتي الأمر بها مجملاً ثم تفصيلها السنة النبوية الشريفة كعدد الصلوات وعدد الركعات كل منها وأوقاتها وكيفياتها وهذا بخلاف أصول الدين فأنها تثبت بنص الكتاب جملة وتفصيلاً، ومع ذلك وحتى لو طبقنا طريقة القرآن في أثبات أصول العبادات والشريعة لما أمكن أثبات الإمامة بها، فأين هو النص المحكم الذي يتحدث عن((رتبة الإمامة)) كما تحدثت النصوص عن فرضية الصلاة وعن فرضية الصوم وغيرها كما في قوله تعالى((أن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً)) وقوله تعالى((يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام...)) حتى نقول بعدها أن الرواية فصلت ما أجمل في آية الإمامة. وأما ذكرهم آية التبليغ وأنها نزلت في خصوص علي وخلافته فنقول أنه تعالى في الآية(((والله يعصمك من الناس)) فأن الناس فيه وأن كان عاماً ألا أن المراد بهم الكفار، ويهديك إليه((أن الله لا يهدي القوم الكافرين)) فأنه في موضع التعليل بعصمته عليه السلام)(4) والتخوف الذي تزمعه الشيعة في التبليغ بالخلافة إنما هو من الصحابة رضي الله عنهم. وقد أورد الطبري تفسير هذه الآية وذكر أن أهل التأويل اتفقوا عليه وهو أن أمر الله تعالى لبنيه بإبلاغ اليهود والنصارى من أهل الكتاب وسائر المشركين وغيرهم وعاب دينهم وأزرى عليهم أن لا يشعر نفسه حذراً منهم أن يصبوه في نفسه بمكروه ما قام فيهم بأمر الله، وأعلمه تعالى ذكره أنه أن قصر عن إبلاغ شيء إليهم فهو في تركه وأن قل فهو في عظيم ثم ذكر أنهم اختلفوا في السبب الذي من أجله نزلت فقال بعضهم نزلت بسبب أعرابي كان يهم بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فكفاه الله إياه،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.      طه حامد الدليمي: آيات الإمامة، صـ111
2.      ينظر المصدر نفسه: صـ113
3.      محمد بن عثمان الذهبي: المنتقى من منهاج الاعتدال،صـ443 
4.      علي السالوس: مع الأثني عشرية(1/101)

 نه    وقال آخرون: بل نزلت لأنه كان يخاف قريشاً، فأومن من ذلك، وذكر روايات القائلين بهذين القولين(1).
الآية الرابعة

قوله تعالى((فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم م نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين))آل عمران/61. استدل الشيعة بهذه الآية على أن علياً كان أفضل الصحابة وقالوا أن ذلك يثبت من وجهين(2):
أحدهما: أن موضوع المباهلة ليتميز المحق من المبطل وذلك لا يصح أن يفعل ألا بمن هو مأمون الباطن مقطوعاً على صحة عقيدته أفضل الناس عند الله.
والثاني: أنه صلى الله عليه وسلم جعله مثل نفسه بقوله((وأنفسنا وأنفسكم))، لأنه لم يحضر غيرهما بلا خلاف، وإذا جعله مثل نفسه وجب ألا يدانيه أحد في الفضل ولا يقاربه. ونقول: أول ما يبطل الاحتجاج بهذه الآية على(الإمامة) أنها غير صريحة الدلالة عليها وغايتها أن تكون متشابهة. والاستدلال بالمتشابه لا يصح في الأصول دون النص المحكم الصريح الذي ينص على المراد(3). وقد عقب أبن تيمية على قولهم بأن الله تعالى جعل علياً نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: هذا خطأ، وإنما هذا مثل قوله(لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً)النور/12، وقوله تعالى:(فاقتلوا أنفسكم)البقرة/54،(ولا تخرجوا أنفسكم من أنفسكم من دياركم)البقرة/84، فالمراد بالنفس الأخوان نسباً أو ديناً وهذا المعنى قال به الطوسي في تفسيره عند تفسير آية سورة النور التي تقدمت حيث قال: هلا حين سمعتم هذا آلافك من القائلين ظن المؤمنون بالمؤمنين الذين هم كأنفسهم خيرً وفي هذا رد على من حاول تفسير الآية فقال((فلولا إذ سمعتموه ظن كل مؤمن بنفسه خيراً.... لا أن كل مؤمن ظن بأخيه خيراً))(4). وهنا تظهر المزاجية في تفسير آية المباهلة حين تجاهل علماء الشيعة كل هذه النصوص ثم يأتون إلى هذه الآية الكريمة فيبايعون في معناها إلى حد قولهم بأن علياً هو نفس محمد صلى الله عليه وسلم سوى النبوة وهذا الشريف الرضي أحد أقطاب الشيعة يعترف بأن قوله تعالى(أنفسنا) لا يعني أن علياً هو نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: قال بعض العلماء: أن للعرب في لسانها أن تخبر عن أبن العم اللاصق والقريب والمقارب بأنه نفس أبن عمه، وأن الحميم نفس حميمه(5). وأما قولهم: لا يجوز أن يكون المعني بقوله تعالى((أنفسنا)) النبي صلى الله عليه وسلم لأنه هو الداعي ولا يجوز أن يدعو الإنسان نفسه وإنما يصح أن يدعو غيره فوجب أن يكون أشارة إلى علي وهذا يدل على أنه جعله نفس الرسول صلى الله عليه وسلم(6). فنقول: أن معنى قوله((ندعُ)) في الآية أي نحضر أنفسنا، وأيضاً لو قررنا أن علياً مصداق لـ(أنفسنا) من قبل النبي فمن نقرره من قبل الكفار لمصداق(أنفسكم) في أنفس الكفار مع أنهم مشتركون في صيغة(ندع)(7). أن الآية الكريمة لا تشير إلى إمامة أحد ولا تتعرض للخلافة على الإطلاق وإنما تذكر الأبناء والنساء والأنفس في مجال التضحية لإثبات صحة الدعوى وبهذا يتحقق للمعاندين صحة دعواه لتقديمه للمباهلة أقرب الناس إليه صلى الله عليه وسلم، وفرق شاسع بين مجال التضحية ومجال الإمامة، ففي التضحية يمكن أن يقدم النساء والصغار ولكنهم لا يقدمون للخلافة(8). والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن عنده أحد أقرب إليه ـ من العصبات ـ من علي والمباهلة إنما تحصل بالأقربين إليه، وآية المباهلة سنة عشر لما قدم وفد نجران ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قد بقي من أعمامه غير العباس وهو لم يكن له سابقة ولا دلالة اختصاص على النبي(9).                       
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
   1. علي السالوس: مع الأثني عشرية(1/97)
   2. محمد بن الحسن الطوسي: تفسير التبيان(2/485)
   3. طه حامد الدليمي: آيات الإمامة صـ142
   4. علي السالوس: مع الأثني عشرية(1/70)
   5. علي محمد الصلابي: فكر الخوارج والشيعة صـ162
   6. ينظر الفضل بن الحسن الطبرسي: تفسير مجمع البيان(2/241) 
   7. ينظر علي محمد الصلابي: فكر الخوارج والشيعة صـ161
   8. ينظر علي السالوس: مع الأثني عشرية(1/69)
   9. ينظر محمد بن عثمان الذهبي: المنتقى من منهاج الاعتدال صـ217ـ218    

ونضيف فنقول أن علياً هو زوج ابنته صلى الله عليه وسلم فكانت قرابته أوثق من النبي صلى الله عليه وسلم من غيره كما هو معلوم فيكون تقديمه في المباهلة أولى لأن التضحية إنما تكون بالأقرب لا بالأبعد. ولو قلنا أن الآية الكريمة تدل على أفضلية علي رضي الله عنه فإن إمامة المفضول مع وجود الأفضل جائزة حتى عند بعض فرق الشيعة أنفسهم كالزيدية(1).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
   1. علي السالوس: مع الأثني عشرية(1/69) 

الخاتمة

تبين لنا مما تقدم عرضه أن الآيات الكريمة التي أحتج بها الشيعة على عقيدة الإمامة والعصمة عندهم ليس فيها ما يثبت هذه العقيدة بل ولا حتى الحديث عنها أو الإشارة إليها لافتقارها إلى شرط صحة الدليل الذي تثبت به أصول العقيدة في القرآن الكريم مما سبق ذكره من الوضوح والصراحة والقطع والأحكام، وقد تبين أيضاً أن هذه الأدلة اقتطعت من سياق النص القرآني ثم حملت ما لا تحتمل من المعاني على طريقة((لي أعناق النصوص)) ليجعلوا منها دليلاً على ما ذهبوا إليه. وأخيراً نقول أن هذه الأدلة لا تصمد أمام النقد العلمي ولا يحتج بها في أثبات أمهات العقيدة بل ولا يصح الاحتجاج بها على أصول العبادات فضلاً عن أصول العقيدة، مما يجعلنا نحكم بعدم صحة هذه العقيدة وأنها لا أصل لها من الكتاب والسنة، وإنما هي مما أحدث في الدين، وإنما من جملة البدع التي أفسدت أمر الأمة بعد أن كانت جميعاً.    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق