الأحد، 23 نوفمبر 2014

إحصائية تنشر لأول مرة الكترونيا: عدد مرويات أبي هريرة رضي الله عنه و ما انفرد به من أحاديث



إحصائية تنشر لأول مرة الكترونيا: عدد مرويات أبي هريرة رضي الله عنه و ما انفرد به من أحاديث


ان الدكتور بشار عواد معروف و زملائه الذي صنفوا المسند الجامع الذي يشتمل على الكتب التالية:1- الموطأ 2- مسند الحميدي 3- مسند الإمام احمد 4- مسند عبد بن حميد 5- سنن الدرامي 6- الجامع الصحيح للإمام البخاري 7- الأدب المفرد له 8- رفع اليدين له 8-جزء القراءة خلف الإمام 10- خلق أفعال العباد 11- الجامع الصحيح لمسلم 12- سنن أبي داود 13- سنن ابن ماجه 14- جامع الترمذي 15- الشمائل له 16- زوائد عبدالله بن احمد على مسند أبيه 17- سنن النسائي 18- عمل اليوم و الليلة له 19- فضائل القران له 20- فضائل الصحابة له 21- صحيح ابن خزيمة فبلغ عدد أحاديث أبي هريرة رضي الله عنه في هذه الكتب 2740 حديثا مع التكرار لان المرتبين بينوا منهجهم بقولهم : " جعلنا رواية كل من روى الحديث عن الصحابي حديثا مستقلا سواء أكان الراوي صحابيا ام تابعيا فإذا رواه عن الصحابي اثنان عددناه حديثين و إذا رواه ثلاثة عددناه ثلاثة أحاديث و هلم جرا".

و لذا يكررون الحديث الواحد اكثر من مرة حسب تلاميذ أبي هريرة . و لذا قام احد تلاميذي بترقيم عد المتون لأحاديثه في هذا الكتاب فبلغ عدد 1580 حديثا فقط.

فلا ادري أهذا العدد الذي ذكره بقي بن مخلد في مسنده لأحاديث أبي هريرة هو باعتبار المتون ام جاء هذا العدد باعتبار تكرار الأحاديث؟ و الله اعلم. لأني لا استطيع ان اجزم بأحد الأمرين لعدم وجود مسند بقي بن مخلد الا ان عد الأحاديث بتكرار الأسانيد كان معروفا عند المحدثين قديما.

بعد جمع مروياته و معرفة عددها التقريبي يبحث عن شواهدها من الصحابة الآخرين فان هذه الشواهد ترفع كثيرا من الإشكالات التي يوردها المستغربون و المستنكرون لمروياته فإنها رويت من طريق غيره من الصحابة و أين لهولاء ان يكذبوا جميع الصحابة الذين هم خير خلق الله بعد الأنبياء اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه و سلم فان تكذيب هؤلاء سيؤدي إلى تكذيب كل شيء على وجه الأرض.
و إني بحمد الله بعد دراسة مرويات أبي هريرة رضي في مسند الإمام احمد و الكتب الستة المشهورة خرجت بنتيجة مشجعة و هي ان معظم مروياته لها شواهد كثيرة من الصحابة الآخرين تصل أحيانا إلى خمسة و عشرين شاهدا.

و بعد ذلك يتضح معرفة العدد التقريبي الذي انفرد به أبو هريرة رضي الله و من المعروف عند المحدثين قبول ما انفرد به الثقات فكيف بابي هريرة رضي الله عنه و هو صحابي جليل.

و الدراسة الأولية كانت مشجعة للغاية فان الذي انفرد به أبو هريرة رضي الله عنه في الكتب الستة مع مسندم الإمام احمد لا يتجاوز ثلاث مائة حديث بما فيه الصحيح و الضعيف و العمل لا يزال جار لكشف حقائق أخرى.

المصدر: الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله في ضوء مروياته
تأليف الدكتور محمد ضياء الرحمن الأعظمي
ص 64-68

و عسى ان يسعفنا الإخوة من المدرسة الاباضية و هي مدرسة اسلامية عريقة بدراسة إحصائية مماثلة عن مرويات أبي هريرة في مسند الربيع رحمه الله حيث أني وقعت على مرويات له في هذا المسند

===============

عدالة الصحابة

أما جعل الخصوم معنى العدالة بمعنى العصمة من الخطأ و السهو و النسيان ففيه مغالطة صريحة فان العدالة لا تستلزم العصمة إلا في حق الانبياء و المرسلين. و لذا فسر المحدثون معنى العدالة التجنب عن تعمد الكذب في رواية الحديث و الانحراف فيها بارتكاب ما يوجب قبولها. و قال ابن الانباري: و ليس المراد بعدالتهم ثبوت العصمة لهم و استحالة المعصية منهم و انما المراد من عدالة الصحابة قبول روايتهم من غير تلكف و بحث عن اسباب العدالة .
لان الصحابة كانوا يحترزون من الكذب عن رسول الله. فنحسن فيهم الظن بما رووا لنا من احاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا نكذبهم و لا نكفرهم بذنب صدر منهم كالذين ادعوا ان جميع الصحابة ارتدوا الا سبعة عشر صحابيا و سموهم. قال ابن كثير في اختصار علوم الحديث جوابا على هذا التكذيب و التكفير:
" و البرهان على خلافه اظهر و اشهر مما علم من امتثالهم اوامره بعده صلى الله عليه و سلم و فتحهم الاقاليم و الافاق و تبليغهم عنه الكتاب و السنة و هدايتهم الناس الى طريق الجنة و مواظبتهم على الصلوات و الزكوات و انواع القربات في سائر الاحيان و الاوقات مع الشجاعة و البراعة و الكرم و الايثار و الاخلاق الجميلة التي لم تكن في امة من الامم المتقدمة و لا يكون احد بعدهم مثلهم في ذلك فرضي الله عنهم اجمعين".
و اضف الى ذلك ان العدالة تختص بنقل الاحاديث النبوية و روايتها عن النبي صلى الله عليه و سلم و في هذا كان الصحابة اشد الناس حذرا في الكذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم و احرص الناس في حفظ الحديث و اتقانه كما سمعوا من النبي صلى الله عليه و سلم و لم يثبت في دواوين السنة النبوية ان احدا كذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم عمدا بعد ما سمع من النبي صلى الله عليه و سلم : " و من كذب علي متعمدا فليتبوا مقعده من النار". و الكذب على النبي في امر الدين هو الكذب على الله. و قد نص المحدثون بعد البحث و التمحيص في دواوين السنة بانه لا يعرف من الصحابة من كان يتعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم و ان كان فيهم من كانت له زلات و هفوات و لكن هذا الباب مما عصمهم الله فيه.

منقول بتصرف من كتاب (الصحابي الجليل ابو هريرة رضي الله في ضوء مروياته)
تاليف: الدكتور محمد ضياء الرحمن الاعظمي

============
هل انفرد حبيبنا ابو هريرة برواية حديث الذباب؟

الجواب لا. لكن ابوهريرة كما يقول المحدث احمد شاكر رحمه الله " انفرد بالحمل عليه منهم" , اي الذين حملوا على ابي هريرة رضي الله عنه. و هذه طرق الحديث من رواية ابو هريرة و ابي سعيد الخذري و انس بن مالك و على بن ابي طالب رضي الله تعالى عنهم اجمعين: 
1- طرق حديث أبى هريرة رضي الله عنه.
وقد بلغت طرق حديث أبى هريرة رضي الله عنه: أربعاً وثلاثين طريقاً، هذا من حيث الإجمال، وأما من حيث التفصيل فقد بلغت اثنين وأربعين طريقاً.
ويرويه عن أبى هريرة رضي الله عنه : خمسة من التابعين هم :
عُبيد بن حنين، مولى بني زريق وسعيد بن كيسان المقبري ومحمد بن سيرين الأنصاري البصري، وأبو صالح: ذكوان السمان المدني، وثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك رحمهم الله تعالى.
ومن طرق هذا الحديث من طريق أبي هريرة رضي الله عنه.
أولها : قال الإمام البخاري رحمه الله – في صحيحه – حدثنا قتيبة، حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن عتبة بن مسلم – مولى بني تميم – عن عُبيد بن حُنين – مولى بني زريق – عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا وقع الذباب في إناء أحدكم، فليغمسه كله، ثم ليطرحه، فإن في أحد جناحيه شفاء ، وفي الآخر داء".
وقد تواردت الروايات جميعها في هذا المبحث، متطابقة في النص من وجوه كثيرة، بالإضافة إلى ما رواه الإمام البغوي رحمه الله في شرح السنة .

2- طرق حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
فقد أخرجها – بأسانيد صحيحة – الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله – في مسنده – من طريقين، وكل من الأئمة: النسائي، وابن ماجه وابن حبان، وأبي داود الطيالسي، والبيهقي، وابن قتيبة، وأبي عبيد، وابن عبد البر، والبغوي، عبد بن حميد، من طريق واحد ، ورواه الإمام الطحاوي – من طريقين – ورواه أيضاً: الطبراني ، وأبو يعلي والحاكم . والله تعالى أعلم.
وقد بلغت طرق حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه سبعة عشر طريقاً.

ومن بين ما جاء في هذا الحديث أيضاً، ما رواه ابن حبان رحمه الله في كتابه ( الثقات) . 

3- طرق حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
فقد أخرجه البزار والطبراني برجال ثقات، ورواه ابن قتيبه وأشار إليه الإمام الدارمي رحمه الله.
وقد بلغت طرق حديث أنس بن مالك رضي الله عنه خمس طرق.
- قال ابن قتيبة رحمه الله تعالى في ( تأويل مختلف الحديث): حدثنا أبو الخطاب قال : حدثنا أبو عتاب، قال: حدثنا عبد الله بن المثنى قال: حدثني ثمامة قال: وقع الذباب في إناء، فقال أنس بإصبعه، فغمسه في الماء ، وقال – " بسم الله" فعل ذلك ثلاثاً ، وقال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يفعلوا ذلك، وقال: في أحد جناحيه سم، وفي الآخر شفاء".
- ذكر الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى في ( فتح الباري ) حديث أنس رضي الله عنه ، من رواية عبد الله بن المثنى، عن عمه ثمامة أنه حدثه، قال : كنا عند أنس، فوقع ذباب في إناء، فقال أنس بإصبعه فغمسه في ذلك الإناء ثلاثاً، ثم قال : بسم الله ، وقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يفعلوا ذلك. ثم قال: أخرجه البزار ورجاله ثقات.
- وقال حافظ الهيثمي رحمه الله تعالى في ( مجمع الزوائد) رواه البزار – ورجاله رجال الصحيحين ورواه الطبراني في (الأوسط).
قلت: وسند البزار كما في زوائده ( كشف الأستار ) قال رحمه الله تعالى، حدثنا زياد بن يحيى، ومحمد بن معمر، قالا: حدثنا أبو عتاب: سهل بن حماد، حدثنا عبد الله بن المثنى، عن ثمامة، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :....." الحديث.
- وقاله الدارمي رحمه الله في ( سننه) بعد أن ساق سند أبي هريرة رضي الله عنه من طريق ثمامة، والذي هو: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثمامة بن عبد الله بن أنس، عن أبى هريرة قال : ...... " الحديث.
- وأخرجه ابن أبي خيثمه رحمه الله تعالى، في كتاب ( التاريخ الكبير) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: وإسناده صحيح ، كما في نيل الأوطار.

3- طرق حديث على بن أبي طالب رضي الله عنه.
فقد أخرجه ابن النجار رحمه الله تعالى. وفيه فائدة، تبين قضاء الشفاء على الداء. ولفظه:" في الذباب أحد جناحيه داء، وفي الآخر شفاء، فإذا وقع في الإناء، فارسبوه ، فيذهب شفاؤه بدائه". كما جاء في الفتح الكبير.

لقد زادت هذه الطرق على خمسين طريقاً – وكلها كافية في الدلالة لكل ذي عقل وروية، وبصر وبصيرة، ولم تعشه الثقافات الأجنبية – شرقية أو غربية.

إن هذا الحديث صحيح، بل هو من أعلى درجات الصحة، وأن من شكك فيه، فهو جاهل قريب من الهوى يقلد المنحرفين أو هو مغرض يتخذ من الطعن في هذا الحديث – وأمثاله- مدخلاً لتشويه لسنة المطهرة، ومغمزاً للطعن في الإسلام .

يتبعه ان شاء الله بعض التعليقات العلمية من باب الاستئناس

==============
بعض التعليقات العلمية من باب الاستئناس

يرد الأستاذ الدكتور أمين رضا أستاذ جراحة العظام والتقويم بجامعة الإسكندرية، إثر مقال نشرته بعض الصحف لطبيب آخر تشكك في الحديث المذكور.

يقول الدكتور أمين رضا :

رفض أحد الأطباء الزملاء حديث الذبابة على أساس التحليل العلمي العقلي لمتنه لا على أساس سنده . 

وامتدادًا للمناقشة الهادئة التي بدأتها هذه الجريدة أرى أن أعارض الزميل الفاضل بما يأتي :

1- ليس من حقه أن يرفض هذا الحديث أو أي حديث نبوي آخر لمجرد عدم موافقته للعلم الحالي . فالعلم يتطور ويتغير . بل ويتقلب كذلك . فمن النظريات العلمية ما تصف شيئًا اليوم بأنه صحيح . ثم تصفه بعد زمن قريب أو بعيد بأنه خطأ . فإذا كان هذا هو حال العلم فكيف يمكننا أن نصف حديثًا بأنه خطأ قياسًا على نظرية علمية حالية . ثم نرجع فنصححه إذا تغيرت هذه النظرية العلمية مستقبلاً ؟. 

2- ليس من حقه رفض هذا الحديث أو أي حديث آخر لأنه " اصطدم بعقله اصطدامًا " على حد تعبيره . فالعيب الذي سبب هذا الاصطدام ليس من الحديث بل من العقل، فكل المهتمين بالعلوم الحديثة يحترمون عقولهم احترامًا عظيمًا . ومن احترام العقل أن نقارن العلم بالجهل . 

العلم يتكون من أكداس المعرفة التي تراكمت لدى الإنسانية جمعاء بتضافر جهودها جيلا بعد جيل لسبر أغوار المجهول . أما الجهل فهو كل ما نجهله، أي ما لم يدخل بعد في نطاق العلم . وبالنظرة المتعقلة تجد أن العلم لم يكتمل بعد ، وإلا لتوقف تقدم الإنسانية ، وأن الجهل لا حدود له ، والدليل على ذلك تقدم العلم وتوالي الاكتشافات يومًا بعد يوم من غير أن يظهر للجهل نهاية . 

إن العالم العاقل المنصف يدرك أن العلم ضخم ولكن حجم الجهل أضخم ، ولذلك لا يجوز أن يغرقنا العلم الذي بين أيدينا في الغرور بأنفسنا ، ولا يجوز أن يعمينا علمنا عن الجهل الذي نسبح فيه ؛ فإننا إذ قلنا أن علم اليوم هو كل شيء ، وإنه آخر ما يمكن الوصول إليه أدى ذلك بنا إلى الغرور بأنفسنا، وإلى التوقف عن التقدم، وإلى البلبلة في التفكير ، وكل هذا يفسد حكمنا على الأشياء، ويعمينا عن الحق حتى لو كان أمام عيوننا، ويجعلنا نرى الحق خطأ، والخطأ حقًا فتكون النتيجة أننا نقابل أمورًا تصطدم بعقولنا اصطدامًا ، وما كان لها أن تصطدم لو استعملنا عقولنا استعمالاً فطريًا سليمًا يحدوه التواضع والإحساس بضخامة الجهل أكثر من التأثر ببريق العلم والزهو به. 

3- ليس صحيحًا أنه لم يرد في الطب شيء عن علاج الأمراض بالذباب ؛ فعندي من المراجع القديمة ما يوصف وصفات طبية لأمراض مختلفة باستعمال الذباب ، أما في العصر الحديث فجميع الجراحين الذين عاشوا في السنوات التي سبقت اكتشاف مركبات السلفا - أي في السنوات العشر الثالثة من القرن الحالي - رأوا بأعينهم علاج الكسور المضاعفة والقرحات المزمنة بالذباب ، وكان الذباب يربي لذلك خصيصًا ، وكان هذا العلاج مبنيًا على اكتشاف فيروس البكتريوفاج القاتل للجراثيم . 

على أساس أن الذباب يحمل في آن واحد الجراثيم التي تسبب المرض، وكذلك البكتريوفاج الذي يهاجم هذه الجراثيم . وكلمة بكتريوفاج هذه معناها " آكلة الجراثيم " ، وجدير بالذكر أن توقف الأبحاث عن علاج القرحات بالذباب لم يكن سببه فشل هذه الطريقة العلاجية ، وإنما كان ذلك بسبب اكتشاف مركبات السلفا التي جذبت أنظار العلماء جذبًا شديدًا . وكل هذا مفصل تفصيلاً دقيقًا في الجزء التاريخي من رسالة الدكتوراه التي أعدها الزميل الدكتور أبو الفتوح مصطفى عيد تحت إشرافي عن التهابات العظام والمقدمة لجامعة الإسكندرية من حوالي سبع سنوات. 

4- في هذا الحديث إعلام بالغيب عن وجود سم في الذباب . وهذا شيء لم يكشفه العلم الحديث بصفة قاطعة إلا في القرنين الأخيرين . وقبل ذلك كان يمكن للعلماء أن يكذبوا الحديث النبوي لعدم ثبوت وجود شيء ضار على الذباب , ثم بعد اكتشاف الجراثيم يعودون فيصححون الحديث. 

5- إن كان ما نأخذه على الذباب هو الجراثيم التي يحملها فيجب مراعاة ما نعلمه عن ذلك :

( أ ) ليس صحيحًا أن جميع الجراثيم التي يحملها الذباب جراثيم ضارة أو تسبب أمراضًا. 
( ب ) ليس صحيحًا أن عدد الجراثيم التي تحملها الذبابة والذبابتان كاف لإحداث مرض فيمن يتناول هذه الجراثيم. 
(جـ) ليس صحيحًا أن عزل جسم الإنسان عزلاً تامًا عن الجراثيم الضارة ممكن، وإن كان ممكنًا فهذا أكبر ضرر له ، لأن جسم الإنسان إذا تناول كميات يسيرة متكررة من الجراثيم الضارة تكونت عنده مناعة ضد هذه الجراثيم تدريجيًا. 

6- في هذا الحديث إعلام بالغيب عن وجود شيء على الذباب يضاد السموم التي تحملها ، والعلم الحديث يعلمنا أن الأحياء الدقيقة من بكتريا وفيروسات وفطريات تشن الواحدة منها على الأخرى حربًا لا هوادة فيها ، فالواحدة منها تقتل الأخرى بإفراز مواد سامة ، ومن هذه المواد السامة بعض الأنواع التي يمكن استعمالها في العلاج ، وهي ما نسميه " المضادات الحيوية " مثل البنسلين والكلوروميستين وغيرهما. 

7- إن ما لا يعلمه وما لم يكشفه المتخصصون في علم الجراثيم حتى الآن لا يمكن التكهن به ، ولكن يمكن أن يكون فيه الكثير مما يوضح الأمور توضحيًا أكمل ؛ ولذلك يجب علينا أن نتريث قليلاً قبل أن نقطع بعدم صحة هذا الحديث بغير سند من علم الحديث، ولا سند من العلم الحديث. 

8- هذا الحديث النبوي لم يدعُ أحدًا إلى صيد الذباب ووضعه عنوة في الإناء، ولم يشجع على ترك الآنية مكشوفة، ولم يشجع على الإهمال في نظافة البيوت والشوارع وفي حماية المنازل من دخول الذباب إليها. 

9- إن من يقع الذباب في إنائه ويشمئز من ذلك ولا يمكنه تناول ما فيه فإن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها. 

10- هذا الحديث النبوي لا يمنع أحدًا من الأطباء والقائمين على صحة الشعب من التصدي للذباب في مواطنه ومحاربته وإعدامه وإبادته، ولا يمكن أن يتبادر إلى ذهن أحد علماء الدين أن هذا الحديث يدعو الناس إلى إقامة مزارع أو مفارخ للذباب ، أو أنه يدعو إلى التهاون في محاربته ، ومن صنع ذلك أو اعتقد فيه فقد وقع في خطأ كبير " أ هـ.

==========
الاطفال الذين حنكهم رسول الله صلى الله عليه و مسلم و مسح وجوههم او تفل في افواههم فهؤلاء لا يدخلون في زمرة الصحابة: مثل محمد بن حاطب ابن الحارث و عبدالحرمن بن عثمان التيمي و محمود بن الربيع و عبيد الله بن معمر و محمد بن ابي بكر و غيرهم. فمحمد من ابي بكر و من على شاكلته يعدون من الصحابة من حيث شرف رؤية النبي صلى الله عليه و سلم لهم فلا شك ان شرف الرؤية حصل لهم منه و لكن من حيث رواية الحديث فيعتبرون تابعين و يخضعون للنقد و الجرح و التعديل كغيرهم من الرواة.
و اما من ارتد عن الاسلام في عهد النبي صلى اللله عليه و سلم و لم يرجع اليه و من اظهر نفاقه و لم يتب الى الله فهولاء لا يسمون صحابيا.
و قد اراد ابو رية ان يدخل المنافقين من زمرة الصحابة فيطعن في عدالتهم جميعا و هو بئس ما اراد بعد ان فصل الله القول في المنافقين في كتابه ( ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار و لن تجد لهم نصيرا).
و بعد البحث و التمحيص استقر الامر عند المحدثين بان جميع الذين حدثوا عن النبي صلى اللله عليه و سلم كانوا معروفين من الصحابة

المصدر: الصحابي الجليل ابوهريرة في ضؤ مروياته
الدكتور محمد ضياء الرحمن الاعظمي
=============
-- منقول ---
تابع نقولات علمية عن حديث الذباب من باب الاستئناس:
أ.د. مصطفى إبراهيم حسن
ملخص البحث:
تم إجراء هذا البحث للتعرف علي الداء والدواء في " حديث الذباب" للرسول صلى الله عليه وسلم . للرد على المتشككين في هذا الحديث . تم عزل 9 أنواع من البكتريا موجبة وسالبة الجرام ، بالإضافة إلي نوعين من الخميرة (فطريات). تم عزل هذه الكائنات من الجناحين الأيمن والأيسر لأربعة أنواع من الحشرات وهي : الذبابة المنزلية Musca domestica ، ذبابة الاصطبل الكاذبة Muscina stabulans ، ذبابة الرمل Phlebotomus papatasi، والبعوضة المنزلية Culex pipiens . تم تجميع هذه الحشرات من بيئات مختلفة في محافظات (الجـيزة، القاهرة وجنوب سيناء) وذلك بواسطة الشبكة الهوائية أو بشفاط البعوض الكهربائي . تم عزل الكائنات الدقيقة باستخدام ست أوساط غذائية مختلفة اختيارية وغير اختيارية وذلك لعزل أكبر عدد من الكائنات الدقيقة . سجلت أعداد البكتريا المعزولة من أوساط الآجار المغذي بمستخلص الخميرة وتربتوز الدم اكبر عدد بين كل الأنواع المعزولة أثبتت الدراسة ان بكتريا(88ت) Bacillus circulans كانت اقوى نوع بكتيري في افراز المادة الأيضية الأكثر فاعلية.

ولقد تم عزل هذا النوع الخطير من الجناح الأيمن لكل من الذبابة المنزلية وذبابة الاصطبل الكاذبة. أظهرت الصفات الفيزيائية والكيميائية للمادة الأيضية الخالية من الشوائب أنها مركب ذات طبيعة اروماتية وتم تحديد الصيغة الكيميائية للمركـب وهي C30H37N4SO9. تم دراسة النشاط ضد الميكروبي لهذه المادة علي أنواع كثيرة من الميكروبات المعزولة من الذباب وميكروبات أخري من خــارج الذباب وكانت أكثرها تأثيرا بالمركب هي البكتريا موجبة الجرام المسببة للأمراض وكان اقل تركيز كافي لإحداث عملية تثبيط نمو البكتريا الضارة هو ٍ5 ug/ml. 

لمعاينة البحث كاملا اضغط هنا (http://www.nooran.org/con8/Research/)
===========

المنطلقات الفكرية والعقدية عند الحداثيين للطعن في الصحيحين

إعداد: الدكتور أنس سليمان المصري النابلسي
1431هـ - 2010م

يتعلق مفهوم السُّنَّة –بشكل عام- والصحيحين -خصوصاً- عند الحداثيين بالأسس الفكرية والخلفيات الوضعية التي ينطلقون منها؛ مما أدى إلى إفرازات نكراء لنتاجات شاذة، وقواعد منبوذة اعتبرها الحداثيون فتحاً في علم الحديث والنقد وعلل المتون، وتجديداً لأسس التصحيح والتضعيف، والقبول والرد.
وتفرّعت تلك القواعد على أنواع شتى منها ما هو مختص بعلم الإسناد، ومنها ما اختص بعلم المتن، نجملها بما يأتي:
أولاًَ: قواعد تختص بأسانيد الصحيحين:

وقد قامت على أربعة قواعد أساسية؛ أولها: انعدام أي دليل نقلي خالص الصحة، وثانيها: التحريف في شروط الصحة عند البخاري ومسلم، والثالثة: مساواة درجة أحاديث الصحيحين بغيرها وعدم الالتفات إلى علو شروطهما، والرابعة: الطعن في طريقة تدوين أحاديث الصحيحين. وفيما يأتي تفصيل ذلك:

القاعدة الأولى: انعدام الدليل النقلي الخالص:

فلا يؤمن التيار الحداثي بوجود دليل نقلي مصدّق، وأنه -على حد تعبير حسن حنفي-: "لا يعتمد على صدق الخبر سنداً أو متناً، وكلاهما لا يثبتان إلاَّ بالحس والعقل طبقاً لشروط التواتر، فالخبر وحده ليس حجةً ولا يثبت شيئاً على عكس ما هو سائد في الحركة السلفية المعاصرة على اعتمادها المطلق على: "قال الله"، و"قال الرَّسُول" واستشهادها بالحجج النقلية وحدها دون إعمال الحس والعقل، وكأن الخبر حجة، وكأن النقل برهان، وأسقطت العقل والواقع من الحساب في حين أنَّ العقل أساس النقل"([30])، فأسقط حنفي بذلك –وبكل بساطة- علوم الإسناد والجرح والتعديل والعلل.
وهكذا أسقطوا أي دليل نقلي، وحمّلوا العقل والتجربة مهمة البحث عن الحقيقة، ونزعوا عن هذه الأمة أهم ما ميزها الله به عن الأمم.

القاعدة الثانية: تحريف شروط الصحة في البخاري ومسلم:

لقد أبعد كثير من الحداثيين النجعة في التعامل مع أحاديث الصحيحين، حتى بلغ فيهم الأمر إلى أن يساووا نصوصهما بأي خطاب بشري كما فعل علي حرب، وأركون، وحنفي، وشحرور، ومنهم من ذهب مذهباً منكراً في تأسيس مشروع للتوفيق بين التُّراث والحداثة، كما فعل الجابري؛ ففي معرض حديثه عن الحديث الصحيح ذكر أنَّ "كتب الحديث الصحيحة، كصحيحي البخاري ومسلم إنما هي صحيحة بالنسبة للشروط التي وضعها أصحابها لقبول الحديث، الحديث الصحيح ليس صحيحاً في نفسه بالضرورة... وإنما هو صحيح بمعنى أنه يستوفي الشروط التي اشترطها جامع الحديث كالبخاري ومسلم"([33]). 
فلو أن الجابري وشحرور وغيرهما، تكلموا في قواعد الجرح والتعديل، ومنطقية الحكم على الأحاديث بالصحة أو الضعف، لكان خطاباً علمياً خاضعاً للأخذ والرد، إلا أن مصادر تفكيرهم، ومنابع عقائدهم تناقض ذلك.
ولا يناقض استنكارنا لهذا ما يقول به كثير من أهل العلم من الاستدراك على البخاري ومسلم، وما تم انتقاده وفق شروط علم الحديث والعلل المعروفة، إلا أن هناك فرقاً بين ما يكون استدراكاً، وما يُحمل على محمل التشكيك في منهج صاحبي الصحيح من التثبت في نقل الحديث.

القاعدة الثالثة: مساواة درجة أحاديث الصحيحين مع غيرها:
من أخطر ما وقع فيه الحداثيون إدراج أحاديث الصحيحين ضمن الحكم العام للسنة؛ إذ إنه من المتفق عليه بين المحدِّثين أنَّ السُّنَّة المنقولة إلينا ليست كلها صحيحة، وهو ما استدعى تأسيس جملة من العلوم الباحثة في الحديث سنداً ومتناً. إلاَّ أنَّ الحداثيين ذهبوا إلى أبعد من ذلك، وسحبوا هذه القاعدة على أحاديث الصحيح، وتجريدها من أهم خاصية تحملها([35])،متجاهلين أو متناسين ما أسسه علماء الحديث من مختلف علوم الإسناد والمتن؛ كعلم مختلف الحديث، وعلم نقد الرجال، والجرح والتعديل، وتاريخ الرواة، وعلم تأويل مشكل الحديث، والناسخ والمنسوخ، ومعرفة غريب الحديث وعلله، ومعرفة الموضوعات، وكشف حال الوضاعين، وعلم أصول الرواية، وغيرها من الفنون التي إن دلت على شيء فإنما تدل على أنه لم يلق خطاب أو نص تاريخي من الرعاية والتثبت مثل ما لقيت نصوص الصحيحين خصوصاً باعتراف الغرب أنفسهم([36]).
وقد حمّل الحداثيون الحس والعقل مسؤولية الحكم على قبول أحاديث الصحيحين وغيرهما بدلاً من تلك العلوم، واشترطوا تواترها، يقول حسن حنفي: "والحقيقة أنَّ الدليل النقلي الخالص لا يمكن تصوره لأنه لا يعتمد إلاَّ على صدق الخبر سنداً أو متناً، وكلاهما لا يثبتان إلاَّ بالحس والعقل طبقاً لشروط التواتر"([38]).
ثم ما فتئ إلا أن تناقض فقال: "وبالتالي فإنَّ الحجج النقلية كلها ظنية حتى لو تضافرت واجمعت على شيء أنه حق لم يثبت أنه كذلك إلاَّ بالعقل"([39]).
وراح حنفي يبشر ويحتفي بسلطة العقل على النقل دونما تأصيل عقلاني لمبررات هذه السُّلطة، وعليه فقد افترض سلفاً أنَّ قوة العقل تفوق قوة النَّصّ لأن النَّصّ في رأيه "لا يثبت شيئاً بل هو في حاجة إلى إثبات، في حين لا يقف شيء غامض أمام العقل، فالعقل قادر على إثبات كُلّ شيء أمامه أو نفيه". وبفضل هذا الاجتهاد الغريب " أصبح النَّصّ مجرد صورة عامَّة تحتاج إلى مضمون يملؤها"([40]). 
وتكمن خطورة هذا التحليل في ثلاثة قضايا: أولها: أن أحاديث الصحيحين كلها ظنية سنداً ومتناً. الثانية: العقل أساس فهم نصوص الصحيحين. الثالثة: جعْل الواقع أساس الجميع.
وتخالف هذه القضايا الثَّلاثة ما اتفق عليه جمهور المسلمين قديماً وحديثاً؛ فقد اتفقوا على وجود قطعي الدلالة في الصحيحين؛ كالنُّصّوص التي تبيّن أعداد الركعات في الصلوات، وعدد الصلوات، ومقادير الزكاة وغيرها، واتفقوا على جعل النقل أساس العقل([41]). واتفقوا على أنَّ الواقع معتبر في الشَّريعة بشرط عدم معارضته للنقل، فضلاً عن أن العقل باتفاق العقلاء ليس كاشفاً مطلقاً عن الحقائق كما زعم حنفي، وإلا فكيف يُفسر الغيبيات، والمشكلات العقلية التي طالما بقيت دون تفسير على مدى الزمان؟، وكيف يعترف بالتطور الثقافي والفكري الإنساني؟، دون أن يسبق هذا التطور قصور وعجز فكري عند السابقين، وكيف سيفسر ما سيكتشفه العقل لاحقاً من الخطأ والزلل العقلي والمنطقي الذي هو واقع في عصرنا الحاضر؟!.
وما يُستغرب حقاً أن حسن حنفي تجاهل التاريخ الإسلامي برمته وما أنجزه اتباع النص من الحضارة والتقدم، وجعل النص مصدر التخلف مطلقاً، وأساس الرجعية دائماً. 

القاعدة الرابعة: الطعن في طريقة تدوين الصحيحين:

إن مقدمات ما قاله الحداثيون عن القرآن، دفعتهم -ومن باب أولى- أن يتجرأوا على الصحيحين، والزعم بأن الظروف السياسية وأوضاع المجتمعات التي انتشر فيها الإسلام احتاجت إلى أحاديث جديدة تحاكي متغيراتها وتعالج أحكامها. 
و يرى اركون أن الحديث هو جزء من التراث الذي يجب أن يخضع للدراسة النقدية الصارمة لكل الوثائق والمواد الموروثة كما يسميها([45])، ثم يقول: "وبالطبع فإن مسيرة التاريخ الأرضي وتنوع الشعوب التي اعتنقت الإسلام - قد خلقت حالات وأوضاعاً جديدة ومستحدثة لم تكن متوقعة أو منصوصاً عليها في القرآن ولا في الحديث، ولكي يتم دمجها وتمثلها في التراث فإنه لزم على المعنيين بالأمر أن يصدقوا عليها ويقدسوها إما بواسطة حديث للنبي، وإما بواسطة تقنيات المحاجة والقياس"([46]).
وهكذا شككوا في تدوين السنة، إذ هي في الخطاب الحداثي، وقراءته التفكيكية لأصوله "مجموعات نصية مغلقة" ذات بنية "تيولوجية([47])- أسطورية" حسب تعبير أركون قد خضعت "لعملية الانتقاء والاختيار والحذف التعسفية التي فُرضت في ظل الأمويين، وأوائل العباسيين، أثناء تشكيل المجموعات النصية" 
والغريب في الأمر أن أسياد أركون من عقلاء الغرب لا يعترفون بهذا، بل أركون نفسه يناقض نفسه في موضع آخر فيذكر فيه أن السنة لقيت من الرعاية والتثبت ما لم يلقاه أي خطاب أو نص تاريخي وباعتراف الغرب أنفسهم([49])، وجهله بعلم الحديث –أو تجاهله- دفعه إلى الخلط بين وجود "الحكايات المزورة" في تراجم الصحابة، وبين وقوعهم في مستوى الشبهات؛ فالأول واقع: لا يَتَحَمَّلُه الصحابة، وقد كشفت عنه علوم الحديث، على عكس الثاني الذي يحمل في طياته طعناً في عدالة الصحابة، وهو أمر مستهجن.

ثانياً: قواعد تختص بمتون الصحيحين:

وتحوي ثلاث قواعد حداثية تعامل من خلالها الحداثيون مع متون الصحيحين؛ أولها: إسقاطهم لحجية أحاديثهما ونبذ قدسيتها، ونزع صفة الوحي عنها، والثانية: إخضاعها –كسائر النصوص التراثية- للنقد، وعزلها عن مرجعيتها وقائلها، والثالثة: جعل نصوصها تحوي معاني محجوبة، وأسرار باطنة لا يكشف عنها إلا قواعدهم الحداثية، وما كان مفهوماً منها لا يوافق ما وُضعت له.
وتفصيل ذلك ما يلي:

القاعدة الأولى: الأحاديث النبوية تراث لا وحي (إسقاط حجيتها ونبذ قدسيتها):

يرى الحداثيُّون -بدرجات مختلفة- أنَّ أحاديث الصحيح تراث أكثر من أن تكون وحياً، وعند حديثنا عن رؤى الحداثيين في أحاديث الصحيحين فإنها لا تنفك عن منظومة الفكر العام، والرؤية الشاملة للحداثيين عن السنة. 
واعتبرالفيلسوف -الجزائري الأصل- محمد أركون أن تدوين السُّنَّة إرهاصاً من إرهاصات تشكل "أرثوذكسية" على حد تعبير أركون، حيث يقول: "ثُمَّ راحت الأرثوذكسيات الكبرى تتشكل تاريخياً عن طريق تأليف كتب الحديث أو الصحاح، أقصد الأرثوذكسية السنية والأرثوذكسية الشيعية والأرثوذكسية الخارجية"([51]).
ومن الواضح تأثر أركون واستخدامه ألفاظاً خارجة عن قاموس العربية أو علوم الحديث، وإقحام مصطلح "الأرثوذكسية" بطريقة يمجها البحث العلمي، وسعيه إلى وضع السنة في موضع حجب الحقائق، وإقصائها عن مصدرية تبليغ أسس العقيدة الصافية، واتهامها بأنها: "خطاب أحادي قائم على الحصر والاستبعاد والإدانة والإقصاء..."([52]).
ولذلك لم يتوان الحداثيون عن اعتبار مصدرية الحديث النبوي إحدى شطحات الشافعي الذي -حسب زعمهم- وضعها مصدراً ثانياً من مصادر التشريع الإسلامي، كما وصفه أركون بأنه ذو عقل "ينمو ويترعرع داخل إطار مجموعة نصية (Corpus) ناجزة ومغلقة على ذاتها، نقصد بذلك القرآن والحديث"([53]).
ويقول شحرور: "إنَّ المشكلة تأتي مرة أخرى من زعم الفقهاء أنَّ حلال محمَّد (ص) حلالٌ إلى يوم القيامة، وحرام محمَّد (ص) حرام إلى يوم القيامة، وتأتي من اعتبارهم أنَّ القرارات النَّبويَّة التنظيمية لها قوة التنزيل الحكيم الشامل المطلق الباقي، ناسين أنَّ التحليل والتحريم محصور بالله وحده، وأنَّ التقييد الأبدي للحلال المطلق يدخل حتماً في باب تحريم الحلال، وهذه صلاحية لم يمنحها تعالى لأحد بما فيهم الرُّسُل"([56]).
وهذا كله يفسر ما تواصى به القوم من إسقاط لحجية السنة، واستبعادها عن تنظيم حياة البشر، فضلاً عن اعتبارها مصدراً للأحكام والقوانين التي يؤمن بها المسلم.
ثم يضعنا مصطلح "التُّراث" –كما يسمونه- في مغالطة وجودية وفكرية حينما يفترض أنَّ السُّنَّة مجرد نص يمكن إخضاعه للنقد وبالتالي يمكن قبوله أو رفضه، وهذا ما جعل محمَّد شحرور يؤكد بكل جرأة أنَّ "السُّنَّة النَّبويَّة، أي ما فعله وقاله وأقره النَّبيّ الكريم (ص) ليست وحيا"ً، وراح يستدل على ذلك بقضايا لغوية وعقلية أبعدته عن جادة الصواب. وإنَّ أخطر ما توصلت إليه دراسة شحرور حول السُّنَّة هي وصفها بالتاريخية، وأنها كلها اجتهاد من طرف النَّبيّ-صلى الله عليه وسلم-، وأنَّ عدالة الصحابة وإجماعهم أمر يخص الصحابة وحدهم، وأنَّ ما قيدته السُّنَّة يمكن إطلاقه مرة أخرى مع تغير الظروف الموضوعية، وأنها -أي السُّنَّة- اجتهاد في حقل الحلال يخضع للخطأ والصواب، وبالتالي فإنَّ ما تأتي به السُّنَّة ليس شرعاً وإنما هي قانون مدني يخضع للظروف الاجتماعية([61]).
ويستغل شحرور المواضيع المثارة في الدِّراسات الإسلامية حول السُّنَّة والمتعلقة بقضايا شبيهة بما ذكره ولكنها ليست ضمن الإطار الذي يريد هذا الكاتب وضع السُّنَّة فيه؛ فقد فرقت الدِّراسات الإسلامية العلمية حول السُّنَّة بين السُّنَّة التشريعية وغير التشريعية، وبين تصرف النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- كرسول وقاضٍ وإمام، ونبهت إلى بشريته -صلى الله عليه وسلم- التي لا يوافقها الوحي أحياناً حينما تجتهد تحت شعار "أنتم أعلم بأمور دنياكم"([62])، وأكدت أنَّ النسخ في السُّنَّة حاصل للتدرج في التشريع والتيسير على المكلفين([63]).
إلا إن خطأ شحرور يكمن في منهجه التعميمي الذي جعل من القضايا السالفة الذكر السمة الغالبة للسُّنَّة النَّبويَّة، وهو بالتالي يستدل بالجزء على الكل، ويستنبط دون وجود أدلة كافية تشكل قاعدة للاستنباط، وغريب منهج الحداثيين أنهم يفرقون بين محمَّد -صلى الله عليه وسلم- كنبي ومحمَّد كرسول، إذ نقرأ هذا في نص جريء، يقول فيه شحرور: "ومن هنا فنحن لا نجد في التنزيل الحكيم أمراً بطاعة محمَّد البشر الإنسان، ولا أمراً بطاعة محمَّد النَّبيّ، بل نجد أكثر من أمر بطاعة محمَّد الرَّسُول، لماذا؟ لأن الطاعة لا تجب إلاَّ لمعصوم، ومحمَّد الإنسان ليس معصوماً، ومحمَّد النَّبيّ ليس معصوماً، ومحمَّد الرَّسُول هو المعصوم في حدود رسالته حصراً الموجودة في التنزيل". ويخلص إلى أنَّ "النبوة تحتمل التَّصديق والتكذيب"، ويحصر شحرور عصمة الرَّسُول في تبليغ الذكر الحكيم، وعدم الوقوع في الحرام وتجاوز حدود الله([64]).
وبناء عليه فإن طرح شحرور هذا يقتضي أمرين أساسين: أولهما: قصر السُّنَّة على مجرد نقل الوحي إلى البشر دون تمتعها بصلاحية تبيينه وتفسيره. وثانيها: مساواة النبي محمَّد -صلى الله عليه وسلم- في اجتهاده بباقي البشر.
والأمر الجدير بالذكر، أن النبوة بمفهومها اللغوي الصريح تدل على نقل الخبر الغيبي –من النبوأة- وهو ما ينطبق على صفات الرسول، وإن كانت تفارقها من جهة أخرى إلا أنهما تتفقان على تلقي الغيب والإخبار به([65])، لا على ما ادعاه شحرور وأمثاله من الاجتهاد، وإلا فأين الفرق بين النبي والمجتهد على ما وصفوا؟
ثم إنَّ نظرية الاتصال المعاصرة تؤكد أنه إذا كانت وسيلة الاتصال شخصاً فلا بُدَّ أنَّ يتمتع هذا الشخص بقدر من الحرية الفكرية والاستقلالية الذاتية والمرونة الخطابية التي تقتضيها طبيعة صاحب الخطاب الأصلي والمخاطَب؛ ذلك لأنَّ الخطاب لفظ ومعنى، وتبليغه يقتضي أساليبه من تصريح وكناية وحقيقة ومجاز وإشارة وإيماء وغيرها من الأساليب التي لم يُلزم الوحيُ محمَّداً –صلى الله عليه وسلم- بأي واحدة منها لتبليغ الرسالة، بل أباح له استخدام جميعها، وهيأه للإفادة منها([66])؛ كما صحّ عنه –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "بُعثت بجوامع الكلم"([67]).
أمَّا الأمر الثَّاني، فإنَّ طرح شحرور يتجاهل جواز وقوع خطأ في اجتهاد النَّبيّ مع عدم إقرار الوحي له، فلقد ذكر الآمدي وابن الحاجب وابن الهمام والشاطبي وأهل الحديث وغيرهم من علماء الأصول أنَّ القائلين بجواز وقوع الخطأ في اجتهاد الرَّسُول –صلى الله عليه وسلم- متفقون على أنه لا يُقر على خطأ، بل لا بُدَّ من تنبيهه، فضلاً عمن نفوا وقوع الخطأ أصلاً في اجتهاده، وإنما اعتبروه من باب خلاف الأولى([68])، كما أن هذا محال عقلاً، ولا يجوز منطقاً على رسالة اتُصفت بالإلهية، كما قال الدكتور عبد الغني عبد الخالق: "إنه لا يُعقل أن يذهب ذاهب إلى جواز الخطأ مع التقرير عليه"([69]).
وتتأكد مزاعم تراثية نصوص الصحيحين على لسان نصر حامد أبو زيد، الذي ربط بين دراسة النَّصّ القرآني وبين النَّصّ النبوي في بيان منزلة السُّنَّة، حيث ذكر أنَّ "النَّصّ منذ لحظة نزوله الأولى مع قراءة النَّبيّ له لحظة الوحي تحول من كونه نصاً إلهياً وصار فهماً إنسانياً، لأنه تحول من التنزيل إلى التأويل... ولا التفات لمزاعم الخطاب الديني بمطابقة فهم الرَّسُول للدلالة الذاتية للنص". ولا يكترث نصر بالقول عندما يؤكد أنَّ مصطلح التأويل "بدأ يتراجع بالتدريج، ويفقد دلالته المحايدة، ويكتسب دلالة سلبية، وذلك في سياق عملية التطور والنمو الاجتماعيين..."([70]). 
وهذا التصريح يحتوي على مغالطة واضحة، وبدعة فاضحة، لم يكلف نصر نفسه عناء البرهنة عليها وهي أنَّ السُّنَّة تأويل للقرآن الكريم، سواء كان هذا التأويل تخصيصاً لعامه، أو تقييداً لمطلقه، أو تفصيلاً لمجمله، فكيف يتراجع ذلك التأويل تدريجياً عنده!، وكيف يستقيم في ذلك ما أضافته السنة من أحكام شرعية تبيّن ما لم يذكره القرآن من تشريعات أجمع علماء الأمة –فضلاً عن عوامها- أنها من الدين؟! ([71]).
القاعدة الثانية: الخطاب النبوي خطاب لغوي قابل للنقد (نظرية موت المؤلف):

وهو ما يسمى بنظرية "موت المؤلف" أو "عزل النص" إذ يقتضي هذا المنهج إخضاع نصوص الصحيحين –وغيرها من النصوص الشرعية- لآليات التفكيك والنظريات الألسنية الحديثة. ولقد رأى بعض الحداثيين ضرورة ذلك، كما أكد محمَّد أركون أنه "من الملحّ والعاجل -من وجهة نظر التَّاريخ العام للفكر- أن نطبق على دراسة الإسلام المنهجيات والإشكاليات الجديدة، نقصد بذلك تطبيق المنهجيات والآفاق الواسعة للبحث من تاريخية([74]) وألسنية([75])وسيميائية دلالية([76]) وأنثربولوجية([77]) وفلسفية"([78]).
ويقول علي حرب: "وكينونة النص تقضي بالنظر إليه من دون إحالته لا إلى مؤلفه ولا إلى الوقع الخارجي"([79])، ولهذا أكّد الحداثيون على ما يُسمى بـ "تراثية" السُّنَّة النَّبويَّة -كما قدمنا-، وفرض التساوي بين أنواع الخطاب؛ فأصبح النَّصّ النبوي عرضة لمناهج الألسنيات الحديثة وتحليل الخطاب التاريخي ونقده، ففي منطق النقد "يستقل النَّصّ عن المؤلف"، وبالتالي تم تفكيك أهم علاقة تربط النَّصّ النبوي بالوحي لتُجرَّد السُّنَّة بعد ذلك من شرعيتها التي منحها إياها الوحي. ثُمَّ ينتقل هذا المنهج إلى تفكيك النَّصّ النبوي عن الحقيقة. فقد أصبحت هذه الأخيرة هي الأخرى محل نقد لارتباطها بالنَّصّ النبوي. يقول علي حرب: "فالنَّصّ النبوي، مثلاً، لا تكمن أهميته في كونه يروي الحقيقة أو يتطابق معها، بل تكمن بالدرجة الأولى في حقيقته هو..."([80]).
وهكذا يصبح النَّصّ النبوي نفسه موضع المساءلة ما إذا كان حجة أم لا، فضلاً عن تضمنه رسالةً للبشرية، أو كونه هدى وبشرى للعالمين. 
إنَّ هذا المنهج يُذري بالقيم الحضارية والإنسانية التي تضمنتها رسالة خاتم النَّبيّين أدراج الرياح، ويجعل العقل النسبي حاكماً على العقل المطلق الذي باركه الوحي وخوّله مهمة هداية البشرية.
والأخطر من ذلك، أنه يعتقد أن "النص يعكس واقعه المعاصر له فقط، وينتهي بانتهاء زمانه، وأن محاولة إحالته أو ربطه بواقع معين ليست سوى تفسير للنص بنص آخر، أي هي حجب للحجب"([81])، وهو تشكيك صريح بالنصوص النبوية –بعامة- والصحيحين بشكل خاص.
ومعلوم أن التشكيك بالصحيحين تشكيك بالسنة جمعاء، وهو تشكيك في القرآن أيضاً، كما أنه تشكيك في حقيقة الوجود الإنساني، ودعوة إلى العبثية بقوانين الفكر، وتماهٍ للعقلنة التي لا يضبطها ضابط شرعي أو عقلي أو منطقي، فضلاً عن الدخول في التأويلات اللامتناهية، وأشكالية العلاقة بين النص المعطى ولغته، فليس لـ"قصد" المؤلف، أو النص، مكان في "النظرية التأويلية" الجديدة، باعتبار أن النصوص لا تحمل أي معنى إلا ذلك الذي يصنعه القارئ ويشكله، مما يؤدي إلى "فوضى التفسير" و"لا نهائية المعنى" و"نسف محتوى النص" و"إبطال مقصوده"؛في ظل الغيبات الثلاثة التي تقوم عليها"التأويلية الحديثة" غيبة المؤلف، وغيبة المرجعية، وغيبة القصدية) وبذلك، وحده، يسأثر الحداثيون بتأويل النص الديني، قرآنًا وسنة، ويتلاعبون بفهمه وتفسيره ومدلوله، في "باطنية" مسرفة لا ترى في "ظواهر" النصوص أكثر من رموز ومؤشرات ومدلولات كوامن بواطن، هي مركز الثقل في النص، وبدل أن يكون الهوى تبعًا لمعطيات النص، يكون هو تبعًا لأهوائنا!([82]).

القاعدة الثالثة: الخطاب النبوي حجاب (بواطنه مباينة لمنطوقه):

بما أنَّ النَّصّ النبوي "لا يقول الحقيقة بل يخلق حقيقته" في نظر الحداثيين، فإنه ينظر إليه من طرف هؤلاء على أنه حجاب، ولا ينبغي الوثوق به ثقة مفرطة؛ لأنه يحجب الحقائق المطلقة التي يجب أن نفكر فيها، وعليه فـ "استراتيجية النَّصّ تقوم على جملة من الألاعيب والإجراءات يمارس الخطاب من خلالها آلياته في الحجب والتبديل والنسخ. والنَّصّوص سواء في ذلك"، وعليه يقتضي المنهج التفكيكي أن يقوم "التعامل مع النَّصّ على كشف المحجوب"([86]). أي مساءلة حقيقة النَّصّ ومصدره حتى لا يحجب ما يجب أن يكون محل مساءلة ونقد، وهذا اتهام بأن الخطاب النبوي خطاب "ديماغوجي" أو "دوغمائي"([87]) يسعى لحجب الحقائق وصرف الناس عن قضايا تتعلق بحجية السُّنَّة.
وهذه عبثية في التحليل ينزّه البشر أنفسهم عنها، فضلاً عن نتزيه الشريعة عنها؛ لأنها تناقض أهم أسباب ورودها، وهي الهداية والرشاد، وهذا عند العقلانيين والمناطقة أمر محال، فلا يجوز لأي خطاب ديني أو غيره أن يناقض وجوده ويهدم نفسه لا من بعيد أو قريب، فكيف تكون السنة خطاباً غير مفهوم، أو أن ظواهره مخالفة لبواطنه؟ هذا منافٍ للعقل.
المبحث الرابع: أسباب تقصّد أحاديث الصحيحين أكثر من غيرهما:

لم يكن موقف الحداثيين من الصحيحين في معزل عن النصوص الشرعية، والتراث اللغوي، وإنما كان ذلك ضمن منظومة واحدة تعاملت مع النصوص الموروثة على حد سواء،

المبحث الخامس: تطبيقات على رد الحداثيين لأحاديث الصحيح، وطرق تصنيفها عندهم:

لا يمكن الادعاء أنَّ كُلّ الحداثيين اتفقوا على تصنيف واحد للحديث، بل فيهم الشاك في أصل السُّنَّة، وفيهم الذي يقبل المتواتر دون الآحاد، وفيهم من يقبل ما وافق العقل أو الواقع، وفيهم من أخذ المبادرة وفق هذا المبدأ أو ذاك في استحداث تصنيف جديد للسُّنَّة النَّبويَّة.
إلا أن ألطف الحداثيين رداً –على سوئه- وأكثرهم تفصيلاً لأحاديث الصحيحين وطريقة قبولها أو ردها، وعرضها على العقل والواقع هو شحرور، وقد صنف الأحاديث على ما يلي:
أ. أحاديث الشعائر والطاعة: واجبة متصلة للرسول حياً أو ميتاً، ثم يناقض نفسه –في موضع آخر- فيردّ الآحاد منها، وما يعارض العقل والواقع.
ب. أحاديث الإخبار بالغيب: وهي مرفوضة كلها انطلاقاً من أنَّ النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم -لا يعلم الغيب، -على حد قوله-([89])، وهذا يبرر قوله: "الأحاديث التي تتحدث عن الفتن، والمهدي والدجال، ثُمَّ الموت وعذاب القبر فالحشر والنشر والجنة والنار؛ تجاوزت المئات إلى الألوف، ونحن نطويها دون حساسية أو أسى"([90]).
ج. أحاديث الأحكام: فهي تحمل الطابع التاريخي التنظيمي المرحلي، وهي للاستئناس فقط سواء أكانت متواترة أم غير ذلك، وبناء عليه فهو يؤكد أنَّ القياس فيها وعليها غير ملزم.
د. الأحاديث القدسية: فهي عنده مرفوضة لعدم الحاجة إليها، إذ إنَّ التنزيل قادر على تفصيل الأحكام؛ ولعدم علم النبي –صلى الله عليه وسلم- بالغيب.
هـ. أحاديث حياة النَّبيّ الخاصة ليست محل أسوة لأهل الأرض في كُلّ زمان ومكان([91]).
وما يميّز شحرور هو جرأته على طي أحاديث الصحاح واتهام مدونيها بتحريف التنزيل الحكيم، فعند تطرقه لحديث أركان الإسلام، والذي أجمعت الأمة قاطبة على صحته إلاَّ شحرور وجماعته ذكر ما يلي: "كما نجد أنفسنا مع أركان الإسلام المزعومة التي تضم الشعائر فقط، أمام تحريف خطير لما ورد في التنزيل الحكيم"([92]).
بل ذهب إلى أكثر من ذلك، وذلك عندما زعم أنَّ هذا الحديث من ابتداع كتب الأصول والأدبيات الإسلامية، حيث قال: "لقد أقامت كتب الأصول والأدبيات الإسلامية أركاناً للإسلام من عندها، حصرتها في خمس هي التَّوحيد والتَّصديق برسالة محمَّد -صلى الله عليه وسلم- والشعائر، مستبعدة العمل الصالح والإحسان والأخلاق من هذه الأركان. فالتقت دون أن تقصد بالعلمانيين والماركسيين من أصحاب مشاريع الحداثة والتجديد، كما أسلفنا. ووقعت دون أن تقصد أيضاً فيما وقع فيه اليهود والنَّصارى"([93]).
والأمثلة على أشباه ذلك كثيرة؛ فمنهم من يُسقط أحاديث الصحيحين لشيء ارتئاه، أو خجلاً من انتقادات الغرب، أو لتخصيصه عام القرآن فيظن أنه تناقضاً فيُسقطه، أو لحجة عقلية واهية تماهت له، أو قاعدة علمية شاذة تراءت له، والأسباب وراء ذلك كثيرة، ومردها –في الواقع- إلى ما وقع في قلوب هؤلاء من الهوى والضلال، والشعور بالنقص وانتفاء الثقة بالنفس أمام الحضارات الغربية المتقدمة، فيبحثون جاهدين عن أدنى شبهة أو سبب للتخلص من هذه الشوكة التي علقت في حلوقهم.

وانتقد شحرور الإمام مسلم في نقله لحديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء..." ([99]) الحديث. وردّه لسبب عجيب، بناء على حسابات رقمية جعل ظنها يقيناً يُدفع فيه الغيب الذي ذكره النبي –صلى الله عليه وسلم-([100])؛ فيقين شحرور مقدم على الظن الغيبي الذي يتحدث عنه النبي –صلى الله عليه وسلم-!.
كما أسقط حديث "يا آدم أخرج بعث النار"([101]) بحجة أنه حديث قدسي، والأحاديث القدسية عنده مرفوضة لعدم الحاجة إليها، إذ إنَّ التنزيل قادر على تفصيل الأحكام دونها، كما أوردنا في النقطة (د) السابقة، كما أن آدم بشر وليس له أن يُخرج بعثاً للنار أو الجنة، وخلط شحرور بين طاعة آدم لله في إخراج من حُكم عليهم بالنار، وبين جعله حَكماً يفصل بين العباد يوم القيامة([102]).
وعلى هذا فقِس، حتى صار القرآن الكريم، والسنة المطهرة، وأحاديث الصحيحين تبعاً لأهواء هؤلاء، وعلى ذلك فلماذا يُرجع إلى التشريع الإسلامي لتنظيم حياة البشر؟ ولماذا لا يضع هؤلاء لنا الدين والشرائع لتحكم حياتنا بدلاً من ردّ هذا وقبول ذاك؟ فالنتيجة عندهم واحدة، نسأل الله الثبات على توحيده، والعمل بكتابه، والإيمان بسنة نبيه –صلى الله عليه وسلم-، وتعظيم شرائعه إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.

([1]) البنيوية: منهج يستكشف العلاقات الداخلية المتبادلة للعناصر الأساسية في النص، بعيداً على المعاني المباشرة لها. 
([2]) التفكيكية: مذهب أدبي يقول باستحالة الوصول إلى فهم متماسك أو متجانس للنص أياً كان. 
([3]) السيميائية أوالسيمانتية: علم الدلالة، وهو علم حديث يبحث في الدلالات اللغوية، يدرس المعاني اللغوية على صعيد المفردات والتراكيب، وما يتبعه من تطور لهذه المفردات بعيداً عن الاشتقاقات التاريخية لها. 
([4]) محمد عبد الفتاح الخطيب، القراءة الحداثية للسنة النبوية، بتصرف.
([5]) متفق عليه، صحيح البخاري حديث رقم (6557)، وصحيح مسلم حديث رقم (3434). 
([6]) محمد أركون، الإسلام أوروبا الغرب، ص197. 
([7]) الفيروز آبادي، القاموس المحيط، مادة "حدث".
([8])وائل عبد الغني، سقطة الحداثة والخصوصية الغربية، ص47، بتصرف.
([9]) عبد العزيز حمودة، المرايا المقعرة نحو نظرية نقدية عربية، والنص عن بحث ألقاه إيهاب حسن بمؤتمر بجامعة عين شمس سنة 2000م، كما وصف الحداثة بأنها تتحدى التعريف، وكأنها الشبح. 
([10]) www.wikibeadia.net.
([11]) عبد العزيز حمودة، المرايا المقعرة، ص37. 
([12]) المرجع السابق، ص 48. 
([13]) عبد العزيز حمودة، المرايا المحدبة، ص 35. 
([14]) المرجع السابق، ص 64. 
([15]) عبد العزيز حمودة، المرايا المقعرة، ص 90-91. 
([16]) عطيات أبو السعود، الحصار الفلسفي للقرن العشرين، ص50.
([17]) محمد مصطفى هدارة، الحداثة في الأدب العربي المعاصر. 
([18]) خالدة سعيد، الملامح الفكرية للحداثة، ص27. 
([19]) المستقبلية: حركة توجه نحو المستقبل، وبدء ثقافة جديدة، والانفصال عن الماضي، ورفض أي اعتقاد سابق باعتباره فاشلاً ومزيفاً. 
([20]) الوجودية: إبراز قيمة الوجود الإنساني، وتأكيد تفرده، وقدرته على حل مشاكله وقضاء حوائجه وتنظيم حياته بإرادته وحريته ودون أي موجه (كالتعاليم السماوية والشرع). 
([21]) السريالية: حركة تجريدية تبحث في أعماق الذات للوصول إلى السر العميق، واللاشعور وما هو مدفون في النفس. 
([22]) يُنظر الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي. 
([23]) مجموعة من الباحثين، قراءات في ما بعد الحداثة، ص61. 
([24]) إحسان عباس، فن الشعر، ص72. 
([25]) علي الغامدي، الشعر الحديث كمصطلح، ص62.
([26]) انظر أدونيس، علي أحمد سعيد، الثابت والمتحول، ص61. 
([27]) محمد برادة، اعتبارات نظرية لتحديد مفهوم الحداثة، ص11. 
([28]) المرجع السابق، الصفحة نفسها. 
([29]) محمد بن عبد العزيز العلي، الحداثة في العالم العربي دراسة عقدية، 2/690. 
([30]) حسن حنفي، التُّراث والتجديد من العقيدة إلى الثورة، ص318. 
([31]) خالدة سعيد، الملامح الفكرية للحداثة، ص27. 
([32]) انظر محمد أركون، نافذة على الإسلام ص75. 
([33]) محمَّد عابد الجابري، في قضايا الدِّين والفكر، ص8. 
([34]) محمَّد شحرور، نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي، ص160. 
([35]) يُنظر حسن حنفي، التُّراث والتجديد من العقيدة إلى الثورة، ص373.
([36]) انظر محمد أركون، الفكر الإسلامي نقد واجتهاد، ص102.
([37]) المرجع السابق، الصفحة نفسها. 
([38]) حسن حنفي، التُّراث والتجديد، من العقيدة إلى الثورة، ص373. 
([39]) حسن حنفي، المرجع السابق، ص374.
([40]) حسن حنفي، المرجع السابق، ص374، و376.
([41]) يونس صوالحي، محاولات تفكيك السنة، www.islamonline.net. 
([42]) حسن حنفي، التُّراث والتجديد، من العقيدة إلى الثورة ،ص250. 
([43]) حسن حنفي، المرجع السابق، ص و249، 376.
([44]) أركون، الفكر الإسلامي نقد واجتهاد، ص101. 
([45]) المرجع السابق، ص102. 
([46]) المرجع السابق، ص104. 
([47]) التيولوجية: علم الإلهيات، الذي يقوم على منطقية منهجية تقوم على الإيمان بالدين والروحانية والإله. 
([48]) المرجع السابق، الصفحة نفسها. 
([49]) انظر محمد أركون، الفكر الإسلامي نقد واجتهاد، ص102. 
([50]) الكلمة بين قوسين لمحمد أركون، انظر محمَّد أركون، الفكر الإسلامي نقد واجتهاد، ص102. 
([51]) المرجع السابق، ص 246. 
([52]) علي حرب، نقد النَّصّ، ص 17.
([53]) محمَّد أركون، الفكر الإسلامي نقد واجتهاد، ص65 و69، و نصر حامد أبو زيد، الإمام الشافعي، ص41. 
([54]) علي حرب، نقد النص، ص11. 
([55]) المرجع السابق، ص38. 
([56]) محمَّد شحرور، نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي، ص153. 
([57]) خالدة سعيد، الملامح الفكرية للحداثة، ص26. 
([58]) المرجع السابق، ص27.
([59]) المرجع السابق، ص28. 
([60]) المرجع السابق، ص29-31، بتصرف.
([61]) محمَّد شحرور، نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي، ص62، و13-14. 
([62]) صحيح، رواه مسلم برقم (4358). 
([63]) محمَّد شحرور، نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي، ص151. 
([64]) المرجع السابق، ص59و154. 
([65]) انظر الفيروز آبادي، القاموس المحيط، 1/ 67، مادة "نبأ" 
([66]) عبد الغني عبد الخالق، حجية السنة، ص219. 
([67]) متفق عليه، البخاري حديث رقم (6731)، مسلم حديث رقم (631). 
([68]) يُنظر ابن الأمير الحاج، التقرير والتحبير، 4/ 205، والكوكب المنير شرح مختصر التحرير، 3/ 28، الشاطبي، الموافقات، 4/ 470، ورفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب، 4/ 573. 
([69]) عبد الغني عبد الخالق، حجية السُّنَّة، ص219.
([70]) نصر حامد أبو زيد، الخطاب والتأويل، ص174. 
([71]) انظر الشافعي، محمد إدريس، الرسالة، ص44، بتصرف. 
([72]) الهرمنيوطيقيا: مجموعة من القواعد المتبعة لدراسة اللاهوت، وفهم النصوص الدينية، والعمل على تأويلها بطريقة خيالية ورمزية بعيدة عن المعنى الحرفي المباشر، وتحاول اكتشاف ما وراء النص باعتباره حجاباً يخفي من المعاني غير ما يُفهم من ظاهره. 
([73]) يونس صوالحي، محاولات تفكيك السنة، www.islamonline.net. 
([74]) التاريخية أو الأرخنة: نقد النصوص الموروثة وإسقاط قدسيتها واخضاعها للواقع دون النظر إلى الآخرة والإيمان. 
([75]) الألسنية: علم تطور اللغات البشرية، وعمليات الاتصال، على خلاف ما كان معهوداً في السابق. 
([76]) السيميائية أوالسيمانتية: علم الدلالة، وهو علم حديث يبحث في الدلالات اللغوية، يدرس المعاني اللغوية على صعيد المفردات والتراكيب، وما يتبعه من تطور لهذه المفردات بعيداً عن الاشتقاقات التاريخية لها. 
([77]) انثروبولوجيا: علم يبحث في مراحل تطور الإنسان، وأصله الخلقي، كما يبحث في تطوره الاجتماعي والثقافي. 
([78]) محمَّد أركون، تاريخية الفكر العربي الإسلامي، ص61. 
([79]) علي حرب، نقد النص، ص12. 
([80]) المرجع السابق، ص14. 
([81]) المرجع السابق، ص13.
([82]) محمد عبد الفتاح الخطيب، القراءة الحداثية للسنة النبوية، بتصرف.
([83]) السيميائية أوالسيمانتية: علم الدلالة، وهو علم حديث يبحث في الدلالات اللغوية، يدرس المعاني اللغوية على صعيد المفردات والتراكيب، وما يتبعه من تطور لهذه المفردات بعيداً عن الاشتقاقات التاريخية لها. 
([84]) البراغماتية: هي التركيز على المنفعة المادية والعملية كمكون أساسي للحقيقة، وإهمال المبادئ والفكر الإنساني كدافع للبحث عن الحقيقة. 
([85]) Asa Kosher, Pragmatics and Chomsky’s Research Program, p.678.. 
([86]) انظر علي حرب، نقد النَّصّ، ص11 و14 و18. 
([87]) الدوغمائية أو الدوغماتية: هو التعصب لفكرة أو اعتقاد معين دون أي قبول لمناقشتها أو الشك فيها، وتُستخدم أحياناً للإشارة إلى الجمود الفكري، أو التشدد في الاعتقاد الديني أو المبدأ الأيديولوجي. 
([88]) انظرطريق الإسلام 
([89]) محمَّد شحرور، نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي، ص 163-164. 
([90]) المرجع السابق، ص 195. 
([91]) المرجع السابق، ص 163-164. 
([92]) محمَّد شحرور، الإسلام والإيمان، ص35. 
([93]) المرجع السابق، ص33. 
([94]) نصر حامد أبو زيد، الإمام الشافعي، ص41. 
([95]) متفق عليه. البخاري حديث رقم (3279)، ومسلم حديث رقم (80). 
([96]) النساء: 11. 
([97]) نصر حامد أبو زيد، الإمام الشافعي، ص56. 
([98]) المرجع السابق، ص57.
([99]) صحيح مسلم حديث رقم (3002 و4799 و4920 و5968 و6064). 
([100]) محمد شحرور، نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي، ص158.
([101]) متفق عليه. صحيح البخاري حديث رقم (3099 و6049)، وصحيح مسلم حديث رقم (327). 
([102]) محمد شحرور، نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي، ص157. 
([103]) صحيح مسلم حديث رقم (4970). 
([104]) محمد شحرور، نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي، ص160

===========

بقلم إيلاف العباسي
...
وفي الرد على صاحب هذا الكتاب ومن على شاكلته نقول له:

أولاً: ما هي الأحاديث التي وضعها أبو هريرة لمعاوية؟ وأين هي؟

لقد غربل علماء السنة وأهل الجرح والتعديل كل الأحاديث فما وُجِد لأبي هريرة حديثاً واحداً لصالح معاوية. 
إن المدرسة التي تخرج منها أبو هريرة لهي أكبر مِن أن تسمح له بالكذب واختلاق الأحاديث ذماً لفلان أو مدحاً لعلاّن: إنها المدرسة النبوية .
إن الطعن في أي صحابي من صحابة رسول الله ليس طعناً فيه شخصياً فقط بقدر ما هو طعن في النبي الكريم صلى الله عليه وسلم. فمن يرمي فلان بالكذب وفلان بالافتراء وفلان بالوضع وفلان بالخيانة واغتصاب الخلافة كل هذه الاتهامات لا تقع على صاحبها بقدر ما تقع على معلمهم الأول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. فهو اتهام له بأنه قد قصّر ولم يفلح في تربية صحابته وجيله الأول من صحابته وحاشاه من ذلك.
ثم نرجع ونقول لصاحب هذا القول في اتهامه الكاذب وأين كان باقي الصحابة حينما وضع أبو هريرة الأحاديث لصالح معاوية ؟هل كانوا كلهم شركاء في ذلك وموافقون له؟
إن الصحابة الذين ربّاهم رسول الله طوال 23 عاما ً و جاهدوا باموالهم و انفسهم في سبيل الله لاكبر وأجلّ وأعظم من السكوت على الكاذب فضلاً عن موافقته. ويتناسب هذا المقام ذكر ما قاله الدكتور علي الصلابي حينما رد شبهات الحاقدين على أبي هريرة ومن بينهم صاحب كتاب (أبو هريرة) المسمى بعبد الحسين . وفي الرد عليه ننقل ما قاله الدكتور حفظه الله في ذلك من كتابه الدولة الأموية ص 342 : 
وقد اتهمه عبد الحسين بأنه دعا الأمويين أي أبو هريرة في سياستهم فتارة يفتئت الأحاديث في فضائلهم وتارة يلفق أحاديث في فضائل الخليفتين نزولاً على رغائب معاوية وفئته الباغية. وجمع أبو رية في هذا الموضوع كل شتائم كتب الشيعة في أبي هريرة ونبش الأكاذيب والافتراءات على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتمد الكتب التي لم يعرف مؤلفوها بالصدق ولا بالتمحيص في الرواية أو التي عُرف مؤلفوها بالبغض القاتل لأبي هريرة .والعقيدة التي ندين بها أن أبا هريرة رضي الله عنه كان محباً لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم , وروى في فضائل الحسن والحسين أكثر من حديث ولم يناصب العداء أهل البيت العداء قط. إن محبة أبي هريرة لآل بيت النبوة تستوجب وتفرض بالبديهة كذب كل المارقين الطاعنين في أبي هريرة رضي الله عنه.إذ حب أبو هريرة لآل البيت ليس ناشئا منه عن أهداف فاسدة وأغراض مشبوهة كما هو عند البعض بل هو حب صادق عن طهر ونزاهة ومتعلق هذا الحب بالله ولله تعالى لا لشيء آخر ). 

فمن صور محبة أبي هريرة لآل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ما سنذكره من أحاديث رواها أبو هريرة في الإمام علي والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وفي سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء رضي الله عنهم جميعاً ... فهو ( ابو هريرة) الذي يروي منقبة علي يوم خيبر. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال يوم خيبرلأعطين هذه الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويفتح الله على يديه ثم روى إعطاءه إياها. أفهذه رواية كاره لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه ؟
وفي مناقب فاطمة الزهراء رضي الله عنها يروي أبو هريرة قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن فاطمة سيدة نساء أمتي.
وروى أحاديث في حب الحسن بن علي وله معه وقائع وأخبار تدل على حب عظيم .
ويروي لنا أبو هريرة صورة لحبه للحسن رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم فيقول : ( لا أزال أحب هذا الرجل بعدما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدخل أصابعه في لحية النبي صلى الله عليه وسلم والنبي يُدخل لسانه في فمه ثم قال:اللهم إني أحبه فأحبه).
فلا غرابة بعد هذا الحب أن رأينا أبا هريرة يبكي يوم يموت الحسن ويدعوا الناس إلى البكاء. يقول من حضر ذاك اليوم رأيت أبا هريرة قائماً على المسجد يوم مات الحسن يبكي وينادي بأعلى صوته: يا أيها الناس مات اليوم حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فابكوا.
وممن كان قد أجاد وأفاد في الرد على شبهة كره أبو هريرة لآل بيت النبوة وفنّد هذه الفرية الدكتور السباعي رحمه الله في كتابه السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي . وقال الدكتور رحمه الله في ص 324 من كتابه رداً على الاتهامات الموجهة لأبي هريرة بأنه قد ناصر الأمويين وتشيع لهم فقال: ورأيت كيف جابه مروان بن الحكم في قضية دفن الحسن مع جده المصطفى صلى الله عليه وسلم ومروان والي المدينة وهو أموي والدولة يومئذ للأمويين ومع ذلك فقد غضب أبو هريرة لتدخل مروان في منع دفن الحسن عند الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: تدخل فيما لا يعنيك! 

=============

قال ابن حجر العسقلاني في خطبة كتابه الإصابة: " اصح ما وقفت عليه من ذلك ان الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه و سلم مؤمنا به و مات على الإسلام فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت و من روى عنه أو لم يرو و من غزا معه أو لم يغزو و من رآه روية و لم يجالسه و من لم يره لعارض كالأعمى".

=============

إذا كنت لا تعد أبو عسيب رضي الله عنه صحابيا (مثله مثل ابوهريرة رضي الله عنه عندك ليس بصحابي بل نعته ازدراء بالمسكين). فهو عندنا معدود من الصحابة: فقد كان مولى مسلما لرسول الله صلى الله عليه و سلم. على الإخوة و الأخوات النظر في:
الاستيعاب في معرفة الأصحاب - ج 2 / ص 50 
أسد الغابة - ج 1 / ص 33 
الإصابة في معرفة الصحابة - ج 3 / ص 368 

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (اصدار مؤسسة الرسالة سنة النشر: 1422هـ / 2001م ) ص475 : أبو عسيب 

مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - ممن نزل البصرة ، وطال عمره . 

خرج له الإمام أحمد في " مسنده " . 

يقال : اسمه أحمر . وكان من الصلحاء العباد . 
حدث عنه : خازم بن القاسم ، وأبو نصيرة مسلم بن عبيد ، وميمونة بنت أبي عسيب ، وقالت : كان أبي يواصل بين ثلاث في الصيام ، ويصلي الضحى قائما ، فعجز ، فكان يصلي قاعدا ، ويصوم البيض ، قالت : وكان في سريره جلجل ، فيعجز صوته ، حتى يناديها به ، فإذا حركه ، جاءت. انتهى.
--- منقول ---
سيدنا ابوهريرة رضي الله عنه هو رواي حديث: ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.

صحيح البخاري (باب: إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم):

110 - حدثنا موسى قال: حدثنا أبو عوانة، عن أبي حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي، ومن رآني في المنام فقد رآني حقا، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار).

=============


لا يوجد أحد من الصحابة تعرض لحملات جائرة مسعورة ، بمثل ما تعرض له الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه ، وهي حملات ليست جديدة في الحقيقة ، فقد أطلق بعض أهل الأهواء ألسنتهم فيه منذ القدم لتسويغ بدعتهم وانحرافهم ، فنقل الإمام ابن قتيبة في كتابه " تأويل مختلف الحديث " ، الكثير مما رمي به أبو هريرة في القديم من قبل النظَّام و الإسكافي وأمثالهما من أهل البدع والأهواء الذين لهم مواقف معروفه من أكثر الصحابة ، حتى جاء بعض المستشرقين من أمثال " جولد زيهر " ، فوقعوا على أقوال المتحاملين فأخذوا وزادوا ، وأبدؤوا وأعادوا ، ثم طلعوا علينا بآراء مبتسرة وأحكام جائرة ، تلقفها بعض أبناء جلدتنا فأعادوا صياغتها وتعليبها ، وقدَّموها للناس على أنها حقائق علمية ، ونتائج موضوعية لم يسبق التوصل إليها .
فأما " أحمد أمين " فقد وزع طعونه على أبي هريرة في مواضع متفرقة من " فجر الإسلام " ، وكان حديثه عنه حديث المحترس المتلطَّف المحاذر من أن يجهر في حقه بما يعتقده من سوء ، ولكن أسلوبه ، وتحريفه لبعض الحقائق في تاريخ أبي هريرة ، وحرصه على التشكيك في صدقه ، وادعاء شك الصحابة فيه ، والتركيز على عرض الأمور التي يسيء ظاهرها لأبي هريرة ، وإغفال الجوانب الأخرى التي تبين مكانته بين الصحابة والتابعين ، وأئمة الحديث ، وثناءهم عليه ، وإقرارهم له بالصدق والحفظ والإتقان ، مما هو ألصق وأشد تعلقاً بموضوع البحث أكثر من أي شيء آخر ، كل ذلك أبان قصده ، وكشف الستار عن مراده .
وأما " أ بو رية " - عامله الله بما يستحق - فقد كان أفحش ، وأسوأ أدباً من كل من تكلم في حق أبي هريرة من المعتزلة والرافضة ، والمستشرقين قديماً وحديثاً ، مما يدل على سوء نية وخبث طوية ، حيث عرض لترجمته في كتابه " أضواء على السنة المحمدية " ، فيما يربو على خمسين صفحة لم يدع منقصة ، ولا مذمة إلا ألصقها به ، وألف كتاباً مستقلاً ضمنه كل إفك وبهتان ، وملأه بكل جارح من القول ، وتهجم فيه على أبي هريرة وغيره من الصحابة ، ورماهم بالكذب والاختلاق ، وسمى كتابه " شيخ المضيرة أبو هريرة " ، وهو عنوان يقطر حقداً وسخرية وتنقصاً لصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا الكتاب يرجع إليه ويعتمد عليه كل من لا خلاق له ممن يطعن في الصحابة ويسبهم ، وتدور مطاعنه ، في احتقاره ، وازدراء شخصيته ، واتهامه بعدم الإخلاص في إسلامه ، وعدم الصدق في حديثه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحبه لبطنه وللمال ، وتشيعه لبني أمية إلى غير ذلك من الإفك والبهتان .

وسنعرض لشيء من هذه المطاعن على جهة الإشارة ، لا على جهة الحصر والاستقصاء ، والوقوف عند التفصيلات والأمثلة ، فذلك أمر يطول ، وقد كفانا مؤنة ذلك الأئمة والعلماء الذين قيضهم الله عز وجل للدفاع عن هذا الصحابي الجليل ، فردوا كل ما قيل في حقة من مطاعن وافتراءات ، وكشفوا نوايا هؤلاء المغرضين ، وبينوا الحق من الباطل ، وميزوا الطيب من الخبيث ، في بحوث ودراسات علمية معروفة ومتداولة ، قائمة على النزاهة في البحث ، بعيدة كل البعد عن الهوى والعصبية ، ويمكن لكل طالب حق أن يرجع إليها ، ليعرف شهادة التاريخ الصادق ، ورأي صحابة رسول الله ، وعلماء التابعين ، وأئمة المسلمين ، في هذا الصحابي الجليل ، ويقارن بعد ذلك بين هذه الصورة المشرقة ، وبين الصورة التي أراد هؤلاء أن يظهروه بها .

فقد غضوا من شأنه ، وطعنوا في أصله ونسبه ، مدعين أنه لم يكن معروفاً في أوساط الصحابة ، وأنه كان غامض الحسب ، مغمور النسب ، ولم يعرف إلا بكنيته ، بدلالة أن الناس اختلفوا في اسمه واسم أبيه اختلافاً كثيراً ، مع أن الخلاف لا يتجاوز عند التحقيق ثلاثة أقوال كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله ، ونحن نجد عشرات الصحابة اختلف في أسمائهم إلى أكثر من ذلك ، وكثير منهم إنما اشتهروا بكناهم لا بأسمائهم ، فلماذا هذا التشويش بالذات على أبي هريرة رضي الله عنه ، ومتى كان الاختلاف في اسم الرجل يشينه أو يسقط من عدالته ؟؟.
وزعموا أنه كان مغموراً ، لم يذكر في طبقات الصحابة ، وليست له أي فضيلة أو منقبة ، مع أن المعروف من ترجمته أنه كان ممن هاجر بين الحديبية والفتح في العام السابع من الهجرة ، وأنه صاحَب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولازمه ما يربو على ثلاث سنين ، ويكفيه ذلك فضلاً وشرفاً، وقد دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - له ولأمه أن يحببهما إلى عباده المؤمنين كما في الصحيح ، وكان عريف أهل الصفة ، وهم أضياف الإسلام ، وأحباب النبي عليه الصلاة والسلام ، وقد ذكره الإمام مسلم فيمن لهم فضائل من الصحابة ، وعقد له الإمام النووي باباً في شرحه على مسلم ، وذكر الحاكم في مستدركه جملة صالحة من مناقبه استغرقت بضع صفحات ، وأما البخاري فهو وإن لم يعقد له ترجمة خاصة ، لكنه ذكر فضائله ضمن أبواب كتابه ، ومنها كتاب العلم .
وطعنوا في صدقه وديانته ، وأنه إنما أسلم حباً في الدنيا لا رغبة في الدين ، وهي دعوى يكذبها كل من يطالع سيرته وترجمته ، وما كان عليه رضي الله عنه ، من التقشف والانقطاع إلى العلم والعبادة ، وتبليغ أحاديثه - صلى الله عليه وسلم - .

ثم بحثوا عن كل عيب يمكن إلصاقه به ، حتى ولو كان من الأمور التي لا يعاب المسلم بها ، ولا تعلق لها بالحديث والرواية .
فعيروه بفقره وجوعه ، ومتى كان الفقر عيباً يعير به الإنسان إلا في منطق المتعالين المتكبرين ؟!
وعيروه بأميته ، وهل كانت أمية الصحابي سبباً للطعن فيه في أي عصر من عصور الإسلام ؟!حتى تذكر من جملة المطاعن ، ونحن نعلم أن الكتبة من الصحابة قليل لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة .
وجعلوا من لطافة أخلاقه ، وطيب معشره مدخلاً للنيل منه ، فوصفوه بأنه كان مزاحاً مهذاراً ، مع أنه خلق أكرمه الله به ، وحببه به إلى الناس ، ومتى كان المزاح المباح ، والتلطف إلى الناس والتودد إليهم خلقاً معيباً عند كرام الناس ، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خلقاً ، ومع ذلك كان يمازح أصحابه ولا يقول إلا حقاً ، وكذلك كان الصحابة رضي الله عنهم ، فما هو الحرج في المزاح إذا كان مباحاً لا إسفاف فيه ، ولا إيذاء لأحد ، وفيه من المعاريض التي تدعو إلى إعمال الفكر والنظر ، وكل الذي ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه ، إنما هو من هذا القبيل ، وأما المزاح الساقط ، المشتمل على المجازفة ورديء القول والفعل ، فحاشا وكلا أن يكون أبو هريرة مما عرف به .
ثم لماذا يركز على هذا الجانب فقط من ترجمة أبي هريرة ، وتغفل الجوانب الأخرى التي عرف واشتهر بها بين الناس ورواها كل من ترجم له ، أين هي أخبار عبادته وصيامه وقيامه ، وتسبيحه وأوراده ؟!، أين هي أخبار كرمه وجوده ، وزهده وتقشفه وإعراضه عن الدنيا ؟! ، لماذا لا تذكر هذه الأمور عند التعرض له ، لا شك أن وراء الأكمة ما وراءها .

ورموه أيضاً بعدم الفقه وقلة الفهم ، وهو محض افتراء على التاريخ ، والواقع أنه كان من فقهاء الصحابة ، ومن كبار أئمة الفتوى ، كما يذكر ذلك أهل التراجم والطبقات فقد ذكره ابن سعد أنه ممن كانوا يفتون بالمدينة منذ مقتل عثمان إلى أن توفي رحمه الله ، وهذا يعني أنه مكث يفتي الناس على ملأ من الصحابة والتابعين ثلاثة وعشرين عاماً ، وكان يعارض أجلاء الصحابة كابن عباس في بعض المسائل ، وعده ابن حزم في فقهاء الصحابة ، وكذا الحافظ بن حجر في الإصابة ، وجمع تقي الدين السبكي جزءاً في فتاوى أبي هريرة ، وقال الإمام الذهبي في " تذكرة الحفاظ " : أبو هريرة الدوسي اليماني ، الحافظ الفقيه ، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان من أوعية العلم ، ومن كبار أئمة الفتوى ، مع الجلالة والعبادة والتواضع " أهـ ، وعندما ذكر ابن القيم في " إعلام الموقعين " المفتين من الصحابة ، وأنهم كانوا بين مكثر ومقل ومتوسط ، ذكر أبا هريرة من المتوسطين مع أبي بكر الصديق ، و أبي موسى الأشعري ، و معاذ بن جبل ، و جابر بن عبد الله ، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ، فمن زعم بعد ذلك أن أبا هريرة غير فقيه فهو العاري عن الفقه.
===============
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " ما ضل قوم بعد هدى إلا أوتوا الجدل " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون". 

و المجادلة الجدد في رد الاحاديث التي صحت سندا و متنا مثلهم قول الدكتور أنس سليمان المصري النابلسي: 
وهكذا أسقطوا أي دليل نقلي، وحمّلوا العقل والتجربة مهمة البحث عن الحقيقة، ونزعوا عن هذه الأمة أهم ما ميزها الله به عن الأمم. متجاهلين أو متناسين ما أسسه علماء الحديث من مختلف علوم الإسناد والمتن؛ كعلم مختلف الحديث، وعلم نقد الرجال، والجرح والتعديل، وتاريخ الرواة، وعلم تأويل مشكل الحديث، والناسخ والمنسوخ، ومعرفة غريب الحديث وعلله، ومعرفة الموضوعات، وكشف حال الوضاعين، وعلم أصول الرواية، وغيرها من الفنون التي إن دلت على شيء فإنما تدل على أنه لم يلق خطاب أو نص تاريخي من الرعاية والتثبت مثل ما لقيت نصوص الصحيحين خصوصاً باعتراف الغرب أنفسهم.

============
===========
فكم هي كثيرة فضائل صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-!
وكم هو عظيمٌ جميلهم على من جاء بعدهم!
وجماع ذلك أنهم آمنوا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونصروه وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم ليحملوا النور إلى أهل الأرض جميعاً في زمانهم، وليحفظوه لمن جاء بعدهم كما قال -تعالى-: (فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الأعراف:157).
ولقد كان جهاد الصحابة -رضي الله عنهم- في ميدان الحجة والبيان جنباً إلى جنب مع جهادهم في ميدان السيف والسنان، وفي كلٍ كان لهم اليد الطولى على من جاء بعدهم ممن انتفع بجهادهم، وإن كان بعضهم أكثر عطاءً في أحد الجانبين عن الآخر، فيبرز في جانب جهاد السيف والسنان أسماء كثيرة يأتي على رأسها بالنسبة لأهل مصر والشمال الإفريقي كله عمرو بن العاص -رضي الله عنه- الذي أخرج الله على يديه مصر من الظلمات إلى النور.
ويبرز في الجانب حفظ العلم ونقله كثير من الصحابة، ومنهم المكثرون من الفـُتيا، ومنهم المكثرون من الرواية، ومعظم المكثرين من الرواية كانوا غلماناً في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ومنهم من اشتغل بخدمة النبي -صلى الله عليه وسلم- كأنس بن مالك وأسامة بن زيد وأبي هريرة -رضي الله عنهم أجمعين-، مما أعطى لهم فرصة كبيرة ليحفظوا عن رسول الله ويعوا.
وهؤلاء منهم من كفلته أمه كأنس -رضي الله عنه- ليتفرغ لخدمة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومنهم من تحمل عن طواعية واختيار ألم الفقر ومرارة الجوع، يشبع حيناً ويجوع أحياناً كأبي هريرة -رضي الله عنه-.
ولقد حفظت الأمة جيلاً بعد جيل جميل هذا الجيل الأول امتثالاً لأمر الله -عز وجل-: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ) (الحشر:10)، وامتثالاً لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أصحابي أصحابي اتقوا الله في أصحابي)، واعترافاً بالجميل لهم، فبجهادهم انتشر الإسلام فدخلنا فيه بفضل الله، وبعلمهم حفظ الدين فعلمناه وعملنا به - بفضل الله تعالى-.
وإذا كان الكفار يظهرون العداوة لدين الله جملة وتفصيلاً، مما يجعل أمرهم واضحاً لكل ذي عينين، فإن الشيطان قد أوحى إليهم أن يتخذوا من بني جلدتنا وممن يتكلمون بألسنتنا من يزعم حب النبي -صلى الله عليه وسلم- بينما يسب صحابته وحملة شريعته.
ظهرت هذه الجريمة النكراء أول ما ظهرت على يد الشيعة ثم تلقفها منهم العقلانيون، القدماء منهم والمعاصرون.
ولا ندري كيف يصلي هؤلاء، وكيف يزكون، وكيف يصومون ويحجون! وهم في كل ذلك مفتقرون إلى علم هؤلاء الصحابة الكرام الذين لا تُعرف سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا من طريقهم، ولمَّا انتبه بعض هؤلاء إلى أنه يلزم من قولهم هدم السنة بالكلية، بل وهدم القرآن أيضاً - فهو لم يصل أيضاً إلا عن طريقهم-، عمدوا إلى مهاجمة بعض الصحابة دون بعض، وخصوا بالهجوم المكثرين من الرواية من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كأبي هريرة -رضي الله عنه-.
وكان لهذا الأثر البالغ في تخفيف وقع الجريمة على كثير من عوام المسلمين مع أن المحصلة واحدة لمن تأمل، ولك أن تتخيل أي باب من أبواب الفقه إذا أخليته من مرويات أبي هريرة مثلاً ماذا سيكون حاله؟!
وبمناسبة شهر رمضان المبارك لاسيما وأن جميع المسلمين خواصهم وعوامهم يهتمون - بفضل الله تعالى- بأحكام وفضائل هذا الشهر الكريم، فإليك طائفة من مرويات أبي هريرة -رضي الله عنه- في فضائل العبادات في شهر رمضان، لم نقصد بها الاستيعاب، بل التمثيل بما اشتهر على ألسنة العامة والخاصة، ولم نتطرق فيها إلى أبواب الأحكام لأن هذا الأمر يطول، وفي باب الفضائل غنية وكفاية لمن أراد أن يتذكر ويتعظ:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).
وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).
وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).
وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قال الله -تعالى-: (كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به...) الحديث.
وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النيران وصفدت الشياطين).
وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر).
ومن تدبر في هذه الأحاديث وجد أنها كانت هي الحادي الذي حدا بعامة المسلمين في شهر رمضان فشمروا عن ساعد الجد صياماً وقياماً والتماساً لليلة القدر.
فكم لأبي هريرة من جميل في أعناق جميع المسلمين على مر العصور! عرف ذلك من رزقه الله نفساً وفـِيَّة تعرف الفضل لأهله، فرأوا أن أقل ما يردون به فضل أبي هريرة -رضي الله عنه- وغيره من الصحابة هو أن يترضوا عنهم لاسيما عندما يسمعون ذكرهم، وخاصة عندما يأتي ذلك الذكر في معرض رواياتهم لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
بينما بقي أصحاب النفوس الدنيئة المتمردة الجاحدة للفضل يعوون وقافلة الإيمان تسير يتقدمها ذلك الركب الجليل من صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فاللهم احشرنا في زمرتهم، اللهم آمين.

===================

المشهور أن أبا هريرة أسلم سنة سبع من الهجرة بين الحديبية وخيبر وكان عمره حينذاك نحواً من ثلاثين سنة ، ثم قدم المدينة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، حين رجوعه من خيبر وسكن ( الصّفة) ولازم الرسول ملازمة تامة ، يدور معه حيثما دار ، ويأكل عنده في غالب الأحيان إلى أن توفي عليه الصلاة والسلام . 

كان من أثر ملازمة أبي هريرة رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ملازمة تامة ، أن اطلع على ما لم يطلع عليه غيره من أقوال الرسول وأعماله ، ولقد كان سيء الحفظ حين أسلم ، فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال له : افتح كساءك فبسطه، ثم قال له : ضمه إلى صدرك فضمه ، فما نسي حديثاً بعده قط . هذه القصة - قصة بسط الثوب - أخرجها أئمة الحديث كالبخاري ومسلم و أحمد و النسائي. 

لقد أكرم الله تعالى الصحابة رضي الله عنهم بآيات كثيرة تثبت لهم الفضل والعدالة ، منها ما نزل في صحابي واحد أو في أصحاب مشهد معين مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ،كرضوانه عن الذين بايعوا تحت الشجرة في الحديبية ، ومنها ما نزل فيهم عامة ودخل تحت ظلها كل صحابي. 

فمن الآيات العامة الشاملة قوله عز و جل :{ مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } [ الفتح /29] ، ومن آخر الآيات نزولاً قوله { لَقَد تابَ اللهُ عَلَى النَّبِىِّ وَالْمهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهٌ في سَاعَةِ العُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنهُ بهَمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } التوبة/117.

فأبو هريرة واحد من الصحابة رضي الله عنهم ينال أجر الصحبة المطلقة ، ويكسب العدالة التي لحقت بهم جميعاً وأثبتتها آيات القرآن الكريم السابقة . وهو ينال شرف دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وينال أجر الهجرة إلى الله ورسوله ، إذ كانت هجرته قبل الفتح وشرف دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم له، وأجر الجهاد تحت راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأجر حفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتبليغه .

==============
الصحابة الذين روى عنهم ابوهريرة: 

روى عن كثير من الصحابة منهم : أبو بكر ، وعمر ، والفضل بن العباس ، وأبي ابن كعب ، وأسامة بن زيد ، وعائشة رضي الله عنهم . 

وأما الصحابة الذين رووا عنه : منهم ابن عباس ، وابن عمر ، وأنس بن مالك ، وواثلة بن الأسقع ، وجابر بن عبدالله الأنصاري وأبو أيوب الأنصاري رضي الله عنهم . 

التابعون الذين رووا عنه : 

و من التابعين سعيد بن المسيب و كان زوج ابنته، و عبدالله بن ثعلبة ، و عروة ابن الزبير، و قبيصة بن ذؤيب، و سلمان الأغر، و سليمان بن يسار، وعراك بن مالك ، و سالم بن عبدالله بن عمر، و أبو سلمة وحميد ابنا عبدالرحمن بن عوف، و محمد بن سيرين ، و عطاء بن أبي رباح، وعطاء بن يسار و كثيرون جداً بلغوا كما قال البخاري : ثمانمائة من أهل العلم والفقه.

===========




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق