الخميس، 4 سبتمبر 2014

فشل الخطاب السني في العراق وخذلان المقاتلين

أسعد البصري:

عام 1993 كان الشاب كرار الوائلي الذي في مقتبل العمر قد قدم نفسه إلى حزب الدعوة والسيد نوري المالكي في دمشق، وأثبت لهم بأنه منتم للحزب وعنده أخ معتقل بتهمة الانتماء للحزب أيضا. ضمن إمكانات حزب الدعوة الذي كان معارضا ومطاردا، تكفلوا بسكن لائق لهذا الشاب وقاموا بزجه في جامعة دمشق قسم الفلسفة ثم الماجستير في جامعة لبنان، ثم إلى لندن. طبعوا له بعض الكتب الأدبية البسيطة لكنه الآن في وزارة الخارجية وسفير عراقي يتدرب على الأعراف والأسرار ويكتسب مهارات للمستقبل.

المقصود من هذه الحكاية هو أن حزب الدعوة التقط هذا الشاب من أزقة دمشق وجعل منه الآن سفيرا. لا يستطيع السنة منافسة التنظيمات الشيعية لأنهم لا يمتلكون هذه الروحية. ليس عندهم قيادة حقيقية. إنهم فقط متلهفون لصفقة سريعة تنفعهم كأفراد وبوقت سريع.

الأستاذ سرمد الطائي تلقى مساندة من مقتدى الصدر ومؤسسة المدى الشيوعية حتى صار حاضرا دائما في الفضائيات وصحف سعودية. والأستاذ علاء الخطيب تلقى مساندة مباشرة من المالكي وما عاد يغيب عن الفضائيات الرسمية وقناة الجزيرة. هكذا يصنعون رجالهم وخطابهم

الحكومة الصفوية تمتلك المبادرة والسنة مجرد ردة فعل. ربما أنا الوحيد الذي انتبه لضرورة الهجوم على المعتقد الصفوي وإحراجه في الأساس الذي تقوم عليه قوته وهي المراجع والنجف.
ماذا عندنا؟ شعراء سنة يقرأون شعرا عموديا في الخليج كالشاعر عمر عناز وهزبر محمود يحرصون على عدم الخوض في السياسة حتى يكون طريق زيارة أهلهم في العراق مكتوما من الكواتم. عندنا شاعر عمودي مهم مثل محمود الدليمي لا يكترث له أحد لأنه حتى لا يعرف الطريق الآمنة من الموصل إلى الخليج.

صحفي شاب مبتدئ في فضائية الفرات التابعة للسيد عمار الحكيم يقبض حوالي أربعة آلاف دولار شهريا، هذا غير المخصصات الأخرى من قطعة أرض وسيارة ومخصصات النقابة. السؤال كم يقبض صحفي معروف مثل وجيه عباس مثلا؟

ينبغي تنبيه الكتاب السنة الشباب الذين يتعرض بعضهم للإغتيال والإجتثاث والتهميش إلى أن مأساتهم يتحملها السياسي السني نفسه. الخميس الماضي المصادف 27 مارس اغتال مسلحون مجهولون في الموصل الإعلامي المعروف واثق الغضنفري الذي يقدم برنامجا في قناة سما التابعة لأثيل النجيفي. الإعلامي السني في العراق يتم اغتياله لمجرد الكفاءة رغم أنه لم يخرج مظاهرات، ولم يدعُ إلى ثورة، مجرد مقدم لبرنامج شيق عن تراث مدينة الموصل.

الثقافة الشيعية ذات تفوق كبير في العراق اليوم وهذا يرجع لأسباب كثيرة أولها القمع والإغتيال بالكواتم لكل الكفاءات السنية تحديدا. غير أن أهم هذه العوامل هو امتلاك الشيعة لمشروع ثقافي عقائدي جعل من ثقافتهم ذات رافدين: الأول تقليدي ديني تمثله حوزة النجف بكل ثقلها، وعدد طلابها، والمليارات الخاصة بها؛ والرافد الثاني هو احتكار الشيعة لكل المؤسسات الإعلامية والثقافية الرسمية في الدولة العراقية بكل مواردها البترولية الضخمة.

إن المرشد الأعلى الإيراني السيد علي خامنئي الذي يحكم العراق حاليا، هو شخصية دينية وثقافية ومرجع روحي في نفس الوقت. هل تعلم بأن الخامنئي قارئ نهم للروايات مثلا؟ فهو يقول:

" أنا لم اقرأ كل الروايات التي كتبت عبر التاريخ بلا شك ولكنني قرأت الكثير من الروايات المتعلقة بقرون مختلفة. قرأت روايات قديمة جدا، مثالا على ذلك لنقل بأنني قرأت الكوميديا الإلهية وقرأت أمير أرسلان وكذلك ألف ليلة وليلة، لكن البؤساء معجزة في عالم كتابة الرواية. قلت مرارا اذهب واقرأ البؤساء ولو لمرة واحدة، هذه الرواية كتاب في علم الإجتماع، والتاريخ، والنقد، كتاب روحي، وكتاب في الحب والمشاعر."

هذا يعكس اهتمام الشيعة بالثقافة والإعلام خصوصا في حربهم المعلنة لتهجير السنة من العراق، والهيمنة الكاملة على البلاد باسم المذهب. مقابل هذه الكفاءات المذهلة نلاحظ الساسة السنة إما يقبضون من الحكومة الصفوية ليعملوا كصحوات ووكلاء للمشروع الصفوي، أو يقبضون من الخليج ليؤسسوا خطابات هزيلة ضحلة مليئة بالشتائم الطائفية. لا يعرفون الفن الشيعي في التربية والدعم وبناء الكفاءات وتأسيس مشروع سني وجداني يمنحهم على المدى البعيد الكرامة التي يطالبون بها بأصوات عالية في ساحات الاعتصام.
----------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق