التصوف السني والضبط الشرعي للاعتقاد والسلوك الصوفي
د.صبري محمد خليل / أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم
الموقف الحقيقي لعلماء أهل السنة من التصوف : هناك افتراض “خاطئ” مضمونه أن موقف علماء أهل السنة ” بمذاهبهم الفقهية والاعتقاديه المتعددة ” من التصوف هو الرفض المطلق للتصوف، دون تمييز بين أقسام التصوف وأصناف المتصوفة. ووجه الخطأ في هذا الافتراض أن الموقف الحقيقي لعلماء أهل السنة من التصوف يتجاوز موقفي الرفض المطلق والقبول المطلق ، إلى موقف نقدي – تقويمي- قائم على قبول أقسام التصوف الموافقة للكتاب والسنة “التصوف السني” ، ورفض أقسامه المخالفة لهما ” التصوف البدعى “، واتخاذ موقف ايجابي من المتصوفة الحقيقيين ، وموقف سلبي من أدعياء التصوف .
الموقف الحقيقي لائمه المذهب الحنبلي من التصوف:اتساقا مع ما سبق نوضح أدناه أن الموقف الحقيقي لائمه المذهب الحنبلي من التصوف يتجاوز موقف الرفض المطلق إلى موقف نقدي قائم على تضمن التصوف ما يوافق الكتاب والسنة الذي يجب قبوله ، و ما يخالفهما الذي يجب رفضه
ا/ الإمام احمد ابن حنبل : رغم اعتراض الإمام أحمد بن حنبل بعض سلوكيات الصوفية فى عصره، لكن فى ذات الوقت ينقل عنه وصف بعض الصوفية بأوصاف ايجابيه، حيث نجد في الجزء الثاني من طبقات الحنابلة للقاضي محمد بن أبي يعلي ، مقدمة الشيخ أبي محمد بن تميم النبلي في عقيدة الإمام أحمد بن حنبل (قد سئل مرة عن المريد ، فقال أن يكون مع الله كما يريد وأن يترك كل ما يريد لما يريد…) ،ونقل عنه انه قال وقد سئل عنهم وقيل له يجلسون في المساجد فقال: العلم أجلسهم). و نقل إبراهيم القلانسي أن الإمام أحمد قال عن بعض الصوفية :لا أعلم أقواما أفضل منهم، قيل : إنهم يستمعون ويتواجدون، قال : دعوهم يفرحوا مع الله ساعة (الفروع لإبن مفلح المقدسي الحنبلي ، ج3 ، ص، 152 دار إحياء التراث العربي ،ونقلها عنه البهوتي كشاف القناع).
ب/الإمام ابن تيميه: أما الإمام ابن تيميه فان القراءة الشاملة لتراثه الفكري تبين أن موقفه الحقيقي من التصوف ليس الرفض المطلق، بل الموقف النقدي، حيث تشير يغض هذه النصوص لرفضه لموقفي الرفض والقبول المطلقين كقوله (ولأجل ما وقع في كثير منهم من الاجتهاد والتنزع فيه تنازع الناس في طريقهم؛ فطائفة ذمت ” الصوفية والتصوف ” . وقالوا : إنهم مبتدعون، خارجون عن السنة، ونقل عن طائفة من الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معروف، وتبعهم على ذلك طوائف من أهل الفقه والكلام .وطائفة غلت فيهم، وادعوا أنهم أفضل الخلق، وأكملهم بعد الأنبياء وكلا طرفي هذه الأمور ذميم . أما موقفه النقدي من التصوف يتجلى في :أولا: تقريره أن في الصوفية المقرب والمقتصد والظالم لنفسه ،حيث يقول (… الصواب ” أنهم مجتهدون في طاعة اللّه، كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة اللّه، ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده، وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين، وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ، وفيهم من يذنب فيتوب أو لا يتوب .ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه، عاص لربه .وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة؛ ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم … )، ثانيا: تقسيمه للصوفية إلى ثلاثة أصناف :صُوفِيَّةُ الْحَقَائِقِ وَصُوفِيَّةُ الأَرْزَاقِ وَصُوفِيَّةُ الرَّسْمِ حيث يق5ول ( ..فَأَمَّا ” صُوفِيَّةُ الْحَقَائِقِ فَهَذَا أَصْلُ التَّصَوُّفِ . ثُمَّ إنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ تَشَعَّبَ وَتَنَوَّعَ وَصَارَتْ الصُّوفِيَّةُ ” ثَلاثَةَ أَصْنَافٍ:1 – صُوفِيَّةُ الْحَقَائِقِ 2 – وَصُوفِيَّةُ الأَرْزَاقِ 3 – وَصُوفِيَّةُ الرَّسْمِ .فَأَمَّا ” صُوفِيَّةُ الْحَقَائِقِ ” : فَهُمْ الَّذِينَ وَصَفْنَاهُمْ . وَأَمَّا ” صُوفِيَّةُ الأَرْزَاقِ ” فَهُمْ الَّذِينَ وُقِفَتْ عَلَيْهِمْ الْوُقُوفُ . كالخوانك فَلا يُشْتَرَطُ فِي هَؤُلاءِ أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْحَقَائِقِ…َأَمَّا ” صُوفِيَّةُ الرَّسْمِ ” فَهُمْ الْمُقْتَصِرُونَ عَلَى النِّسْبَةِ فَهَمُّهُمْ فِي اللِّبَاسِ وَالآدَابِ الْوَضْعِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ف، َهَؤُلاءِ فِي الصُّوفِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يَقْتَصِرُ عَلَى زِيِّ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَهْلِ الْجِهَادِ وَنَوْعٌ مَا مِنْ أَقْوَالِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ بِحَيْثُ يَظُنُّ الْجَاهِلُ حَقِيقَةَ أَمْرِهِ أَنَّهُ مِنْهُمْ وَلَيْسَ مِنْهُمْ .) (مجموع الفتاوى :14/176). ثالثا: تقريره أن عند المتصوفة من الحق ما وافق الكتاب والسنة، ومن الباطل ما خالفهما ، حيث يقول ( يقول ( وأنت تجد كثيراً من المتفقهة، إذا رأى المتصوفة والمتعبدة لا يراهم شيئاً ولا يعدهم إلا جهالاً ضلالاً، ولا يعتقد في طريقهم من العلم والهدى شيئاً، وترى كثيراً من المتصوفة، والمتفقرة لا يرى الشريعة ولا العلم شيئاً، بل يرى المتمسك بها منقطعاً عن الله وأنه ليس عند أهلها مما ينفع عند الله شيئاً.وإنما الصواب: أن ما جاء به الكتاب والسنة، من هذا وهذا: حق، وما خالف الكتاب والسنة من هذا وهذا: باطل) ( اقتضاء الصراط المستقيم 3 19 ) ، وبناء على هذا الموقف النقدي يصف ابن تيمية كثير من شيوخ التصوف بشيوخ الإسلام وأئمة هدي(أنهمْ مشائخ الإسلام وأئمة الهدى الَّذيْن جعلَ اللّهُ تعالَى لهم لسْان صدق في الأمةِ،مثْلَ سعْيد بنُ المسيبِ، والحسْن البصريِّ، وعمرْ بنُ عبد العزيز، ومالْك بنُ أنسْ، والأوزاعي، وإبراهيْم بنْ أدهم، وسفْيان الثوري، والفضيّل بنُ عياض، ومعروف الكرّخْي، والشافعي،وأبي سليْمان، وأحمد بنَ حنبل،وبشرُ الحافي، وعبد اللّهِ بنُ المبارك، وشقيّق البلّخِي، ومن لا يحصَّى كثرة.إلى مثْلَ المتأخرينَ: مثْلَ الجنيد بن محمد القواريري، وسهَلْ بنُ عبد اللّهِ التسْتري، وعمرُ بنُ عثمان المكي، ومن بعدهم ـإلى أبي طالبَ المكي إلى مثْل الشيْخ عبد القادرِ الكيلاني، والشّيْخ عدّي، والشيْخ أبي البيْان، والشيخ أبي مدين، والشيخ عقيل، والشيخ أبي الوفاء، والشيخ رسلان، والشيخ عبد الرحيم، والشيخ عبد الله اليونيني، والشيخ القرشي، وأمثال هؤلاء المشايخ الذين كانوا بالحجْازِ والشّام والعرْاق، ومصْر والمغرْب وخرّاسْان، من الأوليْنِ والآخريْنِ) ( مجموع الفتاوي: ج2 ، ص452).
ج/الإمام ابن القيم : كما يتمثل الموقف النقدي من التصوف عند الإمام ابن القيم في تمييزه بين ثلاث طوائف في الحكم على الصوفية : طائفة تعلقوا عليهم بظاهر عباراتهم، فبدعوهم وظلموهم ، والطائفة الثانية حجبوا بما رأوه من محاسن القوم وصفاء قلوبهم … عن رؤية شطحاتهم، وطائفة هم أهل العدل والإنصاف، الذين أعطوا كل ذي حق حقه ، حيث يقول (فاعلم أن في لسان القوم من الاستعارات ، وإطلاق العام وإرادة الخاص، وإطلاق اللفظ وإرادة إشارته دون حقيقة معناه ، ما ليس على لسان أحد من الطوائف غيرهم ، ولهذا يقولون “نحن أصحاب عبارة” و”الإشارة لنا والعبارة لغيرنا”، وقد يطلقون العبارة التي يطلقها الملحد ويريدون بها معنى لا فساد فيه ، وصار هذا سبباً لفتنة طائفتين: طائفة تعلقوا عليهم بظاهر عباراتهم، فبدعوهم وظلموهم، والطائفة الثانية حجبوا بما رأوه من محاسن القوم وصفاء قلوبهم وصحة عزائهم وحسن معاملتهم عن رؤية شطحاتهم ونقصانها ، فسحبوا عليها زيل المحاسن، وأجروا حكم القبول ، وهؤلاء أيضاً معتدون مفرطون، الطائفة الثالثة: وهم أهل العدل والإنصاف، الذين أعطوا كل ذي حق حقه ، وأنزلوا كل ذي منزلة منزلته ، فلم يحكموا للصحيح بحكم السقيم المعلول، ولا للمعلول السقيم بحكم الصحيح، بل قبلوا ما يقبل وردوا ما يرد)(مدارج السالكين، ج3). وبناء على هذا الموقف النقدى يورد ابن الامام القيم تعريفاُ ايجابيا للتصوف فيقول (… والتصوف زاوية من زوايا السلوك الحقيقي وتزكية النفس وتهذيبها لتسعد لسيرها إلى صحبة الرفيق الأعلى، ومحبة فإن المرء مع من أحب)..
د/ الشيخ محمد بن عبد الوهاب: ورغم ما هو معروف من حمل الشيخ محمد بن عبد الوهاب على كثير من أوجه الاعتقاد والسلوك الصوفي ، فان بعض النصوص المنقولة عنه تتضمن إشارات إلى إقراره بجوانب ايجابيه عند بعض الصوفية ، ففي القسم الثالث من مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب جزء (فتاوى ومسائل) قام بجمعها الشيخ صالح بن عبد الرحمن الأطرم ومحمد عبد الرازق الدويسي والصفحة رقم (31) المسألة الخامسة “اعلم أرشدك الله – أن الله سبحانه وتعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى الذي هو العلم النافع ،ودين الحق الذي العمل الصالح ،إذا كان من ينسب إلى الدين: منهم من يتعانى بالعلم والفقه ويقول به كالفقهاء ، ومنهم من يتعانى بالعبادة طلب الآخرة كالصوفية. وبعث الله بنبيه بهذا الدين الجامع للنوعين) ( عبد الحفيظ بن عبد الحق المكي، موقف أئمة الحركة السلفية من التصوف والتصوف، دار لسلام القاهرة، ط 1988م، ص15). وفي القسم الثاني من مؤلفاته (الفقه) المجلد الثاني ص (4) في رسالة (أربع قواعد تدور الأحكام عليها) يقول ” اعلم رحمك الله إن أربع هذه الكلمات يدور عليها الدين سواء كان المتكلم يتكلم في علم التفسير أو في علم الأصول أو في علم أعمال القلوب الذي يسمى علم السلوك…”، وفي (ملحق المصنفات) “هذه مسألة” صفحة (124) قال ” فنفس محبته أصل عبادته ،والشرك فيها أصل الشرك في عبادته ،ولهذا كان مشايخ الصوفية العارفون يوصون كثيراً بمتابعة العلم قال بعضهم “ما ترك أحد شيئاً من السنة إلا لكبره في نفسه”.
أقسام التصوف: اتساقا مع ما سبق تقريره من كون الموقف الحقيقي لعلماء أهل السنة من التصوف هو الموقف النقدي، الذي يميز بين أقسام التصوف وأصناف الصوفية ، اتفق العلماء بما فيهم علماء الصوفية- على إن للتصوف أقسام متعددة.
نحو تقسيم صحيح للتصوف وقد قسم بعض الباحثين المعاصرين التصوف إلى قسمين هما:
أولا: التصوف السني: ويستند إلى مذاهب أهل السنة الفقهية والاعتقاديه – وعلى وجه الخصوص المذهب الاشعرى
ثانيا: التصوف الفلسفي: ويستند إلى مفاهيم وعقائد أجنبية ، ويتضمن عدة مذاهب هى: أ. مذهب الحلول: ومضمونه إمكانية حلول روح الله تعالى في الإنسان ، وينسب إلى الحلاج في كتاب الطواسين.ب. مذهب الاتحاد: ومضمونه إمكانية اتخاذ الذات الإنسانية بالذات الإلهية ، وينسب إلى البسطامي.ج. مذهب وحدة الوجود: ومضمونه أن هنالك وجود حقيقي واحد هو وجود الله تعالى، أما وجود المخلوقات فهو وهمي مصدره خداع الحواس، وينسب إلى عدد من أعلام التصوف منهم ابن سبعين.
خطا اسم “التصوف الفلسفي”:غير أن تسميه القسم الثاني من أقسام التصوف بالتصوف الفلسفي خاطئة لعد أسباب أهمها:
أولا: أن هذا الاسم قائم على افتراض مضمونه أن مصدر هذه المفاهيم والعقائد الاجنبيه (الحلول والاتحاد ووحده الوجود) هو الفلسفة ، وهو افتراض خاطئ ، لان المصدر الاساسى لهذه المفاهيم هو بعض الديانات الشرقية القديمة- الوثنية- (كالهندوسيه القائلة بالحلول ووحده الوجود) ، وبعض المذاهب الدينية ألقائمه على تحريف أديان سماويه (كالمذاهب المسيحية القائلة بالحلول).
ثانيا: أن هذا الاسم يوحى بالتعارض المطلق بين الفلسفة والتصوف، بينما هناك مذاهب فلسفيه تتعارض مع التصوف – لأنها قائمه على الرفض المطلق للكشف أو الحدس كوسيلة للمعرفة ومثال لها اغلب المذاهب الفلسفية العقلانية والحسيه ، وكما أن هناك مذاهب فلسفيه تتفق مع التصوف- لأنها تقر بالكشف أو الحدس كوسيلة للمعرفة ، ومثال لها المذاهب الفلسفية الحدسية ثالثا: أن هذا الاسم يوحى بالتعارض المطلق بين الفلسفة والدين بينما هناك مواقف ومذاهب فلسفيه تتعارض مع الدين ، وأخرى تتفق معهما..
رابعا: أن نقيض السنة هو ألبدعه – وليس الفلسفة- وبالتالي فان نقيض “التصوف السني” هو “التصوف البدعى “.
خامسا: أن هذا الاسم يوحى بان التصوف يتعارض مع التفكير العقلاني – لان الفلسفة هي نمط من أنماط التفكير العقلاني- بينما الاستناد الى الحدس كوسيلة للمعرفة-كما فى التصوف – لا يلزم منه بالضرورة نفى الاستناد العقل كوسيلة للمعرفة – كما في الفلسفة –
سادسا: أن هذا الاسم يستند إلى افتراض “خاطئ” ، مضمونه إجماع علماء أهل السنة ” بمذاهبهم الفقهية والاعتقاديه المتعددة ” على تحريم الفلسفة بكل دلالاتها ، اى أنهم اتفقوا على الرفض المطلق للفلسفة بكل دلالاتها. ووجه الخطأ في هذا الافتراض أن علماء أهل السنة لم يتخذوا موقف واحد من الفلسفة ، بل اتخذوا موقفين منها هما :
أولا: موقف الرفض المطلق: اى الرفض المطلق للفلسفة بكل دلالاتها.
تقويم:
ا/ الفلسفة لا تأخذ موقف موحد من كل القضايا: هذا الموقف قائم على افتراض مضمونه أن هناك تعارض مطلق بين الدين الإسلامي والفلسفة بصورة عامة ، والفلسفة اليونانية بصورة خاصة- غير أن هذا الافتراض غير صحيح ، لأنه قائم على افتراض- آخر – مضمونه أن الفلسفة تأخذ موقفاً موحداً من جميع القضايا ، وأن هذا الموقف مناقض لموقف الدين منها ، وهى افتراض غير صحيح كما قرر الإمام ابن تيمية ، في معرض رده على من قال أن الفلاسفة جميعاً قالوا بقدم العالم ( أما نفي الفلسفة مطلقاً أو إثباتها فلا يمكن، إذ ليس للفلاسفة مذهب معين ينصرونه ، ولا قول يتفقون عليه في الإلهيات والمعاد والنبوات ولا في الطبيعيات والرياضيات…) (منهاج السنة، ص253 ).
ب/ رفض بعض الفقهاء لدلاله معينه للفلسفة “مضمونها البحث في الغيبيات ” وليس رفض لكل دلالاتها: وإذا كان هذا المذهب يستند إلى تحريم بعض الفقهاء للفلسفة ، فان هؤلاء الفقهاء لم يقولوا بتحريم الفلسفة بكل دلالاتها، بل قالوا بتحريم الفلسفة طبقا لدلاله معينه لها ، شاعت في عصرهم ،ومضمونها البحث في الغيبيات ، لذا اختلطت بمعارف- مماثله لها في الخوص في الغيبيات – كالسحر والكهانة والشعوذة . ويدل على هذا ربط هؤلاء الفقهاء بين الفلسفة وهذه المعارف المحرمة ( التي تمثل أنماط من التفكير الأسطوري والخرافي، التي تتناقض مع نمط التفكير الفلسفي والعلمي فضلاً عن الدين) يقول النووي (قد ذكرنا من أقسام العلم الشرعي، ومن العلوم الخارجة عنه ما هو محرم أو مكروه أو مباح فالمحرم كتعلم السحر …وكالفلسفة والشعبذة والتنجيم وعلوم الطائعين)( النووي المجموع شرح المهذب، ج1، ص27 ) ، وبداهة فان هؤلاء الفقهاء لم يتطرقوا إلى الفلسفة طبقا لدلالاتها الدلالة الحديثة والمعاصرة
ثانيا: موقف الأخذ والرد “الموقف النقدي” (الجمع بين المنع والإيجاب): أما الموقف الثاني فهو الموقف القائم على افتراض مضمونه أنه ليس هناك تعارض مطلق” دائم” بين الإسلام كدين والفلسفة بصورة عامة ،والفلسفة اليونانية بصورة خاصة ، بل هناك أوجه اتفاق وأوجه اختلاف، وفي حالة الاختلاف يكون الرد و الرفض” اى المنع بدرجاته من كراهة أو تحريم حسب درجه الاختلاف ،والمفسدة التي تلزم من الآخذ به – كاتفاقهم على تحريم الأخذ بالإلهيات ” الميتافيزيقا ” اليونانية “لأنها تتضمن مفاهيم مخالفه للعقيدة الاسلاميه، وفي حالة الاتفاق يكون الأخذ والقبول” اى الإيجاب بدرجاته من اباحه أو ندب أو وجوب… حسب درجه الاتفاق، والضرورة- كقول الإمام ابن تيميه بوجوب الأخذ بالرياضيات لأنها ضرورية لعلوم الفرائض وقسمه التركة “. وهذا الموقف هو الموقف الحقيقي، للعديد من أعلام علماء أهل السنة ، طبقا لمذاهبهم المتعددة : الفقهية (كالمذهب الحنبلي والشافعي والمالكي و الحنفي)،والاعتقاديه (كالمذهب الحنبلي والاشعرى والطحاوى والماتريدى وأهل الظاهر)
ا/ الإمام ابن تيمية: فالإمام ابن تيمية لا يأخذ موقف موحد من الفلسفة (المقصود هنا الفلسفة اليونانية) سواء بالرفض أو القبول، بل يقسمها إلى ثلاثة أقسام:القسم الأول : الإلهيات (الميتافيزيقا): وهو يرفضه، وأغلب رفضه للفلسفة ينصب على هذا القسم منها.القسم الثاني : الطبيعيات: ويرى جواز الأخذ به ،مع عدم ربطه بالإلهيات(الميتافيزيقا) اليونانية، ، ويعتبره (غالبه كلام جيد ، وهو كلام كثير واسع ، ولهم عقول عرفوا بها، وهم يقصدون به الحق لا يظهر عليهم فيه العناد، ولكنهم جهال بالعلم الإلهي).القسم الثالث :الرياضيات: ويرى وجوب الأخذ به وبتعبيره (ضرورية لعلوم الفرائض وقسمة التركة وغيرها) ( الرد على المنطقيين، طبعة بيروت دار المعرفة)
ب/ الإمام الغزالي : أما الإمام الغزالي فيتجلى موقفه النقدي من خلال مظاهر متعددة أهمها تقسيمه الفلسفة ( ويقصد بها الفلسفة اليونانية ) إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول :هو القسم الذي يتناقض مع أصول الدين شكلاً و مضموناً (اى لفظا ومعنى) ، ويتضمن هذا القسم ثلاثة قضايا هي القول بقدم العالم وإنكار بعث الأجساد وإنكار علم الله بالجزئيات، وموقفه من هذا القسم هو التحريم . القسم الثاني : وهو القسم الذي يتناقض مع هذه الأصول شكلاً (لفظا)،ويتضمن سبع عشر قضية، وموقفه من هذا القسم هو التبديع.القسم الثالث: وهو القسم الذي لا يتناقض مع هذه الأصول شكلاً ومضموناً ( لفظا ومعنى )، ويتضمن هذا القسم باقي القضايا الفلسفية ، وموقفه من هذا القسم هو الأخذ والقبول.
ج/ الإمام ابن حزم: أما الإمام ابن حزم الظاهري فيرى أن الفلسفة تتفق مع الدين في الغاية (إصلاح النفس)، لذا يجب الأخذ بها (مادامت محتفظة بهذه الغاية) ، فيقول (ان الفلسفة على الحقيقة إنما معناها وثمرتها ، والغرض المقصود نحوه، ليس شيئاً غير إصلاح النفس بأن تستعمل في دنياها الفضائل ،وحسن السيرة المؤيدة إلى سلامتها في المعاد وحسن سياستها للمنزل والرعية ،وهذه نفسه لا غيره هو غرض الشريعة، وهذا ما لا خلاف فيه بين أحد من العلماء بالفلسفة ولا بين أحد من العلماء بالشريعة) ( ابن حزم، الفصل في الملل والنحل، ج1، طبعة القاهرة، 1317هـ).
تصوف “بدعي ” وليس تصوف “فلسفي” : من العرض السابق نخلص إلى أن التصوف المستند إلى “اعتقاد “بالمفاهيم الاجنبيه ” كالحلول والاتحاد ووحده الوجود “، أو يلزم منه “سلوك ” مخالف للكتاب والسنة هو تصوف” بدعي” وليس تصوف” فلسفي”.
التصوف السني هو محصله الضبط الشرعي للاعتقاد والسلوك الصوفي : أما التصوف السني فهو محصله الضبط الشرعي للاعتقاد والسلوك الصوفي، والمتضمن للالتزام بالضوابط الشرعية لهما، من خلال موافقة مذهب أهل ألسنه ، القائم على الضبط الشرعي لاعتقاد وسلوك المسلم ، ومفارقه الاعتقاد بالمفاهيم الاجنبيه (كالحلول والاتحاد ووحده الوجود) ، والسلوك المخالف للكتاب والسنة، والدليل على ذلك الاتى:
أولا: الموقف الايجابي للائمه من الصوفية المنتسبون لمذهب أهل السنة: اتخذ ألائمه موقف ايجابي من الصوفية المنتسبون لمذهب أهل السنة بتفريعاته الفقهية والكلامية المتعددة: ينقل عن الإمام مالك (من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ، ومن تفقه ولم بتصوف فقد تفسق ، ومن جمع بينهما فقد تحقق)( شرح عبن العلم وزين الحلم للإمام ملا على القاري: 1/ 33 ، و حاشية العدوى على الزرقانى: 3/ 195) ، وينقل عن الإمام الشافعي(حبب إلى من دنياكم ثلاث : ترك التكلف ، وعشره الخلق بالتلطف، والاقتداء بطريق أهل التصوف )(التصوف المفترى عليه ، محمد قاسم الشوم، دار الكتب العلمية ، ص 50) ، ونقل عن الإمام احمد انه كان ينهى ابنه عبد الله عن مجالسه الصوفية ، فلما صحب أبا حمزة البغدادي الصوفي أصبح يقول له (يا ولدى عليك بمجالسه هؤلاء القوم فأنهم زادوا علينا بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد وعلو الهمة )(تنوير القلوب للشبح أمين الكردي/ ص405 )، كما نقل عنه قوله (لا اعلم أقواما أفضل منهم، قيل إنهم يستمعون ويتواجدون، قال: دعهم يفرحوا مع الله ساعة )(غذاء الألباب شرح منظومة الآداب/السفارينى الحنبلي /1/ 120). ويقول سيفان الثوري( لولا أبو هاشم الصوفي ما عرفت دقيق الرياء)( الطوسي، اللمع، ص42).
ثانيا:تقرير علماء أهل السنة أن الصوفية-المنتسبون لمذهب أهل السنة – طائفة من أهل السنة: كما قرر علماء أهل السنة أن الصوفية-المنتسبون لمذهب أهل السنة بتفريعاته الفقهيعه والكلامية المتعددة – طائفة من أهل السنة : يقول الإمام السبكى ( اعلم أن أهل السنة والجماعة كلهم قد اتفقوا على معتقد فيما يجب ويجوز ويستحيل،وان اختلفوا في الطرق والمبادئ الموصلة لذلك،وبالجملة فهم بالاستقراء ثلاث طوائف:الأولى: أهل الحديث،ومعتمد مبادئهم الادله السمعية، الكتاب وألسنه والإجماع. الثانية: أهل النظر العقلي : وهم الاشعريه والحنفية، وشيخ الاشعريه أبو الحسن الاشعرى، وشيخ الحنفية أبو منصور الماتريدى، وهم متفقون في المبادئ العقلية في كل مطلب يتوقف السمع عليه.الثالثة: أهل الوجدان والكشف، وهم الصوفية، ومبادئهم مبادئ أهل النظر والحديث في البداية والكشف والإلهام في النهاية )( شرح عقيدة ابن الحاجب ). ويقول عبد القاهر البغدادي (وقد اشتمل كتاب تاريخ الصوفية لأبى عبد الرحمن السلمي على زهاء ألف شيخ من الصوفية ما فيهم واحد من اهل الأهواء، بل كلهم من أهل السنة سوى ثلاثة)(أصول الدين ، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت ، ط1 ، ص315) ، (جموع الفتاوى (3/375). ويقول(فمن قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والجماعة)( مجموع الفتاوى (3/346). أما الإمام ابن تيميه فقد أورد دلالتين لمصطلح اهل السنه ،الأولى هي الدلالة العامة له ويمكن ان يندرج تحتها المذاهب الفقهية : الحنبلي والشافعي والمالكي…والمذاهب الاعتقاديه الكلامية: الاشعرى والماتريدي والطحاوي وأهل الظاهر-وكما هو معلوم فان بعض هذه المذاهب تشكل الأساس الفقهي والاعتقادى للتصوف السني- حيث يقول ابن تيمية ( فلفظ السنة يراد به من أثبت الخلفاء الثلاثة ، فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلاّ الرافضة )(منهاج السنة 2/ 221). والثانية هي الدلالة الخاصة لمصطلح أهل السنة كما فى قوله ( وقد يراد به أهل الحديث والسنة المحضة فلا يدخل فيه إلا من أثبت الصفات لله تعالى، ويقول : إن القرآن غيرمخلوق، وإن الله يرى في الآخرة ، ويثبت القدر وغير ذلك من الأصول المعروفة عند أهل الحديث والسنة)وطبقا لما سبق فانه يمكن القول ان ابن تيميه يعتبر ان التصوف السني او جزء غالب منه، يندرج تحت الدلالة العامة لمصطلح أهل السنة ، حيث يقول انه نقل التكلم بالتصوف عددا من ائمه أهل السنة ( أما لفظ الصوفية فانه لم يكن مشهورا فى القرون الثلاثة وإنما اشتهر التكلم به بعد ذلك وقد نقل التكلم به عن غير واحد من الأئمة والشيوخ كالإمام احمد بن حنبل وأبى سليمان الدارانى وغيرهما وقد روى عن سفيان الثوري أنه تكلم به وبعضهم يذكر ذلك عن الحسن البصرى) (مجموع الفتاوى “جزء 11 – صفحة5 )،كما يضع التصوف مع باقي مذاهب وفرق أهل السنة فى كثير من النصوص كما فى قوله(وأما جمهور الأمة وأهل الحديث والفقه والتصوف فعلى ما جاءت به الرسل وما جاء عنهم من الكتب والاثارة من العلم وهم المتبعون للرسالة إتباعا محضا لم يشوبوه بما يخالفه) ( مجموع الفتاوى “جزء 12 – صفحة 36)..وتطبيقا لما سبق يقول ابن تيمية(وفي كلام أهل التصوف عبارات موهمة في ظاهرها بل وموحشة أحيانًا، ولكن تحتمل وجهًا صحيحًا يمكن حملها عليه، فمن الإنصاف أن تحمل على الوجه الصحيح كالفناء، والشهود، والكشف ، ونحو ذلك ) (مجموع الفتاوى /ص337).
ثالثا: دعوه أعلام التصوف “السني” إلى ضرورة الضبط الشرعي للاعتقاد والسلوك الصوفي: كما دعي أعلام التصوف السني إلى ضرورة الضبط الشرعي للاعتقاد والسلوك الصوفي ، وتتمثل هذه الدعوة في تقريرهم ضرورة موافقة السلوك الصوفي للكتاب والسنة ، يقول الإمام القشيري (.. وبناء هذا الأمر وملاكه ، على حفظ آداب الشريعة ، وصون اليد عن امتدادها إلى الحرام والشبهة ، وحفظ الحواس عن المحظورات ، وعدّ الأنفاس مع الله تعالى عن الغفلات )( الرسالة القشيريه، ص 63 ، ط دار الخير)، ويقول التستري ( أصولنا سبعة أشياء : التمسك بكتاب الله تعالى ، والاقتداء بسنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم ، وأكل الحلال ، وكف الأذى ، واجتناب الآثام ، والتوبة ، وأداء الحقوق )..ويقول أبو سليمان الداراني ( ربما تقع في قلبي النكتة من نكت القوم أياما فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين : الكتاب والسنة)..ويقول سري السقطي ( المتصوّف اسم لثلاث معاني : هو الذي لا يطفئ نور معرفته نور ورعه ، ولا يتكلّم بباطن في علم ينقضه عليه ظاهر الكتاب والسنة ، ولا تحمله الكرامات على هتك أسرار محارم الله تعالى) .. كما تتمثل دعوتهم إلى الضبط الشرعي للاعتقاد والسلوك الصوفي في تقريرهم أن الاعتقاد الصوفي يرفض المفاهيم الاجنبيه “الحلول والحلول ووحده الوجود” ، يقول الشعراني ( ولعمري إِذا كان عُبَّاد الأوثان لم يتجرؤوا على أن يجعلوا آلهتهم عين الله؛ بل قالوا: ما نعبدهم إِلا ليقربونا إِلى الله زلفى، فكيف يُظَن بأولياء الله تعالى أنهم يدَّعون الاتحاد بالحق على حدٌّ ما تتعقله العقول الضعيفة؟! هذا كالمحال في حقهم رضي الله تعالى عنهم، إِذ ما مِن وليٌّ إِلا وهو يعلم أن حقيقته تعالى مخالفة لسائر الحقائق، وأنها خارجة عن جميع معلومات الخلائق، لأن الله بكل شيء محيط). ويقول أبو حامد الغزالي( وأما القسم الرابع وهو الاتحاد ، فذلك أيضا أظهر بطلانا، لأن قول القائل إن العبد صار هو الرب كلام متناقض في نفسه، بل ينبغي أن ينزه الرب سبحانه وتعالى عن أن يجري اللسان في حقه بأمثال هذه المحالات…فالاتحاد بين شيئين مطلقا محال…فأصل الاتحاد إذا باطل…) . ويقول جلال الدين السيوطي (… فإِذن أصل الاتحاد باطل محال، مردود شرعاً وعقلاً وعرفاً بإِجماع الأنبياء ومشايخ الصوفية وسائر العلماء والمسلمين، وليس هذا مذهب الصوفية، وإِنما قاله طائفة غلاة لقلة علمهم وسوء حظهم من الله تعالى، فشابهوا بهذا القولِ النصارى الذين قالوا في عيسى : اتَّحَد ناسوتُهُ بلاهوتِهِ. وأما مَنْ بالعناية، فإِنهم لم يعتقدوا اتحاداً ولا حلولاً، وإِن وقع منهم لفظ الاتحاد فإِنما يريدون به محو أنفسهم، وإِثبات الحق سبحانه).
رابعا: تقرير علماء أهل السنة – وأعلام التصوف السني – لآليات للضبط الشرعي للاعتقاد والسلوك الصوفي:كما قرر علماء أهل السنة – وكذا أعلام التصوف السني- آليات للضبط الشرعي للاعتقاد والسلوك الصوفي ومنها :
ا/عدم مخالفه الكتاب والسنة : يقول الإمام النووي(أصول طريق التصوف خمسه: تقوى الله فى السر والعلانية، وإتباع السنة فى الأقوال والأفعال ، والإعراض عن الخلق فى الإقبال والإدبار، والرضا عن الله فى القليل والكثير ، والرجوع إلى الله في السراء والضراء )(رسالة المقاصد في التوحيد والعبادة وأصول التصوف/ ص 20) ، ويقول ابن عربي (كل علم من طريق الكشف والإلقاء او اللقاء والكناية بحقيقة تخالف شريعة متواتره لا يعول عليه)( رسائل محي الدين ابن عربي، رسالة لا يعول عليه ، ط1 ، جمعيه دار المعارف العثمانية، بيروت)
ب/ التمييز بين الأصيل والمدسوس: يقول الإمام ابن تيميه (وان سمع شي من ذلك- اى الحلول والاتحاد- منقول عن بعض أكابر الشيوخ فكثير منه مكذوب ، اختلقه الافاكون من الاتحادية المباحيه الذين أضلهم الشيطان) (مجموع الفتاوى ، كتاب التصوف ص74) ، و يقول الشعراني عن ابن عربى ومؤلفاته (وكان رضي الله عنه متقيدا بالكتاب والسنة، ويقول : كل من رمى ميزان الشريعة من يده لحظه هلك…وجميع ما لم يفهمه الناس من كلامه إنما هو لعلو مراقيه ،وجميع ما عارض ظاهر الشريعة وما عليه الجمهور فهو مدسوس عليه )(اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الاكابر)
ج/ التمييز بين الصوفية وأدعياء التصوف : يقول الإمام السيوطي (قد كثر في التصوف الدخيل على القوم ، تشبهوا بأهله وليسو منهم، فادخلوا فيه ما ليس منه، فادى ذلك إلى اسائه الظن بالجميع، فوجه أهل العلم التمييز بين الصنفين، ليعلم أهل الحق من أهل الباطل )(الرسالة القشيريه، ص 16).
د/ حمل المقولات “الصوفية ” على وجهها الصحيح الذي يتفق مع الشرع: يقول الإمام ابن تيمية ( وفي كلام أهل التصوف عبارات موهمة في ظاهرها بل وموحشة أحيانًا، ولكن تحتمل وجهًا صحيحًا يمكن حملها عليه، فمن الإنصاف أن تحمل على الوجه الصحيح … ) (مجموع الفتاوى /ص337).
======================
نحو فهم صحيح لبعض القواعد السياسية عند أهل السنة
(عدم جواز الخروج على السلطان الجائر واماره الغلبة والصلاة خلف البر والفاجر)
د. صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم
تمهيد: تهدف هذه الدراسة إلى تصحيح الفهم الخاطئ لبعض القواعد السياسية عند أهل السنة، ” وهى قواعد : عدم جواز الخروج على السلطان الجائر وأماره الغلبة والصلاة خلف البر والفاجر”، والقائم على أن علماء أهل السنة قد قرروا هذه القواعد باعتبارها قواعد صالحه لكل زمان ومكان ، ولإثبات شرعيه نظم استبداديه . وهذا التصحيح يتحقق من من خلال تقديم الفهم الصحيح لهذه القواعد ،والقائم على ان علماء أهل السنة قد قرروا هذه القواعد باعتبارها استثناء خاص بظروف زمانية ومكانية معينه، واستنادا إلى قاعدة الضرورة ، وبالتالي لا يمكن الاستناد إليها لتأكيد شرعيه اى نظم سياسيه استبداديه .
التمييز بين القواعد السياسية الاصليه والقواعد السياسية الفرعية عند أهل السنة : وتصحيح الفهم الخاطئ لهذه القواعد السياسية ، من خلال تقديم الفهم الصحيح لها، لا يتحقق إلا من خلال التمييز بين القواعد السياسية الاصليه والقواعد السياسية الفرعية لأهل السنة.
أولا: القواعد السياسية الاصليه:وهى القواعد السياسية التي قررها علماء أهل السنة ، استنادا إلى قواعد نصيه ثابتة اى مصدرها نصوص يقينية الورود قطعية الدلالة:
حق الجماعة في تعيين ومراقبه وعزل الحاكم إذا جار : ومن أهم هذه القواعد حق الجماعة في تعيين ومراقبه وعزل الحاكم إذا جار ، وهذه القاعدة تنطلق من كون المنظور السياسي الإسلامي- على مستوى أصوله النصية الثابتة – يسند السلطة السياسية – التي عبر عنها القران بمصطلح الأمر- إلى الجماعة- بموجب الاستخلاف العام – قال تعالى ﴿ وأمرهم شورى بينهم)، أما الحاكم فنائب ووكيل عن الجماعة، لها حق تعينه ومراقبته وعزله ، يقول أبو يعلي (الخليفة وكيل للمسلمين ) (الأحكام السلطانية، ص 7 )، ويقول الماوردي ( البيعة عقد مرضاة واختيار لا يدخله اكراة ولا إجبار)،ويقول الإمام ابن حزم ( فهو الإمام الواجب طاعته ما قادنا بكتاب الله تعالى وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم- فإذا زاغ عن شيء منهما، منع من ذلك وأقيم عليه الحق والحق ، فإن لم يؤمن أذاه إلا بخلعه ، خُلع وولي غيره ).
ثانيا:القواعد السياسية الفرعية: وهى القواعد السياسية التي قررها علماء أهل السنة ، استنادا إلى قواعد اجتهادية متغيره ، اى مصدرها نصوص ظنيه الورود والدلالة:
الظروف الزمانيه والمكانية لاستخدام الجماعة حقها في عزل الحاكم إذا جار وكيفيته: ومن هذه القواعد المتصلة بتحديد الظروف الزمانيه والمكانية لاستخدام الجماعة حقها في عزل الحاكم إذا جار وكيفيته (اى المتصلة بكيفية عزله وأين ومتى )، واهم مثال لها القواعد موضوع الدراسة (اى قواعد: عدم جواز الخروج على السلطان الجائر وأماره الغلبة والصلاة خلف البر والفاجر ،فأهل السنه لم ينكروا- عند تقريرهم لهذه القواعد – حق الجماعة في عزل الحاكم إذا جار – لأنه من القواعد ألسياسيه الاصليه – بل قرروا عدم جواز عزله في ظروف زمانية ومكانية معينه- وليس في كل زمان ومكان-وطبقا لكيفية معينه – وليس طبقا لكل الكيفيات،استناد إلى قاعدة الضرورة، وبهدف الحفاظ على وجود المجتمع المسلم- والدولة الاسلاميه كممثل له- ووحدته، في أوقات الخطر الذي يتهدده ، وليس بهدف إضفاء شرعيه على انظمه استبداديه .وفيما يلي نتناول هذه القواعد بشيْ من التفصيل
قاعدة “عدم جواز الخروج على السلطان الجائر ” : فأهل السنه لم ينكروا- عند تقريرهم لقاعدة “عدم جواز الخروج على السلطان الجائر ” – حق الجماعة في عزل الحاكم إذا جار – لأنه من القواعد ألسياسيه الاصليه – بل قرروا عدم جواز عزله في ظروف زمانية ومكانية معينه- -سنوضحها عند الحديث عن “أمارة الغلبة ” – وليس في كل زمان ومكان- وطبقا لكيفية معينه – هي أسلوب التغيير المسلح – وليس طبقا لكل الكيفيات، فرفضهم لا ينصب على أساليب التغيير السلمبه – وبالضرورة لا يتصل بأساليب التغيير السلمبه التي قررتها النصوص كالتقويم و النصح – بشرط الالتزام بالضوابط الشرعية.
الخروج المجمع على تحريمه عند أهل السنه هو أسلوب التغيير المسلح “الخروج بالسيف “: فالكيفية التي اجمع علماء أهل السنه على تحريمها في كل زمان ومكان هي أسلوب التغيير المسلح، ، ويترتب على هذا ان الخروج المجمع على تحريمه عند أهل السنه هو أسلوب التغيير المسلح ” اى الخروج بالسيف” ، واستقراء النصوص الواردة في تحريم أهل السنه الخروج يوضح هذا المعنى – أن المقصود بمصطلح الخروج ” أسلوب التغيير المسلح – حيث تربط هذه النصوص بين مصطلحي “الخروج “و”السيف” يقول الإمام النووي (وأما الخروج عليهم وقتالهم؛ فحرام بإجماع المسلمين – وإن كانوا فسقة ظلمة – وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته، وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق) (شرح مسلم:12/432-433)، ويقول الإمام الأشعري في (رسالة أهل الثغر)(وأجمعوا على السمع والطاعة لأئمة المسلمين، وعلى أن كل مَنْ ولي شيئًا من أمورهم عن رضي أو غلبة، وامتدت طاعته – مِنْ برٍّ وفاجر – لا يلزم الخروج عليه بالسيف جارَ أو عَدَل، وعلى أن يُغْزا معه العدو، ويُحَجَّ معهم البيت، وتُدْفع إليهم الصدقات إذا طلبوها، ويُصَلَّى خلفهم الجُمَع و الأعياد) (ص 297:ط / مكتبة العلوم والحكم)، وينقل الإمام ابن تيمية من مذهب أهل السنة ( أنهم لا يرون الخروج علي الأئمة وقتالهم بالسيف، وان كان فيهم ظلم، لان الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال، فيدفع أعظم الفاسدين بالتزام الادني).
رفض علماء أهل السنه لا ينصب على أساليب التغيير السلمبه: فرفض علماء أهل السنة ينصب على أسلوب التغيير المسلح ، ولا ينصب على أساليب التغيير السلمبه، ومن أدله ذلك : أولا : ما سبق ذكره من أن استقراء النصوص الواردة في تحريم أهل السنة الخروج يدل على أن المقصود بمصطلح الخروج ” أسلوب التغيير المسلح – حيث تربط هذه النصوص بين مصطلحي “الخروج “و”السيف” – بشرط الالتزام بالضوابط الشرعية. ثانيا: استثناء بعض هذه النصوص التغيير السلمي من حكم عدم جواز خلع السلطان الجائر ، يقول الإمام الغزالي في كتابه الاقتصاد في الاعتقاد انه ( يجب خلع السلطان الجائر إن قدر بلا تهيج قتال، وان لم يكن ذلك ممكنا إلا بتحريك قتال وجبت طاعة ،وحكم بامامتة)،فقول الإمام الغزالي (إن قدر بلا تهيج قتال) بشير إلى التغيير السلمي المستثنى من حكم عدم جواز خلع الجائر.
إقرار النصوص لبعض أساليب التغيير السلمي : وقد أشارت العديد من النصوص الى بعض أساليب التغيير السلمي كالنصح والتقويم
اختلاف علماء أهل السنة حول أسلوب التغيير وليس حول شرعيه التغيير : فقد اتفق علماء أهل ألسنه على أن اى سلطه لم تجئ من خلال بيعه صحيحة، باعتبارها عقد اختيار لم يدخله إجبار، وتستبد بالسلطة دون الجماعة، بدلا من أن تكون نائب ووكيل عنها، لها حق تعيينها ومراقبتها وعزلها، فهي غير شرعيه، ويجب تغييرها. لكنهم اختلفوا بعد ذلك حول أسلوب التغيير الى مذهبين:
المذهب الأول: يأخذ بالثورة كأسلوب للتغيير يتصف بالفجائية والكلية- ولا يشترط فيه استخدام العنف – والذي عبر عنه الفقهاء بمصطلح “خلع السلطان الجائر” ، فقد ذكر أبن أبي يعلى في ذيل طبقات الحنابلة عن الإمام أحمد في رواية (من دعا منهم إلى بدعة فلا تجيبوه ولا كرامــة ، وإن قدرتم على خلعه فافعلوا )( طبقات الحنابلة)،ومن علماء الحنابلة الذين ذهبوا إلى القول بخلع الجائر ، ابن رزين ، وابن عقيل ، وابن الجوزي (الإنصاف للمرداوي 10 \ 311).
المذهب الثاني: برفض الثورة كأسلوب للتغيير، لكن في ذات الوقت يأخذ بالإصلاح كأسلوب للتغيير يتصف بالتدرج والجزئية والسلمية، ويأخذ أشكال عده اههما التقويم والنصح ، يقول الإمام ابن تيمية (وأما أهل العلم والدين والفضل؛ فلا يرخّصون لأحدٍ فيما نهى الله عنه:من معصية ولاة الأمور، وغشهم، والخروج عليهم بوجه من الوجوه، كما قد عُرِف من عادات أهل السنة والدين قديمًا وحديثًا، ومن سيرة غيرهم) (مجموع الفتاوى:35/12) .
الضوابط الشرعية :غير أن إقرار أساليب التغيير السلمية مشروط بجمله من الضوابط الشرعية ومنها:
أولا: ألقدره والاستطاعة: فعلماء أهل الستة الذين اجازو خلع الحكم الجائر جعلوا شرطه القدرة فكما سبق ذكره نقل عن الإمام ابن حنبل فى روايه قوله (من دعا منهم إلى بدعة فلا تجيبوه ولا كرامــة ، وإن قدرتم على خلعه فافعلوا )( طبقات الحنابلة).
ثانيا: التوحد وعدم التفرق :ويدل على ذلك جمله من النصوص التي تحث عن الوحدة وتنهى عن التفرق كقوله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)
ثالثا:عدم استخدام العنف أو الاعتداء على الممتلكات ألعامه والفردية: ويدل على ذلك النصوص الواردة في النهى عن العدوان كقوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ).
رابعا: الالتزام بقاعدة “سد الذرائع وفتحها “: أن يغلب على الظن أن المنفعة التي تلزم من خلع الحاكم الجائر أعظم من المفسدة التي تلزم منه استنادا إلى قاعدة “سد الذرائع وفتحها”
أمارة الغلبة: أوضحنا أعلاه أن علماء أهل السنة اتفقوا علي أن البيعة عقد مرضاة واختيار لا يدخله إجبار ، وبالتالي فان البيعة التي يدخلها الإجبار غير شرعية ويجب إزالتها، ولكن ما يرونة هو أن هذه البيعة – غير الشرعية – قد تظل مستمرة في بعض الظروف – دون أن يعني هذا شرعيتها -. من هذه الظروف أن نموذج الدولة السائدة في عصرهم كان محتوما عليها أن تكون مقاتلة غزوا و دفاعا ،بالتالي فان القيادة القوية ضرورية لبقاء الدولة، فإذا ضعفت القيادة أدي ذلك إلى توقف الدولة عن القتال، وبالتالي الفتك بها وتمزقها ، وعلي هذا فانه في حاله عدم وجود القيادة التي تتوافر فيها الشرط الشرعية، ووجود القيادة القوية التي لم تتوافر لها الشرعية، فانه يجب استمرارها بحكم الضرورة – وليس إقرارا بشرعيتها – حتى لا تتمزق الدولة .وهناك أيضا ظروف مماثله لها ، وهى انه في أوقات الخطر الذي يتهدد الامه كلها، يجب تأجيل الدفع الاجتماعي ( خلع الحاكم الظالم) – وليس إلغائه- وتحالف كل قوي الأمة لمواجهة العدو – وليس إلغاء هذه القوي- وبهذا فان علماء اهل السنه بإقرارهم لإمارة الغلبة لم يقرروا قاعدة صالحه لكل زمان ومكان ، وإنما اجتهدوا في حل مسالة طرحها واقعهم الزماني والمكاني، أخذا بقاعدة الضرورة ، ويدل علي هذا قول الامام الغزالي( …. فليت شعري من لا يساعد علي هذا، ويقضي ببطلان الإمامة في عصرنا لفوات شرطها، وهو عاجز عن الاستبدال بالمتصدي لها، بل هو فاقد للمتصف بشرعيتها ،فأي أفضل: القول أن القضاة معزولون وان الولايات باطلة و الانكحة غير منعقدة …… أم القول بالإمامة منعقدة والتصرفات والولايات نافذة بحكم الحال والاضطرار ، ومعلوم أن البعيد مع الأبعد قريب وان الشرين خير بالإضافة، ويجب علي العقل اختياره ) (الاقتصاد فى الاعتقاد ،ص41)، وورد في حاشية الباجوري( … ثالثها استبدال شخص مسلم شوكة فتغلب علي الإمامة ولو غير أهل لها، فتنعقد إمامته وتنفذ أحكامه للضرورة) ، وقال الشربيني ( والطريق الثالث : استيلاء شخص فتغلب علي الإمامة بجامع للشرط المعتبرة في الإمامة علي الملك بقهر وغلبة بعد موت الإمام ، لينتظم شمل المسلمين) (مغني المحتاج، ص66)،ويتضح أن الإقرار هنا هو اخذ بقاعدة الضروره من مصطلحات “بحكم الحال والاضطرار”عند الغزالي و”تنفيذ أحكامه للضرورة” في “حاشية الباجورى” و”لينتظم شمل المسلمين” في “مغنى المحتاج”.
الصلاة خلف البر والفاجر: ومن القواعد التي قررها علماء اهل السنه قاعدة “الصلاة خلف البر والفاجر” ، نقل عن الإمام ابوحنيفه ( والصلاة خلف كل بر وفاجر من المؤمنين جائزة)( ملا علي القاري، شرح الفقه الاكبرص91 )، وفهم البعض من هذه القاعدة ان اهل السنه قالوا بشرعيه إمامة الفاسق وهو غير صحيح ، والمعني المراد هو التميز- وليس الفصل – بين الدولة “الإسلامية” والسلطة التنفيذية”والتي على رأسها الحاكم” وبعض نشاطاتها التي قد تكون غير شرعيه (فالدولة اشمل من السلطة التنفيذية ” الحكومة- النظام السياسي – الحاكم- الإمام …”، فالدولة تشمل الشعب والأرض والسلطة ” التنفيذية والتشريعية والقضائية ” ، فهذه القاعدة لا تبرر النشاطات غير الشرعية للسلطة التنفيذية ،بل ترى أن أزاله هذه الانشطه غير الشرعية- بدون المساس بالدولة ووحدتها- مرهون بشروط ذاتيه و موضوعية معينه ، قد لا تتوفر إلا في زمان ومكان معينين . وانه يجب تقرير شرعيه الانشطه” الشرعية” للسلطة التنفيذية، حتى لو كانت بعض أنشطتها الأخرى “غير شرعيه ” ، او حتى لو كانت هى في ذاتها غير شرعيه ، حفاظا على الدولة ووحدتها يقول الإمام أبو بكر الجصاص ( من الناس من يظن أن مذهب أبى حنيفة إمامة الفاسق وخلافته …. وإنما جاء غلط في ذلك ، إن لم يكن تعمد الكذب من جهة قولة وقول سائر من يعرف قولة من العراقيين، أن القاضي إذا كان عدلا في نفسه فولي القضاء من قبل إمام جائر، فأن إحكامه نافذة وقضاتة صحيحة ، وان مذهبة تجويز إمامة الفاسق)( أحكام القران).
===============
ينية، دراسات اسلامية
نحو فهم صحيح لمذهب الإمام ابن تيميه
نحو فهم صحيح لمذهب الإمام ابن تيميه
د. صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم
تمهيد: هذه الدراسة هي محاوله لتقديم فهم صحيح لمذهب الإمام ابن تيميه ، من خلال بيان موقفه الحقيقي من بعض المجالات المعرفية (كعلم الكلام والفلسفة)،وبعض التيارات الفكرية (كالتصوف) وبعض الفرق والمذاهب (كالشيعة)، ،وبعض الأحكام (كحكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف) ، وبعض القضايا (كقضية دلالات مصطلح ” اهل ألسنه ” بين التضييق المذهبي والشمول الشرعي ، وقضيه الضبط الشرعي لمفهومي التكفير والقتال)،وذلك استنادا إلى قراءه شامله لتراثه الفكري. وهذا ما يعنى – ضمنا – بيان بطلان الفهم الخاطئ لمذهب الإمام ابن تيميه ، والذي ينطلق من موقف مفترض “غير حقيقي ” للإمام ابن تيميه ، من هذه المجالات المعرفية والتيارات الفكرية والمذاهب والقضايا، يستند إلى قراءه جزئيه لتراثه الفكري.
أولا: موقف الإمام ابن تيميه من بعض المجالات المعرفية(علم الكلام والفلسفة): هناك من يفترض أن موقف الإمام ابن تيميه من بعض المجالات المعرفية (كعلم الكلام والفلسفة) هو موقف الرفض المطلق ، القائم على تحريم تدريس هذه المجالات المعرفية وتكفير المشتغلين بها ، استنادا إلى قراءه جزئيه لتراثه الفكري. إلا أن القراءة الشاملة لتراثه الفكري تبين أن موقفه الحقيقي يتجاوز كل من موقفي الرفض والقبول المطلقين ، إلى موقف نقدي قائم على أخذ وقبول ما وافق الكتاب والسنة ، ورد و رفض ما خالفهما.
التمييز بين النقد والنقض: وهنا يجب التمييز بين النقد والنقض ، فالنقد لغة :تمييز الصحيح من الزائف والجيد من الرديء ، ورد في (معجم متن اللغة) : النقد ( تمحيص الدنانير الصحيحة من الزائفة، و نقد الشعر والكلام: نظر فيه ، وميز الجيد من الرديء، فهو ناقد وجمعه نقاد ونقدة، ونقد الكلام ابان ما فيه واخرج زيفه) ، أما في الاصطلاح المعرفي فان النقد هو موقف معرفي قائم على أخذ وقبول ما هو صواب في الراى، ورد ورفض ما هو خطأ فيه، وفى الاصطلاح الشرعي اخذ ما وافق الشرع ورد ما خالفه ، وقد دعي الإسلام إلى الالتزام بالموقف النقدي ، بعد تقييده بمعايير موضوعيه مطلقه ، هي النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة، قال تعالى: ( الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه).وقال الرسول (صلى الله عليه وسلم) (لا يكن أحدكم إمعة، يقول أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسئت، بل وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم)، أما النقض فهو ما يقابل الرفض المطلق.
ا/ الموقف الحقيقي للإمام ابن تيميه من علم الكلام:
اولا:تقريره جواز الإشغال بعلم الكلام لإحقاق الحق وإبطال الباطل: وفى مجال علم الكلام يتمثل موقف الإمام ابن تيميه النقدي منه فى تقريره (جواز الإشغال بعلم الكلام لإحقاق الحق وإبطال الباطل، وإذا لم يقصد به الاستدلال بالأدلة الفاسدة أو تبني المقررات الباطلة) حيث يقول ( فَالسَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ لَمْ يَكْرَهُوا الْكَلَامَ لِمُجَرَّدِ مَا فِيهِ مِنْ الِاصْطِلَاحَاتِ الْمُوَلَّدَةِ ، كَلَفْظِ الْجَوْهَرِ وَالْعَرَضِ وَالْجِسْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ؛ بَلْ لِأَنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي يُعَبِّرُونَ عَنْهَا بِهَذِهِ الْعِبَارَاتِ فِيهَا مِنْ الْبَاطِلِ الْمَذْمُومِ فِي الْأَدِلَّةِ وَالْأَحْكَامِ مَا يَجِبُ النَّهْيُ عَنْهُ ، لِاشْتِمَالِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَعَانِي مُجْمَلَةٍ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي وَصْفِهِ لِأَهْلِ الْبِدَعِ ، فَقَالَ : هُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي الْكِتَابِ ، مُخَالِفُونَ لِلْكِتَابِ ، مُتَّفِقُونَ عَلَى مُخَالَفَةِ الْكِتَابِ ، يَتَكَلَّمُونَ بِالْمُتَشَابِهِ مِنْ الْكَلَامِ ، وَيُلَبِّسُونَ عَلَى جُهَّالِ النَّاسِ بِمَا يَتَكَلَّمُونَ بِهِ مِنْ الْمُتَشَابِهِ . إذَا عُرِفَتْ الْمَعَانِي الَّتِي يَقْصِدُونَهَا بِأَمْثَالِ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ ، وَوُزِنَتْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، بِحَيْثُ يَثْبُتُ الْحَقُّ الَّذِي أَثْبَتَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، وَيُنْفَى الْبَاطِلُ الَّذِي نَفَاهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْحَقَّ ) (مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية ، المجلد الثالث (العقيدة)، الخوض فيما تكلم الناس فيه من مسائل في أصول الدين).
ثانيا: تناوله للمسائل الكلامية : وبناء على هذا الموقف النقدي من علم الكلام تناول ابن تيميه كثير من المسائل الكلامية (مثل العلاقة بين الوجود والموجود، والقدر بر والاختيار، والقدم بالنوع …) كما في الجزء الثالث من مجموعة فتاواه.
ب/ الموقف الحقيقي للإمام ابن تيميه من الفلسفة:
وفى مجال الفلسفة يتمثل تجاوز الإمام ابن تيميه لموقفي الرفض والقبول المطلقين للفلسفة والى موقف نقدي منها في:
أولا: رفضه فرضية أن للفلسفة موقف موحد من القضايا: يرفض الإمام ابن تيميه فرضية أن الفلسفة تأخذ موقفاً موحداً من جميع القضايا ، و ما يترتب عليها من أن هذا الموقف مناقض لموقف الدين منها ( كما يرى انصار مذهب الرفض المطلق للفلسفة) حيث يقول في معرض رده على من قال أن الفلاسفة جميعاً قالوا بقدم العالم(…أما نفي الفلسفة مطلقاً أو إثباتها فلا يمكن ، إذ ليس للفلاسفة معين ينصرونه، ولا قول يتفقون عليه في الإلهيات والمعاد والنبوات، ولا في الطبيعيات والرياضيات) ( ابن تيمية، منهاج السنة، ص253.)
ثانيا: تقسيمه الفلسفة: كما لا يأخذ الإمام ابن تيميه موقفا موحدا من الفلسفة (المقصود هنا الفلسفة اليونانية) سواء بالرفض أو القبول بل يقسمها إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: الإلهيات (الميتافيزيقا): وهو يرفض هذا القسم، وأغلب رفضه للفلسفة ينصب على هذا القسم منها.
القسم الثاني: الطبيعيات: ويرى جواز الأخذ بهذا القسم مع عدم ربطه بالإلهيات(الميتافيزيقا) اليونانية، ويعتبر ان هذه القسم (غالبه كلام جيد، وهو كلام كثير واسع، ولهم عقول عرفوا بها، وهم يقصدون به الحق لا يظهر عليهم فيه العناد، ولكنهم جهال بالعلم الإلهي).
القسم الثالث: الرياضيات: ويرى وجوب الأخذ به وبتعبيره (ضرورية لعلوم الفرائض وقسمة التركة وغيرها )(ابن تيمية، الرد على المنطقيين، طبعة بيروت دار المعرفة).
ثالثا: تمييزه بين أقوال الفلاسفة الإسلاميين طبقا لمعيار موافقة او مخالفه الكتاب والسنة : كما ميز ابن تيميه بين أقوال الفلاسفة الإسلاميين طبقا لمعيار موافقة او مخالفه الكتاب والسنة ، حيث يقول (أنه كان في كل من هؤلاء من الإلحاد التحريف بحسب ما خالف به الكتاب والسنة، ولهم من الصواب والحكمة ما وافقوا فيه ذلك) ( ابن تيمية، منهاج السنة، ص252).
ثانيا: موقف الإمام ابن تيميه من بعض التيارات الفكرية:
الموقف الحقيقي للإمام ابن تيميه من التصوف: كما ان هناك من يفترض أن موقف الإمام ابن تيميه من التصوف هو الرفض المطلق القائم على تكفير وتبديع الصوفية دون تمييز بين أصنافهم ، استنادا إلى قراءه جزئيه لتراثه الفكري . إلا ان القراءة الشاملة لتراثه الفكري تبين أن موقفه الحقيقي هو ذات موقفه من المجالات المعرفية المذكورة أعلاه (علم الكلام والفلسفة )،اى الموقف النقدي الذي يتجاوز موقفي الرفض والقبول المطلقين . ويتمثل هذا الموقف النقدي في تمييزه بين أصناف الصوفية
رفض موقفي الرفض والقبول المطلقين(تبديع الصوفية والغلو فيهم): يرفض الإمام ابن تيميه موقفي الرفض والقبول المطلقين للتصوف والذي عبر عنهما بمصطلحي” تبديع الصوفية “و “الغلو فيهم ” ، حيث يقول (فَطَائِفَةٌ ذَمَّتْ ” الصُّوفِيَّةَ وَالتَّصَوُّفَ ” . وَقَالُوا : إنَّهُمْ مُبْتَدِعُونَ خَارِجُونَ عَنْ السُّنَّةِ وَنُقِلَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ فِي ذَلِكَ مِنْ الْكَلَامِ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ وَتَبِعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْكَلَامِ . وَطَائِفَةٌ غَلَتْ فِيهِمْ وَادَّعَوْا أَنَّهُمْ أَفْضَلُ الْخَلْقِ وَأَكْمَلُهُمْ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ . وَكِلَا طَرَفَيْ هَذِهِ الْأُمُورِ ذَمِيمٌ ).
الموقف النقدي:
الصوفية فيهم السابق والمقتصد والظالم لنفسه: ومن مظاهر الموقف النقدي من التصوف عند الإمام ابن تيميه تقريره أن الصوفية مجتهدون فى طاعة الله وفيهم السابق والمقتصد والظالم لنفسه ،حيث يقول ( وَ ” الصَّوَابُ ” أَنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ كَمَا اجْتَهَدَ غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ طَاعَةِ اللَّهِ فَفِيهِمْ السَّابِقُ الْمُقَرَّبُ بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِ وَفِيهِمْ الْمُقْتَصِدُ الَّذِي هُوَ مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ وَفِي كُلٍّ مِنْ الصِّنْفَيْنِ مَنْ قَدْ يَجْتَهِدُ فَيُخْطِئُ وَفِيهِمْ مَنْ يُذْنِبُ فَيَتُوبُ أَوْ لَا يَتُوبُ . وَمِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَيْهِمْ مَنْ هُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ عَاصٍ لِرَبِّهِ . وَقَدْ انْتَسَبَ إلَيْهِمْ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالزَّنْدَقَةِ ؛ وَلَكِنْ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ التَّصَوُّفِ لَيْسُوا مِنْهُمْ : كَالْحَلَّاجِ مَثَلًا ).
التمييز بين صوفيه الحقائق والأرزاق والرسم: ومن مظاهر الموقف النقدي من التصوف عند الإمام ابن تيميه تمييزه بين صوفيه الحقائق والأرزاق والرسم (ثُمَّ إنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ تَشَعَّبَ وَتَنَوَّعَ وَصَارَتْ الصُّوفِيَّةُ ” ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ ” صُوفِيَّةُ الْحَقَائِقِ وَصُوفِيَّةُ الْأَرْزَاقِ وَصُوفِيَّةُ الرَّسْمِ . فَأَمَّا ” صُوفِيَّةُ الْحَقَائِقِ ” : فَهُمْ الَّذِينَ وَصَفْنَاهُمْ . وَأَمَّا ” صُوفِيَّةُ الْأَرْزَاقِ ” فَهُمْ الَّذِينَ وُقِفَتْ عَلَيْهِمْ الْوُقُوفُ . كالخوانك فَلَا يُشْتَرَطُ فِي هَؤُلَاءِ أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْحَقَائِقِ… وَأَمَّا ” صُوفِيَّةُ الرَّسْمِ ” فَهُمْ الْمُقْتَصِرُونَ عَلَى النِّسْبَةِ فَهَمُّهُمْ فِي اللِّبَاسِ وَالْآدَابِ الْوَضْعِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَؤُلَاءِ فِي الصُّوفِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يَقْتَصِرُ عَلَى زِيِّ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَهْلِ الْجِهَادِ وَنَوْعٌ مَا مِنْ أَقْوَالِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ بِحَيْثُ يَظُنُّ الْجَاهِلُ حَقِيقَةَ أَمْرِهِ أَنَّهُ مِنْهُمْ وَلَيْسَ مِنْهُمْ )( ابن تيمية ، رسالة الصوفية و الفقراء )
ثالثا:موقف الإمام ابن تيميه من بعض الفرق والمذاهب:
الموقف الحقيقي للإمام ابن تيميه من الحكم على الشيعة: كما ان هناك من يفترض أن موقف الإمام ابن تيميه من الشيعة هو مذهب اجمالى ، قائم على إطلاق حكم واحد عليهم هو التكفير ، دون تمييز بين فرقها ، و بين أفكارها والأشخاص المنتمين إليها استنادا إلى قراءه جزئيه لتراثه الفكري. إلا ان القراءة الشاملة لتراثه الفكري تبين أن موقفه الحقيقي قائم على تبنى مذهب تفصيلي ، يميز بين الفرق الشيعية المتعددة ، كما يميز بين الأفكار الشيعية والأشخاص المنتمين إلى المذهب أو المذاهب الشيعية، وهو لا يحكم على الشيعة بالخروج الكلى عن الإسلام ، وان حكم عليهم بالضلال والابتداع ، وفيما يلي نشير لمذهب ابن تيميه في الحكم على الشيعة بالتفصيل :
وصف الشيعة بأنها فرقه ضالة ومبتدعه : يصف الإمام ابن تيميه الشيعة بأنها فرقه ضالة ومبتدعه (منهاج السنة 1/160) ، وهذا الوصف” اى الضلال” هو محل إجماع بين علماء أهل السنة بفرقهم المتعددة ، كما يصف الإمام ابن تيميه الشيعة بقلة العلم والعقل , والتناقض والاضطراب , والعداء للمسلمين , والتعاون مع الأعداء ضد المسلمين نسبه لتعاون بعض الشيعة مع التتار فى عهده) مجموع الفتاوى :3/356) ، ومنهاج السنة النبوية: 7/220 .
الشيعة مع ضلالهم لم يخرجوا عن الإسلام بالكلية: غير ان الإمام ابن تيميه مع وصفه للشيعة بالضلال، إلا انه لم يخرجهم عن دائرة الإسلام بالكلية ويدل على هذا:
ا/ تقريره أن دخول الكافر في الإسلام على مذهب الرافضة خير له من بقائه على كفره:حيث يقول( وقد ذهب كثير من مبتدعة المسلمين من الرافضة والجهمية وغيرهم إلى بلاد الكفار فأسلم على يديه خلق كثير , وانتفعوا بذلك , وصاروا مسلمين مبتدعين , وهو خير من أن يكونوا كفارا ) (مجموع الفتاوى : 13/96).
ب/ تقريره أن الرافضة فيهم خلق مسلمون ظاهرا وباطنا : حيث يقول عند ذكر قول الرافضة في عصمة الأئمة( فهذه خاصة الرافضة الأمامية، التي لم يشركهم فيها أحد، لا الزيدية الشيعة , ولا سائر طوائف المسلمين , إلا من هو شر منهم كالإسماعيلية الذين يقولون بعصمة بني عبيد , المنتسبين إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر , القائلين : بأن الإمامة بعد جعفر في محمد بن إسماعيل دون موسى بن جعفر , وأولئك ملاحدة منافقون . والإمامية الاثنا عشرية خير منهم بكثير , فإن الإمامية مع فرط جهلهم وضلالهم فيهم خلق مسلمون باطنا وظاهرا , ليسوا زنادقة منافقين , لكنهم جهلوا وضلوا واتبعوا أهواءهم ..) (منهاج السنة : 2/452 ).
ج/ العذر بالجهل وعدم تكفيره لعوام الشيعة: وقد طبق الإمام ابن تيميه قاعد هي العذر بالجهل اى عدم تكفير من جهل أن قوله هو كفر، وبناء عليها فقد قرر ان عوام الشيعة الذين لم يعرفوا أمرهم قد يكونوا مسلمين حيث يقول (.. وأما أولئك فأئمتهم الكبار العارفون بحقيقة دعوتهم الباطنية زنادقة منافقون , وأما عوامهم الذين لم يعرفوا أمرهم فقد يكونون مسلمين , (منهاج السنة : 2/452 ).
د/ قوله بقاعدة التكفير على العموم أما المعين فيتوقف تكفيره على استيفاء الشروط وانتفاء الموانع: كما طبق الإمام ابن تيميه قاعدة ” التكفير على العموم أما المعين فيتوقف تكفيره على استيفاء الشروط وانتفاء الموانع” في الحكم على الشيعة ،والتي تعنى جواز القول بان القول المعين هو كفر، أما الشخص المعين فلا يجوز القول بكفره إلا بعد استيفائه شروط التكفير وانتفاء موانعه عنه. حيث يقول فى مجوع الفتاوى ( وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ الَّتِي يَقُولُونَهَا الَّتِي يُعْلَمُ أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لَمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ كُفْرٌ وَكَذَلِكَ أَفْعَالُهُمْ الَّتِي هِيَ مِنْ جِنْسِ أَفْعَالِ الْكُفَّارِ بِالْمُسْلِمِينَ هِيَ كُفْرٌ أَيْضًا . وَقَدْ ذَكَرْت دَلَائِلَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ؛ لَكِنْ تَكْفِيرُ الْوَاحِدِ الْمُعَيَّنِ مِنْهُمْ وَالْحُكْمُ بِتَخْلِيدِهِ فِي النَّارِ مَوْقُوفٌ عَلَى ثُبُوتِ شُرُوطِ التَّكْفِيرِ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ . فَإِنَّا نُطْلِقُ الْقَوْلَ بِنُصُوصِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالتَّكْفِيرِ وَالتَّفْسِيقِ وَلَا نَحْكُمُ لِلْمُعَيَّنِ بِدُخُولِهِ فِي ذَلِكَ الْعَامِّ حَتَّى يَقُومَ فِيهِ الْمُقْتَضَى الَّذِي لَا مَعَارِضَ لَهُ . وَقَدْ بَسَطْت هَذِهِ الْقَاعِدَةَ فِي ” قَاعِدَةِ التَّكْفِيرِ)
ه/ إنكاره القول بتفضيل اليهود النصارى على الشيعة : حيث يقول فى الرد على من يفضل اليهود والنصارى على الرافضة ( كل من كان مؤمنا بما جاء به محمد فهو خير من كل من كفر به , وإن كان في المؤمن بذلك نوع من البدعة , سواء كانت بدعة الخوارج والشيعة والمرجئة والقدرية أو غيرهم) (مجموع الفتاوى :35/201 ).
و/ قوله صحة الصلاة خلف الإمام الرافضي: حيث يقول( والفاسق والمبتدع صلاته في نفسه صحيحة , فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته , لكن إنما كره من كره الصلاة خلفه لأن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واجب , ومن ذلك أن من أظهر بدعة أو فجورا لا يرتب إماما للمسلمين , فانه يستحق التعزير حتى يتوب , فإذا أمكن هجره حتى يتوب كان حسنا , وإذا كان بعض الناس إذا ترك الصلاة خلفه وصلى خلف غيره آثر ذلك حتى يتوب , أو يعزل , أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه , فمثل هذا إذا ترك الصلاة خلفه كان فيه مصلحة , ولم يفت المأموم جمعة ولا جماعة , وأما إذا كان ترك الصلاة يفوت المأموم الجمعة والجماعة فهنا لا يترك الصلاة خلفهم إلا مبتدع مخالف للصحابة رضي الله عنهم. وكذلك إذا كان الأمام قد رتبه ولاة الأمور , ولم يكن في ترك الصلاة خلفه مصلحة , فهنا ليس عليه ترك الصلاة خلفه , بل الصلاة خلف الإمام الأفضل أفضل , وهذا كله يكون فيمن ظهر منه فسق أو بدعة تظهر مخالفتها للكتاب والسنة ,كبدعة الرافضة والجهمية( مجموع الفتاوى : 23/354 ).,
تقرير أن علماء أهل السنة لم يجمعوا على تكفير الشيعة : كما ينفى الإمام ابن تيميه إجماع علماء أهل السنة على تكفير الشيعة،من خلال تقريره أن للعلماء قولان فى تكفيرهم حيث يقول في مجموع الفتاوى (وَأَمَّا تَكْفِيرُهُمْ وَتَخْلِيدُهُمْ : فَفِيهِ أَيْضًا لِلْعُلَمَاءِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ : وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد . وَالْقَوْلَانِ فِي الْخَوَارِجِ وَالْمَارِقِينَ مِنْ الحرورية وَالرَّافِضَةِ وَنَحْوِهِمْ …)
التمييز بين الفرق الشيعية : وقد ميز الإمام ابن تيميه بين الفرق ” المذاهب” الشيعية المتعددة ،ونتيجة لذلك لم يضع حكم واحد على هذه الفرق، بل وضع أحكام متعددة ،وهذا الموقف يتفق معه فيه كثير من علماء أهل ألسنه الذين قرروا : إن الشيعة على ثلاثة أقسام : قسم كافر بالإجماع كغلاة الشيعة , وقسم غير كافر بالإجماع كالشيعة المفضلة , وقسم وقع فيه خلاف بين العلماء كالرافضة .حيث ذكر الإمام ابن تيمية الشيعة المفضلة عند ذكر الفرق التي أجمع الأئمة على عدم كفرهم (مجموع الفتاوى : 3/351 ). كما ذكر ان غلاة الشيعة بفرقهم المتعددة كفار بالإجماع) منهاج السنة : 3/452 و 5/337) , وذكر أن العلماء لهم في الرافضة قولان , هما روايتان عن الإمام أحمد) مجموع الفتاوى :3/56 والصارم المسلول :567ـ571).
القتال مشروط وليس مطلق : أما تقرير الإمام ابن تيميه وجوب قتال الشيعة فهو مقيد بمن تنطبق عليه شروط القتال من الشيعة، ممن خرج على الحاكم الشرعي، أو أعان الأعداء على المسلمين… فهو من باب مقاتله الفئه الباغية وليس من باب جهاد الكفار المحاربين.
رابعا: موقف الإمام ابن تيميه من بعض الأحكام:
الموقف الحقيقي للإمام ابن تيميه من حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف: كما ان هناك من يفترض أن موقف الإمام ابن تيميه من حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف هو القول بالمنع باعتباره بدعه ، دون تمييز بين هذا الحكم(المنع) والحكم على مخالفه (والذي يتوقف على علم المخالف أو عدم علمه بهذا الحكم ، ومقصده ونيته )- ويرتب البعض على هذا الموقف المفترض للإمام ابن تيميه تكفير المخالف واباحه دمه- وذلك استنادا إلى قراءه جزئيه لتراثه الفكري . إلا أن القراء الكلية لتراثه الفكري تبين أن موقفه الحقيقي من حكم الاحتفال بالمولد النبوي هو القول بالمنع باعتباره بدعه مع تمييزه بين الحكم (المنع )، والحكم على المخالف(والذي يتوقف على علم او عدم علم المخالف بهذا الحكم “وهنا يستند إلى قاعدة العذر بالجهل” ، ويتوقف أيضا عل مقصد المخالف ونيته ” وهنا يرى انه قد يثاب بعض الناس على فعل المولد لحسن نيتهم وقصدهم”،ويترتب على هذا ان موقف الإمام ابن تيميه الحقيقي لا يترتب عليه تكفيرالمخالف أو أباحه دمه.وفيما يلى تفصيل موقفه:
أولا: الحكم : فعلى مستوى الحكم يقول ابن تيميه بالمنع باعتبار بدعية الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم (دون تمييز بين الكيفيات المتعددة للاحتفال بالمولد النبوى الشريف)، حيث يقول (ما يحدثه بعض الناس من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدًا إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا بدعة لأنّ هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضى له، وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيرًا محضًا، أو راجحًا، لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منّا فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم له منا وهم على الخير أحرص) [ اقتضاء الصراط المستقيم: ص (254-295).]. ويقول أيضا ( وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار، فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها. )( مجموع الفتاوى 25/298).
ثانيا: الحكم على مخالف الحكم : أما على مستوى الحكم على مخالف هذا الحكم يميز الإمام ابن تيميه بين هذا الحكم ، والحكم على مخالف هذا الحكم ، حيث يتوقف الأخير على شرطين هما:
أولا: حيث علم المخالف بالحكم او عدم علمه: وهنا يقرر الإمام ابن تيميه قاعدة العذر بالجهل ، حيث يقول ( فمن كان قد آمن بالله ورسوله ولم يعلم بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يؤمن به تفصيلاً إما لأنه لم يسمعه أو سمعه من طريق لا يجب التصديق بها، أو اعتقد معنىً آخر لنوع من التأويل الذي يعذر به، فهذا قد جعل فيه من الإيمان بالله ورسوله ما يوجب أن يثيبه الله عليه، وما لم يؤمن به فلم تقم عليه به الحجة التي يكفر مخالفها)( مجموع الفتاوى 12/494 ). ثانيا: مقصد المخالف ونيته : وهنا يرى الإمام انه قد يثاب بعض الناس على فعل المولد لحسن نيتهم وقصدهم، حيث يقول (قَدْ يُثاب بعض الناس على فعل المولد، وكذلك مَا يُحْدِثُهُ بَعضُ النَّاس إمَّا مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام وإما مَحبَّةً للنبي صلّى الله عليه وسلّم وتعظيمًا له، والله قد يُثيبهم على هذه المحبَّة والاجتهاد، لاَ عَلَى البِدَعِ… واعلم أنَّ منَ الأعمَال مَا يَكونُ فيه خيرٌ لاشتماله على أنواعٍ من المََشرُوعِ، وفيه أيضاً شرٌّ من بدعة وَغيرها فَيكون ذلك العملُ شراً بالنسبة إلى الإعراض عن الدين بالكُليَّةِ كَحَالِ المنافقين والفاسقين… فتَعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعضُ الناس وَيكون له فيه أجرٌ عظيمٌ لحسنِ قَصدهِ وَتَعْظِيمِهِ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليه وسلّم كما قدمته لك أنه يحسن من بعض الناس ما يستقبح من المؤمن المسدد، ولهذا قيل للإمام أحمد عن بعض الأمراء إنه أَنفقَ على مصحف ألف دينار ونحو ذلك فقال: دعه فهذا أفضل ما أنفق فيه الذهب، أو كما قال، مع أنَّ مذهبَه أنَّ زَخرفةَ المصاحف مكروهةٌ، وَقد تأوَّلَ بعضُ الأصحاب أنَّه أنفقها في تجديد الورق والخط، وليس مقصود الإمام أحمد هذا وإنما قصده أنَّ هذا العمل فيه مصلحة وفيه أيضاً مَفسدَةٌ كُرهَ لأجلها) ( اقتضاء الصراط المستقيم / ص 297 ) . وبناء على ما سبق فان موقف الإمام ابن تيميه لا يترتب عليه تكفير المخالف او اباحه دمه، استنادا إلى تقريره قاعدة العذر بالجهل ، نقل الذهبي في الموقظة عن ابن تيمية: (كنت أقول للجهمية ، من الحلولية والنفاه الذين نفوا أن الله فوق العرش لما وقعت محنتهم، أنا لو وافقتكم كنت كافراً ، لأني أعلم أن قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال”، وكان هذا خطاباً لعلمائهم وقضاتهم وشيوخهم وأمرائهم).
خامسا: موقف الإمام ابن تيميه من بعض القضايا:
ا/ قضيه دلالات مصطلح ” اهل ألسنه ” بين التضييق المذهبي والشمول الشرعي: : كما أن هناك من يفترض أن موقف الإمام ابن تيميه من قضيه دلالات مصطلح “اهل السنة ” ،هو الأخذ بمذهب التضييق المذهبي للمصطلح ، بالقول بان المصطلح مقصور على مذهب معين “هو المذهب الحنبلي” ،استنادا إلى قراءه جزئيه لترثه الفكري . غير أن القراءة الشاملة لتراثه الفكري تبين ان موقفه الحقيقي قائم على الأخذ بمذهب الشمول الشرعي ، لمصطلح أهل السنة على المستويين الفقهي والاعتقادى، والقائم على إن المصطلح غير مقصور على مذهب معين، بل يمتد ويشمل العديد من المذاهب الفقهية والاعتقاديه ، ما دامت ملتزمة بالضوابط الشر عبه للمصطلح.
تفصيل مذهب الشمول الشرعي عند الإمام ابن تيميه : فقد أورد الإمام ابن تيميه تعريفا عاما لمصطلح أهل السنة،يمكن ان ينطبق على العديد من المذاهب حيث يقول فى تعريف أهل السنه (هم المتمسكون بكتاب الله وسنة رسول الله وما اتفق عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان)(جموع الفتاوى (3/375)، ويقول(فمن قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والجماعة)( مجموع الفتاوى (3/346). كما يورد دلالتين للمصطلح ،الأولى هي الدلالة العامة له ويمكن ان يندرج تحتها المذاهب الفقهية : الحنبلي والشافعي والمالكي…والمذاهب ألاعتقاديه الكلامية: الاشعرى والماتريدي والطحاوي وأهل الظاهر ، حيث يقول ابن تيمية ( فلفظ السنة يراد به من أثبت الخلفاء الثلاثة ، فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلاّ الرافضة )(منهاج السنة/ 2/ ص 221)، أما الدلالة الثانية فهي الدلالة الخاصة لمصطلح أهل السنة كما فى قوله ( وقد يراد به أهل الحديث والسنة المحضة ، فلا يدخل فيه إلا من أثبت الصفات لله تعالى، ويقول : إن القرآن غير مخلوق، وإن الله يرى في الآخرة ، ويثبت القدر وغير ذلك من الأصول المعروفة عند أهل الحديث والسنة). اتساقا مع ما سبق فان الإمام ابن تيميه يعتبر أن المذهب الاشعرى هو احد مذاهب أهل السنه ،طبقا لمعيار نسبى مضمونه أن الاشاعره هم أهل السنه في البلاد التي يكون فيها أهل البدع هم المعتزلة والرافضة حيث يقول (… فإنهم أقرب طوائف أهل الكلام إلى السنة والجماعة والحديث، وهو يعدون من أهل السنة والجماعة عند النظر إلى مثل المعتزلة والرافضة وغيرهم، بل هم أهل السنة والجماعة في البلاد التي يكون أهل البدع فيها هم المعتزلة والرافضة ونحوهم )(نقض تأسيس المطبوع/2/87). .).ويذكر عن الاشاعره أنهم من المتكلمين (المنتسبين إلى السنة )( الجواب الصحيح /1/252)
ب/ الموقف الحقيقي للإمام ابن تيميه من قضيه الضبط الشرعي لمفهومي التكفير والقتال : وأخيرا فان هناك من يفترض أن موقف الإمام ابن تيميه من قضيه الضبط الشرعي لمفهومي التكفير والقتال، يقوم على عدم الالتزام بالضوابط الشرعية للتكفير والقتال، استنادا إلى قراءه جزئيه لتراثه الفكري- ومثال لمن يستند إلى هذا الموقف المفترض ” غير الحقيقي” التنظيمات التي تستند إلى مذهب الغلو في التكفير واستحلال الدماء المحرمة- والذي يخالف مذهب اهل السنة وترجع جذوره إلى مذهب الخوارج البدعى ، وادعائها أنها تنتسب إلى التراث الفكري للإمام أين تيميه – غير أن القراءة الشاملة للتراث الفكري للإمام ابن تيميه تبين ان موقفه الحقيقي من قضيه الضبط الشرعي لمفهومي التكفير و القتال ، قائم على الالتزام بالضوابط الشرعية لمفهومي التكفير والقتال، والتي أقرتها النصوص ، وأكد عليها علماء اهل لسنه بفرقهم المتعددة
أولا: الضوابط الشرعية لمفهوم التكفير عند الإمام ابن تيميه :
أولا: التكفير على العموم أما المعين فيتوقف تكفيره على استيفاء الشروط وانتفاء الموانع: ومن ضوابط التكفير التي قررها علماء أهل السنة القول بجواز التكفير على العموم، بمعنى جواز القول بان المذهب المعين أو القول المعين هو كفر، أما الشخص المعين فلا يجوز القول بكفره إلا بعد استيفائه شروط التكفير وانتفاء موانعه عنه، والدليل على ذلك أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لعن شارب الخمر على العموم، ولما جلد رجلاً شرب الخمر قام رجل فلعنه فقال (صلى الله عليه وسلم) (لا تلعنوه فو الله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله) (رواه البخاري)، فوجد الرسول(صلى الله عليه وسلم) مانع من اللعن العام وهو محبته لله والرسول .وقد اقر الإمام ابن تيمية بهذا الضابط الشرعى كما فى قوله( إن التكفير العام يجب القول بإطلاقه وعمومه، وأما الحكم على المعين بأنه كافراً أو مشهود له بالنار، فهذا يقف على الدليل المعين، فإن الحكم يقف على ثبوت شروطه وانتفاء موانعه) (ابن تيمية، الفتاوى، الفتاوى ،مجلد 12، ص22.)
ثانيا:العذر بالجهل : ومن ضوابط التكفير التي قررها علماء أهل السنة عدم تكفير من جهل ان قوله هو كفر، ودليل ذلك في السنة قوله (صلى الله عليه وسلم) (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون). وقد اقر الامام ابن تيميه بهذا الضابط الشرعي، حيث ينقل الذهبي في الموقظة عن ابن تيمية (كنت أقول للجهمية من الحلولية والنفاه، الذين نفوا أن الله فوق العرش لما وقعت محنتهم ، أنا لو وافقتكم كنت كافراً لأني أعلم أن قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال” وكان هذا خطاباً لعلمائهم وقضاتهم وشيوخهم وأمرائهم).
ثالث: لازم المذهب ليس بلازم: ومن ضوابط التكفير التي قررها علماء أهل السنة ان الكفر الذي يلزم منطقيا من مذهب معين لا يوجب التكفير إلا في حاله التزام أصحاب هذا المذهب بهذا اللازم ، وقد اقر الإمام ابن تيميه بهذا الضابط الشرعي كما في قوله (فلازم المذهب ليس بمذهب ، إلا أن يلتزمه صاحب المذهب ،فخلق كثير من الناس ينفون ألفاظاً أو يثبتونها ، بل ينفون معاني أو يثبتونها ، ويكون ذلك مستلزماً لأمور هي كفر ، وهم لا يعلمون بالملازمة) ( مجموع الفتاوى : 5/306) ، وقوله في موضع آخر : (… ولو كان لازم المذهب مذهباً للزم تكفير كل من قال عن الاستواء وغيره من الصفات أنه مجاز ليس بحقيقة؛ فإن لازم هذا القول يقتضي أن لا يكون شيء من أسمائه وصفاته حقيقة) (مجموع الفتاوى: 20/217).
ثانيا:الضوابط الشرعية لمفهوم القتال عند الإمام ابن تيميه:
إجماع علماء اهل السنة على تحريم الخروج على الحاكم ” التغيير السياسي باستخدام القوه المسلحة “: اجمع علماء اهل السنة على تحريم الخروج على الحاكم ، والمقصود ب(الخروج ) محاوله تغيير الحاكم باستخدام القوه المسلحة ، يقول الإمام النووي (وأما الخروج عليهم وقتالهم؛ فحرام بإجماع المسلمين – وإن كانوا فسقة ظلمة – وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته…) (شرح مسلم:12/432-433) . ، ولم يخرج الإمام ابن تيميه عن هذا الإجماع، حيث يقول (وأما أهل العلم والدين والفضل؛ فلا يرخّصون لأحدٍ فيما نهى الله عنه:من معصية ولاة الأمور، وغشهم، والخروج عليهم بوجه من الوجوه، كما قد عُرِف من عادات أهل السنة والدين قديمًا وحديثًا، ومن سيرة غيرهم) (مجموع الفتاوى:35/12) .
تحريم قتل المدنيين : ومن الضوابط الشرعية للقتال التحريم القطعي لقتل المدنيين، لورود الكثير من النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة القطعية ، في النهى عن قتل المدنيين كالنساء والولدان و الشيوخ و الأجراء و الرهبان منها ما روى عن أنس بن مالك ( رضي الله عنه ): أن الرسول صلى الله عليه و سلم كان إذا بعث جيشاً قال : ( انطلقوا باسم الله لا تقتلوا شيخاً فانياً و لا طفلاً صغيراً ولا امرأة ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين)( رواه أبو داود في السنن )، وقد اقر الامام ابن تيميه لبهذا الضابط الشرعي ،حيث يقول في معرض بيانه مخالفته الرأي القائل بقتال الجميع لمجرد الكفر(..وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد ، ومقصودة أن يكون الدين كله لله ،وأن تكون كلمة الله هي العليا، فمن منع هذا قوتل باتفاق المسلمين، وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة- كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى والزمن وغيرهم- فلا يقتل عند جمهور العلماء إلا أن يقاتل بقوله أو فعله. وإن كان بعضهم يرى إباحة قتل الجميع لمجرد الكفر إلا النساء والصبيان لكونهم مالاً للمسلمين، والأول هو الصواب لأن القتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله كما قال تعالى “وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين”، وفي السنة عن النبي (صلى الله علسه وسلم) أنه مر على امرأة مقتولة في بعض مغازية قد وقف الناس عليها فقال “ما كانت هذه لتقاتل”، وقال لأحدهم: الحق خالداً فقل له لا تقتلوا ذرية ولا عسيفاً “وفيها أيضاً عنه (صلى الله عليه وسلم ) يقول: لا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً صغيراً ولا إمرأة. وذلك أن الله أباح من قتل النفوس ما يحتاج إليه في صلاح الخلق، كما قال تعالى “والفتنة أشد من القتل”، أي أن القتل وإن كان فيه شر وفساد ففي فتنة الكفار من الشر والفساد ما هو أشد، فمن لم يمنع المسلمين من إقامة دين الله لم يكن كفره إلا على نفسه).
تقرير الإمام ابن تيميه التقاء أهل الغلو في التكفير واستحلال الدماء المحرمة بالخوارج ومفارقتهم لأهل السنه : وقد أشار الإمام ابن تيميه إلى التقاء أهل الغلو فى التكفير واستحلال الدماء المحرمة مع الخوارج ومفارقتهم لأهل ألسنه ، حيث يقول في وصف الخوارج (ولهم خاصيتان مشهورتان فارقوا بها جماعه المسلمين وأئمتهم ، احدهما خروجهم من عن السنة ، وجعلهم ما ليس بسيئة سيئة، و ما ليس بحسنه حسنه.. الفرق الثاني: في الخوارج وأهل البدع أنهم يكفرون بالذنوب والسيئات ، ويترتب على تكفيرهم بالذنوب استحلال دماء المسلمين وأموالهم، وان دار الإسلام دار حرب ودارهم هي دار إيمان ،وكذلك يقول جمهور الرافضة وجمهور المعتزلة والجهميه، وطائفة من غلاه المنتسبين إلى أهل الحديث والفقه ومتكلميهم… فينبغي على للمسلم أن يحذر من هذين الأصلين الخبيثين ،وما يتولد عنهما من بغض المسلمين وذمهم ولعنهم واستحلال دمائهم وأموالهم)( مجموع الفتاوى 19/72).
نقل الإمام ابن تيميه الإجماع على أن مذهب الغلو فى التكفير واستحلال الدماء بدعي ضال: كما ينقل الإمام ابن تيميه إجماع علماء اهل السنة على أن مذهب الغلو في التكفير واستحلال الدماء المعصومة – الذي مثله في عصرهم الخوارج – مذهب بدعي ضال حيث يقول (َإِنَّ ْأُمَّةَ مُتَّفِقُونَ عَلَى ذَمِّ الْخَوَارِجِ وَتَضْلِيلِهِمْ … ) ( الفتاوى : 28/518 ).
==========
============
الضبط الشرعي لمفهوم التكفير في المذهب الوهابي
tampon
الضبط الشرعي لمفهوم التكفير في المذهب الوهابي
د.صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم
تمهيد: تتناول هذه الدراسة الضبط الشرعي لمفهوم التكفير والمفاهيم المتصلة به وأهمها مفهوم القتال في المذهب الوهابي، ومضمون هذا الضبط – الشرعي – الالتزام بالضوابط الشرعية لمفهوم التكفير – والمفاهيم المتصلة به كمفهوم القتال- من خلال موافقة مذهب أهل ألسنه ، القائم على الضبط الشرعي لهذا المفهوم – وغيره من المفاهيم – ومفارقه مذهب الخوارج ، القائم على الإطلاق البدعى لهذه المفاهيم . وتعرض الدراسة أولا للضبط الشرعي لهذه المفاهيم عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب مؤسس المذهب ، في معرض رده على اتهام بعض العلماء له بتكفيره للمسلمين،ثم تبين أن نفى الشيخ محمد بن عبد الوهاب الاتهام الموجه له بتكفير المسلمين ، وتقريره التزامه بالضوابط الشرعية للتكفير، لم يحول دون استمرار هذا الاتهام للشيخ والمذهب بعد وفاته. وان هذا يعنى ضرورة ضبط دلالات هذه النصوص ، بصرفها من الدلالة التي تفيد الإطلاق البدعى للتكفير، إلى دلاله أخرى تفيد الضبط الشرعي للتكفير بقرائن متعددة : أولا:النصوص الأخرى التي كتبها الشيخ والتي تنفى الدلالة الأولى وتفيد الدلالة الثانية ،ثانيا:الضوابط الشرعية لمفهوم التكفير التي قررتها النصوص ، والتي قررها علماء أهل السنة ومنهم الإمام ابن تيميه – شيخ الشيخ بن عبد الوهاب ، والتي اقر الشيخ التزامه بها، ثالثا: الرجوع إلى الدلالة الاصليه للنصوص التي استند إليها الشيخ في كتابه هذه النصوص . ثم تعرض الدراسة ثانيا للضبط الشرعي لهذه المفاهيم عند علماء المذهب المعاصرين ، في معرض نفيهم ادعاء بعض تنظيمات الغلو في التكفير واستحلال الدماء المحرمة (كالقاعدة وداعش)، انتسابها إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب، أو السلفية أو حتى الإسلام ، وتقريرهم أن هذه التنظيمات هي إحياء لمذهب الخوارج البدعى . ثم تبين الدراسة انه رغم ذلك الا أن هذه التنظيمات ظلت على ادعاءها ، وهو ما أدى استمرار اتهام المذهب بعدم الالتزام بالضوابط الشرعية لمفهوم التكفير والمفاهيم ذات الصلة كمفهوم القتال،وهو ما يفرض إجراء مزيد من الضبط الشرعي لمفهومي التكفير والقتال، والذي يتضمن: أولا:النفي التفصيلي لصله تنظيمات الغلو في التكفير واستحلال الدماء المحرمه بالمذهب والسلفية والإسلام، ثانيا: إلزام المنتسبين للمذهب بالالتزام بالضوابط الشرعية لمفهومي التكفير والقتال .
تعريف بالشيخ محمد بن عبد الوهاب ومذهبه : ولد الشيخ محمد بن عبد الوهاب عام 1115 ه في بلدة العيينة من بلدان نجد، حفظ القرآن وقرأ الفقه على والده الذي كان قاضي العيينة، أقام في المدينة فترة أخذ فيها العلم عن الشيخ عبد الله بن إبراهيم النجدي والشيخ محمد حياة السندي، وتأثر بالإمامين ابن تيمية وابن القيم أعلام المذهب الحنبلي ،.خرج من المدينة إلى نجد وقصد البصرة وسمع فيها الحديث والفقه والنحو ، ثم اتجه لاحقا إلى بلدة حريملاء حيث كان والده قد انتقل إليها، وفيها أعلن فيها دعوته، ثم رجع إلى العيينة ووافقه أميرها على دعوته في بداية الأمر، الا انه أمره بالخروج منها عام 1158 ه، فاتجه الشيخ إلى بلدة الدرعية وأميرها محمد بن سعود فوافقه على دعوته ، واستمر التحالف بينهما حتى وفاته في شوال سنة 1206 ه . يرفض انصار الشيخ محمد بن عبد الوهاب مصطلح ” ألوهابيه” ، ويرون انه من اختلاق أعداء الشيخ محمد بن عبد الوهاب،ولكن بعض أنصاره لا يعترض على المصطلح إذا كان معناه موافق لحقيقة دعوه الشيخ محمد بن عبد الوهاب،و لا بقصد به تشويه هذه الدعوة أو السخرية منها: يقول الشيخ بن باز (لا يوجد مذهب وهابي، إنما هو طاعة الله ورسوله، الوهابية تدعو إلى ما قاله الله ورسوله، الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الذي تنسب إليه الوهابية هو رجل قام في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، يدعو الناس إلى ما قاله الله ورسوله، يدعو الناس إلى عقيدة السلف الصالح، من أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم والسير على منهج أصحابه في الأقوال والأعمال، وهو حنبلي المذهب … فليس له مذهب يخالف مذهب أهل السنة والجماعة، بل هو يدعو إلى مذهب أهل السنة والجماعة فقط، فإذا دعوت أحدا إلى التوحيد ونهيته عن الشرك فقالوا الوهابية، قل نعم أنا وهابي وأنا محمدي أدعوكم إلى طاعة الله وشرعه، أدعوكم إلى توحيد الله، فإذا كان من دعا إلى توحيد الله وهابيا فأنا وهابي(فتاوى نور على الدرب لابن باز: 3/152).وفى كل الأحوال فان المذهب الوهابي ليس مذهب قائم بذاته ومستقل عن غير من المذاهب العقدية والفقهية الاسلاميه، بل هو إحياء للجانب العملي التطبيقي من مذهب الإمام ابن تيميه،والذي هو اجتهاد في إطار المذهب الحنبلي، احد مذاهب أهل السنة ، يقول الشيخ بن عثيمين (وأما تسمية أهل التوحيد منهم بالوهابيين فهذه التسمية في الواقع اصُطنِعت لتشويه دعوة التوحيد، وإلا فإن الوهابية ليست مذهباً مستقلاً خارجاً عن مذاهب المسلمين، بل إن جميع كتب هؤلاء العلماء من رسائل ومؤلفات كبيرة وصغيرة كلها تدل على أن هؤلاء القوم أخذوا منهجهم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ،وأنهم لم يخرجوا عن ما كان عليه محققو الحنابلة كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما … وإلا فمن نظر إلى هذه الدعوة بعلم وإنصاف تبين له أنها هي حقيقة مذهب الحنابلة وغيرهم من أهل السنة والجماعة وأنها لا تعدوا ما كان عليه المسلمون من سلف هذه الأمة. )( فتاوى نور على الدرب للعثيمين :20/2).
الضبط الشرعي لمفهوم التكفير عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
أولا: اتهام العلماء له بتكفير المسلمين : اتهم بعض العلماء الشيخ محمد بن عبد الوهاب بتكفيره للمسلمين ، استنادا إلى ما تفيده دلاله بعض النصوص والرسائل التي كتبها ، فقد اتهمه هؤلاء العلماء بتكفيره للعامة في قوله (وان الذي عليه غالب الناس، من الاعتقادات في الصالحين وفى غيرهم هو الشرك ، الذي قال الله فيه(انه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار))(الرسالة التاسعة والعشرون:7/ 196)،واتهموه بتكفيره للأعيان كتكفيره للإمام الفخر الرازي، في معرض نقله تقرير ابن تيميه أن تقرير عباده الكواكب كما في تصنيف الرازى رده باتفاق المسلمين (والفخر هو الذي ذكره الشيخ في الرد على المتكلمين لما ذكر تصنيفه الذي ذكر هنا قال وهذه رده صريحة باتفاق المسلمين)( مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد لابن عبد الوهاب /مؤلفات محمد بن عبد الوهاب : 1/288) ،واتهموه بتكفيره للمتكلمين في معرض نقله تكفير السلف والعلماء للمتكلمين(وأنا ادعوك إلى التفكر في هذه المسالة، وذلك أن السلف قد كثر كلامهم وتصانيفهم في أصول الدين ، وإبطال كلام المتكلمين وتكفيرهم)(الرسالة السابعة والثلاثون 7/246)… (وممن ذكر هذا من متاخرى الشافعية : البيهقى والبغوى والتيمى، ومن بعدهم كالحافظ الذهبي ، وأما متقدميهم كابن سريح والدارقطنى وغيرهم فكلهم على هذا الأمر)( الرسالة السابعة والثلاثون:7/ 256)،واتهموه بتكفير الصوفية في رفضه للممارسات بعض المنتسبين إليه (كثير من أتباع إبليس وأتباع المنجمين والسحرة والكهان من من ينتسب إلى الفقر،وكثير ممن ينتسب إلى العلم….ومرادهم آكل أموال الناس بالباطل والصد عن سبيل الله لدرجه أن بعض أنواعها يعتقد فيه من يدعى العلم انه من العلم الموروث من الأنبياء من علم الأسماء وهو من الجبت والطاغوت)(الرسالة السابعة والثلاثون: 7/266)،واتهموه باعتباره الفقه شركا في معرض عرضه لتفسير الايه (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا) ( ومن أدله شيخ الإسلام” اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله” فقد فسرها رسول الله والائمه من بعده بهذا الذي تسمونه فقه وهو الذي سماه الله شركا واتخاذهم أربابا)(الرسالة التاسعة والثلاثون: 7/277)،واتهموه بتكفير الناس قبل ظهوره في قوله ( ومن زعم من علماء العارض انه قد عرف معنى لا اله الا الله او عرف معنى الإسلام قبل هذا الوقت، او زعم عن مشائخه أن أحدا عرف ذلك فقد كذب وافترى) (كتاب مجموع الرسائل لمحمد ين عيد الوهاب/ طباعة جامعة الإمام محمد بن سعود /1989 ).
ثانيا: رد الشيخ محمد بن عبد الوهاب على الاتهام : وقد رد الشيخ محمد بن عبد الوهاب على هذا الاتهام ، من خلال نفيه لهذا الاتهام أولا، وتقريره التزامه بالضوابط الشرعية لمفهومي التكفير والقتال ثانيا:
ا/ نفى الشيخ محمد بن عبد الوهاب للاتهام بتكفير المسلمين: حيث يقول عن الشيخ سليمان بن سحيم (… افترى على أمورا لم اقلها ولم يأت أكثرها على بالى فمنها:قوله: انى مبطل كتب المذاهب الاربعه ، واني أقول أن الناس من ستمائة سنه ليسوا على شي، وأنى ادعى الاجتهاد ، وأنى خارج عن التقليد، وأنى اقو ل آن اختلاف العلماء نقمه ، وأنى اكفر من توسل بالصالحين ، انى اكفر البوصيرى لقوله يا أكرم الخلق، واني أقول لو اقدر على هدم قبه الرسول لهدمتها، ولو اقدر على الكعبة لأخذت ميزابها، وجعلت ميزاب من خشب، وأنى احرم زيارة قبر النبي ، واني أنكر زيارة قبر الوالدين وغيرهما واني اكفر من يحلف بغير الله، وأنى اكفر الفارض وابن عربي ،واني احرق دلائل الخيرات ورض الرياحين…..جوابى عن هذه المسائل أن أقول: سبحانك هذا بهتان عظيم (الرسالة الأولى:7/12 – الرسائل الشخصية/ مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب دراسة وتحقيق صالح بن فوزان و محمد بن صالح العيلقى/ جامعه الإمام محمد بن سعود / الرياض المملكة العربية السعودية).
ب/ تقرير الشيخ محمد بن عبد الوهاب التزامه بضوابط التكفير والقتال:
1/ ضوابط التكفير عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
عدم التكفير بالظن : يقول( من أظهر الإسلام وظننا أنه أتى بناقض لا نكفره بالظن ، لأن اليقين لا يرفعه الظن، وكذلك لا نكفر من لا نعرف منه الكفر بسبب ناقض ذكر عنه ونحن لم نتحققه )( 3/24 :الرسائل الشخصية ).
عدم التكفير بالعموم : يقول( وأما القول إنا نكفر بالعموم فذلك من بهتان الأعداء الذين يصدون به عن هذا الدين ونقول سبحانك هذا بهتان عظيم )(الرسائل الشخصية: 15/101 ).
عدم تكفير الا من سب الدين ونهى عنه:يقول(وأما التكفير فأنا أكفر من عرف دين الرسول ثم بعد ما عرفه سبه ونهى الناس عنه وعادى من فعله فهذا هو الذي أكفره وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك. وأما القتال فلم نقاتل أحداً إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة وهم الذين أتونا في ديارنا ولا أبقوا ممكنا ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة ( وجزاء سيئة سيئة مثلها ) وكذلك من جاهر بسب دين الرسول بعد ما عرفه والسلام. ” الرسائل الشخصية 5/37
عدم التكفير بالموالاة وعدم تكفير الجاهل: يقول( تكفير من بان له أن التوحيد هو دين الله ورسوله ثم أبغضه ونفر الناس عنه. وجاهد من صدق الرسول فيه ومن عرف الشرك وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بإنكاره وأقر بذلك ليلا ونهاراً ثم مدحه وحسنه للناس وزعم أن أهله لا يخطئون لأنهم السواد الأعظم، وأما ما ذكر الأعداء عني أني أكفر بالظن وبالموالاة أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة فهذا بهتان عظيم يريدون به تنفير الناس عن الله ورسوله. )( الرسائل الشخصية: 3/25 )
عدم تكفير الا من كفره جميع العلماء الموثوقين : يقول( ما ذكر لكم عني أني أكفر بالعموم فهذا من بهتان الأعداء، وكذلك قولهم إني أقول من تبع دين الله ورسوله وهو ساكن في بلده أنه ما يكفيه حتى يجييء عندي فهذا أيضا من البهتان ؛ إنما المراد اتباع دين الله ورسوله في أي أرض كانت ؛ ولكن نكفر من أقر بدين الله ورسوله ثم عاداه وصد الناس عنه ؛ وكذلك من عبد الأوثان بعد ما عرف أنها دين للمشركين وزينه للناس ؛ فهذا الذي أكفره وكل عالم على وجه الأرض يكفر هؤلاء إلا رجلاً معانداً أو جاهلاً )(الرسائل الشخصية :9/58 )
عدم تكفير الا من كفر أهل التوحيد : يقول( فإن قال قائلهم إنهم يكفرون بالعموم فنقول : سبحانك هذا بهتان عظيم الذي نكفر الذي يشهد أن التوحيد دين الله ودين رسوله، وأن دعوة غير الله باطلة ثم بعد هذا يكفر أهل التوحيد، ويسميهم الخوارج ويتبين مع أهل القبب على أهل التوحيد )(الرسائل الشخصية: 7/48)
عدم تكفير من لم تبلغه الحجة : يقول( من عمل بالتوحيد، وتبرأ من الشرك وأهله فهو المسلم في أي زمان وأي مكان وإنما نكفر من أشرك بالله في إلهيته بعد ما نبين له الحجة على بطلان الشرك وكذلك نكفر من حسنه للناس، أو أقام الشبه الباطلة على إباحته، وكذلك من قام بسيفه دون هذه المشاهد التي يشرك بالله عندها، وقاتل من أنكرها وسعى في إزالتها قوله إني أكفر من توسل بالصالحين، وقوله : إني أكفر البوصيري لقوله يا أكرم الخلق، وقوله إني أقول لو أقدر على هدم حجرة الرسول لهدمتها ولو أقدر على الكعبة لأخذت ميزابها وجعلت لها ميزاباً من خشب، وقوله إني أنكر زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله إني أنكر زيارة قبر الوالدين وغيرهم وإني أكفر من يحلف بغير الله فهذه اثنتا عشرة مسألة جوابي فيها أن أقول : (سبحانك هذا بهتان عظيم ) ” . الرسائل الشخصية 11/64
2/ ضوابط القتال عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
اباحه القتال مشروط بالدفاع عن النفس والحرمة: يقول(وأما القتال فلم نقاتل أحداً إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة وهم الذين أتونا في ديارنا ولا أبقوا ممكنا ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة ( وجزاء سيئة سيئة مثلها ) وكذلك من جاهر بسب دين الرسول بعد ما عرفه والسلام.)( الرسائل الشخصية : 5/37)
تحريم الخروج على ولى الأمر”استخدام القوه المسلحة لتغيير لحاكم”:
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسالته لأهل القصيم (وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برّهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته وحرم الخروج عليه (مجموعة مؤلفات الشيخ [5/11])، ويقول أيضا: الأصل الثالث: أن من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمّر علينا ولو كان عبداً حبشيّاً” (مجموعة مؤلفات الشيخ [1/394]) بواسطة (دعاوى المناوئين [233-234]).
وقد رد علماء المذهب على اتهام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالخروج على الخليفة العثماني، من خلال تقريرهم الاتى: أولا: أن نجد – موطن الشيخ – لم تكن يوما تابعه لدولة الخلافه العثمانية، يقول الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز (لم يخرج الشيخ محمد بن عبد الوهاب على دولة الخلافة العثمانية فيما أعلم وأعتقد فلم يكن في نجد رئاسة ولا إمارة للأتراك بل كانت نجد إمارات صغيرة وقرى متناثرة وعلى كل بلدة أو قرية مهما صغرت أمير مستقل، وهي إمارات بينها قتال وحروب ومشاجرات )(ندوة مسجلة على الأشرطة) نقلا عن (دعاوى المناوئين. ص [237])). ثانيا: ان الشيخ محمد بن عبد الوهاب راسل أشراف مكه ، وابدي لهم طاعته لهم، وعدم نيته الخروج عليهم ، حيث أرسل وفد برئاسه الشيخ / عبد العزيز بن عبدالله الحصين، وحمله رسالة الى الشريف أحمد جاء فيها انه ( … رفع يديه بالدعاء إلى الله بتأييد الشريف لما كان قصده نصر الشريعة المحمدية ومن تبعها، وعداوة من خرج، وهذا هو الواجب على ولاة الأمور) ( حياة محمد بن عبد الوهاب ، ص322). ثالثا:رغم ذلك فان أشراف مكه نواب الخليفة العثماني في الحجاز، استعدوا دولة الخلافة العثمانيه علي الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأنصاره ، فأرسلت عده حملات إلى نجد ، ورد عليها انصار الشيخ من باب رد العدوان.
ضرورة ضبط دلالات النصوص:غير أن نفى الشيخ محمد بن عبد الوهاب الاتهام الموجه له بتكفير المسلمين ، وتقريره التزامه بالضوابط الشرعية للتكفير، لم يحول دون استمرار هذا الاتهام للشيخ والمذهب بعد وفاته. وهذا يعنى ضرورة ضبط دلالات هذه النصوص ، بصرفها من الدلالة التي تفيد الإطلاق البدعى للتكفير، إلى دلاله أخرى تفيد الضبط الشرعي للتكفير بقرائن متعددة : أولا:النصوص الأخرى التي كتبها الشيخ والتي تنفى الدلالة الأولى وتفيد الدلالة الثانية ،ثانيا:الضوابط الشرعية لمفهوم التكفير التي قررتها النصوص ، والتي قررها علماء أهل السنة ومنهم الإمام ابن تيميه – شيخ الشيخ بن عبد الوهاب ، والتي اقر الشيخ التزامه بها،ثالثا: الرجوع إلى الدلالة الاصليه للنصوص التي استند إليها الشيخ في كتابه هذه النصوص.
نماذج لضبط دلالات النصوص :
أولا: ضبط النص الذي استند إليه العلماء فى اتهامه بتكفير الإمام الرازي، بصرفه من الدلالة التي محل التكفير هو شخص الإمام الفخر الرازي وعلى التأبيد، إلى دلاله أخرى تجعل محل التكفير فكره عباده الكواكب التي عرض لها الإمام في بعض تصانيفه ، وبالتالي فان التكفير في هذه الدلالة مقصور على حاله عرضه للفكرة من باب الإقرار بصحتها ، ولا يتجاوزه إلى حاله عرضه للفكرة من باب العرض الموضوعي، المتضمن عرض حجج المعتقدين فيها قبل نقض هذه الحجج ، كما أن التكفير مؤقت اى ينتفي في حاله تراجعه عن الإقناع بصحة هذه الفكرة ، وذلك استنادا إلى القرائن الاتيه : أولا :إقرار الشيخ محمد بن عبد الوهاب للضابط الشرعى (عدم تكفير المعين ) – ثانيا: أشار الإمام ابن تيميه في النص الذي استند إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى احتمال توبة الإمام الرازى حيث يقول ابن تيميه (كما صنف الرازى كتابه في عباده الكواكب والأصنام، وأقام الادله على حسن ذلك ومنفعته ورغب فيه، وهذه رده عن الإسلام باتفاق المسلمين، وان كان قد يكون تاب منه وعاد إلى الإسلام)(مجموع الفتاوى: 4/55)
ثانيا: ضبط النصوص التي استند إليه العلماء في اتهامه بتكفير الناس قبل ظهوره ، بصرفها من الدلالة التي تفيد تكفيره لأهل الفترة ، إلى دلاله أخرى تفيد شيوع بعض أنماط التفكير والسلوك البدعى فئ المجتمعات المسلمة قبل ظهوره ، وذلك استناد إلى القرائن التالية : أولا: نفيه لهذا الاتهام فى نصوص أخرى ، ثانيا: تقرير ابن تيميه- شيخ الشيخ بن عبد الوهاب – أن أهل الفترة لا يستحقون العذاب(والجمهور من السلف والخلف على ان ما كانوا فيه قبل مجى الرسول من الشرك والجاهليه شيئا قبيحا وكان شرا ، لكن لا يستحقون العذاب إلا بعد مجي الرسول )( مجموع الفتاوى: 11/ 677).
ثالثا: ضبط النص الذي استند إليه العلماء فى اتهامه بتكفير المتكلمين ، بصرفه من الدلالة التي إلى تفيد تكفير المتكلمين كفر مخرج من الملة، ودون اعتبار كون ما قرروه مخالف أو موافق للكتاب والسنة ، إلى دلاله أخرى تفيد انه كفر دون كفر وهو مقصور على ما قرروه ويخالف الكتاب وألسنه ، وذلك استنادا إلى القرائن التالية : أولا: ثناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب على فطنه المتكلمين – مع تقريره مخالفتهم للسلف – كما فى قوله (وأهل الكلام وأتباعهم من احذق الناس وأفطنهم، حتى أن لهم من الذكاء والحفظ والفهم ما يحير اللبيب ، وهم واتباعهم مقرون إنهم مخالفون للسلف)( الرسالة السابعة والثلاثون: 7/346 والدرر السنيه1/52)، ثانيا : أن الموقف الحقيقي للإمام ابن تيميه – شيخ الشيخ محمد بن عبد الوهاب- هو موقف نقدي قائم على اخذ ما وافق الكتب والسنة ، ورد ما خالفها ،حيث يقو ل ابن تيميه ( فَالسَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ لَمْ يَكْرَهُوا الْكَلَامَ لِمُجَرَّدِ مَا فِيهِ مِنْ الِاصْطِلَاحَاتِ الْمُوَلَّدَةِ ، كَلَفْظِ الْجَوْهَرِ وَالْعَرَضِ وَالْجِسْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ؛ بَلْ لِأَنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي يُعَبِّرُونَ عَنْهَا بِهَذِهِ الْعِبَارَاتِ فِيهَا مِنْ الْبَاطِلِ الْمَذْمُومِ فِي الْأَدِلَّةِ وَالْأَحْكَامِ مَا يَجِبُ النَّهْيُ عَنْهُ ، لِاشْتِمَالِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَعَانِي مُجْمَلَةٍ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي وَصْفِهِ لِأَهْلِ الْبِدَعِ ، فَقَالَ : هُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي الْكِتَابِ ، مُخَالِفُونَ لِلْكِتَابِ ، مُتَّفِقُونَ عَلَى مُخَالَفَةِ الْكِتَابِ ، يَتَكَلَّمُونَ بِالْمُتَشَابِهِ مِنْ الْكَلَامِ ، وَيُلَبِّسُونَ عَلَى جُهَّالِ النَّاسِ بِمَا يَتَكَلَّمُونَ بِهِ مِنْ الْمُتَشَابِهِ . إذَا عُرِفَتْ الْمَعَانِي الَّتِي يَقْصِدُونَهَا بِأَمْثَالِ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ ، وَوُزِنَتْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، بِحَيْثُ يَثْبُتُ الْحَقُّ الَّذِي أَثْبَتَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، وَيُنْفَى الْبَاطِلُ الَّذِي نَفَاهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْحَقَّ ) (مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية ، المجلد الثالث (العقيدة)، الخوض فيما تكلم الناس فيه من مسائل في أصول الدين) . ثالثا: ان الموقف الحقيقي للسلف والعلماء الذين نقل الشيخ بن عبد الوهاب تكفيرهم للمتكلمين هو ان كفر المتكلمين هو كفر دون كفر، وان معيار الأخذ والرد هو موافقة أو مخالفه الكتاب والسنة يقول الإمام البيهقى (والذي روينا عن الشافعي وغيره من الائمه من تكفير هؤلاء المبتدعة، فإنما اراد به كفر دون كفر ، وهو كما قال الله(ومن لم يحكم بما انزل الله فاؤلئك هم الكافرون : قال ابن عباس: انه ليس الكفر الذى تذهبون اليه- يقصد- الخوارج- ، انه ليس بكفر ينقل عن مله ولكن كفر دون كفر ، قال الشيخ رحمه الله: فكأنهم أرادوا بتكفيرهم ما ذهبوا اليه من نفى هذه الصفات التي أثبتها الله تعالى لنفسه فعدلوا عن الظاهر بتأويل، فلم يخرجوا به من المله)( سنن البيهقى الكبرى: 1-10/207) ، نقل الامام الذهبي عن الامام الشافعي ( قال الشافعي: كل متكلم على الكتاب والسنة فهو الجد وما سواه فهو الهذيان)( تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام)/دار الكتاب العربي/ لبنان/ط1/ 14/ 329)
رابعا: ضبط النص الذي استند إليه العلماء في اتهامه باعتبار الفقه شرك ، بصرفه من الدلالة التي إلى تفيد ذلك إلى دلاله أخرى تفيد أن الشرك مقصور على حاله اتخاذ الفقهاء أربابا من دون الله بقرينه تقريره للفقه والمذاهب الفقهية الاربعه (فنحن مقلدون الكتب وألسنه وصالح سلف الامه والاعتماد على أقوال ألائمه الاربعه: أبو حنيفة النعمان بن ثابت ومالك بن انس ومحمد ابن ادربيس واحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى )( الرسالة الرابعة:7/96)
خامسا: ضبط النصوص التي استند إليه العلماء في اتهامه بتكفير الصوفية ، بصرفها من الدلالة التي إلى تفيد تكفيره للصوفية دون تمييز بين المتصوفة الحقيقيين وأدعياء التصوف ، ودون تمييز بين العقائد والسلوكيات الصوفية المختلفة، ومدى موافقتها أو مخالفتها للكتاب وألسنه، إلى دلاله أخرى تقصر التكفير على أدعياء التصوف ، الذين يتبنون عقائد أو سلوكيات مخالفه للكتاب وألسنه،وذلك استناد الى القرائن التالية : أن نصوصه لا تتضمن تعميم كقوله (كثير من أتباع إبليس وأتباع المنجمين والسحرة والكهان من من ينتسب إلى الفقر،وكثير ممن ينتسب إلى العلم)(الرسالة السابعة والثلاثون: 7/266) ،فالنص يتضمن مصطلح (كثير) وليس( كل )، ثانيا: أن بعض النصوص التي كتبها الشيخ محمد بن عد الوهاب تتضمن الثناء على بعض الصوفية الملتزمون بالكتاب والسنة وفي القسم الثالث من مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب جزء (فتاوى ومسائل) قام بجمعها الشيخ صالح بن عبد الرحمن الأطرم ومحمد عبد الرازق الدويسي والصفحة رقم (31) المسألة الخامسة “اعلم أرشدك الله – أن الله سبحانه وتعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى الذي هو العلم النافع ودين الحق الذي العمل الصالح إذا كان من ينسب إلى الدين: منهم من يتعانى بالعلم والفقه ويقول به كالفقهاء ومنهم من يتعانى بالعبادة طلب الآخرة كالصوفية. وبعث الله بنبيه بهذا الدين الجامع للنوعين( عبد الحفيظ بن عبد الحق المكي، موقف أئمة الحركة السلفية من التصوف والتصوف، دار لسلام القاهرة، ط 1988م، صض15) وفي القسم الثاني من مؤلفاته (الفقه) المجلد الثاني ص (4) في رسالة (أربع قواعد تدور الأحكام عليها) يقول ” اعلم رحمك الله إن أربع هذه الكلمات يدور عليها الدين سواء كان المتكلم يتكلم في علم التفسير أو في علم الأصول أو في علم أعمال القلوب الذي يسمى علم السلوك…” وفي (لحق المصنفات) “هذه مسألة” صفحة (124) قال ” فنفس محبته أصل عبادته والشرك فيها أصل الشرك في عبادته ولهذا كان مشايخ الصوفية العارفون يوصون كثيراً بمتابعة العلم قال بعضهم “ما ترك أحد شيئاً من السنة إلا لكبر في نفسه”، ثالثا:أن الموقف الحقيقي لائمه المذهب الحنبلي كالإمام احمد إبن حنبل والإمام ابن تيميه والإمام ابن القيم من التصوف يتجاوز الرفض المطلق ، إلى موقف نقدي قائم على التمييز بين المتصوفة الحقيقيين وأدعياء التصوف ، طبقا لمعيار التمييز بين العقائد والسلوكيات الصوفيه الموافقة للكتاب والسنه والمخالفة لهما ، فعن الإمام أحمد بن حنبل نجد في الجزء الثاني من طبقات الحنابلة للقاضي محمد بن أبي يعلي ،مقدمة الشيخ أبي محمد بن تميم النبلي في عقيدة الإمام أحمد بن حنبل (قد سئل مرة عن المريد فقال أن يكون مع الله كما يريد ،وأن يترك كل ما يريد لما يريد…) ،وقال وقد سئل عنهم (وقيل له يجلسون في المساجد فقال: العلم أجلسهم)، ويرفض الامام ابن تيميه موقفى الرفض والقبول المطلقين للتصوف (فَطَائِفَةٌ ذَمَّتْ ” الصُّوفِيَّةَ وَالتَّصَوُّفَ ” . وَقَالُوا : إنَّهُمْ مُبْتَدِعُونَ خَارِجُونَ عَنْ السُّنَّةِ وَنُقِلَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ فِي ذَلِكَ مِنْ الْكَلَامِ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ وَتَبِعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْكَلَامِ . وَطَائِفَةٌ غَلَتْ فِيهِمْ وَادَّعَوْا أَنَّهُمْ أَفْضَلُ الْخَلْقِ وَأَكْمَلُهُمْ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ وَكِلَا طَرَفَيْ هَذِهِ الْأُمُورِ ذَمِيمٌ )…ثم يتخذ موقف نقدى يميز بين طوائفهم ويستبعد ادعيائم حيث يقول (وَ ” الصَّوَابُ ” أَنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ كَمَا اجْتَهَدَ غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ طَاعَةِ اللَّهِ فَفِيهِمْ السَّابِقُ الْمُقَرَّبُ بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِ وَفِيهِمْ الْمُقْتَصِدُ الَّذِي هُوَ مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ وَفِي كُلٍّ مِنْ الصِّنْفَيْنِ مَنْ قَدْ يَجْتَهِدُ فَيُخْطِئُ وَفِيهِمْ مَنْ يُذْنِبُ فَيَتُوبُ أَوْ لَا يَتُوبُ . وَمِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَيْهِمْ مَنْ هُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ عَاصٍ لِرَبِّهِ . وَقَدْ انْتَسَبَ إلَيْهِمْ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالزَّنْدَقَةِ ؛ وَلَكِنْ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ التَّصَوُّفِ لَيْسُوا مِنْهُمْ : كَالْحَلَّاجِ مَثَلًا ).
مذهب تقسيم التوحيد : اخذ الشيخ محمد بن عبد الوهاب بمذهب شيخه الإمام ابن تيميه في تقسيم التوحيد ، والذي مضمونه تقسيم التوحيد إلى توحيد ربوبية وتوحيد إلهيه ، ويتضمن الأخير إثبات الأسماء والصفات ، ومضمون الأول هو الاعتقاد بأن الله هو وحده الرب والخالق والمحيي والمميت والرازق والمدبر، ويرى ابن تيميه أن هذا القسم من أقسام التوحيد قد أقر به الناس كافة ـ بالفطرة ـ مؤمنهم وكافرهم . أما الأول ( توحيد الإلهية) فمضمونه هو اعتقاد أنه لا إله إلا الله، ويعني ذلك صرف جميع العبادات من الدعاء والسجود والنذر والطواف والحلف ونحو ذلك إلى الله دون سواه من صنم أو قبر،ويرى ابن تيميه ان هذا القسم من أقسام التوحيد هو المعوّل عليه، والذي جاءت به الرسل. يقول ابن تيمية ( التوحيد الذي جاءت به الرسل إنما يتضمن إثبات الإلهية لله وحده بأن يشهد أن لا إله إلا الله ولا يعبد إلا إياه ولا يتوكل إلا عليه ولا يوالي إلا له ولا يعادي إلا فيه ولا يعمل إلا لأجله وذلك يتضمن إثبات ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات)، ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب (… إنّ الكفار الذين قاتلهم رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ مقرّون بأنّ (اللّه) هو الخالق الرازق المدبر، ولم يدخلهم ذلك في الإسلام لقوله تعالى”قُلْ مَنْ يَرزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالأرضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ والأبصَارَ… فَسَيَقُولُونَ اللّه فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ” )( رسالة أربع قواعد ص 1 – 4 ط مصر )
نقد بعض العلماء لمذهب ابن تيميه في تقسيم التوحيد: وقد تعرض مذهب ابن تيميه في تقسيم التوحيد إلى النقد من العديد من العلماء،ويتضمن هذا النقد :أولا: أن هذا التقسيم لم يرد- بلفظه- في القران والسنة، ولم يقل به احد من السلف الصالح من أهل القرون الثلاثة، ورتب الكثير منهم على هذا انه بدعه.ثانيا: القول بأن الناس أجمعين – مؤمنهم وكافرهم – مقرون بتوحيد الربوبية؛ يخالف تقرير القران الكريم إن كثير من الأقوام أنكروا ربوبية الله تعالى أو أشركوا غيره في الربوبية كقوله تعالى(.. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ) [الحج: 39، 40]، و قوله تعالى(وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} [غافر: 28] وقوله تعالى (لا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا) ،وقوله تعالى (أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) .ثالثا: الآيات التي استدل بها ابن تيمية على أن الكفار والمشركين مقرون بتوحيد الربوبية كقوله تعالى (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَاتَتَّقُونَ)(المؤمنون: 86، 87)، تدل على أنهم يقرون بربوبية الله تعالى، ولكنها لا تدل على أنهم يقرون بتوحيد الربوبية، لأنهم لا يقرون بربوبية الله تعالى وحده، بل يسندون الربوبية إلى سواه أيضا . فهناك فرق بين الإقرار بربوبية الله تعالى وبين الإقرار بتوحيد الربوبية.رابعا: فسر ابن تيميه الايه (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)(الزمر: 3)،بما يفيد بأن الكفار والمشركين يقرون بتوحيد الربوبية، بينهما تفسيرها – الذي يتسق مع سياقها- أن إقرارهم بتوحيد الربوبية هو كذب منهم بدليل بقيه الايه (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)(الزمر: 3).خامسا: أن البعض استخدم هذا التقسيم كذريعة لتكفير المخالف في المذهب،و دون التزام بالضوابط الشرعية للتكفير التي اقرها علماء أهل السنة- بما فيم ابن تيميه – استنادا إلى النصوص.
ضرورة الضبط الشرعي لمذهب تقسيم التوحيد : يجب تقرير أن تقسيم التوحيد – بصوره عامه – لا ينفرد به ابن تيميه ولا المذهب الحنبلي، فقد قال به علماء عديدون، و من مذاهب أهل السنة الأخرى، ولكن طبقا لصياغات أخرى، فعلى سبيل المثال لا الحصر قسم بعض علماء المذهب الاشعرى التوحيد إلى ثلاثة أقسام هي : توحيد الذات، وتوحيد الصفات، وتوحيد الأفعال، يقول كمال الدين ابن أبي شريف ( التوحيد هو اعتقاد الوحدانية في الذات والصفات والأفعال ( المسامرة شرح المسايرة: 43).وبناء على هذا فان المطلوب ليس إلغاء مذهب تقيم التوحيد ،بل ضبطه بضوابط شرعيه تتضمن: أولا:لا يجوز اتخاذ تقسيم التوحيد كوسيلة لوصف المسلمين بالشرك : أن تقسيم التوحيد إلى توحيد ربوبية وتوحيد الوهيه،أو تقرير إنكار الكفار والمشركين لتوحيد الالوهيه- وإنهم اقروا بربوبية الله – وليس توحيد الربوبية – لا يجوز إن يترتب عليه وصف بعض أفعال المسلمين، التي اختلفت المذاهب في حكمها ،كالاستغاثة والتوسل وزيارة وبناء الاضرحه والقبور … بأنها شرك في الالوهيه لأنها- فضلا عن كونها متعلقة بمسائل خلافيه وليست محل إجماع – خاضعة لمعيار النية لقول الرسول (صلى الله عليه وسلم ) (إنما الأعمال بالنيات)، كما انه لا يجوز جعل الآيات التي نزلت فى الكفار على المسلمين – بما فيها الآيات التي تصف إنكار الكفار لتوحيد الالوهيه – . ثانيا:التمييز وليس الفصل بين الربوبية والالوهيه : أن تقسيم التوحيد إلى توحيد ربوبية وتوحيد الوهيه يجب أن يقوم على التمييز بين الربوبية والالوهيه ، وليس الفصل بينهما ،فقد ربطت النصوص بين الربوبية والالوهيه كقوله تعالى (رب السموات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سمياً) ، وقوله تعالى(ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض) .ثالثا:تقسيم التوحيد اصطلاحي وليست توقيفي: أن تقسيم التوحيد هو مسالة اصطلاحيه وليست توقيفيه ، ويدل على هذا: ا/ اختلاف العلماء في صيغ تقسيم التوحيد :أن العلماء – حتى داخل المذهب الحنبلي – لم يتفقوا صيغه واحده لتقسم التوحيد، له بل قررو صيغ مختلفة له ، فقسمه ابن تيميه إلى توحيد الربوبية وتوحيد الالهيه، وقرر أن إثبات الأسماء والصفات متضمن في الأخير، وقام تلميذه ابن أبى العز استنادا الى ذلك بتقسيمه إلى ثلاثة أقسام هى توحيد الربوبية وتوحيد الالهيه وتوحيد الأسماء والصفات، وقسم ابن القيم ا التوحيد الى توحيد فى المعرفة والإثبات ، وتوحيد فى الطلاب والقصد . ب/ تقرير العلماء أن تقسيم التوحيد تقريبي وتعليمي واستقرائي: وقد قرر كثير من العلماء المعاصرين، الذين قالوا بالصيغة الثلاثية لتقسيم التوحيد (توحيد ربوبية وألوهيه وأسماء وصفات ) أن تقسيم التوحيد من باب الوسائل والتقريب للتفهيم والتعليم وانه محصله استقراء النصوص- وكلها أوصاف تدل على انه اصطلاحي وليس توقيفي- يقول الشيخ ابن عثيمين (…فالصواب -بلا شك-: إن تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام، وذكر الشروط والأركان والواجبات والمفسدات في العبادات؛ كل هذا جائز؛ لأنه من باب الوسائل والتقريب وحصر الأشياء لطالب العلم. )( شرح عقيدة أهل السنة والجماعة، للشيخ ابن عثيمين – الشريط الأول/الوجه الأول). رابعا:تقسيم التوحيد مسالة فرعيه اجتهادية: ويترتب على كون تقسيم التوحيد مسالة اصطلاحيه وليست توقيفيه، أنها مسالة فرعيه اجتهادية وليست مسالة أصليه نصيه .وبالتالي لا يجوز وصف تقسيم التوحيد أو اى صيغه من صيغه بأنه بدعه- كما يرى منكري تقسيم التوحيد عامه، أو صيغته الثلاثية السابقة الذكر خاصة- إلا في حاله القول بأنها مسالة توقيفيه وبالتالي أصليه نصيه.كما انه لا يجوز تكفير من أنكر تقسيم التوحيد أو أنكر اى من صيغه . إقرار الشيخ محمد بن عبد الوهاب بمذهب الشمول الشرعي لمصطلح أهل السنة : ورغم اخذ بعض متاخرى المنتسبين إلى المذهب الوهابي بمذهب التضييق المذهبي لمصطلح ” أهل السنة ” وذلك بالقول بان المصطلح مقصور على المذهب الحنبلي أو حتى المذهب الوهابي، الا أن هناك العديد من النصوص التي كتبها الشيخ محمد ابن عبد الوهاب، و التي تفيد انه يأخذ بمذهب الشمول الشرعي لمصطلح ” أهل السنة ” –على المستوى الفقهى – حيث يقول مثلا في رسالته إلى عبد الرحمن بن عبد الله السويدي أحد علماء العراق(أخبرك أني ولله الحمد متبع ولست بمبتدع، عقيدتي وديني الذي أدين الله به مذهب أهل السنة والجماعة الذي عليه أئمة المسلمين مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم القيامة، لكني بينت للناس إخلاص الدين لله، ونهيتهم عن دعوة الأحياء والأموات من الصالحين وعن إشراكهم فيما يعبد الله به، مما هو من حق الله الذي لا يشركه فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل)وهو هنا يقارب موقف بعض اعلام المذهب الحنبلي الذين قالوا بمذهب الشمول الشرعي لمصطلح أهل السنة على المستويين الفقهي والاعتقادى ومنهم الإمام ابن تيميه ، الذي أورد تعريفا عاما لمصطلح أهل السنة،يمكن ان ينطبق على العديد من المذاهب حيث يقول فى تعريف أهل السنه (هم المتمسكون بكتاب الله وسنة رسول الله وما اتفق عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان)(جموع الفتاوى (3/375). ويقول(فمن قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والجماعة)( مجموع الفتاوى (3/346). كما يورد دلالتين للمصطلح ،الأولى هي الدلالة العامة له ويمكن ان يندرج تحتها المذاهب الفقهية : الحنبلي والشافعي والمالكي…والمذاهب ألاعتقاديه الكلامية: الاشعرى والماتريدي والطحاوي وأهل الظاهر حيث يقول ابن تيمية ( فلفظ السنة يراد به من أثبت الخلفاء الثلاثة ، فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلاّ الرافضة )(منهاج السنة/ 2/ ص 221)، أما الدلالة الثانية فهي الدلالة الخاصة لمصطلح أهل السنة كما فى قوله ( وقد يراد به أهل الحديث والسنة المحضة ، فلا يدخل فيه إلا من أثبت الصفات لله تعالى، ويقول : إن القرآن غير مخلوق، وإن الله يرى في الآخرة ، ويثبت القدر وغير ذلك من الأصول المعروفة عند أهل الحديث والسنة). اتساقا مع ما سبق فان الإمام ابن تيميه يعتبر أن المذهب الاشعرى هو احد مذاهب أهل السنه ،طبقا لمعيار نسبى مضمونه أن الاشاعره هم أهل السنه في البلاد التي يكون فيها أهل البدع هم المعتزلة والرافضة حيث يقول (… فإنهم أقرب طوائف أهل الكلام إلى السنة والجماعة والحديث، وهو يعدون من أهل السنة والجماعة عند النظر إلى مثل المعتزلة والرافضة وغيرهم، بل هم أهل السنة والجماعة في البلاد التي يكون أهل البدع فيها هم المعتزلة والرافضة ونحوهم )(نقض تأسيس المطبوع/2/87). .).ويذكر عن الاشاعره أنهم من المتكلمين (المنتسبين إلى السنة )( الجواب الصحيح /1/252) .وممن قال بمذهب الشمول الشرعي لمصطلح أهل السنه العلامة السفاريني الحنبلي من خلال تقريره أن مصطلح أهل السنه يشمل ثلاثة فرق : الاثريه ” الحنابله” والاشعريه والماتريديه ، حيث يقول ( أهل السنة والجماعة ثلاث فرق: الأثرية، وإمامهم أحمد بن حنبل رضي الله عنه ، والأشعرية، وإمامهم أبو الحسن الأشعري رحمه الله ، والماتريدية، وإمامهم أبو منصور الماتريدي رحمه الله تعالى) (لوامع الأنوار البهية 1 / 73) . وكذلك العـلامة ابن الشطي الحنبلي (تبصير القانع في الجمع بين شرحي ابن شطي وابن مانع على العقيدة السفارينية، الصفحة / 73) . والعلامة المواهبى الحنبلي (العين والأثر ص/53).
ثانيا: الضبط الشرعي لمفهوم التكفير عند علماء المذهب :
نفى علماء المذهب ادعاء تنظيمات الغلو في التكفير انتسابها إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
أما الضبط الشرعي لمفهوم التكفير عند علماء المذهب المعاصرين فيتضمن نفى هؤلاء العلماء ادعاء تنظيمات الغلو في التكفير واستحلال الدماء المحرمة ، انتسابها إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب أو السلفية أو الإسلام ، وتقريرهم أنها إحياء لمذهب الخوارج البدعى:
يقول الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ – مفتي المملكة العربية السعودية – عن تنظيمي القاعدة والدولة الاسلاميه في العراق والشام ( داعش) في بيان نشرته الصحف بعنوان ( تبصره وذكرى – )(… واستقراء الشريعة يدل على أن السماحة واليسر من مقاصد هذا الدين. وظهر للسماحة أثرٌ عظيم في انتشار الإسلام ودوامه, فعلم أن اليسر من الفطرة, لأن في فطرة الناس حب الرفق. وحقيقة السماحة التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط, والوسطية بهذا المعنى هي منبع الكمالات, وقد قال الله تعالى في وصف هذه الأمة: (وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) البقرة:143 ). في ضوء هذه المقاصد العظيمة, تتجلى حقيقة الوسطية والاعتدال, وأنها كمال وجمال هذا الإسلام، وأن أفكار التطرُّف والتشدُّد والإرهاب الذي يفسد في الأرض ويهلك الحرث والنسل ليس من الإسلام في شيء, بل هو عدو الإسلام الأول, والمسلمون هم أول ضحاياه, كما هو مشاهد في جرائم ما يسمّى بـ “داعش” و”القاعدة” وما تفرع عنهما من جماعات, وفيهم يصدق قوله – صلى الله عليه وسلم: “سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان, سفهاء الأحلام, يقولون من خير قول البرية, يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم, يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية, فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله يوم القيامة”.وهذه الجماعات الخارجية لا تُحسب على الإسلام, ولا على أهله المتمسكين بهديه, بل هي امتداد للخوارج الذين هم أول فرقة مرقت من الدين بسبب تكفيرها المسلمين بالذنوب, فاستحلت دماءهم وأموالهم ). ويقول الشيخ الدكتور/ صالح الفوزان – في جواب عن سؤال طُرح عليه في التلفزيون السعودي، تنظيم الدولة الاسلاميه في العراق والشام (داعش) وممارساته فأجاب ( أن هذا إفساد وليس جهاد وأن هؤلاء خوارج ). ويقول الشيخ الدكتور/ صالح السحيمي- المدرس في المسجد النبوي الشريف – عن ذات التنظيم ( جماعة خارجية تكفيرية … لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة .). ويقول الفقيه الشيخ / مشهور ابن حسن عن ذات التنظيم (داعش حرب شعواء على السلفية!! بل يكفرون أو يضللون علماءنا! ونحن السلفيون ربانا وأصلنا علماءنا على أن نجبُن في الدماء والأموال كما قال الإمام أحمد ابن حنبل أنا أجبن عن الدماء ).
الضوابط الشرعية لمفهومي التكفير والقتال: ورغم نفى علماء المذهب المعاصرين ادعاء تنظيمات الغلو في التكفير واستحلال الدماء المحرمة ، انتسابها إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وتقريرهم أنها إحياء لمذهب الخوارج البدعى، الا أن هذه التنظيمات ظلت على ادعاءها ، وهو ما أدى استمرار اتهام المذهب بعدم الالتزام بالضوابط الشرعية لمفهوم التكفير والمفاهيم ذات الصلة كمفهوم القتال،وهو ما يفرض إجراء مزيد من الضبط الشرعي لمفهومي التكفير والقتال والذي يتضمن: أولا:النفي التفصيلي لصله تنظيمات الغلو في التكفير واستحلال الدماء المحرمه بالمذهب والسلفية والإسلام، ثانيا: إلزام المنتسبين للمذهب بالالتزام بالضوابط الشرعية لمفهومي التكفير والقتال .
أولا: الضوابط الشرعية للتكفير:ا/ لا تكفير إلا بإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة: لا يجوز تكفير احد إلا في حاله إنكاره ما هو معلوم من الدين بالضرورة ، والمقصود بالمعلوم من الدين بالضرورة النص يقيني الورود ( من الله تعالى أو الرسول”صلى الله عليه وسلم”) ، القطعي الدلالة (لا يحتمل التأويل) ، يقول الاما الشوكاني ( اعلم أن الحكم على المسلم بخروجه من دين الإسلام، ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار (. .ب/ التكفير على العموم أما المعين فيتوقف تكفيره على استيفاء الشروط وانتفاء الموانع: جواز التكفير على العموم، بمعنى جواز القول بان المذهب المعين أو القول المعين هو كفر، أما الشخص المعين فلا يجوز القول بكفره إلا بعد استيفائه شروط التكفير وانتفاء موانعه عنه، والدليل على ذلك أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لعن شارب الخمر على العموم، ولما جلد رجلاً شرب الخمر قام رجل فلعنه فقال (صلى الله عليه وسلم) (لا تلعنوه فو الله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله) (رواه البخاري(، فوجد الرسول(صلى الله عليه وسلم) مانع من اللعن العام وهو محبته لله والرسول .يقول ابن تيمية ( إن التكفير العام يجب القول بإطلاقه وعمومه، وأما الحكم على المعين بأنه كافراً أو مشهود له بالنار، فهذا يقف على الدليل المعين، فإن الحكم يقف على ثبوت شروطه وانتفاء موانعه) (ابن تيمية، الفتاوى، الفتاوى ،مجلد 12، ص22.(ج/ التمييز بين الكفر الأكبر” الاعتقادى” والكفر الأصغر” العملي” : التمييز بين الكفر الأكبر”الاعتقادى” وهو إنكار أصل من أصول الدين ، والكفر الأصغر” العملي” وهو المعصية، كقوله ( صلى الله عليه وسلم) (لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن) ، فالأول يوجب الخروج من الملة ، والثاني لا يوجب ذلك. يقول بن عباس (رضي الله عنه ) في تفسير قوله تعالى( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)( كفر دون كفر ) و يقول ابن القيم (فأما الكفر فنوعان :كفر اكبر وكفر اصغر..فالكفر الأكبر :هو الموجب للخلود في النار.والأصغر:موجب لاستحقاق الوعيد دون الخلود) (مدارج السالكين :1/364 (. . د/العذر بالجهل : عدم تكفير من جهل ان قوله هو كفر، ودليل ذلك في السنة قوله (صلى الله عليه وسلم) (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون). نقل الذهبي في الموقظة عن ابن تيمية (كنت أقول للجهنمية من الحلولية والنفاه ، الذين نفوا أن الله فوق العرش لما وقعت محنتهم ، أنا لو وافقتكم كنت كافراً لأني أعلم أن قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال) وكان هذا خطاباً لعلمائهم وقضاتهم وشيوخهم وأمرائهم. و/ عدم جواز جعل الآيات التي نزلت فى الكفار على المسلمين: قال البخاري في صحيحة في ( كتاب إستتابة المرتدين ) : ( باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم وقول الله تعالى ” وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ” وكان ابن عمر رضي الله عنهما يراهم شرار خلق الله وقال إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين.
ثانيا: الضوابط والشروط الشرعية للقتال:ا/ النية : عنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ شَجَاعَةً وَيُقَاتِلُ رِيَاءً فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ: مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ”.ب/ وجوب استئذان الوالدين : عن عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) يَقُولُ(جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ! قَالَ: فِيهِمَا فَجَاهِدْ).، يقول الإمام الشوكاني ( يجب استئذان الأبوين في الجهاد وبذلك قال الجمهور ، وجزموا بتحريم الجهاد إذا منع منه الأبوان أو أحدهما، لأن برّهما فرض عين والجهاد فرض كفاية، فإذا تعين الجهاد فلا إذن .(|. .ج/أن الجهاد يكون مع جماعة المسلمين، وليس مع آحاد الناس أو جماعه من المسلمين: قال تعالى(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا ) ( التوبة :38)، وقال الرسول(صلى الله عليه وسلم)(إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ، يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ، وَيُتَّقَى بِهِ، فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَعَدَلَ، كَانَ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرٌ، وَإِنْ يَأْمُرْ بِغَيْرِهِ كَانَ عَلَيْهِ مِنْهُ) ، وقال الإمام أحمد بن حنبل(والغزو ماض مع الأمراء إلى يوم القيامة – البر والفاجر – لا يترك).د/ لا قتال لمن يقيم الصلاة ويؤذن لها: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ النَّبِيَّ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَانَ إِذَا غَزَا بِنَا قَوْمًا لَمْ يَكُنْ يَغْزُو بِنَا حَتَّى يُصْبِحَ وَيَنْظُرَ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ عَلَيْهِم . ه/ حرمه قتل المعاهدين والمستأمنين: قال الرسول(صلى الله عليه وسلم)(مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا)(رواه البخاري في صحيحة) ، و/عدم جواز نقض العهود والمواثيق: قال تعالى (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاق)، ى/عدم جواز قتل المدنيين: روى عن أنس بن مالك ( رضي الله عنه ): أن الرسول صلى الله عليه و سلم كان إذا بعث جيشاً قال : ( انطلقوا باسم الله لا تقتلوا شيخاً فانياً و لا طفلاً صغيراً ولا امرأة ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين)( رواه أبو داود في السنن. ز/ إجماع أهل السنة على تحريم الخروج بالسيف(التغيير المسلح): اجمع علماء أهل السنة على قاعدة تحريم الخروج بالسيف، اى تغيير الحاكم باستخدام القوه المسلحة ، يقول الإمام ابن تيمية (وأما أهل العلم والدين والفضل؛ فلا يرخّصون لأحدٍ فيما نهى الله عنه:من معصية ولاة الأمور، وغشهم، والخروج عليهم بوجه من الوجوه، كما قد عُرِف من عادات أهل السنة والدين قديمًا وحديثًا، ومن سيرة غيرهم) (مجموع الفتاوى:35/12)، ويقول الإمام النووي (وأما الخروج عليهم وقتالهم؛ فحرام بإجماع المسلمين – وإن كانوا فسقة ظلمة – وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته، وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق) (شرح مسلم:12/432-433) .
==================
حقوق المراْه في المنظور التشريعي الاسلامى
tampon
حقوق المراْه في المنظور التشريعي الاسلامى
د. صبري محمد خليل / أستاذ فلسفة القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم
المنظور التشريعي الاسلامى و مشاركه المراْه في المجتمع المسلم : أسس المنظور التشريعي الاسلامى لمشاركه المراْه في حركه المجتمع المسلم ، وقد عبر عنه القران الكريم عن هذه المشاركة بمصطلح “الموالاة ” كما في قوله تعالى(والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر…)(التوبة).
التفسير الصحيح للأيه (وقرن في بيوتكن) : ورد الأمر القرانى للنساء بان يقرن في بيوتهن، في قوله تعالى (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى)(الأحزاب)، غير أن هذا الأمر القرانى لا يلغى مشاركه المراه في حركه المجتمع المسلم ، لأن هذا الأمر القرانى ليس مطلق ، بحيث يفيد وجوب ملازمه المراه للبيت مطلقا ، وتحريم خروجها من البيت مطلقا – كما يرى البعض- بل هو امر مقيد “مشروط ” اى يمكن تقسيمه إلى حكم أصلى هو ملازمه المرأة للبيت – والملازمة هنا ليست ملازمه مكانيه بحته ، بل هي ملازمه شعورية بمعنى أن تكون الاسره محل اهتمامها الرئيسي، فهي متصلة بترتيب الأولويات لديها – وحكم فرعى هو خروج المراه من البيت ، وهو مقيد بشرط اساسى هو عدم تعارضه مع مضمون الحكم الاصلى “اى عدم تعارضه مع كون الاسره هي اهتمام المراه الاساسى- بالاضافه إلى شروط أخرى فرعيه هي: أن تكون الغاية منه مشروعه ، وان يتم وفق الضوابط الشرعية ” كالالتزام بالضوابط لشرعية فى الزى، والأستاذان من الزوج …” ، يقول سيد قطب(ليس معنى هذا الأمر ملازمه البيوت فلا يبرحنها إطلاقا، إنما هي إيماءه لطيفه إلى ان يكون البيت هو الأصل في حياتهن وهو المقر، وما عداه استثناء طارئا لا يثقلن فيه )(ظلال القران،ص 082). ومن أدله الاباحه المشروطة لخروج المراه من البيت ا/ أن عمرين الخطاب ( رضي الله عنه) رأى سوده بنت زمعه (رضي الله عنها) خارجه فقال: كيف تخرجين، فانقلبت راجعه إلى الرسول( صلى الله عليه وسلم) فأخبرته بما كان ، فنزل عليه الوحي فى ذلك وقال آذن لكن أن تخرجن لحاجتكن (رواه البخارى) .ب/ قوله تعالى في الايه ( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى)، والأمر بالاحتشام يكون حين الخروج من المنزل .ج/ قوله صلى الله عليه وسلم (لا تمنعوا إماء الله دور الله )(متفق عليه) .د/عن أسماء بنت أبى بكر قالت (كنت انقل النوى من ارض الزبير وهى ثلثى فرسخ فجئت يوما والنوى على راسي فلقيت رسول الله ومعه نفر من أصحابه فدعاني)(رواه مسلم) .
مفهوم الخلوة: كما نهت جمله من الأحاديث عن الخلوة كقول الرسول (صلى الله عليه وسلم ) (ما اختلى رجل بامراه إلا و كان ثالثهما الشيطان)(متفق عليه) ، غير أن هذا النهى النبوي عن الخلوة لا تلغى مشاركه المراه في حركه المجتمع المسلم ، لان الخلوة المنهي عنها هي اجتماع الرجل والمراْه فى مكان منعزل ، و ليست مطلق الاجتماع، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم ( إلا مع ذي محرم)،.لذا يقول الماوردى عن المحتسب(وإذا رأى وقفه رجل مع امراْه في طريق سابل ، لم تظهر منهما إمارات ،لم يتعرض لهما بزجر ولا إنكار، فما يجد الناس بد من هذا)(الأحكام السلطانية).
عن الضوابط الاسلاميه لزى المراه : وضع الإسلام ضوابط عامه لزى المراه، تحقق مقاصده في الاحتشام ، الذي يؤدى إلى احترام المراْه، باعتبارها إنسان مشارك للرجل ومساو له في درجه الاستخلاف ، في كل المجتمعات فى كل مكان وزمان، مع مراعاته ان الأزياء هي جزء من عرف المجتمعات البشرية . ويترتب على هذا انه من الخطأ القول ان الإسلام فرض زى واحد للمراْه فى كل زمان ومكان ، أطلق عليه البعض اسم الحجاب، وهذا الاسم غير صحيح ، فالحجاب هو ستر من القماش على الباب او الجدار كما فى الايه (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ)، والأصح هو الخمار وهو واحد الخُمُر التي جاءت في قوله تعالى ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) ( النور: 31 )، ولكن شاع استخدام مصطلح الحجاب .ومن هذه الضوابط العامة:
أولا: النهى عن التبرج : من هذه الضوابط النهى عن التبرج الذي يحيل المراْه إلى مجرد أداه- موضوع- لاثاره الرجل، فهو بالتالي شكل من أشكال عبودية المراْه للرجل ، قال تعالى ( ولا تبرجن تبرج الجاهليه الأولى).
ستر البدن عدا الوجه والكفين : ومن هذه الضوابط وجوب ستر سائر البدن عدا الوجه واليدين بادله منها: قوله تعالى(وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) (النور:31). قال الأعمش عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما (هي وجهها وكفاها والخاتم). والحديث(يا أسماء إذا بلغت المراْه المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا ، وأشار إلى وجهه ثم امسك بين يديه وكفه مثل قبضه أو قبضتبين)(رواه ابوداؤد)..
النقاب بين الاستحباب والوجوب :غير ان هناك مذهب يرى وجوب ستر الوجه (النقاب) استدلالا بادله منها قول عائشة رضي الله عنها ( كنا إذا مر بنا الركبان – في الحج- سدلت إحدانا الجلباب على وجهها ، فإذا جاوزونا كشفناه) وهو مذهب الإمام أحمد ، ويرى البعض انه الصحيح من مذهب الشافعي.والمذهب الراجح عند جمهور من العلماء هو أن تغطية الوجه والكفين مباحه أو مستحبه- و هو مذهب أبي حنيفة ومالك- ولكنها ليست واجبه – إلا عند خوف الفتنه منها( بأن تكون المرأة ذات جمال فائق) ،او خوف الفتنه بها (بان يفسد الزمان، بكثرة الفساد وانتشار الفساق )عند بعض علماء الحنفية والمالكية.من العرض السابق نخلص إلى المذهب الراحج هو المذهب القائل بان تغطيه الوجه والكفين مباحه وليست واجبه ،اى جواز تغطتهما وجواز كشفهما.
أدله جواز كشف الوجه والكفين : وأدله جواز كشف الوجه والكفين كثيره منها:
أولا: قوله تعالى( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها )(النور:31): قال ابن عباس وابن عمر وعائشة من الصحابة أنها الوجه والكفان …وهذا القول قد أختاره من أئمة المذاهب مالك والشافعي وأبي حنيفة ،ورواية عن أحمد، كما اختاره من المفسرين الطبري والجصاص والبغوي والزمخشري وبن عربي والفخر الرازي والقرطبي والخازن وأبو حيان والنيسبوري ، على سبيل المثال يقول الامام الطبري في تفسيره(وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عني بذلك الوجه والكفان، وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك بالتأويل: لإجماع الجميع على أن على كل مصل أن يستر عورته في صلاته، وأن للمرأة أن تكشف وجهها وكفيها في صلاتها، وأن عليها أن تستر ما عدا ذلك من بدنها، فإذا كان من جميعهم إجماعاً كان معلوماً بذلك أن لها أن تبدي من بدنها ما لم يكن عورة كذلك للرجال، لأن ما لم يكن عورة فغير حرام إظهاره، وإذا كان لها إظهار ذلك كان معلوماً أنه مما استثناه الله تعالى، ذكره بقوله: إلا ما ظهر منها، لأن كل ذلك ظاهر منها. )
ثانيا: جاء في الصحيحين عن ابن عباس (رضي الله عنهما )قال: كان الفضل رديف النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر.متفق عليه.فظاهر الحديث يدل على ان المراه مكشوفة الوجه.
ثالثا: أخرج أبو داود والبيهقي وغيرهما عن عائشة: أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وعليها ثياب شامية رقاق فأعرض عنها ثم قال: ” ما هذا يا أسماء؟ إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا. وأشار إلى وجهه وكفيه ”
أقــــــــوال المــذاهـــب الأربعة في جواز كشف الوجه والكفين:وقد قالت المذاهب الاربعه بجواز كشف الوجه والكفين:
أولا: المذهب الحنفي :ورد في تحفة الملوك ص 63 (وعورة الحرة البالغ جميع بدنها وشعرها عورة إلا الوجه والكفين والقدمين)، وورد في فتاوى السغدي 1- 60 (وعورة المرأة جميع جسدها ما خلا الوجه والكفين).
ثانيا:المذهب المالكي : ورد في في الفواكه الدواني: ج 1/ ص130 (وأن عورة الحرة مع المسلمين الأجانب جميع جسدها إلا وجهها وكفيها ) ،وورد وفي حاشية العدوي: ج1/ ص215(وأما عورة الحرة مع الذكور المسلمين الأجانب فجميع جسدها إلا وجهها وكفيها ).
ثالثا: المذهب الشافعي : ورد في حلية العلماء :ج 2 /ص 53 (والحرة جميع بدنها عورة إلا الوجه والكفين وبه قال مالك وقال أبو حنيفة قدمها أيضا ليس بعورة ..)
رابعا:المذهب الحنبلي : ورد في الهداية للكلوذاني: ج1 /ص 28 (عورة المرأة الحرة جميع بدنها إلا الوجه، وفي الكفين روايتان) ، وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية: 1/187 ( قال القاضي عياض في حديث جرير رضي الله عنه سألت رسول الله عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري “، قال العلماء رحمهم اله تعالى وفي هذا حجة في أنه لا يجب على المرأة أن تستر وجهها في طريقها ،وأنما ذلك سنة مستحب لها، وعلى الرجل غض البصر عنها في جميع الأحوال …. فأما على قولنا وعلى قول جماعة من الشافعية وغيرهم أن النظر إلى الأجنبية جائز من غير شهوة ولا خلوة)
المصافحة: اختلف العلماء في مسالة مصافحه الرجل المراه الاجنبيه إلى مذهبين: أولا: مذهب المنع ويستدل بعدد من الادله منها الحديث الذي رواه الشيخان عن عائشة قالت (ما مست يد رسول الله “صلى الله عليه وسلم” يد امرأة قط إلا امرأة يملكها) (رواه البخاري (7214 ومسلم 1866) ،وينقسم هذا المذهب إلى مذهبين: الأول يرى المنع هنا بدرجه التحريم ، والثاني يقول بان المنع هنا بدرجه الكراهة أما المذهب الثاني فهو مذهب الاباحه : و يرى ان امتناع الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن أمر دون أن ينهى عنه ، لا يدل على التحريم ،كامتناعه عن أكل الثوم و البصل و الضب،…. أما مذهب التفصيل : فيميز بين كيفيتين لفعل المصافحة : الأولى المصافحة بدون الشهوة ، و حكمها الجواز، والكيفية الثانية مع الشهوة وحكمها المنع.ويستدل هذا المذهب بالاتي :ا/ قاعدة إنما الأعمال بالنيات التي قررها الرسول (صلى الله عليه وسلم ) في الحديث الصحيح ، ب/ تقيّيد الحنفيّة التّحريم بأن تكون الشّابّة مشتهاةً (الموسوعة الفقهية الكويتية)،ج/ الترخيص في مصافحة المرأة العجوز و البنت الصغيرة والشيخً الكبير، د/ ان مصطلح المس يدل على الملامسة مع شهوة، وهنا نشير إلى أن الإمام ابن تيميه رغم قوله بتحريم المصافحة، إلا انه أشار إلى ان مصطلح المس بقصد به مس الشهوة ، حيث يقول ( فمن زعم أن قوله {أو لامستم النساء} يتناول اللمس وإن لم يكن لشهوة، فقد خرج عن اللغة التي جاء بها القرآن، بل وعن لغة الناس في عرفهم. فإنه إذا ذُكِرَ المس الذي يقرن فيه بين الرجل والمرأة عُلِمَ أنه مسّ الشهوة) (مجموع الفتاوى :21|223).
الحقوق الاساسيه للمراْه في المنظور التشريعي الاسلامى: وقد أقر المنظور التشريعي الإسلامي الحقوق الاساسيه للمراه وهى :
أولا:حق المعرفة والتعليم: أقر المنظور التشريعي الاسلامى حق المراْه في المعرفة والتعليم . ومن أدله ذلك: ا/ قول الرسول ( صلى الله عليه وسلم) (طلب العلم فريضة على كل مسلم)، وأضاف بعضهم للرواية “ومسلمه “، وقال البعض بعدم وجوده في الحديث، إنما لفظ مسلم يقع على الذكر والأنثى، وهو اصطلاح الشارع في سائر الخطاب الشرعي(يا أيها الذين امنوا..). ب/ وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم (خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء ). ج/ وجاء في كتاب الطبقات الكبرى أن عدد من روى عن الرسول(صلى الله عليه وسلم ) من النساء نيف وسبعمائة امراْه .
ثانيا: حق التعبير عن الراْى: كما أقر المنظور التشريعي الإسلامي حق المراْه في التعبير عن رأيها في المشاكل الاجتماعية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية… ومن أدله ذلك: ا/ إعطاء القران حق الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر للمراه مثل الرجل قال تعالى (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر..). ب/ واخذ الرسول (صلى الله عليه وسلم ) براى النساء كما هو الحال مع أم سلمه في صلح الحديبيه، حيث قال (حبذا رأيك يا أم سلمه لقد أنجى الله المسلمين بك من عذاب اليم)( رواه الشيخان). ج/ إن سمراء بنت نهيك الاسديه أدركت الرسول (صلى الله عليه وسلم) وعمرت وكانت تمر بالاسواق تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. د/خروج عائشه( رضي الله عنها) على على (رضى الله عنه) يوم الجمل . د/اعتراض المراْه على عمر(رضي الله عنه) حين فكر في تحديد المهور فقال عمر (أصابت امراْه واخطأ عمر).
حق العمل: كما أقر المنظور التشريعي الاسلامي حق المراه في العمل ، من خلال تقريره جواز عمل المراه ، وفق الضوابط الشرعية، وبما لا يتعارض دورها الاسرى الاساسى” وهو يعتبره شكل من اشكال العمل ” ، ومن أدله ذلك: ا/اعتبار القران العمل أساسا للجزاء الدنيوي والاخروى للرجال والنساء (فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع اجر عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض…). ب/ عملت المراْه في عهد الرسول(صلى الله عليه وسلم ) فى مجالات عديدة :1- فقد اشتهر في الطب والتمريض رفيده الانصاريه، التي ورثت الطب عن أبيها في الجاهلية، فلما أسلمت جعل لها خيمه في مسجد الرسول تداوى فيها الرجال والنساء جميعا (أسد الغابة، ج7)( طبقات ابن سعد،ج8)، ولما أصيب سعد بن معاذ فى الخندق قال صلى الله عليه وسلم( انقلوه إلى خيمه رفيده ). 2-وفى مجال الحرب أورد البخاري بابا كاملا اسماه باب غزو النساء وقتالهن مع الرجال)( صحيح البخارى، ط المجلس الأعلى للشئون الاسلاميه، ج5، ص84 ).ج/ ولى عمر الشفاء على سوق المدينة ، وكذلك ولى سمراء الاسديه . د/ ولم يعترض الفقهاء -إجماعا – على حق المراْه في العمل سوى الامامه الكبرى(الخلافة) التي رفضها اغلب العلماء استنادا إلى الحديث (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امراْه). أما القضاء فقد قال الجمهور الذكوره شرط في صحة الحكم فقط ، وقال أبو حنيفة يجوز أن تكون قاضيا في الأموال ، وقال الطبري يجوز أن تكون قاضيا على الإطلاق، وقال ابن حزم جائز أن تلى المراْه الحكم- القضاء-وهو قول أبو حنيفة(محمد المهدي الجحوى، المراْه بين الشرع والقانون ص37). ويقول الإمام ابن حزم ( جائز أن تلي المرأة الحكم، وهو قول أبي حنيفة- وقد روي عن عمر أنه ولى «الشِّفَاءَ»- امرأة من قومه- محتسبة في السوق ، فإن قيل: قد قال رسول الله : «لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة» قلنا: إنما قال ذلك رسول الله في الأمر العام الذي هو الخلافة، برهان ذلك قوله: «المرأة راعية على مال زوجها وهي المسؤولة عن رعيتها» وقد أجاز المالكية أن تكون وصية ووكيلة، ولم يأت نص في منعها أن تلي بعض الأمور).
مفهوم المساواة: وفى إطار الفكر الاجتماعي الاسلامى الحديث والمعاصر نجد مذهبين في الموقف من المساواة بين المراْه والرجل :
المذهب الأول ( نفى المساواة) : المذهب الأول يقوم على نفى المساواة بين المراْه والرجل استنادا إلى العديد من الادله أهمها أولا:نفى القران الكريم أن يكون الذكر كالأنثى(وليس الذكر كالأنثى). ثانيا: تقرير الشريعة الاسلاميه لجمله من الأحكام الخاصة بالمراه .
تقويم للمذهب والرد على أدلته: غيران نفى القران الكريم أن يكون الذكر كالأنثى هو نفى للمثلية، اى نفى أن تكون المراْه مثل الرجل في التكوين والإمكانيات و المقدرات الذاتية ، وليس نفى للمساواة التي تتعلق – في الشريعة الاسلاميه- بالمساواة في الحقوق والواجبات ، دون نفى تفاوت المراه والرجل في التكوين والمقدرات والإمكانيات الذاتية ، وبالتالي فان إقرار الشريعة الاسلاميه لجمله من الأحكام الخاصة بالمراه ، هو من باب مراعاة هذا التفاوت وليس من باب نفى المساواة – اى من باب ما يطلق عليه حديثا ” التمييز الايجابي “.كما ان هذا المذهب يرى ان الإسلام عدل بين الرجل والمراه ولكنه لم يساوى بينهما وهذا القول فيه تناقض لان هناك ارتباط وثيق بين قيمتي العدل والمساواة ،فإنكار أصل المساواة هو نفى للعدل، لكن إنكار صيغه معينه خاطئة للمساواة”المثلية” لا يلزم منها نفى العدل.
المذهب الثاني : (إقرار المساواة ونفى المثلية ” المفهوم الاسلامى للمساواة” ): أما المذهب الثاني فيقوم على الإقرار بالمساواة بين المراْه والرجل، طبقا للمفهوم الاسلامى للمساواة، والذي مضمونه ان تحكم العلاقة بين والرجل في المجتمع، قواعد عامه مجرده ، سابقه على نشاْه تلك العلاقات ، وهو ما يتحقق في الشريعة بما هي وضع الهي مطلق. ومن الادله على تقرير الإسلام للمساواة بين الرجل والمراه على الوجه السابق بيانه :
ا/ تقرير النصوص أن المراه مساوية للرجل في الانسانيه، كما في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) ، وقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) (إنما النساء شقائق الرجال)(أخرجه احمد في مسنده) .
ب/ تقرير النصوص أن المراه مساوية للرجل في الحقوق والواجبات ( ولهن مثل الذي لهن بالمعروف.)
ج/ تقرير النصوص أن المراْه مساوية للرجل في أصل التكليف (لشمول الخطاب التكليفى للمرآة والرجل ) كما فى قوله تعالى (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ و الصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)[سورة الأحزاب]
د/ تقرير النصوص ان المراه مساواة للرجل في العقوبات كما فى قوله تعالى (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[سورة المائدة] ، وقوله تعالى (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ).
ه/ تقرير النصوص ان المراْه مساوية للرجل في المسئولية كقول الرسول (صلى الله عليه وسلم)(كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمراْه راعيه في بيت زوجها وهى مسئوله عن رعيتها…) .
نفى المثلية : كما يقوم هذا المذهب على رفض المثلية ، التي تعنى ان تكون المراْه مثل الرجل فى التكوين والإمكانيات و المقدرات الذاتية، وهو ما نفاه القران ( و ليس الذكر كالأنثى)، حيث ان التفاوت فى المقدرات الذاتية سنه إلهيه تشمل الناس كلهم ، وهو جزء من مفهوم ألدرجيه الذي يقرر تفاوت الناس فى المقدرات والإمكانيات الذاتية دون أن يلغى ذلك المساواة بينهم.
واستنادا إلى المفهوم الاسلامى للمساواة نتناول بعض الأحكام الشرعية التي يتخذها كل من تيارى التقليد والتغريب – رغم تناقضهما – كادله على نفى المساواة بين المراْه والرجل فى الإسلام :
القوامة: من هذه الأحكام قوامه الرجال على النساء لقوله تعالى( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) (النساء:34). وهذا الحكم يستند إلى أن الإسلام يرى أن من السنن الالهيه التي تضبط حركه اى مجتمع ، انه لا وجود لاى جماعه إنسانيه بدون سلطه تنظم حركتها ، وقد اسند الإسلام السلطة في الاسره كجماعه إنسانيه للرجل(الرجال قوامون على النساء) استنادا إلى إمكانيات ومقدرات ذاتيه تتوافر في الرجل( بما فضل الله بعضهم على بعض) واستنادا إلى التكليف بالإنفاق ( وبما أنفقوا ). غير أن إسناد السلطة لشخص معين ، لا يعنى بالضرورة أنها سلطه استبداديه، قائمه على الانفراد بالراى او العلم او العمل لحل المشكلات المشتركة ، فقد تكون سلطه قائمه على الشورى اى تبادل الراى والعلم والعمل لحل هذه المشكلات وهى القوامة ألمقصوده ، بدليل سياقات أخرى ورد فيها لفظ قوامه كما في قوله تعالى(يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين) حيث قرنت الايه القوامة بالعدل. وهنا نشير إلى أن الإمام ابن حزم فسر القوامه الواردة فى الايه بأنها ( قوامة لا علاقة لها بالحقوق والطبيعة الإنسانية، أو القدرة على تصريف الأمور، ولو كانت قوامته “أي الرجل” بهذا المعنى للزم أن يكون كل رجل أفضل من كل امرأة، وهذا لا يستقيم في لغة العقل)(المحلى، دار الآفاق الجديدة، ج، 9ص490.).
طاعة الزوج مقيده وليست مطلقه : وهنا نشير إلى أن النصوص أوجبت طاعة المراه لزوجها، لكن هذه الطاعة مقيده بالشريعة وأوامرها ونواهيها، وليست مطلقه لقول الرسول (صلى اله عليه وسلم )(لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، فالطاعة المطلقة لا تكون في الإسلام إلا لله تعالى وحده،ولا تكون لسواه (سواء كان أب أو زوج أو حاكم … )
الميراث: ومن هذه الأحكام جعل نصيب المراْه من الميراث نصف نصيب الرجل كما في قوله تعالى (فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ)[النساء: 176 . والحكم هنا لا يشمل كل حالات ميراث المرأة – كما يظن الكثيرين – بل هو مقصور على حاله الابن مع الابن عند وراثتهم للأب، ففي حالات أخرى تكون المراْه مساوية للرجل في الميراث ومنها:ا/ إذا كانت المراْه أختا للام مع أخيها، ب/ وإذا كانت أما فهي ترث وزوجها ولدا… وهذا يعنى أن هذا ليس نفيا للمساواة- كما يظن البعض – بل الحكم مبنى على أن الشريعة الاسلاميه جعلت نفقه المراْه “سواء كانت ابنه أو زوجه أو أم…” على الرجل. لذا قررت النصوص أن المراه مساويه للرجل في كون لها نصيب مفروض من الميراث كما أن للرجل نصيب من الميراث (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً)[سورة النساء] .
شهادة المراْه: ومن هذه الأحكام اشتراط الشريعة شهادة رجل أو امرأتين كما في الايه الكريمة، وهذا الاشتراط لا يشمل كل حالات شهادة المراه – كما يظن الكثيرين – بل يتعلق بشهادتها في القضايا المالية ، فهناك هناك حالات تكفى فيها شهادة مراْه واحده كما في الولادة. وهذا يعنى أن هذا الاشتراط لا يرجع إلى نفى الشريعة للمساواة بين الرجل والمراْه- كما يطن البعض- بل يرجع إلى زيادة منها فى التوثيق وحفظا للحقوق ،على قله خبره المراْه بالقضايا المالية، كما اشترطت أربعه شهود من الرجال فى إثبات جريمة الزنا لخطورتها، يقول الشيخ مصطفى السباعي( من الواضح أن هذا التفاوت لا علاقة له بالانسانيه ولا بالكرامة ولا بالاهليه… وان شهاده المراْه فى حق يتعلق بالمعاملات المالية بين الناس لا يقع إلا نادرا… والحقوق لابد من التثبت فيها… فليست مسالة كرامه أو أهانه أو أهليه وعدمها وإنما مسالة تثبت في الأحكام والاحتياط في القضاء فيها)( المراْه بين الفقه والقانون ،ص31-32) ويقول المستشار سالم البهنساوى (وهذا النقصان ليس له اثر فى الفقه الاسلامى إلا في الشهادة على الأموال وذلك حفظا للحقوق كما هو الحال فى اشتراط اربع شهود من الرجال لاقامه حد الزنا وشهادة المراْه وحدها فى الولادة)(السنة المفترى عليها،ص232).
تعدد الزوجات: ومن هذه الأحكام اباحه الشريعة الاسلاميه لتعدد الزوجات كما فى قوله تعالى (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ …). غير انه يجب تقرير ان الفهم الصحيح لهذا الحكم الشرعي يقضى الالتزام بجمله من الضوابط منها:
أولا: الأصل التفرد لا التعدد: اختلف العلماء فى أيهما الأصل فى الزواج ، فقال بعض العلماء ان الأصل هو التعدُّد بادله منها أن آية التعدد بدأتْ بذكْر التعدُّد: {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}، ثم نقلت العاجز عن هذه الرتب إلى منتهى قُدرته، وهي الواحدة.ومنها ماروى عن سعيد بن جبير، قال: قال لي ابن عباس: هل تزوجتَ؟ قلت: لا، قال: \”تزوَّج؛ فإنَّ خير هذه الأمة أكثرها نساءً\” ( رواه البخاري، كتاب النكاح، باب كثرة النساء، برقم /5069/، ص907.). غير جمهور من العلماء يرون ان الأصل في الإسلام التفرد لا التعدد، اى أن التعدُّد الاستثناء وليس القاعدة بادله منها: 1/ قوله تعالى (أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا)، 2/ ورود الحكم بالاباحه مقرونا بشرط معين هو الخوف من عدم القسط في اليتامى كما فى قوله تعالى(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ )، 3/ تذييل الآية التي تبيح التعدُّد بقوله تعالى{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) (النساء: 3) ،4/ قوله تعالى {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء: 129) ثم قوله صلى الله عليه وسلم (مَن كان له امرأتان فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وشقه مائل)، 5/كون التعدد مباح وليس واجب …
ثانيا: ان حكم التعدد الاصلى هو الاباحه “الجواز”(ما لا يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه ) – وليس الوجوب(ما يعاقب تاركه) أو الندب”الاستحباب” (ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه – إلاّ إذا اعتراه ما يغيّر حكمه من الإباحة إلى غيرها؛ إما الاستحباب أو الوجوب أو الكراهة او التحريم. فيكون مستحبًّا إذا كان فعله يؤدي إلى أمر مستحب كرعاية أرامل المسلمين، و يكون واجباً إذا كان عدمه يؤدّي إلى محرََّم ، ويكون مكروهاً إذا كان فعله يؤدِّي إلى مكروه، كطلاق الزوجة الأولى (هناك من الفقهاء من قالوا بكراهية الثاني والثالث والرابع منهم البهوتي( البهوتي، كشاف القناع 5/7 ،و يكون محرّماً إذا كان يعتريه ما يحرِّمه كأن يجمع بين المرأة وأختها، أو إذا غلب على الزوج الظن أنه لن يستطيع العدل بين زوجاته فيما يجب عليه العدل ، (سؤالات في تعدد الزوجات، الشيخ محمد بن سعد الشهراني ، تقدّيم الشيخ ابن جبرين، مؤسسة الريان،بيروت)
ثالثا: اباحه التعدد ليست مطلقه بل لها شروط وضوابط: ومنها:ا/ أن يعدل الرجل بين جميع زوجاته ويسوي بينهن في الحقوق بدليل تذييل الآية التي تبيح التعدُّد بقوله تعالى{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) (النساء: 3) ، ب/ أن توافر له القدرة على الإنفاق لقوله تعالى (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يعنيهم الله من فضله ) وقوله (صلى الله عليه وسلم )( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج )فربط الحديث بين الحث على الزواج و القدرة”ألبائه ” …
رابعا: قد جعل الشرع من حقِّ المرأة أو وليِّها أن يشترط ألا يتزوَّج الرجل عليها، فلو شرطت المرأة ذلك صحَّ الشرط ولزم، وكان لها حقُّ فسخ الزواج إذا لم يفِ لها بالشرط، ولا يسقط حقُّها في الفسخ إلا إذا أسقطته ورضيت بمخالفته، على تفصيلٍ كبيرٍ في كتب الفقهاء.
حديث ناقصات عقل ودين: كما اتخذ البعض الحديث الذي يقرر ان النساء ناقصات عقل ودين كدليل على نفى الإسلام المساواة بين المراْه والرجل ، وان ملكاتها و مقدراتها العقلية-الذكاء- اقل من ملكات ومقدرات الرجل بالإطلاق. وهذا فهم خاطئ مرجعه القراءة الجزئية لنص الحديث ، وعزله عن النصوص الأخرى، وعدم فهمه في إطار المفهوم الاسلامى للمساواة.
فنص الحديث كاملا هو (عن أبي سعيد الخدري قال خرج رسول الله في أضحى أو فطر إلى المصلى فمر على النساء فقال … معشر النساء تصدقن واكثرن الاستغفار فانى رايتكن اكثر اهل النار، فقالت امراْه منهن جزله: ومالنا يا رسول الله اكثر اهل النار؟ قال تكثرن اللعن وتكفرن العشير وما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن ، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل قلن بلى قال فذلك من نقصان عقلها أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم، قلن بلى قال فذلك من نقصان دينها) (بخارى رقم: 298|) .فالحديث يشير إلى امراْه جزلة وهى ذات العقل والراى . كما ان نص الحديث يشير الى تعجب الرسول صلى الله عليه وسلم من مقدرات النساء ،وان الواحدة تغلب الرجل اللبيب اى الذكي . كما ان الخطاب موجه الى النساء المسلمات ، ومتعلق بالأحكام الشرعية الخاصة بالنساء فى الشهادة والصلاة والصوم ، وإنها مبنيه على تميز تكوين المراْه ومقدراتها الذاتيه عن تكوين ومقدرات الرجل، وليس امتياز تكوين ومقدرات الاخير عليها. وفهم الحديث على انه يشير الى ان عقل المراْه اقل من عقل الرجل بالإطلاق يعنى فهمه على انه يشير الى ان دين المراْه – اى تدينها – اقل من دين الرجل بالاطلاق ، وهو ما يتناقض مع تقرير كثبر من النصوص على تفضيل كثير من النساء فى الدين على كثبر من الرجال كزوجه فرعون وام موسى و زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابيات..
فالمقصود بالعقل في الحديث اذا ليس النشاط المعرفي ،المشترك بين كل الناس رجالا ونساءا ، بل المقصود به أنماط “أشكال”هذا النشاط المعرفي ، التي تتميز – ولا تمتاز – نتيجة لتميز ضوابط هذا النشاط المعرفي التكوينيه” خصوصية التكوين الجسدي والنفسي ” والتكليفيه “الأحكام الشرعيه الخاصة “.. وهنا نستانس بتفسير الإمام ابن حزم للحديث والذي مضمونه فمضمونه :أولا:يلزم القائل بظاهر الحديث ان يكون أتم عقلاً وديناً من مريم وأم موسى وعائشة وفاطمة. والقول بغير هذا يعني ان من الرجال من هو أنقص ديناً وعقلاً من النساء. ثانيا: نقصان العقل والدين يقتصر فقط على الشهادة والحيض، ولا يتعداهما إلى غيرهما.ثالثا:هذا النقصان لا يوجب نقصان الفضل، فنساء النبي وبناته أفضل ديناً ومنزلة عند الله من كل تابعي، ومن كل رجل يأتي من بعدهم إلى يوم القيامة.
اباحه ضرب الزوجة: ومن هذه الأحكام اباحه الشريعة ضرب الزوجة لقوله تعالى(وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ) (النساء:34). غير ان لهذا الحكم ضوابط منها :
ا/ الايه تقرر ان الضرب هو أخر خيار يمكن ان يلجاْ اليه الزوج حال نشوز الزوجة (بعد الوعظ والهجر) ، فهو استثناء وليس أصل للعلاقة بين الرجل وزوجته لقوله تعالى ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ ).
ب/ أن لهذا الحكم شروط منها: 1/ أن يكون الضرب غير مبرح بسواك أو بمنديل ملفوف لا بسوط ولا بعصي أو نحوه – فعن عطاء قال : قلت لابن عباس : ما الضرب غير المبرح ؟ قال : السواك وشبهه يضربها به .( رواه ابن جرير 5/68 ) ، 2/ ويحرم ضرب الوجه والمقاتل، فعن جَابِرٍ -رضي الله عنه- قال : نهى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن الضَّرْبِ في الْوَجْهِ .( رواه مسلم (2116) .
ج/هذا الحكم هو من باب التدرج فى الانتقال مما هو كائن( الضرب كوسيلة وحيده للعقاب عند عرب الجاهلية) الى ما يبغى ان يكون(تفضيل استخدام خيارات أخرى للعقاب) بدليل تقرير الشريعة انه مع اباحه الضرب بشروطه إلا أن تركه أفضل : قال صلى الله عليه وسلم ( لقد طاف بآل محمد الليلة سبعون امرأة كلهن يشتكين الضرب وأيم الله لا تجدون أولئك خياركم ) (رواه النسائي في الكبرى : 9167 ، وصححه ابن حبان :4189)، قال الإمام الشافعي ( فجعل لهم الضرب وجعل لهم العفو وأخبر أن الخيار ترك الضرب)(الأم 5/112) ، وقال الحافظ ابن حجر( فيه دلالة على أن ضربهن مباح في الجملة ومحل ذلك أن يضربها تأديبا إذا رأى منها ما يكره فيما يجب عليها فيه طاعته فإن اكتفى بالتهديد ونحوه كان أفضل )(فتح الباري 9/304 وانظر : عون المعبود 6/128). وعن عَائِشَةَ ( رضي الله عنه ) قالت : ما ضَرَبَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شيئا قَطُّ بيده ولا امْرَأَةً ولا خَادِمًا إلا أَنْ يُجَاهِدَ في سَبِيلِ اللَّهِ (رواه مسلم :2328 )، قال النووي ( فيه أن ضرب الزوجة والخادم والدابة وإن كان مباحا للأدب فتركه أفضل ) ( شرح صحيح مسلم 15/84). وقال القاري ( خصا بالذكر اهتماماً بشأنهما ولكثرة وقوع ضرب هذين والاحتياج إليه وضربهما وإن جاز بشرطه فالأولى تركه قالوا بخلاف الولد فإن الأولى تأديبه) ( مرقاة المفاتيح 10/ 488 ).
رجحان مذهب منع زواج القاصرات : هناك مذهبين في زواج القاصرات:
مذهب الاباحه: المذهب الأول :هو مذهب اباحه زواج القاصرات ،ويستند هذا المذهب إلى العديد من الادله أهمها: قوله تعالى( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن )، و أن الرسول (صلى الله عليه وسلم ) تزوج عائشة (رضي الله عنها) وهي بنت تسع.
مذهب المنع :أما المذهب الثاني فهو مذهب منع زواج القاصرات. ويستند هذا المذهب على العديد من الادله :
أدله النفي: بعض هذه الادله تتصل بالرد على الادله التي أوردها مذهب اباحه زوج القاصرات ومنها:أولا: قال بعض أنصار هذا المذهب أن زواج الرسول (صلى الله عليه وسلم) من عاشه (رضي الله عنها) وهى صغيره من خصوصياته (صلى الله عليه وسلم) كزواجه أكثر من أربعه ، حيث رأى ابن شبرمة أن ( أَمْرَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا خُصُوصًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، كَالْمَوْهُوبَةِ، وَنِكَاحُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ) (ابن حزم/ المحلى)،كما قال البعض انه من العرف الذى كان سائدا عند العرب ، في عهد الرسول (صلى اله عليه وسلم ) وما قبله ، والذي يتغير بتغير الزمان ،وقال آخرون إن المعيار هو البلوغ وليس العمر ، وهو ما يتغير بتغير البيئات والازمنه ، بدليل أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) خطب عائشة (رضي الله عنها) وهى بنت ست ،وبني بها وهى بنت تسع.ثانيا: كما يرى أنصار هذا المذهب أن المقصود ب(اللائي لم يحضن ) في الايه ليس الصغيرات اللاتي لم يبلغن سن الحيض ، بل المرأة المرأة الكبيرة.ثالثا: أن الرضا من شروط الزواج لقوله (صلى الله عليه وسلم) (لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حتى تُسْتأمر، ولا تُنْكحُ البِكْرُ حتى تُسْتأذن، قالوا يا رسول الله وكيف إذْنُها؟ قال: أن تسكت)( رواه البخاري ومسلم). وهذا الشرط غير متوفر في الفتاه القاصر لأنها غير مكلفة .
أدله الإثبات : كما أن بعض أدله هذا المذهب تتصل بإثبات حكم المنع ومن هذه الادله:أولا: أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) رد خطبه ابو بكر وعمر (رضي الله عنهما) لفاطمة لأنها صغيره كما في الحديث(خطب أبو بكر وعمر فاطمة فقال رسول الله “صلى الله عليه وسلم”: ( إنها صغيرة ) ،فخطبها علي فزوجها منه)( قال المحقق شعيب الارنؤوط إسناده صحيح على شرط مسلم، وفي سنن النسائى الصغرى ) .ثانيا: نقل ابن حزم عن ابن شبرمة تحريم زواج غير البالغة حيث يقول في المحلى ( فِي بَعْضِ مَا ذَكَرْنَا خِلافٌ : قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: لا يَجُوزُ إنْكَاحُ الأَبِ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ إلا حَتَّى تَبْلُغَ وَتَأْذَنَ، وَرَأَى أَمْرَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا خُصُوصًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، كَالْمَوْهُوبَةِ، وَنِكَاحُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ).
رجحان مذهب المنع : إن الادله السابقة تجعل مذهب المنع– فيما نرى – هو المذهب الراجح .وقد قال بمذهب منع زواج القاصرات العديد من العلماء منهم الشيخ ابن عثيمين والشيخ محمد بن ناصر الألباني والشيخ يوسف القرضاوى والشيخ العبيكان…. (للمزيد انظر:ابن عثيمين والعبيكان والقرضاوي يؤيدان تحديد سن الزواج / مجيب ألحميدي ).
ختان الإناث:
مذاهب درجه إيجاب الختان: اتفق الفقهاء على إيجاب الختان على وجه العموم ، لقوله صلى الله عليه وسلم( خمس من الفطرة: الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظافر وقص الشارب)(متفق عليه)،ولكنهم اختلفوا في درجه الإيجاب،إلى مذهبين: المذهب الأول(الوجوب): و قال به الشعبي وربيعة والأوزاعي ويحيى بن سعيد ومالك والشافعي وأحمد. المذهب الثاني(الندب/ الاستحباب/ سنه): وقال به أبو حنيفة والحسن،ونقله كثير من الفقهاء عن مالك ، يقول ابن عابدين في كتاب الطهارة من “السراج الوهاج”( اعلم أن الختان سنة عندنا للرجال والنساء)..
التمييز بين الرجل والمراه في درجه الإيجاب: والمشترك بين المذاهب وهو
إيجاب(طلب) الختان، لكن الفقه الاسلامى يميز بين الرجل و المراه في درجه الإيجاب، فحكم ختان الرجل درجه بين الوجوب(الفرض) والندب (السنة)، باعتبارات كثيرة منها أثره وموضوعه، فباعتبار أثره( لأثره الايجابي على الصحة) يمكن أن يحمل على الوجوب،وباعتبار موضوعه(الطهارة كأمر تحسيني ) يمكن أن يحمل على الندب ،وقد أشار بعض العلماء على هذا الحكم، يقول القاضي عياض المالكي ) الاختتان عند مالك وعامة العلماء سنة، ولكن السنة عندهم يأثم تاركها؛ فهم يطلقونها على مرتبة بين الفرض والندب). ويقول الموصلي الحنفي في “شرح المختار”(: أن الختان للنساء مكرمة فلو اجتمع أهل مصر على ترك الختان قاتلهم الإمام؛ لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه) . أما حكم ختان المراه فهو في درجه إيجاب ادني من درجتي الندب (السنة) ، والوجوب(الفرض)بخلاف الرجل،وهى درجه الجواز – الاباحه (اى لا يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه) ، وقد عبر الفقهاء عن هذه الدرجة بمصطلح “مكرمه”، يقول ابن قدامه (المغني)( إن الختان واجب على الرجال ومكرمة في حق النساء وليس بواجب عليهن)، وفي شرح المختار للموصلي ( إن الختان سنة للرجال وهو من الفطرة، وللنساء مكرمة) .
التمييز بين الكيفيات و منع الختان الفرعوني: غير انه يجب الاشاره إلى أن حكم الجواز وعدم الوجوب او الندب، مقصور على كيفية الختان التي وردت في السنه عن ختان الإناث،كما في حديث أم عطية رضي الله عنها قالت: إن امرأة كانت تختن بالمدينة فقال صلى الله عليه وسلم(لا تنهكي فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب إلى البعل)( رواه أبو داود). وقوله صلى الله عليه وسلم( يا نساء الأنصار اختفضن (اختتن) ولا تنهكن أي لا تبالغن في الخفاض)( رواه البيهقي في شعب الإيمان)- مع الاشاره إلى أن هناك من ضعف هذه الأحاديث – أما الختان الفرعوني فهو كيفيه أخرى للختان ، ذات جذور وثنيه، لا أصل لها في الإسلام ، وهى بدعه إذا اعتقد فاعلها أنها من الدين وأصوله، و حكمها المنع لثبوت ضررها على المراه، استنادا إلى قاعدة لا “ضرر ولا ضرار”.
نحو فهم صحيح لقول بعض الفقهاء “صوت المراه عوره” :
أولا: اختلاف الفقهاء في كون صوت المراه عوره أم لا : اختلف الفقهاء في كون صوت المراه عوره أم لا، فقال الأحناف أن صوت المراه عوره ، واستدلوا بقوله تعالى(وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ)، ووجه الاستدلال عندهم انه إذا نهيت المراه عن صوت الخلخال ، فإن المنع عن رفع صوتها أبلغ في النهي، كما استدلوا بحديث التكبير للرجال والتصفيق للنساء. وذهب الشافعية وغيرهم إلى أن صوت المرأة ليس بعورة، لأن المرأة لها أن تبيع وتشتري وتُدْلي بشهادتها أمام الحكام، ولابد في مثل هذه الأمور من رفع الصوت بالكلام، يقول الألوسي ( والمذكور في معتبرات كتب الشافعية- وإليه أميل- أن صوتهن ليس بعورة فلا يحرم سماعه إلا إن خشي منه فتنة….). وقال فقهاء الحنابلة أن صوت المرأة ليس بعورة،(انظر شرح المنتهى: 3/11 ،وشرح الإقناع: 3/8 ط مقبل، وغاية المنتهى: 3/8، والفروع: 5/157.)
ثانيا:التمييز بين الكيفيات :ورفع هذا الخلاف يكون بالتمييز بين الكيفيات المختلفة لكلام المراه ،فهناك الكيفية القائمة على الخضوع بالقول، وتنغيم الكلام ، ورفع الصوت للفتنه، وحكمها التحريم. وهناك الكيفية التي لا تتضمن كل ما سبق ، وحكمها الاباحه، وهنا لا يجوز وصف صوت المراه بأنه عوره . نستدل على هذا التمييز بين الكيفيات المختلفة للكلام بالاتي: أولا: أن الايه(َلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) نهت عن الخضوع بالقول وأباحت القول قولا معروفا . ثانيا:ورد في السنة أن النساء كن يأتين إلي النبي صلى الله عليه وسلم ويخاطبنه بحضور الرجال ولا ينهاهن، ولا يأمر الرجال بالقيام… ثالثا:أن من قال أن صوت المراه عوره ركز على مسالة الفتنه ،يقول الجصاص في تفسيره( وفي الآية دلالة على أن المرأة منهية عن رفع صوتها بالكلام بحيث يسمع ذلك الأجانب إذا كان صوتها أقرب إلى الفتنة من صوت خلخالها. ) . رابعا: أن النهى عن رفع الصوت هنا ليس حكم قائم بذاته ، بل هو فرع من النهى العام عن كل ما يلفت النظر ويحرك الشهوة ،يقول ابن كثير: أن المرأة منهية عن كل شيء يلفت النظر إليها، أو يحرك شهوة الرجال نحوها، ومن ذلك أنها تنهى عن التعطر والتطيب عند خروجها من بيتها فيشم الرجال طيبها لقوله عليه السلام «كل عين زانية، والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا» .خامسا: أن قول الرسول(صلى الله عليه وسلم) (إذا نابكم شيء في الصلاة فليسبح الرجال وليصفق النساء)، لا يفيد أن مطلق صوت النساء عوره ، لأنه مقيد في الصلاة، وظاهر الحديث أنه لا فرق بين أن تكون مع الرجال أو في بيت لا يحضرها إلا النساء أو محارم ( مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين – المجلد الثاني عشر – باب ستر العورة.).
خدمه المراه لزوجها وحكمه : قال بعض العلماء أن حكم خدمه المرأة لزوجها هو الوجوب، ومنهم الإمام ابن القيم في كتابه (زاد المعاد ) ، واختلف هؤلاء العلماء في كون حكم الوجوب يشمل خدمتها لزوجها في كل شي (كما قال أبو ثور)، أم مقصور على خدمته في البيت فقط كما قالت بذلك طائفة من السلف والخلف . ونفت طائفة من العلماء أن يكون حكم خدمه المرأة لزوجها هو الوجوب ، وممن نفى ذلك مالك والشافعي وأبو حنيفة، وأهل الظاهر و الإمام ابن حزم الذى يقرر ان خدمه الزوجة لزوجها مندوبه فهي من جنس المعاشرة الحسنة التي حث عليه الشرع ، ولكنها ليست واجبه ، لان عقد الزواج إنما هو على البضع لا على الخدمة ، حيث يقول ( وَلَا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَخْدِمَ زَوْجَهَا فِي شَيْءٍ أَصْلًا ، لَا فِي عَجْنٍ ، وَلَا طَبْخٍ ، وَلَا فَرْشٍ ، وَلَا كَنْسٍ ، وَلَا غَزْلٍ ، وَلَا نَسْجٍ ، وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ أَصْلًا – وَلَوْ أَنَّهَا فَعَلَتْ لَكَانَ أَفْضَلَ لَهَا وَعَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَأْتِيَهَا بِكِسْوَتِهَا مَخِيطَةً تَامَّةً ، وَبِالطَّعَامِ مَطْبُوخًا تَامًّا وَإِنَّمَا عَلَيْهَا أَنْ تُحْسِنَ عِشْرَتَهُ ، وَلَا تَصُومَ تَطَوُّعًا وَهُوَ حَاضِرٌ إلَّا بِإِذْنِهِ ، وَلَا تُدْخِلُ بَيْتَهُ مَنْ يَكْرَهُ ، وَأَنْ لَا تَمْنَعَهُ نَفْسَهَا مَتَى أَرَادَ ، وَأَنْ تَحْفَظَ مَا جَعَلَ عِنْدَهَا مِنْ مَالِهِ )، واستدل هؤلاء العلماء على نفي كون حكم خدمه المراه لزوجها هو الوجوب بكون عقد النكاح إنما اقتضى الاستمتاع لا الاستخدام، وبذل المنافع. قالوا: ان الأحاديث التي تحث المراه على خدمه زوجها إنما تدل على التطوع ومكارم الأخلاق ،ولا تدل على الوجوب.من أقوال الفقهاء نخلص إلى أن الفقهاء اتفقوا على إيجاب (طلب) خدمه المراه لزوجها،استنادا إلى الأحاديث الحاثة على ذلك ، لكنهم اختلف وفى درجه الإيجاب (الطلب)، فقال بعضهم أنها درجه الوجوب،وقال آخرون أنها درجه الندب – الاستحباب(التطوع ومكارم الأخلاق).
التواصل مع الدكتور صبري خليل من خلال الرابط : http://wp.me/P1EEH7-j0
==============
أبحاث سياسية
الأحوال والمقامات عند الإمام ابن القيم
tampon
الأحوال والمقامات عند الإمام ابن القيم
د. صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم
sabri.m.khalil@hotmail.com
السيرة الذاتية للإمام ابن القيم: هو أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزُّرعي الدمشقي ، الشهير بـ ” ابن قيّم الجوزية ” أو ابن القيم اختصاراً، وسببُ التسمية أن والده كان قَيِّماً على المدرسة الجوزية بدمشق.ولِد سنة إحدى وتسعين وستمائة للهجرة .
والامام ابن القيم من أعلام المذهب الحنبلي ، وقد لازم الامام ابن تيميه منذ عودته من مصر سنة وإلى حين وفاته، وقد ألّف الامام ابن القيم في شتى المعارف العلوم الدينية والدنيوية ، كالتفسير وعلوم القرآن والحديث وعلله ورجاله والفقه وأصوله ، واللغة ، والسلوك والأخلاق و الفروسية ..ومن مؤلفاته : : مدارج السالكين/ شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة / جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الآنام صلى الله عليه وسلم / بدائع الفوائد /مفتاح دار السعادة./ زاد المعاد / روضة المحبين/ تهذيب سنن أبي داود .
موقف الإمام ابن القيم من التصوف: وموقف الامام ابن القيم من التصوف يتجاوز موقفى القبول المطلق والرفض المطلق، إلى موقف نقدي ” تقويمي” ، يتناوله من حيث اتفاقه أو اختلافه مع أصول الدين ،المتمثلة في القواعد اليقينية الورود القطعية الدلالة ، فإن اتفق معها كان الأخذ و القبول، وإن اختلف كان الرد و الرفض ، يقول ( فاعلم أن في لسان القوم من الاستعارات، وإطلاق العام وإرادة الخاص، وإطلاق اللفظ وإرادة إشارته دون حقيقة معناه، ما ليس على لسان أحد من الطوائف غيرهم ، ولهذا يقولون “نحن أصحاب عبارة” و”الإشارة لنا والعبارة لغيرنا” ،وقد يطلقون العبارة التي يطلقها الملحد، ويريدون بها معنى لا فساد فيه،وصار هذا سبباً لفتنة طائفتين: طائفة تعلقوا عليهم بظاهر عباراتهم فيدعوهم وظللوهم. وطائفة نظروا إلى مقاصدهم ومغزاهم، فصوبوا تلك العبارات ،وصححوا تلك الإشارات، فطالب الحق يقبله ممن كان ويرد ما خالفه على من كان… والطائفة الثانية حجبوا بما رأوه من محاسن القوم وصفاء قلوبهم وصحة عزائهم وحسن معاملتهم عن رؤية شطحاتهم ونقصانها فسحبوا عليها زيل المحاسن وأجروا حكم القبول وهؤلاء أيضاً معتدون مفرطون.والطائفة الثالثة: وهم أهل العدل والإنصاف الذين أعطوا كل ذي حق حقه ،وأنزلوا كل ذي منزلة منزلته ، فلم يحكموا للصحيح بحكم السقيم المعلول ولا للمعلول السقيم بحكم الصحيح، بل قبلوا ما يقبل وردوا ما يرد) (مدراج السالكين، ج3، ص39) ، وبناء على هذا الموقف التقويمى يورد ابن القيم تعريفاُ للتصوف فيقول (… والتصوف زاوية من زوايا السلوك الحقيقي ، وتزكية النفس وتهذيبها ، لتسعد بسيرها إلى صحبة الرفيق الأعلى ومحبته فإن المرء مع من أحب).
الأحوال والمقامات عند أعلام التصوف الاسلامى: أشار أعلام التصوف الاسلامى إلى الأحوال والمقامات ، باعتبارها درجات “مراحل” التطور أو الترقي الروحي للإنسان وقد استندوا في ذلك إلى تقرير القرآن أن الوجود الإنساني ينبغى أن يكون في صعود دائم عبر درجات كما فى قوله تعالى ﴿ يرفع الله الدين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات﴾،وقوله تعالى ﴿ ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات ﴾. كما بينوا أوجه الاختلاف بين الأحوال والمقامات، أن الأحوال تمثل الدرجات الذاتية لهذا الترقي الروحي ، متمثله في الأنماط الانفعالية والمعرفية ، التي تجئ كمحصله لالتزام الإنسان بمجموعه من القواعد التي تحدد للإنسان ما ينبغي أن يكون عليه وجدانه وتفكيره. بينما المقامات تمثل درجات هذا الترقي الروحي الموضوعية، متمثله في الأنماط السلوكية، التي تجئ كمحصله لالتزام الإنسان بمجموعه القواعد ، التي تحدد له ما ينبغي أن يكون عليه سلوكه. يقول السراج الطوسي في (للمع)(إن قيل ما معنى المقامات؟يقال:معناه مقام العبد بين يدي الله عز وجل,فيما يقام فيه من العبادات والمجاهدات والرياضيات والانقطاع إلى الله عز وجل قال الله تعالى”ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ” ( سورة إبراهيم /14) وقال “وما منا إلا له مقام معلوم ” ( الصافات / 164 ). …أما الحال:فهي معنى يرد على القلب من غير تصنع ولا اكتساب…).وقد حكي عن الجنيد أنه قال(الحال نازلة تنزل بالقلوب فلا تدوم…وليس الحال من طريق المجاهدات والعبادات والرياضيات كالمقامات”. ).أما في “الرسالة القشيرية” فقد جاء ان المقام (ما يتحقق به العبد بمنازلته من الآداب,مما يتوصل إليه بنوع تصرف,ويتحقق به بضرب تطلب,ومقاساة تكلف.فمقام كل أحد:موضع إقامته عند ذلك,وما هو مشتغل بالرياضة له.وشرطه أن لا يرتقي من مقام إلى مقام آخر ما لم يستوف أحكام ذلك المقام…ولا يصح لأحد منازلة مقام إلا بشهود إقامة الله تعالى إياه بذلك المقام,ليصح بناء أمره على قاعدة صحيحة).أما الحال فهو (معنى يرد على القلب,من غير تعمد منهم,ولا اجتلاب,ولا اكتساب لهم…فالأحوال :مواهب.والمقامات :مكاسب.وقالوا :الأحوال كإسمها ,يعني أنها كما تحل بالقلب تزول في الوقت).
موقف الامام ابن القيم من الأحوال والمقامات والتصور الصوفي لها: والإمام ابن القيم لم ينكر التطور الروحي ” الذي عبر عنه بمصطلح السير إلى الله” ،ولم ينفى الأحوال والمقامات”، باعتبارها درجات هذا التطور الروحي ، ولم يرفض التصور الصوفي لهذا الترقي الروحي ودرجاته بالجملة، بل ميز بين تصور التصوف “الحلولى ” (القائم على مفاهيم بدعية أجنبيه كالحلول والاتحاد ووحده الوجود)، والقائم على أن لهذا الترقي الروحي نهاية هي الوصول إلى الله تعالى “بالحلول أو الاتحاد او الوحدة “) ، وان كل درجه من درجات هذا الترقي الروحي تنعدم بالانتقال إلى درجه اعلي ، وهو يرفض هذا التصور جمله وتفصيلا ،لأنه يتعارض مع العقيدة الاسلاميه . أما تصور التصوف “السني “لهذا الترقي الروحي ودرجاته “الأحوال والمقامات”، فيقبله على وجه الإجمال،ويعمل على تأصيله ،من خلال إيراد النصوص الدالة عليه ، مع إشارته إلى بوجود أوجه خطا فيه يجب تصوبها،وهو في كل الأحوال ينطلق من فلسفه إسلاميه قائمه على انه ليس للترقي الروحي للإنسان نهاية ، وان كل درجه من درجات هذا الترقي الروحي لا تنعدم بالانتقال إلى درجه اعلي ، حيث يقول (اعلم أن ترتيب هذه المقامات ليس باعتبار أن السالك يقطع المقام ويفارقه وينتقل منه إلى التالي بعده ، كمنازل السير الحسي، وإنما هذا الترتيب ترتيب المشروط المتوقف على شرط المصاحب له )( مدارج السالكين: 1/ 108 -109 ).
المقامات عند الامام ابن القيم: اتساقا مع موقفه الايجابي – التقويمى من الأحوال والقمامات تناول الامام ابن القيم المقامات:
التوبة: حيث أشار إلى مقام التوبة ، فعرف التوبة بأنها ( حقيقة التوبة هي الندم على ما سلف منه في الماضي، والإقلاع عنه في الحال، والعزم على أن لا يعاوده في المستقبل ، والثلاثة تجتمع في الوقت الذي تقع فيه التوبة)( مدارج السالكين: 1/ ذ44) ، ثم بين شروط التوبة النصوح فقال (النصوح في التوبة يتضمن ثلاثة أشياء: الأول تعميم جميع الذنوب… والثاني إجماع العزم والصدق بكليته عليها… والثالث :تخليصها من الشوائب والعلل القادحة في إخلاصها ) (مدارج السالكين:1/ 138).
الانابه: كما أشار إلى مقام الانابه ، حيث عرف الانابه بأنها ( عكوف القلب على الهل ، كاعتكاف البدن في المسجد لا يفارقه، وحقيقة ذلك عكوف القلب على محبته، وذكره بالإجلال والتعظيم وعكوف الجوارح على طاعته ،بالإخلاص له والمتابعة لرسوله )( مدارج السالكين: 1/ 328)، ثم قسم الانابه إلى عده أقسام، حيث قال ( والناس في إنابتهم إلى الله إلى درجات عده : فمنهم المنيب إلى الله بالرجوع إليه من المخالفات والمعاصي،وهذه الانابه مصدرها مطالعه الوعيد …ومنهم المنيب إليه بالدخول في أنواع العبادات والقربات…وهذه الانابه مصدرها الرجاء ومطالعه الوعد.. ومنهم المنيب إلى الله بالتضرع والدعاء… والافتقار إليه والرغبة وسؤال الحاجات كلها منه. ومصدره هذه الانابه شهود الفضل والمنه والكرم والقدره ..)( طريق الهجرتين: ص 313- 314) ….ثم يرى أن أعلى أنواع الانابات انابه الروح لخالقها سبحانه(المرجع السابق : ص 314)
الزهد: كما أورد الامام ابن القيم أقوال العلماء في تعريف الزهد، وأشار إلى تعريف الامام ابن تيميه له بأنه” ترك ما لا ينفع في الاخره، والورع ترك ما يخاف ضرره في الاخره “. ثم أشار إلى أقسام الزهد فقال ( أقسامه:احدهما فرض على كل مسلم وهو الزهد في الحرام .. الثاني: زهد مستحب وهو الزهد في المكروه وفضول المباحات… الثالث : زهد الداخلين في هذا الشأن وهم المشمرون في السير إلى اله ، وهو نوعان: احدهما الزهد في الدنيا جمله وليس تخليها من اليد ولا إخراجها وقعوده صفرا منها ،وإنما المراد إخراجها من القلب بالكلية، فلا يلتفت إليها ولا يدعها تساكن قلبه …النوع الثاني: الزهد في نفسك وهو أصعب الأقسام، وهو ذبحها بغير سكين وهو نوعان احدهما وسيله وبدايه :وهى أن تميتها فلا يبقى بها عندك من القدر شي، فلا تغضب لها ولا ترضى لها ولا تنتصر لها ولا تنتقم لها … قد سلبت عرضها ليوم فقرها وفاقتها ..وهذا وان كان ذبحا لها واماته عن طباعها وأخلاقها فهو عين حياتها وصحتها.. النوع الثاني : غاية وكمال : وهو ان ن يبذلها للمحبوب جمله بحيث لا يستبقى منها شيئا ، بل يزهد فيها زهد المحب في قدر خسيس من ماله قد تعلقت رغيه محبوبة به) (طريق الهجرتين :ص 453 – 458 )
الاستقامة: كما أشار إلى مقام الاستقامة ، فعرف الاستقامة بأنها (كلمه جامعه آخذه بمجامع الدين ،وهى القيام بن يدى الله على حقيقة الصدق والوفاء بالعهد وتتعلق بالأقوال والأفعال والأحوال والنيات…)( المدارج: 2/ 80 )،وبين الطرق الموصلة إليها فقال ( طريق قريب يوصل إلى الاستقامة في الأحوال والأقوال والإعمال ، وهى شيئان :احدهما حراسه الخواطر وحفظها والحذر من إهمالها والاسترسال معها.. الثاني صدق التأهب للقاء الله عز وجل)
التوكل: كما أشار إلى مقام التوكل، وبين شروطه فقال ( العبد لا يستكمل مقام التوكل إلا بثمانية أمور هي : 1- المعرفة بالرب وصفاته… 2- إثبات الأسباب والمسببات، والأخذ بالأسباب مع عدم الركون إليها… 3- رسوخ القلب في مقام توحيد التوكل… 4- اعتماد القلب على الله واستناده وسكونه إليه… 5- حسن الظن بالله…. 6- استسلام القلب له …7- التفويض… 8- الرضا بالقدر…) ( مدارج السالكين 2/ 90-94).
الصبر: كما أشار إلى مقام الصبر الذي عرفه بأنه( حبس النفس عن الجزع والتسخط ، وحبس اللسان عن الشكوى وحبس الجوارح عن التشويش) ( مدارج السالكين : 2/119)،كما قسم الصبر إلى أقسام متعددة هي: 1/ صبر بالله وهو الاستعانة به سبحانه ( واصبر وما صبرك الا بالله)…2/ صبر لله : أن يكون الباعث على الصبر محبه الله وارده وجهه والتقرب إليه…3/ صبر مع الله: دوران العبد مع مراد الله الدينى منه ومع أحكامه الدينية : وهو ثلاثة أقسام ا/ صبر على الأوامر والطاعات،ب/ وصبر عن المناهى والمعاصي،ج/ صبر على المحن والمصائب)، وقال ان كف اللسان عن الشكوى من لوازم الصبر، إلا انه قال انه لا يقدح في الصبر” إخبار المخلوق بالحال للاستعانة بإرشاده أو معاونته للتوصل إلى زوال ضرره كإخبار الطبيب بشكايته وإخبار المظلوم من ينتصر به لحاله..”( عده الصابرين : ص 270)
الصدق:كما أشار إلى مقام الصبر فقال ” منزله القوم الأعظم الذي منه نشا جميع منازل السالكين والطريق الأقوى الذي من لم يسر عليه فهو من المنقطعين الهالكين”
الذكر:كما أشار إلى مقام الذكر فقال ” الذكر منشور الولاية تأذى من أعطيه اتصل ومن منعه عزل”كما بين أقسامه فقال (… أقسامه القسم الأول: ذكر أسماء الرب تبارك وتعالى وصفاته والثناء عليه بهما ،وهذا القسم نوعان: الأول: إنشاء الثناء عليه من الذاكر ،وهو المذكور في الأحاديث …الثاني الخبر عن الرب تعالى بأحكام أسمائه وصفاته ،وأفضل هذا النوع الثناء عليه بما اثنى علبه على نفسه وبما اثنى عليه رسوله ….القسم الثاني : ذكر أمره ونهيه وإحكامه وهى نوعان : ذكره بذلك إخبارا عنه بأنه آمر بكذا.. ذكره عند آمره فيبادر إليه ،وعند نهيه فيهرب منه ..)(الوابل الصيب ص 178- 181)
الاحوال عند الامام ابن القيم :كما تناول الامام ابن القيم الاحوال :
الرجاء :فأشار إلى حال الرجاء الذي عرفه بأنه ( حاد يحدو القلوب إلى بلاد المحبوب وهو الله والدار الاخره ويطيب لها السير….)( مدارج السالكين : 2/ 27 ) كما أشار إلى أن الفرق بينه وبين التمني أن التمني يكون مع الكسل، ولا يسلك بصاحبه طريق الجد والاجتهاد ، والرجاء يكون مع بذل الجهد وحسن التوكل )( المصدر السابق،نفس المكان).كما أشار إلى القيمة الكبيرة للرجاء فقال ( الرجاء من اجل المنازل وأعلاها وأشرفها ، وعليه وعلى الخوف مدار السير الى الله ، وقد مدح الله أهله واثني عليهم فقال لقد كان لكم في رسول الله أسوه حسنه لمن كامن يرجو الله واليوم الاخر) ( المدارج: 2/ 31 )، كما أشار إلى ضرورة الجمع بين الرجاء والخوف فقال ( القلب في سيره إلى الله عز وجل بمنزله الطائر، فالمحبة رأسه والخوف والرجاء جناحاه،/ فمتى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران .. )(مدارج السالكين: 1/ 390)
الخوف: كما اشار الى حال الخوف فقال ( الخوف من اجل منازل الطريق، وانفعها للقلب وهى فرض على كل احد قال تعالى ” فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين”) (مدارج السالكين: 1/ 386)، كما ميز بين الوجل والخوف والخشبة والرهبة (.. فالخوف حركه ، والخشية انجماع وانقباض وسكون ، أما الرهبة فهي إمعان في الهرب من المكروه ، أما الوجل فرجفان القلب وانصداعه لذكر من يخاف سلطانه….أما الهيبة فخوف مقارن للتعظيم والاجلال… والاجلال تعظيم مقرون بالحب…..) اتساقا مع التمييز السابق قال ان ” الخوف لعامه المؤمنين ، والخشية للعلماء ، والهيبة للمحبين، والاجلال للمقربين) ( مدارج السالكين: 1/ 386 -387)
المحبة: كما اشار إلى حال المحبة، فقال ان المحبة هي ” المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون واليها شخص العاملون والى علمها شمر السابقون وعليها تفانى المحبون..)( مدراج السالكين : 3/ 807)،وأشار إلى لوازم المحبة وهى:1- توحيد الله وإفراده بجميع أنواع العبادة… 2-موافقة الله في إتباع ما يأمر به واجتناب ما ينهى عنه… 3- محبه القران الكريم …
المراقبة: كما اشار إلى حال المراقبة ، فعرف المراقبة بانها ( دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى ظاهره وباطنه… والمراقبة التعبد بأسمائه الرقيب والحفيظ والعليم والسميع والبصير فمن عقل هذه الأسماء وتعبد بمقتضاها حصلت له المراقبة)( المدارج 2/ 49 – 50)
الإخلاص: كما اشار إلى حال الإخلاص،فعرف الإخلاص بأنه ( هو إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة…) ،وأشار إلى أفات الإخلاص فقال ( يعرض للعامل في عمله ثلاثة آفات: رؤيته وملاحظته .. وطلب العوض عنه ..ورضاه به وسكونه اليه ، فالذي يخلصه من رؤية عمله مشاهدته لمنه الله عليه وفضله وتوفيقه له.. والذى يخلصه من طلب العوض عنه علمه بأنه عبد محض..والذي يخلصه من رضاه بعمله أمرين: احدهما مطالعه عيوبه وآفاته.. الثاني: علمه بما يستحقه الرب من حقوق العبودية.. )( مدارج السالكين 2/ 70- 72).
=============
نحو قراءه اسلاميه للناصريه
د.صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم
sabri.m.khalil@hotmail.com
تعدد قراءات الناصريه واسبابه : تعددت قراءات الناصريه ، ومرجع هذا التعدد عده اسباب منها: اولا: ان اى تراث فكرى بما هو اجتهاد انسانى لابد ان يكون نسبى فى الزمان والمكان محدود بهما، و بالتالى يقع فى اطار الظنى الدلاله (اى ما يحتمل التاويل بلغه علم اصول الفقه ) ، لذا يمكن ان تتعدد تاْويلاته(قراءاته)، وذلك خلافا للدين بماهو وضع الهى، مطلق عن قيود الزمان والمكان،لذا فهولا يحتمل التاويل-على مستوى اصوله.ثانيا: ان تفسير ذات الفكره “النظريه” اوالتجربه”العمليه”الانسانيه يمكن ان يختلف باختلاف الجهه المنظور منها اليها،والتى تتضمن الفلسفه اومنهج معرفه المعينين المستخدمين فى تفسير هذه الفكره او التجربه..ثالثا: ان هناك ثلاثه مواقف يمكن اتخاذها اتجاه اى فكره”نظريه ” او تجربه “عمليه” انسانيه هى : الرفض المطلق و القبول المطلق والموقف النقدى، وكل موقف منهما يمكن ان يؤسس لقراءه مختلفه لذات الفكره او التجربه الانسانيه. رابعا: انه رغم شيوع مصطلح” الناصرية” فى الفكر السياسى العربى المعاصر، إلا ان دلالته غيرقطعية ، وقد يرجع ذلك الى ان”الناصريه” نظريه سياسيه” مذهب ” ذات طابع عملي- تجريبى(بعدى) ،اى تم استخلاصها- لاحقا- من تجربه سياسيه معينه، تمت فى مكان وزمان معينين،وليست نظريه سياسيه ذات طابع نظرى- تجريدى ( قبلى) اى تم وضعها – اولا – بواسطه فلاسفه سياسيين معينين(كالليبراليه او الماركسيه…)…
قراءتان اساسيتان :وفى اطار هذا التعدد فى القراءات نكتفى بتناول قراءتان اساسيتان للناصريه هما:
القراءه الاولى(القراءه العلمانيه للناصريه) : وهى قراءه ذات منطلقات فكريه متعدده ” ليبراليه ،ماركسيه… ” ، وتستند الى افتراض مضمونه ان التجربه الناصريه كانت علمانيه فى موقفها من مشكله العلاقه بين الدين والدوله ، وترتب على هذا الافتراض انه ينبغى على النظريه السياسيه الناصريه ان تتخذ موقف القبول المطلق للعلمانيه كحل لمشكله العلاقه بين الدين والدوله:
نقد :
تناقض التجربه الناصريه مع العلمانية : غير ان الافتراض الذى تستند اليه هذه القراءه خاطىْ،حيث إن التجربة الناصرية تناقضت – على المستويين النظري والتطبيقي – مع العلمانية كحل قدمته أوربا الليبرالية، ضمن ظروف تاريخيه خاصة، لمشكله العلاقة بين الدين والدولة، يقوم على الفصل بينهما، فعلى المستوى النظري نجد – من الناحية الشكليه الاصطلاحيه- أن عبد الناصر لم يستخدم مصطلح علمانيه في اى من خطاباته الشفهية أو وثائقه المكتوبة ، يقول الاستاذ / مخلص الصيادي(من الناحية الشكلية ليس في تاريخ الناصرية وفق علمي ما يشير إلى تبنيها للعلمانية من حيث المصطلح ، ولم تثر هذه القضية في تاريخ الناصرية ، ولا يعرف أن جمال عبد الناصر أتى عليها، على الرغم من أنها كانت مثارة بقوة وبوضوح في المجالين الإسلامي بالنموذج التركي، والعربي بالنموذج البورقيبي)( مخلص الصيادي ، الناصرية والدين ، منتديات الفكر القومي العربي) ، اما من ناحيه المضمون فقد رفض عبد الناصر مضمون العلمانية في بعض الخطابات والوثائق، حيث يقول مثلا سنة 1963 (الإسلام دين التطور والحياة، والإسلام يمثل الدين ويمثل الدنيا، لا يمثل الدين فقط). هذا فضلا عن أن التجربة الناصرية اتخذت موقفا ايجابيا من الدين ، على المستويين النظري والعملي- كما سنوضح لاحقا عند الحديث عن القراءه الاسلاميه للناصريه – هو ما يتناقض مع كون العلمانية- بفصلها للدين عن الدوله – تتخذ موقفا سلبيا – او على الاقل محايدا – من الدين، على الأقل على مستوى الدولة كممثل للمجتمع .
تناقض التجربه الناصريه مع التغريب: كما ان تبنى التجربه الناصريه لسياسات التحرر وطنى وقومى وعالم ثالثى من الاستعمار الغربى” القديم والجديد والاستيطانى” ،والتنميه المستقله فى الاقتصاد ، وعدم الانحيار فى السياسه الخارجيه ، و صراعها مع قوى الاستعماريه الغربيه… انما ينهض كدليل – عملى تطبيقى – على تناقضها مع التغريب الذى مضمونه محاوله اجتثاث الجذور، والعلمانيه – كما يقرر الدكتور عصمت سيف الدوله شكل من اشكال التغريب لان ( جوهر الدعوه العلمانيه فى مجتمع من المسلمين هو ان تستبدل بالشرائع والقواعد والاداب التى جاء بها الاسلام بشرائع وقواعد واداب وضعيه) (عن العروبه والاسلام،ص423) .
القراءه الثانيه(القراءه الاسلاميه للناصريه ): اما القراءه الثانيه فهى قراءه اسلاميه للناصريه التمييز بين التجربه والنظريه السياسيه “المذهب”: هذه قراءه تميز- اولا- بين دلالتين لمصطلح الناصريه : الدلاله الاولى هى الناصريه باعتبارها تجربه تاريخيه معينه، تمت فى مكان وزمان معينين ،اما الدلاله الثانيه فهى الناصريه باعتبارها نظريه سياسيه” مذهب ” تم استخلاصها- لاحقا- من تجربه تاريخيه معينه .
اولا: التجربه :
الموقف من التجربه الناصريه :
اولا: مواقف تستند الى مفاهيم وقواعد تتعارض مع الدين : هذه القراءه ترفض- اولا – جمله من المواقف من التجربه الناصريه التى تستند الى مفاهيم او قواعد تتعارض مع مفاهيم وقيم وقواعد الاسلام الكليه ، التى مصدرها النصوص اليقينيه الورود القطعيه الدلاله –حتى لو تبناها بعض من ينسبون انفسهم الى الاسلام – افرادا او جماعات– ومنها:
ا/ الرفض المطلق: الاستناد الى موقف الرفض المطلق الذى ذمه القران الكريم فى معرض ذمه لموقف الكفار والمشركين، القائم على رفضهم المطلق للعقيده الصحيحه وانماط السلوك القويمه التى جاء بها الانبياء، والذى يلازم قبولهم المطلق للعقائد الفاسده وانماط السلوك القبيحه المتوارثه من الاباء ،وبالتالى قال تعالى﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ ﴾ (المائدة:104) ،وقال تعالى ﴿ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ﴾ (الأعراف:28) ،وشبه هذا صاحب هذا الموقف بالاعمى لانه يرفض ويقبل بدون دليل ﴿ وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء:72]. ويرتبط هذا الموقف ارتباطا عضويا بالتقليد الذى مضمونه قبول قول القائل بدون دليل ، والذى يرفضه الاسلام والذى نهى عنه الائمه :يقول الإمام أبو حنيفة(حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتى بكلامي، فإننا بشر نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا)( ابن عبد البر، في فضائل ألائمه والفقهاء، ص145 )، ويقول الإمام احمد بن حنبل( لا تقلدوني ولا تقلدوا مالكا ولا الشافعي ولا الثوري، وخذوا من حيث اخذوا) (ابن القيم أعلام الموقعين،ج2، ص302). ، الذى يلزم منه التركيز على السلبيات (اوجه خطاْ) وتجاهل الايجابيات (اوجه الصواب) . ويتمثل هذا الموقف فى تقييم التجربه الناصريه فى التركيز على السلبيات (اوجه خطاْ) وتجاهل الايجابيات (اوجه الصواب)
ب/ مخالفه الواقع”الكذب” : مخالفه الواقع والتاريخ لانها مضمون الكذب، يقول الإمام النووى(اعلم أن مذهب أهل السنة أن الكذب هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه ، سواء تعمدت ذلك أم جهلته، لكن لا يأثم في الجهل وإنما يأثم في العمد) (الأذكار: ص474 )، وقد توترت النصوص فى النهى عن الكذب قال تعالى( إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب )(غافر: 28 )،وقال تعالى(لعنة الله على الكاذبين )(آل عمران: 61)،وقال الرسول ( صلى الله عليه وسلم )(إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند اللَّه كذابًا) [البخاري 6094، ومسلم 2607]،وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص( رضي اللَّه عنهما): قال الرسول (صلى الله عليه وسلم )(أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خلة منهم كانت فيه خلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر).(البخاري 34، ومسلم 58).وهنا نجد ان هناك من يستند فى تقييمه للتجربه الناصريه الى كثير من المعلومات التى تخالف الواقع والتاريخ والمنطق .
ج/عدم اعتبار قاعده سد الذرائع والالتقاء مع اعداء الامه : عدم اعتبار قاعده سد الذرائع التى قررها العلماء استناد الى الكثير من النصوص يقول الامام ابن تيمية ( إن الله سبحانه ورسوله سد الذرائع المفضية إلى المحارم ؛ بأن حرمها ونهى عنها )، ومضمونها منع الفعل الذى يغلب على الظن انه قد يفضى الى ضرر حتى ولو لم يرد فيه نص بالمنع، ويتمثل عدم اعتبار هذه القاعده فى تقييم التجربه الناصريه فى الالتقاء مع – وخدمه اهداف – اعداء الامه من قوى الاستعمار الجديد ” الامبريالى الامريكي ” والقديم والاستيطانى “الصهيونى” – موضوعيا وبصرف النظر عن النوايا الذاتيه لاصحابه – لانهم- اى اعداء الامه- هم المحركون الحقيقيون لحمله تشويه صوره الزعيم الراحل وتجربته خلال حياته وبعد مماته بهدف القضاء على اى مواقف رافضه للاستعمار والتبعيه.
د/ تجاوز التقييم الموضوعى الى السب الشخصى: حيث نجد هناك من يتجاوز التقييم “الموضوعي” لأفكار ولأفعال الزعيم الراحل عبد الناصر إلى السب الشخصى، وهو ما يتعارض مع تقرير الشرع تحريم سب الأموات وهو ما يستفاد من النصوص الواردة فى تحريم سب المسلم على الإطلاق دون تمييز بين الأحياء و الأموات ، كما في قول الرسول( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ ): ( سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَ قِتَالُهُ كُفْرٌ ) (رواه الشيخان و غيرهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه) . كما يستفاد من النصوص الواردة في تحريم سبِّ الأموات على الخصوص ،ومنها: روى البخاري و النسائي و أحمد عَنْ عَائِشَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا )قَالَتْ : قال النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) (لا تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا ) ، و قد بوَّب البخاري على هذه الحديث في الصحيح ، فقال : ( باب ما ينهى من سبِّ الأموات ) ، وروى ابن حبان بإسناده إلى زياد بن علاقة أنه سمع المغيرة بن شعبة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء ) [ صحيح ابن حبان : 3022 ] . أما استدلال البعض ببعض النصوص التي تفيد ذكر بعض الأموات بالشر لتبرير سب الأموات ، فهو استدلال خاطئ ، لان الذكر بالشر غير السب ، كما أن الذكر بالشر يكون في من ثبت شره من الكفار والمنافقين ، يقول الإمام المناوي في فتح القدير : ( السب غير الذكر بالشر ، و بفرض عدم المغايرة فالجائز سب الأشرار و المنهي سب الأخيار)،
ه/ الاستناد الى المعيار الذاتى(العاطفى): الاستناد الى المعيار الذاتى فى التقييم والمستند الى الانفعالات والعواطف “كالكراهيه مثلا “، والذى اشارت اليه الايه (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ). ومن مظاهر الاستناد الى هذا المعيار فى تقييم التجربه الناصريه تشويه بعض المنتسبين لجماعه الاخوان المسلمين لصوره الزعيم الراحل وتجربته ، من باب الانتقام والتشفى، بسبب الصدام الذى حدث بين الدوله فى عهد عبد الناصر وجماعه الاخوان المسلمين- او بالاحرى قطاع من جماعه الاخوان المسلمين، فى مرحله تاريخيه سابقه ، مع تصويره- خطا- بانه تعبير عن صراع دينى” بين مسلمين وكفار”، بينما واقع الامر انه صراع سياسى كما سنوضح ادناه عند الحديث عن طبيعه الصراع بين عبد الناصر وجماعه الاخوان المسلمين .
و/ تكفير المخالف: الاستناد الى بدعه تكفيرالمخالف فى المذهب التى قال بها الخوارج – وتتعارض مع نهى النصوص عن تكفير المسلمين، وتحذير علماء أهل السنة منه – ويتمثل الاستناد الى هذه البدعه فى تقييم التجربه الناصريه فى التكفير المضمر او المعلن لعبد الناصر-استنادا إلى بعض الحجج غير الصحيحه ومنها:
اولا: ان عبد الناصر قام باعدام وسجن وتعذيب اعضاء جماعه الاخوان المسلمين بدون اى ذنب اقترفوه . وهذا القول يتضمن عده اخطاء هى:اولا بداهه ان ما قام بذلك ليس عبد الناصر بشخصه ، بل الدوله فى عهده ،بعض ذلك بعلمه وبعضه بغير علمه (كالتعذيب الذى كان ممارسه سالبه ليست سمه خاصه بعهد عبد الناصر ،بل سمه مرتبطه بالدوله قبل وخلال وبعد عهد عبدالناصر، لذا قام باتخاذ اجراءات عقابيه ضد من قاموا به عندما علم بذلك) ثانيا:ان هذه الاجراءات لم تتم ضد كل اعضاء جماعه الاخوان المسلمين بل بعض اعضائها ثالثا: ان هذه الاجراءات لم تتخذ ضد هؤلاء الاعضاء – وليس كل اعضاء الجماعه – بدون اى ذنب اقترفوه بل لانهم استخدموا القوه المسلحه ضد الدوله والمجتمع مع ما هو معلوم من اجماع علماء اهل السنه على تحريم الخروج بالسيف على اولى الامر. ان هؤلاء الاعضاء تبنوا بدعه تكفير المخالف، التى تخالف مذهب اهل السنه، و ترجع جذورها الى فرقه الخوارج ، تحت تاثير كتابات سيد قطب فى مرحلته المتاخره “التكفيريه “،وان هذا التبنى لهذه البدعه يخالف نهى الامام المؤسس حسن البنا عن تكفير المسلمين .
بالاضافه الى ماسبق فان القران الكريم لم ينفى صفه الأيمان عن الطوائف المسلمه المتصارعة قال تعالى ( وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت أحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلي أمر الله)، فضلا عن ان الصحابة(رضي الله عنهم) اختلفوا في مسالة الامامه دون أن يكفر احدهم الأخر.
ثانيا: تفسير الايه ( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )(المائدة:44) بأنها تدل على تكفير حكام المسلمين الذين لا يحكمون بما انزل الله وتوجب الخروج عليهم ، وهو ذات تفسير الخوارج لهذه الآية ،وهو تفسير يخالف تفسير أهل السنة للأيه، والقائم وجوب التمييز بين عدم الحكم بما انزل الله مع الإقرار به فهو ظلم او فسق، وعدم الحكم بما انزل الله مع إنكاره فهو كفر بدليل قوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون )( المائدة /45).وقوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) (المائدة /47). روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ قال: من جحد ما أنزل الله، فقد كفر، ومن أقرّبه، لم يحكم به فهو ظالم فاسق. (أخرجه الطبري في جامع البيان بإسناد حسن. سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني ذكره أبو عبد الله بن بطة في الإبانة الحكم بغير ما أنزل الله).لذا ينسب لابن عباس في رده على الخوارج ” إنه ليس الكفر الذي تذهبون إليه، إنه ليس كفراًً ينقل عن الملة: كفر دون كفر” يقول الشيخ الألباني رحمه الله (وقد جاء عن السلف ما يدعمها، وهو قولهم في تفسير الآية: «كفر دون كفر” صحّ ذلك عن ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنه، ثم تلقاه عنه بعض التابعين وغيرهم) ، وما هو ثابت ان الزعيم الراحل جمال عبد الناصر لم ينكر ما انزل الله تعالى في اى من خطاباته الشفهية أو وثائقه المكتوبة . كما لم يكن الخلاف بينه وبين جماعه الأخوان المسلمين ، حول إنكار أو عدم إنكار ما انزل الله ،ولكنه كان -في الأساس- خلاف حول قضايا سياسيه متعددة منها رفض الجماعة – أو بالاحرى اغلب قياداتها -لاتفاقيه الجلاء رغم انه ترتب عليها خروج الانجليز من مصر ، بحجه أن بها بندا يبيح للانجليز العودة إلى المنطقة في حالات معينه، أما قضيه النظام القانوني الاسلامى، فإنها لم تكن القضية الخلافية الاساسيه – أو الوحيدة – كما حول ان يصور البعض لاحقا – فضلا عن الخلاف بينهما فى هذه القضية انحصر في كيفيه تطبيق النظام القانوني الاسلامى – وليس إقرار أو إنكار النظام القانوني الاسلامى – حيث كان عبد الناصر يرى أن التحرير من الاستعمار ، سابق على التطبيق “الشامل” للنظام القانوني الاسلامى ، بينما كانت جماعه الأخوان المسلمين – أو بالاحرى سيد قطب و القطاع المؤيد له من جماعه الإخوان المسلمين- يقولون بوجوب التطبيق “الفوري” للنظام القانوني الاسلامى ، بصرف النظر عن الظروف السياسية والاجتماعية والاقصاديه. مع ملاحظه أن قطاع من الحركات السياسية التي تبنت مذهب التفسير السياسي للدين ،والتي وصلت للسلطة في بعض البلدان، تبنت لاحقا موقف يقارب موقف عبد الناصر، والقائم على وجوب توفير الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية اللازمة لتطبيق النظام القانوني الاسلامى، وأهمها تحقيق الاستقرار ، استنادا إلى قاعدة النهى عن اقامه الحد وقت الغزو ، والتي تستنبط من أن الرسول ” صلى الله عليه وسلم” لم يقم الرسول حدا قط في غزو، بدليل ما رواه بسر بن ارطاه من انه وجد رجلا يسرق فجلده ولم يقطع يده وقال: نهانا الرسول عن القطع في الغزو، و روى عن عمر النهى عن اقامه الحد وقت الغزو ، و قرر الأكثرون انه لا يقام الحد على المحارب أثناء الحرب خشيه ان يلحق بالأعداء (محمد أبو زهره ، الجريمة والعقوبة، ص 324 ).هذا مع ملاحظه أن الدولة في عهد عبد الناصر قدا قرت بالإسلام كدين للدولة على المستوى الدستوري، كما أصدرت الكثير من القوانين الاسلاميه .
ثالثا: الاستناد الى الاحاديث التى تفيد ان المرء يحشر مع من احب : وقد منع البعض حب الزعيم الراحل جمال عبد الناصر استنادا الى الاحاديث الداله على معنى ان المرء يحشر مع من احب كقول الرَسُولُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) ( ثَلَاثٌ هُنَّ حَقٌّ :… وَلَا يُحِبُّ رَجُلٌ قَوْمًا إِلَّا حُشِرَ مَعَهُمْ )
(رواه الطبراني في المعجم الأوسط :6/293 . وصححه الألباني في ” صحيح الترغيب والترهيب :3/96) ، وكذلك حديث أَنَسٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ )، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ ، فَقَالَ : مَتَى السَّاعَةُ ؟ قَالَ : وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا ؟ قَالَ : لاَ شَيْءَ ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ. (رواه البخاري :3688، ومسلم :2639).وهنا نوضح اوجه الخطا فى هذا الاستناد:
اولا:ان الاستناد الى هذه الاحاديث لمنع حب الزعيم الراحل يعنى : اولا تكفير الزعيم الراحل ، ثانيا: القطع بانه فى النار، ثالثا: القطع بان كل من احبه – فى حياته او بعد مماته وهم اغلب الشهعب العربى – فى النار .
ثانيا: ان المحبة المقصودة في الحديث هى المحبة الدينية المتعلقه بالدين والمعتقد ، اى الحب الدينى بتعبير ابن كثير الذى يقول في تفسير قوله تعالى : ( وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ) ( أي : وإن حرصا عليك أن تتابعهما على دينهما إذا كانا مشركين ، فإياك وإياهما ، لا تطعهما في ذلك ، فإن مرجعكم إليّ يوم القيامة ، فأجزيك بإحسانك إليهما ، وصبرك على دينك ، وأحشرك مع الصالحين ، لا في زمرة والديك ، وإن كنت أقرب الناس إليهما في الدنيا ، فإن المرء إنما يحشر يوم القيامة مع من أحب ، أي : حبا دينيا ؛ ولهذا قال ” والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين” )( تفسير القرآن العظيم :6/265) . ثالثا: يترتب على ما سبق ان المحبه المقصوده فى الحديث هى المحبه بسبب المعتقد ، يقول ابن حجر الهيتمي في حديثه عن كبيرة محبة الظلمة أو الفسقة وبغض الصالحين ( عد هذين كبيرة هو ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة : ( المرء مع من أحب ) وله وجه ، إذ الفرض أنه أحب الفاسقين لفسقهم ، وأبغض الصالحين لصلاحهم ، وظاهر أن محبة الفسق كبيرة كفعله ، وكذا بغض الصالحين ؛ لأن حب أولئك الفاسقين وبغض الصالحين يدل على انفكاك ربقة الإسلام وعلى بغضه ، وبغض الإسلام كفر ، فما يؤدي إليه ينبغي أن يكون كبيرة) ( الزواجر عن اقتراف الكبائر :1/184) ،ويقول ابن بطال ( بيان هذا المعنى أنه لما كان المحب للصالحين إنما أحبهم من أجل طاعتهم لله ، وكانت المحبة عملا من أعمال القلوب ، واعتقادًا لها ، أثاب الله معتقد ذلك ثواب الصالحين ، إذ النية هي الأصل ، والعمل تابع لها ، والله يؤتي فضله من يشاء )( شرح صحيح البخاري: 9/333).
رابعا: كما ان المحبه المقصوده فى الحديث ليست المحبه المجرده، بل محبه مقرونه بالعمل، فمن احب شخص ولم يعمل عمله- سواء كان صالح او طالح- لم يحشر معه، يقول الامام أبو حامد الغزالي ” قال الحسن : يا ابن آدم ! لا يغرنك قول من يقول : ( المرء مع من أحب ) فإنك لن تلحق الأبرار إلا بأعمالهم ، فإن اليهود والنصارى يحبون أنبياءهم وليسوا معهم ، وهذه إشارة إلى أن مجرد ذلك ، من غير موافقة في بعض الأعمال ، أو كلها : لا ينفع )( إحياء علوم الدين :2/160)، وقال السخاوي : قال بعض العلماء : ومعنى الحديث أنه إذا أحبَّهم عمل بمثل أعمالهم ، قال الحسن البصري : من أحبَّ قومًا اتبع آثارهم ، واعلم أنك لن تلحق بالأخيار حتى تتبع آثارهم ، فتأخذ بهديهم ، وتقتدي بسنتهم ، وتصبح وتمسي على مناهجهم ، حرصًا أن تكون منهم )( شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية :5/304).
خامسا: اما المحبه الدنيويه فلا تدخل فى معنى المحبه الوارده فى الحديث ،اى لا تكون سببا للجمع في المحشر، كمحبه المسلم لوالديه غير المسلمين وغير ذلك،قال تعالى ( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا ) …يقول ابن كثير في تفسير الايه ( أي : وإن حرصا عليك أن تتابعهما على دينهما إذا كانا مشركين ، فإياك وإياهما ، لا تطعهما في ذلك ، فإن مرجعكم إليّ يوم القيامة ، فأجزيك بإحسانك إليهما ، وصبرك على دينك ، وأحشرك مع الصالحين ، لا في زمرة والديك ، وإن كنت أقرب الناس إليهما في الدنيا ، فإن المرء إنما يحشر يوم القيامة مع من أحب ، أي : حبا دينيا ؛ ولهذا قال ” والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين” )( تفسير القرآن العظيم :6/265).فى رابعا: الرد على دعوى عدم جواز التسمى باسم “عبد الناصر”: وقد عبر الشعب العربى عن حبه للزعيم الراحل فى حياته وبعد مماته بتسميه الابناء باسم “عبد الناصر ” . ولكن هناك من منع التسمي باسم “عبد الناصر”بحجه ان” الناصر” ليس من أسماء الله – توقيفا -. غير ان هذا القول يخالف مذهب كثير من علماء الاسلام واهل السنه ، الذين قالوا بجواز إطلاق اسم ” الناصر ” على الله تعالى – ويترتب على ذلك جواز التسمى باسم “عبد الناصر”- استنادا الى كثير من النصوص : كاشاره القران الكريم الى ان الله ينصر عباده المؤمنين كما فى قوله تعالى : ( إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ ) (آل عمران/ 160 . وكقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) – كما في قصة الحديبية – : ( إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ ، وَهُوَ نَاصِرِي ) (رواه البخاري :2731) ، واستنادا الى ان اسم الناصر يدخل فى معنى كثير من اسماء الله الحسنى التوقيفيه :كالنصير والولى ، يقول ابن كثير ( نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ، يَعْنِي نِعْمَ الْوَلِيُّ وَنِعْمَ النَّاصِرُ مِنَ الْأَعْدَاءِ ” (تفسير ابن كثير:5/ 400) ،ويقول الشوكاني: الْوَلِيُّ: فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، وَهُوَ النَّاصِرُ) ( فتح القدير: 1/ 316) ، ويقول ابن منده ( وَمِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: النُّورُ والنَّاصِرُ وَالنَّذِيرُ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) النور/ 35 وَقَالَ : ( نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) الأنفال/ 40 )( كتاب “التوحيد” 2/ 194) .وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :ما حكم التعبيد بأسماء لم يثبت كونها من أسماء الله الحسنى ، مثل:( عبد الستار ) ، ( عبد المغني ) ، ( عبد الهادي ) ، ( عبد المنعم ) … ونحوها ؟ وهل يلزم تغييرها؟ فأجاب ( الصحيح أن ما دل من الأسماء بإطلاق على الله تعالى : جاز التعبيد به ، كالمذكورة ، ولا يلزم تغييره ، ومثلها : عبد الناصر ) (ثمرات التدوين: ص6) .
الموقف الصحيح :
الموقف النقدى ” التقويمى” : كما ان هذه القراءه “الاسلاميه” ترى – ثانيا- ان الموقف الاسلامى- الصحيح – من التجربه الناصريه –واى تجربه انسانيه – يتجاوز موقفى القبول المطلق و الرفض المطلق الى موقف نقدى (تقويمي) قائم على الإقرار بالايجابيات(اوجه الصواب) والسلبيات(اوجه الخطا) ،بهدف اخذ الايجابيات ورفض السلبيات: قال تعالى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾ )الزمر:17-18(،ورد فى تفسير الطبرى( يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَبَشِّرْ يَا مُحَمَّد عِبَادِي الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْل مِنْ الْقَائِلِينَ , فَيَتَّبِعُونَ أَرْشَدَهُ وَأَهْدَاهُ , وَأَدَلَّهُ عَلَى تَوْحِيد اللَّه , وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ , وَيَتْرُكُونَ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْقَوْل الَّذِي لَا يَدُلّ عَلَى رَشَاد , وَلَا يَهْدِي إِلَى سَدَاد . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل)،وقال تعالى ( ولا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ولا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ )( الأعراف : 85)، وقال تعالى( لاخَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً )(النساء :114). وقال الرسول ( صلى الله عليه وسلم) (لا يكن أحدكم إمعة، يقول أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسئت، بل وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا،وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم)، وهو الموقف الحقيقي لعلماء الإسلام كموقف الامام ابن تيمية الذي يقول في تقييم التصوف على سبيل المثال (لأجل ما وقع في كثير من الاجتهاد والتنازع فيه، تنازع الناس في طريقهم فطائفة ذمت “الصوفية والتصوف” وقال أنهم مبتدعون خارجون عن السنة … وطائفة غلو فيهم وادعوا أنهم أفضل الخلق وأكملهم بعد الأنبياء، وكلا طرفي هذه الأمور ذميم. ..) .
وقد التزم بعض الكتاب والمفكرين الإسلاميين بهذا الموقف النقدي التقويمي في تقييم التجربة الناصرية ، بالقول بوجوب الإقرار بايجابيات التجربة الناصرية ، بجانب الإقرار بسلبياتها : يقول ناجح إبراهيم القيادي بالجماعة الاسلاميه بمصر(…لقد تعرضت الحركة الإسلامية في مصر- ممثلة في جماعة الإخوان المسلمين- إلى نوع من الظلم الفادح على يد عبد الناصر وأركان حكمه.. وذاقت على يده شتى صنوف التعذيب.ولكن ذلك لا يصح أبدا أن يكون مبررا لغمط حسنات عبد الناصر أو إغفال الإنجازات التي أنجزها لوطنه.. أو تصويره وكأنه حاكم بلا حسنات.. أو كأنه شيطان رجيم. كما لا يصح أن يرفعه البعض إلى مرتبة الأنبياء المعصومين.. فهو حاكم من البشر يخطئ ويصيب، وله إيجابيات كما أن له سلبيات …فإذا خرجنا عن إطار علاقته بالإخوان والحركة الإسلامية ونظرنا نظرة موضوعية إلى إيجابيات الرئيس عبد الناصر رحمه الله وسلبياته.. فقد خلصت إلى أن الرئيس عبد الناصر له إيجابيات كثيرة وله سلبيات كثيرة أيضا…)، ويقول د. يوسف القرضاوى (.. لا ريب أن الناس في رجل كعبد الناصر جد مختلفين؛ فله أنصار يرتفعون به إلى أعلى عليين، وله خصوم يهبطون به إلى أسفل سافلين. وبين مدح المغالين في المدح وقدح المبالغين في القدح تضيع الحقيقة… ثم إني أفرق تفريقا واضحا بين أمرين:أولهما: ما كان من “اجتهادات” قد تصيب، وقد تخطئ، وهو مأجور على صوابه، ومعذور في خطئه، بل ربما كان مأجورا أجرا واحدا، إذا صحت نيته، وتحرى في اجتهاده، واستشار أهل الذِّكر والخبرة، واستفرغ وسعه في الوصول إلى الحقيقة والرأي الأرشد….وثانيهما: ما كان من مظالم ومآثم متعمدة، كما حدث لمعارضي عبد الناصر عامة، وللإخوان المسلمين خاصة، فلا يستطيع مدافع أن يدافع عن عبد الناصر، في إيقاع هذه الكم الهائل من المظالم والمآثم…)( عبد الناصر في الميزان من مذكرات القرضاوي). يقول نبيل نعيم مؤسس تنظيم الجهاد في مصر، وأشهر سجين مكث فى السجون حيث تم الإفراج عنه بعد 25 يناير 2011، في حواره لقناة “سي بي سي أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر خدم الدين الإسلامي وأحياه أكثر مما قام به حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين)
التقييم الموضوعى: كما ان هذه القراءه “الاسلاميه” ترى – ثانيا- ان الموقف الاسلامى- الصحيح – من التجربه الناصريه –واى تجربه انسانيه – لا يستند الى المعايير الذاتيه كالانفعالات والعواطف ، بل يستند الى المعايير الموضوعيه كالحقيقه الواقعيه والتاريخيه ومالا يناقض المنطق والعقل ..قال تعالى (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ).
فى الرد على بعض الافتراضات الخاطئه عن علاقه التجربه الناصريه بالدين: واستنادا الى هذه المعايير الموضوعيه فى التقييم نبين اوجه الخطا فى بعض الافتراضات عن علاقه التجربه الناصريه بالدين:
وجه الخطا فى افتراض أن عبد الناصر اتخذ موقفا سلبيا من الإسلام: من هذه الافتراضات أن عبد الناصر اتخذ موقفا سلبيا من الإسلام كدين وكعلاقة انتماء ،ووجه الخطأ في هذا الافتراض أن عبد الناصر اتخذ – في واقع الأمر – موقفا ايجابيا من الإسلام كدين وكعلاقه انتماء ذات مضمون ديني – حضاري للشخصية العربية)،على المستويين النظري والعملي:
ا/المستوى النظري: وقد تمثل هذا الموقف الايجابي لبعد الناصر ، من الاسلام كدين وكعلاقة انتماء ،على المستوى النظري ، في الكثير من أراء وأقوال وخطب جمال عبد الناصر، ومنها: تقرير جمال عبد الناصر أن أحد عوامل نجاح نضال الشعب المصري والشعوب العربية والمسلمة الأخرى هو (إيمان لا يتزعزع بالله وبرسله ورسالاته القدسية، التي بعثها بالحق والهدى إلى الإنسانية في كل زمان ومكان)( الميثاق الوطني ، 1962 ، الباب الأول). وكذلك تقريره أن الشعب المصري(يعتقد في رسالة الأديان، وهو يعيش في المنطقة التي هبطت عليها رسالات السماء)( الميثاق ، الباب العاشر). وتقريره أن الفتح الاسلامى كان (… ضوءاً أبرز هذه الحقيقة وأثار معالمها، وصنع لها ثوباً جديداً من الفكر والوجدان الروحي، وفي إطار التاريخ الإسلامي، وعلى هدى رسالة محمد (صلى الله عليه وسلم)، قام الشعب المصري بأعظم الأدوار دفاعاً عن الحضارة الإنسانية.. ثم كان قد تحمّل المسؤولية الأدبية في حفظ التراث الأدبي العربي وذخائر الحافلة، وجعل من أزهره الشريف حصناً للمقاومة ضد عوامل الضعف والتفتت)(الميثاق ، الباب الثالث). وكذلك تقريره أن الإسلام هو الذى وحد الامه العربية (واتحدت المنطقة بسلطان العقيدة حين اندفعت تحت رايات الإسلام تحمل رسالة السماء الجديدة – الإسلام – وتؤكد ما سبقها من رسالات وتقول كلمة الله الأخيرة في دعوة عبادة إلى الحق) ( خطاب أمام مجلس الأمة في 5/2/1958). وتقريره أن هناك عدو واحد للعرب والمسلمين هو الاستعمار، ومرض واحد هو الفرقة والتخلي عن الجهاد (يجب أن نعرف أن العالم العربي والعالم الإسلامي يقفان اليوم أمام عدوّ واحد، ويتهاويان أمام مرض واحد. أما عدوّنا فهو الاستعمار، وأما مرضنا فهو الفرقة والتخلي عن الجهاد في سبيل الله.. كما يجب أن يؤمن العرب والمسلمون بأن عهد اللغو والكلام قد انقضى، وأن عهداً جديداً يجب أن يبدأ، عهداً قوامه إيمان بالله، وعماده العمل في سبيل الله( خطاب أمام المؤتمر العربي الإسلامي في 26/8/1953). وكذلك تأكيده على المبادئ السامية للأعياد الدينية (إننا أشدّ ما نكون حاجة المبادئ السامية والمثل العليا التي تقوم عليها أعيادنا، ونحن نجتاز معركة تحرير البلاد، فإن كنا قد احتفلنا بعيد الفطر المبارك عيد الصوم والصبر والجهاد ، فإننا نحتفل اليوم بعيد الطاعة والتضحية. هذا العيد الذي يحمل معنى التضحية بالمال والنفس والروح في سبيل الله) (خطاب بمناسبة عيد الأضحى المبارك بتاريخ19/8/1953). كما يحدد في كتاب فلسفة الثورة (1953) الدوائر الثلاث التي يرى أن مصر تنتمي إليها،وأن دورها الخارجي يجب أن يتوزع بينها، فيراها أولا في الدائرة العربية وثانيا في الدائرة الأفريقية وثالثا في الدائرة الإسلامية، ولدى حديثه عن انتماء مصر للدائرة الإسلامية يربط بينه وبين الدور التحرري لمصر خلال المراحل التاريخية القديمة التي مر بها ذلك الانتماء. كما يتحدث عن الحج بوصفه قوه توحيد سياسيه بالاضافه إلى كونه فريضة دينيه(حين أسرح بخيالي إلى هذه المئات من الملايين الذين تجمعهم عقيدة واحدة، أخرج بإحساس كبير بالإمكانيات الهائلة التي يمكن أن يحققها تعاون بين هؤلاء المسلمين جميعاً، تعاون لا يخرج عن حدود ولائهم لأوطانهم الأصلية بالطبع، ولكنه يكفل لهم ولإخوانهم في العقيدة قوة غير محدودة).. كما يرى جمال عبد الناصر ان الإسلام هو الحل الأول والأخير لمشكله العلاقة بين الفرد والمجتمع ( … ومشكلة الفرد والجماعة التي حيرت المفكرين والفلاسفة في أوروبا منذ قرون ، وجدت الحل الصحيح في بلادنا العربية والإسلامية منذ ألف وثلاثمائة سنة ، منذ نزل القرآن على محمد بن عبد الله(صلى الله عليه وسلم) يدعوا إلى الأخوة الإنسانية ، ويفصل مبادئ العدالة الاجتماعية على أساس من التراحم والتكافل الأخوي والإيثار على النفس في سبيل النفع العام للجماعة ، بغير طغيان على حرية الفرد ، ولا إذلال له ولا إنكار لذاتيته .. ” إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي..” ذلك هو النظام.. فليكتف المفكرون والفلاسفة بما بذلوا من جهد، ولا يبحثوا منذ اليوم عن حلول أخرى لمشكلة الفرد والمجتمع.. عندنا الحل.. الحل هو الذي نزل به الوحي على نبينا منذ ألف وثلاثمائة سنة.. هو الحل الأخير لمشكلة الإنسانية ) (مقال بعنوان “الحل الأول هو الحل الأخير”، العدد 5 من سلسلة اخترنا لك “العدالة الاجتماعية وحقوق الفرد”، أول يوليو 1954، طبع دار المعارف)
ب/المستوى التطبيقي: كما تمثل الموقف الايجابي لعبد الناصر من الاسلام كدين وكعلاقة انتماء ، على المستوى العملي في الكثير من المظاهر، ومنها : 1/ زيادة عدد المساجد في مصر ، من أحد عشر ألف مسجد قبل الثورة ، إلى واحد وعشرين ألف مسجد عام 1970 ، ( عشرة ألاف مسجد ) ، وهو ما يعادل عدد المساجد التي بنيت في مصر منذ الفتح الإسلامي وحتى عهد عبد الناصر. 2/ جعل مادة التربية الدينية مادة إجبارية، يتوقف عليها النجاح أو الرسوب ،كباقي المواد لأول مرة في تاريخ مصر. 3/ أنشاء مدينة البعوث الإسلامية ،التي كان ومازال يدرس فيها عشرات الآلاف من الطلاب المسلمين، القادمين من سبعين دولة إسلامية ويقيمون فيها مجانا.4/ أنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي التي جمعت كل الشعوب الإسلامية . 5/ ترجمة القرآن الكريم إلى كل لغات العالم . 6/ إنشاء إذاعة القرآن الكريم. 7 / تسجيل القرآن كاملا على أسطوانات وشرائط للمرة الأولى في التاريخ ، و توزيع القرآن مسجلا في كل أنحاء العالم .8 / تنظيم مسابقات تحفيظ القرآن الكريم على مستوى الجمهورية ، والعالم العربي ، والعالم الاسلامى. 9/ وضع موسوعة جمال عبد الناصر للفقه الإسلامي ، والتي ضمت كل علوم وفقه الدين الحنيف في عشرات المجلدات وتم توزيعها في العالم كله. 10/ بناء آلاف المعاهد الأزهرية والدينية في مصر ، و افتتاح فروع لجامعة الأزهر في العديد من الدول الإسلامية،بالاضافه إلى بعثات الأزهر لنشر الإسلام فى أفريقيا وأسيا· 11/ إصدار قانون تحريم القمار ومنعه . 9/ إلغاء تراخيص العمل الممنوحة للنسوة العاملات بالدعارة ، 12/ أصدر قرارات بإغلاق كل المحافل الماسونية ونوادي الروتارى والمحافل البهائية . (الدين والدولة والثورة : رفعت سيد أحمد. النبي والفرعون : جيل كيبل . المؤامرة ومعركة المصير : سعد جمعة. تقرير مجلس الكنائس العالمي لعام 1974،تقرير الحالة الدينية فى مصر عام1982 . الإسلام في عهد جمال عبد الناصر : عمرو صابح). وعلى المستوى الشخصى : يقول المفكر الاسلامى الدكتور عبد العزيز أن عبد الناصر كان يحرص على صلاته بشدة ، ففي زيارته الإتحاد السوفيتي إقترب موعد صلاة الجمعة، وكان في مباحثات مع القادة السوفييت ، فطلب إيقاف المباحثات ، وإستعد للصلاة وذهب ليؤديها مع أخوته . ويقول الشيخ احمد حسن الباقوري أن جمال عبد الناصر كان مسلما ” متدينا” شديد الإيمان إلى حد انه في ( باندونج) أصر على أن يظل صائما ” طوال شهر رمضان ورفض استخدام الرخصة الشرعية التي تعطيه حق الإفطار ، والتي أستخدمها الشيخ الباقوري نفسه فأفطر. (عبد الناصر بشهادة علماء الأزهر).
وجه الخطأ في افتراض أن عبد الناصر كان شيوعيا : ومن هذه الافتراضات ان عبد الناصر كان شيوعيا ،ووجه الخطأ في هذا الافتراض – على المستوى النظري – ان عبد الناصر قد صرح مرارا بأوجه خلافه مع الماركسية ومنها إنكار الأديان واعتبار أن العنف هو الوسيلة الوحيدة للتغيير … وهو وان استخدم بعض المصطلحات الماركسية- و التي شاعت في الخطاب السياسي العالمي حينها- فانه قد استخدم هذه المصطلحات للدلالة على معاني مختلفة تمام الاختلاف عن معانيها في الماركسية،كما أن وجه الخطأ في هذا الافتراض – على المستوى التطبيقي- ان الشيوعيين”الماركسيين “المصريين ظلوا قوه سياسيه وتنظيميه متمايزة عن جهاز الدولة في عهد عبد الناصر تبتعد عنها حينا – لحد الصدام – وتقترب منها حينا آخر – كما أنه من المعلوم ان عبد الناصر اشترط لاى تعاون مع الشيوعيين حل الحزب الشيوعي المصري ، وقد اقر عدد من الكتاب والمفكرين الإسلاميين بتمايز أفكار عبد الناصر عن الماركسية يقول د.يوسف القرضاوى ( ومن قرأ “الميثاق” الذي يمثل فكر عبد الناصر وجد فيه رشحات من الفكر الماركسي في مواضع شتى، ولكن لا نستطيع أن نصف الميثاق بأنه ماركسيّ تماما)، ويتحدث د.ناجح ابراهيم عن أخطاء عبد الناصر- حسب تصوره – فيقول(ومنها أنه سلم الإعلام و الثقافة كغنيمة باردة لليساريين و الشيوعيين ،الذين حولوا أدوات التوجيه كلها لصالحهم و ما يصب في خدمه أفكارهم )، فهو هنا يتحدث عن الشيوعيين كقوة سياسيه وفكريه متمايزة،وأخيرا فانه من المعلوم ان التيار الفكري الليبرالي “العلماني” ظل يناصب التجربة الناصرية العداء في حياه عبد الناصر وبعد وفاته .
وجه الخطأ في افتراض ان الصراع بين عبد الناصر وجماعه الأخوان المسلمين صراع دينى : ومن هذه الافتراضات أن الصراع الذي دار بين عبد الناصر وجماعه الأخوان المسلمين –وبالأحرى قطاع من قطاعاتها وليس كل أفرادها- هو صراع دينى بين مسلمين وكفار وليس صراع سياسي:
أولا: الامامه” السلطة فرع من فروع الدين : ، ووجه الخطأ في هذا الافتراض هو اجماع علماء أهل السنة أن الامامه ( بمعنى السلطة) فرع من فروع الدين وليست أصل من أصوله ، (بخلاف الشيعة الذين قرروا أن الامامه من أصول الدين ، وبخلاف الخوارج الذين كفروا مخالفيهم) ،وبالتالى لايجوز تكفير المخالف فيها
ثانيا: إقرار بعض الأخوان المسلمين أن الصراع سياسي وليس ديني : وقد اقر عدد من الكتاب الإسلاميين وكتاب الإخوان المسلمين ان الصراع بين عيد الناصر والأخوان كان صراع سياسى وليس صراع دينى، يقول حسن دوح ( أن تصوير خلافنا مع عبد الناصر على انه جهاد بين جماعه مسلمين وجماعه كافرين تصوير خاطئ، والأولى أن تقول انه كان خليطا لعب الجانب العقيد فيه دورا تمثله جماعه الأخوان المسلمين والجانب الحزبي دورا أخر، ولم يخل من الجانب الشخصي) ( الإرهاب المرفوض والإرهاب المفروض، بدون تاريخ، دار الاعتصام، القاهرة، ص 39). ويقول ناجح ابراهيم (أصل الخلاف بين الإخوان وعبد الناصر هو اعتقاد كل منهما أنه الأجدر والأحق بالسلطة والحكم في مصر.. فعبد الناصر ومن معه كانوا يرون أنهم الأجدر بالسلطة والحكم باعتبار أن الثورة ثورتهم وأنهم الذين تعبوا وغامروا بحياتهم فيها وأن الإنجليز لن يسمحوا للإخوان بحكم مصر. أما الإخوان فكانوا يرون أنهم أصحاب فكرة الثورة من الأصل وأن عبد الناصر وعامر وغيرهما كانوا من الإخوان المسلمين الذين بايعوا على المصحف والسيف.. وأن هؤلاء الضباط صغار لا يصلحون للحكم.. وأن الإخوان هي القوة الرئيسية التي وقفت مع الثورة وهم الأجدر بالحكم والسلطة. ولذلك نشأ الخلاف بينهما وازداد وتوسع.. ولم يكن الخلاف أساسا على الدين أو الإسلام أو حرية الدعوة.ولكنه انحصر أساسا في ظن كل فريق منهما أنه الأجدر بالحكم ..وظل يتطور هذا الخلاف حتى وصل إلى مرحلة التصفية الجسدية متمثلة في حادثة المنشية سنة1954 والتي قابلها عبد الناصر بكل قوة وقسوة واعدم ستة من قادة الإخوان والنظام الخاص.)( جمال عبد الناصر فى فكر داعية).ويقول د.عبدا لمنعم أبو الفتوح عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين فى الحلقة الأولى من مذكراته «شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر» التي تنفرد «الشروق» بنشرها (ورغم أن نظرتي تغيرت تماما عن جمال عبد الناصر فلم تصل يوما إلى تكفيره، فقد كنت أرى أنه من الصعب أن نقول إن جمال عبد الناصر كان ضد الإسلام أو عدوا له كما كتب البعض، ومازلت أرى أن الصراع بينه وبين الإخوان كان صراعا سياسيا في الأساس بدليل أنه استعان بالعديد من رجالهم في بداية الثورة كوزراء مثل الشيخ الباقورى والدكتور عبد العزيز كامل)
الخطأ في افتراض أن عبد الناصر اقر بعلاقة الانتماء القومية(العربية) على وجه يلغى علاقة الانتماء الدينية (الاسلاميه): ومن هذه الافتراضات أن الزعيم الراحل اقر بعلاقة الانتماء القومية (العربية) على وجه يلغى علاقة الانتماء الدينية (الاسلاميه)، وخلافا لهذا القول فان عبد الناصر كان يرى أن العلاقة بينهما علاقه تحديد وتكامل ، وتأكيدا لذلك نجد أن عبد الناصر يقرر – على المستوى النظري – في كتاب فلسفة الثورة (1953) أن الدوائر الثلاث التي تنتمي إليها مصر والتي يجب ان يتوزع دورها الخارجي بينها، هى الدائرة العربية و الدائرة الأفريقية و الدائرة الإسلامية)، . أما على المستوى التطبيقي فقد اتخذ عبد الناصر موقفا ايجابيا من علاقة الانتماء الاسلاميه تمثل في الكثير من المظاهر التي سبق الاشاره إليها.
ثانيا:النظرية السياسيه(المذهب):اذا كان ما سبق من حديث عن الدلاله الاولى لمصطلح الناصريه اى الناصريه باعتبارها تجربه تاريخيه معينه، تمت فى مكان وزمان معينين ،فان مايلى من حديث هو عن الدلاله الثانيه للمصطلح اى الناصريه باعتبارها نظريه سياسيه” مذهب ” تم استخلاصها- لاحقا- من تجربه تاريخيه معينه ، حيث تقوم الٌقراءه الاسلاميه للناصريه هنا على الاتى :
من الناحيه الاصطلاحيه: ان الناصريه من الناحيه الاصطلاحيه ” اى مصطلح الناصريه ومشتقاته:كناصرى/ ناصريين ..” لا تتعارض مع الاسلام ، بل تتسق مع حقيقه ان المسلمين – عبر التاريخ- نسبوا الجماعات التى تلتزم باحد المذاهب التي هي محصله الاجتهاد في فروع الدين المتغيرة، إلى صاحب المذهب ، كالحنابلة والمالكية والشافعية والحنفية في الفقه أو الاشاعره والماتريديه و الطحاويه في علم الكلام . هذا فضلا عن ان مصطلح “اسلامى”او ” اسلاميين” كصيغه نسب لمفرد او جماعه من البشر لم يرد فى القران أو ألسنه أو أقوال السلف الصالح، إنما ورد لفظ مسلم ومسلمين، قال الله تعالى: (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) (الحج:78)، . وإذا كان بعض العلماء المسلمين فى مراحل تاليه لعهد السلف الصالح (رضى الله عنهم) قد استخدم مصطلح (إسلاميين)، فأنهم قد استخدموه بدلالات غير دلالاته المعاصرة ، من هؤلاء العلماء الإمام ابو الحسن الاشعرى في كتابه (مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين)،حيث عنى بالإسلاميين كل فرق وطوائف المسلمين – بما في ذلك الفرق التي تختلف مع أهل السنة والجماعة كالشيعة، والخوارج والمرجئة والمعتزلة،مع تركيزه على المذاهب الاعتقاديه (الكلامية) المختلفة لهذه الفرق، وهى دلاله تختلف عن دلالته المعاصره التى تقتصر على فئه معينه من المسلمين – على تعددها – ولا تمتد وتشمل كل المسلمين .
من ناحيه المضمون :
رفض السياق العلمانى التغريبى : اما من ناحيه المضمون فان القراءه الاسلاميه الناصريه ،ترفض اولا القراءه العلمانيه للناصريه التى ترى انه ينبغى على النظريه السياسيه الناصريه ان تتخذ موقف القبول المطلق للعلمانيه كحل لمشكله العلاقه بين الدين والدوله،لان هذه القراءه تضع الناصريه كنظريه سياسيه “مذهب” فى سياق تغريبى.
الالتزام بالسياق التجديدى الاسلامى: كما ان القراءه الاسلاميه لناصريه ترى ثانيا انه ينبغى صياغه النظريه السياسيه الناصريه فى اطار سياق تجديدى اسلامى ، يجعل العلاقه بين الاسلام كدين صالح لكل زمان ومكان، والناصريه كنظريه سياسيه “مذهب ” محدوده بزمان ومكان معيين هى علاقه تحديد– وليست علاقه الغاء – وهذا التحديد يتحقق من خلال الالتزام بموقف نقدى تقويمى – وليست موقف الرفض المطلق – من التراث الفكرى الناصرى ،مضمونه على مستوى اصول الدين النصيه الثابته قبول ما يتسق معها، ورفض ما يتناقض معها . ومضمونه على مستوى فروع الدين الاجتهاديه المتغيره، قبول الصواب ورفض الخطا.
شرط السياق الاسلامى الاتساق وليس التطابق:وهنا نشير ان شرط وضع الناصريه كنظريه سياسيه فى السياق الاسلامى هو اتساق التراث القكرى الناصرى مع النصوص وليس التطابق معها ، ذلك انه من أصول الفقه السياسي السني أن السياسة الشرعية هي كل ما يحقق مصلحه الجماعة ولو لم يرد فيه نص ، يقول ابْنُ عَقِيلٍ(السِّيَاسَةُ مَا كَانَ فِعْلاً يَكُونُ مَعَهُ النَّاسُ أَقْرَبَ إلَى الصَّلَاحِ، وَأَبْعَدَ عَنْ الْفَسَادِ، وَإِنْ لَمْ يَضَعْهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا نَزَلَ بِهِ وَحْيٌ.)، ويعرف ابن نجيم الحنفي في تعريف السياسة الشرعية بأنها:( فعل شيء من الحاكم لمصلحة يراها، وإن لم يرد بذلك الفعل دليل جزئي )(الأحكام السلطانية والسلوك في سياسة الملوك للإمام الماوردي)،ويقول ابن القيم(إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ أَرْسَلَ رُسُلَهُ، وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ، لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ، وَهُوَ الْعَدْلُ الَّذِي قَامَتْ بِهِ الْأَرْضُ وَالسَّمَوَاتُ فَإِذَا ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ الْعَدْلِ وَأَسْفَرَ وَجْهُهُ بِأَيْ طَرِيقٍ كَانَ، فَثَمَّ شَرْعُ اللهِ وَدِينُهُ، وَاَللهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَأَعْدَلُ أَنْ يَخُصَّ طُرُقَ الْعَدْلِ وَأَمَارَاتِهِ وَأَعْلَامَهُ بِشَيْءٍ، ثُمَّ يَنْفِي مَا هُوَ أَظْهَرُ مِنْهَا وَأَقْوَى دَلَالَةً، وَأَبْيَنُ أَمَارَةً. فَلَا يَجْعَلُهُ مِنْهَا، وَلَا يَحْكُمُ عِنْدَ وُجُودِهَا وَقِيَامِهَا بِمُوجِبِهَا، بَلْ قَدْ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ بِمَا شَرَعَهُ مِنْ الطُّرُقِ، أَنَّ مَقْصُودَهُ إقَامَةُ الْعَدْلِ بَيْنَ عِبَادِهِ، وَقِيَامُ النَّاسِ بِالْقِسْطِ، فَأَيُّ طَرِيقٍ اُسْتُخْرِجَ بِهَا الْعَدْلُ وَالْقِسْطُ فَهِيَ مِنْ الدِّينِ، وَلَيْسَتْ مُخَالِفَةً لَهُ.فَلَا يُقَالُ: إنَّ السِّيَاسَةَ الْعَادِلَةَ مُخَالِفَةٌ لِمَا نَطَقَ بِهِ الشَّرْعُ، بَلْ هِيَ مُوَافِقَةٌ لِمَا جَاءَ بِهِ، بَلْ هِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ، وَنَحْنُ نُسَمِّيهَا سِيَاسَةً تَبَعًا لِمُصْطَلَحِهِمْ، وَإِنَّمَا هِيَ عَدْلُ اللهِ وَرَسُولِهِ، ظَهَرَ بِهَذِهِ الْأَمَارَاتِ وَالْعَلَامَاتِ) (الأحكام السلطانية،أبي يعلى الفراء).
الغايات:اذا كانت التجربه الناصريه قد اشارت الى ثلاثه غايات اساسيه للنظريه السياسيه الناصريه ، تجسد حلول المشاكل المشتركه، التى يطرحها واقع الامه العربيه المسلمه المعاصر، وهى الحريه كحل لمشكله الاستبداد الداخلى والاستعمار الخارجى”باشكاله المتعدده :القديم والجديد “الامبريالى والاستيطانى “الصهيونى”، والعداله الاجتماعيه والتنميه المستقله كحل لمشكله التخلف الاقتصادى والتبعيه الاقتصاديه ، والوحده كحل لمشكله التجزئه والتفتيت…، فان القراءه الاسلاميه للناصريه ترى ان تحديد النظريه السياسيه الناصريه من ناحيه الغايات انما يتحقق من خلال التاكيد على غايه رابعه – تحدد ولا تلغى الغايات الاخرى – وهى الاصاله والمعاصره – التجديد- كحل لمشكله الهويه الحضاريه
الاصاله والمعاصرة (التجديد): ترتبط مشكلة الاصاله والمعاصرة بالمشكلة (الحضارية) ،اى مشكلة كيفية تحقيق التقدم الحضاري في المجتمعات المسلمة؟ و هناك ثلاثة مواقف من هذه المشكلة.الموقف الأول: (التقليد): يقوم على ان تحقيق التقدم الحضاري للمجتمعات المسلمة يكون بالعودة إلى الماضي ، والعزلة عن المجتمعات المعاصرة، وبمنظور علم أصول الفقه هو موقف يقوم على الوقوف عند أصول الدين وفروعه، و التَّقْلِيدِ بالاصطلاح الشرعي قَبُولُ قَوْلِ الْقَائِلِ بِلَا حُجَّةٍ يَذْكُرُهَا ( شرح المحلي على الورقات)، وقد ذم القران التقليد (وإذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه إباءنا)(لقمان:21). كما نهى عنه الائمه :يقول الإمام أبو حنيفة(حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتى بكلامي، فإننا بشر نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا)( ابن عبد البر، في فضائل ألائمه والفقهاء، ص145 )، ويقول الإمام احمد بن حنبل( لا تقلدوني ولا تقلدوا مالكا ولا الشافعي ولا الثوري، وخذوا من حيث اخذوا) (ابن القيم أعلام الموقعين،ج2، ص302)، الموقف الثاني: (التغريب): يقوم على أن تحقيق التقدم الحضاري للمجتمعات المسلمة لا يمكن أن يتم إلا باجتثاث الجذور ، وتبني قيم المجتمعات الغربية. وفي منظور علم أصول الفقه يقوم على تبني قيم حضارة أخرى تناقض أصول الدين وفروعه (وقد لا يعي أصحاب هذا الموقف بهذا التناقض). فهو موقف يقوم على الرفض المطلق من هذه الجهة. ومن جهة أخرى يقوم على القبول المطلق لإسهامات المجتمعات الغربية .الموقف الثالث: الاصاله والمعاصرة (التجديد): أما الموقف الثالث فهو الموقف الذى يجمع بين الاصاله والمعاصرة، من خلال تقرير أن تحقيق التقدم الحضاري لمجتمعات المسلمة ، يتم باستيعاب ما لا يناقض أصول الإسلام كدين (التي تمثل الهيكل الحضاري للمجتمعات المسلمة) ، سواء كانت من اجتهادات المسلمين ، أو إسهامات المجتمعات المعاصرة الأخرى،فهذا الموقف إذا يقوم على تجاوز موقفي الرفض والقبول المطلقين للإسهامات الحضارية للأمم الأخرى، إلى موقف نقدي قائم على اخذ وقبول ما يتسق مع أصول الدين وواقع المجتمعات المسلمة، ورد ورفض ما يتناقض معهما ، وهو الموقف الذى يتسق مع جوهر موقف الإسلام من المجمعات الأخرى وإسهاماتها ، فقد استفاد الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) في غزوة الأحزاب من الفرس فى صنع الخندق ، ورد فى عون المعبود (سميت الغزوة بالخندق لأجل الخندق الذي حفر حول المدينة بأمره – عليه الصلاة والسلام – لما أشار به سلمان الفارسي فإنه من مكائد الفرس دون العرب)، و استفاد عمر بن الخطاب(رضي الله عنه) من الفرس في تدوين الدواوين ، يقول ابن الأثير(الديوان هو الدفتر الذي يكتب فيه أسماء الجيش وأهل العطاء، وأول من دون الدواوين عمر، وهو فارسي معرب).
الوسائل: وكما سبق ذكره فان القراءه الاسلاميه للناصريه ترى ان تحديد النظريه السياسيه الناصريه من ناحيه الوسائل، انما يتحقق من خلال الالتزام بموقف نقدى تقويمى من التراث الفكرى الناصرى ، مضمونه قبول الصواب ورفض الخطا فى هذا التراث الفكرى.
مشكله العلاقه بين الدين والدوله وتجاوز العلمانيه والثيوقراطيه : اما فيما يتعلق بمشكله العلاقه بين الدين والدوله فان القراءه الاسلاميه للناصريه ترى ان موقف النظريه السياسيه الناصريه ينبغى ان يكون ان يتجاوز كل من العلمانيه والثيوقراطيه الى موقف ثالث-يتسق مع الموقف الايجابي للتجربة الناصرية من الدين ، كما يعبر عن جوهر الحل الاسلامى الصحيح لمشكله العلاقة بين الدين والدولة – وهو الموقف الذي يقوم على اعتبار أن علاقة الدين بالدولة هي علاقة وحده وارتباط (وليست علاقة خلط ودمج كما في الثيوقراطيه )، اى يقوم على دينيه التشريع وليس السلطة كما في الثيوقراطيه، لان السلطة في الإسلام مقيده بمفاهيم وقيم وقواعد كليه ثابتة” كالشورى والعدل والمساواة …”، والمقصود بالتشريع هنا مصدره الرئيسي ، من خلال تقرير أن أصول الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع ، وهو ما يتسق – فيما نرى – مع تقرير دساتير التجربة الناصرية أن الإسلام هو دين الدولة . كما يقوم هذا الحل على اعتبار أن علاقة الدين بالدولة هي علاقة تمييز ( وليست علاقة فصل كما في العلمانية)، اى يقوم على مدنيه السلطة وليس التشريع كما في العلمانية ، لان الإسلام ميز التشريع كوضع الهي ثابت والاجتهاد ككسب بشرى متغير.
=============
هارون الرشيد في المخيلة الشعبية العربية: تقييم موضوعي لسيره هارون الرشيد
Résultat de recherche d'images pour "هارون الرشيد في المخيلة الشعبية العربية"
هارون الرشيد في المخيلة الشعبية العربية: تقييم موضوعي لسيره هارون الرشيد
د. صبري محمد خليل / أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم
صورتان متناقضتان: لهارون الرشيد الخليفة العباسي الخامس صورتين متناقضتين:
الصورة الأولى: صوره السكير الماجن ، المنصرف بمغامراته الشخصية عن اداره شئون الدولة ، المبذر الذي يتصرف في أموال الدولة حسب هواه .
هارون الرشيد في كتاب “ألف ليله وليله “: وقد ساهم في تكوين هذه الصورة عن هارون الرشيد كتاب ” إلف ليله وليله” الذي يقدمه في صورة الأمير الضجر، الذي يطلب السلوى فيأتيه وزيره جعفر البرمكي ببعض رواة العصر وسمّاره، يروون له أغرب ما سمعوا أو شهدوا من القصص والأخبار، أو يدفعه الأرق إلى التماس السلوى بالطواف ليلاً في بغداد ، متنكرا في زى التجار مع بعض رفاق سمره ، مثل وزيره جعفر وسيافه مسرور ومغنيه إسحاق ، فتسوقهم المقادير إلى بقعة أو منزل يقعون فيه على أغرب المشاهد، ويسمعون أغرب القصص والروايات.. وهناك العديد من قصص ألف ليله وليله بطلها هارون الرشيد منها قصة “ قوت القلوب” ، ومنها قصة هارون الرشيد مع خليفة الصياد. وبعض عناصر الصورة التي يقدمها لنا كتاب “ألف ليله وليله ” حقيقية تؤيدها المصادر التاريخية ، وبعضها الآخر خيالي يتعارض مع الحقائق التاريخية .
رفض بعض المؤرخين المسلمين لهذه الصورة: وقد رفض هذه الصورة عن هارون الرشيد بعض المؤرخين المسلمين منهم ابن خلدون الذي يقول في معرض الرد عليها (…وأين هذا من حاله ،وقيامه بما يجب لمنصب الخلافة من الدين والعدالة ، وما كان عليه من صحبة العلماء والأولياء ، ومحاورته للفضيل بن عياض ، وابن السماك ، والعمري ، ومكاتبته لسفيان الثوري ، وبكاؤه من مواعظهم ، ودعاؤه بمكة في طوافه ، وما كان عليه من المحافظة على أوقات الصلاة ، وشهود صلاة الصبح لأول وقتها …)، ويرى معارضي هذه الصورة إنها غير حقيقية ، شكلها عنه عن قصد بعض أعدائه، ومنهم بعض الشيعة والشعوبيون الفرس المبغضون للعرب ، الذين فقدوا نفوذهم بعد نكبة البرامكة، وعن غير قصد بعض القصاص والمجان ….
الصورة الثانية: صوره المتدين الورع التقى ، الذي يصلى في اليوم مائه ركعة ، و يغزو سنة ويحج سنة ، ويحب العلم ويوقر العلماء، ويبكى من مواعظ الصالحين .
هارون الرشيد عند بعض العلماء: ومثال لهذه الصورة ما نقله عنه بعض العلماء : يقول الذهبي ( كان من أنبل الخلفاء , وأحشم الملوك , ذا حجٍ وجهاد , وغزو وشجاعة ورأى )، ويقول السيوطي (كان أمير الخلفاء وأجلّ ملوك الدنيا , وكان كثير الغزو والحج … وكان يحب العلم وأهله ويعظم حرمات الإسلام ويبغض المراء فى الدين والكلام في معارضة النص ) ، ويقول ابن كثير (كان من أحسن الناس سيرة وأكثرهم غزوا وحجا بنفسه) ، ويقول ابن العماد الحنبلي (قال ابن الفرات : كان الرشيد يتواضع لأهل العلم والدين , ويكثر من محاضرة العلماء والصالحين).
التقييم الموضوعي وإلغاء التناقض : إن إلغاء التناقض بين صورتي هارون الرشيد لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تقييم موضوعي لسيرته وهو ما يتحقق من خلال :
أولا: الانتقال من موقفي الرفض والقبول المطلقين إلى الموقف النقدي ” التقويمي” : إن الموقف الصحيح من اى تجربه إنسانيه – يتجاوز موقفي القبول المطلق ” الذي ينكر السلبيات ” و الرفض المطلق”الذي ينكر الايجابيات”، إلى موقف نقدى (تقويمي) قائم على الإقرار بالايجابيات(أوجه الصواب) والسلبيات(أوجه الخطأ) ،بهدف اخذ الايجابيات ورفض السلبيات، وقد اقر المنهج الاسلامى الموقف النقدي “التقويمي” بعد تقييده بالضوابط الشرعية : قال تعالى ( فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾ (الزمر:17-18)،ورد فى تفسير الطبري ( يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَبَشِّرْ يَا مُحَمَّد عِبَادِي الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْل مِنْ الْقَائِلِينَ , فَيَتَّبِعُونَ أَرْشَدَهُ وَأَهْدَاهُ , وَأَدَلَّهُ عَلَى تَوْحِيد اللَّه , وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ , وَيَتْرُكُونَ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْقَوْل الَّذِي لَا يَدُلّ عَلَى رَشَاد , وَلَا يَهْدِي إِلَى سَدَاد . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل)، وقال تعالى ( ولا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ولا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) ( الأعراف : 85)، وقال تعالى ( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً )(النساء :114). وقال الرسول ( صلى الله عليه وسلم) (لا يكن أحدكم إمعة، يقول أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسئت، بل وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا،وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم)، لذا فان الموقف النقدي التقويمي هو الموقف الحقيقي لعلماء الإسلام من كثير من المجالات المعرفية كموقف الإمام ابن تيمية من التصوف حيث يقول (لأجل ما وقع في كثير من الاجتهاد والتنازع فيه، تنازع الناس في طريقهم فطائفة ذمت “الصوفية والتصوف” وقال أنهم مبتدعون خارجون عن السنة … وطائفة غلو فيهم وادعوا أنهم أفضل الخلق وأكملهم بعد الأنبياء، وكلا طرفي هذه الأمور ذميم. ..) .
ثانيا :مراعاة الظروف الزمانيه والمكانية:كما أن الموقف الصحيح من اى تجربه إنسانيه لابد ان يضع فى اعتباره الظروف الزمانيه والمكانية التي أحاطت بهذه التجربة ،وبالتالي لا يمكن محاكمه تجربه معينه طبقا لظروف زمانيه ومكانيه لاحقه. وهذا الأمر اقره المنهج الاسلامى كما هو ماثل في اعتبار الاصوليين أن العرف مصدر من مصادر التشريع الاسلامى التبعية ، وفى تقرير العلماء أن من شروط الإفتاء مراعاة الواقع.
ثالثا:الانتقال من المعايير الذاتية إلى المعايير الموضوعية: كما أن الموقف الصحيح من اى تجربه إنسانيه – لا يستند إلى المعايير الذاتية كالانفعالات والعواطف ، بل يستند إلى المعايير الموضوعية كالحقيقة الواقعية والتاريخية ومالا يناقض المنطق والعقل .وقد حذر المنهج الاسلامى من الاستناد إلى المعايير الذاتية كالكراهية ( الشنآن بالتعبير القرانى ) ، ودعي إلى الاستناد إلى المعايير الموضوعية (كالعدل) في قوله تعالى (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى).
السيرة الذاتية لهارون الرشيد طبقا للمصادر التاريخية الموثوقه :
هو أبو جعفر هارون بن المهدي محمد بن عباس الهاشمي العباسي، ولد بالري حين كان أبوه أميرا عليها عام 148 ، وحين تولى والده الخلافة عام 158 هـ بعد وفاه أبو جعفر المنصور عينه قائدا في الجيش ،ثم وليا ثانيا للعهد. تولى هارون الرشيد الخلافة بعد وفاة أخيه الهادي عام 170هـ، وكان عهده عهد قوه وازدهار للدولة العباسية ، فشهد عهده فرض سلطه ألدوله على سائر الدولة العباسية التي كانت إمبراطوريه مترامية الأطراف، متعددة الشعوب والأديان كما شهد عصره نهضة حضاريه تضمنت: نهضة معمارية :فبنيت المساجد، والقصور وحفرت الترع والأنهار، نهضة علمية تضمنت إنشاء “بيت الحكمة” وهو أشبه بمكتبة ضخمة جمعت فيها العديد من الكتب من مختلف البلدان كالهند وفارس وغيرها فكانت تضم قاعات للكتب وأخرى للمحاضرات وغيرها للناسخين والمترجمين. كما توطدت في عهده علاقة الدولة العربية الاسلاميه بالعديد من الدول.كما شهد عهده العديد من الفتوحات، وأهمها فتح مدينة هرقلة، الواصلة ما بين بحر الروم وبحر القلزم .كما خاض هارون الرشيد العديد من الحروب مع الروم سواء قبل توليه الخلافة أو بعدها ، كللت كلها بالنصر، مما أدى إلى تأمين الدولة من هجماتهم ، واضطرارهم إلى طلب عقد هدنة ، فعقدت ملكه الروم ” إيريني” صلحاً مع هارون الرشيد ، مقابل دفع جزية سنوية للدولة العباسية. توفى هارون الرشيد خلال إحدى غزواته بخراسان عام 193، ولم يتجاوز عمره 45 عاما .
هارون الرشيد احد أبطال المخيلة الشعبية العربية : ورغم تضمن صوره هارون الرشيد ، في المخيلة الشعبية العربية ، لعناصر خياليه- بالاضافه إلى عناصرها الحقيقية- فانه يعتبر احد أبطال هذه المخيلة،الذين تتوحد معهم”نفسيا”، وتنتمي إليهم” معنويا وقيميا” ، وتستدعيهم لمواجهه المشاكل التي يطرحها واقعها، فتلهمها عزيمة و أراده مواجهه هذه المشاكل … ويرجع هذا إلى عده أسباب منها: انجازات هارون الرشيد التاريخية ،وظهوره في مرحله التقدم الحضاري للحضارة العربية الاسلاميه، وثناء العلماء عليه ، وتخليد الأدب الشعبي العربي ” كتاب ألف ليله وليله ” لسيرته – رغم تضمنه لعناصر خياليه -…..
وجوب ضبط صوره هارون الرشيد:استنادا إلى العرض السابق نخلص إلى ضرورة ضبط صوره هارون الرشيد ويتضمن هذا الضبط:
أولا: الضبط المعرفي :تحرير صوره هارون الرشيد من العناصر الخيالية ،التي تتناقض مع الحقائق التاريخية .
ثانيا:الضبط الشرعي:تصحيح الفهم الخاطئ للقضايا الدينية ، التي تتقاطع مع صوره هارون الرشيد وعصره، والذي يستند يضفون قدسيه الدين على بعض أنماط التفكير والسلوك المتوارثة السلبية، والتي تتعارض- فى الحقيقة – مع جوهر الدين ، و بعض جماعات التطرف والغلو فى الدين ، والذي تستخدمه بعض المراكز الغربية والصهيونية لتشويه صوره العرب والإسلام. ومن هذه القضايا:
الإسلام شرع للتحرر من الرق ولم يشرع للرق : ارتبطت صوره هارون الرشيد وعصره بالجواري والإماء والعبيد ، مما قد يوحى بان الإسلام كدين شرع للرق ، اى اقر به من باب المحافظة عليه، باعتباره ظاهره اجتماعيه ايجابيه ، وهو غير صحيح آذ أن الإسلام لم يشرع للرق، لأنه وجد قبل ظهوره ، فهو ظاهره اجتماعيه شاعت فى كل المجتمعات القبلية في كل أنحاء العالم – بما فيها المجتمع القبلي العربي الجاهلي – فالإسلام شرع للتحرر من الرق ، اى اقر به من باب العمل على تغييره بشكل تدريجي ،باعتباره ظاهره اجتماعيه سلبيه لا يمكن تغييرها بشكل فجائي .فقد تعامل الإسلام مع هذه الظاهرة على المستويين النظري والعملي ،فعلى المستوى الأول لغي الإسلام الأساس النظري الذي تستند إليه هذه الظاهرة الاجتماعيه السلبية بتقريره المساواة بين الناس، أما على المستوى التطبيقي فكان يهدف إلى الانتقال مما هو كائن “الرق كظاهرة اجتماعيه سلبيه شائعة ” إلى ما ينبغي أن يكون”تحقيق المساواة والقضاء على ظاهره الرق” (بالتدرج مما هو كائن،إلى ما هو ممكن ، إلى ما ينبغي أن يكون) وذلك استنادا إلى قاعدة تضييق المدخل(بحضر سبب الرق في احد الخيارات المتاحة للمسلمين تجاه مصير أسرى الحرب المشروعة للدولة والتي تتم طبقا للضوابط الاخلاقيه التي حددتها بجانب خيارات أخرى كالمن والفداء، ومنع الأسباب الأخرى كالعدوان القبلي أو الفردي…) وتوسيع المخرج ( بتقرير تحرير الرق ككفاره لكثير من الذنوب وكعباده وقربى لله تعالى…) ، لذا فان استمرار هذه الظاهرة الاجتماعية السلبية أو التوسع فيها في المجتمعات المسلمة –في العصر العباسي وغيره من العصور – لا يرجع إلى الإسلام كدين ، بل يرجع إلى أسباب متعددة ، منها التخلف الاجتماعي، الذي أصاب هذه المجتمعات ، نتيجة لعوامل تاريخية و سياسية واجتماعيه…واقتصاديه متفاعلة .
الوحدة العربية الاسلاميه في عصرنا فدراليه – كونفدراليه وليست إمبراطوريه : إذا كانت الدولة العربية الاسلاميه ، في ظل حكم الاسره العباسية، قد جسدت الوحدة العربية الاسلاميه، فإنها قد جسدتها في شكل الدولة الذي يتسق مع أطوار الاستخلاف الاجتماعي، التي بلغتها المجتمعات حينها – اى طور الأمم في طور التكوين – وهو الشكل ” الامبراطورى” الذي يتصف بالتالي التالي : 1 – الأرض غير ثابتة الحدود تتبع جيوشها فتقف حيث تقف وتمتد حيث تمتد 2- وهى تضم مئات من القبائل والشعوب والأمم 3 – وكانت السلطة فيها مركزيه (الخليفة) الذي له حق تعيين الولاة في الأقاليم . أما واقعنا فقائم على اكتمال تكوين الأمم ، وشكل الدولة القائم على 1- الدولة ذات الحدود الثابته 2- الشعب الواحد 3- السلطة البسيطة أو الاتحادية ،وانتهى حق الفتح وحل محله حق الأمم في تقرير مصيرها، وبالتالي فان شكل الدولة الذي يجسد الوحدة العربية الاسلاميه في عصرنا هو: الشكل الفيدرالي”الاتحادي” لتحقيق وحده شعوب الامه العربية والشكل الكونفدرالى “التعاهدى” لتحقيق وحده الأمم والشعوب المسلمة .كما لا يمكن تحقيق الوحدة العرببه الاسلاميه فى عصرنا بشكل فجائي وباستخدام القوه ، ولكن يمكن اتخاذ كل الخطوات الممكنة تجاهها ،بشكل تدريجي سلمى مؤسساتي (عن طريق إيجاد وتفعيل مؤسسات العمل العربي والاسلامى المشترك،كإنشاء السوق المشتركة،اتفاقيات الدفاع المشترك، البرلمان المشترك ، إلغاء أو تخفيف القيود على حركه العمالة والتجارة …) .
الإسلام لم ينتشر بالسيف: وقد ارتبط عصر هارون والرشيد- والعصور سابقه ولاحقه له- بالفتوحات العسكرية للكثير من البلدان ، وهو الأمر الذي أدى ببعض المستشرقين إلى اتهام الإسلام بأنه انتشر بالسيف، وهو اتهام باطل،لان الإسلام لم يوجب قتال غير المسلمين إلا في حالتين : الحالة الأولى هي إكراه المسلمين على الردة عن دينهم وفتنتهم عنه قال تعالى( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله)، والحالة الثانية هي إخراج المسلمين من ديارهم قال تعالى (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله) . أما المذهب القائل بأن الإسلام أوجب قتال غير المسلمين (إطلاقاً)، وغزو العالم لنشر الدعوة فلا يعبر عن جوهر موقف الإسلام من غير المسلمين ، وهو مبنى على أخذ مذاهب بعض الفقهاء الذين بنوا اجتهادهم على واقعهم ، وهو واقع الدولة غير ثابتة الحدود متعددة الشعوب والقبائل دون مراعاة واقعنا، واقع اكتمال تكوين الأمم وانتهاء طور القبيلة، وما أفرزه من الدولة ثابتة الحدود والشعب الواحد، يقول الشيخ محمد أبو زهرة في معرض حديثه عن آراء الفقهاء في عدم جواز الصلح الدائم(…ولقد أثاروا تحت تأثير حكم الواقع الكلام في جواز إيجاد معاهدات لصلح دائم وإن المعاهدات لا تكون إلا بصلح مؤقت لوجود مقتضيات هذا الصلح، إذ أنهم لم يجدوا إلا حروباً مستمرة مشبوبة موصولة غير مقطوعة إلا بصلح مؤقت وقد قرر الكثيرون منهم أن الصلح لا يقع إلا مؤقتاً إذ ما كان يرى إلا ما أيدته الوقائع المستمرة ) ، فاجتهاد هؤلاء الفقهاء ليس محل إجماع ،لأن هناك علماء خالفوا ما قرره هؤلاء الفقهاء، فنجد ابن تيمية يخالف الرأي القائل بقتال الجميع لمجرد الكفر (…وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد ،ومقصودة أن يكون الدين كله لله /وأن تكون كلمة الله هي العليا، فمن منع هذا قوتل باتفاق المسلمين، وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة- كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى والزمن وغيرهم- فلا يقتل عند جمهور العلماء :إلا أن يقاتل بقوله أو فعله. وإن كان بعضهم يرى إباحة قتل الجميع لمجرد الكفر إلا النساء والصبيان لكونهم مالاً للمسلمين، والأول هو الصواب ،لأن القتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله كما قال تعالى (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)،وفي السنة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه مر على امرأة مقتولة في بعض مغازية قد وقف الناس عليها فقال (ما كانت هذه لتقاتل) … وذلك أن الله أباح من قتل النفوس ما يحتاج إليه في صلاح الخلق ،كما قال تعالى “والفتنة أشد من القتل”، أي أن القتل وإن كان فيه شر وفساد ففي فتنة الكفار من الشر والفساد ما هو أشد، فمن لم يمنع المسلمين من إقامة دين الله، لم يكن كفره إلا على نفسه )
تعدد الزوجات في الإسلام مقيد بشروط وضوابط وليس مطلق : كما اتخذ البعض من تعدد زيجات هارون الرشيد وغيره من خلفاء الاسره العباسية وغيرها من الأسر الحاكمة– مع ثبوت اباحه الشريعة الاسلاميه لتعدد الزوجات – كدليل على أن الإسلام يبيح تعدد الزوجات بدون اى شروط أو ضوابط ، وهو ما يتعارض مع كون حكم اباحه تعدد الزوجات فى الشريعة الاسلاميه مقيد بجمله من الضوابط والشروط الشرعية التي أشارت إليها النصوص، وأكد عليها العلماء منها:
أولا: أن يعدل الرجل بين جميع زوجاته ويسوي بينهن في الحقوق قال الله تعالى: ( فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى أن لا تعولوا )(النساء: 3 )، ثانيا: أن تتوافر القدرة على الإنفاق لقوله صلى الله عليه وسلم ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج )، ثالثا: وقد جعل الشرع من حقِّ المرأة أو وليِّها أن يشترط ألا يتزوَّج الرجل عليها، رابعا: ان التعدد مباح وليس واجب،خامسا: أن الأصل في الإسلام التفرد لا التعدد، اى أن التعدُّد الاستثناء وليس القاعدة بادله منها: ا/ قوله تعالى (أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا). ب/ ورود الحكم بالاباحه مقرونا بشرط معين هو الخوف من عدم القسط فى اليتامى كما في قوله تعالى(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ ) . ج/ تذييل الآية التي تبيح التعدُّد بقوله تعالى(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) (النساء). د/ قوله تعالى (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) [النساء: 129) ، ثم قوله صلى الله عليه وسلم (مَن كان له امرأتان فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وشقه مائل .
سلطه الحاكم في المنظور السياسي الاسلامى مقيده وليست مطلقه : كما توحي صوره هارون الرشيد أن سلطه الحاكم في المنظور السياسي الاسلامى مطلقه ، وهو إيحاء غير صحيح ، حين ان المنظور السياسي الإسلامي- على مستوى أصوله النصية الثابتة – يسند السلطة السياسية – التي عبر عنها القران بمصطلح الأمر- إلى الجماعة- بموجب الاستخلاف العام – قال تعالى ﴿ وأمرهم شورى بينهم)، أما الحاكم فنائب ووكيل عن الجماعة، لها حق تعينه ومراقبته وعزله ، يقول أبو يعلي (الخليفة وكيل للمسلمين ) (الأحكام السلطانية، ص 7 )، ويقول الماوردي ( البيعة عقد مرضاة واختيار لا يدخله اكراة ولا إجبار)،ويقول الإمام ابن حزم ( فهو الإمام الواجب طاعته ما قادنا بكتاب الله تعالى وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم- فإذا زاغ عن شيء منهما، منع من ذلك وأقيم عليه الحق والحق ، فإن لم يؤمن أذاه إلا بخلعه ، خُلع وولي غيره ). كما توحي العلاقة التي ربطت هارون الرشيد بالعلماء، فضلا عن ثناء بعض العلماء عليه ، بأن علماء أهل السنة أضفوا شرعيه ” دينيه ” على نظام سياسي استبدادي”وراثي”، وهو إيحاء غير صحيح،مصدره أسباب متعددة ، ومنها فهم خاطئ لبعض القواعد السياسية التي قررها علماء أهل السنة ، استنادا إلى قواعد اجتهادية متغيره ، اى مصدرها نصوص ظنيه الورود والدلالة”ومثال لها قواعد: عدم جواز الخروج على السلطان الجائر وأماره الغلبة والصلاة خلف البر والفاجر ” فأهل السنة لم ينكروا- عند تقريرهم لهذه القواعد – حق الجماعة في عزل الحاكم إذا جار – لأنه من القواعد ألسياسيه الاصليه – بل قرروا عدم جواز عزله في ظروف زمانية ومكانية معينه- وليس في كل زمان ومكان-وطبقا لكيفية معينه – وليس طبقا لكل الكيفيات،استناد إلى قاعدة الضرورة، وبهدف الحفاظ على وجود المجتمع المسلم- والدولة الاسلاميه كممثل له ، فرفضهم ينصب على كيفيه معينه لعزل الحاكم هي استخدام القوه المسلحة “الخروج بتعبيرهم” لما يلزم من هذه الكيفية من فتن ، وبالتالى لا ينصب على أساليب التغيير السلمبه – وبالضرورة لا يتصل بأساليب التغيير السلمبه التي قررتها النصوص كالتقويم و النصح.
ليس للحاكم في المنظور الاقتصادي الاسلامى حق التصرف المطلق في المال العام: كما توحي صوره هارون الرشيد أن للحاكم في المنظور الاقتصادي الاسلامى حق التصرف المطلق فى المال العام ، وهو ايحاء غير صحيح ، لان هذا المنظور يسند ملكية المال (حق التصرف المطلق فى المال|) لله تعالى ﴿ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ المائدة: 17) ، وبالتالى فان إسنادها إلى سواه هو شرك في الربوبية ،اما المستخلف فى الانتفاع بالمال بالاصاله فهو الجماعة (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ) ÷،ويترتب على هذا: ا/ ان للجماعة حق الانتفاع بمصادر الثروة الرئيسية دون الفرد، قال (صلى الله عليه وسلم)( الناس شركاء في ثلاثة الماء و الكلاء والنار (روه احمد وأبو داود).ب/ أن انتفاع الجماعة بمصادر الثروة الرئيسية يكون بان تتولى الدولة إدارة إنتاج هذه المصادر باعتبارها وكيل للجماعة ونائب عنها – وليس باعتبارها مالك للمال او مستخلفه فى الانتفاع به – . قال عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) ( لو أن عناقا ( عنزا ) ذهب بشاطئ العراق لأخذ بها عمر يوم القيامة. ج/ أما ما دون مصادر الثروة الرئيسية فان للجماعة أن تتركه حقا ينتفع به الفرد ، بشرط أن لا يتعارض ذلك مع مصلحه الجماعة، باعتبار ان الفرد مستخلف فى الانتفاع بالمال بالتبعية وليس بالاصاله.
=========
حماية المال العام:فلسفتها والياتها في المنظور التشريعي الاسلامى
د. صبري محمد خليل / أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم
Sabri.m.khalil@hotmail.com
تعريف المال العام : يمكن تعريف المال العام بأنه : ما تكون ملكيته للناس جميعاً أو لمجموعة منهم، ويكون حق الانتفاع منه لهم، دون أن يختص به أو يستغله أحد لنفسه (الدكتور محمد حمود/ تدابير الحماية الإدارية للمال العام ومكافحة الفسـاد: دراسة مقارنة).
فلسفه حماية المال العام في المنظور التشريعي الاسلامى: وتستند فلسفه حماية المال العام في المنظور التشريعي الاسلامى، إلى جمله من المفاهيم القرانيه الكلية ، ذات التطبيقات الفقهية الجزئية ، ومن هذه المفاهيم:
أولا: إسناد ملكيه المال لله تعالى ، قال تعالى (واتوهم من مال الله الذي أتاكم) ،والمقصود بالملكية هنا ملكيه المنفعة بل ملكيه الرقبة اى حق التصرف المطلق في المال.
ثانيا: استخلاف الجماعة في الانتفاع بالمال ، أما الفرد فنائب ووكيل عن الجماعة في الانتفاع بالمال على وجه لا يتناقض مع مصلحتها ، قال تعالى (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه )، وهذا الاستخلاف العام يتحقق من خلال القواعد التالية :
ا/ أن للجماعة حق الانتفاع بمصادر الثروة الرئيسية دون الفرد، قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) ( الناس شركاء في ثلاثة الماء و الكلأ والنار ) (روه احمد وأبو داود).
ب/ تولى الدولة إدارة إنتاج هذه المصادر باعتبارها وكيل للجماعة ونائب عنها، قال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ( لو أن عناقا ” عنزا ” ذهب بشاطئ العراق لأخذ بها عمر يوم القيامة).
ج/ أما ما دون مصادر الثروة الرئيسية فان للجماعة أن تتركه حقا ينتفع به الفرد ، بشرط أن لا يتعارض ذلك مع مصلحتها.
اتساقا مع المبادئ الكلية السابقة، فقد قرر العلماء عدد من القواعد ذات الصلة بفلسفة حماية المال في المنظور التشريعي الاسلامى ومنها:
مالك المال هو مواطني الدولة الاسلاميه : أن مالك المال العام – ملكيه انتفاع وليس ملكيه رقبه – هم مواطني الدولة الاسلاميه – وهو ما يتسق مع مبدأ أن المستخلف في الانتفاع بالمال – بالاصاله – هو الجماعة يقول ابن قدامة ( مال بيت المال مملوك للمسلمين) ( المغني (6/204)، ويقول أبو عبيد(ومال بيت المال ليس مال الخليفة بل فيء الله) )( الأموال (265) ويقول الشوكاني( بيت المال هو بيت مال المسلمين، وهم المستحقون له السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار (3/333)..
المال العام يصرف في مصالح المسلمين: ان المال العام يصرف على مصالح المسلمين، قال ابن رجب( الخراج والجزية تصرف في المصالح العامة) الاستخراج لأحكام الخراج (459).
الحاكم نائب وليس مالك للمال العام : أن الحاكم “الخليفة – الأمير – ولى الأمر…”-وموظفيه- ليس مالك المال العام، بل هو نائب عن جماعه المسلمين – المالك الاصلى له فى صرفه على الوجه الذي يحقق مصالحها، قال ابن العربي( الأمير.. نائب عن الجميع في جلب المنافع، ودفع المضار) (أحكام القرآن (2/903).وقال ابن تيمية( وليس لولاة الأمور أن يقسموها بحسب أهوائهم، كما يقسم المالك ملكه، فإنما هم أمناء ونواب.. ليسوا ملاكاً) السياسة الشرعية لابن تيمية (40) ، وقال ابن رجب( والإمام هو النائب لهم، والمجتهد في تعيين مصالحهم) الاستخراج لابن رجب (460)، وقال الدسوقي( الإمام.. إنما هو نائب عن المسلمين) (حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/487).
آليات حماية المال العام في المنظور الاسلامى: كما أن هناك العديد من آليات حماية المال العام في المنظور التشريعي الاسلامى ، ومن هذه الآليات :
تحريم الاعتداء على المال العام بأشكاله المختلفة :أهم آليات حماية المال العام في المنظور التشريعي الاسلامى هي تحريم الاعتداء على المال العام بأشكاله المختلفة ،ومن هذه الأشكال:
الغلول:
تعريفه : الغلول لغة: قال الراغب(أصل الغلل تدرع الشيء وتوسطه، ومن ذلك الغلل للماء الجاري بين الشجر، والغلول وهو تدرع الخيانة، والغل: العداوة ..) ، أما اصطلاحا: فقال الكفوي( الغلول الخيانة في بيت مال أو زكاة أو غنيمة ).
أنواعه :وللفلول أنواع متعددة منها :ا/ الأخذ من الفيء والغنائم : ففي صحيح مسلم عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا فُلَانٌ شَهِيدٌ فُلَانٌ شَهِيدٌ حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ ، فَقَالُوا فُلَانٌ شَهِيدٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَلَّا إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ )(رواه مسلم) . ب/الأخذ من الزكاة بغير حق : ففي سنن أبي داود عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاعِيًا ثُمَّ قَالَ( انْطَلِقْ أَبَا مَسْعُودٍ وَلَا أُلْفِيَنَّكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَجِيءُ وَعَلَى ظَهْرِكَ بَعِيرٌ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ لَهُ رُغَاءٌ قَدْ غَلَلْتَهُ) ..ج/ أخذ العمال والموظفين الهدايا: قال الرسول (صلى الله عليه وسلم)(… فَمَا بَالُ الْعَامِلِ نَسْتَعْمِلُهُ فَيَأْتِينَا فَيَقُولُ هَذَا مِنْ عَمَلِكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي أَفَلَا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَنَظَرَ هَلْ يُهْدَى لَهُ أَمْ لَا فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَغُلُّ أَحَدُكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا جَاءَ بِهِ لَهُ رُغَاءٌ وَإِنْ كَانَتْ بَقَرَةً جَاءَ بِهَا لَهَا خُوَارٌ وَإِنْ كَانَتْ شَاةً جَاءَ بِهَا تَيْعَرُ فَقَدْ بَلَّغْتُ )(رواه البخاري). د/ الاختلاس من الأموال العامة: فعن عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ( مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمْنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)(رواه مسلم” ).ه/الاستيلاء على الأراضي والعقارات بغير حق: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ( لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلَّا طَوَّقَهُ اللَّهُ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)(متفق عليه).
عقوبته:وللغلول عقوبة اخرويه أشارت إليها العديد من النصوص ومنها ما جاء في صحيح البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ كَانَ عَلَى ثَقَلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” أي على متاعه” رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ كِرْكِرَةُ فَمَاتَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ فِي النَّارِ فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَوَجَدُوا عَبَاءَةً قَدْ غَلَّهَا، وهذه العقوبة مترتبة على كون الفلول كبيره : قال ابن حجر: نقل النووي الإجماع على أن الغلول من الكبائر ، وقال الذهبي: الغلول من الغنيمة أو من بيت المال، أو من الزكاة من الكبائر، لما جاء في حديث مسلم عن أبي هريرة- رضي الله عنه- من قوله صلى الله عليه وسلم (لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء … الحديث) . لذا امتنع الرسول (صلى الله عليه وسلم ) من الصلاة على الغال عقوبة له ، ونص الإمام أحمد على أنه لا يصلي الإمام على الغال . .كما أن للفلول عقوبة دنيويه وهي عقوبة تعزيزيه تضمنت: استراد ما غله الغال،والجلد،والمنع من عطاء الدولة. حيث كان أبو بكر الصديق( رضي الله عنه) إذا وجد الغلول عند رجل أخذ الرجل وجلده مائة ، وحلق رأسه ولحيته ، وأخذ ما كان في رحله من شيء إلا الحيوان ، وأحرق رحله ، ولم يأخذ – الغال – سهماً في المسلمين أبداً. وقال القرطبي: إذا غل الرجل في المغنم ووجد (ما غله) أخذ منه وأدب وعوقب بالتعزير، واستعمل علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) أبن حجية الميمي على العراق, فاخذ من خراجها, فكتب إليه يستدعيه, فحضر فسأله عن المال فقال: ما أخذت شيئاً, فضربه بالدرة على وجهه.
قاعدة لا صدقه من غلول: وقد أشار الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى انه لا تقبل صدقه من غلول ، فعن ابن عمر ، عن النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – : ( لا يقبلُ الله صلاةً بغير طهورٍ ، ولا صدقةً من غلولٍ ) وهذه القاعدة هي فرع من قاعدة اعم قررها الرسول (صلى الله عليه وسلم ) وهى انه لا تقبل صدقه من مال حرام.ففي الصحيحين عن أبي هريرة ، عن النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – قال :( ما تصدَّق أحدٌ بصدقة من كسب طيب -ولا يقبل الله إلا الطَّيِّبَ- إلا أخذها الرحمان بيمينه ) ،اتساقا مع هذه النصوص قرر العلماء هاتين القاعدتين: سُئِلَ ابنُ عباس عمَّن كان على عمل ، فكان يَظلِمُ ويأخُذُ الحرام ، ثم تابَ ، فهو يحجُّ ويعتِق ويتصدَّق منه ، فقال : إنَّ الخبيث لا يُكَفِّرُ الخبيثَ .ويقرر ابن رجب أن المراد بالصدقة هنا أنْ يتصدَّقَ به الخائنُ أو الغاصبُ ونحوهما عن نفسه ، فهذا هو المراد من هذه الأحاديث أنه لا يُتُقبَّلُ منه ، بمعنى : أنَّه لا يُؤجَرُ عليه ، بل يأثمُ بتصرفه في مال غيره بغير إذنه ، ولا يحصلُ للمالك بذلك أجرٌ ؛ لعدم قصده ونيته … ويقول ابن رجب أيضا ( ولو أخذ السلطانُ ، أو بعضُ نوابه من بيت المال ما لا يستحقه ، فتصدق منه أو أعتق ، أو بنى به مسجداً أو غيره مما ينتفع به الناسُ، فالمنقولُ عن ابنِ عمر أنَّه كالغاصبِ عن تميم بن سلمة قال : قال ابنُ عامر لعبد الله بن عمر : أرأيتَ هذا العقاب التي نُسَهِّلُها ، والعيون التي نُفَجِّرُها ، ألنا فيها أجرٌ ؟ فقال ابن عمر : أما علمتَ أنَّ خبيثاً لا يُكَفِّرُ خبيثاً قط ؟ ) ( جامع العلوم والحكم).وهذه القاعدة تعنى أن المال المأخوذ من الغلول (كشكل من أشكال الاعتداء على المال العام ) حرام ، وانه لا يوجد اى تصرف يغير هذه الصفة – بما فيما ذلك صرفه في أوجه الخير – إلا رده إلى الدولة
الاختلاس:
تعريفه : الاختلاس والخلس في اللغة: أخذ الشيء مخادعة عن غفلة، أما اصطلاحا فهو الاستيلاء بغير حق على الأموال سواء كانت عامة أو خاصة محرم.
حكمه : والاختلاس محرم ، وجميع أدلة تحريم السرقة تنطبق على الاختلاس.
عقوبته: وإذا كان العلماء قد اختلفوا في تطبيق العقوبة الحدية على المختلس (القطع ) إلى مذهبين ، إلا أنهم اتفقوا على ضرورة تطبيق عقوبة تعذيريه على المختلس: رد المال المختلس والسجن… يقول ابن القيم (وأما قطع يد السارق في ثلاثة دراهم وترك قطع المختلس، والمنتهب والغاصب، فمن تمام حكمة الشارع أيضا، فإن السارق لا يمكن الاحتراز منه فإنه ينقب الدور ويهتك الحرز ويكسر القفل، ولا يمكن لصاحب المتاع الاحتراز بأكثر من ذلك، فلو لم يشرع قطعه لسرق الناس بعضهم بعضا، وعظم الضرر، واشتدت المحنة بالسراق، بخلاف المنتهب، والمختلس..وأما المختلس فإنه إنما يأخذ المال على حين غفلة من مالكه وغيره، فلا يخلو من نوع تفريط يمكن به المختلس من اختلاسه، وإلا فمع كمال التحفظ والتيقظ لا يمكنه الاختلاس فليس كالسارق بل هو بالخائن أشبه، وأيضا فالمختلس إنما يأخذ المال من غير حرز مثله غالبا فإنه الذي يغافلك ويختلس متاعك، في حال تخليك عنه وغفلتك عن حفظه، وهذا يمكن الاحتراز منه غالبا فهو كالمنتهب وأما الغاصب فالأمر فيه ظاهر، وهو أولى بعدم القطع من المنتهب، ولكن يسوغ كف عدوان هؤلاء بالضرب، والنكال، والسجن الطويل، والعقوبة بأخذ المال).
الرقابة والمحاسبة : من آليات حماية المال في المنظور التشريعي الاسلامى الرقابة على موظفي الدولة ومحاسبتهم ، لمـا قدم معاذ بن جبل ( رضي الله عنه) من اليمن بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) قال له: ارفـع حسابك ؟ فقال معاذ (أحسابان حساب مع الله وحساب منك)، واستعمل علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) أبن حجية الميمي على العراق, فاخذ من خراجها, فكتب إليه يستدعيه, فحضر فسأله عن المال فقال: ما أخذت شيئاً, فضربه بالدرة على وجهه.
اختلاف العلماء هو على طبيعة عقوبة الاعتداء على المال العام وليس على مبدأ العقوبة : وهنا يجب الاشاره إلى العلماء اختلفوا فى تطبيق أو عدم تطبيق العقوبة الحدية للسرقة (القطع ) على جريمة الاعتداء على المال العام بأشكالها المختلفة (كالاختلاس والنهب والخيانة والسرقة من بيت المال والمال الموقوف ..) الى مذهبين ،وفيما يلي نعرض بشيء من التفصيل لهذين المذهبين:
المنتهب والخائن والمختلس : : قال الحنفية والمالكية والشافعية : لا يقطع المنتهب لأنه مجاهر بفعله، والخائن لقصور في الحرز، والمختلس لأنه ليس بسارق والعرب أطلقت عليه أسما آخر غير اسم ( السارق ) والآية والأحاديث نصت على أن القطع على السارق فلا يقاس عليه غيره) .أما الحنابلة والإمام زفر فقالوا : أنه يجب القطع على المختلس والمنتهب والخائن لعدم اعتبارهم الحرز ولأنه نوع من السرقة . السرقة من بيت المال: ذهب الحنفية والحنابلة إلى عدم إقامة الحد على من سرق من بيت المال ، إذا كان السارق مسلما – غنيا كان أو فقيرا – لأن لكل مسلم حقا في بيت المال ، فيكون هذا الحق شبهة تدرأ الحد عنه .أما المالكية فقد أوجبوا إقامة الحد على السارق من بيت المال – وهو الرأي المرجوح عند الشافعية – لعموم نص الآية التي تشير إلى عقوبة القطع للسارق، ولضعف الشبهة ، لأنه سرق مالا من حرز لا شبهة له فيه في عينه ، ولا حق له فيه قبل حاجته إليه . وفرق الشافعية بالنسبة للسرقة من بيت المال بين أنواع ثلاثة : أولا : إن كان المال محرزا لطائفة هو منها أو أحد أصوله أو فروعه منها ، فلا قطع لوجود الشبهة ، حتى ولو لم يكن لهم سهم مقدر، ثانيا : وإن كان المال محرزا لطائفة ليس هو ولا أحد أصوله أو فروعه منها ، وجب قطعه لعدم الشبهة الدارئة للحد ، ثالثا : وإن كان المال غير محرز لطائفة بعينها ، فالأصح : أنه إن كان له حق في المسروق، كمال المصالح ومال الصدقة وهو فقير أو في حكمه كالغارم والغازي والمؤلفة قلوبهم ، فلا قطع للشبهة ، وإن لم يكن له فيه حق قطع ، لانتفاء الشبهة
السرقة من المال الموقوف : ذهب الحنفية إلى عدم إقامة الحد على من سرق من المال الموقوف ، لأنه إن كان وقفا عاما فإنه يأخذ حكم بيت المال ، وإن كان وقفا خاصا على قوم محصورين فلعدم المالك حقيقة ، سواء كان السارق منهم أولا . وصرح بعضهم بأن السارق إذا لم يكن داخلا فيمن وقف المال عليهم فإنه يقطع بطلب متولي الوقف ، ووجهه : أن الوقف يبقى عندهم على ملك الواقف حقيقة ، وعند المالكية يقام الحد على من سرق من المال الموقوف ، سواء كان الوقف عاما أو خاصا ، سواء أكان السارق ممن وقف المال عليهم أم كان من غيرهم ، لأن تحريم بيع مال الوقف يقوي جانب الملك فيه .أما الشافعية فقد فرقوا بين الوقف العام فلا يقطع سارقه ، وبين الوقف الخاص ، فلا يقطع سارقه إن كان واحدا من أهله . وإن كان من غير أهله فعندهم آراء ثلاثة :أ – ظاهر المذهب : أنه يقطع ، لأن تحريم بيعه يقوي جانب الملك فيه .ب – لا يقطع السارق من هذا المال ، لأنه لا مالك له .ج – إن قيل : إن الموقوف مملوك الرقبة ، قطع سارقه . وإن قيل : إنها لا تملك ، فلا قطع، لأن ما لا يملك في حكم المباح وإن لم يستبح .ويذهب الحنابلة إلى عدم إقامة الحد على من يسرق من الوقف العام ، أو من يسرق من الوقف الخاص إذا كان واحدا من أهله ، لوجود شبهة تدرأ الحد عنه .أما من يسرق من مال الوقف الخاص ولم يكن من أهله ، ففي حكمه روايتان :أشهرهما : إقامة الحد عليه لبقاء الوقف على ملك الواقف .والأخرى : لا يقام عليه الحد ، لأن الوقف على قوم محصورين ليس له مالك حقيقة.
و هذا الخلاف الفقهي يدل على:
أولا: عدم وجود إجماع بين العلماء ، على عدم تطبيق العقوبة الحدية على جريمة الاعتداء على المال العام ، بأشكالها المختلفة (كالاختلاس والنهب والخيانة والسرقة من بيت المال والمال الموقوف ..) -كما يقول البعض- فتطبيق العقوبة الحدية على هذه الجريمة هو احد هذين المذهبين.
ثانيا: أن هذا الخلاف لا يتصل بمبدأ العقوبة – حيث أنهم اتفقوا على وجوب معاقبه المعتدى على المال العام سواء بعقوبه حديه أو تعزيزيه.بل يتصل بطبيعة العقوبة :هل هي تعذيريه ام حديه .
الأخذ معيار الكفاية : ومن هذه الآليات الأخذ بمعيار الكفائه في اختيار الموظفين، قال الرسول (صلى الله عليه وسلم)( من استعمل رجلاً على عصابة ، وفيهم من أرضى الله منه، فقد خان الله ورسوله) ، وقال (صلى الله عليه وسلم) ( من أولى من أمر المسلمين شيئاً ، فأمر عليهم أحد محاباة ، فعليه لعنة الله لا يقبل منه صرفاً ولا عدلاً حتى يدخله جهنم).
عدالة الأجور: ومن هذه آليات تطبيق مبدأ عدالة الأجور،روي أن أبو عبيدة تحدث يوماً مع عمر(رضي الله عنه) في استخدام الصحابة في العمل فقال ( أما إن فعلت فأغنهم بالعمالة عن الخيانة )، قال أبو يوسف في تفسيره ( إذا استعملتم علي شيء فابذل لهم العطاء والرزق لا يحتاجون).
إحصاء الثروة: ومن هذه الآليات أن عمر بن الخطاب( رضي الله عنه) كان يقوم بإحصاء ثروة عماله قبل توليتهم أعمال الولايات. (دكتور عوف الكفراوي ,الرقابة المالية في الإسلام, دار النشر للجامعات, الإسكندرية)
منع أخذ الهدايا والهبات: ومن هذه آليات النهى عن اخذ الموظف العام للهدايا والهبات، كتب عمر بن الخطاب إلى عماله:(أما بعد فإياكم والهدايا فإنها من الرشا). ورد عمر بن عبد العزيز على من قال له: الم يكن رسول الله يقبل الهدية ؟ بقوله: بلى, ولكنها لنا ولمن بعدنا رشوة .
التمييز بين المال العام والمال الشخصي: ومن هذه الآليات التمييز بين المال العام والمال الشخصي للموظف العام ، نقل أبو عبيد في (كتاب الأموال)عن عمر بن عبد العزيز انه كان يضيء شمعة من مال المسلمين لينظر في ضوئها في شئونهم، فإذا سئل عن أحواله الخاصة يطفئ الشمعة ويضيء غيرها، ويقول (كنت أضيء شمعة من مال المسلمين و أنا في مصالحهم، أما وأنتَ تريد أن تسأل عن أحوالي، فقد أضأت شمعة من مالي الخاص).
إنشاء أجهزه لحماية المال العام: ومن هذه آليات إنشاء المسلمين أجهزه لحماية المال العام كديوان الحسبة وديوان المظالم…
خاتمه: حماية المال العام في المجتمعات المسلمة المعاصرة: وقد حدث تراجع في حماية المال العام أما في المجتمعات المسلمة المعاصرة نتيجة لأسباب متعددة منها :عدم التزام هذه المجتمعات بفلسفة واليات حماية المال العام في المنظور التشريعي الاسلامى ، وشيوع الاستبداد ، وتطبيق هذه المجتمعات للنظام الاقتصادي الراسمالى، وما يترتب على هذا التطبيق من جعل العلاقة بين القطاع العام (الذي يمثل المال العام في هذه المجتمعات) والقطاع الخاص علاقة تنافس ، نتيجة لخضوع حركتهما لقانون المنافسة الحرة بقصد الحصول على ربح ، وهو ما يؤدى في نهاية الأمر إلى تصفية القطاع العام ، لذا فان حماية المال العام يجب أن تشمل ضمن آلياتها، وضع ضوابط للمنافسة بين القطاعين العام والخاص ، ومن هذه الضوابط دعم القطاع العام ، وتفعيل الرقابه فيه ، وتحفيز العاملين به ، وان يكون لكل قطاع مجالات محدده مقصورة عليه وحده .
=======================
نحو ضبط شرعي لقضية تقسيم التوحيد
نحو ضبط شرعي لقضية تقسيم التوحيد
صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم
sabri.m.khalil@hotmail.com
تمهيد:هذه الدراسة هي ضبط شرعي لقضية تقسيم التوحيد ، من خلال أولا:عرض مذهب ابن تيميه في تقسيم التوحيد ، والذي أثار كثير من الجدل . ثانيا: بيان أوجه النقد التي قدمها بعض العلماء لهذا المذهب ، ثالثا : ضبط شرعي للقضية ، يتضمن بيان أوجه الصواب والخطأ في هذا المذهب ، وفى النقد الذي وجه إليه .
أولا: مذهب ابن تيميه في تقسيم التوحيد: يقوم مذهب ابن تيميه في تقسيم التوحيد على تقسيم التوحيد إلى توحيد ربوبية وتوحيد إلهيه ، ويتضمن الأخير إثبات الأسماء والصفات ، ومضمون الأول هو الاعتقاد بأن الله هو وحده الرب والخالق والمحيي والمميت والرازق والمدبر، ويرى ابن تيميه أن هذا القسم من أقسام التوحيد قد أقر به الناس كافة ـ بالفطرة ـ مؤمنهم وكافرهم . أما الأول ( توحيد الإلهية) فمضمونه هو اعتقاد أنه لا إله إلا الله، ويعني ذلك صرف جميع العبادات من الدعاء والسجود والنذر والطواف والحلف ونحو ذلك إلى الله دون سواه من صنم أو قبر،ويرى ابن تيميه ان هذا القسم من أقسام التوحيد هو المعوّل عليه، والذي جاءت به الرسل. يقول ابن تيمية(…وطائفة: ظنوا أن التوحيد ليس إلا الإقرار بتوحيد الربوبية، وأن الله خلق كل شيء، وهو الذي يسمونه توحيد الأفعال.ومن أهل الكلام: من أطال نظره في تقرير هذا التوحيد، … ويظن أنه بذلك قرَّر الوحدانية وأثبت أنه لا إله إلا هو، وأن الإلهية هي: القدرة على الاختراع أو نحو ذلك… ولم يعلم أن مشركي العرب كانوا مقرين بهذا التوحيد، كما قال تعالى”وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ” (لقمان: 25)… وهذا التوحيد هو من التوحيد الواجب، لكن لا يحصل به الواجب، ولا يخلص بمجرده عن الإشراك الذي هو أكبر الكبائر، الذي لا يغفره الله، بل لا بد أن يخلص لله الدين فلا يعبد إلا إياه فيكون دينه كله لله…)(اقتضاء الصراط المستقيم ص539) )، ويقول ( التوحيد الذي جاءت به الرسل إنما يتضمن إثبات الإلهية لله وحده بأن يشهد أن لا إله إلا الله ولا يعبد إلا إياه ولا يتوكل إلا عليه ولا يوالي إلا له ولا يعادي إلا فيه ولا يعمل إلا لأجله وذلك يتضمن إثبات ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات قال تعالى: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ (البقرة:163))،ويقول (وليس المراد بالتوحيد مجرد توحيد الربوبية وهو اعتقاد أن الله وحده خلق العالم كما يظن ذلك من يظنه من أهل الكلام والتصوف. …فإن مشركي العرب كانوا مقرين بأن الله وحده خالق كل شيء وكانوا مع هذا مشركين قال تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ) (يوسف: 106)… ولهذا كان من أتباع هؤلاء من يسجد للشمس والقمر والكواكب ويدعوها ويصوم وينسك لها ويتقرب إليها ثم يقول إن هذا ليس بشرك إنما الشرك إذا اعتقدت أنها المدبّرة لي فإذا جعلنها سبباً وواسطة لم أكن مشركاً. ومن المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن هذا شرك) ، واستنادا إلى تقرير ابن تيميه أن توحيد الالهيه يتضمن إثبات الأسماء والصفات ، قام تلميذه ابن أبى العز باضافه قسمً ثالثً للتوحيد هو توحيد الصفات في شرحه للعقيدة الطحاوية ،وقد قال بهذا التقسيم الثلاثي للتوحيد العديد من العلماء.
ثانيا: نقد بعض العلماء لمذهب ابن تيميه في تقسيم التوحيد: وقد تعرض مذهب ابن تيميه في تقسيم التوحيد إلى النقد من العديد من العلماء،ويتضمن هذا النقد :
أولا: أن هذا التقسيم لم يرد- بلفظه- في القران والسنة، ولم يقل به احد من السلف الصالح من أهل القرون الثلاثة، ورتب الكثير منهم على هذا انه بدعه.
ثانيا: القول بأن الناس أجمعين – مؤمنهم وكافرهم – مقرون بتوحيد الربوبية؛ يخالف تقرير القران الكريم إن كثير من الأقوام أنكروا ربوبية الله تعالى أو أشركوا غيره في الربوبية كقوله تعالى(.. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ) [الحج: 39، 40]، و قوله تعالى(وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} [غافر: 28] وقوله تعالى (لا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا) ،وقوله تعالى (أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار)
ثالثا: الآيات التي استدل بها ابن تيمية على أن الكفار والمشركين مقرون بتوحيد الربوبية كقوله تعالى (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَاتَتَّقُونَ)(المؤمنون: 86، 87)، تدل على أنهم يقرون بربوبية الله تعالى، ولكنها لا تدل على أنهم يقرون بتوحيد الربوبية، لأنهم لا يقرون بربوبية الله تعالى وحده، بل يسندون الربوبية إلى سواه أيضا . فهناك فرق بين الإقرار بربوبية الله تعالى وبين الإقرار بتوحيد الربوبية.
رابعا: فسر ابن تيميه الايه (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)(الزمر: 3)،بما يفيد بأن الكفار والمشركين يقرون بتوحيد الربوبية، بينهما تفسيرها – الذي يتسق مع سياقها- أن إقرارهم بتوحيد الربوبية هو كذب منهم بدليل بقيه الايه (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)(الزمر: 3).
خامسا: أن البعض استخدم هذا التقسيم كذريعة لتكفير المخالف في المذهب،و دون التزام بالضوابط الشرعية للتكفير التي اقرها علماء أهل السنة- بما فيم ابن تيميه – استنادا إلى النصوص..
ثالثا: ضبط شرعي لقضية تقسيم التوحيد :
تقسيم التوحيد غير مقصور على مذهب معين : أن تقسيم التوحيد – بصوره عامه – لا ينفرد به ابن تيميه ولا المذهب الحنبلي، فقد قال به علماء عديدون، و من مذاهب أهل السنة الأخرى، ولكن طبقا لصياغات أخرى، فعلى سبيل المثال لا الحصر قسم بعض علماء المذهب الاشعرى التوحيد إلى ثلاثة أقسام هي : توحيد الذات، وتوحيد الصفات، وتوحيد الأفعال، يقول كمال الدين ابن أبي شريف ( التوحيد هو اعتقاد الوحدانية في الذات والصفات والأفعال ( المسامرة شرح المسايرة: 43).
التمييز بين الربوبية والالوهيه غير مقصور على مذهب معين :أن التمييز بين الربوبية والالوهيه ومن ثم تقسيم التوحيد إلى توحيد ربوبية وتوحيد الوهيه ، لم ينفرد به ابن تيمه أو المذهب الحنبلي ،بل قال به العديد من العلماء من مذاهب أهل ألسنه الأخرى ، وعلى سبيل المثال لا الحصر يقول أبو حاتم محمد بن حبان البستي (الحمد لله المتفرد بوحدانية الألوهية، المتعزز بعظمة الربوبية، القائم على نفوس العالم بآجالها، والعالم بتقلبها وأحوالها، المانِّ عليهم بتواتر آلائه، المتفضل عليهم بسوابغ نعمائه، الذي أنشأ الخلق حين أراد بلا معين ولا مشير، وخلق البشر كما أراد بلا شبيه ولا نظير، فمضت فيهم بقدرته مشيئته، ونفذت فيهم بعزته إرادته )(روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)
لا يجوز اتخاذ تقسيم التوحيد كوسيلة لوصف المسلمين بالشرك : أن تقسيم التوحيد إلى توحيد ربوبية وتوحيد الوهيه،أو تقرير إنكار الكفار والمشركين لتوحيد الالوهيه- وإنهم اقروا بربوبية الله – وليس توحيد الربوبية – لا يجوز إن يترتب عليه وصف بعض أفعال المسلمين، التي اختلفت المذاهب في حكمها ،كالاستغاثة والتوسل وزيارة وبناء الاضرحه والقبور … بأنها شرك في الالوهيه لأنها- فضلا عن كونها متعلقة بمسائل خلافيه وليست محل إجماع – خاضعة لمعيار النية لقول الرسول (صلى الله عليه وسلم ) (إنما الأعمال بالنيات)، كما انه لا يجوز جعل الآيات التي نزلت فى الكفار على المسلمين – بما فيها الآيات التي تصف إنكار الكفار لتوحيد الالوهيه – قال البخاري في صحيحة في ( كتاب إستتابة المرتدين ) : ( باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم وقول الله تعالى ” وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ” وكان ابن عمر رضي الله عنهما يراهم شرار خلق الله وقال إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين.
التمييز وليس الفصل بين الربوبية والالوهيه : أن تقسيم التوحيد إلى توحيد ربوبية وتوحيد الوهيه يجب أن يقوم على التمييز بين الربوبية والالوهيه ، وليس الفصل بينهما ،فقد ربطت النصوص بين الربوبية والالوهيه كقوله تعالى (رب السموات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سمياً) ، وقوله تعالى(ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض)
تقسيم التوحيد اصطلاحي وليست توقيفي: أن تقسيم التوحيد هو مسالة اصطلاحيه وليست توقيفيه ، ويدل على هذا:
ا/ اختلاف العلماء في صيغ تقسيم التوحيد :أن العلماء – حتى داخل المذهب الحنبلي – لم يتفقوا صيغه واحده لتقسم التوحيد، له بل قررو صيغ مختلفة له ، فكما سبق ذكره قسمه ابن تيميه إلى توحيد الربوبية وتوحيد الالهيه، وقرر أن إثبات الأسماء والصفات متضمن في الأخير، وقام تلميذه ابن أبى العز استنادا الى ذلك بتقسيمه إلى ثلاثة أقسام هى توحيد الربوبية وتوحيد الالهيه وتوحيد الأسماء والصفات، وقسم ابن القيم ا التوحيد الى توحيد فى المعرفة والإثبات ، وتوحيد فى الطلاب والقصد حيث يقول ( وأما التوحيد الذي دعت إليه رسل الله ونزلت به كتبه فوراء ذلك كله وهو نوعان: توحيد في المعرفة والإثبات، وتوحيد في الطلب والقصد .فالأول: هو حقيقة ذات الرب تعالى وأسمائه.. وقد أفصح القرآن عن هذا النوع جد الإفصاح… النوع الثاني: مثل ما تضمنته سورة « قل يا أيها الكافرون » وقوله: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم )..، و غالب سور القرآن بل كل سورة في القرآن فهي متضمنة لنوعي التوحيد، بل نقول قولا كليًّا إن كل آية في القرآن فهي متضمنة للتوحيد شاهدة به داعية إليه )(مدارج السالكين :3/449)
ب/ تقرير العلماء أن تقسيم التوحيد تقريبي وتعليمي واستقرائي: وقد قرر كثير من العلماء المعاصرين، الذين قالوا بالصيغة الثلاثية لتقسيم التوحيد (توحيد ربوبية وألوهيه وأسماء وصفات ) أن تقسيم التوحيد من باب الوسائل والتقريب للتفهيم والتعليم وانه محصله استقراء النصوص- وكلها أوصاف تدل على انه اصطلاحي وليس توقيفي- يقول الشيخ ابن عثيمين (…فالصواب -بلا شك-: إن تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام، وذكر الشروط والأركان والواجبات والمفسدات في العبادات؛ كل هذا جائز؛ لأنه من باب الوسائل والتقريب وحصر الأشياء لطالب العلم. )( شرح عقيدة أهل السنة والجماعة، للشيخ ابن عثيمين – الشريط الأول/الوجه الأول).ويقول الشيخ محمد بازمول (… وهذا التقسيم للتفهيم والتعليم ، لا للمغايرة ، لا لبيان أن هذا التوحيد : توحيد الربوبية بمفرده هو المراد شرعا ، لا ! أو توحيد الأسماء والصفات بمفرده هو المراد شرعا ، لا ! إنما تقسيم من أجل أن يتعلم الناس ما يتكون منه التوحيد الشرعي ، كما يقول الناس – مثلا – : الإنسان جسد ، وروح ، الروح فقط ليست إنسانا ، والجسد فقط ليس إنسانا ، إنما الجسد والروح هي إنسان ، فلم يلزم من هذه القسمة قيام حقيقة الإنسان بأحد القسمين دون الآخر .) (كتاب شبهات حول التوحيد )، ويقول الشيخ صالح السحيمي ( …وتقسيم التوحيد إلى توحيد ربوبية وتوحيد الألوهية و توحيد الأسماء والصفات هو تقسيم استقرائي, ثبت عن جمع من السلف من قديم الزمان , ولم ينفرد به كما يدعي المدعون شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله -ومن جاء بعده مثل الشيخ محمد بن عبد الوهاب أو غيرهم من علماء الأمة , وإنما اهتم به من كان قبله في القرون الأولى , فقد نقل عن بعض السلف ما يشير إلى هذا التقسيم, وعلى أية حال هو تقسيم استقرائي.. )
تقسيم التوحيد مسالة فرعيه اجتهادية: ويترتب على كون تقسيم التوحيد مسالة اصطلاحيه وليست توقيفيه، أنها مسالة فرعيه اجتهادية وليست مسالة أصليه نصيه .
ا/ بين الاجتهاد والبدعة : وبالتالي لا يجوز وصف تقسيم التوحيد أو اى صيغه من صيغه بأنه بدعه- كما يرى منكري تقسيم التوحيد عامه، أو صيغته الثلاثية السابقة الذكر خاصة- إلا في حاله القول بأنها مسالة توقيفيه وبالتالي أصليه نصيه.
ب/عدم جواز تكفير منكر تقسيم التوحيد :كما انه لا يجوز تكفير من أنكر تقسيم التوحيد أو أنكر اى من صيغه .
التمييز بين الأقسام الاصليه والفرعيه للتوحيد : وإقرار الصيغة الثلاثية لتقسيم التوحيد(توحيد الربوبية وتوحيد الالوهيه وتوحيد الأسماء والصفات)،يجب أن يتضمن التمييز بين الأقسام الاصليه “الرئيسية “، والفرعية”الثانوية” للتوحيد
الأقسام الاصليه: وهى قسمين هما:
أولا: توحيد الربوبية : ومضمونه أن الله تعالى ينفرد بكونه الفاعل المطلق – الدائم كونه فاعلا فتعبير ابن تيميه – حيث يقول في معرض رفضه لاستدلال المتكلمين على وجود الله بطريقه الأعراض الدالة على حدوث الأجسام ( إن هذا المسلك مبنى على امتناع دوام كون الرب فاعلا وامتناع قيام الأفعال الاختيارية بذاته) (ابن تيميه، درء التعارض،1/98.).
ثانيا:توحيد الالوهيه : ومضمونه أن الله تعالى ينفرد بكونه الغاية المطلقة – الغاية المطلوب بتعبير ابن تيميه- حيث يقول ( …. ولكن المراد المستعان على قسمين: منه ما يراد لغيره ….. ومنه ما يراد لنفسه فمن المرادات ما يكون هو الغاية المطلوب فهو الذي يذل له الطالب ويحبه وهو الإله المعبود ومنه ما يراد لغيره).
القسم الفرعى(توحيد الأسماء والصفات): : فتوحيد الأسماء والصفات قسم فرعى لأنه متضمن في القسمين السابقين ، فالصفات – التي هي موضوع هذا القسم من أقسام التوحيد ،تنقسم إلى صفات ربوبية وصفات الوهيه، وقد اعتبر ابن تيميه أن توحيد الالهيه يتضمن إثبات الأسماء والصفات ،حيث قال ( التوحيد الذي جاءت به الرسل إنما يتضمن إثبات الإلهية لله وحده بأن يشهد أن لا إله إلا الله ولا يعبد إلا إياه ولا يتوكل إلا عليه ولا يوالي إلا له ولا يعادي إلا فيه ولا يعمل إلا لأجله وذلك يتضمن إثبات ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات قال تعالى: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ (البقرة:163))، ثم قام تلميذه ابن أبى العز في شرحه للعقيدة الطحاوية – استنادا إلى هذا – باعتبار توحيد الأسماء و الصفات قسم ثالث للتوحيد، مما يوحى بأنه مكافئ في الدرجة للقسمين الأولين.
=================
الصفات الإلهية بين التشبيه والتعطيل والتنزيه
tampon
الصفات الإلهية بين التشبيه والتعطيل والتنزيه
د.صبري محمد خليل / أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه بجامعه الخرطوم
sabri.m.khalil@hotmail.com
تمهيد:في إطار علم الكلام الاسلامى، تعددت مواقف الفرق من مسالة الصفات الالهيه،واهم هذه المواقف هي:
التشبيه (التجسيم):التشبيه هو القول بالتشابه بين الله تعالي ومخلوقاته، والتجسيم هو تصور الله تعالى على صورة جسم، والتشبيه ظهر قبل الإسلام عند بعض الفرق المسيحية واليهودية ،ثم تسرب إلى بعض الفرق المتطرفة في البلاد الإسلامية، وقد استندت هذه الفرق إلى فهم الآيات التي يفيد ظاهرها التشابه بين الله تعالى والمخلوقات على هذا الظاهر ، وأهم هذه الفرق:
غلاة الشيعة: من هؤلاء المغيرة بن سعيد ، الذي قال أن معبودة رجل من نور على رأسه تاج ، وله من الأعضاء ما للرجل، ومن هؤلاء بيان بن سمعان الذي زعم أن معبودة إنسان من نور على صورة إنسان في أعضائه ،وأنه يفنى كله إلا وجهه.
الكرامية: وتنسب هذه الفرقة إلى مؤسسها محمد بن كرام السجستاني ، وهو من مثبتي الصفات الإلهية، لكنه تطرف لينتهي إلى التجسيم والتشبيه، وقد دعا أتباعه إلى تجسيم معبوده، وزعم أنه جسم له حد ونهاية، وذكر في كتاب عذاب القبر أن معبودة أحدى الجوهر، وقال أنه مماس للعرش من الصفحة العليا، وجوز عليه الانتقال والتحول والزوال ، كما أثبت رؤية الله تعالى سواء استلزمت الجهة والجسمية أم لا ، وقد وصف الإمام الشهرستاني الكرامية بأنهم (ليسوا علماء معتبرين بل سفهاء جاهلين).
الحشوية: وهم الذين أدى تمسكهم بفهم الآيات، التي يفيد ظاهرها التشابه بين الله تعالى والمخلوقات على هذا الظاهر ، إلى الوقوع في التشبيه يقول التهانوي في كشاف اصطلاحات الفنون (إن الحشوية قوم تمسكوا بالظواهر، فذهبوا إلى التجسيم وغيره) ، وهم تيار يضم بعض المنتسبين إلى أهل السنة بفرقهم المختلفة، وعلى وجه الخصوص بعض متأخري الحنابلة، إذ على الرغم من أن أحمد بن حنبل لم يكن مشبهاً، بل دعا إلى مذهب خاص في التفويض، إلا أن بعض متأخري الحنابلة قد وقعوا في التشبيه ، استناداً إلى الأخذ بظاهر الآيات المتشابهة ،وجوز هؤلاء رؤية الله تعالي في الدنيا ،ومن هؤلاء أبو يعلي الذي قال فيه بعض فقهاء المذهب الحنبلي (لقد شان أبو يعلي الحنابلة شيناً لا يغسله ماء البحار)، وابن الزاغوني والذي قال فيه بعض الحنابلة (أن في قوله من غرائب التشبيه ما يحاور فيه النبيه)، وقد استنكر العديد من أئمة المذهب الحنبلي هذا التيار، عندما شاع في القرنين الرابع والخامس ، منهم الامام ابن الجوزي حيث يقول (رأيت من أصحابنا من تكلم في الأصول بما لا يصلح…. فصنفوا كتباً شانوا بها المذهب،ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام، فحملوا الصفات على مقتضى الحس… ثم يتحرجون من التشبيه ويأنفون من إضافته ويقولون نحن أهل السنة وكلامهم صريح في التشبيه) ( أبو زهرة، الفرق الإسلامية، ص324 ) . وهكذا فان الحشوية فهموا التفويض فهماً خاطئاً أدى بهم إلى الوقوع في التشبيه، فالتفويض عند بعض السلف، هو السكوت عن الكلام في الآيات المتشابهة، وقد فهموه على أنه فهم (حمل) الآيات على ظواهرها، مع الكلام عن هذا الفهم ،يقول ابن الجوزي (عجبت من أقوام يدعون العلم ويميلون إلى التشبيه بحملهم الأحاديث على ظواهرها فلو أنهم أمروها كما جاءت سلموا) ( صيد الخاطر، ج1، ص128) ،فالحمل هنا يضمن فهم معين وكلام عن هذا الفهم، أما الإمرار فيقوم على السكوت عن الخوض في الكلام أو الفهم.
موقف الحنابلة من الصفات الالهيه : وقد رتب البعض على قول بعض تاخرى الحنابلة بالتشبيه ، وصف كافه الحنابلة بأنهم مشبهه ومجسمه ، وهو تعميم خاطئ ، حيث تعددت مواقف ائمه المذهب الحنبلي من مسالة الصفات الالهيه، فكان مذهب الامام أحمد بن حنبل هو السكوت عن الكلام في الآيات والأحاديث الواردة في الصفات ، وتفويض الأمر لله مع تنزيهه عن التشبيه والتعطيل ،استناداً إلى قراءته للآية (….. وما يعلم تأويله إلا الله….) ولكنه لم يتحدث عن كيفية فهم هذه الآيات ، باعتبار أن فهم معانيها يختص به الله تعالى.ثم اخذ الامام ابن تيمية بمذهب التفويض ، أي السكوت عن الكلام في هذه الآيات والأحاديث مثل الامام ابن حنبل، ولكنه أضاف أن السلف فهموا هذه الآيات والأحاديث على ظاهرها ، حيث يقول (…. ثم من المعلوم أن الرب لما وصف نفسه بأنه عليم قادر لم يقل أن ظاهر هذا غير مراد لأن مفهوم ذلك في حقه مثل مفهومه في حقنا فكذلك لما وصف نفسه أن خلق آدم بيديه لم يوجب ذلك أن ظاهره غير مراد…،( الإكليل في المتشابه والتأويل، ص12.) ويفترق الامام ابن الجوزي عن ابن تيميه و ابن القيم في أنه يرى فهم الآيات والأحاديث المتشابهة على معانيها المجازية المشهورة التي يعرفها العربي من غير تأويل، وهو مذهب ابن حزم والغزالي والماتريدي حيث يقول (ولا يحتاج إلى تأويل من قال الأصبع الأثر الحسن …. ولا إلى تأويل من قال يداه نعمته)، ويقول (والشيء إنما يحمل على حقيقته إذا أمكن فإن صرف صارف حمل على المجاز).
التعطيل: وهو نفى الصفات الإلهية:
مذهب التعطيل الجزئي ( المعتزلة ( : أطلق على المعتزلة لقب المعطلة، بمعنى تعطيلهم الصفات الإلهية ونفيها يقول ، البغدادى( … وعشرون منها قدرية محضة ، يجمعها كلها في بدعتها امور : منها نفيها كلها عن الله عز وجل صفاته الازليه، وقولهم بأنه ليس لله عز وجل علم ولا قدرة ولا حياة ولا سمع ولا بصر ولا صفه أزليه) (الفرق بين الفرق، ص93. ).والصواب هو أنهم لم ينفوا الصفات إطلاقا بل نفوا الصفات الزائدة عن الذات. و نلاحظ أن تطرف المعتزلة في التجريد يعود إلى سببين :الأول : انه جاء كرد فعل لتجسيم المشبهة، الذين عنوا بالرد عليهم.الثاني :- أنهم استعانوا في تكوين مذهبهم بما عرفوا من فلسفة اليونان ، يقول الامام الاشعرى( أن أبا هزيل اخذ من أرسطو ما قال في بعض كتبه ان الباري علم كله حياة كله سمع كله بصر كله، فحسن أبو هزيل لفظه أرسطو وقال علمه هوهو وقدرته هي هو).
مذهب التعطيل الكلى ( الإسماعيلية ) : وهم فيما نرى هم نفاه الصفات الإلهية إطلاقا، وقالوا بذلك من اجل تأييد نظرية الإمامة عندهم، فقالوا الله لا تدركه الأبصار، ولا ينسب له اسم ولا صفه ولا نعت. وعلى هذا وجب أن يتجسد في شئ لنعرفه به، وهو الإمام فهو يد الله ووجه الله… الخ إذ بدون ذلك نكون عابدين لعدم ، لهذا فان أسماء الله الحسنى إنما هو تخص الإمام ( ابو ريان، تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام،1986، ص12).
ثالثا: التنزيه: هو تقرير ان وجود لله تعالى مطلق عن قيود الزمان والمكان ، وبالتالي لا تتوافر للإنسان أمكانيه تصوره. ويترتب على هذا التعريف ان أركان التنزيه ثلاثة هي:
أولا: ان وجود لله تعالى مطلق عن قيود المكان، اى لا يحده الوجود في المكان: قال تعالى :( أينما تولوا فثم وجه الله )،وقال تعالى( وهو معكم اينما كنتم والله بما تعلمون بصير )، .يقول ابن الجوزى ( تعالى الله عز وجل عن المحل والحيز ، لاستغنائه عنهما ، ولان ذلك مستحيل فى حقه عز وجل، ولان المحل والحيز من لوازم الأجرام ولا نزاع في ذلك، وهو سبحانه منزه عن ذلك)([1])
ثانيا : ان وجود الله تعالى مطلق عن قيود الزمان ،اى انه تعالى لا تحده الحركة خلال الزمان ،قال تعالى ( هو الاول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم )، وقال الرسول (صلى الله عليه وسلم ) (لا تسبوا الدهر فان الله هو الدهر ) اى خالق الدهر وخالق الدهر لا يحد به ، و يقول ابن الجوزى .( يستحيل على الله عز وجل الحركة والتنقل والتغير، لان ذلك من صفات الحدث)([2]) . ويقول ابن الحزم (وانه تعالى لا فى مكان ولا فى زمان، بل هو الله تعالى خالق الازمنه و الامكنة قال تعالى ” خلق كل شئ فقدره تقديرا ” وقال تعالى ” خلق السموات وما بينهما” )([3])
ثالثا : انه لا يمكن للإنسان ان يتصور وجوده تعالى ، لان التصور محدود بالواقع الزمانى المكانى كما يدركه الإنسان، من حيث هو نقيض له، وإعادة تشكيل لذات عناصره فى صورة جديدة . قال تعالى : ) لا تدركه الإبصار وهو يدرك الإبصار ) (الأنعام:13)، قال ابوبكر(رضي الله عنه) ( سبحان من لم يجعل للخلق سبيلا إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته ) وقال ( العجز عن درك الإدراك إدراك )([4]).وقال على بن ابى طالب رضي الله عنه( التوحيد ان لا تتوهمه والعدل ان لا تتهمه) .وقال ابن الجوزى (وما ليس كمثله شئ لا يتصوره وهم ولا يتخيله خيال، التصور والخيال انما هما من نتائج المحسوسات والمخلوقات تعالى عن ذلك). وعن يحي معاذ (التوحيد فى كلمة واحدة ما تصوره فى الاوهام فهو بخلافه).
الآيات التي يفيد ظاهر ألفاظها التشابه بين الله تعالى والإنسان: استنادا إلى موقف الأخير من الصفات الالهيه ( التنزيه )، نرى ان المذهب الصحيح من الآيات التي يفيد ظاهر ألفاظها التشابه بين الله تعالى والإنسان ، يقوم على وجوب الإيمان بان الله تعالى أورد هذه الآيات ، بما يفيد ظاهر ألفاظها التشابه بين الله تعالى وبين والإنسان، لحكمة هي ان تدل على وجود المطلق لله تعالى(شان الصفات)، لا لتعلقها بعين هذا الوجود المطلق ( شأن الذات ) .فقد أودع الله تعالى فى عقل الإنسان ملكة التصور ( التخيل )، ولما كان وجود لله تعالى مطلق عن قيود الزمان والمكان، استحال على الإنسان تصور عين هذا الوجود المطلق ( الذات ) ، قضت حكمته تعالى ان يتنزل القران إلى مستوى العقل الانسانى المحدود ، وهو ما يتمثل هنا في إيراد هذه الآيات على هذا النحو، لتتوافر للإنسان إمكانية تصور ما دل على هذا الوجود المطلق (الصفات) .يقول ابن الجوزى ( وقد حدثنا بما نعقل ، وضرب لنا الأمثال بما نعلم ، وقد ثبت عندنا بالأصل المقطوع به، انه لا يجوز عليه ما يعرفه الحس علمنا المقصود لذلك) ( دفع شبه التشبيه،ص8)، ويقول فى مكان أخر( فان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالغوا فى الإثبات، ليتقرر فى أنفس العوام وجود الخالق . وبيان ذلك ان الله تعالى اخبر باستوائه على العرش ، فأنست النفوس إلى إثبات الإله ووجوده ، قال تعالى “ويبقى وجه ربك ” وقال تعالى ” بل يداه مبسوطتان ” فإذا امتلئ العامى والصبى من الإثبات ، وكاد يأنس من الأوصاف بما يفهمه الحس قيل له ” ليس كمثله شئ ” فمحى من قلبه ما نقشه الخيال، وتبقى ألفاظ الإثبات متمكنة).وبقى ان نقرر انه لما كانت ملكة التصور مشتركة بين الناس، فان إيراد هذه الآيات على هذا الوجه لازم لكل الناس لا للعامة فقط .
مذهب السلف: أما مذهب السلف الصالح في ألفاظ الآيات التي يفيد ظاهر ألفاظها التشابه بين الإنسان والله تعالى فينقسم إلى :
أولا: معرفة : اى كيف فهم السلف الصالح ألفاظ هذه الآيات ؟ وهنا نجد قولين:
القول الأول: ( فهمها على معانيها المجازية المشهورة بدون تأويل ) : أنهم فهموا هذه الألفاظ على معانيها المجازية المشهورة ، التي يعرفها العربي من غير تأويل، وهو مذهب ابن الحزم وابن الجوزى والغزالي والماتريدى وغيرهم . يقول الامام ابن الحزم ( إن الألفاظ الموهومة للتشبيه امثال قوله ” يد الله فوق ايديهم ” ” ويبقى وجهك ربك ذو الجلال والإكرام ” ” فانك بأعيننا” ليس هناك داعي لتأويلها على غير ظاهرها ، فهي مجاز ظاهر يفهمه العربي دون حاجة إلى أدنى تأويل ، فوجه الله مثلا ليس غير الله بدليل قوله عز وجل ” إنما نطعمكم لوجه الله “حاكيا عمن رضي عنهم من الصالحين ، وهم لا يقصدون بذلك غير الله وقوله أيضا ” أينما تولوا فثم وجه الله” ومعناه فثم الله بعمله وقبوله لمن أراد التوبة)( الفصل، ج2، ص4)، ويقول الامام ابن الجوزى ( ولا يحتاج إلى تأويل من قال الإصبع الأثر الحسن، فان القلوب بين اثرين من أثار الربوبية هما الإقامة والإزاغة، ولا إلى تأويل من قال يداه نعمتاه )( صيد الخاطر، ج1، ص 51)، ويقول ..(ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر من سمات الحديث، ولم يقنعوا ان يقولوا صفة فعل ،حتى قالوا صفة ذات، ثم لما اثبتوا أنها صفات قالوا لا نحملها على ما توجبه اللغة مثل اليد على النعمة او القدرة ، ولا المجئ على معنى البر واللطف ، ولا الساق على الشدة ونحو ذلك ،بل قالوا نحملها على ظواهرها المتعارفه ، والظاهر هو المعهود من لغوت الآدميين ، والشئ إنما يحمل على حقيقته إذا أمكن فان صرف صارف حمل على المجاز)( دفع شبه التشبيه، ص8)، ويقول الامام الغزالي ( التقديس معناه اذا سمع اليد والإصبع … وقوله (ص) قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن.. فينبغي ان يفهم ان هذه الألفاظ تطلق على معنيين: احدهما الوضع الاصلى، وهو العضو المركب من لحم وعظم وعصب . وقد يستعار هذا اللفظ لمعنى أخر ليس هو هذا بجسم أصلا، فعلى العامل ان يتحقق قطعا ويقينا ان الرسول لم يرد بذلك جسما هو عضو مركب من لحم..)( إلجام العوام عن علم الكلام )
المعاني المجازية المشهورة التي قررها السلف الصالح:
ا/الآيات التي يفيد ظاهر ألفاظها المحدودية فى المكان : فلفظ فوق له فى القران معاني مثل العلو فى القهر والقدرة كما فى القران على لسان فرعون (إنا فوقهم قاهرون ) ، وهو نفس المعنى فى الآيات (يخافون ربهم من فوقهم )، ( وهو القاهر فوق عباده ) .ولفظ الاستواء له معاني فى القران مثل الاستقرار منه قول تعالى ( ثم استوي إلى السماء )، ومنها إتمام الشئ كقوله تعالى ( ولما بلغ أشده واستوى )، ومنه الملك والقهر كما فى قوله تعالى ( الرحمن على العرش استوى ) . يقول ابن الجوزى( وقد ذهبت طائفة من أصحابنا إلى ان الله عز وجل على عرشه ما ملاءة ، وانه يقعد نبيه معه على العرش ، ثم قال : العجب من قول هذا ما نحن مجسمة وهو تشبيه محض، تعالى الله عز وجل عن المحل والحيز لاستغنائة عنهما ذلك مستحيل فى حقه عز وجل) ( دفع شبه التشبيه)) دفع شبه التشبيه،نفس المكان( وروى ابن حجر فى الفتح والبغوى فى تفسيره عن عبد الله بن عباس وأكثر المفسرين أنهم تأولوا ( استوى ) فى قوله ( الرحمن على العرش استوى ) (طه :5) بمعنى ارتفع .ومثله ما رواة ابن حجر عن ابن مالك من كلام طويل عن معنى الاستواء فى الآية المذكورة إلى ان قال .. وإما تفسير استوى : علا فهو صحيح وهو المذهب الحق وقول أهل السنة (فنح الباري، ج13، ص135، وعن حديث ( ان الله فوق عرشه وعرشه فوق سماواته ) قال الخطابى هذا الكلام اذا جرى على ظاهرة كان فيه نوع من الكيفية ، والكيفية عن الله وصفاته منتفيه، فعقل ان ليس المراد من تحقيق هذه الصفه، لا تحديده على هذه الهيئة، وانما هو كلام تقريب أريد به تقدير عظمة الله جل جلاله وسبحانه، وإنما قصد به إفهام السائل من حيث يدركه، إذ كان إعرابيا جلفا ،لا اعلم له بمعانى ما دق من الكلام وبما لطف منه عن درك الإفهام) الحصنى،المرجع السابق (
ب/ الألفاظ التي يفيد ظاهرها المحدودية فى الزمان : فلفظ المجئ له معاني فى القران مثل اتيان البأس كقوله تعالى ( فما كان دعواهم إذ جاءهم باسنا إلا ان قالوا ان كنا ظالمين) ( الاعراف :5) ،ومثل اتيان أمر الله ( وجاء ربك والملك صفا ) 22:89) ،قال الإمام احمد بن حنبل معناه أمر ربك، و قال القاضي أبو يعلى قال الإمام احمد المراد به قدرته وأمره بينه فى قوله تعالى ( او يؤتى أمر ربك )) الحصنى، المرجع السابق( .لفظ النزول له معاني فى القران منها الإيجاد والخلق (وأنزلنا الحديد ) والوحي ( وأنزلنا إليك الكتاب ) ومنه اقرب الإجابة كما حديث النزول . ونقل البهيقى عن حماد بن زيد من تأويله لنزول الله تعالى إلى السماء الدنيا الوارد فى أحاديث النزول باقباله جل جلاله إلى عباده )البيهقى،الأسماء والصفات،ص471 (.
ج/ الألفاظ التي يفيد ظاهرها التشابه بين الله تعالى والإنسان: فلفظ اليد له معاني فى القران مثل الحضور والمثول كما فى قوله تعالى ( بين يدى رحمته ) ( وبين يدى عذاب شديد ) ومثل النعمة فى قوله تعالى ( بين يداه مبسوطتان ) . يقول ابن الجوزى: ولا يحتاج إلى تأويل من قال الإصبع الأثر الحسن، فان القلوب بين اثرين من أثار الربويية هما الإقامة والإزاغة ولا إلى تأويل من قال يداه نعمتاه ) ابن الجوزى، المرجع السابق(. يقول ابن حزم ( ان الألفاظ الموهمة للتشبيه امثال قوله ( يد الله فوق أيهم ) ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) ( فانك بأعيننا ) ليس هناك داعيا لتاويلها على غير ظاهرها فهي مجاز ظاهر يفهمه العربي دون حاجة إلى ادني تأويل ، فوجه الله مثلاً ليس غير الله بدليل قوله عز وجل ” انما نطعكم لوجه الله” حاكيا عن رضي منهم من الصالحين وهم لا يقصدون بذلك غير الله وقوله أيضا ” اينما تولوا فثم وجه الله” وفى الحديث ” لقد ضحك الله الليلة من فعالكما ” أول البخاري الضحك بالرحمة ) ابن حجر، فتح الباري ج 7 ، ص82.( وفى الحديث ( لا تزال جهنم تقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فتقول قط…) . قال أبو سليمان (وذكر القدم يحتمل ان يكون المراد به من قدمهم الله للنار من أهلها ، فيقع بهم استيفاء عدد آهل النار، وكل شئ قدمته فهو قدم ، كما قيل لما هدمته هدم ، ولما قبضته ومن هذا قول عزوجل ” لهم قدم صدق عند ربهم ” اى ما تقدموه من الأعمال الصالحة، وقد روى معنى هذا عن الحسن ويؤيده قوله فى الحديث، وإما الجنة فان الله ينشى لهما خلقا ، فاتفق المعنيان ان كل واحد من الجنة والنار تمد بزيارة عدد من استوفى بها عدد أهلها فتمتلىء عند ذلك)) معالم السلف على سنن ابن داوود، طبعه حمص ج5 ، ص95 (. وتأويل ابن تيميه الوجه بمعنى الجهه ،قال (فيكون المعنى كل شئ هناك إلا ما أريد به جهة الله تعالى ،ثم قال (وهكذا قال جمهور السلف ) مجموعه الفتاوى، ج2، ص428(
وروى عن جعفر الصادق تأويل الوجه بالدين، وروى عن الضحاك بذات الله . وعن الآية ” ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله”. حكى المزني عن الشافعي “رضي الله عنه” قال فى هذه الآية يعنى والله أعلم فثم الوجه الذي وجهكم الله إليه ، واخبرنا عبد الله الحافظ وابو بكر القاضي قال وثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حديث الحسن بن على بن عفان ثنا أبو أسامة عن مجاهد فى قوله عز وجل ( فأينما تولوا فثم وجه الله) قال : قبله الله فأينما كنت فى شروق او غرب فلا تتوجهن إلا إليها.
القول الثاني: ( فهمها على معانيها الظاهرة): أنهم فهموا ألفاظ هذه الآيات على معانيها الظاهرة، وهو القول الذي ذهب إليه ابن تيمه وابن القيم .
ثانيا: عمل : اى ما هو موقف السلف الصالح العملي من هذه الآيات ؟ وهو انهم سكتوا عن الكلام فيها ، عندما كان الفهم الصحيح سائدا ،وتصدى فريق منهم للفهم الخاطئ لها لما شاع في فتره تاليه.
[1] ابن الجوزى، دفع شبه التشبيه، ص8
[2] المرجع السابق،نفس المكان
[3] ابن حزم، المحلى مجلد 1،ص 29
[4] الإمام الحصنى، دفع شبه من شبه، ص 51
===============
قاعدة عروبة القرآن الكريم وتطبيقاتها
د.صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم
sabri.m.khalil@hotmail.com
أولا: القاعدة وأدلتها: : مضمون قاعدة عروبة القرآن الكريم : نزول القران الكريم باللغة العربية، وما يترتب على ذلك من وصفه بأنه عربي ” فهو قران – لسان عربي” ،مع كون المخاطب به كل الناس، وقد وردت الاشاره إلى هذه القاعدة في القران الكريم والسنة النبوية، واتساقا مع ذلك قررها السلف الصالح وعلماء أهل السنة .
أولا: في القران الكريم : قال تعالى (وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا)( طه: 110 ) ، وقال تعالى (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين) (النحل :103)،, وقال تعالى (وإنه لتنزيل رب العالمين, نزل به الروح الأمين, على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين) (الشعراء 192 -)195 ), وقال تعالى (حم تنزيل من الرحمن الرحيم, كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون) (فصلت: 1 – 2), وقال تعالى: (حم والكتاب المبين, انا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون, وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم)( الزخرف: 1 – 2 -3 ), وقال تعالى (وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا اليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم, ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لتنذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين)( الاحقاف : 11 ).
ثانيا: في السنة النبوية: روى الطبراني في الأوسط والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان وغيرهم عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال : قال رسول الله( صلى الله عليه وسلم ): (أحبوا العرب لثلاث لأني عربي ، والقرآن عربي ، وكلام أهل الجنة عربي) .
ثالثا:في أقوال السلف الصالح: كتب عمر بن الخطاب(رضي الله عنه) إلى أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه )( أما بعد فتفقهوا في السنة وتفقهوا في العربية وأعربوا القرآن فإنه عربي).
رابعا:في أقوال علماء أهل السنة: قال الإمام الشافعي (فأقام ” الله سبحانه وتعالى ” حجته بأن كتابه عربي في كل آية ذكرناها , ثم أكد ذلك بأن نفى عنه ـ جل ثناؤه ـ كل لسان غير لسان العرب في آيتين من كتابه ، فقال الله تعالى ” ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين”, وقال الله تعالى ” ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي” ) ، وقال الامام ابن القيم ( وقد أنزل الله بها أشرف كتبه ومدحه بلسان عربي، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن لسان أهل الجنة عربي) ( أحكام أهل الذمة).
ثانيا: تطبيقات القاعدة :ويترتب على قاعدة عروبة القران الكريم العديد من القواعد، التي هي بمثابة تطبيق لها:
تعلم اللغة العربية من الدين: من هذه القواعد التطبيقية ان تعلم اللغة العربية من الدين ، قال عمر بن الخطاب( رضي الله عنه) (تعلموا العربية فإنها من دينكم وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم) ، و قال الامام ابن تيمية (وإنما الطريق الحسن: اعتياد الخطاب بالعربية، حتى يتلقنها الصغار في الدور والمكاتب، فيظهر شعار الإسلام وأهله، ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب والسنة وكلام السلف. بخلاف من اعتاد لغة ثم أراد أن ينتقل إلى أخرى، فإنه يصعب عليه. واعلم أن اعتياد اللغة، يؤثّر في العقل والخُلُق والدّين تأثيراً قوياً بيناَ. ويؤثر أيضاً في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين. ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق. وأيضاً فإن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب. فإن فهم الكتاب والسنة فرض. ولا يُفهم إلا بفهم اللغة العربية. وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب. ثم منها ما هو واجب على الأعيان، ومنها ما هو واجب على الكفاية..)(اقتضاء الصراط المستقيم: 2|207) .
العلم باللغة العربية شرط لتفسير القران الكريم : ومن هذه القواعد التطبيقية أن العلم باللغة العربية شرط من شروط تفسير القران الكريم ، قال مجاهد (لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر , أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالماً بلغات العرب) ،وقال الإمام مالك (لا أوتى برجل غير عالم بلغات العرب يفسر كتاب الله إلا جعلته نكالاً ) ، ويقول الإمام الشافعي ( وإنما بدأت بما وصفت من أن القرآن نزل بلسان العرب دون غيره , لأنه لا يعلم من إيضاح جمل علم الكتاب أحد جهل سعة لسان العرب , وكثرة وجوهه , وجماع معانيه وتفرقها , ومن عَلِمَه انتفت عنه الشبه التي دخلت على من جهل لسانها).
التلازم بين العروبة والإسلام: ومن هذه القواعد التطبيقية أن العلاقة بين العروبة والاسلام هي علاقة تلازم وارتباط ، قال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)( نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فلا نطلب بغير الله بديلاً. )( البداية والنهاية).ويترتب على هذا بطلان المذاهب التي تجعل العلاقة بينهما علاقه إلغاء وتناقض، كالمذاهب التي تناهض الإسلام بالعروبة(كالمذهب العلماني في القومية)،والمذاهب التي تناهض العروبة بالإسلام(كالشعوبية ومذهب إنكار وحدات وأطوار التكوين الاجتماعي).
الامامه “التكوينية” للامه العربية المسلمة : ومن هذه القواعد التطبيقية الامامه التكوينية للامه العربية المسلمة، و الإمامة لغة – وكذا اصطلاحا – تتصل بمعاني الاقتداء والإتباع ( لسان العرب “21/42″، مادة “أمم” ) ، ويمكن تقسيم الامامه إلى أقسام متعددة ، نتيجة لتعدد المعايير المستخدمة في تقسيمها، و إمامه الامه شكل من أشكال الامامه الجماعية، وتنقسم أيضا إلى أقسام متعددة بتعدد معايير تقسيمها ،حيث تنقسم الامه طبقا لمعيار أنماط الأمم إلى الأقسام التالية :
أولا: الإمامة ألتكليفيه” إمامه الامه الاسلاميه”: فأمه التكليف هي التي تتميز عن غيرها بالمضمون العقدي كما في قوله تعالى﴿ أن هذه أمتكم أمه واحده وأنا ربكم فاعبدون﴾ ،وتنقسم إلى قسمين:
الأول :أمة الدعوة: وتضم كل من أرسل إليهم الرسول ( صلى الله عليه وسلم) من الناس كافة ، ولقد خصّ القرآن الكريم خطاب أمة الدعوة بنداء: (يا أيها الناس) و(يا أيها الإنسان).
الثاني: أمه الاستجابة: وتضم المسلمين “الامه الاسلاميه” كما في قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾[سورة الأنفال:24 ، وقد خص القران الكريم خطاب أمة الإجابة بنداء (يا أيها الذين آمنوا).ومضمون الإمامه ألتكليفيه هنا هو إمامه أمه الاستجابة ” الامه الاسلاميه ” لامه الدعوة ” الناس كافه”.
ثانيا: الامامه التكوينية” إمامه الامه العربية ألمسلمه”: اما أمه التكوين فهي التي تتميز عن غيرها بالمضمون الاجتماعي كما في قوله تعالى﴿ وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا ﴾(الأعراف:160)، وهنا نستخدم مصطلح الامه بدلاله خاصة – لا تتناقض مع دلالته العامة ألسابقه الذكر- مضمونها الامه كوحدة – وطور – تكوين اجتماعي تتميز بان مناط الانتماء إليها اللسان لا النسب، بالاضافه إلى الاستقرار في ارض خاصة” أو الديار بالتعبير القرانى”. ومضمون الامامه التكوينية هنا هو إمامه أمه التكوين” الامه العربية المسلمة لامه التكليف ” الامه الاسلاميه ” ، وقد أشارت إليها بعض النصوص كقوله تعالى (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ )( الزخرف : 44) ، فالايه تشير إلى الامامه التكوينية لقريش على وجه الخصوص ، والتي أشارت إليها أحاديث كثيره، والعرب على وجه العموم . وورد في تفسير القرطبي(عنِي الْقُرْآن شَرَف لَك وَلِقَوْمِك مِنْ قُرَيْش , إِذْ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ وَعَلَى رَجُل مِنْهُمْ…قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : ” وَلِقَوْمِك ” فِيهِمْ قَوْلَانِ : أَحَدهمَا : مَنْ اِتَّبَعَك مِنْ أُمَّتك ; قَالَهُ قَتَادَة وَذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ عَنْ الْحَسَن . الثَّانِي : لِقَوْمِك مِنْ قُرَيْش ; فَيُقَال مِمَّنْ هَذَا ؟ فَيُقَال مِنْ الْعَرَب , فَيُقَال مِنْ أَيّ الْعَرَب ؟ فَيُقَال مِنْ قُرَيْش ; قَالَ مُجَاهِد . قُلْت : وَالصَّحِيح أَنَّهُ شَرَف لِمَنْ عَمِلَبِهِ , كَانَ مِنْ قُرَيْش أَوْ مِنْ غَيْرهمْ ). وورد في تفسير الجلالين ( “وَإِنَّهُ لَذِكْر” لَشَرَف “لَك وَلِقَوْمِك” لِنُزُولِهِ بِلُغَتِهِمْ “وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ” عَنْ الْقِيَام بِحَقِّهِ). وقد اقر علماء أهل السنة بالامامه التكوينية للامه العربية المسلمة للامه الاسلاميه: يقول أبو محمد بن حرب بن إسماعيل بن خلف الكرماني (هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها، وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها، فمن خالف شيئاً من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مبتدع خارج عن الجماعة، زائل عن منهج السنة وسبيل الحق، وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم. فكان من قولهم: أن الإيمان قول وعمل ونية”. ,,, ونعرف للعرب حقها وفضلها وسابقتها، ونحبهم لحديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم): حب العرب إيمان، وبغضهم نفاق. ولا نقول بقول الشعوبية و أرذال الموالي الذين لا يحبون العرب ولا يقرون لهم بفضلهم، فإن قولهم بدعة و خلاف). ويقول الإمام ابن تيمية (بغض جنس العرب ومعاداتهم كفر أو سبب لكفر ، لأن منهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وعامة أصحابه، ومقتضاه أنهم أفضل من غيرهم وأن محبتهم سبب قوة الإيمان). ويقول أبو منصور الثعالبي (ومَنْ هداه الله للإسلام، وشرح صدره للإيمان، وأتاه حسن سريرة فيه اعتقد أنّ محمداً خيرُ الرسل، والإسلام خير الملل، والعرب خير الأمم، والعربية خير اللغات والألسنة، والإقبال عليها وعلى تفهمها من الديانة، إذ هي أداة العلم)(فقه اللغة وسر العربية- ص21)، يقول أبي القاسم محمود الزمخشري الخوارزمي):اللهَ أحمد على أن جعلني من علماء العربية , وجبلني على الغضب للعرب والعصبية , وأبى لي أن أنفرد عن صميم أنصارهم وأمتاز , وأنضوي إلى لفيف الشعوبية وأنحاز , وعصمني من مذهبهم الذي لم يجد عليهم إلا الرشق بألسنة اللاعنين , والمشق بأسنة الطاعنين) (المفصل)
مفهوم الاصطفاء الالهى : وتتأسس هذه الامامه على مفهوم الاصطفاء الالهى الذي أشارت إليه العديد من النصوص كقوله تعالى( الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ) قول الرسول (صلى الله علي وسلم) )إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) ،يقول الإمام ابن تيمية في كتاب (اقتضاء الصراط المستقيم) ( فإن الذي عليه أهل السنة والجماعة اعتقاد أن جنس العرب أفضل من جنس العجم: عبرانيهم وسريانيهم، رومهم و فرسهم وغيرهم، وأن قريشاً أفضل العرب وأن بني هاشم أفضل قريش وأن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أفضل بني هاشم، فهو أفضل الخلق نفساً وأفضلهم نسباً. وليس فضل العرب ثم قريش ثم بني هاشم بمجرد كون النبي (صلى الله عليه وسلم) منهم، وإن كان هذا من الفضل، بل هم أنفسهم أفضل. وبذلك ثبت لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه أفضل نفساً و نسباً، وإلا لزم الدور)، ومضمون الامامه التكوينية للامه العربية المسلمة للامه الاسلاميه – و المستندة على مفهوم الاصطفاء الالهى – أن الامه العربية المسلمة تتميز- ولا تمتاز- عن غيرها من الشعوب والأمم المسلمة الأخرى بأن الإسلام هو الذي أوجدها (فلم تكن موجودة من قبله كأمه واحده،وان وجدت كقبائل وشعوب متفرقة)، و أنها حاضنه حضارته ( فتميزت باللغة العربية ” لغة القران “لغة قوميه مشتركه ، واللغة هي وعاء الحضارة )، وحامله رسالته إلى كل شعوب وأمم الأرض بدون اكراه ..
==========
نحو ضبط شرعي لدلالات مصطلح ” الشيخ “
tampon
د. صبري محمد خليل / أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه بجامعه الخرطوم
تمهيد: لمصطلح “الشيخ ” دلاله أصليه واحده ” وهى دلاله لغويه توقيفيه”، كما أن له دلالات تبعية متعددة ” وهى دلالات اصطلاحيه”.
الدلالة الاصليه للمصطلح(الدلالة اللغوية التوقيفيه ): فالدلالة الاصليه لمصطلح الشيخ هي دلالته اللغوية ، ومضمونها ” من كبر السن” ، ورد في ” التعريفات الفقهية” للبركني ( فالشيخ هو كُلُّ مَن زاد على الخمسين، وهو فوق الكهل ودون الهرِم الذي فنيت قوته)، ويقول ابن السكيت ( إذا ظهر به الشيب واستبانت فيه السن فهو شيخ )(الكنز اللغوي : 161) ، وقد ورد المصطلح في القران الكريم في أربعه مواضع طبقا لهذه الدلالة ، لتصبح بهذا دلالته التوقيفيه الوحيدة ، وهذه المواضع هي قوله تعالى على لسان زوجة إبراهيم (عليه السلام) ( قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) (هود:72 )، و قوله تعالى على لسان إخوة يوسف ( قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ )( يوسف:78)، وقوله تعالى على لسان الفتاتين اللتين سقى لهما موسى( عليه السلام ) ( قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ) (القصص:23)، وقوله تعالى ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا ) (غافر:67 ).
الدلالات التبعية للمصطلح(الدلالات الاصطلاحية): غير أن هذا المصطلح اكتسب لاحقا دلالات اصطلاحيه متعددة :
من كثر علمه: من الدلالات التبعية الاصطلاحية للمصطلح – ذات الصلة بدلالته اللغوية التوقيفيه – “من كثر علمه ” يقول الراغب الأصفهاني ( يقال لمن طعن في السن : ( الشيخ ) ، وقد يعبّر به فيما بيننا عمن يكثر علمه ، لمَّا كان مِن شأن ” الشيخ ” أن يكثر تجاربه ومعارفه )( المفردات في غريب القرآن /ص:469) .
ذو الرئاسة والفضل والمكانة : ومن الدلالات التبعية الاصطلاحية للمصطلح ” ذو الرئاسه والفضل والمكانه ” ، وهنا يكون إطلاق لفظ «الشيخ» غالبًا مضافًا إلى مكان أو مكانة كشيخ القبيلة.
دلالات المصطلح عند المحدثين: وللمصطلح دلالات- تبعية- متعددة عند المحدثين منها :
ا/ من انتسب للعلم والرواية وإن لم يكن له كبير شهرة فيه : كما قال ابن معين في داود بن علي بن عبد الله ( شيخ هاشمي ، إنما يحدث بحديث واحد )( تاريخ ابن معين – رواية الدارمي : 1/108) .
ب/ الدلالة على التلميذ والمعلم : كقول الناقد في الراوي : شيخ لفلان ، أو شيخٌ يروي عن فلان ، وخاصة فيما إذا كان التلميذ معروفاً مشهوراً ، وشيخه ليس كذلك ، فيعرف الشيخ بأن فلاناً الراوي المشهور من الرواة عنه .
ج/ الدلالة على عبادة الراوي وصلاحه ، وإن لم يكن له في العلم أي مشاركة : كما جاء في ترجمة حجاج بن فرافصة الباهلي ، قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : ” سمعت أبي يقول : حجاج بن فرافصة : شيخ صالح متعبد ” ( الجرح والتعديل :3/164) .
د/ مصطلحا نقدي خاص للمحدثين يتعرضون فيه لذكر مرتبة الراوي : وتكون فيه كلمة ” شيخ ” مقرونة مع مصطلح آخر من مصطلحات النقد الحديثي ، قد يكون من ألفاظ التعديل ، وقد يكون من ألفاظ الجرح .(كلمة ” شيخ ” وتطور دلالتها في اللسان العربي / موقع الإسلام سؤال وجواب)
الشيخان : إما مصطلح الشيخان فله دلالات اصطلاحيه متعددة منها: ا/ أبي بكر وعمر( رضي الله عنهما )، فهما شيخا قريش اللذين يقتدي بهما كما أمر الرسول(صلى الله عليه وسلم ) في الحديث الصحيح( اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ) … ب/ البخاري ومسلم ( رحمهما الله )عند المحدثين، ج/ الإمامين الرافعي والنووي عند فقهاء الشافعية، د/ أبي حنيفة وأبي يوسف عند الحنفية ، ه/ ابن قدامة والمجد بن تيمية عند الحنابلة ( المدخل إلى دراسة المذاهب الفقهية )
دلالات غير شرعيه: إذا كان ما سبق من دلالات اصطلاحيه لمصطلح الشيخ ، لا تتعارض الشرع ، فان هناك بعض الدلالات التبعية الاصطلاحية للمصطلح ، والتي طرأت في عصور لاحقه لعصر السلف الصالح ، وهى تتعارض مع مفاهيم وقيم وقواعد الدين الكلية.
لا كهنوت في الإسلام : والمصدر الاساسى لهذا التعارض ، أن هذه الدلالات يلزم منها القول بالكهنوت ، الذي رفضه الإسلام كدين .
ليس للعلماء في الإسلام سلطه دينيه مطلقه ( لا تحليل أو تحريم بدون نص قطعي ) : من هذه الدلالات التي تتعارض مع الشرع ، تلك الدلالة يلزم منها إسناد سلطه دينيه مطلقه ، من خلال تقريرها ان للعلماء حق التحليل والتحريم بدون نص يقيني الورود قطعي الدلالة، وهو ما نهت عنه النصوص ، قال تعالى ( وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ.)(النحل:116).وقال تعالى ﴿ يَا أيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ (المائدة 78)، يقول الإمام الشوكاني في تفسير الايه (لا تعتدوا على الله بتحريم طيبات ما أحل الله، ولا تعتـدوا فتحـلوا ما حرم الله عليكم،فهو اعتداء في الحالتين؛ ولهذا قال تعالى” إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾، كما قررت النصوص ان ادعاء حق التحليل والتحريم هو شرك في الربوبية قال تعالى (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) ال(التوبة: 31) ، وعند الترمذي وغيره (أن النبي (صلى الله عليه وسلم) تلا هذه الآية على عدي بن حاتم الطائي (رضي الله عنه) فقال”يا رسول الله لسنا نعبدهم. قال: أليس يحلون لحكم ما حرم الله فتحلونه، ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟ قال: بلى. قال النبي صلى الله عليه وسلم فتلك عبادتهم” )
لا ينفرد العلماء في الإسلام بالسلطة الدينية المقيدة” لا انفراد بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر”: ومن الدلالات التي تتعارض مع الشرع ، تلك الدلالة التي يلزم منها ان العلماء ينفردون دون جماعه المسلمين بالسلطة الدينية المقيدة ( التي عبر عنها القران الكريم ب” الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر”) ، وهو ما يتعرض مع كون هذه السلطة الدينية المقيدة مخوله – في الإسلام – بموجب الاستخلاف العام لجماعة المسلمين﴿ كنتم خير أمه أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ﴾، أما اى جماعه من المسلمين – ومنها جماعه العلماء- فهي مكلفه بالأمر بالمعروف او النهى عن المنكر من باب التخصص، وليس الانفراد كما فى قوله تعالى(ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر )(آل عمران: 104)،
العلماء ليسوا وسطاء بين الإنسان وربه: ومن الدلالات التي تتعارض مع الشرع ، الدلالة التي يلزم منها جعل العلماء وسطاء بين الناس والله تعالى ، وهو ما نفته النصوص باعتباره شكل من أشكال الشرك- شرك الواسطة- قال تعالى (وإذا ساْلك عبادي عنى فاني قريب أجيب دعوه الداعي إذا دعاني ، يقول الإمام ابن تيمية : (ليس أحد من البشر واسطة بين الله وخلقه في رزقه وخلقه ، وهداه ونصره ، وإنما الرسل وسائط في تبليغ رسالاته ، لا سبيل لأحد إلى السعادة إلا بطاعة الرسل . وأما خلقه ورزقه ، وهداه ونصره ، فلا يقدر عليه إلا الله (تعالى) ، فهذا لا يتوقف على حياة الرسل وبقائهم ، بل ولا يتوقف نصر الخلق ورزقهم على وجود الرسل أصلاً ، بل قد يخلق الله ذلك بما شاء من الأسباب بواسطة الملائكة أو غيرهم ، وقد يكون لبعض البشر في ذلك من الأسباب ما هو معروف في البشر ، وأما كون ذلك لا يكون إلا بواسطة البشر ، أو أن أحداً من البشر يتولى ذلك كله ، ونحو ذلك ، فهذا كله باطل) ( منهاج السنة النبوية :1/97)
العلماء ليسوا معصومين : ومن الدلالات التي تتعارض مع الشرع الدلالة التي يلزم منها عصمه العلماء وهو ما يتعارض مع القاعدة التي قررها علماء أهل السنة، وهى انه لا عصمه لأحد بعد الرسول (صلى الله عليه وسلم)، يقول الإمام ابن تيمية : (والقاعدة الكلية في هذا ألا نعتقد أن أحداً معصوم بعد النبي – صلى الله عليه وسلم- ، بل الخلفاء وغير الخلفاء يجوز عليهم الخطأ)( منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية: 6/196 ).
لا أصل لحديث (مَن لا شيخَ له؛ فشيخُه الشيطان): أما حديث(مَن لا شيخَ له؛ فشيخُه الشيطان) فلا أصل له ، وهو كمقوله إذا دلت على “وجوب” إتباع عالم معين، فهي تتعارض مع تقرير النصوص أن المسلمون مأمورون بإتباع الرسول(صلى الله عليه وسلم ) والاقتداء بالصحابة (رضي الله عنهم) فقط ، ورد في فتاوى الشيخ فركوس حول مدى صحة حديثى” من لم يكن له شيخ فشيخه شيطانه “”و”من لم يكن له شيخ يكون مسخرة للشيطان ” (هذان الحديثان باطلان موضوعان ولا يجوز نسبتهما إلى الرسول( صلى الله عليه )… ولا يجب على المسلم أن يقلد أحداً في عباداته ومعاملته إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن اعتقد من الناس أن أحداً سوى الرسول عليه الصلاة والسلام يجب تقليده فإنه أخطأ خطأً عظيماً ) . ويقول الشيخ : محمد بن عثيمين (أمَّا قولُهم: “مَن لا شيخَ له؛ فشيخُه الشيطان”؛ فهذا باطل، ما له أصل، وليس بحديث. وليس لك أن تتَّبع طرق الشيخ إذا كان مخالفاً للشرع، بل عليك أن تتبع الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- وأصحابَه -رضي الله عنهم وأرضاهم- ومَن تَبِعهم بإحسان، في صلاتك، وفي دعائك، وفي سائر أحوالك .يقول الله -جلَّ وعلا(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)( الأحزاب: 21).ويقول -سبحانه وتعالى(وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ)( التوبة: 100).
الإفتاء سلطه بيانيه مقيده وليس سلطه قانونيه مطلقه: وإذا كان هناك صله بين المشيخه والإفتاء فان الأخير اصطلاحا فهو” بيان الحكم الشرعي في واقعه معينه بدليل شرعي”، فهو سلطه بيانيه مقيده بجمله من الضوابط الشرعية، وليس سلطه قضائية مطلقه ،ومن هذه الضوابط الشرعية المقيد لسلطه البيان في الإفتاء:
الدليل الشرعي أساس الإفتاء: وأساس الإفتاء هو الدليل الشرعي وليس الآراء الذاتية، ورد في” صفه الفتوى والمستفتى” لابن حمدان في تعريف الإفتاء انه ” إخبار بحكم الله تعالى عن الوقائع بدليل شرعي”( ص4)
الإفتاء إخبار محض: والإفتاء هو إخبار محض بالحكم الشرعي بدون إلزام ، خلافا للقضاء لأنه إخبار بالحكم الشرعي مع الإلزام ، يقول الإمام القرافي (إن المفتي مع الله تعالى كالمترجم مع القاضي، ينقل ما وجده عن القاضي ، واستفادة منه بإشارة أو بعبارة أو فعل أو تقرير أو ترك. والحاكم مع الله تعالى كنائب الحاكم ينشئ الأحكام والإلزام بين الخصوم، وليس بناقل ذلك عن مُستتيبه، بل مُستتيبه قال له أي شيء حكمت به على القواعد فقد جعلته حُكمي. فكلاهما موافق للقاضي ومطيع له وساع في تنفيذ مواده .غير أن أحدهما ينشئ والآخر ينقل نقلاً محضاً من غير اجتهاد له في الإنشاء. كذلك المفتي والحاكم كلاهما مطيع لله تعالى قابل لحكمه، غير أن الحاكم منشئ والمفتي مخبر محض))الفروق 4/120، ضبط وتصحيح خليل المنصور، دار الكتب العلمية، ط1 ـ 1418هـ).
الإفتاء اجتهاد : والإفتاء هو شكل من أشكال الاجتهاد، لذا عرف الشوكاني المفتي بأنه هو : المجتهد ، وهذا ما عليه علماء الأصول ، ويترتب على كونه اجتهاد انه يحتمل الصواب والخطأ، قال الإمام النووي( اعلم أن الإفتاءَ عظيمُ الخطر، كبيرُ الموقع، كثيرُ الفضل؛ لأن المفتيَ وارثُ الأنبياء صلواتُ الله وسلامه عليهم، وقائمٌ بفرض الكفاية، لكنه مُعَرَّضٌ للخطأ؛ ولهذا قالوا: المفتي مُوَقِّعٌ عن الله تعالى).مجالات الإفتاء وقاعدة تحديد المسئوليات: والإفتاء على تعدد مجالاته ، خاضع كغيره من أقسام الدين، لقاعدة تحديد المسئوليات والسلطات ، والتي أشارت إليها العديد من النصوص منها قول الرسول (صلى الله عليه وسلم قال) (كلكم راع ، وكلكم مسئول عن رعيته ، والأمير راع ، والرجل راع على أهل بيته ، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده ، فكلكم راع ، وكلكم مسئول عن رعيته )( تفق عليه )، لذا يجب على المفتى أن لا يتجاوز هذه القاعدة ، بان يتناول مثلا مجالا يقع تحت إطار مسئوليه وسلطه الدولة و السلطات العامة، كتنفيذ العقوبات الحدية والقصاص وعقوبات التعذير، لذا كان أبو حنيفة إذا سئل عمن قال قولا يفيد ظاهره الكفر قال ( يجب أن لا يبادر المفتي بأن يقول : هذا حلال الدم ، أو مباح النفس ، أو عليه القتل ، بل يقول : إذا صح ذلك إما بالبينة أو بالإقرار استتابه السلطان ، فإن تاب قَبِلَ توبته ، وإن لم يتب أنزل به كذا وكذا ، وبالغ في ذلك وأشبعه( .وكان إن سئل عمن فعل ما يوجب التعزير ، ذكر ما يعزر به فيقول ) يضربه السلطان كذا وكذا ، ولا يزاد على كذا) .
===============
امارة المترفين و حتمية انهيار النظام الاقتصادي الراسمالى
اقتصاد
د.صبري محمد خليل / أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم
التدمير الالهى لاماره المترفين : تنباْ القران الكريم بتدمير الله تعالى لاماره المترفين فى قوله تعالى (وإذا أردنا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا۟ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ فَدَمَّرْنَـٰهَا تَدْمِيرًۭا ) ( الإسراء: 16). وقد نقل المفسرون اختلاف القراء في قراءه لفظ (أمرنا ) ، والمشهور هو قراءه التخفيف. كما اختلف المفسرون في معنى أمرنا مترفيها : فقال بعضهم أمرنا مترفيها امرأ قدريا ، وقال بعضهم أمرنا مترفيها بالطاعة ففسقوا فيها بمعصية الله، وقال آخرون جعلنا مترفيها أمراء ففسقوا فيها ، يقول ابن كثير (اِخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله ” أَمَرْنَا ” ، فَالْمَشْهُور قِرَاءَة التَّخْفِيف وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَاهَا، فَقِيلَ مَعْنَاهُ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا أَمْرًا قَدَرِيًّا كَقَوْلِهِ تَعَالَى ” أَتَاهَا أَمْرنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا ” إِنَّ اللَّه لَا يَأْمُر بِالْفَحْشَاءِ قَالُوا مَعْنَاهُ أَنَّهُ سَخَّرَهُمْ إِلَى فِعْل الْفَوَاحِش فَاسْتَحَقُّوا الْعَذَاب، وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَمَرْنَاهُمْ بِالطَّاعَاتِ فَفَعَلُوا الْفَوَاحِش فَاسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَة . رَوَاهُ اِبْن جُرَيْج عَنْ اِبْن عَبَّاس وَقَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر أَيْضًا، وَقَالَ اِبْن جَرِير يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ جَعَلْنَاهُمْ أُمَرَاء قُلْت إِنَّمَا يَجِيء هَذَا عَلَى قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ” أَمَّرْنَا مُتْرَفِيهَا ” ).وورد في تفسير الطبري(الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى مَعْنَاهُ:قُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله “أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا “فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْعِرَاق “أَمَرْنَا “بِقَصْرِ الْأَلِف وَغَيْر مَدّهَا وَتَخْفِيف الْمِيم وَفَتْحهَا . وَإِذَا قُرِئَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَإِنَّ الْأَغْلَب مِنْ تَأْوِيله : أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا بِالطَّاعَةِ , فَفَسَقُوا فِيهَا بِمَعْصِيَتِهِمْ اللَّه , وَخِلَافهمْ أَمْره , كَذَلِكَ تَأَوَّلَهُ كَثِير مِمَّنْ قَرَأَهُ كَذَلِكَ . . وَقَدْ يَحْتَمِل أَيْضًا إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : جَعَلْنَاهُمْ أُمَرَاء فَفَسَقُوا فِيهَا , لِأَنَّ الْعَرَب تَقُول : هُوَ أَمِير غَيْر مَأْمُور . وَقَدْ كَانَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب مِنْ أَهْل الْبَصْرَة يَقُول : قَدْ يَتَوَجَّه مَعْنَاهُ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ إِلَى مَعْنَى أَكْثَرْنَا مُتْرَفِيهَا ). وفيما نرى فانه لا تعارض بين هذه المعاني فيجوز الجمع بينها .
ثنائيه الاستكبار/ الاستضعاف الاقتصادي- السياسي : و اماره المترفين هي شكل من أشكال ثنائيه الاستكبار/ الاستضعاف الاقتصادي- السياسي، الناتج من إسناد ” الربوبية ” الفعل المطلق” ،وصفاتها ” من ملكيه وحاكميه … لغير الله تعالى، وبناءا على هذا فان المترفين في هذه الايه ليسوا الذين يمتلكون المال فقط ، بل الذين يمتلكون المال ، ويعملون على الإبقاء على الواقع القائم على ثنائيه الاستكبار / الاستضعاف ، ومعارضه تغييره إلى الاستخلاف ، ورد في تفسير ابن كثير (“إِلا قال مترفوها” وهم أولو النعمة والحشمة والثروة والرياسة, قال قتادة: هم جبابرتهم وقادتهم ورؤوسهم في الشر).
النظام الاقتصادي الراسمالى شكل من أشكال اماره المترفين : ومن أشكال اماره المترفين ، و التي تأخذ بالتالي حكمه ، في حتمية خضوعه للتدمير الالهى، النظام الاقتصادي الراسمالى الربوى، والذى قانونه الاساسى المنافسة الحرة على الموارد، والبقاء للأقوى ، والذي يستند إلى فلسفه طبيعيه ، ومنهج قائم على القانون الطبيعي الذي مضمونه ” ان مصلحه المجتمع ككل تتحقق حتما من خلال سعى كل فرد لتحقيق مصلحته الخاصة ” ، وهو جزء من نظام متكامل علماني فى موقفه ومن الدين ، ديموقراطى ليبرالي في موقفه من الدولة ، فردى في موقفه من الأخلاق …” لان هذا النظام يستند الى فلسفه تسند ملكيه المال ” وكذا الحاكميه والتشريع ” للإنسان _ الفرد.
الأزمات المالية العالمية مؤشرات على انهيار النظام الراسمالى: إن الأزمات المالية العالمية المتعاقبة ، هي مؤشرات على انهيار النظام الاقتصاد الراسمالى ،على المستويين النظري والعملي، فهي بذلك تأكيد على صحة النبؤه القرانيه الواردة بخصوص التدمير الالهى لاماره المترفين ، فهذه الأزمات ليست أزمات ماليه بحته، بل هى أزمات اقتصاديه ترجع جذورها إلى صميم النظام الاقتصادي الرأسمالي المستند إلى الليبرالية كمنهج والقائلة بان” مصلحه المجتمع ككل ستتحقق حتما من خلال محاوله كل فرد تحقيق مصالحه الخاصة” ،اى النظام الاقتصادي القائم على عدم تدخل الدولة كممثل للمجتمع ،وهو ما اثبت واقع المجتمعات الاوربيه ذاته خطاه ،إذ قبل أن ينتهى القرن التاسع عشر حتى كانت ضرورة تدخل الدولة مسلمه في كل المجتمعات الاوربيه، وان اختلفت في مدى هذا التدخل. إلا انه بعد انهيار الكتلة الشرقية وظهور نظام عالمي أحادى القطب ممثلا في الولايات المتحدة ظهرت الدعوات التي تشكك في ضرورة تدخل الدولة وهذه الدعوات شكلت الأساس الايدولوجى للازمات الاقتصادية المتعاقبة الاخيره. فهذه الأزمات الاقتصادية المتعاقبة الاخيره هى مؤشر لبداية نهاية النظام الاقتصادي الراسمالى العالمي على ارض الواقع ، فتاريخ النظام الاقتصادي الراسمالى هو تاريخ النمو من خلال الأزمات التي تكاد تتكرر بصوره دوريه،والأزمات المتعاقبة الاخيره هي احد هذه الأزمات الدورية ،والتي يتم تجاوزها دائما من خلال تدخل الدولة، اى من خلال نفى الأساس الفكري الايديولوجى الذي يستند إليه النظام الاقتصادي الراسمالى. اى أن هذه الأزمات الاقتصادية هي تأكيد على انهيار الأساس الفكري للنظام الاقتصادي الراسمالى،رغم استمراره فى الواقع، غير ان هذه الاستمارة فى الواقع أصبحت في الفترة الاخيره متعثرة ، نسبه لتقارب فترات الأزمات ألاقتصاديه، ولضخامة حجمها.
مذهب التفسير الراسمالى للاقتصاد الاسلامى ومحاوله التوفيق بين الاقتصاد الاسلامى والراسمالى واقامه اماره المترفين فى المجتمعات المسلمة: اما عند الحديث عن المجتمعات المسلمه ،فإننا نجد مذهب التفسير الراسمالى للاقتصاد الاسلامى، والذي مضمونه محاوله تفسير مفهوم الاقتصاد الاسلامى،استنادا إلى مفاهيم وقواعد وقيم النظام الاقتصادي الراسمالى، والذي يمثل التطبيق الاقتصادي للفلسفة الليبرالية، فهو- على المستوى النظري – محاوله للتوفيق بين الاقتصاد الاسلامى والاقتصاد الراسمالى، كما انه – على المستوى العملى محاوله لاقامه اماره المترفين فى المجتمعات المسلمه .
المستوى النظرى :
التناقض:
ا/ التناقض العقدي: فمذهب التفسير الراسمالى للاقتصاد الاسلامى يتجاهل أن النظام الاقتصادي الراسمالى يتناقض مع الفكر الاقتصادي الاسلامى ، سواء على مستوى أصوله النصية الثابتة ، او فروعه الاجتهادية المتغيرة، تناقضا لا يقبل التوفيق أو التلفيق او التزويق، وبالتالى فان الموقف السليم من هذا النظام الاقتصادي ليس القبول المطلق _ كما فى هذا المذهب _ بل هو الموقف النقدي.
فعلى سبيل المثال فان الفلسفة الاقتصادية الاسلاميه تنطلق من مبدا إسناد ملكية المال لله تعالى وحده ،اى إسناد ملكية كل شئ لله تعالى وحده، فالملكية طبقا لها هي صفة من صفات ربوبية الله تعالى﴿ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ (المائدة: 17)، ﴿ وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ﴾(النور: 33)،وعن علي أبن أبي طالب (فانتم عباد الله والمال مال الله يقسم بينكم بالسوية لا فضل فيه لأحد على احد)، والمقصود بالملكية هنا حق التصرف المطلق بالمال ،وهو ما يقارب مفهوم الملكية الخاصة في الراسماليه ، وبناءا على هذا فان الفلسفة الاقتصادية الإسلامية ترفض إسناد الملكية (حق التصرف المطلق بالمال) إلى غيره تعالى ، لان ذلك الإسناد هو شكل من أشكال الشرك” الاعتقاد او العملي” في الربوبية ،يقول تعالى﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ﴾ (إلا سراء: 111)، وهو شكل من أشكال الاستكبار،إذ الاستكبار هو إسناد صفة من صفات ربوبيته تعالى إلى غيره. وقد عرض القرآن النماذج له:.ففرعون اسند ملكية مصادر الثروة في مصر إلى نفسه ﴿أو ليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي﴾ وقارون بدلا من إسناد ملكية المال “الذي أتاه الله” إلى مالكه الأصلي (الله تعالى) أسنده إلى نفسه وعلمه فكان جزاءه الخسف( قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ). ان ما سبق يوضح لنا خطا مذهب التفسير الراسمالى للاقتصاد الاسلامى فى قوله بان الإسلام يقر الملكية الخاصة، كما فى الفلسفة الاقتصادية الليبرالية والنظام الاقتصادي الراسمالى، ووجه الخطأ في هذا المذهب انه يخلط بين الملكية الخاصة المتعلقة بوظيفة الملكية، التي مضمونها حق المالك فى التصرف المطلق بالمال(كما فى الاقتصاد الراسمالي )، والملكية الفردية المتعلقة بالشكل القانوني للملكية، والتي مضمونها حق الفرد في التصرف المقيد بالمال(كما فى اقتصاد الاسلامى )، ويستدل هذا المذهب بعده أدله سنعرض لها ونتناولها بالنقد:
الدليل الأول: وضع الإسلام حد السرقة وجعل عقوبتها قطع اليد، والاستدلال هنا غير صحيح ، إذ أن الحدود هي (محظورات شرعية زجر الله عنها بعقوبة مقدرة تجب حقا لله تعالى)، وما كان حق الله يعني ان وضعه كان لحماية مصلحة الجماعة ، لا مصلحة الفرد يقول الكاساني (والمقصود بحق لله كل فعل أو امتناع ترجع علة إيجابه أو النهي عنه إلى الجماعة)(بدائع الصنائع، ج7، ص 33،56)،وهذا دليل على أن حد السرقة إنما وضعه الشارع تعالى لحماية مصلحة الجماعة ،التي لها حق الانتفاع أصلا وأن كان الانتفاع بيد الفرد،إذ لو كان المراد إقرار الملكية الخاصة كما فى الراسماليه لكانت عقوبة السرقة قصاص لا حد، إذ المقصود بالقصاص(ما وجب إتيانه أو الامتناع عنه لحق الفرد)( المرجع السابق، ص320(إي أن القصاص وضع لحماية حق الفرد ولذا يجوز العفو في القصاص ولا يجوز في الحد.
الدليل الثاني: أنه لا يجوز للدولة أن تأخذ من مال الفرد سوى الزكاة،وهو رأي خاطئ،ومن أدلة ذلك قوله تعالى (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ والملائكة وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِيا لْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ والسائلين وَفِي الرقاب وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ اِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)(البقرة: 177)، وفي تفسير القرطبي (استدل بها من ذهب إلى إن في المال حق سوى الزكاة ،وقيل الزكاة المفروضة،والأول أصح لما أخرجه الدار عن فاطمة بنت قيس قالت قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إن في المال حقا سوى الزكاة ثم تلي الآية.و يذكر ابن حزم (انه صح عن الشعبي ومجاهد وطاووس وغيره قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) في المال حق سوى الزكاة “قال فهذا إجماع مقطوع به من الصحابة لا مخالف لهم منهم. و قال عمر رضى الله عنه( لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء فقسمتها على الفقراء المهاجرين*وقال علي رضي الله عنه (إن الله فرض على الأغنياء في أموالهم بقدر ما يكفي فقراءهم)
الدليل الثالث: انه لا يجوز للدولة أن تأخذ مال الفرد جبراً، بل على الفرد أن يعطي باختياره، وهو رأي خاطئ والأدلة:عندما احي عمر رضي الله عنه أرضا بالربدة وكانت لقوم فجاءؤا وقالوا: يا أمير المؤمنين إنها بلادنا قاتلنا عليها في الجاهلية وأسلمنا عليها في إلاسلام علام تحميها،فاطرق عمر ثم قال: المال مال الله والعباد عباد الله والله لو لا ما احمل عليه في سبيل الله ما حميت من الأرض شبر في شبر”.ويقول الإمام ابن حزم “وفرض على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم، يجبرهم السلطان على ذلك أن لم تقم الزكوات، ولا في سائر أموال المسلمين فيقم لهم بما يأكلون من القوت الذي لابد منه ،ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك ،وبمسكن يقيهم من المطر والصيف والشمس وعيون الماره. وعلي بن أبي طالب عندما صادر أموال بني أميه قال “والله لو وجدته قد تزوج به النساء وملك به إلا ماء لرددته”.
كما ان الفلسفة الاقتصادية الاسلاميه قائمه على مبدأ استخلاف الجماعة في الانتفاع بالمال، اى ان الجماعة هي المستخلفة عنه تعالى أصلا في الانتفاع بالمال، على الوجه الذي يحدده ملك المال تعالى المنزه عن الانتفاع به ، أما الفرد فنائب وكيل عنها فى الانتفاع به، يقول تعالى: ﴿وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه﴾ الحديد: 7). في تفسير ألنسفي “يعني إن الأموال التي في أيديكم إنما هي أموال الله بخلقه وإنشائه لها، وإنما مولكم إياها للاستمتاع به وجعلكم خلفاء في التصرف فيها، فليست هي بأموالكم في الحقيقة، وما انتم فيها إلا بمنزلة الوكلاء والنواب، فأنفقوا منها في حقوق الله تعالى وليكن عليكم إلا نفاق منها كما يهون على الرجل إلا نفاق من مال غيره إذا أذن له فيه –أو جعلكم مستخلفين عمن كان قبلكم” …وهذا المبدا يتناقض مع اولويه الفرد على الجماعة ، والقطاع الخاص على القطاع العام فى النظام الراسمالى
التناقض الحضاري والقيمى : كما أن مذهب التفسير الراسمالى للاقتصاد الاسلامى يتجاهل التناقض الحضاري والقيمى بين النظام الاقتصادي الراسمالى والقيم الدينية والحضارية للشخصية المسلمة، فهذا النظام الاقتصادي هو تنظيم للتمرد على القيم الدينية و الحضارية المشتركة للشخصية المسلمة، وأولاها قيمه المشاركة الحضارية،حيث إن علاقات الإنتاج في ظل هذا النظام الاقتصادي تصبح مصدر للانانيه والفردية التي تتحول من خلال أطرادها إلى قيمه اجتماعيه تفسد عن طريق عن العدوى بالتفاعل باقي القيم الحضارية للشخصية المسلمة في الاسره (المشاكل الاسريه، التفكك الأسرى، ارتفاع نسبه الطلاق,…) في العلم( تحول العلم إلى تجاره) في الفكر( اتخاذ المفكرين لموقف الدفاع عن الواقع ، بدلا من اتخاذ موقف الدعوة إلي تغييره بتقديم حلول للمشاكل التي يطرحها..) في الأخلاق( التدهور الاخلاقى في كافه مجالات الحياة)… الخ نرى الأثر المخرب للقيم الراسماليه: الفردية التي تتقدم على أشلاء الآخرين ،والنظام الراسمالى بحكم طبيعته نظام استغلالي، ولا يمكن لاى إنسان في ظل الراسماليه إلا إن يكون طرفا في علاقة استغلالية مستغلا أو ضحية استغلال بشكل مباشر أو غير مباشر ،إزاء هذا لا تجدي النصائح والوعظ المثالي وحسن النية، بل أن حسنى النية هم ضحايا جاهزة للاستغلال، ولا يمكن إلغاء الاستغلال وباقي القيم السلبية إلا بالعمل على مقاومه النظام الاقتصادي الراسمالى الذي يكرس للمربع المخرب(الفقر والجهل والمرض و البطالة) و يفرز هذه القيم السلبية، واقامه نظام اقتصادي يعبر عن القيم الحضارية للشخصية المسلمة و يهدف إلى تحقيق مصلحه المجتمعات المسلمه ككل.
المستوى العملي :كما أن مذهب التفسير الراسمالى للاقتصاد الاسلامى يتجاهل النبؤه القرانيه بتدمير الله تعالى لاماره المترفين(والنظام الراسمالى شكل من أشكالها كما وضحنا سابقا )، لما تفرزه من فساد قيمي (اخلاقى) عبر عنه القران الكريم بمصطلح “ففسقوا فيها”، وان هذا التدمير الالهى سيطال حتما كل اماره للمترفين فى كل زمان ومكان.
==================
حجية أحاديث الآحاد
د.صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفة القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم
sabri.m.khalil@hotmail.com
تمهيد: يتصل حديث الآحاد بتقسيم السنة من حيث إفراد الراوي ومشاركة غيره (عدد الرواه ) ، حيث تقسم إلى :
أولا: الأحاديث المتواترة: وهى التي رواه جماعة عن جماعة مثلهم يستحيل في كل طبقة تواطئهم على الكذب على الرسول”صلى الله عليه وسلم” .
ثانيا : أحاديث الآحـــاد : وهى ما رواه عن الرسول”صلى الله عليه وسلم” عدد لا يبلغ حد التواتر.
حجية أحاديث الآحاد عند علماء أهل السنة :
أولا : إجماع أهل السنة على إثبات حجية أحاديث الآحاد : اجمع علماء أهل السنة على أثبات حجية أحاديث الآحاد ، والمراد بحجيتها كونها ملزمه ، يقول ابن بطال ( انعقد الإجماع على القول بالعمل بأخبار الآحاد )( فتح الباري: 13/321)، ويقول الخطيب البغدادي (وعلى العمل بخبر الواحد كافة التابعين ومن بعدهم من الفقهاء في سائر أمصار المسلمين إلى وقتنا هذا، ولم يبلغنا عن أحد منهم إنكار لذلك ولا اعتراض عليه، فثبت أن من دين جميعهم وجوبه، إذ لو كان فيهم من كان لا يرى العمل به لنقل إلينا الخبر عنه بمذهبه فيه ) (الكفاية : ص 72.)، ويقول الحافظ ابن حجر (المراد
بالإجازة: جواز العمل به والقول بأنه حجة، وقصد بالترجمة الرد على من
يقول: إن خبر الواحد لا يحتج به إلاَّ إذا رواه أكثر من شخص واحد يصير كالشهادة ويلزم منه الرد على من شرط أربعة أو أكثر)( فتح الباري :
13/233)..
ثانيا: مذهبي أهل السنة في مدى إيجاب الآحاد العلم والعمل : غير أن علماء أهل السنة بعد إجماعهم على إثبات حجية أحاديث الآحاد، افترقوا حول مدى إيجابها العلم و العمل إلى مذهبين:
المذهب الأول : إيجاب العلم والعمل: المذهب الأول لعلماء أهل السنة يرى أن أحاديث الآحاد توجب العلم والعمل معا، اى أنها ملزمه في العقائد والأحكام : يقول ابن حزم (قال أبو سليمان، والحسين بن علي الكرابيسي ، والحارث بن أسد المحاسبي وغيرهم: إن خبر الواحد العدل عن مثله إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوجب العلم والعمل معاً وبهذا نقول )، ويقول ابن عبد البر (وكلهم يرون خبر الواحد العدل في الاعتقادات، ويعادي ويوالي عليها، ويجعلها شرعاً وحكماً وديناً في معتقده، على ذلك جماعة أهل السنة ولهم في الأحكام ما ذكرناه )(التمهيد : 1/34)، ويقول ابن دحية ( وعلى قبول خبر الواحد الصحابة والتابعون وفقهاء المسلمين وجماعة أهل السنة، يؤمنون بخبر الواحد ويدينون به في الاعتقاد)( الابتهاج في أحاديث المنهاج
: ص 78..) .
المذهب الثاني: إيجاب العمل دون العلم : أما المذهب الثاني لعلماء أهل السنة فيرى أن أحاديث الآحاد أنها توجب العمل دون العلم ، اى أنها ملزمه في الإحكام دون العقائد: يقول أبو منصور عبد القادر البغدادي (وأخبار الآحاد متى صح إسنادها وكانت متونها غير مستحيلة في العقل ، كانت موجبة العمل بها دون العلم ) (أصول الدين: ص12 ) ، ويقول ابن عبد البر ( اختلف أصحابنا وغيرهم في خبر الواحد هل يوجب العلم والعمل جميعا أم يوجب العمل دون العلم ؟والذي عليه أكثر أهل العلم منهم أنه يوجب العمل دون العلم ، وهو قول الشافعي وجمهور أهل الفقه والنظر ، ولا يوجب العلم عندهم إلا ما شهد به على الله وقطع العذر بمجيئه قطعا ولا خلاف فيه ، وقال قوم كثير من أهل الأثر وبعض أهل النظر : إنه يوجب العلم الظاهر والعمل جميعا ، منهم الحسين الكرابيسي وغيره ، وذكر ابن خويز منداد أن هذا القول يخرج على مذهب مالك . قال أبو عمر : الذي نقول به إنه يوجب العمل دون العلم كشهادة الشاهدين والأربعة سواء ، وعلى ذلك أكثر أهل الفقه والأثر ) (التمهيد:1/7) ، ويقول البيهقي ( ولهذا الوجه من الاحتمال ترك أهل النظر من أصحابنا الاحتجاج بأخبار الآحاد في صفات الله تعالى إذا لم يكن لما انفرد منها أصل في الكتاب أو الإجماع ، واشتغلوا بتأويله ) (الأسماء والصفات:ص357 )، ويقول الإمام النووي ويقول الباجي ( وأما خبر الآحاد فما قصر عن التواتر وذلك لا يقع به العلم وإنما يغلب على ظن السامع له صحته لثقة المخبر به لأن المخبر وإن كان ثقة يجوز عليه الغلط والسهو كالشاهد وقال محمد بن خويز منداد : يقع العلم بخبر الواحد والأول عليه جميع الفقهاء )(الإشارة: 234 ) ، ويقول إمام الحرمين ( والآحاد وهو مقابل المتواتر ، وهو الذي يوجب العمل ولا يوجب العلم ، لاحتمال الخطأ فيه ) (الورقات:184).
نفى إيجاب العلم ليس مطلق (الآحاد يفيد العلم بالقرائن ) : لكن هذا المذهب لا ينفى إيجاب أحاديث الآحاد للعلم مطلقا ، بل ينفى أنها توجب العلم بدون قرائن، ويرى أنها تفيد العلم لكن بقرائن ، ممثله في ما وافقها من القران والأحاديث المتوترة ، يقول ابن فورك في شرح النخبة (.. وقد يقع في أخبار الآحاد العلم النظري ولكن بالقرائن “) ، و يقول المناوى ( ذهب الإمامان والغزالي والآمدى وابن الحاجب والبيضاوى إلى أن خبر الواحد لا يفيد العلم إلا بقرينة خلافاً لمن أبى ذلك وهم الجمهور ؛ فقالوا: لا يفيد(العلم) مطلقًا.وقال التاج السبكى في شرح المختصر: وهو الحق )( اليواقيت للمناوى شرح شرح النخبة: “1 / 176 ـ 179”).
ثالثا : مذهبي أهل السنة في قطعيه أو ظنيه ورود الآحاد : كما افترق علماء أهل السنة حول قطعيه أو ظنيه ورود أحاديث الآحاد إلى مذهبين :
الآحاد قطعيه الورود : المذهب الأول يرى أن أحاديث الآحاد قطعيه الورود، يقول المناوى (… فإن الناس اختلفوا أن الأمة إذا عملت بحديث وأجمعوا على العمل به ، هل يفيد القطع أو الظن ؟ ومذهب أهل السنة أنه يفيد الظن ما لم يتواتر ) ( اليواقيت والدرر: 1 / 187 ـ 188).
الآحاد ظنيه الورود: أما المذهب الثاني فيرى أن أحاديث الآحاد ظنيه الورود : يقول الإمام النووي ( وأما خبر الواحد فهو ما لم يوجد فيه شروط المتواتر سواء كان الراوي له واحدا أو أكثر واختلف في حكمه ، والذي عليه جماهير المسلمين من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من المحدثين والفقهاء وأصحاب الأصول ، أن خبر الواحد الثقة حجة من حجج الشرع يلزم العمل بها ويفيد الظن ولا يفيد العلم … ) (شرح صحيح مسلم : ج1ص131 ) ، ويقول الإمام الكراماستى (وخبر الواحد لا يوجب علم اليقين ولا الطمأنينة بل يوجب الظن )( الوجيز في أصول الفقه: 52 ـ المرصد السادس في السنة)، ويقول الإمام الرازى ( إن خبر الواحد إما أن يكون مشتملاً على مسائل الأصول وهذا باطل، لأن تلك المطالب يجب أن تكون يقينية وخبر الواحد لا يفيد إلا الظن )( المعالم في أصول الفقه: 47 ـ الباب الثامن في الأخبار: المسألة الرابعة) ، ويقول الذهبي ( وفى ذلك حض على تكثير طرق الحديث لكي يرتقى عن درجة الظن إلى درجة العلم، إذ الواحد يجوز عليه النسيان والوهم )( تذكرة
الحفاظ: 1 / 6 ـ ت: 2 عمر بن الخطاب)، ويقول النووى(…وخالفه المحققون والأكثرون فقالوا: يفيد الظن ما لم يتواتر )( التقريب: (11،18) ، ويقول الشوكانى ( إن الإجماع إذا حصل له من الصفات ما ليس للآحاد، فلم يجز أن يجعل حكم الآحاد كحكم الاجتماع، فإن كل واحد من المخبرين يجوز عليه الغلط والكذب فإذا انتهى المخبرون إلى حد التواتر امتنع عليهم الكذب والغلط )( منهاج الاعتدال: 4/237 قديم ـ 8/357 حديث).غير أن هذا المذهب لا يرتب على القول بان أحاديث الآحاد ظنيه الورود نفى حجيتها ، بل اعتبار أنها ادني في درجه الحجية من الأحاديث المتواترة لأنها قطعيه الورود.
حجية أحاديث الآحاد في الفكر الاسلامى المعاصر: أما في الفكر الاسلامى المعاصر فان هناك العديد من المذاهب في حجية أحاديث الآحاد، ومن هذه المذاهب :
مذهب الإثبات المطلق : وهو المذهب الذي يثبت حجية أحاديث الآحاد ، وهو هنا يتسق مع إجماع علماء أهل السنة على إثبات حجيتها . لكن هذا المذهب يتجاوز هذا الإثبات لحجية أحاديث الآحاد ، إلى المساواة بين أحاديث الآحاد و الأحاديث المتوترة في درجه الحجية (الإلزام) … وهو ما يتعارض مع المذهب الراجح لعلماء أهل السنة في كون أحاديث الآحاد ظنيه الورود ، وبالتالي فهي ادني في درجه الحجية من الأحاديث المتواترة لأنها قطعيه الورود . فضلا عن إلغائه لمبرر تقسيم السنة إلى متواترة وآحاد.
مذهب النفي المطلق : وهذا المذهب السابق هو رد فعل على مذهب آخر، ينفى حجية أحاديث الآحاد مطلقا ، اى ينفى كل دلالات أحاديث الآحاد، وهو ما يتناقض مع إجماع علماء أهل السنة على أثبات حجية أحاديث الآحاد، مع اختلافهم في مجال حجيتها ( هل هي حجه في العلم والعمل ام حجه في العمل فقط ) ، ودرجه حجيتها (هل هي مساوية للأحاديث المتواترة في درجه الحجية أم أنها ادني منها)، كما أن هذا المذهب يرتب على إقرار المذهب الراجح لعلماء أهل السنة ، والقائم على أن أحاديث الآحاد ظنيه الورود إنكار حجيتها ، بينما لم يرتب هذا المذهب هذه النتيجة على هذا الإقرار بظنية ورودها، بل رتب عليه نتيجة أخرى ، هي كونها ادني في درجه الحجية من الأحاديث المتواترة ، دون إنكار حجيتها..ويندرج تحت إطار هذا المذهب مذهب النفي المطلق للأخذ بأحاديث الآحاد في العقائد، بحجه ان هناك مذهب لعلماء أهل السنة، يرى أن أحاديث الآحاد توجب العمل دون العلم، لكن هذا المذهب يتجاهل حقيقة أن مذهب علماء أهل السنة لا ينفى إيجاب أحاديث الآحاد للعلم مطلقا ، بل ينفى أنها توجب العلم بدون قرائن، ويرى أنها تفيد العلم لكن بقرائن ، ممثله في ما وافقها من القران والأحاديث المتوترة ، يقول ابن فورك في شرح النخبة (.. وقد يقع في أخبار الآحاد العلم النظري ولكن بالقرائن “).
مذهب الإثبات المقيد: وهو المذهب الذي يقوم على الاتى :
أولا : إثبات حجية الآحاد: إثبات حجية أحاديث الآحاد ، اى إثبات كونها ملزمه ، اتساقا مع إجماع علماء أهل السنة على إثباتها .
ثانيا: إيجاب الآحاد المقيد للعلم والعمل: أن أحاديث الآحاد توجب العلم والعمل معا ، اى كونها ملزمه في العقائد والأحكام معا ، اتساقا مع المذهب الأول من مذاهب علماء أهل السنة ، مع تقييد هذا الإيجاب الشامل بكونها مصدر قائم بغيره ” حجه بغيرها” في أصول العقائد والأحكام، وكونها مصدر قائم بذاته “حجه بذاتها ” في فروع العقائد والاحكام..
ثالثا: إقرار ظنيه ورود الآحاد لا ينفى حجيتها ، بل يقيد درجه هذه الحجية: أن أحاديث الآحاد ظنيه الورود، اتساقا مع المذهب الراجح لعلماء أهل السنة ، غير أن هذا الإقرار بظنية ورودها لا ينفى حجيتها ، بل يقيد درجه هذه الحجية كالاتى :
ا / أحاديث الآحاد مصدر قائم بغيره” حجه بغيرها” لأصول الدين ، وقائم بذاته” حجه بذاتها” لفروع الدين: ولعلماء أهل السنة مذهبين في الاجابه على السؤال : هل أحاديث الآحاد يمكن أن تكون مصدرا لأصول الدين ، المذهب الأول يرد بالإيجاب ، لأنه يرى أنها قطعيه الورود ، أما المذهب الثاني فيجيب بالنفي ، باعتبار أنها ظنيه الورود ،وبالتالي فهي مصدر لفروع الدين دون أصوله ، يقول الاسنوى ( أن رواية الآحاد إن أفادت فإنما تفيد الظن ، والشارع إنما أجاز الظن في المسائل العملية وهي الفروع ، دون العلمية كقواعد أصول الدين ) ، ويقول ابن تيمية (إن هذا من أخبار الآحاد فكيف يثبت به أصل الدين ؟ )( منهاج الاعتدال (2/133 قديم ـ 4 / 95 حديث ـ كلام الرافضى على محمد بن الحسن)، ويقول الإمام ابن قدامة ( إن جميع ما رووه وذكروه هو أخبار آحاد، ولا يجوز قبول ذلك فيما طريقه العلم ؛ لأن كل واحد من المخبرين يجوز عليه الغلط، وإنما يعمل بأخبار الآحاد فى فروع الدين، وما يصح أن يتبع العمل به غالب الظن، فأما ما عداه فإن قبوله فيه لا يصح، وذلك يبطل تعلقهم بهذه الأخبار حتى ولو كانت صحيحة السند وسليمة من الطعن في الرواة )، غير أن كلا المذهبين لم يميزا- في إجابتهما على السؤال – بين المصدر القائم بذاته والمصدر القائم بغيره ،اى لم يميزا بين كون أحاديث الآحاد حجه بذاتها أو حجه بغيرها، وبوضع طبيعة المصدر في الاعتبار ، نصل إلى مذهب أخر يقوم على أن أحاديث الآحاد مصدر قائم بغيره” حجه بغيرها” لأصول الدين ، وقائم بذاته” حجه بذاتها” لفروع الدين ..
ب/ إثبات دلالات الآحاد التي لا تتناقض مع دلالات النصوص القطعية : انه يجب إثبات الدلالات التي تفيدها أحاديث الآحاد ، والتي لا تتناقض مع دلالات النصوص اليقينية الورود (ممثله في القران الكريم والأحاديث المتواترة )، يقول الإمام النووى ( ومتى خالف خبر الآحاد نص القرآن أو إجماعا وجب ترك ظاهره ) (المجموع شرح المهذب: 4/342 )، ويقول عبد القادر الدومى ( والذي أراه أنه لا يفهم من كلام الإمام “أحمد بن حنبل” إلا التخصيص بأخبار الرؤية، فكأنه يقول: إن أخبارها وإن لم تبلغ حد التواتر لكنها احتفت بقرائن جعلتها بحيث يحصل العلم بها، وتلك القرائن هي ظواهر الآيات القرآنية المثبتة لها، فإسناد القول الثاني إلى الإمام من غير تقييد فيه نظر. وكذلك ما نسبه إليه ابن الحاجب والواسطى وغيرهما من أنه قال ” أى الإمام أحمد”: يحصل العلم فى كل وقت بخبر كل عدل وإن لم يكن ثم قرينه فإنه غير صحيح أصلاً)( نزهة الخاطر العاطر شرح روضة الناظر :
(1/261).
ج / شروط الأخذ بالآحاد : وإذا كان الأخذ بالأحاديث المتواترة مطلق ، فان الأخذ بأحاديث الآحاد له شروط ، أفاض في الحديث عنها الأصوليون ، فضلا عن ائمه المذاهب الاربعه ، فقد اشترط الحنفية للأخذ بحديث الآحاد : أن لا يخالف الصحابي روايته بعمله، وأن لا يخالف الحديث نص القران ظاهرا ، وان لا يكون موضوع خبر الآحاد مما تعم به البلوى ، و أن لا يكون الخبر مخالفا للأصول الشرعية والقياس إذا كان الراوي غير فقيه، و أن لا يخالف الخبر عمل كبار الصحابة. واشترط المالكية : أن لا يكون الخبر مخالفا لعمل أهل المدينة، و أن لا يكون الخبر مخالفا للقياس والأصول القطعية. و اشترط الشافعية شروط تتصل بصحة السند والاتصال منها: ان يكون الراوي ثقة في دينه صادقا في حديثه، و أن يكون فاهما واعيا يستطيع أداء الحديث بنصه بحروفه كما سمعه أو بألفاظ مساوية دون أي إخلال بالمعنى، و أن يكون ضابطا لما يرويه، و آن لا يكون الحديث مخالفا لحديث أهل العلم بالحديث إن شاركهم في موضوعه.أما الحنابلة فاشترطوا ان لا يكون في الخبر متهم أو كذاب.
========
القضية الاحوازيه : قراءه منهجيه
صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم
https://drsabrikhalil.wordpress.com/2016/01/16/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B2%D9%8A%D9%87-%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D9%87-%D9%85%D9%86%D9%87%D8%AC%D9%8A%D9%87/
===============
الإسلام لم ينتشر بالسيف:
http://aljazeeraalarabiamodwana.blogspot.com/2016/11/blog-post_31.html
تفسير الايه ( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )(المائدة:44
http://aljazeeraalarabiamodwana.blogspot.com/2016/11/44.html
قال تعالى( إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب )(غافر: 28
http://aljazeeraalarabiamodwana.blogspot.com/2016/11/28.html
نحو فهم صحيح لموقف الإسلام من الرق
http://aljazeeraalarabiamodwana.blogspot.com/2016/11/blog-post_12.html
السلفية المنهجية: أصولها وتطبيقاتها
http://aljazeeraalarabiamodwana.blogspot.com/2016/11/blog-post_39.html
عن الجدل الفقهي حول حكم مشاركه المسيحيين الاحتفال بأعيادهم //
http://aljazeeraalarabiamodwana.blogspot.com/2016/11/blog-post_75.html
الموقف الحقيقي للإمام ابن تيميه من الحكم على الشيعة
http://aljazeeraalarabiamodwana.blogspot.com/2016/11/blog-post_40.html
ماذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن الشيعة ؟
http://aljazeeraalarabiamodwana.blogspot.com/2016/11/blog-post_33.html
مؤشرات فشل مشروع الشرق الأوسط الجديد”الامبريالي الصهيوني”
مؤشرات نهاية الإسلام السياسي واستئناف السياسة الاسلاميه : وجوب الانتقال من التفسير السياسي للدين إلى التفسير الديني للسياسة
نحو فهم صحيح لقاعدة الإيتاء والنزع الالهى للملك
قراءه منهجيه لكتاب (نظام التفاهة) للفيلسوف الكندي المعاصر ألان دونو
نحو قراءه إسلاميه لمفهوم الحداثة
د. صبري محمد خليل / أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم
============
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق