كيف نفسر رسالة أوباما السرية إلى الخامنئي؟
المصدر: علي حسن باكير
كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" قبل أيام قليلة عن قيام الرئيس الأمريكي باراك أوباما بمخاطبة المرشد الأعلى للجمهورية الايرانية آية الله علي خامنئي سرّاً في منتصف الشهر الماضي، وتضمنت رسالة أوباما إلى خامنئي، والتي تعد الرابعة من نوعها على الأقل، الاشارة إلى منافع التوصل لاتفاق شامل في البرنامج النووي، وانعكاس ذلك على المصالح المشتركة والتعاون بين البلدين، لاسيما ما يتعلق بمحاربة تنظيم الدولة "داعش"، حيث ذكرت الرسالة أنّ التعاون في هذا المجال سيتوقف إلى حد كبير على التوصل إلى اتفاق شامل مع إيران في الملف النووي.
والمفارقة انّ الطرفان يسعيان إلى توظيف ورقة "داعش" للحصول على تنازلات أكبر في سياق التوصل إلى الاتفاق النووي المنشود. ففي نهاية سبتمبر الماضي، قال الرئيس الايراني حسن روحاني إنّ التوصل إلى اتفاق مع ايران في الملف النووي سيفتح الطريق واسعا أمام تعاون أكبر بين إيران والغرب في مكافحة التطرف الاسلامي في منطقة الشرق الأوسط، وقد جاء ذلك بعد أيام قليلة فقط على العرض الذي قدّمه وزير الخارجية محمد جواد ظريف ومفاده بأنّ ايران مستعدة للانضمام إلى التحالف الدولي والمساعدة في مكافحة الارهاب والتطرف إذا ما تم رفع العقوبات عنها، معللا ذلك بالقول: "إذا اتفقنا على فعل شيء مشترك في العراق، فإن على الطرف الآخر أن يزيل العقوبات المرتبطة بالملف النووي".
على أي حال، نظريا لم يتم ادراج إيران بشكل رسمي في التحالف الدولي ولم يتم ازالة العقوبات كليا، لكن عمليا، فان التعاون غير المباشر الأمريكي- الايراني يعد الأقوى على الاطلاق في المنطقة حاليا، والمؤشرات الموثوقة والمؤكدة في هذا المجال أكثر من أن يتم حصرها في مقال واحد، فلا حاجة إلى اتفاق رسمي بخصوص هذا الشكل من أشكال التعاون، ولا حاجة إلى تنسيق مباشر حتى. يكفي أن يتم توجيه الرسائل في الاعلام أو عبر أطراف ثالثة كالحكومة العراقية حتى تتحقق النتائج المرجوة.
هناك تحالف بين الطرفين في العراق منذ عام 2010، وهناك غض نظر عن الإرهاب الشيعي في المنطقة وعن عمل الميليشيات الشيعية التي تعمل باجندة ايرانية و الأكثر احترافا وتسليحا وتدريبا وفتكا من نظيرتها السنية، وهناك اعتراف ضمني يصل إلى حد التسهيل لنفوذ ايران في لبنان وسوريا واليمن. هناك حرص كبير جدا على عدم المساس بنظام بشار الأسد حتى مع استخدامه السلاح الكيماوي. الحوثي احتل العاصمة وعدد كبير من المناطق اليمنية واستولى على مخازن الجيش ولم يصدر حتى تعليق أمريكي واحد على هذه التطورات، أو على دور الميليشيات الشيعية في لبنان وسوريا والعراق في تقويض المنطقة واطلاق التطرف السني على الرغم من أنها أكبر من ان يتم اخفاؤها، ومع ذلك فهناك تجاهل تام لها.
وبالعودة إلى سؤالنا الرئيسي وهو كيف يمكننا ان نفسر رسالة أوباما إلى الخامنئي. هناك من يرى أنها تعبير عن يأس اوباما من امكانية التوصل إلى اتفاق مع ايران ولذلك فهي بمثابة المحاولة الاخيرة لحث الجانب الايراني على التوصل إلى الاتفاق في الموعد النهائي للمفاوضات في 24 نوفمبر الحالي، فيما يرى آخرون أنّها بمثابة "رفع للمسؤولية" عن ادارة الرئيس أوباما في حال فشل المفاوضات، بمعنى ان اوباما بذل كل ما بوسعه للتوصل إلى اتفاق شامل مع الجانب الايراني ولكن طهران رفضت ولذلك فهي تتحمل مسؤولية اي فشل للمفاوضات.
ومع أني أميل إلى الاستنتاج الاول إلا أنني لا ارى أن أي منهما هو تفسير صائب أو كاف لما حصل. إذ ما الفائدة من تحميل إيران مسؤولية فشل التوصل إلى اتفاق إذا لم يقترن ذلك بالتحذير من تداعيات وعواقب فشل المفاوضات و بتهديد واضح وصريح لايران ؟ كما انه من غير الصائب الاشارة إلى يأس اوباما في وقت يكون فيه التعاون الأمريكي-الايراني في الشرق الأوسط والتطابق بينهما في السياسيات والمصالح في أوجه.
لا شك من أن تسريب الرسالة إلى الإعلام جاء على الأرجح بدفع من إدارة الرئيس أوباما نفسه، ولا شك أنّ توقيت التسريب إنما يرتبط بالمفاوضات الجارية مع إيران حول ملفها النووي، أمّا أحد أهداف الكشف عن الرسالة فهو محاولة وضع ضغوط على الجانب الإيراني للتوصل إلى اتفاق لكن الأهم برأيي هو محاولة أوباما الرد من خلالها على الحملة الايرانية التي استهدفته الاسبوع الماضي وركّزت على انه من الصعب التوصل إلى اتفاق مع الجانب الامريكي لان الرئيس اوباما ضعيف ولا فائدة من التوصل إلى اتفاق مع رئيس ضعيف، في حين جاء التسريب "المقصود" للقول "انا قوي بما فيه الكفاية للكشف عن هكذا تواصل، فهل الجانب الايراني قوي بما فيه الكفاية للتوصل إلى اتفاق".
وعلى الرغم من أنّ عددا كبير من الخبراء الغربيين المتخصصين بالشان الايراني، كانوا قد شددوا على ان الكشف عن هذه الرسالة لن يؤدي هدفه، بل على العكس فانه سيقوض اللعبة الحساسة في المفاوضات النووية وسيدفع الجانب الايراني إلى التشدد، فاني لا اتفق مع هذا التحليل لسبب بسيط جدا وهو انّ الوصول إلى مثل هذا الاستنتاج يفترض في الأساس رغبة الجانب الايراني في التوصل إلى اتفاق رسمي شامل مع واشنطن، أو انه قد حسم رأيه في التوصل إلى مثل هذا الاتفاق وهو ما أشك فيه.
بمعنى آخر، هناك مصلحة ايرانية استراتيجية في التوصل إلى اتفاق نووي مع واشنطن خاصة اذا لم يتضمن اية تنازلات قاسية (وهو الامر الحاصل اليوم في العرض المطروح على الجانب الايراني)، لكن هناك مشكلة استراتيجية في التوصل إلى "اتفاق شامل" مع أمريكا (الشيطان الأكبر) لأنّ ذلك سيقوّض على الأرجح الفكرة الرئيسية التي قام عليها النظام الايراني بأكمله وهو العداء (ولو شكليا) لأمريكا واسرائيل.
المدرك لطبيعة الثقافة االايرانية والسياسية الايرانية يستطيع ان يدرك ان الحل الأمثل للجانب الايراني دوما هو التوصل إلى اتفاقات محدودة ومقايضات معيّنة او اتفاق غير موقّع يتيح له امكانية المناورة. الاستثناء الوحيد برأيي لهذه القاعدة هو انهيار خصوم ايران في المنطقة أو التسليم ب "شرعية نفوذها" وهو أمر يرى البعض انه بات قاب قوسين او ادنى لكن طهران ما تزال تحتاج إلى بعض الوقت لتحقيقه في سياق الاحداث الجارية في المنطقة، وربما تنتظر ان يتحقق ذلك مع التسليم بانتصارها في الملف السوري والقضاء على تنظيم "داعش".
هناك من يرى في طهران ان اوباما يرغب في اتفاق مع ايران ربما أكثر مما يرغب الطرف الايراني بذلك، وعليه فان نصف اتفاق قد يكون مرضيا للطرفين، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل سيقبل أوباما بنصف اتفاق؟ هذا ما سنراه في نهاية الشهر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق