ارتداء العمامة السوداء في مكة
الرحالة ابن جبير
كتاب
تذكرة الاخبار المعروف برحلة ابن جبير
زار ابن جبير مكة المكرمة وأقام فيها قرابة نصف عام، ثُم قصد المدينة في طريقه إلى الكوفة وبغداد وسامراء والموصل في العراق، بعدها زار حلب ودمشق في الشام، وقام في الرحلة الثانية التي استمرت عامين عند سماعه نبأ تحرير بيت المقدس على يد صلاح الدين الأيوبي عام 583 هـ/ 1187 م في كتابه (تذكرة الأخبار عن اتفاقيات الأسفار)، والمعروف برحلة ابن جبير شهر رمضان والاحتفالات الخاصة بقدوم وإحياء لياليه المباركة لعامي 578 هـ/ 579 م، فسجّل مظاهر ختم القرآن الكريم فيها في كل وتر من الليالي العشر الأواخر في رمضان، فوصف في رحلته إلى مكة الأركان الأربعة للحرم، وبإزاء المقام الكريم منبر الخطيب فقال: (وهو أيضاً على بكرات أربع، فإذا كان يوم الجمعة، وقرب وقت الصلاة، ضم إلى صفحة الكعبة الذي يقابل المقام، وهو بين الركن الأسود والعراقي فيسند إليه المنبر). وأشار ابن جبير بإسهاب إلى توجّه الخطيب إلى باب النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقابل في البلاط الآخذ من الشرق إلى الشمال، ويصف لنا ملابس الخطيب ولون عمامته السوداء والطيلسان الذي يرتديه، وإذا قرب الخطيب من المنزل يقول عنه ابن جبير: (فإذا قرب من المنبر عرج إلى الحجر الأسود فقبّله، ودعا عنده، ثُم سعى إلى المنبر، والمؤذن الزمزمي (رئيس المؤذنين بالحرم الشريف) ساعياً أمامه، لابساً السواد أيضاً). ويشير إلى جلوسه ومبادرة المؤذنين بإعلان الأذان بلسان واحد، ثُم تلاوة الخطبة. عرفنا ابن جبير في رحلته عن الاحتفاء بالأهلة في مكة
==========
وظيفة إمامة المسجد النبوي في العصر المملوكي شابها التنافس غير الشريف، والكراهية، والمذهبية، وتأثرت بالسياسة، وقد كانت تُعطى أحياناً لم يسعى لدى السلطان في مصر بالبذل والجاه. وأبرز ما تميز به الأئمة في عهد المماليك أنهم قضوا على ما ابتدعه أئمة الشيعة الإمامية بالمسجد النبوي في عهد آل سنان الحسينيين، حيث منعوا سب الصحابة، وأبطلوا نكاح المتعة، وصلاة النصف من شعبان، وغيرها.
وكان اللباس الرسمي لمن يلي الإمامة والخطابة في العهد المملوكي السواد، فالثوب أسود، والعمامة سوداء، والطيلسان أسود. كما أضاف المماليك على ما اشترطه الفقهاء في عموم الأئمة، ضمن شروط الإمامة بالمسجد النبوي، أن يكون الإمام على معرفة تامة بعلم القراءات وعلم الفرائض. وعندما سقطت دولة المماليك على يد العثمانيين سنة 923هـ/ 1516م، استحدثت وظائف عديدة تتعلق بالإمامة والخطابة.
ففي العهد العثماني كان أئمة المسجد النبوي مستقلين عن الخطابة بادئ الأمر، لكن بعض الوجهاء بالمدينة تمكنوا من الجمع بينهما، واستحدث العثمانيون منصب نقيب الأئمة، وهو أقل مكانة من وظيفة شيخ الحرم. أما شيخ الخطباء فقد كان يشرف على الإمامة والخطابة، وكان يشترط لهذا المنصب أن يكون قد مارس العمل بهما وحصل على خبرة كافية. واهتم العثمانيون بالوظائف المتعلقة بالإمامة والخطابة في المسجد النبوي الشريف، كالمجمّر، والمرقى، والمبلغ، وحامل العلم، وفارش سجادة المحراب النبوي. وقدمت الدولة العثمانية رواتب مجزية للأئمة، خاصة في رمضان.
ومما يعاب على التراتيب الإدارية المتعلقة بالأئمة في العهد العثماني، نظام التوريث في الإمامة لأكثر من شخص، وهو أمر له مساوئه، مما حرم أهل الكفاءات العلمية من الوصول للإمامة. لكن يلاحظ تميز الأئمة الأحناف عن بقية المذاهب الأخرى؛ فكانوا الأكثر عدداً، وقد ارتفع عددهم في عام 1206هـ/ 1791م الى خمسة وعشرين إماماً، بينما انخفض عدد أئمة الشافعية الى اثني عشر إماماً، وبذلك أصبح عدد الأئمة 37 إماماً كما دونه أيوب باشا (ت 1290هـ/ 1890م).
أما أبرز الأسر التي ظهر منها أئمة وخطباء بمكة المكرمة في العهد العثماني: آل ميرداد، وآل العجيمي، وآل خوقير، وآل الريس، وآل الكتبي، وآل شطا، وآل عبدالشكور، وآل الزواوي، وآل الكردي، وآل الحريري، وآل جمل الليل، وآل المغني، وآل كمال، وآل المالكي، وآل ابن حميد، وآل صديق، وآل القلعي، وآل الفقيه، وآل دحلان، وآل الحبشي.
في حين كانت أبرز الأسر التي ظهر منها أئمة وخطباء بالمدينة المنورة في العهد العثماني خلال القرن الثاني عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي، فهم: أسرة الأركلي، وأسرة الأزهري، وأسرة البرزنجي، وأسرة الجامي، وأسرة الحجار، وأسرة الخياري، وأسرة السمهودي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق