الخميس، 25 ديسمبر 2014

الرد على منكر السنة الاكتفاء بالقرآن / هل القرآن يغني عن السنة ؟


هل القرآن يغني عن السنة ؟ بقلم الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي
هل القرآن يغني عن السنة ؟

بقلم الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

هناك من يقول في هذا العصر، بل في هذه السنوات الأخيرة بالذات: إن القرآن يغني عن السنة. فينبغي أن نطرح الثانية ونكتفي بالقرآن وحده.
وقبل أن نتهم هذه المقولة وأصحابها بالشرود عن الحقيقة وعن ميزان المنطق، ينبغي أن نتبين وجهة نظرهم والمعنى الذي يقصدون إليه من وراء هذه الأطروحة.
إنهم يقصدون أن يؤكدوا لنا أن القرآن حوى كل شيء، وأن يذكرونا بقوله عز وجل : ( ما فرطنا في الكتاب من شيء) [الأنعام: 38]، وإذا كان القرآن قد حوى فعلاً كل شيء، وكان تبياناً لكل شيء، فما الحاجة إذن إلى إضافة شيء مّا إليه؟ .. ما الحاجة إلى السنة مادام الانضباط بكتاب الله سبحانه وتعالى يبصرنا بكل شيء؟ .. هذا بالإضافة إلى أن القرآن كله منزل من عند الله يقيناً، ولا مجال للريب في شيء منه. أما السنة فقد اختلط فيها الصحيح بالموضوع بالضعيف بالمنكر، وأصبح تمييز الصحيح فيها عن غيره أمراً عسيراً.
ولذلك فخير لنا أن نريح وأن نستريح، وأن نعتمد على القرآن وحده، لاسيما وإن القرآن فيه كل ما نتطلبه، وفيه كل ما نبحث عنه.
هذه باختصار هي وجهة نظر أرباب هذه المقولة، فما موقفنا منها؟ وما هي النقاط التي نأخذها على هذه الأطروحة؟
سنضع هذه الأطروحة الأخرى في ميزان المنطق العلمي ذاته الذي وضعنا فيه المقولات أو الأطروحات السابقة، فإن وجدنا أن هذا الميزان قد أثبت صحتها، أخذنا بها، ودافعنا عنها، وإلا فلابد أن نكشف عن عوارها وأن نحذر منها، وأن نبين الخلفيات الكامنة وراءها.
بادئ ذي بدء، أقول إننا إذا تأملنا في كتاب الله سبحانه وتعالى الذي ندعى إلى الأخذ به وحده، سنجد أن الأخذ بهذه الأطروحة، أو بهذه المقولة، يستلزم الإعراض عن القرآن ذاته، بل أقول لكم: إنه يستلزم تخطئة القرآن.
و فاتني أن أبين لكم أولاً المعنى الشرعي للسنة، وهو: كل ما أُثر عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من قول أو فعل أو تقرير، على أن يصل ذلك إلينا بطريقة صحيحة، طبق المنهج المرسوم عند علماء مصطلح الحديث، تلك هي السنة.
إذن أعود فأقول بادئ ذي بدء، إننا إن أخذنا بهذه الأطروحة القائلة: القرآن يغني عن السنة، فلسوف نجد أنفسنا نعرض عن القرآن ذاته، الذي نزعم أننا نريد أن نتمسك به ولا نتمسك بغيره، بل لسوف نجد أنفسنا نخطئ القرآن فيما يقول.
وآية ذلك أننا عندما نصغي إلى كتاب الله عز وجل لا نجده يقول: اكتفوا في فهم دينكم وإسلامكم بهذا الكتاب، بكلامي وحده، بل هو يقول لنا: اجعلوا من سنة محمد (صلى الله عليه وسلم) بياناً لكل ما استغلق عليكم من كلامي، اجعلوا من سنة محمد (صلى الله عليه وسلم) المقتدى الثاني بعد هذا الكتاب.
لو رأينا القرآن يقول لنا لا تتمسكوا إلا بهذا الكتاب، إذن فذلك يكفي دليلاً على صحة هذه الأطروحة، ولكنا نظرنا فرأيناه يأمرنا أمراً جازماً باتباع السنة إلى جانب القرآن، وبتحكيم كلام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى جانب القرآن، أليس الإلحاح على اطّراح السنة بعد هذا إعراضاً بيِّناً صريحاً عن القرآن ذاته.
وماذا يقول القرآن، في هذا، بصريح العبارة والنص؟
إنه يقول : ( وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله )[النساء : 64].
ويقول : ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) [النساء : 80]، ويقول ( وما ءاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )[الحشر: 7]، ويقول: ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )[النساء : 59]، ويقول ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم )[النحل: 44].
هل أزيدكم فأضعكم أمام آيات أجلى و اصرح مقرونة بالتحذير والتهديد. حسناً، يقول جل جلاله فلا وربك لا يؤمنون حتى يُحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً )[النساء : 65].
فهذه آيات صريحة واضحة قاطعة في الأمر باتباع رسول الله فيما يقول ويفعل من أمور الدين وفيما يشرح ويبين به نصوص القرآن، وبأن نطيع الرسول كما نطيع القرآن وبأن نجعل من كلام محمد (صلى الله عليه وسلم) بياناً لما استغلق علينا من كلام الله.
وأحب أن أنبه إلى أن قول الله سبحانه وتعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً )[النساء: 65]إنما نزل في خصومة وقعت بين رجلين من المسلمين، وجاءا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليقضي بينهما، وقضى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، بعد أن سمع وحقق، لأحدهما، فقال له الآخر: ألأجل أنه ابن عمتك، أو لأنه قريبك، فأنزل الله سبحانه وتعالى قوله: ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً)[النساء: 65].
ومعلوم أن هذا الذي قضى به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لم يكن تنفيذاً لآية موجودة في القرآن، وإنما كان بحكم من عنده، ومع ذلك فقد أعلن القرآن أن الإنسان لا يعدّ، أياً كان، مؤمناً بالله إلا إن قبل حكم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وخضع له، ثم لم يجد في نفسه أي حرج تجاهه. فها هو القرآن ينفي سمة الإيمان عمن لم يُحكم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيما يقوله ويقضي به من أمور، حتى ولو كان القرآن ساكتاً عنه.
فإذا جاء بعد هذا من يقول: لا، بل القرآن يغني عن السنة، ولا داعي إلى تحكيم السنة، أليس موقفه هذا معارضة صريحة للقرآن ذاته؟؟
بل أليس هذا الموقف ينطوي على تخطئة للقرآن ذاته؟
وكيف يكون هذا الموقف تحكيماً للقرآن، إذا كان صاحبه يخطئ القرآن، ويعرض عن أوامره، أو عن كثير من أوامره(صلى الله عليه وسلم)؟
ويبدوا أن رسول الله أُخبر من قبل ربه عز وجل أن في الناس من سيعمدون إلى سنة رسول الله فيمزقونها ويبعدونها عن مجال الأخذ بها والاعتماد عليها في فهم القرآن، بسلاح بهلواني كاذب من القرآن ذاته فنبه صلى الله عليه وسلم إلى ذلك وحذر منه.
من ذلك قوله (صلى الله عليه وسلم)، فيما رواه العرباص بن سارية أن النبي (صلى الله عليه وسلم) وعظ أصحابه موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقال له أحد الصحابة : يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: " أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً. فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة " والحديث حسن صحيح، رواه أبو داود، الترمذي وابن ماجة وأحمد.
كذلك يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيما رواه أبو داود والترمذي " يوشك رجل متكئاًَ على أريكته يحدث بحديث عني فيقول بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه من حلال حلّلناه وما وجدنا فيه من حرام حرّمناه. ألا وإن الذي حرّمه رسول الله مثل الذي حرّمه الله سبحانه وتعالى " .
وإن في تصوير رسول الله لحال هؤلاء الناس، ما يكشف عن استكبارهم على السنة وصاحبها تحت غطاء التحاكم إلى القرآن. ولعمري إن في من كانت هذه هي حاله لا يمكن أن يكون وفياً للقرآن الذي لم يصلنا إلا عن طريق رسول الله، ولا أن يكون صادقاً في الالتزام به!..
قد يقول هؤلاء: عذرنا الذي يدفعنا إلى إبعاد السنة لا يتمثل في أننا نكذّب كلام محمد (صلى الله عليه وسلم)، أو في أننا نستهين بسنته، بل إننا بدافع من الغير عليها والحماية لها نطالب في هذا العصر بالإعراض عنها، إذ قد اختلط الصحيح منها في هذا العصر بالضعيف والمنكر والموضوع، والتبس على الباحث هذا بهذا بذاك، وإنما سبيل الحفظ لكرامة رسول الله وسنته في هذه الحال أن نبعدها عن التحكيم خوفاً من أن نقع في الزيف، ومن أن ننسب إلى رسول الله ما هو منه بريء.. هذا ما قد يقوله بعض منهم، فما هو جوابنا عن هذه المعذرة؟
جوابنا أن هذا الكلام فيه ما يدل على أن هؤلاء الناس أعرف بما قد آلت إليه السنة من الله سبحانه وتعالى!! إنهم يتهمون الله بالجهل، ويتهمونه بأنه لا يعلم مآل هذه السنة النبوية، في حين أنهم هم الذين عرفوا وتبينوا هذا المآل.
لقد قال الله عز وجل خطاباً للناس في سائر العصور والأحقاب ( من يطع الرسول فقد أطاع الله )[النساء : 80].
وقال ( وما آتاكم الرسول فخذوه )[الحشر: 8] وقال: ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم )[النحل: 44] دون أن يعلم أن الأوامر الصحيحة التي نطق بها رسول الله ستمتزج بالمزيفة والموضوعة والضعيفة، ومن ثم فلن يتأتى للناس الطاعة المطلوبة منهم لرسول الله، في حين أن هؤلاء الناس هم الذين عرفوا ذلك من دون الله عز وجل!!!
أفهذا هو كلام من يؤمن بالله ؟؟؟
أم هل هذا كلام من يؤمن بأن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى ويصرّ على تحكيمه والأخذ به ؟
وكيف يحكّم القرآن ويأخذ به من يخطّئه في قراراته وتعليماته؟ !
على أننا نقول: من هذا الذي قال لكم إن سنة الرسول (صلى الله عليه وسلم) امتزج فيها الصحيح بالباطل بالزيف بالضعيف، ولم يعد يستبين للباحث هذا من ذالك ؟ من قال هذا الكلام؟
السنة النبوية المطهرة أول كتاب، أو أول موضوع ومصدر من مصادر الشريعة الإسلامية بعد القرآن وُقي من الزيف، وإليكم بيان ذلك:
كلنا نعلم أن هنالك وضاعين، وضعوا أحاديث مكذوبة على لسان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهنالك أحاديث ضعيفة وهنالك أحاديث منكرة، لاشك في هذا ولا ريب، ولكن مَن مِن المثقفين لا يعلم أن الله عز وجل قيض لهذه السنة علماً من أعجب العلوم التي تكاد ترقى إلى درجة الإعجاز، قيضه الله لحماية الحديث الصحيح من الدخيل ومن الزيف ومن الموضوع ونحوه.
أما سمع أصحاب هذه الأطروحة بعلم يسمى علم مصطلح الحديث؟
أما سمعوا بعلم يسمى علم الجرح والتعديل؟ أو ما بلغهم السبب الذي من أجله ظهر علم الجرح والتعديل وعلم مصطلح الحديث؟
من المعلوم أن الذي دفع العلماء، في أواخر القرن الأول وأوائل القرن الثاني، إلى إيجاد هذين العلمين إنما هو حماية حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
فعلم مصطلح الحديث صنف الأحاديث وقسمها إلى أحاديث آحاد وأحاديث متواترة، وقسم حديث الآحاد إلى أحاديث صحيحة وحسنة وضعيفة وموضوعة، والضعيفة قسمت أيضاً إلى أقسام، ووضعت ضوابط محددة لكل من هذه الأقسام. ولسنا الآن بصدد الحديث عن تفصيلات قواعد هذا العلم، ولقد وجدت مؤلفات كثيرة تحوي الأحاديث الموضوعة، ولكن وجودها أكبر شاهد ودليل على نقيضها أي على أن الأحاديث الموضوعة، إنما هو الوجه الآخر لاهتمامهم بتصفية الأحاديث الصحيحة من الزغل ومن الزيف.
وإذا أردنا أن نتساءل عن العهد الذي كاد أن يختلط فيه الحديث الصحيح بالضعيف بالموضوع فإنه على كل حال ليس هذا العهد، وإنما هو القرن الأول والثاني من عصر الهجرة النبوية المشرفة، في ذلك الوقت حاول الدساسون، وحاول الوضاعون أن يسربوا الأحاديث الباطلة إلى كلام رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وسرعان ما قام علماء الحديث فتداركوا .. وفرزوا .. وصنفوا.. وميزوا الأحاديث الصحيحة عن الأحاديث الباطلة والموضوعة.
أما اليوم فالأمر لا يحتاج إلى جهد، ولا يحتاج إلى فرز، لأن أولئك العلماء أتعبوا أنفسكم و بذلوا الجهد الذي بذلوه، ثم صنفوا المصنفات المختلفة وأوضحوا لنا قائمة الأحاديث الآحاد، والأحاديث المتواترة، الأحاديث الآحاد الصحيحة والضعيفة وغيرها، وبوسع أي باحث إذا أراد أن يستدل بحديث ذكره رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يرجع إلى المراجع الخاصة بهذا العلم، فيتبين الحديث الصحيح من الحديث الضعيف.
فيا عجباً لمن يأتي في هذا العصر، تماماً كما قال رسول الله، في مظهر من الكسل المستكبر الذي يأتي سمجاً ثقيلاً على النفس والعقل معاً، متكئاً على أريكته ليقول لنا: نحن لا نستطيع أن نستبين الأحاديث الصحيحة من الأحاديث الضعيفة، لنعمل بالأولى ونتجنب الثانية، فلنستعض عن السنة كلها بالقرآن.
ونقول له: تلك هي مصنفات الأحاديث المختلفة مفروزة منسقة مبينة أمامك، وما عليك إلا أن تمد يدك ثم تفتح عي************ وعقلك لتقرأ ! ولكن ماذا كنت تقول يا ترى لو أنك كنت تعيش في القرن الأول أو الثاني من الهجرة ؟ إذن لمزقت السنة النبوية كلها، و لخنقت الإسلام كله في ضباب كسلك!!!
هذا ما نقوله في الرد على من يتثاءب تثاؤب الكسول الثقيل، ثم المستكبر فوق ذلك كله على كتاب الله وسنة رسوله، ليتأفف قائلاً: إنه لمن الصعوبة بمكان أن نلتقط الأحاديث الصحيحة المميزة عن الأحاديث الضعيفة والموضوعة.
تلك هي المعذرة الأولى التي تصطنع اليوم لإبعاد السنة النبوية عن مجال الاحتجاج بها، وللتفريق الذي حذر القرآن منه بين الله ورسوله.
فما المعذرة الأخرى؟
المعذرة الأخرى هي دعوى أن في أحاديث رسول الله ما لا يتفق مع أعراف العصر، أو لا ينسجم مع مقتضى الحضارة والمدينة الحديثة.
وربما ساقوا مثالاً على ذلك حديث رسول الله الذي رواه البخاري في صحيحه وابن ماجة في سننه أنه (ص) قال: ( إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم ليلقه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء، وإنه يتقي بجناحه الذي فيه داء )وربما استشهد على ذلك أيضاً بحديث جابر الذي يرويه مسلم في صحيحه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أمر بلعق الأصابع والصحفة، أي وعاء الطعام. وقال: ( إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة )وربما أضافوا إلى هذين الحديثين أمثالهما.
فأصحاب هذه الأطروحة يقولون: كيف يمكن أن ينسجم مع المدينة الحديثة حديث يأمر إذا وقع الذباب في شراب أحدنا أن يغمسه كاملاً ثم يلقيه، مع ما يبعث ذلك في التقزز في النفس!!
أم كيف يتفق مع المدينة الحديثة أن نأخذ أنفسنا بهذه الوصية الثانية: إذا أكل أحدنا ثم قام من طعامه أن يلعق أصابعه التي أكل بها، وأن يمسح الوعاء الذي كان فيه الطعام حتى لا يبقى في قعره شيء.
تلك هي الحجة الأخرى، فما موقفنا من هذا الكلام.؟
أقول قبل كل شيء: ما هو مقياس المدنية التي ينبغي أن نأخذ أنفسنا بها، وأن نخضع لإيحاءاتها؟
الجواب المنطقي هو أن مقياس المدينة الحديثة: كل ما يتفق مع المنطق والعلم، وكل ما يتفق مع الفطرة الإنسانية والحاجات الأصلية لبني الإنسان.. لا شك أن مدينة تستوحي قوانينها من المنطق والعقل ومن الحاجات الأساسية لبني الإنسان يجب أن نتبعها.
أما المدنية الشاردة وراء هذين الضابطين فلا أعتقد أن الإنسان العاقل ملزم باتباعها، بل هو ملزم بالتحرر منها، بل على المسلمين أن يقفوا في وجه هذه المدنية، وأن يبذلوا ما يملكون لتصحيحها وتقويم عوجها. إذ إنهم أصحاب رسالة، وأمّة تخطيط وإبداع، وليست مهمتهم أن يكونوا ذيولاً إمّعات، يسيرون وراء تقليد الناس، إن أحسنوا يحسنون، وإن أساؤوا يسيئون.
هذا هو موقفنا من المدنيات والحضارات كلها.
على ضوء هذا الميزان، أقول: ما هي مشكلة حديث الذبابة الذي يقوم ويقعد به طائفة من الناس انتقاصاً لسنة رسول الله وتكريهاً للناس بها؟!
تعالوا نفهم معنى الحديث أولاً: يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) " إذا وقع الذباب في شراب أحدكم " أي إذا وقع فعلاً ولم تُجد الوقاية " فليغمسه ثم ليلقه "أي لا يلقين الذباب خارج الشراب حتى يغمسه كله فيه. وهو حرّ بعد ذلك في أن يتلف الشراب أو أن يستبقيه. وهذا الأمر سببه أن " في أحد جناحي الذبابة داء وفي الآخر شفاء وأنها تتقي بجناحها الذي فيه داء " فاقتضت الحيطة أن يلاحق الداء بالدواء، خوفاً من أن يبقى من ذلك الشراب شيء فيشربه من لا يعلم شيئاً عن هذا الذي وقع فيه، فيؤذيه الداء المتسبب عن ذلك.
ومعنى قوله " وإنه يتقي بجناحيه الذي فيه داء " أن الذباب إذا اتجه ساقطاً، اتجه إلى حيث يسقط، مائلاً بجناحه الذي فيه أذى وداء، تماماً كأي حيوان يلدغ، من شأنه أن يتجه إلى الجهة التي يسقط نحوها بالإبرة التي يدافع بها عن نفسه. ومعنى كلام رسول الله أن في الطرف الآخر من الذباب نقيض الداء الذي يتقي به عند السقوط، فليقض على الداء بنقيضه بغمس الذباب كلياً ثم طرحها في الخارج.
فهذا هو أولاً معنى الحديث!!
نقول بعد هذا: أفنتهم محمداً صلى الله عليه وسلم بأنه مخطئ جاهل؟ إذن فلماذا لا نتهمه بالجهل والخطأ ذاته عندما أخبرنا بالوحي الذي يأتيه من الله عن أمور الغيب.؟ أليس حديثه وحياً عن أحداث ما بعد الموت أغرب وأعجب من حديثه عن الذبابة وكيفية تخليص الشراب منها؟!
وأنا أشهد أن الذي يرتاب في كلام رسول الله عن الذبابة أن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء، لابّد أن يرتاب في كلامه إذ يتحدث عن عذاب القبر، أو عن سؤال الملكين، أو عن قيام الناس لرب العالمين، لكنه قد يغص باستنكار تلك الإخبارات الأخرى خوفاً من أن يتهم بالكفر، في حين أنه لا يغص بهذا الكلام محتجاً بأنه لا يتفق مع معطيات المدينة الحديثة، بل ربما قال لا يتفق مع العلم!!
والآن تعالوا نعرض كلام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هذا على موازين العلم وحقائقه: أولاً أنا أعلن أنني لست مختصاً بشيء مما يتعلق بالجراثيم ونقائضها، ولست طبيباً، ولست ممن يحلل خصائص الحيوانات، ويستبين ما فيها من أضرار وما فيها من منافع، ولكني بدون أن أطلع على شيء من هذا، وبدون أن أصغي السمع إلى أصحاب هذا الاختصاص، يكفيني لقبول هذا الكلام واليقين به أن أعلم بأن محمداً (صلى الله عليه وسلم) قد قاله، وأتبّين أنه قد وصلني بسند متصل صحيح ليس فيه شذوذ ولا علة.
إنني قد وثقت به في كلام أعجب وأخطر من هذا، أفلا أثق به عندما يحدثني عن الضرر الكامن في أحد جناحي الذبابة وعن المصل الواقي لهذا الضرر في الجناح الثاني؟ وكيف لا أصدقه وقد صدقت أنه رسول من عند الله، وأن الله سبحانه وتعالى أوحى إليه، وأن الله عصمه من الخطأ، وإن أخطأ فيما بينه الله فإن الله سبحانه وتعالى يصحح له علمه وإدراكه.
ولكن أقول للإخوة الذين لم تتكامل الثقة برسول الله في نفوسهم، تعالوا نتساءل ماذا يقول العلم الحديث عن هذا الذي قاله رسول الله (ص) عن الذبابة؟
أجل: العلم الحديث.. وإني لأتمنى أن لا يستعجل الذين يشمئزون من كلام رسول الله، ممن لم تتشبع عقولهم بنبوته وبالوحي الذي كان يتلقاه من الله عز وجل، فيسيئوا إلى العلم من حيث يتبجحون باحترامه والأخذ به.
تعالوا نضع ما قاله علماء هذا العصر عن الذبابة وما تحمله في داخلها:
تنقل جريدة تشرين الدمشقية في العدد الصادر يوم 16/6/1987 خبراً عن جريدة شنغهاي الصادرة عام 1987، يقول: ( اكتشف علماء صينيون مؤخراً أنه يوجد في جسم حشرة الذبابة نوع من البروتينات النشطة التي تملك قدرة كبيرة على إبادة الجراثيم الكامنة فيها والمسببة للأمراض.
ونقلت (شينخوا) عن صحيفة ( شينمين ) الصينية قولها : إن هذه الحشرة المقززة للنفس تملك بروتينات قوية قادرة على إبادة الفيروسات والجراثيم بشكل قاطع، إذا بلغت كثافتها حداً معيناً، وأضافت الصحيفة أنه يؤكد أن في جسم الذباب أيضا ً مادة الدهن، وخاصة في اليرقات التي تحتوي على نسبة كبيرة من المغنيزيوم والكاليسوم والفوسفور. ويفكر العلماء باستخراج هذه المواد من جسم الذبابة، ليكون مصدراً جديداً لمركبات قاتلة للجراثيم ).
ثم نشرت الصحيفة ذاتها، صحيفة تشرين الدمشقية في تاريخ 20/6/1987 الخبر التالي عن " شنغهاي ": ( اكتشف العلماء أنه توجد في جسم الذبابة بروتينات نشطة تقاوم الجراثيم، والمعروف أن هذا النوع من البروتينات النشطة له قدرة كبيرة على إبادة الجراثيم المسببة للأمراض .
و ذكرت جريدة الشعب الصينية الصادرة في (( شنغهاي )) التي نشرت هذا النبأ أن البروتينات النشطة التي يمتلكها الذباب تقدر على إبادة جميع الجراثيم و الفيروسات التي تحملها الذبابة إبادة تامة، إذا بلغت كثافتها واحداً في العشرة ألاف، و قال النبأ: إنه سوف يصبح للبشر مضاد جديد للجراثيم له قدرة جبارة لا مثيل لها، إذا تم استخراج هذه البروتينات الغريبة من جسم الذبابة ).
أليس هذا الكلام الذي تقوله صحيفة صينية بل صحف صينية، نقلاً عن علماء و أطباء لا علاقة لهم بالدين، و لم يسمعوا شيئاً عن حديث الذبابة، و لم يقفوا وقفة تساؤل، لا إيمان و لا استنكار عن شخص محمد عليه الصلاة و السلام، أليس هذا الكلام يسجد لنبوة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟
من ذا الذي يتلجج في الجواب عن هذا السؤال؟.
أليس موقفاً مقززاً أكثر من تقززنا من الذبابة، أن يقف أحدنا من كلام سينا محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هذا الموقف العاجل، قبل أن يتبين العلم، و قبل أن يصغي إلى كلام العلماء والأطباء، وأصحاب الاختصاص.
أليس مما يبعث على الاشمئزاز أن أتخذ هذا الموقف المستعجل من كلام رسول الله، و أن أتباهى بالعلم، و أنا بأمس الحاجة إلى شيء من العلم؟ أعتقد أن هذا الموقف يبعث على الاشمئزاز أكثر من الاشمئزاز الذي تنبعث به نفوسنا عندما نجد ذبابة وقعت في شراب.
و في هذه المناسبة أذكر لكم حواراً، جرى بيني و بين العالم و الطبيب الفرنسي المرحوم "موريس بوكاي" لنتبين الفرق بين موقف بعض المسلمين التقليديين الذين جمعوا بين مشكلتين اثنتين: مشكلة عدم الثقة برسولهم محمد عليه الصلاة و السلام، و مشكلة عدم استيعاب العلوم الحديثة و سبل التعامل معها، فوقفوا مستكبرين بين جهالتين سمجتين، و بين عالم أوروبي غير مسلم في الظاهر (( لم يعلن موريس بوكاي إسلامه، و لكنه أخبرني أنه مسلم يمارس الإسلام و يلتزم بأحكامه في منزله و حياته الشخصية، و هو شأن كثير من الأوروبيين المشهورين أو ذوي الوظائف الحساسة اليوم. ((
أعطاني كتابه الذي كان قد أصدره ذلك العام و عنوانه : " القرآن و الكتب السماوية و العلم الحديث" ، قلبته فوجدته يستشهد فيه على أن القرآن كلام الله عز و جل بالفرق الذي يتصوره بين القرآن و الحديث، و يقول: لا يمكن أن نعثر في شيء من القرآن على كلام يتعارض مع العلم، و هو دليل على أن القرآن كلام الله، في حين أن محمداً إذا نطق من عنده ربما قال كلاماً لا يؤيده العلم، و رأيته يستشهد في هذا بحديث الذبابة، قلت له إنك طبيب، فهل درست كل ما يوجد في جسم الذبابة من خصائص ضارة و مفيدة، و هل انتهيت إلى أن كلام رسول الله يناقض العلم، أم إنك جاهل بخصائص الذبابة و ما فيها، لأنه ليس من اختصاصك، فكان الرجل منصفاً في الجواب، و قال: بل أنا جاهل، إنني طبيب، و لكني لست أعلم عن خصائص الذباب شيئاً، و هذا يحتاج إلى دراسة مستوعبة.
قلت له: فأعتقد أن العلماء الذين لهم اختصاص دقيق في هذا الجانب، اكتشفوا هذا الذي يقوله رسول الله و أكدوا أن في الذبابة آفات خطيرة جداً جداً، لا يقضي عليها إلا نقيض لها في داخل جسم الذبابة.
ثم قلت له: أرجو أن لا تنسى الفرق بين عدم اكتشاف العلم لما قاله رسول الله و اكتشاف العلم لنقيض ما قاله رسول الله، و أعتقد أن حالنا اليوم يتخذ الموقف الأول، لا الثاني.
فأصغى باهتمام بالغ و قال لي: سأعدك أن أزيل الاستشهاد بهذا الحديث من كتابي هذا في الطبعات التالية.
دعوني أضعكم من هذا المثال أمام أناس هم في الظاهر غير مسلمين، لكنهم يحترمون العلم، و البحث العلمي، و في وقفة سريعة من أحدهم، و تنبيه بسيط من إنسان مثلي، يتخلى عن رأيه معتقداً أن تصحيح الخطأ من أقدس الواجبات.
بينما ننظر إلى أناس من أبناء جلدتنا مسلمين، لم يصلوا إلى شيء من العلوم التي وصل إليها أمثال (موريس بوكاي) الطبيب المشهور في فرنسا، و لكنهم في الوقت ذاته لم يتشبعوا بالإيمان و أركانه و لا هم تشبعوا بالعلوم الحديثة و حقائقها. و إنما أصروا على أن يقفوا – كما قلت لكم – بين جهالتين، مستكبرين بهذا الموقف الذي اتخذوه !!..
فهذا هو جوابنا عن المستنكرين لحديث الذبابة، و هنالك وثائق أخرى تتضمن كلمات لأطباء و علماء آخرين من الغرب تؤكد هذا الذي نقلته صحيفة تشرين، و لربما أجمعها و أنشرها في كتيب خاص إن شاء الله.
أما حديث رسول الله فيما يرويه جابر عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه كان يأمر بلعق الأصابع بعد الانتهاء من الطعام، و لعق الصحفة، أي الوعاء الذي فيه الطعام، فأنا أسأل: ماذا ترون في هذا الأمر النبوي مما يتناقض مع الإنسانية السامية، و مع الوفاء مع نعم الله عز و جل و عطائه؟ أما أنا فلا أجد في ذلك إلا صورة للوفاء السامي للنعمة و الشكر الواجب للمنعم!..
كان العرب يأكلون بأصابعهم، و لم تكن هذه الأشواك و الملاعق موجودة، فماذا تريد أن يقول رسول الله لمن قام عن الطعام و أصابعه مغموسة ببقايا منه؟..
هل تريد أن يقول: لا عليه أن يغسل يده من بقايا هذا الطعام، و أن يجعلها تذهب إلى المصارف، فتمتزج مع القاذورات ؟!..
هل هذا هو المتفق مع مدنيتك التي تعتز بها؟ و هل هذا هو الذي يتفق مع مقتضى الشكر على نعمة أسداها الله عز و جل إليك؟ أم هل تريد من رسول الله أن يقول لك: إذا رأيت أنك قد تركت بقايا طعام في أطراف الإناء فما عليك إلا أن تقوم مشمئزاً منها معرضاً عنها، و لا عليك، و قد أشعرك الشبع بالقرف منها، أن تلقي فوقها من رماد دخينتك، و ما قد مسحت به فمك و أنفك من قطع المحارم الورقية!!.. أغلب الظن أن رسول الله لو علمك أن تفعل هذا لهللت و استبشرت و كبرت، و انتشيت لهذه التعليمات التي تتفق مع مدنيتك.
و لكن تعالوا نضع هذه المدنية الحديثة في الميزان، ميزان الذوق الإنساني الرفيع، ميزان الوفاء للمنعم عز و جل، أي عاقل يقول: إن هذا الميزان يقضي بأن يترك الإنسان بقايا الطعام بهذا الشكل بعد أن يشبع، بل يقضي بأن يتعمد ترك شيء منه في الطبق و أن يقوم عنه قيام المشمئز منه و المترفع فوقه ؟!..
إن الذي يفعل هذا إنسان لئيم بغير شك!..
و لكي تعلم صدق ما أقول قارن بين حالتك و أنت جائع شديد الجوع حتى لكدت أن تقع في مسبغة مهلكة، ( و كلنا معرضون لهذا ) و بين حالتك و أنت تتقلب في النعم التي أنت فيها، ماذا كنت تصنع لو ألمت بك الحالة الأولى ( و مرة أخرى أقول: كلنا معرضون لها ) و رأيت هذه البقايا من الطعام في قعر إناء.
ستقبل إليها و تلتهمها بالملعقة ثم بأصابعك، بل بلسانك أيضاً، ستلعق كل ما يوجد من آثار لهذا الطعام في الإناء، لأنك جائع، و لا أحد يعتب على الجائع فيما يصنع، لأننا كلنا هذا الرجل عندما ينتابنا الجوع..
ترى هل علي أن أمثل من نفسي حالة المستغني عن الله و عطائه، عندما يعطيني فأشبع، ناسياً ما أنا معرّض له في كل ساعة، فأترفع عن بقايا الطعام المتفرق في أطراف الطبق، و أجعل من ترفعي هذا لسان استغناء و كبرياء أمام الآخرين، ثم لا أبالي أن تذهب هذه البقايا في المجاري مع القاذورات، و أنا أعلم أن الله لو زجني في حرمان مطبق مجيع، فلسوف أبحث عن هذه البقايا و أمثالها بين القمامة و على " المزابل " و لربما أزاحم في ذلك الحيوانات؟!..
أما منطق اللؤم فيقول نعم، لك أن تسكر بالعطاء و تنسى المعطي. و لا تشغل بالك باحتمالات الحرمان، فلكل حادث حديث!!..
و أما منطق الشكر و الوفاء فيقول: يجب أن يكون لسان الناطق بحمد الله في الشبع، هو ذاته لسانك الناطق بحمده في الجوع. إذ أنت عبده الضعيف في كلا الحالين، و أنت المحتاج إليه عند إقبال النعمة كما أنت محتاج إليه عند إدبارها..
و يقول منطق الوفاء: إن جوهر الشكر لله لا يستبين لدى التهامك الطعام و التقاطك لنثراته وأنت جائع، إذ أنت إنما تتعامل في هذه الحال، مع مشاعر جوعك و حاجتك .. و إنما يستبين جوهر الشكر عندما يشبعني الله و يغنيني، ثم أقبل إلى الطعام بالطريقة ذاتها، ألتقط نثاره، و أتعقب بقاياه، أينما كانت على أصابعي أو داخل طبقي أو ما تساقط منه حولي.. أحفل بذلك كله و أنا أتمتع بنعيم العطاء، كما كنت أحفل به أيام الجوع و البأساء..
و يقول منطق الشكر و الوفاء: من حمد الله على نعمته في السراء وقاه الله بذلك من الضراء.
إذن فحديث مسلم عن جابر الذي يأمر فيه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بلعق الأصابع ومسح الطبق من بقايا الطعام، دعوة إلى الشكر و الوفاء و تحذير من اللؤم و الاستكبار.
و أشهد أنه لا يشمئز من هذا الحديث و يتسامى على إتباعه، إلا من يشمئز من الشكر والوفاء، و يجنح إلى اللؤم و الكبرياء.
تلك هي المعذرة الثانية التي تُصطنع اليوم لإبعاد السنة عن مجال الحجية بها، و للتفريق الذي حذر القرآن منه بين الله و رسوله.. فهل هناك من معذرة أخرى؟
ربما كانت معذرتهم الأخرى، أن في أحاديث رسول الله و تصرفاته، ما يبدو لكل متأمل و ناظر أنه لا ينطلق إليها من قرار ديني بعث به، و لكنه يمارسها كأي منا بحكم بشريته و إنسانيته، و بحكم تعامله مع الدنيا كسائر الناس الآخرين.
و نقول في الجواب عن هذا: مع يقيننا بأن سنة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) مصدر من مصادر الشريعة الإسلامية فعلاً، بنص من كلام الله سبحانه و تعالى، و بقرار من القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، نقول: هل كل تصرفات رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تعد سنة نافذة، و من ثم فهي مصدر ثان من مصادر الشريعة الإسلامية؟
لا .. هناك تصرفات داخلة في الأعمال الجبلية، التي تصدر من المصطفى (صلى الله عليه وسلم) بوصف كونه بشراً من الناس، يأكل كما يأكلون، يشرب كما يشربون، ينعس فينام، يتعب فيستريح، يتصرف التصرفات الجبلية التي يتعرض لها الناس بحكم بشريتهم، يناقش في أمر الأطعمة و تحضيرها مثلاً، أو الآبار وحفرها، أو التكتيكات العسكرية و اختيار أجداها.
هذه الأمور لا تدخل في نطاق السنة، التي هي مصدر من مصادر التشريع، أي الحرام و الواجب و الحلال و المكروه و نحو ذلك.
من المعلوم أن أمهات الكتب التي تعنى بأصول الفقه تحفل ببيان هذا الأمر و تفصيل القول فيه. و من خير من كتب فيه الإمام الشاطبي في كتابه "الموافقات".
حتى الأقوال و الأفعال التي تدخل في معنى السنة، التي هي المصدر الثاني للتشريع، إنما تأخذ حجيتها من إقرار القرآن لرسول الله عليها ببيان مؤكد، أو بسكوت ينبئ عن الإقرار بها و عدم المعارضة لها. فمصدر انقيادنا لهذه السنة يقيننا بأنه رسول من عند الله، فهو لا يأمرنا أو ينهانا إلا بالذي يأمرنا به أو ينهانا عنه الله.. و عندما يخطّئ الله رسوله في أمر ما، فإننا في كل الأحوال إنما نتلقى تعاليمنا من عند رسول الله.. و كل ما يخبرنا به أو يجتهد فيه من أمور الدين، فهو بالنسبة إلينا حق يجب الانقياد له و الأخذ به، و عندما يأتيه تصحيح من عند الله، فإنما نأخذه نحن من عند رسول الله لأنه هو واسطتنا في الانقياد لأوامر الله.. و هذا هو معنى قول الله تعالى ( و ما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله )[النساء : 64].
إذن فحيثما أقر القرآن تصرف المصطفى (صلى الله عليه وسلم) بسكوت أو بتأكيد فقد ترسخت حجية السنة التي نطق بها أو فعلها رسول الله و تأكد وجوب انقيادنا له. و حيثما استدرك القرآن على شيء قاله المصطفى (صلى الله عليه وسلم)،أو على أمر اجتهادي اجتهده النبي فالحجة تستقر بما قد نطق به كتاب الله سبحانه و تعالى، و لكن عن طريق خبر رسول الله و بيانه. و لعل هؤلاء الذين يقولون: القرآن يغني عن السنة، لم يدرسوا هذه القواعد و الأحكام العلمية عن السنة و لو يدركوا حقيقتها و أبعادها.
و إذن فنحن في كلا الاحتمالين المتوقعين لنتيجة اجتهاده مكلفون بأتباعه وطاعته.
فمثلاً، جاءت زوجة أوس بن الصامت إلى رسول الله تشكو إليه أن زوجها قال لها: أنت مني كظهر أمي، و أخذت تسأله عن معنى هذا الكلام، فقال لها: ما أراك إلا قد حرمت عليه، قاله اجتهاداً من عنده.. أي الذي أراه أن هذا كناية طلاق، لذا فينبغي أن تكوني قد حرمت عليه.. و يبدو أنها أدركت أنه قال ذلك اجتهاداً لا عن وحي، فناقشته قائلة: لعله لم يرد طلاقاً، و لكنه (صلى الله عليه وسلم) عاد فقال لها: ما أراك إلا حرمت عليه، فقالت له يا رسول الله: إن لي منه صبية إن ضممتهم إلي جاعوا، و إن تركتهم إليه ضاعوا، و لكنه عاد فقال لها: ما أراك إلا قد حرمت عليه!.. فقامت تقول: أشكو إلى الله أمري!..
و سرعان ما نزل على رسول الله قوله تعالى: ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها و تشتكي إلى الله و الله يسمع تحاوركما ) [المجادلة : 1]. إلى أن قال تعالى : ( و الذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ) [المجادلة : 3] إلى آخر الآيات . فأوضحت الآيات أن كلام أوس ليس طلاقاً، كما قد اجتهد رسول الله، و إنما هو ظهار، و من ثم فبوسعه أن يعود إلى زوجته بعد الكفارة التي يجب عليه أن ينفذها. فأرسل النبي وراء زوجة أوس بن الصامت، و تلا عليها الآيات التي أنزلها الله سبحانه و تعالى عليه، وبين لها الحكم الذي أوحى به إليه الله عز و جل..
والمهم أن نعلم بأن امرأة أوس إنما تلقت الحكم الذي يجب عليها أن تأخذ نفسها به ، في كلا الحالتين من رسول الله (ص). فعندما اجتهد في الحالة الأولى و أنبأها بأنها قد حرمت عليه، كان واجباً عليها الانقياد لبيانه و طاعته في حكمه لأن الله قد أمرها و المسلمين جميعاً بطاعة رسول الله. و عندما تنزل عليه التصحيح و أنبأها به، وجب عليها أن تطيعه (صلى الله عليه وسلم) وتنقاد لبيانه الثاني هذا. و هذا هو معنى قولنا: إن الله يملك أن يصحح اجتهاد رسول الله و أن يدله على ما هو الحق في علمه، و لكن أحداً من غير الله لا يملك أن يخطئه في اجتهاده و يعصيه في ذلك بهذه الحجة.
و بعد فتلك هي حجج هؤلاء الذين يطرحون هذه المقولة و ينشرونها و يذيعونها، و ربما ألفوا فيها الكتب، و كتبوا فيها المقالات، و نشروا الدوريات، و عادوا و كرروا بإلحاح أن القرآن يغني، في هذا العصر، عن السنة. و قد تبين لنا أنها أعذار وهمية، لا ظل لها من الدلالة العلمية و البرهان المنطقي.
إذن، فلا بد أن نصنفها في قائمة الأغلوطات.
و قد آن لنا الآن، و قد تبين لنا بطلانها في ميزان الدراية العلمية و المنطقية أن نلفت النظر إلى بعض الخطط الخارجية المرسومة لإقصاء هذه الأمة عن إسلامها من حيث لا تشعر، و إلى أن الدعوة إلى نبذ السنة ليست إلا استجابة لأوامر صادرة من أصحاب تلك الخطط.
وليم كليفورد مدير معهد علم الإجرام في استراليا، أوفدته هيئة الأمم المتحدة ممثلاً لها لحضور سلسلة مؤتمرات "المنظمة العربية للدفاع الاجتماعي ضد الجريمة" و المنبثقة عن جامعة الدول العربية، بصفة مراقب، كان ذلك في أواخر السبعينات.
عاد كليفورد هذا بانطباعات و اقتراحات ضمنها تقريراً مطولاً، أودعه بعض أروقة الأمم المتحدة، ثم قدمه إلى دوائر أميركية خاصة تعنى بأحوال الشرق الأوسط.
و قد شاء الله أن يصل هذا التقرير المطول إلي.. و قد كتبت عنه دراسة مفصلة في كتابي "على طريق العودة إلى الإسلام" و ها أنا ألفت النظر هنا إلى أهم النقاط التي فيه.
أولاً: يقرن الكاتب بين ما يسميه "حركة انبعاث إسلامية قوية تغذيها ولية مضادة للاستعمار و بين ما يراه انهياراً بصورة ملحوظة لتلك الهيبة التي كانت تنبع سابقاً من اقتباس النماذج المثلي من المجتمعات الحضارية الغربية التي هي أكثر تفوقاً من الناحية الفنية و الأكثر تقدماً و غنى".
ثانياً: يحمل الكاتب الغرب من خلال هذه المقارنة مسؤولية النتائج التي قد تنجم من ذلك الانبعاث الإسلامي الحثيث الذي بات ينذر بتجاوز الحدود التقليدية للممارسات الإسلامية، حيث يبرز على أنه نوع من السعي الحثيث إلى استعادة تحقيق الذات.
ثالثاً: يتوقع كاتب التقرير، بقدر كبير من الخوف و القلق أن يحقق هذا الانبعاث النجاح المطلوب في المرافق الاجتماعية و السياسية، بحيث يتسبب عن هذا النجاح ما يضاعف حماس الشعوب الإسلامية في دعم انبعاثها الإسلامي و استعادة نظمه و أحكامه.. لذا فالمتوقع من النجاح الدنيوي و الحماس الديني أن ينفخ أحدهما القوة في الآخر، على حد تعبيره.
رابعاً: يربط الكاتب مخاوفه هذه بالقوة المادية الأولى التي يتمتع بها الشرق العربي، ألا و هي النفط.. و يكرر بشدة أن حركة انبعاث إسلامية جادة، تدعمها الطاقة المادية التي يتمتع بها أصحاب ينابيع النفط، كفيلة بقلب موازين الحضارة كلها، و القضاء على ما تبقى للغرب من هيبة و نفوذ، على حد تعبيره.
خامساً: يؤكد الكاتب أهمية القضاء على هاتين القوتين: المادية و الدينية، و يوصي باتباع السبل الكفيلة بوضع الغرب يده على ينابيع النفط!..
و فيما يتعلق بالخوف من الرجوع إلى ينابيع الشريعة الإسلامية يوصي بالعمل على ما يلي:
أولاً: فصل القرآن عن السنة و إقناع المسلمين بأن ما يسمى سنة ليس إلا اجتهادات شخصية من النبي عليه الصلاة و السلام.
ثانياً: إخضاع القرآن للاجتهادات و التأويلات المفتوحة و الكفيلة بمسايرة الإسلام للحضارة الغربية و اندماجها في سياسة الغرب.
هذا تلخيص لتقرير مطول يبلغ 30 صفحة، و أعتقد أن بوسع كل مثقف أن يلاحظ كيف طبق الشطر الأول من توصية " كليفورد " ذلك الشطر الداعي إلى بسط الغرب سلطانه على ينابيع النفط، كأدق ما يكون التطبيق. كما أن بوسع أي مثقف أن يلاحظ أنشطة الجنود المكلفين بتنفيذ الشطر الثاني منها، و الداعي إلى فصل القرآن عن السنة و تسليط الاجتهادات الكيفية على القرآن..
فالدعوة إلى نبذ السنة و الاكتفاء بالقرآن ناشطة في كل البلاد العربية، و ما وراءها من الأقطار الإسلامية، الأسلوب واحد و المبررات واحدة..
و القصد من هذه الخطة إخراج القرآن من حصنه الذي يحرسه و يحميه ألا و هو السنة، حتى إذا تهاوت من حوله رقابة السنة و ضوابطها، و ظهر القرآن أمام جمهرة العابثين به في العراء، سهل عليهم أن يفرغوه مما لا يريدون و أن يملؤوه بعد ذلك بما يريدون، و أن يجعلوا أخيراً من القرآن مخلاة لما توحي به الدوائر الغربية من الأفكار و الفلسفات التي تضمن بقاء هيمنة الغرب على هذا الشرق الإسلامي، و تقضي على الأخطار التي يحذر منها ( بهلع شديد) وليم كليفورد.
و انظروا كيف تسير الدعوة المهتاجة إلى نبذ السنة جنباً إلى جنب مع الدعوة إلى ما يسمى ب "القراءة المعاصرة" ..
أجل، القراءة المعاصرة هي البديل الذي ينبغي أن تحل محل السنة!.. أن يشرح رسول الله القرآن الذي تنزل عليه، لا، ليس هذا من حقه!.. أما أن يحل محله من يصرون اليوم على أن يخضعوه من خلال القراءة المعاصرة، لما يشتهون و يهوون و لما يمليه عليهم منفذو توصيات وليم كليفورد، فذلك حق ثابت لهم!!..
و ما هي "القراءة المعاصرة".
هي البديل المقترح عن قواعد تفسير النصوص التي تخضع لها اللغة العربية منذ عمر هذه اللغة إلى يومنا هذا، و التي يتم التخاطب على أساسها بين المتحاورين، مثل قاعدة: الأصل في الكلام الحقيقة، و لا يصار إلى المجاز إلا عند تعذر الحقيقة، و قاعدة اللفظ العام يجري على عمومه، و قاعدة العام يجري على عمومه، و قاعدة اللفظ المطلق يحمل على الفرد الكامل، يحمل المطلق على المقيد و ليس العكس، العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.. الخ.
و العجيب الذي يفضح هذه الخطة من مصدرها المرسوم إلى عملائها المنفذين، أن هذه "القراءة المعاصرة" لا تستدعى لتسلط على النصوص القانونية، و لا على النصوص الفلسفية، ولا على نصوص التاريخ، و لا على الأدب الجاهلي و لا القصة القديمة.. و إنما يلاحق بها القرآن حصراً.. فمن هو ذاك الغبي الذي يجهل معنى هذه الدعوة و ما وراءها؟..
وبوسعك أن تجد هذه الشنشنة بالطابع ذاته أينما حللت و اتجهت من البلاد الإسلامية العربية و غيرها.
في تركيا دعوة ملحة إلى إخضاع القرآن للقراءة المعاصرة.
في مصر.. في الباكستان، في البلاد الإسلامية من جنوب شرق أسيا، و إنك لتنظر فتجد المعزوفة هي هي، و اللحن هنا وهناك هو هو ..
ولا بد أن نستجيب للعقل فنلاحق دعاة القراءة المعاصرة بالسؤال التالي: إن كان مبدأ القراءة المعاصرة هو الحق في دراسة القرآن و فهمه، و القواعد العربية التي كان التخاطب يتم بها مع العرب الذين تنزل القرآن بينهم و في عصرهم، باطلة و غير صحيحة، فلماذا لا تطبق القراءة المعاصرة هذه على كل الكلام العربي الذي وجد في عصر نزول القرآن أو من قبله أو من بعده؟ و لماذا لا يتم تحريره هو الآخر من ربقة تلك القواعد العربية المعتمدة في أصول التخاطب؟!.. لماذا لا يخضعون مراجع الفلسفة القديمة للقراءة المعاصرة.؟ لماذا لا يخضعون الأدب الجاهلي و المعلقات العشر، كمعلقة امرئ القيس و غيرها للقراءة المعاصرة؟!..
لماذا القرآن وحده، دون غيره من هذه الكتب القديمة كلها، هو الذي يراد بإلحاح إخضاعها للقراءة المعاصرة؟!..
الجواب الواضح هو أنه لا مصلحة لدى أصحاب هذه الدعوة و ملقنيهم بالتلاعب بشعر امرئ القيس أو النابغة الذبياني أو التاريخ أو الأدب أو غيرها.. إذ الهدف المطلوب هو تغيير الإسلام و تبديد مبادئه و أحكامه و بتر صلة ما بينه و بين المسلمين الذين يأبون إلا انقياداً لأوامره و أحكامه، كما ألح على ذلك وليم كليفورد في نهاية تقريره.. و إنما يتم هذا الهدف بتسليط القراءة المعاصرة على القرآن ، لا على كتب التاريخ و الأدب و نحوها.
غير أن سلطان القراءة المعاصرة لا يمكن أن يهيمن على القرآن، ما دامت السنة النبوية تحرسه و تحمي معانيه و أحكامه. لذا فقد كان لا بد من إقصاء السنة و القضاء عليها أولاً.
أخيراً أذكركم بالوصية التي أوصى بها الزعيم الشيوعي الإيطالي ( تولياني ) قبل موته عام 1963 فلقد كان من وصيته أن لا يحارب الإسلام من خارج سلطانه و دائرته، لأن ذلك يثير ردود فعل كثيرة عند المسلمين، و إنما النهج الأمثل هو التسرب إلى داخل الإسلام، و القضاء عليه من داخله، باسم الاهتمام به و تجديده و الغيرة عليه.
غبي جداً من يتصور– بعد هذا – أن هؤلاء الذين يسعون اليوم إلى القضاء على الإسلام من داخله، أنصار و جنود له.. و لكن الأغبى منه من يسعى هذا السعي للعبث بالإسلام و القضاء عليه، و هو يظن أن في المسلمين الصادقين في إسلامهم من ينطلي عليه خداعه و يؤخذ بألاعيبه و دجله..

المصدر:مقتبس من كتاب يغالطونك إذ يقولون؟!! بقلم الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي


http://www.55a.net/firas/arabic/inde...select_page=17


=====================


اقتباس من مقال للشيخ عبدالله بن بيه 



القرآن والسنة من مشكاة واحدة هي مشكاة النبوة ?مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ?


اختلفتْ أنظارُ العلماءِ في التعامل مع خبر الآحاد إذا خالفَ القواعدَ أوِ القياسَ أو عملَ أهل المدينة إلى آخر ما يعلمه فضيلتكم في المباحث الأصولية. وعندما دوَّن الشافعي أصولَ الفقه ووضعَ اللبناتِ الأولى لقواعد الاستنباط وترتيبِ الأدلة ؛ جعلَ القرآنَ والسنَّةَ في مرتبةٍ واحدةٍ ؛ مستدلاً بالآيات التي جعلتْ طاعةَ رسولِ اللهِ r طاعةً للهِ، إلا أنَّه أشارَ إلى أن السنة مبيِّنةٌ للقرآن،


وفي رأيي أنَّ نصوصَ القرآنِ والسُّنة تتضامنُ وتتكاملُ، وأنَّ كلياتِ القرآنِ هي نفسُها الكلياتُ التي أكدَّتْ عليها السُّنة وزادتها بياناً، ? ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً? فكلُّ ذلك مِن عندِ الله إلاَّ أنَّ بعضَ الكلياتِ يعتريهِ التخصيصُ، وأحياناً تظهر فروعٌ تتجاذبها كلياتُ فتترجَّح بينها وبعض الكليات الأخرى لا يعتريه تخصيصٌ . وقد أشار الشاطبي إلى ذلك في العام حيث يقول: :"المسألة السابعة": العمومات إذا اتَّحد معناها، وانتشرت في أبواب الشريعة، أو تكرَّرت في مواطن بحسب الحاجة من غير تخصيص؛ فهي مُجراة على عمومها على كل حال، وإن قلنا بجواز التخصيص بالمنفصل. 

والدليل على ذلك الاستقراءُ؛ فإنَّ الشريعةَ قرَّرتْ أنْ لا حرجَ علينا في الدين في مواضعَ كثيرة، ولم تستثنِ منهُ موضعاً ولا حالاً، فعدَّه علماءُ الملَّة أصلاً مطِّرداً وعموماً مرجوعاً إليه ؛ من غير استثناء، ولا طلبِ مخصِّص، ولا احتشام من إلزام الحكم به، ولا توقف في مقتضاه، وليس ذلك إلا لما فهموا بالتكرار والتأكيد من القصد إلى التعميم التام.

==========



الشبهة الأولى: الاكتفاء بالقرآن. 


* يقول المشككون في السنة، إن القرآن الكريم محفوظ بحفظ الله تعالى، وبقوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)1 ، كيف لا ومفرداته كلام الله، وحروفه ثابتة، وأحكام تلاوته متواترة ومحفوظة في الصدور والسطور. 

* كما أن القرآن كاف شاف يقول سبحانه وتعالى: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ)2 ؟ ويقول سبحانه: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ)3، فما حاجتنا إلى السنة وفي القرآن اكتمال كل شيء، وتبيان كل شيء أيضا؟ 

* يضيف المتشككون أن التعهد الإلهي بحفظ القرآن الكريم لا يشمل السنة: التي هي كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وهي غير محفوظة، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم وهو بشر ينسى كما ينسى الناس، ويغضب كما يغضب الناس، فكيف نسجل جميع أحواله ونتعبد بها لله تعالى، خاصة فيما لم يقم عليه دليل في القرآن الكريم؟ 

* علاوة على ما سبق، فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه من خطورة الكذب عليه، في الحديث المتواتر: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" فما حاجتنا إلى السنة؟ خاصة وهي غير محفوظة كالقرآن، والنبي صلى الله عليه وسلم بشر، وتعمد الكثيرون الكذب عليه، فما حاجتنا إلى السنة؟ 



الرد على شبهة الاكتفاء بالقرآن 

1. الدفع الأول : اثبتوا دعواكم من القرآن الكريم 

إذا كان فهم المتشككين لآيات الله تعالى صحيحا، وأن القرآن لم يفرط في شيء، وفيه تبيان كل شيء، فعليهم إثبات دعواهم بالاكتفاء بالقرآن ونبذ السنة من القرآن الكريم، هذا هو المصحف، فأين الآيات التي تأمرنا بالاكتفاء بالقرآن؟ وتطالبنا في نفس الوقت بنبذ سنة نبينا صلوات الله وسلامه عليه. ومطلبنا هذا تعلمناه من القرآن الكريم، في قوله تعالى: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)4 ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: البينة على من ادعى. [ (تخريج 2) ] . 

2. الدفع الثاني: القرآن والسنة من مشكاة واحدة 

* القرآن الكريم كلام الله القديم، نزل به جبريل جملة واحدة إلى السماء الدنيا، ثم نزل منجما على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك قوله سبحانه: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى)5 ، فالنبي المعصوم لا ينطق إلا بوحي من رب السماء والأرض. 

* نعم السنة كلام النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، ولكنه لا يتصرف من نفسه وهواه، وإنما هي وحي من الله تعالى، ينزل بها أمين الوحي جبريل عليه السلام، والمطلع على كتب السنة والسيرة يرى جبريل عليه السلام ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم في مواقف كثيرة – يصعب استقصاؤها - لبيان أحكام أو إظهار حقائق خافية يستند إليها الحكم الإلهي، وفي الحديث الشريف الذي يرويه أبو هريرة أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله إنك تداعبنا، قال: إني لا أقول إلا حقا" [ (تخريج 3) ] . 

* إن الرسالة الخاتمة لابد أن تكون محفوظة حتى تصل إلى الناس مهما طال الزمن، ويخطئ كثير من الناس حين يظن أن الحق تبارك وتعالى تكفل بحفظ القرآن الكريم وحده، لقوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)،6 ولو كان المراد حفظ القرآن فقط لجاءت الآية قاطعة بذلك: فتقول مثلا: نزلنا القرآن وإنا له لحافظون، فاختيار لفظ الذكر بدلا من القرآن له حكمة عظيمة، فالذكر هو البلاغ والبيان عن الله، أي القرآن والسنة، وأبرز صور الحفظ هي: حفظ القرآن الكريم بالحفظ المباشر من الله تبارك وتعالى، وحفظ السنة بانتداب علماءها لوضع ضوابط وأسس تميز الصحيح من المكذوب المفترى على النبي صلى الله عليه وسلم 

* لابد أن يشمل حفظ الله لهذا الدين حفظ السنة أيضا، لأن السنة تبين القرآن الكريم، كما أشارت إلى ذلك سورة النحل، وهذا الأمر محل إجماع أهل السنة، فكيف يُحفظ المبيَّن وهو القرآن الكريم، ويترك المبيِّن وهي السنة مع أننا لن نتمكن من فهم القرآن الكريم إلا في ضوء بيان السنة المطهرة. 

* تعرض السنة لمحاولات الوضع وغيره، لا تعني أنها غير محفوظة، بل إن هذا الهجوم الشرس على السنة هو من أقوى الأدلة على حفظها، وذلك أن الحفظ الإلهي للسنة لم يكن يظهر لو لم تتعرض لهذا الهجوم الشديد، حتى تظهر عناية الله لها بأن هيأ لها وسائل الحفظ المعروفة عند العلماء، بل إن القرآن الكريم تعرض وما زال لمحاولات التبديل والتغيير، ولكن الله عاصمه، وعاصم نبيه، وكاشف كيد المبطلين، ونظير ذلك قوله تعالى لنبيه والله يعصمك من الناس، ومع ذلك فقد تعرض لمحاولات القتل والاعتداء كما في بني النضير، وفي قصة الشاة المسمومة، فتلك العصمة لم تظهر لنا بصورة واضحة جلية إلا مع تلك المحاولات. 



3. الدفع الثالث: السنة ثابتة في حق جميع الأنبياء وتلقوها من ربهم? 

إذا وافَقَنا مَن يناظرنا على ما طرحناه، فبها ونعمت، وإن لم يكفه ما قدمناه فيأتي دورنا في طرح هذا السؤال عليه: ماذا تلقى الأنبياء من ربهم? ولابد له أن يجيب أنهم تلقوا الكتاب فقط, لأنه لو قال معه غيره لبطلت دعواه, فيطالب بتفسير الحكمة المشار إليها في الآيات التالية: 

* (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً)7 

* (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)8 

* (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)9 

* (وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)10 

* (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)11 

* (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً)12 

* (ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً)13 

* (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)14 

* قول الحق سبحانه وفي حق عيسى عليه السلام (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ)15 ، ويقول سبحانه وتعالى: (ولما جاء عيسى بالبينات قال: وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) [الزخرف: 63[، ويقول جل من قائل: (وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ)16 ، وفي سورة آل عمران يقول سبحانه: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ)17 

* ويقول سبحانه في حق إبراهيم الخليل عليه السلام: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً)18 

* وفي حق نوح عليه السلام: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)19 

* وفي حق صالح عليه السلام: (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ)20 

وبالنظر إلى الآيات الواردة في شأن نبينا صلى الله عليه وسلم والتي وردت فيها كلمة الحكمة معطوفة على الكتاب ، فإن ذلك يدل على أن الحكمة غير الكتاب ؛ لأن العطف يقتضي المغايرة ، ولم يأتنا رسو ل الله صلى الله عليه وسلم بشيء غير القرآن مما يحتم أن يكون المراد بالحكمة أنها السنة . يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : فذكر الله الكتاب وهو القرآن ، وذكر الحكمة ، فسمعت من أرضى من أهل العلم يقول : الحكمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا يشبه ما قال – والله أعلم – لأن القرآن ذكر وأتبعته الحكمة ، وذكر الله نبيه على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة ، فلم يَجُزْ - والله أعلم – أن يقال : الحكمة هاهنا إلا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم21 . 

كما نقل البيهقي في المدخل إلى السنن بأسانيده إلى الحسن وقتادة ويحيى بن أبي كثير قال : الحكمة هي السنة في آية : (وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) . 

4. الدفع الرابع : قوله تعالى: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ) ، فما الداعي للسنة؟ 

الجواب: أن المراد بالكتاب في هذه الآية ليس القرآن الكريم والدليل في نفس الآية، يقول سبحانه: (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم، ما فرطنا في الكتاب من شيء، ثم إلى ربهم يحشرون) ]الأنعام:8 [ فالكتاب هنا هو اللوح المحفوظ، المدون فيه ما كان وما سيكون من علم الله تعالى، ولا يقول عاقل أن استقصاء المخلوقات والدواب والطير مسطور في القرآن. 

وحتى مع القول بأن الكتاب في الآية الكريمة تعني القرآن، فإن الله تعالى قد جعله تبيانا لكل شيء، ولم يفرط فيه من شيء، ومن بين ما بينه سبحانه وتعالى في كتابه، ولم يفرط في توضيحه، أمره في عشرات الآيات وفي مواضع متعددة بطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد بين لنا أن تلك السنة هي التي تبين القرآن، فلماذا تمسكتم بآية وغفلتم عن الآيات الأخرى، أتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض. 

5. الدفع الخامس: كفاية القرآن الكريم لقوله تعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء)، 

الجواب: استدل بعض منكري العمل بالسنة، بهذه الآية على كفاية القرآن، فهذا لم يقل له سلف الأمة، ولو تأمل القائل ما يقول لبان له فساده من أول وهلة، إذ لو كانت الآية معناها استقلال الكتاب في بيان كل شيء، فعليه أن يقدم من القرآن تفصيل أحكام العبادات التي يقوم بها أركان الإسلام، فما بالك وأقوال علماء التفسير مجمعة على ما نقض دعواه، ومنها: 

* قول الأوزاعي: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ) أي: بالسنة "22. 

* قول ابن الجوزي في زاد المسير: " فأما قوله تعالى لكل شيء فقال العلماء بالمعاني: لكل شيء من أمور الدين، إما بالنص عليه، أو بالإحالة على ما يوجب العلم مثل بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو إجماع المسلمين "23. 

* قول الجصاص في أحكام القرآن: " يعني به - والله أعلم - تبيان كل شيء من أمور الدين بالنص والدلالة، فما من حادثة جليلة ولا دقيقة إلا ولله فيها حكم قد بينه في الكتاب: نصًا، أو دليلا فما بينه النبي صلى الله عليه وسلم فإنما صدر عن الكتاب بقوله تعالى (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)24 وقوله تعالى (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله)، وقوله: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)25 فما بينه الرسول فهو عن الله عز وجل، وهو من تبيان الكتاب له لأمر الله إيانا بطاعته، واتباع أمره، وما حصل عليه الإجماع فمصدره أيضا عن الكتاب ؛ لأن الكتاب قد دل على صحة حجة الإجماع وإنهم لا يجتمعون على ضلال "26. 

* قول الشوكاني في فتح القدير: " ومعنى كونه تبيانًا لكل شئ أن فيه البيان للكثير من الأحكام، والإحالة فيما بقى منها على السنة، وأمرهم باتباع رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما يأتى به من الأحكام، وطاعته ؛ كما فى الآيات القرآنية الدالة على ذلك، وقد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: إنى أوتيت القرآن ومثله معه " [ (تخريج 4) ]. 

الدفع السادس: عرض الحديث على القرآن 

يحتج بعض من يرد السنة النبوية بحديث: "ما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله"، وهم بذلك يخالفون منهجهم في الاكتفاء بالقرآن، ويحتجون بالحديث، وهم لا يرون الاحتجاج بالحديث أصلا ؟ أهو رفض الحق لأجل جحوده فحسب، كما قال تعالى: (وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)27 وعلى فرض التنزل مع الخصم فنقول: إن القاعدة تنص على أن الاحتجاج فرعٌ للصحة لا العكس، فكيف يحتج بما لا يعلم ثبوته من عدمه؟ ولذا كان الواجب على كل من يحتج بشيء أن يتأكد من ثبوته من عدمه، ولذا نناقش في البداية صحة هذا الحديث، لبيان صلاحيته للاحتجاج من عدمه، فنقول: إن الحديث رواية منقطعة عن رجل مجهول. 

* قال الشافعي: احتج على بعض من رد الأخبار بما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "ما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله، فما وافقه فأنا قلته، وما خالفه فلم أقله"، فقلت له: ما روى هذا أحد يثبت حديثه في شيء صغير ولا كبير، وإنما هي رواية منقطعة عن رجل مجهول، ونحن لا نقبل مثل هذه الرواية في شيء. 

* قال البيهقي: أشار الإمام الشافعي إلى ما رواه خالد بن أبي كريمة عن أبي جعفر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنه دعا اليهود فسألهم فحدثوه حتى كذبوا على عيسى عليه السلام، فصعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فخطب الناس فقال: إن الحديث سيفشو عني، فما أتاكم يوافق القرآن فهو عني، وما أتاكم عني يخالف القرآن فليس عني". قال البيهقي: خالد مجهول، وأبو جعفر ليس بصحابي فالحديث منقطع، ثم راح البيهقي يفصل طرق هذا الحديث فقال: وقد روي الحديث من أوجه أخر كلها فيه مقال: 

* الطريق الأول: عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن الأصبع بن محمد بن أبي منصور أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الحديث على ثلاث فأيما حديث بلغكم عني تعرفونه بكتاب الله فاقبلوه، وأيما حديث بلغكم عني لا تجدون في القرآن موضعه، ولا تعرفون موضعه فلا تقبلوه، وأيما حديث بلغكم عني تقشعر منه جلودكم، وتشمئز منه قلوبكم وتجدون في القرآن خلافه فردوه ". قال البيهقي: وهذه رواية منقطعة عن رجل مجهول. 

* الطريق الثاني: عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن علي بن أبي طالب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنها تكون بعدي رواة يروون عني الحديث، فاعرضوا حديثهم على القرآن، فما وافق القرآن فحدثوا به، وما لم يوافق القرآن فلا تأخذوا به". قال البيهقي: قال الدارقطني: هذا وهم، والصواب عن عاصم عن زيد بن علي منقطعًا. 

* الطريق الثالث: عن بشر بن نمير عن حسين بن عبد الله عن أبيه عن جده عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنه سيأتي ناس يحدثون عني حديثا فمن حدثكم حديثا يضارع القرآن فأنا قلته ومن حدثكم حديثًا، لا يضارع القرآن فلم أقله"، قال البيهقي: هذا إسناد ضعيف لا يحتج بمثله؛ حسين بن عبد الله بن ضميرة قال فيه ابن معين: ليس بشيء، وبشر بن نمير: ليس بثقة. 

* الطريق الرابع: بسنده إلى صالح بن موسى عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنه سيأتيكم عني أحاديث مختلفة، فما أتاكم موافقا لكتاب الله وسنتي ؛ فهو مني وما أتاكم مخالفا لكتاب الله وسنتي ؛ فليس مني " قال البيهقي: تفرد به صالح بن موسى الطلحي، وهو ضعيف لا يحتج بحديثه. قال السيوطي معقبًا: ومع ذلك فالحديث لنا لا علينا ألا ترى إلى قوله موافقًا لكتاب الله وسنتي. 

* الطريق الخامس: عن يحيى بن آدم عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا حدثتم عني حديثا تعرفونه، ولا تنكرونه، قلته، أو لم أقله فصدقوا به، فإني أقول ما يعرف ولا ينكر، وإذا حدثتم عني حديثا تنكرونه، ولا تعرفونه، فلا تصدقوا به فإني لا أقول ما ينكر، ولا يعرف". قال البيهقي: قال ابن خزيمة: في صحة هذا الحديث مقالٌ، لم نر في شرق الأرض ولا غربها أحدًا يعرف خبر ابن أبي ذئب من رواية يحيى بن آدم، ولا رأيت أحدا من علماء الحديث يثبت هذا عن أبي هريرة. قال البيهقي: وهو مختلف على يحيى بن آدم في إسناده ومتنه اختلافا كثيرا يوجب الاضطراب، منهم من يذكر أبا هريرة، ومنهم من لا يذكره، ويرسل الحديث، ومنهم من يقول في متنه: إذا رويتم الحديث عني فاعرضوه على كتاب الله. وقد أشار إلى هذا الاضطراب أيضًا ابن معين كما في التاريخ رواية الدوري (3 : 446) قال الدوري: سمعت يحيى يقول: كان يحيى بن آدم يحدث بحديث ابن أبي ذئب عن سعيد، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله "، وغير يحيى بن آدم يرسله. وقال البخاري في التاريخ الكبير: ذكر أبي هريرة فيه وهم. 

* الطريق السادس: أخرجه البيهقي من طريق الحارث بن نبهان عن محمد بن عبد الله العرزمي عن عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما بلغكم عني من حديث حسن لم أقله فأنا قلته ". قال البيهقي: هذا باطل والحارث والعرزمي متروكان، وعبد الله بن سعيد عن أبي هريرة مرسل فاحش. وقال القرطبي كما في تفسيره (1 : 38): حديث باطلٌ لا أصل له. وقال العجلوني في كشف الخفا: "باب إذا سمعتم عني حديثًا فاعرضوه على كتاب الله ؛ فإن وافقه فاقبلوه، وإلا فردوه، لم يثبت فيه شيء، وهذا الحديث من أوضع الموضوعات، بل صح خلافه: ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، وجاء في حديث آخر صحيح: لا ألفين أحدكم متكئا على متكأ يصل اليه عني حديث فيقول: لا نجد هذا الحكم في القرآن، ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه". 

فهذه طرق الحديث التي روي بها، وهي معلولة مطعون فيها عند التحقيق العلمي، وهي على هذا لا تصح لئن يستدل بها من الأصل، وهذا حتى على مذهب من يأخذ بالقرآن فقط لأن القرآن العظيم يأمرنا بالتثبت في نقل الأخبار كما يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا )28 ، فعلى كل الأحوال طالما لم يثبت النقل والنبأ فلا حجة لكم فيه. فثبت بطلان استدلالكم بهذ الحديث. 

وكل ما سبق بيانه يتعلق بنقد السند، أما المتن فمعلول أيضا، ويحمل الدليل على وضعه بين طياته، فإن حديثهم المزعوم بطلب عرض أقوال النبي صلى الله عليه وسلم على القرآن، فإن وافقه كان حديثا، وإلا فلا، وهذا ما فعله العلماء ثم قالوا: عرضنا حديث العرض على كتاب الله تعالى فوجدناه مكذوبا، فإنا لم نجد آية في كتاب الله تعالى تطلب منا عرض أقوال نبيه صلى الله عليه وسلم على القرآن، بل وجدنا عكس ذلك، وجدنا القرآن الكريم يطلب طاعة نبيه صلى الله عليه وسلم بصفة مطلقة وبشكل قاطع، وبدون هذا العرض المزعوم، كما في قوله تعالى: "وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا" 



الدفع السابع : السنة تحذرنا منكم ومن مزاعمكم 

1. أخرج أحمد وابن ماجة والترمذي عن المقدام بن معدي كرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السبع، ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه". وزاد أبو داود "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه". وزاد الترمذي: وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله". ثم قال هذا حديث حسن غريب [ (تخريج 5) ] . 

2. وأخرج أبو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد عن أبي رافع وغيره قال: "لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه أمر مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا أدري! ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه" قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح [(تخريج 6)]. 

3. ويحسم النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بقوله: "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه, ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته يقول: بيننا وبينكم كتاب الله, فما وجدنا فيه حلالا أحللناه, وما وجدنا فيه حراما حرمناه, وإن ما حرمه الرسول كما حرمه الله" أخرجه الطبراني وأحمد وأبو داود. [ (تخريج 7) ] 

4. أخرج أبو داود بسنده إلى العرباض بن سارية السلمي قال: نزلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر، ومعه من معه من أصحابه، وكان صاحب خيبر رجلا ماردا منكرا فأقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد ألكم أن تذبحوا حمرنا، وتأكلوا ثمرنا، وتضربوا نساءنا؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: يا ابن عوف اركب فرسك ثم ناد ألا إن الجنة لا تحل إلا لمؤمن، وأن اجتمعوا للصلاة، فاجتمعوا، ثم صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام فقال: "أيحسب أحدكم متكئا على أريكته، قد يظن أن الله لم يحرم شيئا إلا ما في هذا القرآن، ألا وإني والله قد وعظت وأمرت ونهيت عن أشياء إنها لمثل القرآن أو أكثر وإن الله عز وجل لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن، ولا ضرب نسائهم، ولا أكل ثمارهم إذا أعطوكم الذي عليهم"[ (تخريج 8)]. 

5. وأخرج الخطيب البغدادي بسنده إلى جابر بن عبد الله أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " "لعل أحدكم أن يأتيه حديث من حديثي وهو متكئ على أريكته فيقول: دعونا من هذا، ما وجدنا في كتاب الله اتبعنا"، وبسنده إلى ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بال أصحاب الحشايا يكذبوني عسى أحدكم يتكئ على فراشه يأكل مما أفاء الله عليه، فيؤتى يحدّث عني الأحاديث يقول: لا أرب لي فيها، عندنا كتاب الله، ما نهاكم عنه فانتهوا، وما أمركم به فاتبعوه" [ (تخريج 9) ] . 

6. إن فتنة الاكتفاء بالقرآن ليست حديثة العهد، فقد قذفها الشيطان في نفوس بعض الناس في القرن الأول، فهذا الخطيب البغدادي يسوق بسنده في كتابه "الكفاية" إلى الصحابي الجليل عمران بن حصين رضي الله عنه أنه كان جالسا ومعه أصحابه يحدثهم، فقال: رجل من القوم لا تحدثونا إلا بالقرآن، فقال له عمران بن حصين: "ادنه، فدنا، فقال: أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن، أكنت تجد فيه صلاة الظهر أربعا، وصلاة العصر أربعا، والمغرب ثلاثا، تقرأ في اثنتين، أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن أكنت تجد الطواف بالبيت سبعا، والطواف بالصفا والمروة ثم قال: أي قوم، خذوا عنا فإنكم والله إن لا تفعلوا لتضلن، وفي رواية أخرى: أن رجلا قال لعمران بن حصين: ما هذه الأحاديث التي تحدثوناها وتركتم القرآن؟ قال: أرأيت لو أبيت أنت وأصحابك إلا القرآن، من أين كنت تعلم أن صلاة الظهر عدتها كذا وكذا، وصلاة العصر عدتها كذا، وحين وقتها كذا، وصلاة المغرب كذا؟ والموقف بعرفة، ورمي الجمار كذا؟ واليد من أين تقطع؟ أمن هنا أم هاهنا أم من هاهنا؟ ووضع يده على مفصل الكف، ووضع يده عند المرفق، ووضع يده عند المنكب اتبعوا حديثنا ما حدثناكم وإلا والله ضللتم". 

7. وساق بسنده إلى أبي أيوب السختياني أنه قال: "إذا حدثت الرجل بالسنة، فقال: دعنا من هذا وحدثنا بالقرآن فاعلم أنه ضال مُضِّل". 

==============
هناك مَنْ يكتفون بالقرآن الكريم.. ويشككون فى صحة الأحاديث ، ويظهرون التناقضات بينها ، ويذكرون الحديث الذى ينص على عدم زيارة المرأة للقبول ، والحديث الذى يقول (فى معناه) أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال إننى قد أمرتكم بعدم زيارة القبور من قبل ، والآن أسمح لكم بزيارة القبور.. فيشيرون إلى ذلك بأنه تناقض.. ويدللون على ذلك بأن الأمة قد فقدت الكثير من الأحاديث النبوية عبر الزمان ، أو أن هذه الأحاديث قد حرفت عن معانيها الصحيحة.. (انتهى).


الرد على الشبهة:


فى بداية الجواب عن شبهة هؤلاء الذين يشككون فى الأحاديث النبوية. ننبه على مستوى جهل كل الذين يثيرون مثل هذه الشبهات حول الحديث النبوى الشريف.. ذلك أن التدرج والتطور فى التشريع الذى يمثله حديث النهى عن زيارة القبور ثم إباحتها.. هذا التدرج والتطور فى التشريع لا علاقة له بالتناقض بأى وجه من الوجوه ، أو أى حال من الأحوال.
ثم إن التشكيك فى بعض الأحاديث النبوية ، والقول بوجود تناقضات بين بعض هذه الأحاديث ، أو بينها وبين آيات قرآنية.. بل والتشكيك فى مجمل الأحاديث النبوية ، والدعوة إلى إهدار السنة النبوية والاكتفاء بالقرآن الكريم.. إن هذه الدعوة قديمة وجديدة ، بل ومتجددة.. وكما حذّر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب عليه.. فلقد حذّر من إنكار سنته ، ومن الخروج عليها.


ونحن بإزاء هذه الشبهة نواجه بلونين من الغلو:


أحدهما: يهدر كل السنة النبوية ، اكتفاء بالقرآن الكريم.. ويرى أن الإسلام هو القرآن وحده.
وثانيهما: يرى فى كل المرويات المنسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم سنة نبوية ، يكفر المتوقف فيها ، دونما فحص وبحث وتمحيص لمستويات " الرواية " و " الدراية " فى هذه المرويات. ودونما تمييز بين التوقف إزاء الراوى وبين إنكار ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم..


وبين هذين الغلوين يقف علماء السنة النبوية ، الذين وضعوا علوم الضبط للرواية ، وحددوا مستويات المرويات ، بناء على مستويات الثقة فى الرواة.. ثم لم يكتفوا ـ فى فرز المرويات ـ بعلم " الرواية " والجرح والتعديل للرجال ـ الرواة ـ وإنما اشترطوا سلامة " الدراية " أيضًا لهذه المرويات التى رواها العدول الضابطون عن أمثالهم حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم.


أى أن هؤلاء العلماء بالسنة قد اشترطوا " نقد المتن والنص والمضمون " بعد أن اشترطوا " نقد الرواية والرواة " وذلك حتى يسلم المتن والمضمون من " الشذوذ والعلة القادحة " ، فلا يكون فيه تعارض حقيقى مع حديث هو أقوى منه سندًا ، وألصق منه بمقاصد الشريعة وعقائد الإسلام ، ومن باب أولى ألا يكون الأثر المروى متناقضًا تناقضًا حقيقيًّا مع محكم القرآن الكريم..

ولو أننا طبقنا هذا المنهاج العلمى المحكم ، الذى هو خلاصة علوم السنة النبوية ومصطلح الحديث ، لما كانت هناك هذه المشكلة ـ القديمة..

المتجددة ـ.. ولكن المشكلة ـ مشكلة الغلو ، بأنواعه ودرجاته ـ إنما تأتى من الغفلة أو التغافل عن تطبيق قواعد هذا المنهج الذى أبدعته الأمة الإسلامية ، والذى سبقت به حضارتنا كل الحضارات فى ميدان " النقد الخارجى والداخلى للنصوص والمرويات ".. وهذه الغفلة إنما تتجلى فى تركيز البعض على " الرواية " مع إهمال " الدراية " أو العكس.. وفى عدم تمييز البعض بين مستويات المرويات ، كأن يطلب من الأحاديث ظنية الثبوت ما هو من اختصاص النصوص قطعية الثبوت.. أو من مثل تحكيم " الهوى " أو " العقل غير الصريح " فى المرويات الصحيحة ، الخالية متونها ومضامينها من الشذوذ والعلة القادحة..


وهناك أيضًا آفة الذين لا يميزون بين التوقف إزاء " الرواية والرواة " ـ وهم بشر غير معصومين ، وفيهم وفى تعديلهم وقبول مروياتهم اختلف الفقهاء وعلماء الحديث والمحدثون ـ وبين التوقف إزاء " السنة " ، التى ثبتت صحة روايتها ودرايتها عن المعصوم صلى الله عليه وسلم.. فتوقف العلماء المتخصصين ـ وليس الهواة أو المتطفلين ـ إزاء " الرواية والرواة " شىء ، والتوقف إزاء " السنة " التى صحت وسلمت من الشذوذ والعلل القادحة شىء آخر.. والأول حق من حقوق علماء هذا الفن ، أما الثانى فهو تكذيب للمعصوم صلى الله عليه وسلم ، والعياذ بالله..


أما الذين يقولون إننا لا حاجة لنا إلى السنة النبوية ، اكتفاء بالبلاغ القرآنى ، الذى لم يفرط فى شىء..


فإننا نقول لهم ما قاله الأقدمون ـ من أسلافنا ـ للأقدمين ـ من أسلافهم ـ:


إن السنة النبوية هى البيان النبوى للبلاغ القرآنى ، وهى التطبيق العملى للآيات القرآنية ، التى أشارت إلى فرائض وعبادات وتكاليف وشعائر ومناسك ومعاملات الإسلام.. وهذا التطبيق العملى ، الذى حوّل القرآن إلى حياة معيشة ، ودولة وأمة ومجتمع ونظام وحضارة ، أى الذى " أقام الدين " ، قد بدأ بتطبيقات الرسول صلى الله عليه وسلم للبلاغ القرآنى ، ليس تطوعًا ولا تزيّدًا من الرسول ، وإنما كان قيامًا بفريضة إلهية نص عليها القرآن الكريم ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) .

فالتطبيقات النبوية للقرآن ـ التى هى السنة العملية والبيان القولى الشارح والمفسر والمفصّل ـ هى ضرورة قرآنية ، وليست تزيّدًا على القرآن الكريم.. هى مقتضيات قرآنية ، اقتضاها القرآن.. ويستحيل أن نستغنى عنها بالقرآن.. وتأسيًا بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وقيامًا بفريضة طاعته ـ التى نص عليها القرآن الكريم: (قل أطيعوا الله والرسول ) (2) (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) (3) (من يطع الرسول فقد أطاع الله ) (4) (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ) (5) (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ) (6).


تأسيًا بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وطاعة له ، كان تطبيق الأمة ـ فى جيل الصحابة ومن بعده ـ لهذه العبادات والمعاملات.. فالسنة النبوية ، التى بدأ تدوينها فى العهد النبوى ، والتى اكتمل تدوينها وتمحيصها فى عصر التابعين وتابعيهم ، ليست إلا التدوين للتطبيقات التى جسدت البلاغ القرآنى دينًا ودنيا فى العبادات والمعاملات.


فالقرآن الكريم هو الذى تَطَلَّبَ السنة النبوية ، وليست هى بالأمر الزائد الذى يغنى عنه ويستغنى دونه القرآن الكريم.


أما العلاقة الطبيعية بين البلاغ الإلهى ـ القرآن ـ وبين التطبيق النبوى لهذا البلاغ الإلهى ـ السنة النبوية ـ فهى أشبه ما تكون بالعلاقة بين " الدستور " وبين " القانون ". فالدستور هو مصدر ومرجع القانون..


والقانون هو تفصيل وتطبيق الدستور ، ولا حُجة ولا دستورية لقانون يخالف أو يناقض الدستور.. ولا غناء ولا اكتفاء بالدستور عن القانون.


إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليس مجرد مبلّغ فقط ، وإنما هو مبلّغ ، ومبين للبلاغ ، ومطبق له ، ومقيم للدين ، تحوّل القرآن على يديه إلى حياة عملية ـ أى إلى سنة وطريقة يحياها المسلمون.
وإذا كان بيان القرآن وتفسيره وتفصيله هو فريضة إسلامية دائمة وقائمة على الأمة إلى يوم الدين..


فإن هذه الفريضة قد أقامها ـ أول من أقامها ـ حامل البلاغ ، ومنجز البيان ، ومقيم الإسلام ـ عليه الصلاة والسلام.


والذين يتصورون أن الرسول صلى الله عليه وسلم مجرد مبلِّغ إنما يضعونه فى صورة أدنى من صورتهم هم ، عندما ينكرون عليه البيان النبوى للبلاغ القرآنى ، بينما يمارسون هم القيام بهذا البيان والتفسير والتطبيق للقرآن الكريم !.. وهذا " مذهب " يستعيذ المؤمن بالله منه ومن أهله ومن الشيطان الرجيم !.


(1) النحل: 44.
(2) آل عمران: 32.
(3) النساء: 59.
(4) النساء: 80.
(5) آل عمران: 31.
(6) الفتح: 10


http://www.sbeelalislam.net/index.ph...=206&Itemid=30

=================
مشاركة منقولة

جميل فتلك القبلة القديمة التي كان المسلمون يصلون إليها ..

أكانوا في طاعة الله أم معصيته ؟

فلابد من الجواب : في طاعة الله .

فالسؤال : فمن أين عرف المسلمون بهذه الطاعة ؟ أهناك آية في القرآن تأمر بالتوجه لبيت المقدس ؟؟

فالجواب : لا ليس هناك آية توجه المسلمين لبيت المقدس .

فالسؤال : فمن أين عرف المسلمون هذا الحكم الشرعي ؟؟

فلابد من الجواب : من الرسول صلى الله عليه و سلم .

فالسؤال : فإذن هناك شرع أتى به الرسول صلى الله عليه و سلم و لم يُذكر في القرآن الكريم ؟؟

فلابد من : نعم .

فنقول : فهذا الذي جاء به النبي صلى الله عليه و سلم و اتبعه الصحابة و عرفنا أنه طاعة كان بوحي من الله أم لا ؟؟

فيقولون : لابد .

فنقول : و نزيدكم فنقول ، قال تعالى ( و ما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ) ، فالله تعالى ذكر أنه هو الذي جعل الصحابة يتوجهون للقبلة الأولى ، و لا يوجد في القرآن آية تأمر الصحابة بالتوجه لبيت المقدس ، فهذا دليل على أن أمر النبي صلى الله عليه و سلم للصحابة بالتوجه للقبلة الأولى هو أمر من عند الله ، و هذا كقوله تعالى ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) .

فهل توافق على هذا الكلام أخي الكريم حتى أكمل ؟

=================
القرآن يأمر بالاحتكام إلى سنة الرسول صلى الله عليه و سلم

أما الكتاب ففيه آيات كثير ، أجتزىء بذكر بعضها في هذه المقدمة على سبيل الذكرى فإن الذكرى تنفع المؤمنين.


1- قال تعالى: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً (الأحزاب : 36) .
2- وقال عز وجل:يأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم (الحجرات : 1) .
3- وقال : قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين (آل عمران:32) .
4- وقال عز من قائل : وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيداً . من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً (النساء:80) .
5- وقال : يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً (النساء:59).
6- وقال : وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين (الأنفال : 46) .
7- وقال: وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا ، فإن توليتم فاعملوا أنما على رسولنا البلاغ المبين (المائدة : 92) .
8- وقال : لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً ، قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً ، فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم (النور : 63) .
9- وقال : يأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ، واعملوا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون  (الأنفال : 24) .
10- وقال: ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم.ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين(النساء13-14)
11- وقال : ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ، ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً . وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً (النساء:60-61) .
12- وقال سبحانه : إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون(النور:52).
13- وقال: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ، واتقوا الله إن الله شديد العقاب (الحشر : 7) .
14- وقال تعالى : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً (الأحزاب:21) .
15- وقال : والنجم إذا هوى . ما ضل صاحبكم وما غوى . وما ينطق عن الهوى . إن هو
إلا وحي يوحى (النجم:1-4) .
16- وقال تبارك وتعالى:وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون(النحل:44)
إلى غير ذلك من الآيات المباركات .

للمزيد

http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=70638

الأمر بطاعته - صلى الله عليه وسلم - والتحذير من معصيته
_____________________


ثانيا : الأمر بطاعته -صلى الله عليه وسلم- والتحذير من معصيته.

ولا شك أن طاعته من علامات الإيمان به، فإن التصديق الجازم بصدقه يستلزم طاعته فيما بلغه عن الله تعالى، فمن خالفه في ذلك أو شيء منه عنادا أو تهاونا ، لم يكن صادقا في شهادته بالرسالة، ولقد أمر الله تعالى بطاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في مواضع كثيرة من القرآن، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ .
وقال تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ .
وقال -سبحانه وتعالى- قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا .
ومثل معنى ذلك قوله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا .
بل قد رتب على طاعته صلى الله عليه وسلم جزيل الثواب فقال تعالى: وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ .
وقال الله تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا .
وهكذا توعد على معصيته بالعقوبة الشديدة: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ .
وحكى عن أهل النار قولهم : يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ .
وورد في الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله .

ومعنىهذا أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما يأمر بما أوحى إليه، فطاعته في ذلك طاعة لربه، قال الله تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا .
وروى البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كل الناس يدخل الجنة إلا من أبى قالوا: يا رسول الله وكيف يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى .
ولا شك أن طاعته هي فعل ما أمر به، وتجنب ما نهى عنه، والتسليم مع ذلك لما جاء به، والرضا بحكمه وترك الاعتراض على شرعه أو التعقب والانتقاد لحكمه.
http://www.ibn-jebreen.com/book.php?...40&subid=29305

==================

لماذا يجب أخذ السنة مع القرآن و ليس القرآن وحده كما يريد منكري السنة ؟

قال تعالى ( ما فرطنا في الكتاب من شئ )
و لذا نقول أنه لو لم يدلنا القرآن على وجوب اتباع السنة لما اتبعناها ، فمن عدم تفريط الكتاب في شئ أنه بين لنا وجوب الأخذ عن الرسول الذي لا ينطق عن الهوى ، و قد ترك الله للرسول مهمة بيان الصلاة والزكاة ومناسك الحج التي لم يبينها القرآن ليكون ذلك أكبر حجة على الداعين إلى إنكار السنة و الاكتفاء بالقرآن !
سنبدأ بذكر الأدلة الواردة في القرآن على وجوب اتباع السنة قبل أن نفند شبهات القرآنيين لا حقا ..

الدليل الأول :

قال تعالى { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزل إليهم }
ففي هذه الآية الكريمة نص صريح أن النبي صلى الله عليه وسلم انزل عليه القرآن وكلف بوظيفة البيان لهذا القرآن،
يقول الشيخ الألباني :
وقد يستغرب البعض حين نقول: إنه لا يستطيع أحد أن ينفرد أو أن يستقل بفهم القرآن، ولو كان أعرب العرب، وأفهمهم، وألسنهم، وأكثرهم بيانا، ومن يكون أعرب وأفهم للغة العربية من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، الذين انزل القرآن بلغتهم؟
ومع ذلك فقد أشكلت عليهم بعض الآيات فتوجهوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه عنها.
من ذلك ما أخرجه الإمام البخاري في " صحيحه " والإمام أحمد في " مسنده " عن عبدا لله بن مسعود رضي الله عنه؟ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تلا على أصحابه قوله تبارك وتعالى { والذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وأولئك هم المهتدون } شقت هذه الآية على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! وآينا لم يظلم؟
وآينا لم يظلم: يعنون بذلك، أنهم فهموا الظلم في هذه الآية الكريمة أنها تعني أي ظلم كان سواء كان ظلم العبد لنفسه، أوكأن ظلم العبد
لصاحبه، أو لأهله أو نحو ذلك، فبين لهم صلى الله عليه وسلم أن الأمر ليس كما تبادر لأذهانهم، وأن الظلم هنا: إنما هو الظلم الأكبر، وهو الإشراك بالله عز وجل. وذكرهم بقول العبد الصالح لقمان (إذ قال لابنه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ).
فهؤلاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم العرب الأقحاح أشكل عليهم هذا اللفظ من هذه الآية الكريمة، ولم يزل الإشكال عنهم إلا ببيان النبي صلى الله عليه وسلم .

وهذا هو الذي أشار إليه الله عز وجل في الآية السابقة (وأنزلنا إليك الذكر لتبتن للناس ما نزل إليهم ) ولذلك فيجب أن يستقر في أذهاننا، وأن نعتقد في عقائدنا أنه لا مجال لأحد أن يستقل بفهم القرآن دون الإستعانة بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام.
فلا جرم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( تركت فيكم أمرين أو شيئين، لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله، وسنتي " وفي رواية " وعترتي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض )[سلسلة الاحاديت الصحيحة (4/ 330)] تركت فيكم أمرين ليس أمرا واحدا، وحيين ليس وحيا واحدا، لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي.
ومفهوم هذا الحديث: أن كل طائفة تمسكوا بأحد الأمرين، فإنما هم ضالون، خارجون عن الكتاب والسنة معا، فالذي يتمسك بالقرآن فقط دون السنة شأنه شأن من يتمسك بالسنة فقط دون القرآن، كلاهما على ضلال مبين، والهدى والنور أن يتمسك بالنورين، بكتاب الله تبارك وتعالى، وبسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد بشرنا عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث الصحيح، أننا لن نضل أبدأ ما تمسكنا بكتاب ربنا، وبسنة نبينا صلى الله عليه وسلم .

الدليل الثاني :

(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) النساء: 59
أمر الله سبحانه بطاعة : ( الله تعالى / ورسوله / و أولي الأمر من المسلمين )
بينما أمر برد النزاع إلى ( الله تعالى / و رسوله ) فقط
و في ذلك دليل قاطع أن أوامر الرسول ليست إلا شرعا ملزما يجب الرجوع إليها عند التنازع ، و أنها تستوي مع أوامر الله في الحكم ، بعكس أوامر ولاة الأمر التي لا يؤخذ منها حكما شرعيا يحكم التنازع .

الدليل الثالث :
قوله تعالى (( من يطع الرسول فقد أطاع الله )) النساء: 80 ،
فدل ذلك أن أوامر الرسول ليست إلا وحيا من الله ، لأن طاعة الرسول تعني طاعة الله .

الدليل الرابع :
( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب ) الحشر: 7
و الأمر صريح بالانتهاء عما نهى الرسول عنه .

الدليل الخامس :
( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون ) النور: 56
فالآية أوضحت أن الأمر بطاعة الرسول يستوي مع الأمر بالصلاة والزكاة و هو سبيل نيل رحمة الله

الدليل السادس :
(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) النساء: 75
و الخطاب في الآية موجه للرسول ، و في الآية نفى الله الإيمان عمن يرفض التحاكم إلى الرسول .

الدليل السابع :
وقوله سبحانه : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ) الأحزاب: 86 .
و هنا أوضحت الآية أن ما يقضيه الرسول من أمور هي ملزمة لأي مؤمن أو مؤمنة .

الدليل الثامن :
( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) النور
و هذا تحذير مباشر من مخالفة أمر الرسول .

هذه أبرز الأدلة من القرآن على وجوب اتباع السنة ، و الفرقة الشحرورية حاولت إثارة العديد من الشبهات حول هذه الأدلة فكشفت جهلها الفاضح باللغة والشرع و سنتاول المرة القادمة تفنيد شبهات الشحرورية حول هذه الأدلة لنرى مدى تخبطهم !

للمزيد


http://eltwhed.com/vb/showthread.php?t=11746

===============
طاعة النبي صلى الله عليه وسلم في حياته واتباع سنته بعد وفاته

كما وجب على الصحابة بأمر الله في القرآن اتباع الرسول وطاعته في حياته ، وجب عليهم وعلى من بعدهم من المسلمين اتباع سنته بعد وفاته ، لأن النصوص التي أوجبت طاعته عامة لم تقيد ذلك بزمن حياته ، ولا بصحابته دون غيرهم ، ولأن العلة جامعة بينهم وبين من بعدهم ، وهي انهم أتباع لرسول أمر الله باتباعه وطاعته ، ولأن العلة أيضاً جامعة بين حياته ووفاته ، إذ كان قوله وحكمه وفعله ناشئاً عن مُشرع معصوم أمر الله بامتثال أمره ،فلا يختلف الحال بين أن يكون حياً أو بعد وفاته ، وقد ارشد صلى الله عليه وسلم وجوب اتباع سنته حيث يغيب المسلم عنه حيث بعث معاذ بن جبل إلى اليمن ، فقال له : [ كيف تقضي إذا عرض لك القضاء ؟ ] قال : أقضي بكتاب الله ، قال : [ فإن لم يكن في كتاب الله ؟ ] قال : فبسنّة رسول الله ، قال : [ فإن لم يكن في سنة رسول الله ؟ ] قال : أجتهد رأي ولا آلو ، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدره ، وقال : [ الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله ] (أخرجه أحمد ، وأبو داود ، والدارمي ، والترمذي ، والبيهقي في المدخل ، وابن سعد في الطبقات ، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله) .
كما حث على وجوب العمل بسنته بعد وفاته في أحاديث كثيرة جداً بلغت حد التواتر المعنوي ، منها ما رواه الحاكم وابن عبد البر عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي] (جامع العلم والبيان وفضله 2/42) (وأخرجه أيضاً البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وأخرج البخاري والحاكم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى ] قالوا يا رسول الله ومن يأبى ؟ قال : [ من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى] وأخرج أبو عبد الله الحاكم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة الوداع : [ إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم ولكن رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم فاحذروا ، إني قد تركت فيكم ما أن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً : كتاب الله وسنة نبيه ] وأخرج ابن عبد البر عن عرباض بن سارية قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ، فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقيل : يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا ، قال : [ عليكم بالسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً ، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهتدين ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة ] .
من أ جل هذا عني الصحابة رضوان الله عليهم بتبليغ السنة لأنها أمانة الرسول عندهم إلى الأجيال المتلاحقة من بعدهم ، وقد رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبليغ العلم عنه إلى من بعده بقوله : [ رحم الله امرءاً سمع مقالتي فأداها كما سمعها ، ورب مبلّغ أوعى من سامع ] .

من كتاب السنة ومكانتها في التشريع
=============
عشرة ادلة على حجية السنة

--------------------------------------------------------------------------------

بقلم فيصل القلاف
منقول عن مناظرته من منكر للسنة

الحمد لله الذي أمر باتباعه نبيه الأمين، والصلاة والسلام على المطاع سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وأصحابه نقلة الشرائع والدين، وعلى تابعيه بالسمع والطاعة، حشرنا الله في وفدهم، آمين.

وبعد، فمما تواتر في الأخبار، ونص عليه الأئمة الأخيار، واقتضته عادة الناس، وتواتر عند العام والخاص، وأوجبه العقل صحيحاً، ودل عليه القرآن صريحاً: حجية السنة النبوية المطهرة، على صاحبها والمتمسك بها أفضل الصلاة والسلام.
وإني لو أقسمت بالله أن الأدلة على ذلك أكثر من ألف ما كنت حانثاً إن شاء الله تعالى. لكن لما كنت قد تعهدت أن ألتزم بالاكتفاء بعشر أدلة، فإني موفّ غير ناقض عهداً. قال تعالى: ( قد أفلح المؤمنون ) ثم ذكر من أوصافهم: ( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ).
فإلى المقصد، والله أسأل أن يوفق ويسدد، ويهدي به إلى الحق ويرشد.

الدليل الأول: قوله تعالى: ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين ).

وجوه الدلالة من الآية الكريمة:

1. ربنا سبحانه وتعالى قال: ( وأطيعوا الله ) ثم قال: ( وأطيعوا الرسول ). فهنا أثبت طاعتين ومطاعين. بمعنى أن الفعل الأول مضارع كما لا يخفى، والمضارع يتضمن مصدراً، فالمعنى: ( وأطيعوا الله تعالى طاعةً، وأطيعوا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم طاعة ). ومعلوم أن الأصل إن تعاقب نكرتان أن ذلك يدل على تغايرهما. مثال ذلك قوله تعالى: ( إن مع العسر يسراً. إن مع العسر يسراً ) أي مع العسر يسران، يسر بأجر الصبر، ويسر بالفرج. على كلٍّ، يكون المعنى هنا: ( وأطيعوا الله تعالى طاعةً، وأطيعوا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم طاعةً أخرى ).
فإذا ثبت هذا التغاير، قلنا: ما الطاعة التي لله، وما الطاعة المغايرة التي للرسول صلى الله عليه وآله وسلم. فالجواب: أن طاعة الله هي طاعة ما بلغنا من كلامه، وهو القرآن، وأن طاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي طاعة ما بلغنا من كلامه كذلك، وهي السنة النبوية.

2. لو كان مراد الله تعالى في هذه الآية الكريمة: ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فيما يبلغكم من القرآن )، لو كان ذاك هو المعنى لكان اللازم فصاحةً وبلاغةً أن تضمر الطاعة الثانية، إذ هي عين الأولى.
لم يجب ذلك؟ لأن الأفضل في كلام العرب قصر الكلام، ولا يؤتى بالتطويل إلا لفائدة زائدة. فكيف إن كان في التطويل إيهام بخلاف المقصود؟! لا شك يكون الإضمار آكد وآكد.
ولازم الإضمار أن يقال: ( أطيعوا الله ورسوله ) فيكون الثابت طاعة واحدةً لمطاعين، فالطاعة واحدة للقرآن، ونطيع المتكلم به والمبلغ له. فلما كان في القرآن الكريم مثل هذا التعبير، وعدل الله تعالى عنه إلى الأمر بطاعتين، لزم أن يكون ذلك لحكمة، وهي إثبات طاعة مستقلة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم. ويشهد لذلك أنه تعالى لما أمر بطاعة ولاة الأمور قال: ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) فجعل طاعة الرسول متضمنة لطاعة ولاة الأمر، وذلك لأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بطاعتهم، ولم يجعل لهم طاعة مستقلة، لنهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن طاعتهم في المعصية. فالحمد لله رب العالمين.

3. لو كان المراد هنا بطاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم طاعة ما جاء به من القرآن، لاستوى بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع غيره من آحاد البشر، بل لاستوى مع الكفرة والشياطين. كيف؟ معلوم أن طاعة كلام أي أحد يأمر بما في القرآن لازمة لا محيد عنها، فلو قال لك مثلاً: صم رمضان، للزم أنك تصومه، لا طاعة لذاته، لكن لموافقة القرآن. ومعلوم بالضرورة أن للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مزية زائدة على غيره، فما هي هذه المزية إلا أن تكون طاعته في شيء زائد على ما في القرآن؟! وهذه هي السنة. والحمد لله رب العالمين.

4. أن الله تعالى هنا علق طاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على كونه ( الرسول ). وبالتالي فله من الطاعة ما يكون للرسول على قومه. فنرى في القرآن الكريم كثيراً أن الله تعالى يلزم الكافرين طاعة رسلهم في أمور غير التي في كتبهم. وذلك أشهر من أن يذكر، لكن أمثل له بمثالين واضحين.
الأول قوله تعالى: ( فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ). فهنا جعل الله تعالى وحيه إلى نبيه إبراهيم أمراً، مع كونه مناماً ليس في كتاب. وكذلك نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم يأمره الله ويأمر أمته بوحي ليس بقرآن. إذ ليس رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم ببدع من الرسل، قال تعالى: ( قل ما كنت بدعاً من الرسل ).
الثاني قوله تعالى: ( ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً لا تخاف دركاً ولا تخشى ). فهنا وحي من الله تعالى إلى موسى فيه تكليف له ولقومه بالإسراء، وليس هو من التوراة، إذ التوراة نزلت بعد هذا عندما لقي موسى ربه. وكذلك يجوز لنبينا ما يجوز لموسى عليهما الصلاة والسلام. والحمد لله رب العالمين.

5. ووجه دلالة عموم رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكل زمن إلى قيام الساعة قوله تعالى قبل هذه الآية في نفس سياقها: ( يا أيها الذين آمنوا ). ووجه آخر أن قوله تعالى: ( وأطيعوا ) فيه ضمير الرفع المتصل، وهو مفيد للعموم.

الدليل الثاني قوله تعالى: ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ).

وجوه الدلالة من الآية الكريمة:

1. أن الله تعالى أمر بأخذ الذي آتانا الرسول وترك ما نهانا عنه، والأمر يفيد الوجوب. وما آتى الرسول وما نهى عنه هو السنة النبوية، وبالتالي فهي واجبة الاتباع. ويؤكد هذا المعنى تتمة الآية: ( واتقوا الله إن الله شديد العقاب ).

2. هنا أسند الله تعالى الإتيان والنهي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فدل على أنهما صادران منه. ولو كان المراد ما آتى القرآن ونهى، لما صح أن يسند ذلك إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إذ القرآن كلام الله تعالى، وليس كلامه صلى الله عليه وآله وسلم. والكلام يسند إلى من صدر منه أولاً لا إلى ناقله ومن تكلم به بعد ذلك. فلا يقال عن القرآن أنه كلام محمد صلى الله عليه وآله وسلم لأنه بلغه، بل هو كلام الله تعالى لأنه هو من ابتدأ التكلم به. وتأمل رد الله تعالى على المشرك القائل عن القرآن: ( إن هذا إلا قول البشر ) قال: ( سأصليه سقر ).

3. سياق الآية في معرض الحديث عن قسمة الفيء، قال تعالى: ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ). ومعلوم عقلاً واضطراراً أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
كما في قوله تعالى: ( قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ). فكون الله لا يضيع أجر المحسنين عامٌّ لفظاً، وإن كان في سياق الحديث عن رجلين خاصين، هما يوسف وشقيقه، لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

4. العلة في وجوب إطاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هنا أنه مبلغ عن ربه، ولذلك وصف هنا بالرسالة، إشارة إلى أن الذي يبلغه عن ربه وليس من عند نفسه. وهذه العلة كما هي موجودة في قسمة الغنائم، فهي موجودة في كل أمر ونهي صادرٍ منه صلى الله عليه وآله وسلم.

5. ودليل عموم رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكل من بلغته هو الضمير المتصل في قوله تعالى: ( فخذوه ) وفي قوله: ( فانتهوا ) لأنه يفيد العموم.

6. هنا علق الله تعالى طاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على كونه رسولاً، فقال: ( وما آتاكم الرسول ) فدل على أن له من الطاعة ما يكون للرسول على قومه. وقد ثبت - كما مر - أن للرسول على قومه طاعة زائدة على مجرد ما في كتابه. والحمد لله رب العالمين.

الدليل الثالث قوله تعالى: ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً ).

ووجوه الدلالة من الآية كما يلي:

1. أن الله تعالى حرم مشاقة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ورتب على مشاقته ألواناً من أشد العذاب. ففي الدنيا يوليه الله تعالى شيطانه الذي آثر اتباعه على طاعة النبي ليزداد إثماً وضلالاً. قال تعالى: ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين ). وفي الآخرة يصليه الله تعالى جهنم ويحرمه الجنة، كما استبدل في الدنيا طاعة النبي بطاعة الشيطان.

2. أن الله تعالى هنا حرم مشاقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي الآية الأخرى حرم مشاقته نفسه سبحانه وتعالى، فقال: ( ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب ). فلو كان المراد بمشاقة الرسول مشاقته فيما جاء به من القرآن، لاستوت الآيتان ولم يكن ثمة حكمة من التفريق بينهما.
وتأمل كذلك قوله تعالى: ( ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ). فلو كانت مشاقة الرسول هي مشاقته فيما جاء به من القرآن، لما كان فائدة من ذكره، ولكان القول: ( ذلك بأنهم شاقوا الله ). لكن لما كانوا قد شاقوا القرآن الذي هو كلام الله والسنة التي هي كلام الرسول، حسن النص عليهما كليهما.

3. أن تحريم مشاقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تقتضي تحريم مخالفته في كل أمر أو نهي صدر منه، سواء كان من القرآن أو غيره. مثال ذلك قوله تعالى: ( وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك ). وظاهر أن ذلك الأمر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( أمسك ) ليس من القرآن، بل قد نزل القرآن بعده.
ويدل لذلك أيضاً أن المشاقة التي حرمها الله تعالى هنا مطلقة، غير مقيدة بما جاء في القرآن ولا بما وافقه ولا بغير ذلك، فوجب أن تحمل على إطلاقها. ومن قيد ما أطلق الله تعالى فقد شاقه، والله المستعان.

4. أن الله تعالى علق تحريم مشاقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هنا على كونه رسولاً، فقال: ( ومن يشاقق الرسول ). وبالتالي فإن له صلى الله عليه وآله وسلم من الطاعة ما يكون للرسول على قومه. وقد ثبت - كما مر - أن للرسول على قومه طاعة زائدة على مجرد ما في كتابه، وهي السنة. فالحمد لله رب العالمين.

5. دليل عموم رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الآية الاسم الموصول ( من ) إذ أنه يفيد العموم.

الدليل الرابع قوله تعالى: ( حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون ).
والآية هنا ذكر لما حدث في غزوة أحد، إذ أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الرماة من أصحابه أن يلزموا الجبل وألا ينزلوا عنه لجمع الغنائم، ولو رأوا ظفر المسلمين. ثم لما ظهر المسلمون على الكفار، اختلف الرماة، فمنهم من سبق إلى الغنائم وعصى، ومنهم من ثبت وقتل. وقد عفا الله عمن أخطأ منهم فقال: ( ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على العالمين ).

وجوه الدلالة من الآية الكريمة كما يلي:

1. أن الله تعالى أثبت أمراً لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا الأمر غير موجود في القرآن قطعاً. ثم أثبت أن من خالف هذا الأمر كان عاصياً آثماً، فدل على وجوب اتباع ذلك الأمر. فهذا دليل على وجود سنة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى وجوب اتباع تلكم السنة.

2. أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمر وينهى بأوامر ونواهي زائدة على ما في القرآن الكريم. ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: ( وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله ). وقوله تعالى: ( إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ). وقوله تعالى: ( ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ). وكما قال تعالى: ( وعلى الثلاثة الذين خلفوا ) فدل على أن النبي أمرهم بالقتال والغزو ثم هم تخلفوا، ومعلوم أنه ليس في القرآن أمر بغزوة بعينها ولا بمكانها ولا بزمانها، وإنما كان ذلك بوحي غير قرآن، وهو السنة النبوية المطهرة.

3. أن العلة في الهزيمة هنا هي عصيان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في الآية الكريمة. وهذا نوع عقوبة، فدل على تحريم ذلك العصيان ووجوب ضده وهي الطاعة. ثم هذه العلة متعدية كما لا يخفى، وبالتالي فالعبرة بتعديها لا بخصوص السبب، فيحرم كل عصيان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.

4. أن الله تعالى قال بعد هذه الآية: ( إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم ). فعلق الله تعالى الأحكام الواردة في الآية على وصف ( الرسول ) وليس مجرد القائد، فدل على أن علة تحريم عصيانه كونه رسولاً، وليس لمجرد أنه قائد المعركة.
ثم تعليقه سبحانه الوصف بالرسالة دليل على أن له صلى الله عليه وآله وسلم من الطاعة ما يكون للرسول على قومه. وقد مر سابقاً أن للرسول طاعة زائدة على ما في كتابه، وهي السنة. والحمد لله رب العالمين.

الدليل الخامس قوله تعالى: ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون. بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما ما نزل إليهم ولعلكم تتفكرون ).

وجوه الدلالة من الآيتين الكريمتين كما يلي:

1. أن الله تعالى قرر أنه أرسل مع كل نبي قبل نبينا صلى الله عليهم وسلم أمران، الأول البينات والثاني الزبر وهي الكتب. فدل على أنهم أرسلوا بشيء زائد على ما في الكتب، وهي البينات.
ثم البينات جمع بينة، وهي فعيل إما بمعنى فاعل أو مفعول، فعلى الأول بينة بمعنى بائنة أي واضحة، وعلى الثاني بينة بمعنى مبيَّنة أي موضَّحة. والواضحات هي آيات الأنبياء ومعجزاتهم، لوضوح دلالتها على صدقهم، والموضَّحات هي سننهم وشرائعهم فصلت لهم، والله أعلم.
وعلى المعنى الأول قوله تعالى: ( سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة ) وعلى الثاني قوله تعالى: ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينةُ رسولٌ من الله ).
وحيث أن اللفظ هنا مشترك ولا مرجح لأحد المعنيين ولا تنافي بينهما، وجب حمله عليهما جميعاً، إذ تخصيصه في أحدهما من غير دليل تحكم.
ثم لو أردنا قرينة ترجح أحد المعنيين، لكان معنى الشرائع والسنن أولى، لأن الآيتين في مقام الحديث عن الوحي، ولأن الذي ذكر في الآية الثانية لا يحتمل معنى الدلائل والمعجزات.
فإذا ثبت بذلك أنه كان لكل نبي ممن كان قبل نبينا صلى الله عليهم أجمعين سنة زائدة على ما في كتبهم، ثبت أن لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم كذلك سنة زائدة على ما في كتابه. إذ ليس رسولنا ببدع من الرسل كما أمره تعالى أن يقول: ( قل ما كنت بدعاً من الرسل ).

2. قوله تعالى: ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ). يلحظ فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أنزل الله إليه أمران، الأول القرآن الذي نزل للناس، والثاني بيان يوضح ما في القرآن. ومعلوم أن الموضِّح غير الموضَّح. فدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أنزل إليه شيء زائد على ما في القرآن، وليس ذلك إلا السنة المطهرة.
ثم تأمل أيها القارئ الكريم أنه يمتنع حمل الآية على معنى: ( وأنزلنا إليك القرآن لتبين للناس القرآن ) ليكون القرآن بياناً للقرآن. وهذا الامتناع لأمور:

أ. أن المبيَّن في هذه الآية الكريمة وصفه الله تعالى بأنه ( نُزِّل ) ولم يصفه بأنه ( أُنْزِل ). والفرق بينهما أن ما نُزِّل أي جملة واحدة، وما أنزل أي مفرقاً منجماً أو جملة واحدة.
ومن ذلك قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزّل على رسوله والكتاب – أي الكتب - الذي أنزل من قبل ) فوصف القرآن بأنه منزّل لنزوله جملة واحدة، ووصف الكتب بأنها أنزلت لأنها نزلت مفرقة كل نبي بكتاب. ومثل هذا كثير في القرآن.
فإن ثبت أن المنزل هو كل القرآن، لزم أن يكون الموضح ليس بقرآن، لأن المطلوب بيان كل القرآن، فلو شرح بعضه بعضاً منه، لزم وجود شرح للبعض الشارح، وهكذا إلى أن يحصل التسلسل. فعلم أن السنة النبوية هي الشارحة لكل القرآن.

ب. أن الله تعالى أضاف التبيين المطلوب للقرآن إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: ( لتبين ) ولم يقل ( لأبين ) أو ( لنبين ) ومعلوم أن الأصل إضافة الكلام إلى قائله المباشر، فدل على أن البيان صادر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
والقرآن الكريم لا يصح أن يضاف إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة، كما قال تعالى حاكياً قول المشركين: ( إن هذا إلا قول البشر ) فرد عليه بقوله تعالى: ( سأصليه سقر ).

ج. أن الأمرين النازلين من الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم موصوفان بوصفين مختلفين في سياق واحد. الأول منزَل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم والثاني منزَّل إلى الناس كافة. فدل على أن أحدهما أكثر اختصاصاً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم من الآخر.
أما القرآن الكريم فليس بعضه أكثر اختصاصاً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فدل على أنه ليس هو الموضِّح المقصود هنا، فبطل أن يكون هو الموضَّح والموضِّح. وإنما الذي يختص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أكثر من اختصاصه بغيره هو السنة النبوية المطهرة. فالحمد لله رب العالمين.

الدليل السادس قوله تعالى: ( ومن يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً ).

وجه الاستدلال من الآية كما يلي:

1. أن الله تعالى جعل طاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم طاعة له، ورتب على من تولى عن طاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الوعيد. وهذا يدل صراحة على وجوب الائتمار بأمره صلى الله عليه وآله وسلم فعلاً وتركاً. وهو المطلوب ولله الحمد.

2. أن الله تعالى هنا علق المدح على طاعة الرسول. فالطاعة هنا قيدت بمطاع هو الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا يعني أن المطاع فيه صدر منه لا من غيره. إذ لو كانت صادرة عن غيره وكان هو المبلغ لما كان هو المطاع، ولكان المطاع هو المبلغ عنه، إذ الأصل في إضافة الطاعة إلى مطاع أن يكون هو المباشر للأمر والنهي.

3. أن الآية لم تخص أمراً للرسول صلى الله عليه وآله وسلم دون أمر، ولا نهياً دون نهي، وإنما هي عامة في كل من أطاع الرسول في أمٍه أمر به أو في نهي نهى عنه. بيان العموم هو كلمة ( من ) الشرطية، إذ هي من صيغ العموم. وعليه فلا تخصص الآية بمن أطاع القرآن الذي جاء به، ولا تخصص بما كان مسكوتاً عنه في القرآن، بل تعم كل ما صدر منه، سواء كان مخصصاً أو مقيداً أو مبيناً أو زائداً أو ناسخاً لكتاب الله، ولا فرق. ومن فرق فقد خالف الآية.

4. أن الله تعالى علق المدح على من ( يطيع ) رسوله. والفعل المضارع يفيد التجدد والحدوث. فيكون ذلك دليلاً على حجية سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أي زمان. فكما أن الآية تتناول أهل كل زمان بعموم لفظ ( من ) الشرطية، فهي كذلك تتناوله بفعل ( يطيع ) المضارع.
وفي هذا الفعل المضارع كذلك تأكيد على المعنى الذي ذكرته في الوجه الثاني، وهو أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو الآمر المباشر، وليس هو مبلغ، بمعنى أن الكلام الذي فيه الأمر صدر منه هو ابتداء، وإن كان معناه وحي من الله تعالى إليه. وجه التأكيد أن الله تعالى علق المدح على المطيع متى كان زمانه. فإذا علمنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سيموت، وأن من جاء بعده سيطيعه لينال من الأجر مثل ما نال الصحابي، علمنا أن الطاعة لم تكن لناقل الحديث كالبخاري ومسلم، وإنما بقيت للرسول صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا يدل على أن الطاعة إنما هي لمن صدر منه الكلام الآمر أو الناهي وليس للناقل. وهذا قوي محكم لا مجال لرده.

5. أن الله تعالى علق الطاعة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم على وصف له، وهو الرسول. فدل على أمرين:
الأول أن له صلى الله عليه وآله وسلم من الطاعة ما يكون للرسول، وقد تبين مراراً مما سبق أنه قد كان للرسل على أقوامهم من الطاعة أكثر مما فيه كتبهم، فكذلك يكون لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم.
الثاني أن طاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لأنه رسول، وليس لأنه مجرد مبلغ، فتكون الحجة في كل قوله قرآناً أو سنةً، وليس كغيره من العلماء والدعاة المبلغين الذين الحجة في الذي يسندون إلى الله والرسول من قولهم لا في كل قولهم.

6. لو كان المراد أن من أطاع الرسول فقد أطاع الله لأن قول الرسول لا يخرج عن أن يكون أمراً بما في القرآن، لكان المعنى فاسداً. لأن كل من أمر بما في القرآن كان طاعته في ذلك واجبة، ولا مزية للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ومعلوم ضرورة أن له مزية ليست لغيره.
فإن قيل: المزية أن قوله لا يخرج عن القرآن، بخلاف غيره فيأمر بالقرآن تارة ويخالف تارة. قلنا: وهذا كذلك محجوج، إذ يلزم عليه أن ميزة الرسول هي مجرد العدالة، وهي حاصلة لغيره، فليس مزية له. كما يرده ما مر من الأدلة على أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمر بغير ما في كتاب الله تعالى.

الدليل السابع: قوله تعالى: ( لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ).

أوجه الدلالة منه كما يلي:

1. أن الله تعالى أثتب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أمراً. والأمر كلام، والكلام لفظ ومعنى. فالأمر الصادر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفظاً ومعنىً هو السنة. ثم الأصل إضافة الكلام إلى الصادر منه ابتداء لا إلى ناقله كما مر غير مرة. ثم حذر الله تعالى عن مخالفة هذا الأمر، فدل على وجوب اتباعه، والحمد لله رب العالمين.

2. لو كان المراد بأمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أمره بما في القرآن، لما كان له على غيره مزية، والضرورة حاصلة على أن له مزية ليست لغيره، ولا يصح أن تكون أنه لا يأمر إلا بما في القرآن كما مر سابقاً. فلزم أن تكون مزيته وجوب اتباعه فيما أمر به ابتداءً. والحمد لله رب العالمين.

3. أن هذه الآية جاءت تابعة للآية السابقة لها، وهي قوله تعالى: ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين آمنوا بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فائذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم ). ويتضح منها أمور:

الأول أن الله أثبت وجوب اتباع أمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم المباشر المغاير للقرآن، فإذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمؤمن المعين ليس بقرآن قطعاً، وإنما يكون من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابتداءً، فدل على أن له علينا أن يطاع فيما أمر به ابتداءً.

الثاني أن الله سمى هذا الإذن وعدمه في الآية الثانية ( أمراً ) وأضافه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فدل على أنه صادر منه ابتداءً، وليس هو اتباع لما في القرآن.

الثالث أن الله تعالى أثنى على مؤمنين استأذنوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل نزول الآية الكريمة، فدل على أن طاعتهم للرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الاستئذان كانت محمودة قبل نزول القرآن بما فعلوا. فدل ذلك قطعاً على أن اتباع سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم محمود مطلوب.

الرابع أن الله تعالى ذم أناساً لم يستأذنوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل نزول الآية الكريمة، بل نفى عنهم الإيمان. فدل ذلك على أن مخالفتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت مذمومة قبل نزول القرآن بما فعلوا. فدل ذلك قطعاً على أن اتباع سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم محمود وأن تركها مذموم.

4. أن الضمير في قوله ( أمره ) عائد على لفظ ( رسول ). وتعليق الحكم على وصف الرسول، يدل على أن له صلى الله عليه وآله وسلم من الطاعة ما يكون للرسول من رسل الله تعالى. وقد مر سابقاً أنه كان للرسل على أقوامهم من الطاعة أكثر من مجرد ما في كتبهم. والحمد لله رب العالمين.

5. قوله تعالى: ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ) في صدر الآية يدل كذلك على سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. إذ الإيمان هو التصديق المقرون بالعمل، وليس مجرد التصديق.
دليل ذلك قوله تعالى: ( فلما أسلما وتله للجبين. وناديناه أن يا إبراهيم. قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين. إن هذا لهو البلاء المبين. وفديناه بذبح عظيم ) فجعل تصديق الرؤيا تطبيق ما فيها من أمر، ولو كان مجرد اعتقاد وجوبها تصديقاً، لكان مصدقاً من قبل أن يمسك ابنه، ولو كان لترتب عليه ما رتب الله على الإيمان من الفداء، ولو كان لما تل ابنه أصلاً. ويدل على ذلك كذلك قوله تعالى: ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) فسمى الصلاة إيماناً، وهي عمل. وكذلك قوله تعالى: ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ) فحصر الإيمان فيهم، فدل على اختصاصه بهم دون من اعتقد من غير عمل. وغير ذلك كثير.
فإذا تقرر ذلك انتقلنا إلى المرحلة الثانية، وهي: قد حصر الله تعالى في آيتنا هنا الإيمان في الذين آمنوا بالله ورسوله، أما الإيمان بالله تعالى فيترتب عليه عمل، وهو اتباع ما تكلم به الله تعالى من القرآن الكريم، ثم الإيمان بالرسول أي عمل يترتب عليه؟ إن قيل نصرته ومحبته، قلنا: هذا مأمور به في القرآن، فهو من الإيمان بالله تعالى. فلما لزم أن يكون للإيمان بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم مقتضىً يعمل به، ولم نجد شيئاً سوى اتباعه، لزم أن يكون الإيمان المطلوب هو اتباعه، واتباعه ليس اتباع ما جاء به من القرآن، فإن هذا إيمان بالله كما مر، وإنما يكون اتباعه باتباع ما اختص به من سنة مطهرة. والحمد لله رب العالمين.

الدليل الثامن قوله تعالى: ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ).

وجوه الدلالة من الآية الكريمة:

1. أن الله تعالى أثبت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم اتباعاً واجباً، حيث علق عليه صدق محبة العبد لربه، وهي واجبة، وما تعلق عليه الواجب فهو واجب.

2. الاتباع هنا مضاف إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والأصل أن يضاف الاتباع إلى المتبوع المباشر. فلا يقال لي إن أمرني رجل بالصلاة فصليت أني قد اتبعته، وإنما يقال أني اتبعت الله تعالى الذي هو الآمر المباشر بالصلاة، وليس ذلك الرجل إلا مبلغاً. وهذا مر كثيراً فيما سبق. فلله الحمد والمنة.

3. الاتباع المأمور به هنا مطلق، لم يقيد بشيء ألبتة، ولا يصح تقييد ما أطلقه الله سبحانه. فمن زعم أن الاتباع هنا مقيد باتباع ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من القرآن فقط، فقد خالف القرآن الذي صرح بالعكس.

4. أن الله تعالى أتبع بهذه الآية الكريمة ما يوضح المراد من الاتباع المذكور هنا، فقال تعالى: ( قل أطيعوا الله ورسوله فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين ). فأمر بطاعته سبحانه وطاعة رسوله، ووحد الطاعة هنا لأن طاعة الرسول طاعة لله تعالى الذي قال: ( من أطاع الرسول فقد أطاع الله ). ثم بين سبحانه وتعالى أن من لم يلتزم طاعة الله ورسوله ( بمعنى لم يعتقد وجوبها أو لم يقبل بها ) أنه كافر الكفر الأكبر المخرج من الملة، والعياذ بالله تعالى.

الدليل التاسع قوله تعالى: ( وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين ).

وجوه الدلالة من الآية الكريمة كما يلي:

1. أن الله تعالى أثبت طاعة لازمة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم. والأصل أن تضاف الطاعة إلى من صدر منه الكلام أولاً، لا إلى المبلغ. ومثل هذا مر كثيراً ولله الحمد.

2. لو كان المراد طاعة الرسول بما جاء به من قرآن فقط، ما كان له مزية عن غيره، والاتفاق واقع على أن له مزية ليست لغيره، ضرورة أنه ذكر ولم يذكر غيره من المبلغين كجبريل ونقلة القرآن والعلماء.
فإن قيل: المزية أنه لا يأمر إلا بالقرآن. قلنا: المزية هنا أنه عدل لا يأمر بما يخالف القرآن، وهذا خلاف الاتفاق، لأن العدالة لا تختص به صلى الله عليه وآله وسلم. فلزم أن مزيته صلى الله عليه وآله وسلم وجوب اتباعه. ثم قد تواتر عنه صلى الله عليه وآله وسلم تواتراً قطعياً لا يمكن دفعه، أنه كان يأمر بما لم يأت في القرآن، بل ويأمر بما يخالف القرآن ظاهراً ( لكنه مبين في واقع الأمر ) كتخصيص العام وتقييد المطلق.

2. أن الله تعالى أطلق الطاعة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يقيدها بما جاء في القرآن فقط، ولا يجوز تقييد ما أطلق الله تعالى. فدل على أن له علينا من الطاعة أن نطيعه في كل أمره قرآناً كان أو غير قرآن.

3. أن الله تعالى علق الهداية على هذه الطاعة، فدل على وجوبها. إذ طريق الهداية واحد، ويلزم من تركه أنه غير مهتد كما قال تعالى: ( وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) فوحد سبيل الهداية وجمع سبل الضلالة. فالحمد لله رب العالمين.

4. قوله تعالى: ( وما على الرسول إلا البلاغ المبين ) يدل على أنه ليس على الرسول أن يتكلم من تلقاء نفسه، ولا أن يشرع هو صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما عليه يبلغ ما يوحى إليه من ربه. وبالتالي يفهم منه أن الأصل في ما تكلم به الرسول صلى الله عليه وآله أنه وحي وأنه حجة، سواء كان في القرآن أو لم يكن في القرآن.
ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى: ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) وقوله تعالى: ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ). فالحمد لله رب العالمين.

الدليل العاشر قوله تعالى: ( وثيابك فطهر ).

ولقارئ أن يستغرب استشهادي بهذه الآية الكريمة، مع وجود عشرات غيرها أوضح منها في الدلالة.
فأجيبه أني أرمي بهذه الآية الكريمة إلى الاستدلال على المطلوب أولاً، ثم الاستدلال على استحالة تفسير القرآن وفهمه من غير السنة ثانياً. وذلك كما يأتي إن شاء الله تعالى:

أولاً: الأمر هنا مجرد عن القرينة، فيفيد الوجوب كما هو متقرر في علوم العربية.
ثانياً: الأمر هنا مخاطب به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مقصود به كل الأمة، كما هو ظاهر من السياق، حيث قال تعالى: ( قم فأنذر. وثيابك فطهر. والرجز فاهجر. ولا تمنن تستكثر. ولربك فاصبر ). وهذا هو الأصل في خطاب الله تعالى لنبيه أن يراد به الأمة كلها إلا بدليل على التخصيص، كما في قوله تعالى: ( يا أيها النبي اتق الله ) وقوله تعالى: ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين ) وغيرها.
ثالثاً الأمر بتطهير الثياب هنا مطلق في الصلاة وفي غيرها، وهو مطلق في النجاسات والقاذورات، وهو مطلق في الكثير والقليل، وهو مطلق في كل أنواع الثياب.

فإذا تقرر ما سبق، جاء السؤال: الأمر هنا للوجوب، وهو عام لكل الأمة، وهو مطلق تماماً، فهل يلتزم الخصم بهذا؟
لا شك أنه لن يلتزم الإطلاق، لما فيه من الحرج الشديد والمشقة البالغة، والله تعالى يقول: ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ). وسيقول بل الأمر بالتطهير خاص بالنجاسات.

فيأتي السؤال التالي: ما الدليل على تخصيصه بالنجاسة دون سائر ما يتطهر منه من القاذورات والعرق والتراب ونحوها؟ وهنا ينقطع ولا شك.

ثم لو سلمنا أن الأمر هنا خاص في النجاسات وحدها دون ما عداها، فما هي النجاسات؟ هل هي ما ذكر في قوله تعالى: ( قل لا أجد في ما أوحي إلي محرم على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس ) وعليه فالعذرة والبول والحيض والمذي وبراز الخنزير والكلاب ونحوها، كل ذلك طاهر ليس بنجس!

وإن قال أنه نجس، طالبناه بالدليل. فإن قال أنه الطبع. قلنا: الطبائع تختلف ولا تنضبط، ثم هذا يجعل حكم الله تعالى متعلقاً بما يشتهي كل واحد لنفسه، وهذا تحكيم غير الله، ولو جاز عنده لجاز تحكيم سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من باب أولى، إذ طبعه أقوم الطبائع ونفسه أشرف الأنفس.

فلن يجد بعد ذلك محيصاً للخروج من هذا الحرج الشديد إلا القول بسنة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ففيها الجواب الكافي.

ثم مثل هذه الآية في كتاب الله تعالى كثير، ومنه:
قوله تعالى: ( حرمت عليكم الميتة ) تتناول تحريم السمك الميت وإيجاب ذبحه.
وقوله تعالى: ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) تحتمل قطع اليد من طرف الإصبع كما تحتمل قطع اليد من الكتف.
وقوله تعالى: ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) يشمل كل ظلم ولو صغيراً.
وقوله تعالى: ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج ) مع قوله تعالى: ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً ) متناقضتان تماماً.
والآيتان السابقتان مع قوله تعالى: ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) متناقضتان حيث تلد المرأة قبل أربعة الأشهر.
وقوله تعالى: ( والذين في أموالهم حق معلوم ) الحق لا يعلم كم هو؟ ولا ما هو؟ ولا متى هو؟ ولا ممن هو؟ ولا كيف هو؟
وقوله تعالى: ( وربائبكم اللاتي في حجوركم ) لا يتناول اللاتي لسن في حجورهم.
وقوله تعالى: ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً ) يدل على جواز إكراههن إن لم يردن التحصن.
وقوله تعالى: ( وأحل لكم ما وراء ذلكم ) يبيح الجمع بين الزوجة وعمتها وخالتها.
وقوله تعالى: ( فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) يدل على عدم استحباب وعدم إيجاب السعي بين الصفا والمروة.
وغير ذلك كثير جداً في كتاب الله تعالى لا يمكن أن يفهم من غير بيان السنة المطهرة.

وأنبه هنا أن ذكري كل هذه الآيات ليس استدلالاً بكل منها، فتزيد الأدلة الواردة على العشر، وهو خلاف الاتفاق، وإنما الدليل الجنس. إذ دليلي كثرة ما في القرآن مما لا يفهم من غير بيان السنة النبوية المطهرة، ولا يتم لي إثبات الكثرة التي ذكرت إلا بذكر كمٍّ من الأمثلة.

وبهذا تتم عشرة أدلة، والله أسأل أن يثبت بها مسلماً ويهدي بها من شاء من عباده، والله أعلى وأعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .
=============
ان الله سبحانه امرنا ان نطيع النبي صلى الله عليه وسلم وان نتبعه فهل الله يامرنا باتباع اوامر شخص ينطق عن الهوى

فاذا ادعيت ان القران الذي نقله الرسول فقط الوحي وكلام الرسول ليس وحي فكيف تصدق ان الرسول لا ينطق عن الهوى في جانب وتكذبه في جانب آخر
ما الذي يمنع ان تشكك في ان القرآن ايضا ليس صحيحا لانك كذبت النبي في كلامه فكيف تصدقه في نقله للقرآن

الخلاصة التي يريد ان يصل اليها منكر السنة هو الكفر بالقرآن الكريم

اسال الله الجبار ان يشغلك بنفسك وترى عاقبة امرك في دنياك وآخرتك

=======
كتبة العضو آملة


قال تعالى

أن اتباع الأنبياء مسألة لا تموت بموتهم .
إِنَّ أَوْلَى ٱلنَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا ٱلنَّبِيُّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُؤْمِنِينَ ) آل عمران 68

=============

{يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} النساء 59


هذا التفصيل الرباني أمر واضح بأن هناك كلام الله وكلام النبي صلى الله عليه وسلم ، ولو كان مراد الله الاكتفاء بالقرآن لما أنزل الآية .

تنبه فأنت تسير إلى طريق فرعي يؤدي بك إلى التشيع الرافضي .

جزء من الموضوع ، وأنتظر حوار جاد
http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=129844


سنة النبي (صلى الله عليه وسلم ) مثبتة في القرآن :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
للرد على هذه الضلالات جملة وتفصيل، أقول مستعينة بالله الواحد الأحد :

1 ـــ الأسوة الحسنة :
قال الله تعالى ( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً ) الأحزاب 21،

وإن أردنا أن نبحث في معنى كلمة (أسوة) فما علينا إلا الرجوع إلى القرآن ذاته الذي يتمسكون به وحده، ففيه رد من الله تعالى عليهم ما يكفي لصفع موقعهم وكتابهم جميعاً، وصفع من صدق بهم وسار على نهجهم ليستفيقوا، وهي الآية :
( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ إِذْقَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءآؤُاْ مِّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةُوَٱلْبَغْضَآءُ أَبَداً حَتَّىٰ تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ ) الممتحنة 4 .

الأسوة هنا شملت قول نبي يخاطب قومه وليس فقط إداءه للمناسك ، فهو خطاب عادي ومعلوم أن إبراهيم عليه السلام معه صحائف، ولم تأتي الآية بقول الله بصيغته المعلومة ( قل ) ، وفي القرآن الكريم العديد من الآيات التي توضح الفرق بين أمر الله بقول ما وبين قول نبي بذاته كما في خطاب الأنبياء نوح وشعيب ولوط وابراهيم وموسى وهارون وغيرهم عليهم السلام ، فقد ثبت قول النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم في سورة التوبة: (وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآأَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناًأَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ )92. وقوله ( لا تحزن إن الله معنا ) و( أمسك عليك زوجك ) .
ما لهم ينكرون اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ويدعون اتباع القرآن وحده ؟ .

قال الله تعالى : ( قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِيِّ ٱلأُمِّيِّ ٱلَّذِي يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) الأعراف 185

===========

( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ إِذْقَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءآؤُاْ مِّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةُوَٱلْبَغْضَآءُ أَبَداً حَتَّىٰ تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ ) الممتحنة 4 .

========
اذا كنت تشكّك بصحة السنّه لوصولها لنا عن طريق غير معصومين .. فهذا تشكيك في القرآن الكريم
لانّ من اوصل لنا القرآن هم من اوصلو لنا الروايات عن النبي فكيف تاخذ بالقران وتنكر السنّه !!

=================

قال تعالى : {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)
هل تؤمن بهذه الآيه الكريمه ؟ اذا كنت تؤمن بها فاشرح لنا معناها
هل يمكنك معرفة عدد ركعات الصلوات الخمس ؟!

قال تعالى: "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"
هل ذكر الله عز وجل في الآية الكريمة بيان قيمة المسروق أو الحرز الذي هو شرط القطع أو بيّنت الآية الكريمة من أين تقطع يد السارق أمن الكف، أم من المرفق، أم من المنكب؟

==========
قال تعالى :
(وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً )
(مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)
(قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ)

============
هنا ذكرها:
"ويعلمهم الكتاب والحكمة".

وهنا فرض اتباعها:
"أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول".

ومن نازع في وجوب اتباع سنته فبين حكمه:
"فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم".

وبين مصيره في الدنيا والآخرة:
"فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو أن يصيبهم عذاب أليم".

وأكد على شمول هذا الكلام امتثال الأمر واجتناب النهي وليس مجرد تصديق الخبر:
"وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا".

وأما أنك لست بقرآني ولكنك منكر للسنة فهذا كمثل الرجل يسب الصحابة ويقول لست برافضي، ويبغض عليا رضي الله عنه ويقول لست بناصبي وينكر العلم السابق ويقول لست بقدري وينكر مشيئته ويقول لست بجبري ويقول بالكلام النفسي ويقول لست بأشعري ويكفر المسلمين ويقول لست بتكفيري ويخرج على الأئمة ويقول لست بخارجي.

وليست دعواهم بنافية عنهم الاسم.

كتب العضو ابوزرعة

==========
بل لن ندخل الجنة بدون الصحابة، ولن نعرف الدين بدون الصحابة، ولن تكون هناك فرقة ناجية لنصبح منها بدون الصحابة.
فبدون الصحابة لم يكن الدين لينقل، لم يكن ليصلنا كتاب ولا سنة ولا دين ولا شيء.

فهؤلاء الصحابة من أركان الدين التي قيضها الله تعالى لنشره، ولم يذكروا في الكتاب باسم "الصحابة".
فنقول، لا وجود للصحابة؟ أو ليس للصحابة فضل؟ أو ليس للصحابة أهمية في دين الله؟

=============

كيف تنتهي طاعة نبينا والله تعالى يقول( فإن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول)...
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع (خذوا عني منا سككم وليبلغ الشاهد الغائب)...

==============

عشرة ادلة على حجية السنة فيصل القلاف

http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=159687
===========


لماذا يجب أخذ السنة مع القرآن و ليس القرآن وحده كما يريد منكري السنة ؟

قال تعالى ( ما فرطنا في الكتاب من شئ )
و لذا نقول أنه لو لم يدلنا القرآن على وجوب اتباع السنة لما اتبعناها ، فمن عدم تفريط الكتاب في شئ أنه بين لنا وجوب الأخذ عن الرسول الذي لا ينطق عن الهوى ، و قد ترك الله للرسول مهمة بيان الصلاة والزكاة ومناسك الحج التي لم يبينها القرآن ليكون ذلك أكبر حجة على الداعين إلى إنكار السنة و الاكتفاء بالقرآن !
سنبدأ بذكر الأدلة الواردة في القرآن على وجوب اتباع السنة قبل أن نفند شبهات القرآنيين لا حقا ..

الدليل الأول :

قال تعالى { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزل إليهم }
ففي هذه الآية الكريمة نص صريح أن النبي صلى الله عليه وسلم انزل عليه القرآن وكلف بوظيفة البيان لهذا القرآن،
يقول الشيخ الألباني :
وقد يستغرب البعض حين نقول: إنه لا يستطيع أحد أن ينفرد أو أن يستقل بفهم القرآن، ولو كان أعرب العرب، وأفهمهم، وألسنهم، وأكثرهم بيانا، ومن يكون أعرب وأفهم للغة العربية من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، الذين انزل القرآن بلغتهم؟
ومع ذلك فقد أشكلت عليهم بعض الآيات فتوجهوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه عنها.
من ذلك ما أخرجه الإمام البخاري في " صحيحه " والإمام أحمد في " مسنده " عن عبدا لله بن مسعود رضي الله عنه؟ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تلا على أصحابه قوله تبارك وتعالى { والذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وأولئك هم المهتدون } شقت هذه الآية على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! وآينا لم يظلم؟
وآينا لم يظلم: يعنون بذلك، أنهم فهموا الظلم في هذه الآية الكريمة أنها تعني أي ظلم كان سواء كان ظلم العبد لنفسه، أوكأن ظلم العبد
لصاحبه، أو لأهله أو نحو ذلك، فبين لهم صلى الله عليه وسلم أن الأمر ليس كما تبادر لأذهانهم، وأن الظلم هنا: إنما هو الظلم الأكبر، وهو الإشراك بالله عز وجل. وذكرهم بقول العبد الصالح لقمان (إذ قال لابنه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ).
فهؤلاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم العرب الأقحاح أشكل عليهم هذا اللفظ من هذه الآية الكريمة، ولم يزل الإشكال عنهم إلا ببيان النبي صلى الله عليه وسلم .

وهذا هو الذي أشار إليه الله عز وجل في الآية السابقة (وأنزلنا إليك الذكر لتبتن للناس ما نزل إليهم ) ولذلك فيجب أن يستقر في أذهاننا، وأن نعتقد في عقائدنا أنه لا مجال لأحد أن يستقل بفهم القرآن دون الإستعانة بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام.
فلا جرم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( تركت فيكم أمرين أو شيئين، لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله، وسنتي " وفي رواية " وعترتي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض )[سلسلة الاحاديت الصحيحة (4/ 330)] تركت فيكم أمرين ليس أمرا واحدا، وحيين ليس وحيا واحدا، لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي.
ومفهوم هذا الحديث: أن كل طائفة تمسكوا بأحد الأمرين، فإنما هم ضالون، خارجون عن الكتاب والسنة معا، فالذي يتمسك بالقرآن فقط دون السنة شأنه شأن من يتمسك بالسنة فقط دون القرآن، كلاهما على ضلال مبين، والهدى والنور أن يتمسك بالنورين، بكتاب الله تبارك وتعالى، وبسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد بشرنا عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث الصحيح، أننا لن نضل أبدأ ما تمسكنا بكتاب ربنا، وبسنة نبينا صلى الله عليه وسلم .

الدليل الثاني :

(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) النساء: 59
أمر الله سبحانه بطاعة : ( الله تعالى / ورسوله / و أولي الأمر من المسلمين )
بينما أمر برد النزاع إلى ( الله تعالى / و رسوله ) فقط
و في ذلك دليل قاطع أن أوامر الرسول ليست إلا شرعا ملزما يجب الرجوع إليها عند التنازع ، و أنها تستوي مع أوامر الله في الحكم ، بعكس أوامر ولاة الأمر التي لا يؤخذ منها حكما شرعيا يحكم التنازع .

الدليل الثالث :
قوله تعالى (( من يطع الرسول فقد أطاع الله )) النساء: 80 ،
فدل ذلك أن أوامر الرسول ليست إلا وحيا من الله ، لأن طاعة الرسول تعني طاعة الله .

الدليل الرابع :
( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب ) الحشر: 7
و الأمر صريح بالانتهاء عما نهى الرسول عنه .

الدليل الخامس :
( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون ) النور: 56
فالآية أوضحت أن الأمر بطاعة الرسول يستوي مع الأمر بالصلاة والزكاة و هو سبيل نيل رحمة الله

الدليل السادس :
(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) النساء: 75
و الخطاب في الآية موجه للرسول ، و في الآية نفى الله الإيمان عمن يرفض التحاكم إلى الرسول .

الدليل السابع :
وقوله سبحانه : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ) الأحزاب: 86 .
و هنا أوضحت الآية أن ما يقضيه الرسول من أمور هي ملزمة لأي مؤمن أو مؤمنة .

الدليل الثامن :
( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) النور
و هذا تحذير مباشر من مخالفة أمر الرسول .

هذه أبرز الأدلة من القرآن على وجوب اتباع السنة ، و الفرقة الشحرورية حاولت إثارة العديد من الشبهات حول هذه الأدلة فكشفت جهلها الفاضح باللغة والشرع و سنتاول المرة القادمة تفنيد شبهات الشحرورية حول هذه الأدلة لنرى مدى تخبطهم !

للمزيد
http://eltwhed.com/vb/showthread.php?t=11746
=============
لماذا لايستغنى عن السنة

الشبهة الثالثة

ومن الشبهات التي يرددها المستشرقين و أذنابهم هو ما فهموه من قوله تعالى{ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ } (8) ، وقوله سبحانه : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ } (9).
فقالوا : إن هذه الآيات وأمثالها تدل على أن الكتاب قد حوى كل شيء من أمور الدين ، وكلَّ حُكم من أحكامه ، وأنه بيَّن ذلك وفصَّله بحيث لا يحتاج إلى شيء آخر ، وإلا كان الكتاب مفرِّطاً فيه ، ولما كان تبياناً لكل شيء ، فيلزم الخُلْف في خبره سبحانه وتعالى .



الرد على هذه الشبهة و تفنيدها :

وجواباً على هذه الشبهة يقال : ليس المراد من الكتاب في قوله تعالى: { مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ } (10) القرآن ، وإنما المراد به اللوح المحفوظ ، فإنه هو الذي حوى كل شيء ، واشتمل على جميع أحوال المخلوقات كبيرها وصغيرها ، جليلها ودقيقها ، ماضيها وحاضرها ومستقبلها ، على التفصيل التام ، بدلالة سياق الآية نفسها حيث ذكر الله عز وجل هذه الجملة عقب قوله سبحانه : {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ } (11)أي مكتوبة أرزاقها وآجالها وأعمالها كما كتبت أرزاقكم وآجالكم وأعمالكم كل ذلك مسطور مكتوب في اللوح المحفوظ لا يخفى على الله منه شيء .
وعلى التسليم بأن المراد بالكتاب في هذا الآية القرآن ، كما هو في الآية الثانية وهي قوله سبحانه : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ }(12) فالمعنى أنه لم يفرِّط في شيء من أمور الدِّين وأحكامه ، وأنه بيَّنها جميعاً بياناً وافياً .
ولكن هذا البيان إما أن يكون بطريق النص مثل بيان أصول الدين وعقائده وقواعد الأحكام العامة ، فبيَّن الله في كتابه وجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج ، وحِلِّ البيع والنكاح ، وحرمة الرِّبا والفواحش ، وحِلِّ أكل الطيبات وحُرْمة أكل الخبائث على جهة الإجمال والعموم ، وتَرَك بيان التفاصيل والجزئيات لرسوله صلى الله عليه وسلم .

ولهذا لما قيل لمُطَرِّف بن عبد الله بن الشِخِّير : " لا تحدثونا إلا بالقرآن قال : والله ما نبغي بالقرآن بدلاً ولكن نريد من هو أعلم منا بالقرآن .
وروي عن عمران بن حصين أنه قال لرجل يحمل تلك الشبهة : إنك امرؤ أحمق أتجد في كتاب الله الظهر أربعا لا يجهر فيها بالقراءة ، ثم عدد إليه الصلاة والزكاة ونحو هذا ، ثم قال أتجد هذا في كتاب الله مفسَّرا ، إن كتاب الله أبهم هذا وإن السنة تفسر ذلك "
وإما أن يكون بيان القرآن بطريق الإحالة على دليل من الأدلة الأخرى التي اعتبرها الشارع في كتابه أدلة وحُجَجاً على خلقه .
فكل حكم بينته السنَّة أو الإجماع أو القياس أو غير ذلك من الأدلة المعتبرة ، فالقرآن مبَيِّن له حقيقة ، لأنه أرشد إليه وأوجب العمل به ، وبهذا المعنى تكون جميع أحكام الشريعة راجعة إلى القرآن .
فنحن عندما نتمسك بالسنة ونعمل بما جاء فيها إنما نعمل في الحقيقة بكتاب الله تعالى ، ولهذا لما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : " لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن ، المغيرات خلق الله " بلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب ، فجاءت إليه وقالت : إنه بلغني عنك أنك لعنت كيت وكيت ، فقال وما لي لا ألعن من لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن هو في كتاب الله ، فقالت : لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول ، قال : لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه أما قرأتِ { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا }(13) ؟! قالت : بلى ، قال : فإنه قد نهى عنه .
وحُكِي أن الشافعي رحمه الله كان جالساً في المسجد الحرام فقال : لا تسألوني عن شيء إلا أجبتكم فيه من كتاب الله تعالى ، فقال رجل : ما تقول في المُحْرِم إذا قتل الزُّنْبُور ؟ فقال لا شيء عليه ؟ فقال : أين هذا في كتاب الله ؟ فقال : قال الله تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ } ، ثم ذكر إسناداً إلى النبي في الحديث الذي رواه الترمذي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ) ، ثم ذكر إسناداً إلى عمر رضي الله عنه أنه قال " للمُحْرِم قتل الزُّنْبُور " فأجابه من كتاب الله قال الإمام الخطابي رحمه الله " أخبر سبحانه أنه لم يغادر شيئا من أمر الدين لم يتضمن بيانَه الكتابُ ، إلا أن البيان على ضربين : بيان جَلِيّ تناوله الذكر نصاً وبيان خفِيّ اشتمل عليه معنى التلاوة ضمناً ، فما كان من هذا الضرب كان تفصيل بيانه موكولاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو معنى قوله سبحانه : { لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } ، فمن جمع بين الكتاب والسنة فقد استوفى وجهي البيان " , وبذلك يتبين ضلال هؤلاء وسوء فهمهم وتهافت شبهاتهم ، وأنه لا منافاة بين حجية السنة وبين كون القرآن تبياناً لكل شيء ، والحمد لله أولاً وآخراً .

====================
القرأن الكريم مملوء بالايات التي تدل دلالة قاطعة على أن السنة النبوية حجة الله على خلقه في الدين .. وانها مبينة للقرآن وشارحة له . وسماها الحكمة .
وذكرها مقترنة بالقرأن الكريم .. منها قوله تعالى :
* ويعلمكم الكتاب والحكمة " (البقرة 151)
* يتلوا عليكم اياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة " (البقرة 151)
واذكر ما يتلي في بيوتكن من ايات الله والحكمة (الاحزاب 34)
* واذكروا نعمت الله عليكم وما انزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به " (البقرة 231)
بل يأمر القرأن بطاعة الرسول فيما يقول مثل ما يأمر بطاعة الله تعالى وذلك في ايات عديدة معلومة ومحفوظة عن ظهر قلب في القرأن . ومن واضح وأجلي ادلة القرأن على ان السنة حجة الله على المؤمنين هذا الامر الصريح في قوله تعالى : "وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " (الحشر 7)
فهذه الاية نص ان الرسول يأمر وينهي وأن على المؤمنين ان يلتزموا بتكاليفه .. ما تمسكتم بهما : كتاب الله وسنة نبيه وقوله في حديث اخر رواه ابو داود عن العرباض بن سارية انه قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ايحسب احدكم متكئا على اريكته يظن أن الله تعالى لم يحرم شيئا الا ما في هذا القرأن ؟ الا واني قد أمرت ووعظت ونهيت عن اشياء . انها مثل القرآن او اكثر " .

==============
شبهة

يقول عبد الله جكرالوي مؤسس الفرقة : (( إن الكتاب المجيد ذكر كل شيء يحتاج إليه في الدين مفصلا ومشروحا من كل وجه ، فما الداعي إلى الوحي الخفي وما الحاجة إلى السنة ))( ) ؟
ويقول في موضع آخر : (( كتاب الله كامل مفصل لا يحتاج إلى الشرح ولا إلى تفسير محمد e له وتوضيحه إياه أو التعليم العملي بمقتضاه ))( ) .
ويقول الحافظ أسلم في المعنى ذاته ما نصه : (( قد انحصرت ضروريات الدين في اتباع القرآن المفصل ولا تتعداه ))( ) .
الرد:
هذا كفر بالقرآن الذي يزعمون الانتساب إليه لأن الله يقول:
) وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم( فموضع الرسول e من القرآن موضع البيان له، فمن كذب ذلك فقد كذب نص القرآن . ومفهوم كتاب الله عند أهل العلم والإيمان يختلف عن مفهوم الكتاب عند هذه الفرقة المشبوهة .
حيث يطلق عند أهل العلم والإيمان على معنيين :
روى الشيخان من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد قال ا: كنا عند النبي e فقام رجل فقال : أنشدك الله إلا ما قضيت بيننا بكتاب الله فقام خصمه وكان أفقه منه فقال : اقض بيننا بكتاب الله وائذن لي : قال : قل ، قال : إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته فافتديت منه بمائة شاة وخادم، ثم سألت رجالاً من أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام ، وعلى امرأته الرجم فقال النبي e : والذي نفسي بيده لأقضينّ بينكما بكتاب الله جل ذكره ، المائة شاة( ) والخادم ردٌّ ، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام ، واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها فاعترفت فرجمها( ) .
وفي هذا الحديث طلب الخصمان من رسول الله e أن يحكم بينهما بكتاب الله وأجاب رسول الله e إلى ذلك وحلف ليفعلنّ ، والحكم الذي حكم به بينهما هو رد مائة الشاة والخادم وجلد مائة وتغريب عام على الزاني ورجم الزانية ، وليس الرجم ولا التغريب ولاردّ مائة الشاة والخادم منصوصا عليها في القرآن المنزل ، مع أن رسول الله e أطلق على هذا الحكم أنه كتاب الله أي حكم كتاب الله .
قال أهل العلم والإيمان : كتاب الله ينطلق على معنيين :
المعنى الأول : ما حكم الله به وكتب به على عباده سواء أكان منصوصا في القرآن أم في السنة، وإطلاق كتاب الله على القرآن والسنة إطلاق اشتراك( ) فما ثبت بالسنــة يطلق عليه أنه كتــاب الله ، ومن حكـــــم بالسنة
لم يخرج عن كتاب الله حكماً ومفهوما على هذا المعنى .
قال الواحدي : (( وليس للجلد والتغريب ذكر في نص الكتاب ، وهذا يدل على أن ما حكم به النبي e فهو عن كتاب الله )) ، قال الرازي : وهذا حق لأنه تعالى قال: ) لتبين للناس ما نزل إليهم ( فكل ما بينه الرسول عليه الصلاة والسلام كان داخلاً تحت هذه الآية( ) .
والمعنى الثاني عندهم : أن كتاب الله هو القرآن وحده ولكن يطلق على مدلول السنة بأنه في كتاب الله بواسطة أمر الله لنا بطاعة رسوله واتباع أمره ، و " مَنْ قَبِلَ عن رسول الله e فعن الله قَبِلَ ، لِما افترض الله من طاعته، فيجمع القبولُ لما في كتاب الله وسنة رسول الله القبول لكل واحد منهما عن الله "( ) .
ومن حكم بالسنة لم يخرج عن كتاب الله حكما ومفهوما على هذا المعنى أيضاً .
روى الشيخان واللفظ لمسلم عن عبد الله بن مسعود قال : (( لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب وكانت تقرأ القرآن فأتته فقالت : ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله ؟ فقال عبد الله : وما لي لا ألعن من لعن رسول الله ؟ وهو في كتاب الله ، فقالت : لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته، فقال : لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه ، قال الله عز وجل : ) وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا( ( ) .
فهذا ابن مسعود رضي الله عنه يقول عن حكمٍ ثبت بالسنة ولم يُنَصَّ عليه في القرآن أنه في كتاب الله .
وسئل عكرمة عن أمهات الأولاد ؟ فقال : إنهن حرائر ، قيل له بأي شيء تقوله ؟ قال : بالقرآن ، قال : بماذا من القرآن ؟ قال : قول الله ) وأولي الأمر منكم( ، وكان عمر من أولي الأمر، قال: عتقت وإن كان سِقْطاً ( ) .
بل ذهب الإمام المطلبي ناصر السنة إلى أبعد من ذلك إذ جعل ما ثبت عن عمر رضي الله عنه ثابتا في كتاب الله بنوع استنباط واستدلال بمراتب .
روى البيهقي بسنده عن عبد الله بن محمد بن هارون قال : سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول بمكة: سلوني عما شئتم أخبركم من كتاب الله فقال له رجل : أصلحك الله ما تقول في المحرم قتل زنبوراً ؟ قال : بسم الله الرحمن الرحيم ، قال الله تعالى : ) وما آتاكم الرسول فخذوه( ، حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش عن حذيفة قال : قال رسول الله e : (( اقتدوا بالذين من بعدي أبو بكر وعمر )) ، وحدثنا سفيان عن مسعر عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عمر أنه أمر بقتل زنبور( ) .
قال الواحدي : ((فأجابه من كتاب الله مستنبطا بثلاث درجات))( ).

===============
قال تعالى
((وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ))

في سنة النبي فيها تبين لاوامر الله و نواهيه و من هنا يكون القرآن و السنة هم مصادر التشريع للمسلمي
=============

اقتباس من كتاب الرسالة للشافعي عن القرآن وتبيان السنة

باب البيان الاول (73) قال الله تبارك وتعالى في المتمتع * (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) * (74) فكان بينا عند خوطب بهذه الآية أن صوم الثلاثة في الحج والسبع في المرجع عشرة أيام كاملة (75) قال الله * (تلك عشرة كاملة) * فاحتملت أن تكون زيادة في التبيين واحتملت أن يكون أعلمهم أن ثلاثة إذا جمعت إلى سبع كانت عشرة كاملة
---------------------------------------------
[ 27 ]
(76) وقال الله * (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة) * (77) فكان بينا عند من خوطب بهذه الآية أن ثلاثين وعشرا أربعون ليلة (78) وقوله * (أربعين ليلة) * يحتمل ما احتملت الآية قبلها من أن تكون إذا جمعت ثلاثون إلى عشر كانت أربعين وأن تكون زيادة في التبيين (79) وقال الله * (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) * (80) وقال * (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) * (81) فافترض عليهم الصوم ثم بين أنه شهر والشهر
-------------------------------------------
[ 28 ]
ما بين الهلالين وقد يكون ثلاثين وتسعا وعشرين (82) فكانت الدلالة في هذا كالدلالة في الآيتين وكان في الآيتين قبله في بن جماعة زيادة تبين جماع العدد (83) واشبه الامور بزيادة تبيين جملة العدد في السبع والثلاث وفي الثلاثين والعشر أن تكون زيادة في التبيين لانهم لم يزالوا يعرفون هذين العددين وجماعة كما لم يزالوا يعرفون شهر رمضان باب البيان الثاني (84) قال الله تبارك وتعالى * (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا) * (85) وقال * (ولا جنبا إلا عابري سبيل) *
------------------------------------
[ 29 ]
(86) فأتى كتاب الله على البيان في الوضوء دون الاستنجاء بالحجارة وفي الغسل من الجنابة (87) ثم كان أقل غسل الوجه والاعضاء مرة مرة واحتمل ما هو أكثر منها فبين رسول الله الوضوء مرة وتوضأ ثلاثا ودل على أن أقل غسل الاعضاء يجزئ وان أقل عدد الغسل واحدة وإذا أجزأت واحدة فالثلاث اختيار (88) ودلت السنة على أنه يجزئ في الاستنجاء ثلاثة أحجار ودل النبي على ما يكون منه الوضوء وما يكون منه الغسل ودل على أن الكعبين والمرفقين مما يغسل لان الآية تحتمل أن يكونا حدين للغسل وان يكونا داخلين في الغسل ولما قال رسول الله ويل للاعقاب من النار دل على انه غسل لا مسح (89) قال الله * (ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلامه الثلث
--------------------------------
[ 30 ]
فان كان له أخوة فلامه السدس) * (90) وقال * (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم) * (91) فاستغنى بالتنزيل في هذا عن خبر غيره ثم كان لله فيه شرط أن يكون بعد الوصية والدين فدل الخبر على ان لا يجاوز بالوصية الثلث
--------------------------------------
[ 31 ]
باب البيان الثالث (92) قال الله تبارك وتعالى * (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) * (93) وقال * (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) * (94) وقال * (وأتموا الحج والعمرة لله) * (95) ثم بين على لسان رسوله عدد ما فرض من الصلوات ومواقيتها وسننها وعدد الزكاة ومواقيتها وكيف عمل الحج والعمرة وحيث يزول هذا ويثبت وتختلف سننه وتتفق ولهذا أشباه كثيرة في القرآن والسنة
--------------------------
[ 32 ]
باب البيان الرابع (96) قال الشافعي كل ما سن رسول الله مما ليس فيه كتاب وفيما كتبنا في كتابنا من ذكر ما من الله به على العباد من تعلم الكتاب والحكمة دليل على ان الحكمة سنة رسول الله (97) مع ما ذكرنا مما افترض الله على خلقه من طاعة رسوله وبين من موضعه الذي وضعه الله به من دينه الدليل على ان البيان في الفرائض المنصوصة في كتاب الله من أحد هذه الوجوه (98) منها ما أتى الكتاب على غاية البيان فيه فلم يحتج مع التنزيل فيه إلى غيره (99) ومنها ما أتى على غاية البيان في فرضه وافترض طاعة رسوله فبين رسول الله عن الله كيف فرضه وعلى من فرضه ومتى يزول بعضه ويثبت ويجب
----------------------
[ 33 ]
(100) ومنها ما بينه عن سنة نبيه بلا نص كتاب (101) وكل شئ منها بيان في الكتاب الله (102) فكل من قبل عن الله فرائضه في كتابه قبل عن رسول الله سنتة بفرض الله طاعة رسول له على خلقه وأن ينتهوا إلى حكمه ومن قبل عن رسول الله فمن الله قبل لما افترض الله من طاعته (103) فيجمع القبول لما في كتاب الله ولسنة رسول الله القبول لكل واحد منهما عن الله وان تفرقت فروع الاسباب التي قبل بها عنهما كما أحل وحرم وفرض وحد بأسباب متفرقة كما شاء جل ثناؤه لا يسئل عما يفعل وهم يسألون
--------------------------------
[ 34 ]
باب البيان الخامس (104) قال الله تبارك وتعالى ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره (105) فرض عليهم حيث ما كانوا أن يولوا وجوههم شطره وشطره جهته في كلام العرب إذا قلت أقصد شطر كذا معروف أنك تقول اقصد فصد عين كذا يعني قصد نفس كذا وكذلك تلقاءه جهته أي أستقبل تلقاءه وجهته وإن كلها معنى واحد وان كانت وان كانت بألفاظ مختلفة


============================

بيان فرض الله في كتابه اتباع سنة نبيه (236) قال الشافعي وضع الله رسوله من دينه وفرضه وكتابه الموضع الذي أبان جل ثناؤه انه جعله علما لدينه بما افترض من طاعته وحرم من معصيته وأبان من فضيلته بما قرن من الايمان برسوله مع الايمان به (237) فقال تبارك وتعالى * (فآمنوا بالله ورسوله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه ان يكون له ولد) *
---------------------------------------------
[ 75 ]
238 - وقال * (إنما المؤمنين الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه) * 239 فجعل كما ابتداء الايمان الذي ما سواه تبع له الايمان بالله ورسوله 240 فلو آمن عبد به ولم يؤمن برسوله لم يقع عليه اسم كمال الايمان أبدا حتى يؤمن برسوله معه (241) وهكذا سن رسوله في كل من امتحنه للايمان 242 أخبرنا مالك عن هلال بن أسامة عن عطاء بن يسار عن عمر بن الحكم قال " أتيت رسول الله بجارية فقلت يا رسول على رقبة أفأعتقها فقال لها رسول الله أين الله فقالت في السماء فقال ومن أنا قالت أنت رسول الله قال فأعتقها
----------------------------------------
[ 76 ]
243 قال الشافعي " معاوية بن الحكم " وكذلك رواه غير مالك وأظن مالك لم يحفظ اسمه (244) قال الشافعي ففرض الله على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله (245) فقال في كتابه * (ربنا ابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم) * 46 (2) وقال جل ثناؤه * (كما أرسلنا فيكم رسول منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون) *
-----------------------------------------
[ 77 ]
(247) وقال * (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) * (248) وقال جل ثناؤه * (هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) * (249) وقال * (واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به) * (250) وقال * (وانزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما) * (251) وقال * (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات
----------------------------------
[ 78 ]
الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا) * (252) فذكر الله الكتاب وهو القرآن وذكر الحكمة فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول الحكمة سنة رسول الله (253) وهذا يشبه ما قال والله أعلم 254 - لان القرآن ذكر وأتبعته الحكمة وذكر الله منه على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة فلم يجز الله والله اعلم أن يقال الحكمة ها هنا إلا سنة رسول الله (255) وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله وأن الله افترض طاعة رسوله وحتم على الناس اتباع امره فلا يجوز أن يقال لقوله فرض إلا لكتاب الله ثم سنة رسوله (256) صلى الله عليه وسلم لما وصفنا من أن الله جعل الايمان برسوله مقرونا بالايمان به
-------------------------
[ 79 ]
(257) وسنة رسول الله مبينة عن الله معنى ما أراد دليلا على خاصة وعامة ثم قرن الحكمة بها بكتابه فاتبعها إياه ولم يجعل هذا لاحد من خلقه غير رسوله باب فرض الله طاعة رسول الله مقرونة بطاعة الله ومذكورة وحدها (258) قال الله * (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا ان يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) * (259) وقال * (يا أيها الذين آمنوا اطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) * (260) فقال بعض أهل العلم اولوا الامر أمراء سرايا رسول الله والله أعلم وهكذا أخبرنا
-----------------------------------------
[ 80 ]
(261) وهو يشبه ما قال والله أعلم لن كل من كان حول مكة من العرب لم يكن يعرف غمارة وكانت تأنف ان يعطي بعضها بعضا طاعة الامارة (262) رضي الله تعالى عنهما فلما دانت لرسول الله بالطاعة لم تكن ترى ذلك يصلح لغير رسول الله (263) فأمر ان أطيعوا أولي الامر الذين أمرهم رسول الله لا طاعة مطلقة بل طاعة مستثناة فيما لهم وعليهم فقال * (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله) * يعني إن اختلفتم في شئ (264) وهذا إن شاء الله كما قال في أولي الامر إلا انه يقول * (فإن تنازعتم) * يعني والله أعلم هم وأمراؤهم الذين أمروا بطاعتهم * (فردوه إلى الله والرسول) * يعني والله اعلم إلى مال قال الله
-----------------------
[ 81 ]
والرسول إن عرفتموه فإن لم تعرفوه سألتم الرسول عنه إذا وصلتم أو من وصل منكم إليه (265) لان ذلك الفرض الذي لا منازعة لكم فيه لقول الله * (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا ان يكون لهم الخيرة من أمرهم) * (266) ومن يتنازع ممن بعد رسول الله رد الامر إلى قضاء الله ثم قضاء رسوله فإن لم يكن فيما تنازعوا فيه قضاء نصا فيهما ولا في واحد منهما ردوه قياسا على أحدهما كما وصفت من ذكر القبلة والعدل والمثل مع ما قال الله في غير أية مثل هذا المعنى (267) وقال * (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) *
--------------------------------
[ 82 ]
(268) وقال * (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله) * باب ما أمر الله من طاعة رسول الله (269) قال الله جل ثناؤه: (غن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما) (270) وقال: (ومن يطع الرسول فقد اطاع الله) (271) فاعلمهم أن بيعتهم رسوله بيعته وكذلك أعلمهم أن طاعتهم طاعته (272) وقال: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)
----------------------------------
[ 83 ]
(273) نزلت هذه الآية فيما بلغنا والله أعلم في رجل خاصم الزبير في أرض فقضى النبي بها للزبير (274) وهذا القضاء سنة من رسول الله لا حكم منصوص في القرآن (275) والقرآن يدل والله أعلم على ما وصفت لانه لو كان قضاء بالقرآن كان حكما منصوصا بكتاب الله وأشبه أن يكونوا إذا لم يسلموا لحكم كتاب الله نصا غير مشكل الامر انهم ليسوا بمؤمنين إذا ردوا حكم التنزيل إذا لم يسلموا له (276) وقال تبارك وتعالى: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا
--------------------
[ 84 ]
فليحذر الذين يخالفون عن أمره ان تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) (277) وقال: (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون ان يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ان يقولوا سمعنا وأطعنا واولئك هم المفلحون ومن يطع الله ورسوله ويخشى الله ويتقه فأولئك هم الفائزون) (278) فأعلم الله الناس في هذه الآية ان دعاءهم إلى رسول الله ليحكم بينهم دعاء إلى حكم الله لان الحاكم بينهم رسول الله وإذا سلموا لحكم رسول الله فإنما سلموا لحكمه بفرض الله (279) وانه أعلمهم ان حكمه حكمه على معنى افتراضه حكمه وما سبق في علمه جل ثناؤه من إسعاده بعصمته وتوفيقه وما شهد له به من هدايته واتباعه أمره
----------------------
[ 85 ]
(280) فاحكم فرضه بإلزام خلقه طاعة رسوله وإعلامهم أنها طاعته (281) فجمع لهم أن أعلمهم أن الفرض عليهم اتباع امره وأمر رسوله وأن طاعة رسوله طاعته ثم أعلمهم أنه فرض على رسوله اتباع أمره جل ثناؤه باب ما أبان الله لخلقه من فرضه على رسوله اتباع ما أوحي إليه وما شهد له به من اتباع ما أمر به ومن هداه وأنه هاد لمن اتبعه (282) قال الشافعي قال الله جل ثناؤه لنبيه (يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا) (283) الله عز وجلوقال * (اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين)
-------------------------
[ 86 ]
(284) وقال: (ثم جعلناك على شريعة من الامر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون) (285) فأعلم الله رسوله منه عليه بما سبق في علمه من عصمته إياه من خلقه فقال: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) (286) وشهد له جل ثناؤه باستمساكه بما امره به والهدى في نفسه وهداية من اتبعه فقال: (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) (287) وقال: (لو لا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شئ
---------------------------
[ 87 ]
وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما) (289) فأبان الله أن قد فرض على نبيه اتباع امره وشهد له بالبلاغ عنه وشهد به لنفسه ونحن نشهد له به تقربا إلى الله بالايمان به وتوسلا إليه بتصديق كلماته (289) أخبرنا عبد العزيز عن عمرو بن أب يعمرو مولى المطلب عن المطلب بن حنطب ان رسول الله قال " ما تركت شيئا مما امركم الله به إلا وقد امرتكم به ولا تركت شيئا مما نهاكم الله عنه إلا وقد نهيتكم عنه " (290) قال الشافعي وما أعلمنا الله مما سبق في علمه وحتم قضائه الذي لا يرد من فضله عليه ونعمته انه منعه من ان يهموا به ان يضلوه وأعلمه انهم لا يضرونه من شئ
------------------------------
[ 88 ]
291 - وفي شهادته بأنه يهدي إلى صراط مستقيم صراط الله والشهادة بتأديبه رسالته واتباع أمره وفيما وصفت مت فرضه طاعته وتأكيده إياه في الآي ذكرت ما اقدم الله به الحجة على خلقه بالتسليم لحكم رسول الله واتباع أمره (292) قال الشافعي وما سن رسول الله فيما ليس لله فيه حكم فبحكم الله سنة وكذلك أخبرنا الله في قوله (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله) (293) وقد سن رسول الله مع كتاب الله وسن فيما ليس فيه بعينه نص كتاب (294) وكل ما سن فقد ألزمنا الله اتباعه وجعل في اتباعه طاعته وفي العنود عن اتباعها معصيته التي لم يعذر بها خلقا
------------------------------------
[ 89 ]
ولم يجعل له من اتباع سنن رسول الله مخرجا لما وصفت وما قال رسول الله (295) أخبرنا سفيان عن سالم أبو النضر مولى عمر بن عبيد الله سمع عبيد الله بن أبي رافع يحدث عن أبيه أن رسول الله قال " لا الفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الامر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه "
---------------------------
[ 90 ]
(296) قال سفيان وحدثنيه محمد بن المنكدر عن النبي مرسلا
----------------------------------
[ 91 ]
(297) قال الشافعي الاريكة السرير (298) وسنن رسول الله مع كتاب الله وجهان أحدهما نص كتاب فاتبعه رسول الله كما انزل الله والآخر جملة بين رسول الله فيه عن الله معنى ما أراد بالجملة وأوضح كيف فرضها عاما أو خاصا وكيف أراد ان يأتي به العباد وكلاهما اتبع فيه كتاب الله (299) قال فلم أعلم من أهل العلم مخالفا في أن سنن النبي من ثلاثة وجوه فاجتمعوا منها على وجهين (300) والوجهان يجتمعان ويتفرعان أحدهما ما أنزل الله
------------------
[ 92 ]
فيه نص كتاب فبين رسول الله مثل ما نص الكتاب والآخر مما أنزل الله فيه جملة كتاب فبين عن الله معنى ما أراد وهذان الوجهان اللذان لم يختلفوا فيهما (301) والوجه الثالث ما سن رسول الله فيما ليس فيه نص كتاب (302) فمنهم من قال جعل الله له بما افترض من طاعته وسبق في علمه من توفيقه لرضاه أن يسن فيما ليس فيه نص كتاب (303) ومنهم من قال لم يسن سنة قط إلا ولها أصل في الكتاب كما كانت سنته لتبيين عدد الصلاة وعملها على أصل جملة فرض الصلاة وكذلك ما سن من البيوع وغيرها من الشرائع لان الله قال: (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) وقال: (وأحل الله البيع وحرم الربا) فما أحل وحرم فإنما بين فيه عن الله كما بين الصلاة (204) ومنهم من قال بل جاءته به رسالة الله فأثبتت سنته بفرض الله
---------------------------------------
[ 93 ]
(305) ومنهم من قال ألقي في روعه كل ما سن وسنته الحكمة الذي القي في روعه عن الله فكان ما ألقي في روعه سنته (306) أخبرنا عبد العزيز عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب قال قال رسول الله " إن الروح الامين قد ألقي في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها فاجملوا في الطلب "
----------------------------------
[ 103 ]
(307) فكان مما ألقي في روعه سنته وهي الحكمة التي ذكر الله وما أنزل به عليه كتاب فهو كتاب الله وكل جاءه من نعم الله كما أراد الله وكما جاءته النعم تجمعها النعمة وتتفرق بأنها في أمرو بعضها غير بعض ونسأل الله العصمة والتوفيق
---------------------------------------
[ 104 ]
(308) وأي هذا كان فقد بين الله أنه فرض فيه طاعة رسوله ولم يجعل لاحد من خلقه عذرا بخلاف أمر عرفه من أمر رسول الله وان قد جعل الله بالناس الحاجة إليه في دينهم وأقام عليهم حجته بما دلهم عليه من سنن رسول الله معاني ما أراد الله بفرائضه في كتابه ليعلم من عرف منها ما وصفنا أن سنته صلى الله عليه إذا كانت سنة مبينة عن الله معنى ما أراد من مفروضه فيما فيه كتاب يتلونه وفيما ليس فيه نص كتاب أخرى فهي كذلك أين كانت لا يختلف حكم الله ثم حكم
------------------------------
[ 105 ]
رسوله بل هو لازم بكل حال (309) وكذلك قال رسول الله في حديث أبي رافع الذي كتبنا قبل هذا (310) وسأذكر مما وصفنا من السنة مع كتاب الله والسنة فيما ليس فيه نص كتاب بعض ما يدل على جملة ما وصفنا منه إن شاء الله (311) رضي الله تعالى عنه فأول ما نبدأ به من ذكر سنة رسول الله مع كتاب الله ذكر الاستدلال بسنته على الناسخ والمنسوخ من كتاب الله ثم ذكر الفرائض المنصوصة التي سن رسول الله معها ثم ذكر الفرائض الجمل التي أبان رسول الله عن الله كيف هي ومواقيتها ثم ذكر العام من أمر الله الذي أراد به العام والعام الذي أراد به الخاص ثم ذكر سنته فيما ليس فيه نص كتاب
-------------------------------------
[ 106 ]
ابتداء الناسخ والمنسوخ (312) قال الشافعي إن الله خلق الخلق لما سبق في علمه مما أراد بخلقهم وبهم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب (313) وأنزل عليهم الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وفرض فيهم فرائض أثبتها وأخرى نسخها رحمة لخلقه بالتخفيف عنهم وبالتوسعة عليهم زيادة فيما ابتدأهم به من نعمه وأثابهم على الانتهاء إلى ما أثبت عليهم جنته والنجاة من عذابه فعمتهم رحمته فيما أثبت ونسخ فله الحمد على نعمه (314) وأبان الله لهم أنه إنما نسخ ما نسخ من الكتاب بالكتاب وان السنة لا ناسخة للكتاب وإنما هي تبع للكتاب يمثل ما نزل نصا ومفسرة معنى ما أنزل الله منه جملا (315) قال الله: (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن
--------------------------
[ 107 ]
ابدله من تلقاء نفسي إن اتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم) * (316) فأخبر الله أنه فرض على نبيه اتباع ما يوحى إليه ولم يجعل له تبديله نفسه (317) وفي قوله (ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي) * بيان ما وصفت من أنه لا ينسخ كتاب الله إلا بكتابه كما كان المبتدئ لفرضه فهو المزيل المثبت لما شاء منه جل ثناؤه ولا يكون ذلك لاحد من خلقه (318) وكذلك قال: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) (319) وقد قال بعض أهل العلم في هذه الآية والله أعلم دلالة على أن الله جعل لرسوله أن يقول من تلقاء نفسه بتوفيقه فيما لم ينزل فيه كتابا والله أعلم (320) وقيل في قوه (يمحو الله ما يشاء) يمحو فرض ما يشاء ويثبت ما يشاء وهذا يشبه ما قيل والله أعلم
---------------
[ 108 ]
(321) وفي كتاب الله دلالة عليه قال الله (ما ننسخ من آية أو ننسها نأتي بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير) (322) فأخبر الله أن ننسخ القرآن وتأخير انزاله لا يكون إلا بقران مثله (323) وقال: (وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر) (324) وهكذا سنة رسول الله لا ينسخها إلا سنة لرسول الله ولو أحدث الله لرسوله في أمر سن فيه غير ما سن رسول الله لسن فيما أحدث الله إليه حتى يبين للناس أن له سنة ناسخة للتي قبلها مما يخالفها وهذا مذكور في سنته صلى الله عليه وسلم (325) فإن قال قائل فقد وجدنا الدلالة على أن القرآن ينسخ القرآن لا أنه لا مثل للقرآن فأوجدنا ذلك في السنة (326) قال الشافعي فيما وصفت من فرض الله على الناس
-----------------------
[ 109 ]
اتباع أمر رسول الله دليل على أن سنة رسول الله إنما قبلت عن الله فمن اتبعها فبكتاب الله تبعها ولا نجد خبرا ألزمه الله خلقه نصا بينا إلا كتابه ثم سنة نبيه فإذا كانت السنة كما وصفت لا شبه لها من قول خلق من خلق الله لم يجز أن ينسخها إلا مثلها ولا مثل لها غير سنة رسول لان الله لم يجعل لآدمي بعده ما جعل له بل فرض على خلقه اتباعه فألزمهم أمره فالخلق كلهم له تبع ولا يكون للتابع أن يخالف ما فرض عليه اتباعه ومن وجب عليه اتباع سنة رسول الله لم يكن له خلافها ولم يقم مقام ان ينسخ شيئا منها (327) فإن قال أفيحتمل أن تكون له سنة مأثورة قد نسخت ولا تؤثر السنة التي نسختها (328) فلا يحتمل هذا وكيف يحتمل أن يؤثر ما وضع فرضه ويترك ما يلزم فرضه ولو جاز هذا خرج عامة السنن من أيدي الناس بأن يقولوا لعلها منسوخة وليس ينسخ فرض أبدا إلا ثبت مكانه فرض كما نسخت نسخت قبله بيت المقدس فاثبت
---------------------------
[ 110 ]
مكانها الكعبة وكل منسوخ في كتاب وسنة هكذا (329) فإن قال قائل هل ننسخ السنة بالقرآن (330) قيل لو نسخت السنة بالقرآن كانت للنبي فيه سنة تبين أن سنته الاولى منسوخة بسنته الآخرة حتى تقوم الحجة على الناس بأن الشئ ينسخ بمثله
--------------------------
[ 111 ]
(331) فإن قال ما الدليل على ما تقول (332) فما وصفت من موضعه من الابانة عن الله معنى ما أراد بفرائضه خاصا وعاما مما وصفت في كتابي هذا وأنه لا يقول أبدا لشئ إلا بحكم الله ولو نسخ الله مما قال حكما لسن رسول الله فيما نسخه سنة (333) ولو جاز أن يقال قد سن رسول الله ثم نسخ سنته بالقرآن ولا يؤثر عن رسول الله السنة الناسخة جاز أن يقال فيما حرم رسول الله من البيوع كلها قد يحتمل ان يكون حرمها قبل أن ينزل عليه (أحل الله البيع وحرم الربا) وفيمن رجم من الزناة قد يحتمل ا يكون الرجم منسوخا لقول الله (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة وفي المسح على
----------------------------
[ 112 ]
الخفين نسخت آية الوضوء المسح وجاز أن يقال لا يدرأ عن سارق سرق من غير حرز وسرقته أقل من ربع دينار لقول الله (السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) لان اسم السرقة يلزم من سرق قليلا وكثيرا ومن حرز ومن غير حرز ولجاز رد كل حديث عن رسول الله بأن يقال لم يقله إذا لم يجده مثل التنزيل وجاز رد السنن بهذين الوجهين فتركت كل سنة معها كتاب جملة تحتمل سنته أن توافقه وهي لا تكون ابدا
--------------------
[ 113 ]
إلا موافقة له إذا احتمل اللفظ فيما روي عنه خلاف اللفظ في التنزيل بوجه أو احتمل أن يكون في اللفظ عنه أكثر مما في اللفظ في التنزيل وإن كان محتملا أن يخالفه من وجه (334) وكتاب الله وسنة رسوله تدل على خلاف هذا القول وموافقة ما قلنا (335) وكتاب الله البيان الذي يشفي به من العمى وفيه الدلالة على موضع رسول الله من كتاب الله ودينه واتباعه له وقيامه بتبيينه عن الله الناسخ والمنسوخ الذي يدل الكتاب على بعضه والسنة على بعضه (336) قال الشافعي مما نقل بعض من سمعت منه من أهل العلم أن الله أنزل فرضا في الصلاة قبل فرض الصلوات الخمس
-----------------------------------
114 ]
فقال (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا) ثم نسخ هذه في السورة معه فقال (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرؤا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرض وآخرون يضربون في الارض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرؤا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) * (337) ولما ذكر الله بعد أمره بقيام الله نصفه إلا قليلا أو لزيادة عليه فقال: (أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك) فخفف فقال: (علم أن سيكون منكم مرضى) قرأ إلى (فاقرؤا ما تيسر منه) (338) قال الشافعي فكان بينا في كتاب الله نسخ
----------------------------
[ 115 ]
قيام الليل ونصفه والنقصان من النصف والزيادة عليه بقول الله (فاقرؤا ما تيسر منه) (339) فاحتمل قول الله (فاقرؤا ما تيسر منه) معنيين (340) أحدهما أن يكون فرضا ثابتا أنه أزيل به فرض غيره (341) والآخر أن يكون فرضا منسوخا أزيل بغيره كما أزيل به غيره وذلك لقول الله (ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) فاحتمل قوله (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) أن يتهجد بغير الذي فرض عليه مما تيسر منه (342) قال فكان الواجب طلب الاستدلال بالسنة على أحد المعنيين فوجدنا سنة رسول الله تدل على ألا واجب من الصلاة إلا الخمس فصرنا إلى أن الواجب الخمس وأن ما سواها من واجب
------------------------
[ 116 ]
من صلاة قبلها منسوخ بها استدلالا بقول الله (فتهجد به نافلة لك) وأنها ناسخة لقيام الليل ونصفه وثلثه وما تيسر (343) ولسنا نحب لاحد ترك أن يتهجد بما يسره الله عليه من كتابه مصليا به وكيف ما أكثر فهو احب إلينا (344) أخبرنا مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيد الله يقول جاء أعرابي من أهل نجد ثائر الراس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول حتى دنا فإذا هو يسأل عن الاسلام فقال النبي خمس صلوات في اليوم والليلة قال هل علي غيرها فقال لا إلا أت تطوع قال وذكر له رسول الله صيام شهر رمضان فقال هل علي غيره قال لا إلا أن تطوع فأدبر الرجل وهو يقول لا أزيد على هذا ولا أنقص منه فقال رسول الله أفلح غن صدق "
-------------------------
[ 117 ]
(345) ورواه عبادة بن الصامت عن النبي أنه قال " خمس صلوات كتبهن الله على خلقه فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهدا أن يدخله الجنة " باب فرض الصلاة الذي دل الكتاب ثم السنة عن من تزول عنه بالعذر وعلى من لا تكتب صلاته بالمعصية (346) قال الله تبارك وتعالى (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) (347) قال الشافعي افترض الله الطهارة على المصلي في الوضوء والغسل من الجنابة فلم تكن لغير طاهر صلاة ولما
-------------------------------
[ 118 ]
ذكر الله المحيض فأمر باعتزال النساء حتى يطهرن فإذا تطهرن أتين استدللنا على أن تطهرن بالماء بعد زوال المحيض لان الماء موجود في الحالات كلها في الحضر فلا يكون للحائض طهارة بالماء لان الله إنما ذكر التطهر بعد أن يطهرن وتطهرهن زوال المحيض في كتاب الله ثم سنة رسوله (348) أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة وذكرت احرامها مع النبي وأنها حاضت فأمرها ان تقضي ما يقضي الحاج " غير أن لا تطو في بالبيت حتى تطهري "
------------------------
[ 119 ]
(349) فاستدللنا على أن الله إنما أراد بفرض الصلاة من إذا توضأ واغتسل طهر فأما الحائض فلا تطهر بواحد منهما وكان الحيض شيئا خلق فيها لم تجتلبه على نفسها فتكون عاصية به فزال عنها فرض الصلاة أيام حيضها فلم يكن عليها قضاء ما تركت منها في الوقت الذي يزول عنها فيه فرضها (350) وقلنا في المغمي عليه والمغلوب على عقله بالعارض من أمر الله الذي لا جناية له فيه قياسا على الحائض إن الصلاة عنه مرفوعة لانه لا يعقلها ما دام في الحال التي لا يعقل فيها (351) وكان عاما في أهل العلم أن النبي لم يأمر الحائض بقضاء الصلاة وعاما أنها أمرت بقضاء الصوم ففرقنا بين الفرضين استدلالا بما وصفت من نقل أهل العلم وإجماعهم


بحار40025-12-14 02:12 AM

--------------------
[ 120 ]
(352) وكان الصوم مفارق الصلاة في أن للمسافر تأخيره عن شهر رمضان وليس له ترك يوم لا يصلي فيه صلاة السفر كان الصوم شهرا من اثنى عشر شهرا وكان في أحد عشر شهرا خليا من فرض الصوم ولم يكن أحد من الرجال مطيقا بالفعل للصلاة خليا من الصلاة (353) قال الله: (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) (354) فقال بعض أهل العلم نزلت هذه الآية قبل تحريم الخمر (355) فدل القرآن والله أعلم على ألا صلاة لسكران حتى يعلم ما يقول إذ بدا بنهيه عن الصلاة وذكر معه الجنب فلم يختلف أهل العلم الا صلاة لجنب حتى يتطهر
-------------------
[ 121 ]
(356) وإن كان نهي السكران عن الصلاة قبل تحريم الخمر فهو حين حرم الخمر أولى ان يكون منهيا بأنه عاص من وجهين أحدهما ان يصلي في الحال التي هو فيها منهي والآخر أن يشرب الخمر (357) والصلاة قول وعمل وإمساك فإذا لم يعقل القول والعمل والامساك فلم يأت بالصلاة كما أمر فلا تجزئ عنه وعليه إذا أفاق القضاء (358) ويفارق المغلوب على عقله بأمر الله الذي لا حيلة له فيه السكران لانه أدخل نفسه في السكر فيكون على السكران القضاء دون المغلوب على عقله بالعارض الذي لم يجتلبه على نفسه فيكون عاصيا باجتلابه (359) ووجه الله رسوله للقبلة في الصلاة إلى بيت المقدس فكانت القبلة التي لا يحل قبل نسخها استقبال غيرها ثم نسخ
-----------------
[ 122 ]
الله قبلة بيت المقدس ووجهه إلى البيت فلا يحل لاحد استقبال بيت المقدس أبدا لمكتوبة ولا يحل أن يستقبل غير البيت الحرام (360) قال وكل كان حقا في وقته فكان التوجه إلى بيت المقدس يام وجه الله إليه نبيه حقا ثم نسخه فصار الحق في التوجه إلى البيت الحرام لا يحل استقبال غيره في مكتوبه إلا في بعض الخوف أو نافلة في سفر استدلالا بالكتاب والسنة (361) وهكذا كل ما نسخ الله ومعنى " نسخ " ترك فرضه كان حقا في وقته وتركه حقا غذا نسخه الله فيكون من
--------------
[ 123 ]
أدرك فرضه مطيعا به وبتركه ومن لم يرك فرضه مطيعا باتباع الفرض الناسخ له (362) قال الله لنبيه (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) (363) فإن قال قائل فأين الدلالة على أنهم حولوا إلى قبلة بعد قبلة (364) ففي قول الله: (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) * (365) مالك عن عبد الله بن دينار عن بن عمر
---------------
[ 124 ]
قال " بينما الناس بقباء في صلاة الصبح غذ جاءهم آت فقال إن النبي قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستدركوا إلى الكعبة " (366) مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب
----------------------
[ 125 ]
أنه كان يقول " صلى رسول الله ستة عشر شهرا نحو بيت المقدس ثم حولت القبلة قبل بدر بشهرين " (367) قال والاستدلال بالكتاب في صلاة الخوف قول الله (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) وليس لمصلي المكتوبة أن يصلي راكبا إلا في خوف ولم يذكر الله أن يتوجه القبلة
-----------------------
[ 126 ]
(368) وروى بن عمر عن رسول الله صلاة الخوف فقال في روايته " فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا وركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها " (369) وصلى رسول الله النافلة في السفر على راحلته أين توجهت به حفظ ذلك عن جابر بن عبد الله وأنس بن مالك وغيرهما وكان لا يصلي المكتوبة مسافرا إلا بالارض متوجها للقبلة (370) بن أبي فديك عن بن أبي ذئب عن عثمان بن عبد الله بن سراقة عن جابر بن عبد الله " أن النبي كان يصلي على راحلته موجهة به قبل المشرق في غزوة بني أنمار "
-----------------------------
[ 127 ]
(371) قال الله (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبون مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بانهم قوم لا يفقهون) (372) ثم أبان في كتابه انه وضع عنهم ان يقوم الواحد بقتال العشرة واثبت عليهم أن يقوم الواحد بقتال الاثنين فقال: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين) (373) أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن بن عباس قال " لما نزلت هذه الآية * إن يكن منكم عشرون صابرون
---------------------------
[ 128 ]
يغلبوا مائتين) كتب عليهم ألا يفر العشرين من المائتين فأنزل الله (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا) إلى (يغلبوا مائتين) فكتب ان لا يفر المائة من المائتين " (374) قال وهذا كما قال بن عباس إن شاء الله وقد بين الله هذا في الآية وليست تحتاج إلى تفسير (375) قال: (واللاتي ياتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فغن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا
---------------------------
[ 129 ]
واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما) (376) ثم نسخ الله الحبس والاذى في كتابه فقال (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) (377) فدلت السنة على أن جلد المائة للزانيين البكرين (378) أخبرنا عبد الوهاب عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عبادة بن الصامت أن رسول الله قال " خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " (379) أخبرنا الثقة من أهل العلم عن يونس بن عبيد
--------------------------
[ 130 ]
عن الحسن عن حطان الرقاشي عن عبادة بن الصامت عن النبي مثله
-----------------------------------
[ 131 ]
(380) قال فدلت سنة رسول الله أن جلد المائة ثابت على البكرين الحرين ومنسوخ عن الثبتين وأن الرجم ثابت على الثبتين الحرين (381) لان قول رسول الله " خذوا عني قد جعل الله
----------------------
[ 132 ]
لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " أول نزل فنسخ به الحبس والاذي عن الزانيين (382) فلما رجم النبي ماعزا ولم يجلده وأمر أنيسا أن يغدوا على امرأة الاسلمي فإن اعترفت رجمها دل على نسخ الجلد عن الزانيين الحرين الثيبين وثبت الرجم عليهما لان كل شئ أبدا بعد أول فهو آخر
-------------------------------------
[ 133 ]
(383) فدل كتاب الله ثم سنة نبيه على أن الزانيين المملوكين خارجان من هذا المعنى (384) قال الله تبارك وتعالى في المملوكات (فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) (385) والنصف لا يكون إلا من الجلد الذي يتبعض فأما الرجم الذي هو قتل فلا نصف له لان المرجوم قد
---------------------------------
[ 134 ]
يموت في أول حجر يرمي به فلا يزاد عليه ويرمي بالف وأكثر فيزاد عليه حتى يموت فلا يكون لهذا نصف محدود أبدا والحدود موقتة باتلاف نفس والاتلاف موقت بعدد ضرب أو تحديد قطع وكل هذا معروف ولا نصف للرجم معروف
------------------------------------------
[ 135 ]
(386) وقال رسول الله " إذا زنت امة أحدكم فتبين زناها فليجلدها " ولم يقل " يرجمها " ولم يختلف المسلمون في ألا رجم على مملوك في الزنا 87 (3) وإحصان الامة إسلامها (388) وإنما قلنا هذا استدلالا بالسنة وإجماع أكثر أهل العلم (389) ولما قال رسول الله إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها ولم يقل محصنة كانت أو غير محصنة استدللنا
------------------------------
[ 136 ]
على أن قول الله في الاماء (فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) إذا اسلمن لا إذا نكحن فأصبن بالنكاح ولا إذا اعتقن وإن لم يصبن (390) فإن قال قائل أراك توقع الاحصان على معاني مختلفة (391) قيل نعم جماع الاحصان أن يكون دون التحصين مانع من تناول المحرم فالاسلام مانع وكذلك الحرية مانعة وكذلك الزوج والاصابة مانع وكذلك الحبس في البيوت مانع وكل ما منع أحصن قال الله (وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم) وقال: (لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة) يعني ممنوعة (392) قال وآخر الكلام وأوله يدلان على أن معنى الاحصان المذكور عاما في موضع دون غيره أن الاحصان
---------------------------------------
[ 137 ]
ها هنا الاسلام دون النكاح والحرية والتحصين بالحبس والعفاف وهذه الاسماء التي يجمعها اسم الاحصان الناسخ والمنسوخ الذي تدل عليه السنة والاجماع (393) قال الله تبارك وتعالى (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقا على المتقين) (394) قال الله: (والذين يتوفون منكم ويذرون
------------------------------
[ 138 ]
أزواجا وصية لازواجهم متاع إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف والله عزيز حكيم) (395) فأنزل الله ميراث الوالدين ومن ورث بعدهما ومعهما من الاقربين وميراث الزوج من زوجته والزوجة من زوجها (396) فكانت الآيتان محتملتين لان تثبتا الوصية للوالدين والاقربين والوصية للزوج والميراث مع الوصايا فيأخذون بالميراث والوصايا ومحتملة بأن تكون المواريث ناسخة للوصايا (397) فما احتملت الآيتان ما وصفنا كان على أهل العلم طلب الدلالة من كتاب الله فما لم يجدوه نصا في كتاب الله طلبوه
-------------------------------
[ 139 ]
في سنة رسول الله فإن وجدوه فما قبلوا عن رسول الله فعن الله قبلوه بما افترض من طاعته (398) ووجدنا أهل الفتيا ومكن حفظنا عنه من أهل العلم بالمغازي من قريش وغيرهم لا يختلفون في أن النبي قال عام الفتح لا وصية لوارث ولا يقتل مؤمن كافر ويأثرونه عن من حفظوا عنه ممن لقوا من أهل العلم بالمغازي (399) فكان هذا نقل عامة عن عامة وكان أقوى في بعض الامر من نقل واحد عن واحد وكذلك وجدنا أهل العلم عليه مجتمعين (400) قال وروى بعض الشاميين حديثا ليس مما يثبته أهل الحديث فيه أن بعض رجال مجهولون فرويناه عن النبي منقطعا
-------------------------------
[ 140 ]
(401) وإنما قبلناه بما وصفت من نقل أهل المغازي وإجماع العامة عليه وإن كنا قد ذكرنا الحديث فيه واعتمدنا على حديث أهل المغازي عاما وإجماع الناس (402) أخبرنا سفيان عن سليمان الاحول عن مجاهد أن رسول الله قال " لا وصية لوارث "
----------------------------------
[ 142 ]
(403) فاستدللنا بما وصفت من نقل عامة أهل المغازي عن النبي أن لا وصية لوارث " على أن المواريث ناسخة للوصية للوالدين والزوجة مع الخبر المنقطع عن النبي وإجماع العامة على القول به (404) وكذلك قال أكثر العامة إن الوصية للاقربين
-------------------------------
[ 143 ]
منسوخة زائل فرضها إذا كانوا وارثين فبالميراث وإن كانوا غير وارثين فليس بفرض أن يوصى لهم (405) إلا أن طاوسا وقليلا معه قالوا نسخت الوصية للوالدين وثبتت للقرابة غير الوارثين فمن أوصى لغير قرابة لم يجز (406) فلما احتملت الآية ما ذهب إليه طاوس من أن الوصية للقرابة ثابتة إذ لم يكن في خبر أهل العلم بالمغازي إلا أن النبي قال " لا وصية لوارث " وجب عندنا على أهل العلم طلب الدلالة على خلاف ما قال طاوس أو موافقته (407) فوجدنا رسول الله حكم في ستة مملوكين كانوا لرجل لا مال له غيرهم فأعتقهم عند الموت فجزأهم النبي ثلاثة أجزاء فأعتق اثنين وأرق أربعة
-------------------------------
[ 144 ]
(4) عزوجل أخبرنا بذلك عبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين عن النبي (409) قال فكانت دلالة السنة في حديث عمران بن حصين بينة بأن رسول الله أنزل عتقهم في المرض وصية
----------------------
[ 145 ]
(410) والذي أعتقهم رجل من العرب والعربي إنما يملك من لا قرابة بينه وبينه من العجم فأجاز النبي لهم الوصية (411) فدل ذلك على أن الوصية لو كانت تبطل لغير قرابة بطلت للعبيد المعتقين لانهم ليسوا بقرابة للمعتق (412) ودل ذلك على أن لا وصية لميت إلا في ثلث ماله ودل ذلك على أن يرد ما جاوز الثلث في الوصية وعلى ابطال الاستسعاء وإثبات القسم والقرعة (413) وبطلت وصية الوالدين لانهما وارثان وثبت ميراثهما (414) رضي الله تعالى عنه ومن أوصى له الميت من قرابة وغيرهم جازت الوصية إذا لم يكن وارثا (415) وأحب إلي لو أوصى لقرابة (416) وفي القرآن ناسخ ومنسوخ غير هذا مفرق في مواضعه في كتاب (أحكام القرآن) (417) وإنما وصفت منه جملا يستدل بها على ما كان في
-------------------------------------
[ 146 ]
معناها ورأيت أنها كافية في الاصل سكنت عنه وأسأل الله العصمة والتوفيق (418) وأتبعت ما كتبت منها علم الفرائض التي أنزلها الله مفسرات وجملا وسنن رسول الله معها وفيها ليعلم من علم هذا من علم (الكتاب) الموضع الذي وضع الله به نبيه من كتابه ودينه وأهل دينه (419) ويعلمون أن أتباع أمره وطاعة الله وأن سنته تبع لكتاب الله فيما أنزل وأنها لا تخالف كتاب الله أبدا (420) ويعلم من فهم الكتاب (هذا الكتاب) أن البيان يكون من وجوه لا من وجه واحد يجمعها أنها عند أهل العلم بينه ومشتبهة البيان وعند من يقصر علمه مختلفة البيان
--------------------------
[ 147 ]
باب الفرائض التي أنزل الله نصا (421) قال الله جل ثناؤه (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون) (422) قال الشافعي فالمحصنات ها هنا البوالغ الحراير وهذا يدل على أن الاحصان اسم جامع لمعاني مختلفة (423) وقال: (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربعة شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين)
-------------------------------
[ 148 ]
(424) فلما فرق الله بين حكم الزوج والقاذف سواه فحد القاذف سواه إلا أن يأتي بأربعة شهداء على ما قال وأخرج الزوج باللعان من الحد دل ذلك على ان قذفه المحصنات الذين أريدوا بالجلد قذفة الحرائر البوالغ غير الازواج (425) وفي هذا الدليل على ما وصفت من القرآن عربي يكون منه ظاهره عاما وهو يراد به الخاص لا أن واحدة من الآيتين نسخت الاخرى ولكن كل واحدة منهما على ما حكم الله به فيفرق بينهما حيث فرق الله ويجمعان حيث مع الله (426) فإذا التعن الزوج خرج من الحد كما يخرج الاجنبيون بالشهود وإذا لم يلتعن وزوجته حرة بالغة حد (427) قال وفي العجلاني وزوجته أنزلت آية اللعان ولا عن النبي بينهما فحكى اللعان بينهما سهل بن سعد الساعدي
---------------------------------
[ 149 ]
وحكاه بن عباس وحكى بن عمر حضور لعان عند النبي فما حكى منهم واحد كيف لفظ النبي في أمرهما باللعان (428) وقد حكوا معا أحكاما لرسول الله ليست نصا في القرآن منها تفريقه بين المتلاعنين ونفيه الولد وقوله " إن جاءت به هكذا فهو للذي يتهمه " فجاءت به على الصفة وقال " إن أمره لبين لو لا ما حكى الله " وحكى بن عباس أن النبي قال عند الخامسة " قفوه فإنها موجبة " (429) فاستدللنا على أنهم لا يحكون بعض ما يحتاج إليه من الحديث ويدعون بعض ما يحتاج إليه منه وأولاه أن يحكى من ذلك كيف لا عن النبي بينهما إلا علما بأن أحدا قرأ كتاب
------------------------
[ 150 ]
الله يعلم أن رسول الله إنما لاعن كما أنزل الله (430) فاكتفوا بإبانة الله اللعان بالعدد والشهادة لكل واحد منهما دون حكاية لفظ رسول الله حين لاعن بينهما (431) قال الشافعي في كتاب الله غاية الكفاية من اللعان وعدده (432) ثم حكى بعضهم عن النبي في الفرقة بينهما كما وصفت (433) وقد وصفنا سنن رسول الله مع كتاب الله قبل هذا
---------------------------------
[ 157 ]
(434) قال الله * (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات) (فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا) (435) ثم بين أي شهر هو فقال: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) (436) قال الشافعي فما علمت أحدا من أهل العلم بالحديث
------------------------------
[ 158 ]
قبلنا تكلف أن يروي عن النبي أن الشهر المفروض صومه شهر رمضان الذي بين شعبان وشوال لمعرفتهم بشهر رمضان من الشهور واكتفاء منهم بأن الله فرضه (437) وقد تكلفوا حفظ صومه في السفر وفطره وتكلفوا كيف قضاؤه وما أشبه هذا مما ليس فيه نص كتاب (438) ولا علمت أحدا من غير أهل العلم احتاج في المسألة عن شهر رمضان أي شهر هو ولا هل هو واجب أم لا (439) وهكذا ما أنزل الله من جمل فرائضه في أن عليهم صلاة وزكاة وحجا من أطاقه وتحريم الزنا والقتل وما أشبه هذا (440) قال وقد كانت لرسول الله في هذا سننا ليست
----------------------
[ 159 ]
نصا في القرآن أبان رسول الله عن الله معنى ما أراد بها وتكلم المسلمون في أشياء من فروعها لم يسن رسول الله فيها سنة منصوصة (441) فمنها قول الله (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوج غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا) (442) فاحتمل قول الله (حتى تنكح زوجا غيره) أن يتزوجها زوج غيره وكان هذا المعنى الذي يسبق إلى من خوطب به أنها إذا عقدت عليها عقدة النكاح فقد نكحت (443) واحتمل حتى يصيبها زوج غيره لان اسم النكاح " يقع بالاصابة ويقع بالعقد (444) فلما قال رسول الله لامرأة طلقها زوجها ثلاثا ونكحها بعده رجل " لا تحلين حتى تذوقي عسيلته



[ 160 ]
ويذوق عسيلتك " يعني يصيبك زوج غيره والاصابة النكاح (445) فإن قال قائل فاذكر الخبر عن رسول الله بما ذكرت (446) قيل أخبرنا سفيان عن بن شهاب عن عروة عن عائشة " أن امرأة رفاعة جاءت إلى النبي فقالت إن رفاعة
-------------------------
[ 161 ]
طلقني فبت طلاقي وأن عبد الرحمن بن الزبير تزوجني وإنما معه مثل هدبة الثوب فقال رسول الله أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " (447) قال الشافعي فبين رسول الله أن إحلال الله إياها للزوج المطلق ثلاثا بعد زوج بالنكاح إذا كان مع النكاح إصابة من الزوج الفرائض المنصوصة التي سن رسول الله معها (448) قال الله تبارك وتعالى (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم
------------------------------
[ 162 ]
وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا) (449) وقال: (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) (450) فأبان أن طهارة الجنب الغسل دون الوضوء (451) وسن رسول الله الوضوء كما أنزل الله فغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ومسح برأسه وغسل رجليه إلى الكعبين (452) أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن بن عباس عن النبي " أنه توضأ مرة مرة " (453) أخبرنا مالك بن عمرو بن يحيى عن أبيه أنه قال لعبد الله بن زيد وهو جد عمرو بن يحيى " هل تستطيع أن
--------------------------
[ 163 ]
تريني كيف كان رسول الله يتوضأ فقال عبد الله نعم فدعا بوضوء فافرغ على يديه فغسل يديه مرتين ثم مضمض واستنشق ثلاثا ثم غسل وجهه ثلاثا ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين ثم مسح براسه بيديه فاقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه ثم غسل رجليه "
---------------
[ 164 ]
(454) فكان ظاهر قول الله (فاغسلوا وجوهكم) أقل ما وقع عليه اسم الغسل وذلك مرة واحتمل أكثر (455) فسن رسول الله الوضوء مرة فوافق ذلك ظاهر القرآن وذلك أقل ما يقع عليه اسم الغسل واحتمل أكثر وسنه مرتين وثلاثا (456) فلما سنه مرة استدللنا على أنه لو كانت مرة لا تجزئ لم يتوضأ مرة ويصلي وأن ما جاوز مرة اختيار لا فرض في الرضوء لا يجزئ أقل منه
--------------------
[ 165 ]
(457) وهذا مثل ما ذكرت من الفرائض قبله لو ترك الحديث فيه استغنى فيه بالكتاب وحين حكي الحديث فيه دل على اتباع الحديث كتاب الله (458) ولعلهم إنما حكوا الحديث فيه لن أكثر ما توضأ رسول الله ثلاثا فارادوا ان الوضوء ثلاثا اختيار لا أنه واجب لا يجزئ أقل منه ولما ذكر منه في أن " من توضأ وضوء هذا وكان ثلاثا ثم وصل لا يحدث نفسه فيما غفر له " فأرادوا طلب الفضل في الزيادة في الوضوء وكانت الزيادة فيه نافلة (459) وغسل رسول الله في الوضوء المرفقين والكعبين وكانت الآية محتملة أن يكونا مغسولين وأن يكون مغسولا إليهما ولا يكونان مغسولين ولعلهم حكوا الحديث إبانة لهذا أيضا (460) وأشبه الامرين بظاهر الآية أن يكونا مغسولين
--------------------
[ 166 ]
(461) وهذا بيان السنة مع بيان القرآن (462) وسواء البيان في هذا وفيما قبله ومستغنى بفرضه بالقرآن عند أهل العلم ومختلفان عند غيرهم (463) وسن رسول الله في الغسل من الجنابة غسل الفرج والوضوء كوضوء الصلاة ثم الغسل فكذلك أحببنا أن نفعل (464) ولم أعلم مخالفا حفظت عنده من أهل العلم في أنه كيف ما جاء بغسل وأتى على الاسباغ أجزأه وإن اختاروا غيره لان الفرض الغسل فيه ولم يحدد تحديد الوضوء (465) وسن رسول الله فيما يجب منه الوضوء وما الجنابة التي يجب منه الوضوء وما الجنابة التي يجب بها الغسل إذ لم يكن بعض ذلك منصوصا في الكتاب
------------------------------
[ 167 ]
الفرض المنصوص الذي دلت السنة على أنه إنما أراد الخاص 466 - قال الله تبارك وتعالى (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) (467) وقال: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا) (468) عز وجلوقال (ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلامه الثلث فإن كان له اخوة فلامه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين آباؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة
---------------
[ 168 ]
من الله إن الله كان عليما حكيما ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين) (469) وقال: (ولهن الربع) مع أي المواريث كلها (470) فدلت السنة على أن الله إنما أراد أراد ممن سمى له المواريث من الاخوة والاخوات والولد والاقارب والوالدين والازواج وجميع من سمى له فريضة في كتابه خاصا مما سمى (471) وذلك ان يجتمه دين الوارث والموروث فلا يختلفان ويكونان من أهل دار المسلمين ومن له عقد من المسلمين يأمن به على ماله ودمه أو يكونان من المشركين فيتوارثان بالشرك (472) أخبرنا سفيان عن الزهري عن علي بن حسين
-----------------
[ 169 ]
عن عمرو بن عثمان بن زيد أن رسول الله قال " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم "
-----------------------------
[ 170 ]
(473) وأن يكون الوارث والموروث حرين في الاسلام (474) أخبرنا بن عيينة عن بن شهاب عن سالم عن أبيه أن رسول الله قال " من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا ان يشترطه المبتاع " (475) قال فلما كان بينا في سنة رسول الله أن العبد لا يملك مالا وأن ما ملك العبد فإنما يملكه لسيده وأن اسم المال له إنما هو إضافة إليه لانه في يديه لا أنه مالك له ولا يكون مالكا له وهو لا يملك نفسه وهو مملوك يباع ويوهب ويورث
--------------------------------------
[ 171 ]
وكان الله إنما نقل ملك الموتى إلى الاحياء فملكوا منها ما كان الموتى مالكين وإن كان العبد أبا أو غيره ممن سميت له فريضة فكان لو أعطيها ملكها سيده عليه لم يكن السيد بأبي الميت ولا وارثا سميت له فريضة فكنا لو أعطينا العبد بأنه اب إنما أعطينا السيد الذي لا فريضة له فورثنا غير من ورثه الله فلم نورث عبدا لما وصفت ولا أحدا لم تجتمع فيه الحرية والاسلام والبراءة من القتل حتى لا يكون قاتلا (476) وذلك أنه روى مالك عن يحيى بن سعيد بن عمرو بن شعيب ان رسول الله قال " ليس لقاتل شئ "
---------------------------------
[ 172 ]
(477) فلم نورث قاتلا ممن قتل وكان أخف حال القاتل عمدا أن يمنع الميراث عقوبة مع تعرض سخط الله أن يمنع ميراث من عصى الله بالقتل (478) وما وصفت من ألا يرث المسلم إلا المسلم حر غير قاتل عمدا ما لا اختلاف فيه بين أحد من أهل العلم حفظت عنه ببلدنا ولا غيره (479) وفي اجتماعهم على ما وصفنا من هذا حجة تلزمهم
----------------------------
[ 173 ]
ألا يتفرقوا في شئ من سنن رسول الله بأن سنن رسول الله إذا قامت هذا المقام فيما لله فيه فرض منصوص فدلت على أنه على بعض من لزمه اسم ذلك الفرض دون بعض كانت فيما كان مثله من القرآن هكذا وكانت فيما سن النبي فيما ليس فيه لله حكم منصوص هكذا (480) وأولى أن لا يشك عالم في لزومها وأن يعلم أن أحكام الله ثم أحكام رسوله لا تختلف وأنها تجري على مثال واحد (481) قال الله تبارك وتعالى (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) (482) وقال (ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا) (483) ونهى رسول الله عن بيوع تراضى بها المتبايعان
------------------------------
[ 174 ]
فحرمت مثل الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ومثل الذهب بالورق وأحدهما نقد والآخر نسيه وما كان في معنى هذا مما ليس بالتبايع به مخاطرة ولا أمر يجهله البائع ولا المشتري (484) فدلت السنة على أن الله جل ثناؤه أراد بإحلال البيع ما لم يحرم منه دون ما حرم على لسان نبيه (485) ثم كانت لرسول الله في بيوع سوى هذا سننا منها
---------------
[ 175 ]
العبد يباع وقد دلس البائع المشتري بعيب فللمشتري رده وله الخراج بضمانه ومنها أن من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع ومنها من باع نخلا قد أبرت فثمرها للبائع إلا أن يشترط المبتاع لزم الناس الاخذ بها بما ألزمهم الله من الانتهاء إلى أمره
-------------------------------
[ 176 ]
جمل الفرائض (486) قال الله تبارك وتعالى (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) (487) وقال (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) (488) وقال لنبيه (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) (489) وقال (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) (490) قال الشافعي أحكم الله فرضه في كتابه
--------------------
[ 177 ]
في الصلاة والزكاة والحج وبين كيف فرضه على لسان نبيه (491) فأخبر رسول الله أن عدد الصلوات المفروضات خمس وأخبر أن عدد الظهر والعصر والعشاء في الحضر أربع أربع وعدد المغرب ثلاث وعدد الصبح ركعتان (492) وسن فيها كلها قراءة وسن أن الجهر منها بالقراءة في المغرب والعشاء والصبح وأن المخافتة بالقراءة في الظهر والعصر (493) وسن أن الفرض في الدخول في كل صلاة بتكبير والخروج منها بتسليم وأنه يؤتى فيها بتكبير ثم قراءة ثم ركوع ثم سجدتين بعد الركوع وما سوى هذا من حدودها (494) وسن في صلاة السفر كلما كان أربعا من الصلوات إن شاء المسافر وإثبات المغرب والصبح على حالها في الحضر (495) وأنها كلها في القبلة مسافر كان أو مقيما إلا في حال من الخوف واحدة
-----------------
[ 178 ]
(496) وسن أن النوافل في مثل حالها لا تحل إلا بطهور ولا تجوز إلا بقراءة وما تجوز به المكتوبات من السجود والركوع واستقبال القبلة في الحض وفي الارض وفي السفر وأن للراكب أن يصلي في النافلة حيث توجهت به دابته (497) أخبرنا بن أبي فديك عن بن أبي ذئب عن عثمان بن عبد الله بن سراقة عن جابر بن عبد الله " أن رسول الله في غزوة بني أنمار كان يصلي على راحلته متوجها قبل المشرق " (498) أخبرنا مسلم عن بن جريج عن أبي الزبير عن جابر عن النبي مثل معناه لا أدري أسمى بني أنمار أولا أو قال " صلى في السفر "
-----------------------------
[ 179 ]
(499) وسن رسول الله في صلاة الاعياد والاستسقاء سنة الصلوات في عدد الركوع والسجود وسن في صلاة الكسوف فزاد فيها ركعة على ركوع الصلوات فجعل في كل ركعة ركعتين (500) قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد بن عمرة عن عائشة عن النبي (501) وأخبرنا مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة عن النبي (502) قال مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن بن عباس عن النبي مثله (503) قال فحكى عن عائشة وابن عباس في هذه الاحاديث صلاة النبي بلفظ مختلف واجتمع في حديثهما معا على أنه صلى صلاة الكسوف ركعتين في كل ركعة ركعتين
-------------------------


[ 180 ]
(504) رضي الله تعالى عنها وقال الله في الصلاة (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) (505) فبين رسول الله عن الله تلك المواقيت وصلى الصلوات لوقتها فحوصر يوم الاحزاب فلم يقدر على الصلاة في وقتها فأخرها للعذر حتى صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء في مقام واحد 506 - أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن بن أبي ذئب عن المقبري عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال " حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب بهوي من الليل حتى كفينا وذلك قول الله (وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا) فدعا رسول الله بلالا فأمره فأقام الظهر فصلاها
---------------------------
[ 181 ]
فأحسن صلاتها كما كان يصليها في وقتها ثم أقام العصر فصلاها هكذا ثم أقام المغرب فصلاها كذلك ثم أقام العشاء فصلاها كذلك أيضا قال وذلك قبل أن ينزل في صلاة الخوف (فرجالا أو ركبانا) " (507) قال فبين أبو سعيد أن ذلك قبل أن ينزل الله على النبي الآية التي ذكرت فيها صلاة الخوف (508) والآية التي ذكر فيها صلاة الخوف قول الله (وإذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا
-------------------------------
[ 182 ]
لكم عدوا مبينا) وقال: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك) (509) أخبرنا مالك عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عن من صلى مع رسول الله صلاة الخوف يوم ذات الرقاع " أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو فصلى بالذين معه ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لانفسهم ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو وجاء الطائفة الاخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالسا وأتموا لانفسهم ثم سلم بهم "
-------------------------
[ 183 ]
(510) أخبرني من سمع عبد الله بن عمر بن حفص يذكر عن أخيه عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات عن أبيه خوات بن جبير عن النبي مثل حديث يزيد بن رومان (511) وفي هذا دلالة على ما وصفت قبل هذا في (هذا الكتاب) من أن رسول الله إذا سن سنة فأحدث الله إليه
--------------------------------
[ 184 ]
في تلك السنة نسخها أو مخرجا إلى سعة منها سن رسول الله سنة تقوم الحجة على الناس بها حتى يكونوا إنما صاروا من سنته إلى سنته التي بعدها (512) فنسخ الله تأخير الصلاة عن وقتها في الخوف إلى أن يصلوها كما أنزل الله وسن رسوله في وقتها ونسخ رسول الله سنته في تأخيرها بفرض الله في كتابه ثم بسنته صلاها رسول الله في وقتها كما وصفت (513) أخبرنا مالك عن نافع عن بن عمر أراه عن النبي
--------------------------
[ 185 ]
فذكر صلاة الخوف فقال " إن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا وركبانا مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها " (514) أخبرنا رجل عن بن أبي ذئب عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي مثل معناه ولم يشك أه عن أبيه وأنه مرفوع إلى النبي
------------------------
[ 186 ]
(515) قال فدلت سنة رسول الله على ما وصفت من أن القبلة في المكتوبة على فرضها أبدا إلا في الموضع الذي لا يمكن فيه الصلاة إليها وذلك عند المسايفة والهرب وما كان في المعنى الذي لا يمكن فيه الصلاة إليها (516) رضي الله تعالى عنهما وثبتت السنة في هذا ألا تترك الصلاة في وقتها كيف ما أمكنت المصلي في الزكاة (517) قال الله (أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة)
-------------------------
[ 187 ]
وقال: (والمقيمون الصلاة والمؤتون الزكاة) وقال (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون) (518) فقال بعض أهل العلم هي الزكاة المفروضة (519) قال الله: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكنا لهم والله سميع عليم) (520) فكان مخرج الآية عاما على الاموال وكان يحتمل أن تكون على بعض الاموال دون بعض فدلت السنة على أن الزكاة في بعض الاموال دون بعض (521) فلما كان المال أصنافا منه الماشية فأخذ رسول الله
---------------------------
[ 188 ]
من الابل والغنم وأمر فيما بلغنا بالاخذ من البقر خاصة دون الماشية سواها ثم أخذ منها بعدد مختلف كما قضى الله على لسان نبيه وكان للناس ماشية من خيل حمر وبغال وغيرها فلما لم يأخذ رسول الله منها شيئا وسن أن ليس في الخيل صدقة استدللنا على أن الصدقة فيما اخذ منها وأمر بالاخذ منه دون غيره (522) وكان للناس زرع وغراس فأخذ رسول الله من النخل والعنب الزكاة بخرص غير مختلف ما أخذ منهما
-------------
[ 189 ]
وأخذ منهما معا العشر إذا سقيا بسماء أو عين ونصف العشر إذا سقيا بغرب (223) وقد أخذ بعض أهل العلم من الزيتون قياسا على النخل والعنب (224) ولم يزل للناس غراس غير النخل والعنب والزيتون كثير من الجوز واللوز والتين وغيره فلما لم يأخذ رسول الله منه شيئا ولم يأمر بالاخذ منه استدللنا على أن فرض الله الصدقة فيما كان من غراس في بعض الغراس دون بعض (525) وزرع الناس الحنطة والشعير والذرة وأصنافا سواها فحفظنا عن رسول الله الاخذ من الحنطة والشعير والذرة وأخذ من قبلنا من الدخن والسلت
------------------------
[ 190 ]
والعلس والارز وكل ما نبته الناس وجعلوه قوتا خبزا وعصيدة وسويقا وأدما مثل الحمص والقطاني
-----------------------------
[ 191 ]
فهي تصلح خبزا وسويقا وأدما اتباعا لمن مضى وقياسا على ما ثبت أن رسول الله أخذ منه الصدقة وكان في معنى ما أخذ النبي لان الناس نبتوه ليقتاتوا (526) وكان للناس نبات غيره فلم يأخذ منه رسول الله ولا من بعد رسول الله علمناه ولم يكن في معنى ما أخذ منه ومثل ذلك الثفاء
---------------------------
[ 192 ]
والاسبيوش والكسبرة وحب العصفر وما أشبهه فلم تكن فيه زكاة فدل ذلك على أن الزكاة في بعض الزرع دون بعض (527) وفرض رسول الله في الورق صدقة وأخذ المسلمون في الذهب بعده صدقة إما بخبر عن النبي لم يبلغنا
---------------------
[ 193 ]
وإما قياسا على أن الذهب والورق نقد الناس الذي اكتنزوه وأجازوه
---------------------------
[ 194 ]
أثمانا على ما تبايعوا في البلدان قبل الاسلام وبعده (528) وللناس تبر غيره من نحاس وحديد ورصاص فلما لم يأخذ منه رسول الله ولا أحد بعده زكاة تركناه اتباعا بتركه وأنه لا يجوز أن يقاس بالذهب والورق الذين هما الثمن عاما في البلدان على غيرهما لانه في غير معناهما لا زكاة فيه ويصلح أن يشترى بالذهب والورق غيرهما من التبر إلى أجل معلوم وبوزن معلوم (529) وكان الياقوت والزبرجد أكثر ثمنا من الذهب والورق فلما لم يأخذ منهما رسول الله ولم يأمر بالاخذ ولا من بعده علمناه وكان مال الخاصة وما لا يقوم به على أحد في شئ استهلكه الناس لانه غير نقد لم يأخذ منهما
--------------------------
[ 195 ]
(530) ثم كان ما نقلت العامة عن رسول الله في زكاة الماشية والنقد أنه أخذها في كل سنة مرة (531) وقال الله (وآتوا حقه يوم حصاده) فسن رسول الله أن يؤخذ مما فيه زكاة من نبات الارض الغراس وغيره على حكم الله جل ثناؤه يوم يحصد لا وقت له غيره (532) وسن في الركاز الخمس فدل على أنه يوم يوجد لا في وقت غيره
-------------------------
[ 196 ]
(533) أخبرنا سفيان عن الزهري عن بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله قال " وفي الركاز الخمس " (534) عز وجل ولو لا دلالة السنة كان ظاهر القرآن أن الاموال كلها سواء وأن الزكاة في جميعها دون بعض
--------------
[ 197 ]
في الحج (535) وفرض الله الحج على من يجد السبيل فذكر عن النبي أن السبيل الزاد والمركب وأخبر رسول الله بمواقيت الحج وكيف التلبية فيه وما سن وما يتقي المحرم من لبس الثياب والطيب وأعمال الحج سواها من عرفة والمزدلفة والرمي والحلاق والطواف وما سوى ذلك (536) فلو أن امرأ لم يعلم لرسول الله سنة مع كتاب الله إلا ما وصلنا مما سن رسول الله يه معنى ما أنزله الله جملة وأنه إنما
-----------------------
[ 198 ]
استدرك ما وصت من فرض الله الاعمال وما يحرم وما يحل ويدخل به يه ويخرج منه ومواقيته وما سكت عنه سوى ذلك من أعماله قامت الحجة عليه بأن سنة رسول الله إذا قامت هذا المقام مع فرض الله في كتابه مرة أو أكثر قامت كذلك أبدا (537) واستدل أنه لا تخالف له سنة أبدا كتاب الله وأن سنته وإن لم يكن فيها نص كتاب لازمه بما وصفت من هذا مع ما ذكرت سواه مما فرض الله من طاعة رسوله (538) ووجب عليه أن يعلم أن الله لم يجعل هذا لخلق غير رسوله (539) وأن يجعل قول كل أحد وفعله أبدا تبعا لكتاب الله ثم سنة رسوله (540) وأن يعلم أن عالما إن روي عنه قول يخالف فيه شيئا
--------------------------
[ 199 ]
سن فيه رسول الله سنة لو علم سنة رسول الله لم يخالفها وانتقل عن وقوله إلى سنة النبي إن شاء الله وإن لم يفعل كان غير موسع له (541) فكيف والحجج في مثل هذا لله قائمة على خلقه بما افترض من طاعة النبي وأبان من موضعه الذي وضعه به من وحيه ودينه وأهل دينه [ في العدد (7) ] (542) قال الله والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا وقال والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قرؤ (543) وقال والائي يئسن من المحيض من نسائكم
---------------------------------
[ 200 ]
إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر والائي لم يحضن وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن (544) فقال بعض أهل العلم قد أوجب الله على المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا وذكر أن أجل الحامل أمن تضع فإذا جمعت أن تكون حاملا متوفى عنها أتت بالعدتين معا كما اجدها في كل فرضين جعلا عليها أتت بهما معا (545) قال فلما قال رسول الله لسبيعة بنت الحرث ووضعت بعد وفاة زوجها بأيام قد حللت فتزوجني دل هذا على أن العدة في الوفاة والعدة في الطلاق بالاقراء والشهور إنما أريد به من لا حمل به من النساء وأن الحمل إذا كان فالعدة سواه ساقطة
--------------------------
[ 201 ]
في محرمات النساء (546) قال الله (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الاخ وبنات الاخت وأمهاتكم التي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم التي في حجوركم من نسائكم التي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبناءكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الاختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما والمحصنا ت من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما) (547) فاحتملت الآية معيين أحدهما أن ما سمى الله من نساء محرما محرم وما سكت عنه حلال بالصمت عنه وبقول الله
----------------------------------
[ 202 ]
(واحل لكم ما وراء ذلكم) وكان هذا المعنى هو الظاهر من الآية (548) وكان بينا في الآية تحريم الجمع بمعنى غير تحريم الامهات فكان ما سمى حلال حلال وما سمى حراما حرام وما نهى عن الجمع بينه من الاختين كما نهى عنه (549) وكان في نهيه عن الجمع بينهما دليل على أنه إنما حرم الجمع وأن كل واحدة منهما على الانفراد حلال في الاصل
--------------------
[ 203 ]
وما سواهن من الامهات والبنات والعمات والخالات محرمات في الاصل (550) وكان معنى قوله (وأحل لكم ما وراء ذلكم) من سمى تحريمه في الاصل ومن هو في مثل حاله بالرضاع أن ينكحوهن بالوجه الذي حل به النكاح

[ 210 ]
(567) فلما سن رسول الله على المعتدة من الوفاة الامساك عن الطيب وغيره كان عليها الامساك عن الطيب وغيره بفرض السنة والامساك عن الازواج والسكنى في بيت زوجها بالكتاب ثم السنة (568) واحتملت السنة في هذا الموضع ما احتملت في غيره من أن تكون السنة بينت عن الله كيف إمساكها كما بينت الصلاة والزكاة والحج واحتملت أن يكون رسول الله سن فيما ليس فيه نص حكم لله باب العلل في الاحاديث 569 - قال الشافعي قال لي قائل فإنا نجد من الاحاديث عن رسول الله لاحاديث في القرآن مثلها نصا وأخرى في القرآن مثلها
-------------------------------
[ 211 ]
جملة وفي الاحاديث منها أكثر مما في القرآن وأخرى ليس منها شئ في القرآن وأخرى موتفقة وأخرى مختلفة ناسخة ومنسوخة وأخرى مختلفة ليس فيها دلالة على ناسخ ولا منسوخ وأخرى فيها نهي لرسول الله فتقولون ما نهى عنه حرام وأخرى لرسول الله فيها نهي فتقولون نهيه وأمره على الاختيار لا على التحريم ثم نجدكم تذهبون إلى بعض المختلفة من
--------------------------------
[ 212 ]
الاحاديث دون بعض ونجدكم تقيسون على بعض حديثه ثم يختلف قياسكم عليها وتتركون بعضا فلا تقيسون عليه فما حجتكم في القياس وتركه ثم تفترقون بعد فمنكم من يترك من حديثه الشئ ويأخذ بمثل الذي ترك وأضعف إسنادا منه (570) قال الشافعي فقلت له كل ما سن رسول الله مع كتاب الله من سنة فهي موافقة كتاب الله في النص بمثله وفي الجملة بالتبيين عن الله والتبيين يكون أكثر تفسيرا من الجملة (571) وما سن مما ليس فيه نص كتاب الله فيفرض الله طاعته عامة في أمره تبعناه (572) وأما الناسخة والمنسوخة من حديثه فهي كما نسخ الله الحكم في كتابة عامة في امره وكذلك سنة رسول الله تنسخ بسنته
--------------------


==========

396 ]
(1091) عبد العزي ز عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله قال " من قال على ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار " (1092) يحيى بن سليم عن عبيد الله بن عمر عن أبي بكر بن سالم عن سالم عن بن عمر أن النبي قال " إن الذي يكذب علي يبني له بيت في النار "
----------------------
[ 397 ]
(1093) حدثنا عمرو بن أبي سلمة عن عبد العزيز بن محمد عن أسيد بن أبي أسيد عن أمه قالت قلت لابي قتادة مالك لا تحدث عن رسول الله كما يحدث الناس عنه قالت فقال أبو قتادة سمعت رسول الله يقول من كذب علي فليتلمس لجنبه مضجعا من النار فجعل رسول الله يقول ذلك ويمسح الارض بيده (1094) سفيان عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله قال " حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج
---------------------------
[ 398 ]
وحدثوا عني ولا تكذبوا علي " (1095) وهذا أشد حديث روي عن رسول الله في هذا وعليه اعتمدنا مع غيره في أن لا نقبل حديثا إلا من ثقة ونعرف صدق من حمل الحديث من حين ابتدئ إلى أن يبلغ به منتهاه (1096) فإن قال قائل وما في هذا الحديث من الدلالة على ما وصفت (1097) قيل قد أحاط العلم أن النبي لا يأمر أحدا بحال أبدا أن يكذب على بني إسرائيل ولا على غيرهم فإذا أباح الحديث
----------------------------------
[ 399 ]
عن بني إسرائيل أن يقبلوا الكذب على بني إسرائيل أباح وإنما أباح قبول ذلك عن من حدث به ممن يجهل صدقه وكذبه (1098) ولم يبحه أيضا عن من يعرف كذبه لانه يروي عنه أنه " من حدث بحديث وهو يراه كذبا فهو أحد الكاذبين " ومن حدث عن كذاب لم يبرأ من الكذب لانه يرى الكذاب في حديثه كاذبا (1099) ولا يستدل على أكثر صدق الحديث وكذبه غلا بصدق المخبر وكذبه إلا في الخاص القليل من الحديث وذلك أن يستدل على الصدق والكذب فيه بأن يحدث المحدث ما لا يجوز أن يكون مثله أو ما يخالفه ما هو أثبت وأكثر دلالات بالصدق منه
----------------
[ 400 ]
(1100) وإذا فرق رسول الله بين الحديث عنه والحديث عن بني إسرائيل فقال " حدثوا عني ولا تكذبوا علي " فالعلم إن شاء الله يحيط ان الكذب الذي نهاهم عنه هو الكذب الخفي وذلك الحديث عمن لا يعرف صدقه لان الكذب إذا كان منهيا عنه على كل حال فلا كذب أعظم من كذب على رسول الله صلى الله عليه
-----------------------
[ 401 ]
الحجة في تثبيت خبر الواحد (1101) قال الشافعي فإن قال قائل اذكر الحجة في تثبيت خبر الواحد بنص خبر أو دلالة فيه أو إجماع (1102) فقلت له أخبرنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أن النبي قال " نصر الله عبدا سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ثلاث لا يغل
---------------------------
[ 402 ]
عليهن قلب مسلم إخلاص العمل لله والنصيحة للمسلمين ولزوم جماعتهم فإن دعوتهم تحيط من روائهم " (1103) فلما ندب رسول الله إلى استمع مقالته وحفظها وأدائها امرأ يؤديها والامرء واحد دل على انه لا يأمر
-------------------------------
[ 403 ]
أن يؤدي عنه إلا ما تقوم به الحجة على من أدى إليه لانه إنما يؤدي عنه حلال وحرام يجتنب وحد يقام ومال يؤخذ ويعطى ونصيحة في دين ودنيا (1104) الله عز وجل ودل على أنه قد يحمل الفقه غير فقيه يكون له حافظا ولا يكون فيه فقيها (1105) وأمر رسول الله بلزوم جماعة المسلمين مما يحتج به في أن إجماع المسلمين إن شاء الله لازم (1106) أخبرنا سفيان قال أخبرني سالم أبو النضر انه سمع عبيد الله بن أبي رافع يخبر عن أبيه قال قال النبي " لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الامر من أمري مما نهيت عنه
-----------------------
[ 404 ]
أو أمرت به فيقول لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه " (1107) قال بن عيينة وأخبرني محمد بن المنكدر عن النبي بمثله مرسلا (1108) وفي هذا تثبيت الخبر عن رسول الله وإعلامهم أنه لازم لهم وإن لم يجدوا له نص حكم في كتاب الله وهو موضوع في غير هذا الموضع (1109) أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار " أن رجلا قبل امرأته وهو صائم فوجد من ذلك وجدا شديدا فأرسل امرأته تسأل عن ذلك فدخلت على أم سلمة أم المؤمنين فأخبرتها فقالت أم سلمة إن رسول الله يقبل وهو صائم فرجعت المرأة إلى زوجها فأخبرته فزاده ذلك شرا وقال لسنا مثل رسول الله يحل الله لرسوله ما شاء فرجعت المرأة إلى
--------------------------
[ 405 ]
أم سلمة فوجدت رسول الله عندها فقال رسول الله ما بال هذه المرأة فأخبرته أم سلمة فقال ألا أخبرتيها أني أفعل ذلك فقالت أم سلمة قد اخبرتها فذهبت إلى زوجها فأخبرته فزاد ذلك شرا وقلا لسنا مثل رسول الله يحل الله لرسوله ما شاء فغضب رسول الله ثم قال والله إني لاتقاكم لله ولاعلمكم بحدوده (1110) وقد سمعت من يصل هذا الحديث ولا يحضرني ذكر من وصله
---------------------------
[ 406 ]
(1111) قال الشافعي في ذكر قول النبي صلى الله عليه " الا أخبرتيها أني أفعل ذلك " دلالة على أن خبر أم سلمة عنه مما يجوز قبوله لانه لا يأمرها بأن تخبر عن النبي إلا وفي خبرها ما تكون الحجة لمن أخبرته (1112) وهكذا خبر امرأته إن كانت من أهل الصدق عنده (1113) أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن بن عمر قال " بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ أتاهم آت فقال إن رسول الله قد أنزل عليه قرآن وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة " (1114) وأهل قباء أهل سابقة من الانصار وفقه وقد كانوا على قبلة فرض الله عليهم استقبالا
---------------
[ 407 ]
(1115) الله عز وجل ولم يكن لهم أن يدعوا فرض الله في القبلة إلا بما تقوم عليهم الحجة ولم يلقوا رسول الله ولم يسمعوا ما أنزل الله عليه في تحويل القبلة فيكونون مستقبلين بكتاب الله وسنة نبيه سماعا من رسول الله ولا بخبر عامة وانتقلوا بخبر واحد إذا كان عندهم من أهل الصدق عن فرض كان عليهم فتركوه إلى ما أخبرهم عن النبي انه حدث عليهم من تحويل القبلة (1116) ولم يكونوا ليفعلوه إن شاء الله بخبر إلا عن علم بأن الحجة تثبت بمثله إذا كان من أهل الصدق
-------------------------
[ 408 ]
(1117) رضي الله تعالى عنها ولا ليحدثوا أيضا مثل هذا العظيم في دينهم إلا عن علم بأن لهم إحداثه (1118) ولا يدعون أن يخبروا رسول الله بما صنعوا منه (1119) ولو كان ما قبلوا من خبر الواحد عن رسول الله في تحويل القبلة وهو فرض مما يجوز لهم لقال لهم إن شاء الله رسول قد كنتم على قبلة ولم يكن لكم تركها إلا بعد علم تقوم عليكم به حجة من سماعكم مني أو خبر عامة أو أكثر من خبر واحد عني (1120) أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة
---------------------
[ 409 ]
عن أنس بن مالك قال " كنت أسقي أبا طلحة وأبا عبيدة بن الجراح وأبي بن كعب شرابا من فضيخ وتمر فجاءهم آت فقال إن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة قم يا أنس إلى هذه الجرار فاكسرها فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى تكسرت " (1121) وهؤلاء في العلم والمكان من النبي وتقدم صحبته بالموضع الذي لا ينكره عالم (1122) وقد كان الشراب عندهم حلالا يشربونه فجاءهم آت وأخبرهم بتحريم الخمر فأمر أبو طلحة وهو مالك
--------------------
[ 410 ]
الجرار بكسر الجرار ولم يقل هو ولاهم ولا واحد منهم نحن على تحليلها حتى نلقى رسول الله مع قربه منا أو يأتينا خبر عامة (1123) وذلك انهم لا يهريقون حلالا إهراقه سرف وليسوا من أهله (1124) والحال في أنهم لا يدعون إخبار رسول الله ما فعلوا ولا يدع لو كان قبلوا من خبر الواحد ليس لهم أن ينهاهم عن قبوله (1125) وأمر رسول الله أنيسا أن يغدو على امرأة رجل ذكر أنها زنت " فإن اعترفت فارجمها " فاعترفت فرجمها (1126) وأخبرنا بذلك مالك وسفيان عن الزهري
------------------------------
[ 411 ]
عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد وساقا عن النبي وزاد سفيان مع أبي هريرة وزيد بن خالد شبلا (1127) أخبرنا عبد العزيز عن بن الهاد عن عبد الله بن أبي سلمة عن عمرو بن سليم الزرقي عن أمه قالت " بينما
-----------------
[ 412 ]
نحن بمنى إذ علي بن أبي طالب على جمل قول إن رسول الله يقول إن هذه أيام طعام وشراب فلا يصومن أحد فاتبع الناس وهو على جمله يصرخ فيهم بذلك (1128) ورسول الله لا يبعث بنهيه واحدا صادقا إلا لزم خبره عن النبي بصدقه عن المنهيين عن ما أخبرهم أن النبي نهى عنه (1129) ومع رسول الله الحاج وقد كان قادرا على أن يبعث إليهم فيشافههم أو يبعث إليهم عددا فبعث واحدا يعرفونه بالصدق (1130) الله تبارك وتعالى وهو لا يبعث بأمره إلا والحجة للمبعوث إليهم وعليهم قائمة بقبول خبره عن رسول الله
----------------------------
[ 413 ]
(1131) فإذا كان هكذا مع ما وصفت من مقدرة النبي على بعثه جماعة إليهم كان ذلك إن شاء الله فيمن بعده ممن لا يمكنه ما أمكنهم وأمكن فيهم أولى ان يثبت به خبر الصادق (1132)

===========
رداً على من يسمون القرآنيين منكري السنة القرآن يثبت وجود السنة
http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?p=490908

حجية السنة والرد على منكريها

http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=4203

إلى كل منكر للسنة: أدخل وأجب

http://eltwhed.com/vb/showthread.php?t=6130

$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$
 $$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$


 أجوبة د.محمد عجاج الخطيب عن (السنة النبوية والرد على الشبهات المثارة )
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخوة الأعزاء الأفاضل المشرفون على المنتدى من السادة العلماء والإداريين والفنيين وبقية زملائهم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فأحمد الله عز وجل أن يسر لي التعرف إليكم عن طريق الأخ الدكتور أحمد إدريس الطعان، الذي حباه المولى العلم والأدب والخلق الكريم، فله الشكر على هذا، والشكر موصول إليكم أن أتحتم لي فرصة اللقاء والتعاون على البر والتقوى في خدمة الإسلام والمسلمين في ميدان العلم الذي هو سبيل نهضة أمتنا في هذا العصر كما كان سـبيلها فيما مضى مصداقاً لقول رسـول الله : « من يرد الله به خيراً يفقهـه في الدين »( )، وقوله : « الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا،والأرواح جنودٌ مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف »( ).
وسأحاول الإجابة عن الأسئلة المطروحة بعون الله وتوفيقه:
السؤال الأول:
ماذا عن أمس السنة النبوية وحاضرها ومستقبلها؟
الحق أن الصحابة تحملوا عن الرسول  السنة القولية والتقريرية والفعليـة ( العملية ) بحب وشغف واهتمام كبير، وعناية فائقة، وقد فصلت القول هذا في كتابي السنة قبل التدوين من خلال:
منهج الرسول  العلمي التربوي وتجاوبه مع دعوته  وحبه لأصحابه، وحرصه على تبليغ الرسالة إلى الناس جميعاً، وبمختلف الوسائل التربوية، فكان الأسوة الحسنة لأصحابه، ولهذا أثر كبير في رسوخ المادة العلمية في نفوس طلبتها، هذا إلى جانب الدوافع الذاتية للصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم بسبب موقف الإسلام من العلم ورفعه منزلة العلماء ورعايته طلاب العلم وترغيب الأمة بالعلم وحض الرسول  عليه، وبيان الأجر المترتب على طلبه وعلى تبليغه، ووصية الرسول  العلماء بطلاب العلم وحسن رعايتهم وتعليمهم، ويتجلى في منهج الرسول  في تعليم أصحابه أمور تربوية لها أثرها البالغ في ترسيخ ما تلقاه الصحابة رضي الله عنهم أجمعين من أهمها:
1- التدرج في تعليم الصحابة.
2- سعة ميادين التعليم وتعددها.
3- حسن تربية الرسول  أصحابه والرفق في تعليمهم.
4- التنويع والتغيير في الأساليب والموضوعات.
5- التطبيق العملي لكل ما يقرره الرسول  على أصحابه.
6- مراعاته المستويات المختلفة للحضور ومراعاته الفروق الفردية واللغوية والزمانية والمكانية.
7- اتسام منهج الرسول  في التربية والتعليم بالتيسير وعدم التعسير، والتبشير وعدم التنفير.
8- كان يعلم الكبار والصغار والرجال والنساء، ويتخول أصحابه بالموعظة والتعليم كلما أتيح له ذلك، ومؤيدات هذه الأسس المنهجية وشواهدها كثيرة جداً في أبواب العلم من كتب الصحاح والسنن والمصنفات المتنوعة وقد فصلت القول فيها في كتابي السنة قبل التدوين ص 38 وما بعدها، والوجيز في علوم الحديث ص57 وما بعدها.
وتستطيع أن تقول بكل اطمئنان وثقة بأن السنة حفظت في عهد الرسول عند الصحابة جنباً إلى جنب مع القرآن الكريم، وأن الصحابة أحاطوا بالسنة وحفظوها على أحسن وجه وتكفلوا بنقلها إلى التابعين، وتميز منهج الصحابة والتابعين في المحافظة على السنة باحتياطهم في رواية الحديث، وبتثبتهم في قبوله، والتزامهم بالتمسك بالسنة، وأخبارهم في هذا كثيرة جداً ( انظر السنة قبل التدوين ص 92 – 125 )، وسار التابعون على منهجهم، إلى أن ظهرت طلائع التصنيف في الحديث النبوي في مطلع القرن الهجري الثاني وتتابع المصنفون في إخراج كتبهم على مناهج متنوعة واشتهرت الموطآت والجوامع الصحيحة والسنن والمصنفات والمستدركات والمستخرجات وكتب الأطراف والمجاميع وكتب الزوائد، وتتالت كتب الشروح الكثيرة حتى زخرت المكتبة العربية الإسلامية بكتب الحديث بما لم تعهده مكتبة على وجه الأرض، ومع كل هذا كانت مجالس الحديث ومجالس الإملاء لأكابر الحفاظ والمحدثين تعقد في مشارق الأرض ومغاربها، في حواضر دول الإسلام وعواصمها وسائر مدنها، هذا إلى جانب رحلات العلماء والطلاب في طلب الحديث، والمناظرات ولقاء الشيوخ وأكابر الحفاظ، وقد حفظت كتب التراجم والطبقات الكثير الطيب من ذلك كله ... وقد اشتهر المحدثون في بلاد الشام ومصر والمغرب واليمن والهند وباكستان وفي الحجاز والعراق، واتسعت حلقاتهم العلمية وحققوا وخرجوا كثيراً من كنوز السنة، وتخرج بهم علماء أفاضل تابعوا مسيرتهم، وكثرت في القرن العشرين ومطلع هذا القرن الدراسات العلمية في موضوعات الحديث وعلومه، وسجلت رسائل كثيرة جداً كان لها أثر عظيم طيب في إيجاد وعي حديثي – إن صح هذا التعبير – لدى الشباب المسلم من العلماء والدارسين مما شحذ هممهم، وشد من عزائمهم في طَرْق أبواب التخصص المتنوعة في دراسة السنة وعلومها، وتفنيد شبه خصومها، وتجلى الحق والحقيقة أمام أبناء أمتنا، وإذا بمجالس التحديث تعقـد – من جديد – في أكثر البلاد الإسلامية، ويتجه التدريس إلى بيان الصناعة الحديثية والفقهية والتحليلية لما يقرر في تلك المجالس، ومما يزيدنا تفاؤلاً الحرص على الفهم والتطبيق والالتزام بالسـنة – عن فهم ووعي – في الحياة العملية، وقد رأيت من طلاب العلم في بعض البلاد العربية والإسلامية من ينص الحديث بسنده ومتنه عن ظهر قلب مع معرفة غريبه ودلالاته، وقد شاركت الإناث في هذا الميدان مشاركة فاعلة متقدمة في الإقبال على دراسة الحديث وعلومه وتدريسه وحفظه بما لم يسبق له نظير في القرن الماضي، حتى إن عدداً من المحدثات في بلاد الشام يحفظن الكتب الستة بأسانيدها، ولله الحمد مما يبشر بالخير إن شاء الله تعالى، كما أن بعضهن يقمن بدراسات علمية في السنة وعلومها على مستوى الدراسات العليا بما يشرح الصدور، ويطمئن القلوب، بأن السنة تأخذ مكانها اللائق بين المسلمين إن شاء الله تعالى، سائلاً الله عز وجل أن يوافق العمل العلم، يزينه الإخلاص والحب في الله لتؤدي أمتنا دورها العظيم في ريادة الإنسانية إلى الخير بعون الله تعالى وتوفيقه.
كل هذا إلى جانب الجامعات والكليات الإسلامية ودُور الحديث المختلفة في العالمين العربي والإسلامي، التي وضعت مناهج ممتازة لدراسة الحديث وعلومه، وإلى جانبها المعاهد الشرعية الكثيرة، وأقسام التخصص المتنوعة في الدراسات العليا، ولا بد من الإشارة إلى مراكز السنة والسيرة ومراكز القرآن والسنة الحكومية والخاصة، والمتخصصين في إعداد برامج الحديث المتنوعة على الحاسوب، كل هذا يدل على وعي معاصر ممتاز إن شاء الله للمحافظة على السنة ونشرها والعمل بها، ومع كل هذا لا بد من مرجعية علمية متخصصة يستفاد منها كلما اقتضى الأمر ذلك.

السؤال الثاني:
هل هناك علم يسمى تفسير الحديث، أو تفسير السنة، وما هي أهم المراجع المقترحة ...؟ فقد رأيت قبل عشر سنوات ( رؤية ) يأمرني فيها الرسول  بتفسير الحديث عنه ... ومن ترشحون ممن يحمل مسمى أمير المؤمنين في الحديث النبوي من السابقين واللاحقين؟
أولاً: توافق العلماء على إطلاق التفسير على تفسـير القرآن الكـريم أو تأويلـه – بالمعنى الاصطلاحي – على العلم الذي يتناول بيان القرآن الكريم وتفسيره بالمنقول عن الرسول  وعن الصحابة والتابعين، وبما ثبت معناه في اللغة العربية، وأما بيان الحديث النبوي فقد تكفلت به كتب شروح الصحاح والسنن والموطآت وغيرها ومن أشهرها:
آ- شروح صحيح البخاري:
1- فتح الباري شرح صحيح البخاري: للإمام الحافظ شيخ الإسلام أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( 773 – 852هـ ) من أجل شروح صحيح البخاري، استغرق تأليفه نحو خمس وعشرين سنة، له مقدمة هامة تقع في جزء كبير باسم ( هدي الساري ) تناولت أهم الأمور التي تعلقت بالصحيح، وكشف ابن حجر عن أسرار كثيرة في صنيع البخاري من الناحية الحديثية والفقهية، وفي الكتاب فوائد كثيرة، الكتاب مطبوع عدة مرات في سبع عشرة مجلدة.
2- عمدة القاري شرح صحيح البخاري: لأبي محمد بدر الدين محمود بن أحمد العيني الحنفي ( 762 – 855 هـ ) استغرق تأليفه سبعة وعشرين عاماً، يبدأ بشرح ترجمة الباب، ومناسبتها وصلتها بالباب الذي يليه ثم يورد الحديث ويشرح غريبه، ويبين طرقه، والاختلاف في لفظه إن وجد، كما يعرض لإعراب ما يحتاج منه إلى إعراب، ويعرض لاستنباط الأحكام، إلى غير هذا مما له صلة بالرواة ولطائف الإسناد ... ويتجلى اهتمام الشارح بأحاديث الأحكام وبيان المسائل الخلافية بين المذاهب الفقهية، الكتاب مطبوع في عشر مجلدات كبيرة.
3- إرشـاد السـاري: لشهاب الدين أحمد بن محمد القسطلاني ( 851– 923 هـ ) قدم الشارح لشرحه بيان فضل أهل الحديث، وأول من دون الحديث والسنن، وعرض لبعض المصطلحات الحديثية، وعرض لشرح البخاري وترجمته، اهتم الشارح بضبط الكلمات وبيان دلالاتها، ويتعرض أحياناً لإعراب ما يحتاج إلى إعراب ليسهل على القارئ فهم المراد، شرح مختصر ذو فوائد كثيرة، طبع في عشر مجلدات.
4- شرح صحيح البخاري: لأبي الحسن علي بن خلف بن عبد الملك القرطبي الأندلسي المشهور بابن بطال ( - 449هـ )، مالكي المذهب، واسع الدراية في الحديث وعلومه، يذكر طرق الحديث ويبين غريبه ويجمل معناه ويذكر ما فيه من أحكام كما يبين أقوال أهل العلم في فقهه، شرح جامع فيه فوائد كثيرة طبع في عشر مجلدات بالرياض.
5- أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري: لأبي سليمان حمد بن محمد الخطابي ( - 388هـ ) تحقيق ودراسة محمد بن سعد بن عبد الرحمن آل سعود، مكة المكرمة، جامعة أم القرى، مركز إحياء التراث سنة ( 1409هـ ) في أربع مجلدات كبيرة، شرح قيم جامع.
ب- شروح صحيح مسلم:
1- المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج: للإمام أبي زكريا محي الدين يحيى بن شرف النووي ( 631 – 676هـ ) المشهور بشرح النووي، شرح قيم تناول طرق الحديث ورواته وبين المعنى اللغوي ومجمل معنى الحديث واستنبط أحكامه، وبين أقوال العلماء وأئمة المذاهب في فقهه، وفيه من الفوائد واللطائف الحديثية والعلمية الكثير، طبع في ثمانية عشر جزءاً في مصر وفي الرياض وغيرها.
2- المعلم بفوائد مسلم: لأبي عبد الله محمد بن علي بن عمر المازري ( - 536هـ ) من علماء المغرب الأقصى مالكي، شرح مختصر مفيد اعتنى بإزالة ما يبدو متعارضاً بين ظاهر الأحاديث، وعرض للمسائل الفقهية، تفرد ببعض الاستنباطات الغريبة، ومع هذا فالشرح مشهور مطبوع في ثلاثة أجزاء كبيرة.
وهناك شروح أخرى للقاضي عياض ( - 544هـ ) وللإمام السيوطي ( 848 – 911هـ ) وللإمام أحمد بن عمر القرطبي ( - 656هـ ).
حـ- أهم شروح موطأ الإمام مالك بن أنس الأصبحي المدني إمام دار الهجـرة ( 93 – 179هـ ):
1- التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد: للحافظ يوسف بن عبد البر القرطبي ( - 463هـ ) في ست وعشرين مجلدة مع الفهارس، تحقيق وتعليق مصطفى أحمد العلوي وآخرين، الرباط،وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ( 1387 – 1406هـ ) وطبع في بيروت، دار الكتب العلمية ( 1419هـ / 1999م ) ط2، يعد أهم شرح للموطأ جمع فيه ابن عبد البر بين الحديث والفقه، ورتبه بطريقة الإسناد على أسماء شيوخ الإمام مالك، الذين روى عنهم في الموطأ، ثم أورد أحاديث كل شيخ مرتباً أسماء الشيوخ على حروف المعجم، واقتصر في هذا الشرح على الأحاديث المرفوعة سواء أكانت متصلة أو منقطعة دون البلاغات والآثار وفقه الإمام مالك، وذكر ابن عبد البر في مقدمة شرحه بعض مسائل في مصطلح الحديث، وهو كتاب متميز جامع في منهجه وأسلوبه، وكان محل ثناء العلماء.
2- الاستذكار في شرح مذاهب علماء الأمصار: للحافظ يوسف بن عبد البر القرطبي ( - 463هـ )، اهتم في هذا الكتاب بالجانب الفقهي، وبأقوال أئمة الفقه من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، طبع في ثلاثين مجلدة في بيروت.
3- المنتقى في شرح الموطأ: للإمام سليمان بن خلف الباجي ( - 474هـ ) اختصر الباجي هذا الكتاب من كتابه الكبير ( الاستيفاء في شرح الموطأ ) وهو في حكم المفقود، جمع المصنف في المنتقى فوائد كثيرة تتعلق بمذهب الإمام مالك، طبع في سبعة أجزاء كبيرة بالقاهرة سنة ( 1331هـ ) ويتميز هذا الشرح بعرض كثير من المسائل الفقهية وما يتفرع عنها.
4- القبس في شرح موطأ مالك بن أنس: للقاضي أبي بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن العربي المالكي المعافري الأندلسي ( 468 – 543هـ ) شرح مختصر، عرض فيه الشارح المسائل الفقهية والأصولية، وأحسن ترتيبها تحت عناوين واضحة، طبع ببيروت في ثلاث مجلدات،كما قام السيد محمد ولد عبد الكريم بتحقيق الكتاب بإشراف عبد العال أحمد عبد الله بجامعة أم القرى ونال به درجة الدكتوراه.
5- تنوير الحوالك شرح موطأ مالك: للحافظ جلال الدين السيوطي ( 849 – 911هـ ) شرح غريب الحديث وناقش بعض المسائل الفقهية، طبع بالقاهرة في مجلدين.
6- شرح الزرقاني على الموطأ: للشيخ محمد بن عبد الباقي الزرقاني ( - 1122هـ ) شرح وجيز فيه فوائد كثيرة جيدة، استفاد المؤلف من كتب شروح الموطأ التي تقدمته ومن كتاب فتح الباري لابن حجر.
7- المسوى: للشيخ ولي الله أحمد بن شاه بن عبد الرحيم الدهلوي ( - 1176هـ ) كتاب مختصر شرح بعض الألفاظ الغريبة، وتكلم على بعض المسائل الفقهية، طبع في بيروت في جزأين.
8- أوجز المسالك إلى موطأ مالك: للشيخ محمد زكريا بن محمد الكاندهلـوي ( - 1982م ) يعد من أوسع شروح الموطأ، استوفى بيان المذاهب الأربعة، وتناول بالمناقشة كثيراً من المسائل الخلافية، وذكر الفوائد الإسنادية، وأفاد ممن سبقه إلى شرح الموطأ كابن عبد البر والباجي والقاضي عياض وغيرهم، وذكر أقوال شراح الموطأ من علماء الهند، وقدم للكتاب بمقدمة جامعة في علوم الحديث وتدوينه، وبما يتصل بالموطأ ومؤلفه من فوائد ولطائف، طبع الكتاب في خمس عشرة مجلدة، ط3، مكة المكرمة، المكتبة الإمدادية، شهار نفور، الهند، المكتبة اليحيوية ( 1400 – 1408هـ )، وبيروت دار الفكر.


د- شروح سنن الترمذي:
1- عارضة الأحوذي في شرح سنن الترمذي: لأبي بكر محمد بن عبد الله ( ابن العربي ) القاضي ( - 543هـ ) من أهم شروح سنن الترمذي وأكثرها نفعاً، له مقدمة ضافية عرض فيها لقضايا الرواية، وخصائص سنن الترمذي، ثم شرح الأحاديث شرحاً وافياً تناول الأسانيد والرواة والمتون وبيان غريبها، واستنباط ما يمكن استنباطه من الأحكام الفقهية، كما عرض لدلالات الأحاديث وغير هذا، الكتاب مطبوع في ( 13) جزءاً كبيراً.
2- تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي: للشيخ محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري ( - 1353هـ ) قدم الشارح لشرحه بمجلدة جليلة الفائدة، عرض فيها لقضايا كثيرة في علم الحديث وكتبه وأخبار الحفاظ والمحدثين، ثم ذكر في باب خاص كل ما يتعلق بالإمام الترمذي وخصائص سننه ومزاياها، ثم شرح السنن شرحاً وافياً اهتم بتفصيل أقوال الفقهاء ورجح ما لم يعرض الترمذي لترجيحه، الكتاب مفيد طبع في عشر مجلدات كبيرة.
هـ- شروح سنن أبي داود: لسنن أبي داود عدة شروح أهمها:
1- معالم السنن: لأبي سليمان حمد بن محمد الخطابي ( - 388هـ ) شرح جامع مختصر حيث يشرح الخطابي حديثاً واحداً في الباب من الناحية اللغوية، وقد يعقب على بعض العلماء، يعرض لفقه الحديث فيذكر أقوال العلماء ومذاهبهم في دلالة الحديث، ويستنبط بعض الأحكام، ويدلي برأيه إن اقتضى الأمر، طبع الكتاب في أربع مجلدات كبيرة بمصر وفي غيرها.
2- عون المعبود على سنن أبي داود: للشيخ محمد بن أشـرف العظيم آبـادي ( - 1349هـ ) شرح سنن أبي داود على حواشي الكتاب شرحاً وسطاً جيداً يذكر أقوال العلماء في المسائل الفقهية، وترجيحها أحياناً، واستفاد من تعليقات الإمام عبد العظيم المنذري ( 581 – 656هـ ) على السنن، كما أنه يخرج الأحاديث غالباً ويبين مواضعها من كتب السنن، وهناك شروح عدة لسنن أبي داود: المنهل العذب المورود للشيخ محمود محمد خطاب السبكي ( - 1352هـ )، وتكملته لولده أمين السبكي طبع الشرح والتكملة في ثمانية أجزاء، وبذل المجهود في حل سنن أبي داود للشيخ خليل الأنصاري الهارنفوري، طبع في عشرين مجلدة.
و- بعض شروح سنن الإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي ( 215 – 303هـ ):
1- شرح سنن النسائي لأبي العباس أحمد بن الوليد بن رشد ( - 563هـ ).
2- شرح الشيخ سراج الدين بن الملقن ( - 804هـ ) شرح فيه زوائد سنن النسائي على الكتب الأربعة: الصحيحين وسنن أبي داود وسنن الترمذي.
3- زهر الربى على المجتبى: للإمام جلال الدين السيوطي ( 849 – 911هـ ) شرح مختصر، عليه تعليقات موجزة للشيخ أبي الحسن محمد بن عبد الله السندي ( - 1136هـ ) مطبوعان على حاشية السنن، اعتنى به ورقمه ووضع فهارسه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، ط3، بيروت دار البشائر الإسلامية 1409هـ، جزءان في مجلدة.
4- سنن النسائي بالتعليقات السلفية: باعتناء الشيخ محمد عطاء الله الفوجياني الأمرتسري، ط المطبعة السلفية بلاهور باكستان ( 1376هـ ).
ز- بعض شروح سنن ابن ماجه:
1- شرح سنن ابن ماجه: للحافظ علاء الدين مغلطاي ( - 762هـ ) شرح قسماً منه في خمس مجلدات.
2- شرح الحافظ ابن رجب الحنبلي: ( - 795هـ ) ذكر هذا أبو الحسن السندي كما جاء في ( ما تمس إليه الحاجة ص 178 ).
3- شرح الحافظ ابن الملقن الشافعي: ( - 804هـ ) زوائده على الكتب الخمسة في ثمانية أجزاء، وسماه ( ما تمس إليه الحاجة على سنن ابن ماجة )، ضبط المشكل من الأسماء والكنى وما يُحتاج إليه من الغرائب.
4- المفسرة بإنجاح الحاجة: حاشية على سنن ابن ماجة للشيخ محمد بن إسماعيل ابن عبد الغني الدهلوي ( - 1247هـ ) طبع دهلي سنة ( 1273هـ ).
ثانياً: أما رؤيتك منذ سنوات في منامك أن رسول الله  يأمرك بتفسير الحديث عنه، فأسأل الله عز وجل أن يفتح عليك ويجعلك من حملة كتابه الكريم، وحفظة حديثه الشريف، وسبيلك مجالسة العلماء وكثرة المطالعة والعمل بما تتعلم، والإخلاص في طلب العلم والعمل، والدعوة إلى الله عز وجل بصدق لتكون في عداد من قال فيهم رسول الله  لعلي : « فو الله لأن يَهْدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ من حُمْرِ النعم » متفق عليه( ).
ولا نقع فيما حذر عنه الرسول  ورهب منه فيما يرويه أبو هريرة  قال: قال رسول الله : « من تعلم علماً مما يُبْتَغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصب به عرضاً من الدنيا لم يجد عَرْفَ الجنةِ يوم القيامة »( ). 
ثالثاً - من يحمل مسمى أمير المؤمنين في الحديث النبوي، ومن ترشحون من السابقين واللاحقين؟
أفضل أن أعرض ألقاب أهل الحديث هنا حتى تتضح لنا منزلة ( أمير المؤمنين في الحديث ).
آ- ألقاب أهل الحديث:
1- طالب الحديث: هو من شرع في طلب الحديث.
2- المُسْنِد – بضم الميم وكسر النون -: وهو من يروي الحديث بإسناده سواء أكان عنده علم به أم لم يكن( ).
3- المحدث: هو من مهر في الحديث رواية ودراية، وميز سقيمه من صحيحه، وعرف علومه واصطلاحات أهله، والمؤتلف والمختلف من رواته، وضبط ذلك عن أئمة هذا العلم، كما عرف غريب ألفاظ الحديث، وغير ذلك، بحيث يصلح لتدريسه وإفادته( ).
4- الحافظ: هو من اجتمعت فيه صفات المحدث، وضم إليها كثرة الحفظ وجمع الطرق، كي يصدق عليه اسم الحافظ، وقد فرق بعض المتأخرين، فرأى أن الحافظ من وعى مئة ألف حديث متناً وإسناداً، ولو بطرق متعددة، وعرف من الحديث ما صح، وعرف اصطلاح هذا العلم.
وقال المِزِّي: الحافظ ما فاته أقل مما يعرفه.
5- الحجة: فإذا وعى الحافظ أكثر من مئة ألف، وأصبح ما يحيط به ثلاث مئة ألف حديث مسندة، فهو حافظ حجة( ).
6- الحاكم: هو من أحاط بجميع الأحاديث المروية، متناً وسنداً، وجرحاً وتعديلاً وتاريخاً( ).
7- أمير المؤمنين في الحديث: يطلق هذا اللقب على من اشتهر في عصره بالحفظ والدراية، حتى أصبح من أعلام عصره وأئمته، وقد لقب بهذا اللقب عبد الرحمن بن عبد الله بن ذكوان المدني ( أبو الزِّناد ) ( ت: 131هـ )، وشعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري، والإمام مالك بن أنس، والإمام البخاري، وغيرهم، وهؤلاء من أبرز أعلام أئمة الحديث، وقد شهد لهم كبار الأئمة وجمهور الأمة بالإمامة والتقدم والرسوخ في هذا العلم( ).
ب- وأما من أرشح لهذا اللقب من السابقين واللاحقين فهذا أمر كبير جداً، دونه تقطع أعناق الإبل، ولا أزال على عتباته، فهم قمم وجبال في الحفظ والرسوخ والدراية، فإني أنهل من بحورهم وأغتذي بعلومهم، وأفيد كثيراً من مروياتهم ومصنفاتهم رحمهم الله تعالى، ورفع منازلهم في جنات الخلد، وحسبي هنا أن أوجز لك ما ذكره العلامة الشيخ أبو المواهب شمس الدين محمد حبيب الله بن الشيخ عبد الله بن أحمد مايابي الجكني الشنقيطي ( 1295 – 1363هـ / 1944م ) في رسالته هدية المغيث في أمراء المؤمنين في الحديث، طبعت بعناية وتعليق الشيخ رمزي سعد الدين دمشقية رحمه الله في دار البشائر الإسلامية سنة ( 1410 هـ ) في ( 44 ) صفحة بيروت.

باب
ذكر أمراء المؤمنين في الحديث
وحصرهم بالعَدِّ
فمَـالِكٌ إمَامُنا المقـَدَّمُ( ) وشـيخه أبو الزِّنادِ العَلَمُ( )
ثُمَّ إمامُ العارفينَ الثَّوْري( ) مَنْ زانَهُ الزُّهدُ كَزَيْن النَّورِ( )
فشُـعْبَةُ المحقِقُ الإمـامُ من ازدهت بعلمِهِ الأيـامُ( )
كذاكَ إسْحقُ الإمامُ الحًنْظَلِي( ) ثُمَّ هِشامُ الَّدسْتَوَائِيُّ العَلِي( )
وابْنُ دُكَيْنِ الفَضْلُ( ) الألمعي( ) كذا ابنُ يَحْيى الحَافِظُ الذُّهْلِيُّ( )
ثُمَّ البُخَارِيُّ( ) الشَّهيرُ الفَخْمُ( ) والدَّارَقُطْنِيُّ الإمَـامُ الشَّـهْمُ( )
ثُمَّ ابنُ إسْـحقَ إمَامُ السِّـيْرَهْ مَنْ كـانَ ذا بَصِيرَةٍ مُنـيرَه( )
قد قالَ ذاكَ الذَّهَبِي في التَّذْكِرَه( ) وغَيرُهُ( ) إذ حازَ تِلكَ المفْخَرَه
والوَاقِدِيُّ الشَّـهْمُ ذُو البَصيرَه مِنهمْ وكانَ مَاهراً في السِّيرَه( )
كمَـا لِذَاكَ الدَّرَاوَرْدِيُّ أَقَـرّ كَمَا لهُ العَيْنِيُّ تَصْريحـاً ذَكَرْ
وهكذَا حَمَّادُ نَجْلُ سَـلَمَه( ) فابنُ المُبَارَكِ وكَمْ مَّنْ عَظَّمَهْ( ) 
والدَّرَاوَرْدِيُّ لِذَاكَ يصلُـحُ( ) قَدْ قَالَهُ مَعْنُ بنُ عِيسَى المُفْلِحُ( )
وكادَ مُسْـلمٌ بهـذَا اللَّقَبِ( ) يُدعَى كَمَا لِبَعْضِهِمْ ومَا اجْتُبِي( )

ونجْـلُ عَلاَّنَ المُحَقِّقُ ذَكَـرْ( ) مِن أمـراءِ المُؤمِنينَ ابْنَ حَجَرْ( )
قُلْتُ ولا يَبْعُدُ فِي السُّيُوطِي ذاكَ لِمَا حَازَ مِنْ الشُّرُوطِ( )
وأحمَدُ بنُ حَنْبَلٍ عَلَى صِفَهْ تُعْطِيهِ ذَا مَعْ وَرَعٍ وَمَعْرِفَه( )
وابنُ مَعِينٍ مِثْلُهُ فِيمَا سَلَفْ( ) ولمْ أجِدْ هَذَا( )لَهُمْ عَنِ السَّلَفْ
هَذَا الَّذِي حرَّرْتُهُ مِنْ أُمَرَا ءِ المُؤمِنِينَ في الحَديثِ الكُبَرَا( )
أسْـألُ رَبِّي أنْ أرَى أميرَا فِيهِ وَلَوْ أَتَيْتُـهُ أخِــيرَا
وأنْ أنَالَ بِالحَدِيثِ الرَّحْمَهْ في جَنَّةِ الفِرْدَوْسِ فَهْيَ النِّعْمَه
أَكْمَلْتُـهُ في بَلْدَةِ الخَلِيْـلِ مُقْتَبِسـاً من نُورِهِ الجَمِيـلِ
عَلَيهِ مِنِّي صَلَوَاتٌ بَاهِـرَه وآلِهِ الغُرِّ النُّجُـومِ الزَّاهِـرَهْ
وإنَّني ضَيْـفٌ لإبْرَاهِيْمَـا وَلَـمْ يَزَلْ لِضَيْفِـهِ كَرِيمَـا

الجواب عن السؤال الثالث:
1- خبر أم قرفة من بني فزارة وأن النبي  أرسل إليها زيد بن حارثة فربطها بحبل بين جملين ...
هذا الخبر لا يصح ولم يرد في كتاب معتمد، وكونها من بني فزارة الذين يعادون النبي ، فإن معاداتهم الرسول  لا تحمله على أن يقتل تلك المرأة، ومعاملته  لبني فزارة تدحض هذا المنقول افتراءً، أخرج الإمام مسلم في غزوة ذي قرد أن عبد الرحمن الفزاري أغار على لقاح رسول الله  - وهي إبلُ الصدقة – وهي ترعى بذي قَرَدٍ – ماء على نحو يوم مما يلي غطفان – فانطلق الصحابي الشاب سلمة بن الأكوع – وكان عداءً لا يُسبق ورامياً لا تُخطئ رميته – وراءهم يرميهم بالنبال حتى استنقذ اللقاح منهم، وجاء الرسول والمسلمون مدداً، فقال سلمة: يا رسول الله  إني حَمَيْتُ القومَ الماء – أي منعتهم الماء – وهم عطاشٌ، فابعث إليهم – أي رجالاً يقاتلونهم – السـاعة، فقال : « يا ابن الأكوع ملكتَ فأسجحْ » أي تغلبت على العدو فأحسن وأرفق( ).
وقد تكلم ابن حجر في رواية الفزاري عن ابن المنكدر، وعنه محمد بن سلمة، وفيما ذكر من تعصب عطية بن سعد يُرَدُّ الخبر، هذا إلى جانب كثرة خطئه.
وورد خبر أم قرفة أن أبا بكر  هو الذي أمر بقتلها كيف يكون هذا علماً بأن راوي الخبر لم يدرك أبا بكر فما رأيكم؟ فالخبر منقطع ضعيف إن لم يكن موضوعاً، انظر الورق المرفق ( أحاديث مختلفة ) وما ورد عنه  من النهي عن قتل النساء ص1 و2 من الملحق.
2- وأما عصماء بنت مروان هذه الذي وردت عند الدارقطني باسم ( أم مروان ) ففي حديث الراوي وهم كما قال العقيلي، ومهما يكن آمل أن تذكر لنا المصدر الذي أورد الخبر مع الشكر سلفاً.
3- موضوع قتل أبي رافع بن أبي الحقيق ( سلام بن أبي الحقيق ). ما من أحد إلا يعلم دور اليهود في تحزيب الأحزاب يوم الخندق وتخذيل المسلمين، إنه عدو ينكي بالمسلمين، هل يتصور عقلاً وعرفاً أن يسعى في الأرض فساداً ويعمل على تفريق كلمة المسلمين والإساءة إليهم ويقف الرسول  مكتوف اليدين!!؟ ليتك تقف على موقفهـم – أي يهود المدينة – في غزوة الخندق في سيرة ابن هشام وعلى مقتل سلام بن أبي الحقيق في سيرة ابن هشام 3/286 وما بعدها، وانظر ص3 من الملحق.
4- أما كنانة بن الربيع من يهود بني النضير، فقد سأله الرسول  عن كنز بني النضير فجحد أن يكون يعرف مكانه، فأتى رجل من اليهود إلى رسول الله  فقال: إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداةٍ، فقال رسول الله  لكنانة: أرأيتَ إن وجدناه عندك أقتلك؟ قال: نعم، فأمر رسول الله  بالخربة فحضرت، فأُخرِجَ منها بعض كنزهم، ثم سأله عما بقي فأبى أن يؤديه إليه( ).
من الواجب أن توضع أي مسألة في إطارها الكلي وفي موضعها لا أن تجتزأ بقصد إبراز جانب السوء فيها أو الخير، فهنا حالة حرب ومعركة بين المسلمين وأعدائهم الذين يمطرونهم من حصونهم بالحجارة والصخور والنبال ... وكنانة بن الربيع أحد وجهائهم وقادتهم وتحت يديه بعض أموالهم يعرض عليه الرسول أمر الأموال وينكرها، ويعلمه أنه إن وجدها عنده قتله لجحوده فكنانة هو الذي اختار مصيره !!! كما يجب أن ندرك أن بين الرسول  واليهود الصحيفة ( الوثيقة ) التي دونت بعد الهجرة تنص على حقوق وواجبات الجميع وأن المرجعية في ما ينشب من خلاف إلى الله ورسوله ... واليهود هم الذين خانوا المسلمين وغدروا بهم، فانتهكوا حرمة سيدة من نساء الأنصار في سوق بني قينقاع، فكانت غزوة بني قينقاع، وتآمر بنو النضير على قتل الرسول  حين كان في ديارهم، وتآمر بنو قريظة وبنو النضير على المسلمين، ونقضوا العهد أيام الأحزاب، كما كان يهود خيبر أكبر مهيج للأحزاب ضد رسول الله فكانت غزوة خيبر .. 
فلم يقتل الرسول  كنانة بن الربيع إلا لما كان له من إنكار، وعملاً بما اتفقنا عليه، وليت السائل اطلع على رحمة الرسول  آنذاك، فقد جاء بلال بن رباح بصفية ابنة حيي بن أخطب وبسبية أخرى معها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ماراً في طريقه على قتلى من اليهود ففزعت السبية الأخرى وصاحت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال: « أنزعت منك الرحمة يا بلال، حين تمر بامرأتين على قتلى رجالهما؟» ولما علم  بصفية ألقى عليها رداءه، فعرف المسلمون أن رسول الله  اصطفاها لنفسه، فهي بنت أحد زعماء اليهود وزوجة أحد أعيانها، والأليق لها وبها أن تكون في صَفِي رسول الله  تطييباً لخاطرها، ولمكانتها في قومها( ). قال ابن اسحاق: ( كانت صفية قد رأت في المنامِ وهي عروس بكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق أن قمراً وقع في حجرها، فعرضت رؤياها على زوجها فقال: ما هذا إلا أنك تَمَنَّينَ مَلِكَ الحجازِ محمداً، فلطم وجهها لطمةً خَضَّرَ عينها منها، فأتي بها رسول الله  وبها – أي بصفية – أثر منها – أي من لطمها – فسألها ما هو؟ فأخبرته هذا الخبر( ).
5 و6- أناس معادون للرسول يعدون العدةَ لغزوه، أو يتآمرون على المسلمين لتثبيط هممهم وتخذيلهم عن الخروج مع الرسول  لقطع طمع الرومان بشمال دولة الإسلام لا بد من ردعهم ومنعهم من تنفيذ خططهم، هذا لا يتنافى مع الرحمة التي أرسله الله بها إلى العالمين، إن في عقابهم رحمة لغيرهم من المسالمين، ألا ترى أن في عقاب الجاني والمعتدي رحمةً بالمجتمع، وأن التسامح معه ظلم لغيره لأن إجرامه وعدوانه سيمتد إلى غيره من أبناء المجتمع الآمن، وما أبلغ قول الله تعالى:  ولكم في القصاص حياةٌ يا أولي الألبـاب  [ البقرة: 179 ] هذا شرع الله يطبق بعدل بين عباد الله، وما وضعت قوانين العقوبات في البلاد غير الإسلامية إلا لحماية المجتمع من أن تنتهك حرمات أبنائه.
7- ما قرأته في صحيح البخاري صحيح وقد أخرجه في مواطن عدة كما أخرجه غيره من أئمة الحديث وجاء في السيرة أنهم بايعوا الرسول  وكانوا سقاماً مصفرَّةً ألوانهم، عظيمة بطونهم فلم يوافقهم هواءُ المدينة فأمر لهم  بإبل الصدقة ليشربوا من ألبانها وأبوالها، فذهبوا وفعلوا ما أمرهم، ولما تمَّ شفاؤهم قابلوا الإحسان بكفر النعمة وقتلوا الراعي ومثَّلوا به، واستاقوا الإبل ... في سائر النصوص الواردة تدل على ما يلي( ):
1- نقضوا بيعة الرسول  بفعلهم ذلك.
2- قتلوا الراعي.
3- مثَّلوا به.
4- استاقوا الإبل أي أخذوا الأموال العامة.
5- بفعلهم هذا حاربوا الله ورسوله.
6- أوقعوا الرعب في المسلمين.
فينطبق عليهم قوله عز من قائل:  إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرضِ فساداً أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تُقطَّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض، ذلك لهم خزيٌ في الدنيا ولهم في الآخرة عذابٌ عظيم  [ المائدة: 33].
وما جاء من غضبه  كبشـر لا خلاف فيه وأنه من رحمته  بإخوانـه قال: « اللهم إنما أنا بشر فأي من المسلمين لعنته أو سـببته فاجعله له زكاةً وأجراً »، وقـال: « إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة » أخرجه مسلم، وما كان يغضبُ  لنفسه بل يغضب إذا انتهكت حرمة الله، وقد أخرج الشيخان عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: « ما خُيِّرَ رسول الله  بين أمرين قط، إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعدَ الناس منه، وما انتقم رسول الله  لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمةُ الله، فينتقم لله بها »( ).

السؤال الرابع:
الأخ الفاضل: أشكركم لثنائكم على بعض مؤلفاتي كالسنة قبل التدوين والمحدث الفاضل، ونفع المولى بك العباد والبلاد.
1- تقول: برزت في الآونة الأخيرة هجماتٌ تتكلم عن تناقض السنة وغير ذلك، فهل ترون أن الهجوم على السنة قد أخذ طابعاً جديداً غير السابق؟ وأن مسألة التدوين قد رأى المغرضون أنه قد أجاب عنها العلماء ولم يترك لهم أي شبهة فيها؟
2- كنت كتبتُ موضوعاً في هذا المنتدى اسمه ( السنة وحي الله ) ذكرتُ فيه بعض الأدلة على أن السنة وحي من الله عز وجل كالقرآن تماماً، فاعترض عليَّ بعضهم بأن النبي  قد عاتبه ربه في بعض المواقف مثل أسارى بدر مثلاً فقال المعترض: الوحي لا يخطئ ... فكان ردي عليه: ( بأن الوحي هنا هو الذي أنزله الله عز وجل على نبيه  في آخر الأمر، وأما الأول فكان اجتهاداً من النبي  قبل نزول الوحي ).
الجواب: 
1- إن التصدي للسنة من أعداء الإسلام ومن بعض المغرضين له وجوه كثيرة، وكلها يلتقي عند محاولة تشكيك المسلمين بسنة رسول الله  المبينة للقرآن الكريم، فإذا تم هذا – لا سمح الله ولن يتم – سَتُجَهَّلُ الأجيال الصاعدة بدينها، وحينئذ يبتعد المسلمون عن دينهم وهو الحصن المنيع للمسلمين، والدرع القوي الذي تتحطم عليه سهام أعدائهم المغرضة.
وكتب رد الشبهات والدفاع عن السنة كثيرة جداً، ووعي المسلمين بدينهم والتزامهم بما صح عن الرسول  كفيل بتهافت تلك الشبهات وردها، من هذه الكتب:
1- أبو هريرة راوية الإسلام: الدكتور محمد عجاج الخطيب، سلسلة أعلام العرب رقم 23، وزارة الثقافة مصر 1963.
2- الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على السنة من الزلل والتضليل والمجازفة: الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، المطبعة السلفية بالقاهرة 1378هـ، وعالم الكتب بيروت 1403هـ / 1983م.
3- الحديث والمحدثون: د. محمد أبو زهو، دار الكتاب العربي بيروت 1404هـ / 1984م.
4- السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي: الدكتور مصطفى السباعي، دار العروبة القاهرة 1380هـ / 1961م.
5- السنة قبل التدوين: الدكتور محمد عجاج الخطيب، مكتبة وهبة مصر 1383هـ / 1963م.
6- السنة المطهرة والتحديات: الدكتور نور الدين عتر، دار المكتبي دمشق 1419هـ / 1999م ط1.
7- ظلمات أبي رية: الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة، المطبعة السلفية مصر 1372هـ / 1953م.
8- قصة الهجوم على السنة: علي أحمد السالوس، دار السلام القاهرة 1408هـ / 1987م ط1.
2- كل ما جاء عن الرسول  - سوى القرآن الكريم – من بيان لأحكام الشريعة، وتفصيل لما في الكتاب الكريم، وتطبيق له هو السنة أو الحديث النبوي، وهو بوحي من الله تعالى، أو باجتهاد من الرسول ، إلا أن الرسول  لا يُقِرُّ على اجتهاد خطأ، وعلى هذا فمرد السنة إلى الوحي، فالقرآن الكريم هو الوحي المتلو المتعبد بتلاوته، والسنة وحي غير متلو، لا يتعبد بتلاوتها، قال الإمام ابن حزم: ( لما بينّا أن القرآن هو الأصل المرجوع إليه في الشرائع، نظرنا فيه فوجدنا فيه إيجاب طاعةِ ما أمرنا به رسول الله ، ووجدنا عز وجل يقول فيه واصفاً لرسوله   وما ينطق عن الهوى  إن هو إلا وحيٌ يوحى  [ النجم: 3-4 ] فصح لنا بذلك أن الوحي ينقسم من الله عز وجل إلى رسوله  على قسمين أحدهما: وحيٌ متلو، مؤلف تأليفاً معجزَ النظام، وهو القرآن.
والثاني: وحي مروي، منقولٌ غير مؤلف، ولا معجز النظام، ولا متلو ولكنه مقروء، وهو الخبر الوارد عن رسول الله، وهو المبين عن الله عز وجل مراده منا، قال الله تعالى:  ليُبَيِّنَ للناسِ ما نُزِّل إليهم  [ النحل: 44 ] ووجدناه تعالى قد أوجب طاعة هذا القسم الثاني كما أوجبَ طاعةِ القسمِ الأوَّلِ ولا فرقَ )( ).
قال الإمام الشافعي رحمه الله: ( وما سَنَّ رسول الله  فيما ليس لله فيه حكمٌ فبحكم الله سنه، وكذلك أخبرنا الله تعالى في قوله:  إنك لتَهْدي إلى صراطٍ مستقيم صِراطِ الله  [ الشورى: 52 – 53 ] .. وقد سنَّ رسول الله مع كتاب الله، وسَنَّ فيما ليس فيه بعينه نصُّ كتابٍ، وكل ما سَنَّ فقد ألزمنا الله إتباعه، وجعل في إتباعه طاعته، وفي العُنودِ – أي الميل والانحراف – عن إتباعها معصيته التي لم يعذر بها خلقاً، ولم يجعل له من إتباع سنن رسول الله مخرجاً )( ).
وقال عز من قائل:  فلا ورَبِّك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شَجَرَ بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما  [ النساء: 65 ] فما كان فيه نص من القرآن الكريم واضحٌ بأنه وحيٌ من الله عز وجل، وما لم يَرِدْ فيه نص فهو سنة من الرسول  سنها بوحي من الله تعالى غير متلو، وبأمر منه سبحانه وتعالى، وما كان باجتهاد من الرسول  فإن المولى لا يقر الرسول  على خطأ فيتنزل الوحي مصححاً لاجتهاده، أو معلماً إياه بما يجب أن يفعله، فكل ما ثبت عن الرسول  في أمور الشرع أحكاماً وآداباً وأخلاقاً مما لم يرد فيه نص، ولم يرد ما يثبت نسخه في عهد التشريع – في حياته  - يجب العمل به كما يجب العمل بما نزل فيه من قرآن كريم، عملاً بقوله عز وجل:  وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون  [ النور: 56 ].
3- ما هي أوجه الشبه والتباين بين الرامهرمزي والخطيب البغدادي والقاضي عياض في كتبهم: ( المحدث الفاضل ) ( الكفاية ) ( الإلماع )؟
سؤال جيد آمل أن تعقد موازنة بين هذه الكتب الثلاثة مع ملاحظة عصر كل منهم، فالرامهرمزي عاش ( 265 – 360هـ ) والبغدادي في ( 392 – 463هـ ) والقاضي عياض في ( 476 – 544 هـ ) واختلاف مواطنهم،إن هذا الموضوع يستحق أن يكون رسالة تخرج للمرحلة الجامعية الأولى، مع ملاحظة أن للخطيب عدة كتب أخرى كـ ( الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ) و ( شرف أصحاب الحديـث ) و( تقييد العلم ) إلى جانب مؤلفاته في التراجم والرجال ... قال الحافظ أبو بكر بن نقطة: ( كل من أنصف علم أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه )( ).
- سؤالك عن خبر الواحد، وهل تبع الخطيب في ذلك المتكلمين ...كما قال عنه ابن الصلاح في كلامه عن المشهور: إن العلوم الإسلامية يعضد بعضها بعضاً والخطيب البغدادي من المتقدمين، لِمَ لا يكون بعض المتكلمين قد شاركوه فيما ذهب إليه، ومع كل هذا فالمشهور نسبي كما تعلم وقد ذكر هذا السيوطي في تدريب الراوي ( ص 369 – 370 ).
بالنسبة للمتواتر: ورد في كلام المحدثين المتقدمين تواتر عن الرسول  كذا وكذا، وأن الحديث الفلاني متواتر ( تدريب الراوي 271 )، وأنه وقع في كلام الخطيب ما يشعر بأنه اتبع فيه غير أهل الحديث ( قاله ابن الصلاح )، ما الضرر في أن يتوافق كلام الخطيب مع كلام الأصوليين، أو أنه استعمل مصطلحهم؟ فقد ذكرت لك أن التخصصات في العلوم الإسلامية يعزز بعضها بعضاً، ورأى بعض المحدثين أن علم الإسناد علم يبحث في صحة الحديث أو ضعفه ليعمل به أو يترك، وأن البحث في المتواتر لا يدخل تحت علم الإسناد، لأن ناقليه حصل العلم بصدقهم ضرورة لاستحالة تواطؤهم على الكذب.
- بالنسبة للشبهات المثارة حول السنة أسلم طريق في دفعها أن يقرر الموضوع على حقيقته بشواهده وأدلته، ليعي القارئ أو السامع حقيقة الموضوع المعالج أو المطروق، فيدرك مَنْ يطلع على الطعن في الموضوع أنه افتراء وتغيير للواقع، أو سوء فهم لمن حمل الأمر على غير حقيقته، ولا بأس أنه يعرض الموضوع ويبين الكاتب بعده شبهة بعض الباحثين حوله ويعقب عليها، ومثاله: ( قالوا حديثان مختلفان: قالوا رويتم أن رسول الله  قال: « لم يتوكل من اكتوى واسترقى » ثم رويتم أنه كوى أسـعد بن زُرارة وقال: « إن كان في شيء مما تداوون به خير ففي بزغةِ حجام أو لذعة بنار » قالوا: وهذا خلاف الأول. قال أبو محمد ( ابن قتيبة ): ونحن نقول إنه ليس ههنا خلاف ولكل واحد موضع، فإذا وضع به زال الاختلاف. والكيُّ جنسان: أحدهما كيّ الصحيح لئلا يعتل، كما يفعل كثير من أمم العجم فإنهم يكوون ولدانهم وشبانهم من غير علة بهم يرون أن ذلك الكي يحفظ لهم الصحة ويدفع عنهم الأسقام .... وكانت العرب تذهب هذا المذهب في جاهليتها وتفعلُ شبيهاً بذلك في الإبل إذا وقعت النَّقبة فيها، وهو جرب، أو العُرُّ وهو قروح تكون في وجوهها ومشافرها، فتعمد إلى بعير منها صحيح فتكويه ليبرأ منها ما به العرُّ أو النقبة، وقد ذكر ذلك النابغة في قوله للنعمان:
فحملتني ذنبَ امرئٍ وتركتَهُ كذي العُرِّ يُكوى غيره وهو راتع
وهذا الأمر الذي أبطله رسول الله  وقال فيه: « لم يتوكل من اكتوى » لأنه ظن أن اكتواءه وإفزاعه الطبيعة بالنار وهو صحيح يدفع عنه قدر الله تعالى، ولو توكل عليه وعلم أن لا منجى من قضائه لم يتعالج وهو صحيح، ولم يكوِ موضعاً لا علة به ليبرأ العليل.
وأما الجنس الآخر فكي الجرح إذا نَغِلَ – أي فسد – وإذا سال دمه فلم ينقطع، وكي العضو إذا قُطع أوحسمه،وكي عروق من سُقي بطنه وبدنه ( أي أصيب بانتفاخ البطن الاستسقاء ) وهذا هو الكي الذي قال النبي  إن فيه الشفاء، وكوى أسعد بن زرارة لعلة كان يجدها في عنقه، وليس هذا بمنزلة الأمر الأول، ول يقال لمن يعالج عند نزول العلة به لم يتوكل، فقد أمر النبي  بالتعالج وقال: « لكل داءٍ دواء » ... )( ).
ما هي الطريقة المثلى في التعامل مع المعتزلة الجدد ... الذين ينكرون من السنة ما لا يوافق عقولهم؟ 
من المعلوم أن اجتهاد العالم يكون في دلالة النص بعد ثبوته، يعمل العقل فيه، ويحلل ويستنبط، بالطرق المؤدية إليه، وإلا إذا حكَّم هواه في الموضوع فإنه لا يعمل بالنص، ولا نَقْلبُ الأمر إلى تقديم العقل على ما ثبت بالنص، ثم بعقل من نأخذ؟ فنحن متبعون لا مبتدعون ولا مقلدون نعمل بالدليل النقلي الثابت.
- قضية إنكار الدجال ونزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان لما ثبت بالنقل، يفسق منكره لأن يُكذّبُ الرواة الناقلين لذلك الحديث عملاً بقول الرسول : « قتال المسلم كفر وسبابه فسوق » وتكذيب من ثبت ضبطه وعدالته يندرج تحت السباب، وتصديقه يوجب العلم الراجح.
ما جاء في الجواب السابق يكفي جواباً عما ورد في آخر الصفحة 5 والصفحة 6 و7، وأن بعضهم تدرج من الدليل القطعي القرآن والسنة إلى اتخاذ العقل دليلاً قطعياً، وهذا لا يقول به أهل العلم على الإطلاق، وفيه من المغالطات الكلامية ما لا يخفى على طلاب العلم ناهيك عن العلماء المخلصين.
- سؤال: أهلاً بالشيخ الفاضل وجزى الله من أتاح هذه الفرصة خير الجزاء، سؤالي هو: قال عز وجل:  واذْكُرْنَ ما يُتلى في بيوتِكُنَّ من آياتِ اللهِ والحكْمةَ إنَّ الله كان لطيفاً خبيراً  [ الأحزاب: 34 ].
نعرف أن الحكمةَ هي السنة المطهرة وأن نبينا الكريم عليه أفضلُ الصلاةِ وأتم التسليم نهى المسلمين عن كتابةِ شيءٍ غير القرآنِ الكريمِ على نفس المادة التي كتبوا عليها آياتٍ قرآنية، وذلك للمحافظة على كتاب الله.
فهل كانوا يكتبون ما يصدر عن النبي  من أقوالٍ وأفعال؟ وهل وصلنا شيء منه؟
الجواب: صحيح ورد عن بعض أهل العلم أن المراد بالحكمـة في الآية الكريـمة ( السنة )، وقد عاش الصحابة مع الرسول  في جميع أحواله يرون أفعاله ويسمعون أقواله ويدركون تقريراته، فنقلوا كل هذا عنه  نقلاً دقيقاً حفظاً وعملاً، ومنهم من كتب عنه، فقد كان بعض الصحابة ممن يحسن الكتابة يكتب بين يدي رسول الله  ما يسمعه منه، منهم: الصحابي عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله ، أريد حفظه فنهتني قريش، وقالوا: تكتب كلَّ شيء سمعته من رسول الله ، ورسول الله  بشرٌ يتكلم في الغضب والرضا، فأمسكتُ عن الكتابة، فذكرت ذلك للرسول ، فأومأ بإصبعه إلى فيه وقال: « اكتب فو الذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حقٌ »( ).
قال أبو هريرة: ( ما من أصحاب النبي  أحدٌ أكثر حديثاً عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتبُ ولا أكتب )( ).
- وخطب رسـول الله  عام فتح مكة خطبة طويلة، فجاء رجلٌ من أهـل اليمن فقـال: اكتب لي يا رسـول الله - أي هذه الخطبـة – فقال: « اكتبـوا لأبي فلان )( ).
وكان عند الصحابة مدوناتٌ كثيرة ( صحف ) كتبوا فيها الحديث النبوي، كما أن الرسول  أمر بكتابة العهد بينه وبين اليهود في المدينة أول أيام الهجرة، كما أرسل الكتب لولاته وعماله، كما كتب إلى الملوك والأمراء، وأربت هذه الكتب على ( 280 ) مائتي كتاب وثمانين كتاباً( )، وكان لعلي بن أبي طالب صحيفة فيها ( العقل، وفكاك الأسير، ولا يقتل مسلم بكافر )( )، وذكرتُ صحفاً كثيرة للصحابة والتابعين وأتباعهم في كتابي السنة قبل التدوين ( ص343 – 360 ).
واشتهر من مدونات الصحابة ( الصحيفة الصادقة ) لعبد الله بن عمرو بن العاص ( 7ق.هـ - 65هـ ) ضمت نحو خمس مائة حديث، وقال ابن الأثير تضم صحيفة عبد الله بن عمرو ألف حديث، والراجح أن المقصود بما فيها من مكرر( ).
وكان عبد الله بن عمر ( 10ق.هـ - 73هـ ) إذا خرج إلى السوق نظر في كتبه وكانت في الحديث( )، كما اشتهرت صحيفة ( مدونة ) جابر بن عبد الله الأنصاري ( 16ق.هـ - 78هـ )( )، واشتهرت من مدونات التابعين بين يدي الصحابة صحيفة همـام بن منبة ( 40 – 131هـ ) كتبها عن أبي هريرة  ( 19ق.هـ - 59هـ ) فيها ( 138 ) مائة وثمانية وثلاثون حديثاً( ).
- سؤال حول ما أثير عن الحجامة، وهل هي سنة عن النبي  أم هي مجرد اجتهاد طبي من أمور دنيانا كما تشدق البعض؟ فالرجاء توضيح هذه المسألة، وإفادتنا بالمراجع الصحيحة – من بين الغث والسمين – عن الحجامة من النواحي الشرعية والفنية والعملية والطبية وجزاكم الله خيراً كثيراً.
أقول وبالله التوفيق:
وردت أحاديث عدة في الحجامة أهمها وأشهرها:
1- أخرج الإمام البخاري عن أنس بن مالك  قال: حَجَمَ أبو طيبة رسـول الله ، فأمر له بصاع من تمر، وأمر أهله ( أي أولياءه ) أن يخففوا من خراجه( ).
2- وأخرجه مسلم عن ابن عباس، وفيه: ( ... فأعطاه النبي  أجره .... ولو كان سحتاً لم يعطه النبي  )( )، وعند البخاري: ( لو كان حراماً لم يعطِهِ ).
3- وأخرجه مسلم عن أبي هريرة : ( أن أبا هند حَجَمَ النبي  في اليافوخ فقال النبي : « يا بني بياضة – موالي الحجام – أنكحوا أبا هند، وأنكحوا إليه » وقال: « إن كان في شيء مما تداوونَ به خير فالحجامة »( )، وفي رواية: « إنَّ أفضل ما تداويتم به الحجامة »( )، وعند أحمد: « لو كان حراماً لم يعطه » حديث ( 3278 ).
4- عن أنس رضي الله عنهما: أنه سئل عن أجر الحجام؟ فقال: احتجم رسول الله ، حجمه أبو طيبة ... وقال: « إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقُسط البحري » وقال: « لا تعذِّبوا صبيانكم بالغَمْزِ من العذرةِ وعليكم بالقسط »( ).
5- عن أبي رافع عن جَدَّتِهِ سلمى خادم رسول الله  قالت: ما كان أحدٌ يشتكي إلى رسول الله  وجعاً في رأسه إلا قال: « احتجم »، ولا وجعاً في رجليه إلا قال: « اخْضِبْهُما »( ). 
6- وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ( احتجم رسول الله  في الأخدَعين وبين الكتفين )( ).
7- وأخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي  احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم.( )
8- وأخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: احتجم رسول الله  وهو محرم.( )
9- وعن معقل بن سنان الأشجعي قال: مَرَّ عليَّ رسول الله  وأنا أحتجم في ثماني عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، فقال: « أفطر الحاجمُ والمحجوم »( )، وأخرج الترمذي عن رافع بن خديج عن الرسول  قال: « أفطر الحاجم والمحجوم »، قال الإمام الترمذي، وفي الباب عن علي وسعد وشداد بن أوس وثوبان وأسامة بن زيد وعائشة ومعقل بن سنان – ويقال ابن يسار – وأبي هريرة وابن عباسٍ وأبي موسى وبلال وسعد رضي الله عنهم أجمعين، قال أبو عيسى – الإمام الترمذي – وحديث رافع بن خديج حديث حسن صحيح( ).
قال الإمام الترمذي: ( وقد كره قومٌ من أهل العلم من أصحاب النبي  وغيرهم الحجامة للصائم، حتى إنَّ بعض أصحاب النبي احتجم بالليل منهم: أبو موسى الأشعريُّ، وابن عمر، وبهذا يقول ابن المبارك .. وقال عبد الرحمن بن مهدي: من احتجم وهو صائم فعليه القضاء، وهو قول أحمد وإسحاق – أي بن راهويه – ، وقال الشافعي: لو توقى رجلٌ الحجامةَ وهو صائم كان أحبَّ إليَّ، ولو احتجم صائمٌ لم أر ذلك أن يفطره، قال أبو عيسى – أي الترمذي -: هكذا كان قول الشافعي ببغداد، وأما بمصر فمال إلى الرخصة، ولم يرَ بالحجامة للصائم بأساً، واحتج بأن النبي  احتجم( ) في حجة الوداع وهو محرمٌ صائم.( )
وحمل بعض أهل العلم قوله : « أفطر الحاجم والمحجوم » على الكراهة مخافة أن يضعف المحجوم عن متابعة صيامه،وقد يتسبب الحاجم له بهذا، من باب الاحتياط.
قال الترمذي: وقد رخَّص قومٌ من أهل العلم في الحجامة للمحرم، قالوا لا يحلق شعراً. وقال مالك: لا يحتجم المحرم إلا من ضرورةٍ. وقال سفيان الثوري والشافعي:لا بأسَ أن يحتجم المحرم ولا يَنْزِعُ شعراً( ).
فالحجامة لمن يحتاج إليها أمرٌ مشروع، وقد وَجَّه الرسول  إليها لمن يحتاج إليها، فإن احتجم المريض لدى المتخصص، عملاً بنصح الرسول  واستجابة لتوجيهه لا شك أن يؤجر لهذا، ومثاله أن الرسول  كان إذا تكلم تكلم بكلام فصل لو عدَّه العاد لأحصاه، فلو أن المعلم أو الداعية أو العالم تأسى به حباً له  لا شك أنه يؤجر على هذا إن شاء الله، أما الحجامة للحجامة بذاتها لغير محتاج إليها فلا يؤجر عليها إلا إذا فعل هذا مرة في العمر عملاً بما ثبت عنه  كما فعل الإمام أحمد والله تعالى أعلم.
- سؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: أ.د. محمد عجاج الخطيب أدام الله توفيقه لكل خير، أشكر لكم تفضلكم بهذا اللقاء سائلاً الله عز وجل أن يجعله في ميزان حسناتكم وأن يسبل عليكم عافيته وتوفيقه الدائمين أبداً، وآمل التفضل برأيكم حول الآتي:
تعلمون أن الأصل في نقل القرآن الكريم السماع لا الكتابة، مع وجود الكتابة أيضاً، وقد قرأتُ هذا الرأي أيضاً حول السنة أيضاً لبعض الباحثين المصريين، يقول: الأصل في نقل السنة السماع كالقرآن، والتدوين عملية لاحقة على السماع، بل ويقول هذا الباحث: بأنه سواء دونت السنة أم لم تُدوَّن كتابياً فلا تأثير لهذا على السنة النبوية التي تم نقلها عن طريق السماع كابراً عن كابر، وأتى التدوين كعامل مساعد لحفظ ما في السماع، لا أنه الأصل في نقل السنة. انتهى كلامه في كتاب له أسماه ( تاريخ السنة ) ومن بروفته ( تجربة الطباعة ) نقلتُ، وهو مقدم الآن للطبع، فما رأيكم في هذا الرأي بارك الله فيكم ... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، لا شكر على واجب، ولكم مثل ما دعوت لي ولسائر المسلمين أضعافاً مضاعفة، وبعد:
لا شك أن الرسول  كان يتنزل عليه الوحي بالقرآن الكريم، وكان له كتاب للوحي يملي عليهم  ما يتنزل عليه من القرآن الكريم، ثم يعلم الصحابة ما تنزل عليه، يقول أبو عبد الرحمن السلمي رحمه الله تعالى: أخبرنا الذين كانوا يقرؤوننا القرآن الكريم – أي من الصحابة – كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي  عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً، أو كما قال، فواضح جداً أن استحفاظ القرآن الكريم كان جنْباً إلى جنب مع حفظ القرآن الكريم كتابة، وكانت الألواح واللخاف تحفظ في بيت رسول الله ، وكان جبريل عليه السلام يراجع الرسول  بما نزل عليه في رمضان من كل عام، وفي العام الذي انتقل به إلى الرفيق الأعلى راجعه بالقرآن الكريم مرتين، كما كان بعض الصحابة يدون لنفسه ما يسمعه عن الرسول  من القرآن الكريم لمزيد الحفظ والاستيثاق كمصحف عبد الله بن مسعود، ثم كان جمع القرآن الكريم من الجلود واللخف والرقاع التي حفظت في بيت رسول الله ،ومن صدور الرجال الحفاظ زمن أبي بكر  بعد وقعة اليمامة واستشهاد نحو سبعين قارئاً – أي حافظاً للقرآن – من الصحابة، ثم كان نسخ المصاحف على حرف زمن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وعن سائر صحابة رسول الله  مخافة انتقال اختلاف القرّاء في أرجاء العالم الإسلامي في القراءات إلى اختلافهم في القرآن ذاته، بناءً على اقتراح حذيفة بن اليمان على عثمان ، وقد نسخت المصاحف وفق منهج علمي دقيق ووزعت على الآفاق، وأحرق الصحابة مصاحفهم الخاصة خوفاً من الاعتماد عليها – وفيها وجوه متعددة للقراءة – بإجماع الصحابة، فكان في كل إقليم مصحف ( إمام ) يرجع إليه الحفاظ والقراء، فالواقع أن القرآن الكريم نقل حفظاً كما نقل في المصاحف، وقد تعاضد الحفظ في الصدور مع التدوين في المصاحف جنباً إلى جنب إلى يومنا هذا، ولا تنافي بين الأمرين قط، وهذا فضل من رب العالمين مصداقاً لقوله جل وعلا:  إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون  [ الحجر: 9 ]. 
- والسنة أو الحديث النبوي الشريف كما تعلمون فيه أقوال رسول الله  وأفعاله وتقريراته.
وكان  بعد صلاة الغداة كما يروي لنا أنس بن مالك  يتحلق حوله الصحابة الكرام فيعلمهم  القرآن والسنن – الحديث – والفرائض، فيحفظون ما يسمعون، وكانوا يتذاكرون دائماً ما يسمعون من رسول الله . قال أنس : ( كنا نكون عند النبي  فنسمع منه الحديث، فإذا قمنا تذاكرناه فيما بيننا حتى نحفظه )( ). وكان بعضهم يكتب الحديث بين يدي رسول الله  ويحفظ ما يكتب عنده، بعضهم كان يحفظه في صندوق له حلق ... كما أسلفنا في جواب سابق.
وأما السنة العملية والتقريرية وهي كثيرة جداً فكانوا يرون أفعال الرسول  ويتأسون به، عملاً بقوله : « صلوا كما رأيتموني أصلي »( )، وقوله: « خذوا عني مناسككم »( ).
ومعلوم أن التربية بالقدوة والتأسي بالمعلم لها الأثر البعيد في حسن التلقي، وتثبيت المأخوذ عنه في النفس والسلوك لأن الموضوع في الجانب العملي التطبيقي، وقد أمرنا الله عز وجل بالتأسي برسوله الكريم  في قوله:  لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً  [ الأحزاب: 21 ]
فقد حفظت السنة في صدور أكثر الصحابة، كما حفظ كثير منها في مدونات الصحابة كما أسلفت في الإجابة عن السؤال الأسبق، هذا إلى جانب حفظها في صدورهم.
وأظن أن صاحب كتاب ( تاريخ السنة ) – الذي لا يزال تحت الطبع – يريد التأكيد على أن السنة حفظت في صدور الحفاظ، حفظاً جيداً، حتى إنه لو لم تدون لا يخشى عليها، لمزيد ثقته بجودة الحفظ، وما بينته – إن شاء الله تعالى – يزيل اللبس.
ولا بد من الإشارة إلى أن تدوين السنة بشكل فردي كان قديماً منذ عهد الرسول ، وكذلك تصنيف الأحاديث في أبواب كان أواخر القرن الهجري الأول، وأن طلائع التصنيف في الحديث على الأبواب كان منذ مطلع القرن الهجري الثاني، ثم تتالت المصنفات الحديثية منذ مطلع القرن الهجري الثاني بدلالة ظهور مسند زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( -122هـ ) وتتالت المصنفات بعده وفق مناهج متعددة ( انظر السنة قبل التدوين ص 337- 340 ) ( المصنفون الأوائل في الحديث ) وص357 وما بعدها منه.
- سؤال: أستاذنا الحبيب الدكتور محمد عجاج الخطيب:
كثيراً ما نجد بعض المسلمين حين يتناولون السنة خاصة ما يتعلق بجانب العقائد أو بعض الأمور العملية، يبدون اعتراضاً كبيراً ويحتجون بكون ما جاء في هذه الأحاديث هو مخالف للعقل، ومخالف حتى للكتاب، ولكم في ذلك المسيح الدجال وكيفية خروجه، وما يكون منه، وكثير من ذلك من الأمور التي يقولون إنها لا تقبلُ عقلاً، وبالتالي فالسنة لا يمكن أن تكون مصدراً للعقائد وحتى للأحكام، نستطيع أن نردَّ عليهم فيما يتعلق بجانب الأحكام، لكن الذي يعجزنا هو كيفية إثبات كونها مصدراً للعقائد أيضاً.
وتقبلوا أستاذنا الكريم عظيم عرفاننا وامتناننا، وإقرارنا بفضلكم وسبقكم.
الجواب: كل ما يتعلق بالعقيدة: الإيمان بالله عز وجل وملائكته وكتبه ورسله، وما وراء هذا من الموضوعات التي يقوم بدراستها علم العقيدة الإسلامية:
1- الإلهيات
2- النبوات
3- السمعيات: وهي المسائل العقدية التي يجب الإيمان بها والتصديق بوقوعها، مع أن دليلها السماع فقط من القرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة الصحيحة، والإجماع، هي أمور لا تثبت بالدليل العقلي، ودليلها النصوص الشرعية الواردة في القرآن الكريم أو السنة النبوية الصحيحة، لأن أغلب مسائل السمعيات أمور غيبية لا يمكن إثباتها بالعقل الإنساني المجرد، ولا بالإحساس والمشاهدة، كالإيمان بالملائكة والجن، وأحوال يوم القيامة: البعث والحساب والثواب للمحسن والعقاب للمسيء والجنة والنار مما ورد في القرآن الكريم فيجب الإيمان بها ... ومع هذا فإن الإيمان بالحياة الآخرة ... يثبته العقل الصريح البعيد عن الميول والأهواء، فإن الله عز وجل موصوف بالعدل، ولا يظلم ربك أحداً، وخلق الله سبحانه وتعالى العباد وكلفهم بأوامر ونهاهم عن منهيات، والمكلفون منهم من أطاع الله عز وجل وعمل بما أمره واجتنب ما نهاه عنه، ومنهم من عصى الله عز وجل ... فليس من العدالة أن يسوي الله تعالى بين المطيعين والعصاة فسيجازي الله عز وجل كل فرد على عمله ... وما دام العبد مؤمناً بالله عز وجل فيسلم بهذا ويؤمن به، وأما الملاحدة فلا شأن لنا بهم لإتباعهم أهواءهم وشهواتهم، وحجبوا عقولهم عن الحق لعروض دنيوية يسعون إليها ... وما أبلغ قول الله تعالى:  أفرأيت من اتخذ إلهه هواه، وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه، وجعل على بصره غشاوة، فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون  [ الجاثية:23 ] فكل أمور العقيدة وردت في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، أما ما يرد في السنة من بيان أو شرح فحكمه حكم غيره من أمور الدين.
وإذا شدد الجمهور على أنه لا يثبت في أمور العقيدة إلا ما جاء به القرآن الكريم والسنة المتواترة، لأن الأمر يدور بين الإيمان والكفر، وفي هذا من الاحتياط ما لا يخفى، وكل الخوض في هذا لا يجدي نفعاً، لأن الجدل فيه عقيم، وما دامت أموراً غيبية فالبيان من الله تعالى ورسوله . 
وموضوع المسيح الدجال وخروجه لا يخالف القرآن الكريم، وما كان من أخبار غيبية لا مدخل للعقل فيها، ومع هذا في أخباره تحذير من الوقوع في الفتن وعدم الانسياق وراء الكفار والمنافقين، وترغيب بالاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله والتزام الجماعة، وبشارة بتغلب الأمة عليه وانتصار الحق على الباطل، وقد ورد خبره في أخبار آحاد صحيحة.
- سؤال: أرجو إلقاء الضوء على ثالوث ( المستشـرقون – منكرو السنة – الطابور الخامس ) وجزاكم الله خيراً.
الجواب: في المستشرقين معتدلون وغير معتدلين، ومع كل هذا فنظرتهم إلى حضارتنا ومعتقداتنا من خلال عقائدهم إلا من رحم الله وهم قلة، وقد مهد كثير منهم في بحوثه لبسط نفوذ أبناء جلدتهم على خيرات المسلمين، وأما منكرو السنة من غير المسلمين فهذا المتوقع منهم، ومن المسلمين هم إمَّعات لا وزن لهم يغلب عليهم الجهل، وكثير منهم باع دنياه بدينه، وناظمنا في هذا الموضوع حديث رسول الله : « من كانت الآخرة نيته جعل الله تعالى غناه في قلبه، وجمع عليه شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيـا إلا ما كتب الله له » ( أخرجه أحمد والترمذي عن زيد بن ثابت ) .. وأما الطابور الخامس فملحق بالعوام من منكري السنة ممن لم يكتب له الوعي العلمي، ممن تتأرجح بهم الأهواء الشخصية والعروض الدنيوية. وعلينا توعية الأمة بمكانة السنة، ودورها في بناء الشخصية الإسلامية المتوازنة، ومن أنجع السبل لهذا الدعوة إلى الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة، ودلالات رجال الدعاة الواعين أقوى بكثير من مقالاتهم، نسأله سبحانه وتعالى السداد والرشاد، وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة.
سؤال: هل حقاً شربَ الرسول ‏‏ الخمر في المسجد؟ هناك حديث يسوقه كل ‏من هب ودبَّ يدل على أنَّ الرسول ‏‏ أمر عائشة رضي الله عنها بمناولته الخمر وهو في ‏المسجد... أيضاً رجاء رجاء الرد على الاستفسـار الذي قدَّمه أحد الأخوة حـول ‏الرحمة ... والسلام عليكم.‏
الجواب: أخي الفاضل ثق بالله عز وجل أنه لا يوجد أي خبر أو أثر حول أمر ‏رسول الله ‏‏ السيدة عائشة بمناولته الخمر وهو في المسجد، والصواب أن بعضهم لا يفهم ‏ما يقرأ – إذا قرأ – أو لا يدرك ما يقال إذا سمع، فالمصيبة في فهم السامع، أو القارئ.‏ فالخمرة الواردة في الحديث تعني سجادة الصلاة وليس الخمروهذا واضح من نص الحديث :
107493 - أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أناوله الخمرة من المسجد . فقلت : إني حائض . فقال " تناوليها . فإن الحيضة ليست في يدك " . 
الراوي: عائشة - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: مسلم - المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 298 

ويؤيد ذلك أحاديث أخرى مثل :
155613 - جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخمرة التي كان قاعدا عليها فأحرقت منها مثل موضع الدرهم فقال إذا نمتم فأطفئوا سرجكم فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فتحرقكم 
الراوي: عبدالله بن عباس - خلاصة الدرجة: سكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح] - المحدث: أبو داود - المصدر: سنن أبي داود - الصفحة أو الرقم: 5247 

111711 - كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على الخمرة . 
الراوي: ميمونة بنت الحارث - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 381 

لم يشرب نبي الله  الخمر . نحن اليوم في رمضان ننقع ( النقوع ) أي المشمش الجاف في ‏الماء، أو القمر دين ونجعله شراباً نتناوله عند الإفطار مساءً أو على السحور، وهذا منتشر ‏في كل أنحاء العالم الإسلامي، ومنهم من ينقع الزبيب، أو التمر وغير هذا، وما نسميه ‏اليوم ( نقوعاً ) كانوا يسمونه نبيذاً، فعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ( كنا ننبـذ ‏‏– أي ننقع – لرسول الله ‏‏ في سقاءٍ غدوةً فيشربُهُ عشيةً، وعشيةً فيشربه غدوةً، فإن ‏فضل مما يشربُ عن عشائه مما نبذناه بكرةً سقاه أحداً، ثم ننبذ له بالليل، فإذا تغدى شربه ‏على غدائه، وكنا نغسل السقاءَ كل غدوةٍ وعشيةٍ مرتين في اليوم )(‏ ‏).‏
وعن السيدة عائشة قالت: ( كنتُ آخذُ قبضةً من تمرٍ، وقبضةً من زبيب فألقيه في ‏إناء ( فأمر به )، ثم أسقيه النبي ‏‏ )(‏ ‏).‏
فما رأيك أيها الأخ الفاضل فيمن فهم أن الرسول ‏‏ ‏أمر السيدة عائشة رضي الله عنها بمناولته الخمر وهو في ‏المسجد؟؟ أليس في سوء فهمه ونقله إساءةٌ للرسول ‏‏ ‏وللإسلام!!؟
ومع هذا أسوق لكم ما قاله الإمام النووي رحمه الله تعالى: ( حديث ابن عبـاس: ‏‏« كان رسول الله ‏‏ ينتبذ له أول الليل، فيشربه إذا أصبح يومه ذلك، والليلة التي تجيء ‏والغد والليلة الأخرى والغد إلى العصر، فإن بقي شيء سقاه الخادمَ أو أمر به فَصُبَّ » ‏والأحاديث الباقية بمعناه. في هذه الأحاديث دلالة على جواز الإنتباذ، وجواز شرب النبيذ ‏ما دام حلواً لم يتغيّر، ولَمْ يَغْلِ، وهذا جائز بإجماع الأمة، وأما سقيه الخادم بعد الثلاث ‏وصبِّه: فإنه لا يؤمن بعد الثلاث تغيرُه، وكان النبي ‏‏ يتنزه عنه بعـد الثلاث، وقولـه: ‏‏( سقاه الخادم أو صبه ) معناه: تارةً يسقيه الخادم، وتارةً يصبه، وذلك الاختلاف ‏لاختلاف حال النبيذ، فإن كان لم يظهر فيه تغيرٌ ونحوه من مبادئ الإسكار سقاه الخادم ‏ولا يريقه، لأنه مال تحرم إضاعته، ويترك شربه تنزهاً، وإن كان ظهر فيه شيء من مبادئ ‏الإسكار والتغيير أراقه، لأنه إذا أسكر صار حراماً ونجساً فيراق ولا يسقيه الخادم لأن ‏المسكر لا يجوز سقيه الخادم كما لا يجوز شربه ... ) صحيح مسلم بشرح النووي ‏‏4/2073 بتحقيق د. مصطفى ديب البغا ط1 سنة 1418هـ / 1997م دمشق.‏

- وقد سبق الرد على الاستفسار الذي قدمه أحد الأخوة حول الرحمة في الجواب عن السؤال الثالث ص15 وما بعدها، وفقك الله تعالى ووفقنا إلى كل خير.
- سؤال: كيف نطمئن إلى أن الله تكفل بحفظ السنة؟ وهل الصحاح هي ما حفظ السنة؟ وإن كان الله عز وجل لم يتكفل بحفظ السنة فهل يحاسبنا الله على شيء لم يتكفل بحفظه؟ 
شكراً لإتاحة الفرصة للتساؤلات.
الجواب
1- قال الله عز وجل:  إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون  [ الحجر: 9 ]
2- وقال سبحانه وتعالى:  وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناسِ ما نُزل إليهم ولعلهم يتفكرون  [ النحل: 44 ]
3- وقال عز من قائل:  من يُطِعِ الرسولَ فقد أطاعَ الله  [ النساء: 80 ]، وقال:  يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر  [ النساء: 59 ].
4- وقال عز وجل:  ومـا آتاكم الرسـول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهـوا  [ الحشر: 7 ].
نص سبحانه وتعالى على أنه يحفظ القرآن الكريم فلا يرفع من صدور الحفاظ ومن المصاحف، ولا يعتريه أي تغيير أو تبديل، كما بين سبحانه أنه أنزل القرآن الكريم على الرسول  ليبين للناس ما أنزل الله تعالى ليتعبدوا الله تعالى به، وهذا البيان إنما هو السنة أو الحديث الشريف، كما يأمرنا ربنا سبحانه بطاعة الرسول  بما ورد في القرآن الكريم وفي بيانه له، وما بينه الرسول  مما ليس في القرآن الكريم، والسنة وحي غير متلو، وما كان باجتهاد من الرسول  فإن الله عز وجل لا يقر الرسول  على خطأ.
من هنا نؤكد أن كل ما ثبت عن الرسول  من المتواتر والصحيح والحسن محفوظ بحفظ الله عز وجل، بما هيأ له من حفاظ وأئمة أثبات، وبما هيأ للأمة من مصنفين جمعوا الحديث النبوي في مؤلفات الحديث المتنوعة.
فاطمئن يا أخي أن كل ما صح عن الرسول  والحسن محفوظ بحفظ الله تعالى، لأنه بيان لما أنزل الله سبحانه الذي تكفل بحفظه، لذلك لم يبقَ أي مبرر للجانب الثاني من السؤال.
وأما سؤالك عن الصحاح وأنها هي حفظ السنة: قبل التصنيف كانت السنة محفوظة في صدور الأئمة الحفاظ الأثبات من عهد الصحابة والتابعين وأتباعهم وأهل العلم بعدهم الذين انتشروا في مشارق الدنيا ومغاربها، فقبل التدوين والتصنيف كانت السنة محفوظة في صدورهم، وبعد التصنيف حفظت في المصنفات إلى جانب حفظها في الصدور، وكل ما ثبتت صحته عن الرسول  في كتب الحديث والتفسير يشمله حفظ الله تعالى له، بحفظه القرآن الكريم.
- سؤال: ما قول فضيلتكم في خبر الآحاد وفيمن ينكره؟ بارك الله فيكم.
الجواب: خبر الآحاد كل خبر لم تتوفر فيه شروط التواتر والشهرة، فيتناول المتواتر إذا اختل شرط التواتر في أي طبقة منه، واختل شرط الشهرة فيه، وهو المشهور إذا لم تتوفر فيه شروط الشهرة، ولا يعني أن خبر الآحاد ما يرويه راوٍ عن آخر من أوله إلى نهايته، من غير شذوذ ولا علة، وعرف العلماء الصحيح بأنه: ما اتصل سنده بالعدل الضابط من أوله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة، وهو يفيد الظن ويوجب العمل ويفسق جاحده، فإذا أنكر أحدهم حديثاً صح عن الرسول ، فكأنه يكذب نقلته العدول الضابطين، وفي هذا ينطبق قول الرسول : « سباب المسلم فسوق، وقتاله كفـر » وهل هناك أسوأ سبٍ من تكذيب الصادق العدل الضابط!!؟
- سؤال: أشكر السائل الفاضل على ترحيبه بي في هذا الملتقى، وعلى حسن ظنه بي في الدفاع عن السنة المشرفة، أسأله عز وجل أن أكون عند حسن ظن العلماء المخلصين، وأن نكون جميعاً في خدمة هذا الدين الحنيف، الذي هو شرف وعز لنا مصداقاً لقوله عز وجل:  وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون  [ الزخرف: 44 ].
ولي سؤال يمكن أن نعتبره تأريخاً للحرب الدائرة بين الإسلام وأعدائه:
من وجهة نظركم ماذا ترون في تاريخ هذه الحرب من حيث:
1- النقاط التي انتصر فيها المسلمون بأبحاثهم وردودهم العلمية على أعدائهم بشبهاتهم وتخرصاتهم؟
2- وما هي النقاط التي لا زال الزمام فيها بأيدي شبهات الأعداء وهي بحاجة لمزيد من البحث الجاد والنشط لإعادة الأمر إلى مساره الصحيح؟ سواء كان ذلك في مجال القرآن أو السنة النبوية؟
3- وما موضع قضية التدوين للقرآن والسنة اليوم في هذه الحرب؟ وهل تغير موضعها عن وقتها حينما ألفتم كتابكم الفذ ( السنة قبل التدوين )؟
4- ولي سؤال ثانٍ إن سمحتم لي: هل ترون مرحلة ادعاء الأعداء لتحريف النصوص قد انتهت، وبدأت مرحلة تحريفهم لمعاني النصوص؟ بمعنى هل ترون أن مرحلة التشكيك في وصول السنة وحفظها قد انتهت بالنسبة للمستشرقين ومنكري السنة وغيرهم وبدأت مرحلة أخرى لهم تهتم الآن بتحريف معاني النصوص ومحاولة تشكيك الناس في تناقض معاني الأحاديث فيما بينها، أو فيما بينها وبين القرآن الكريم؟
5- وبماذا يمكن أن نسمي هذه المرحلة إن وافقتم عليها ورأيتم صحتها؟ فهل هي مرحلة تغير جذري في مناهج أعداء الإسلام؟ أم حصل هذا بناءً على ردود الباحثين المسلمين على الشبهات السابقة؟
الجواب:
1- الحوار العلمي الهادف إلى الحقيقة لا خلاف في أنه السبيل الوحيد للوصول إلى الحق، ولكن الجدل القائم على الميول والأهواء ووضع النتائج قبل المقدمات، والغايات تبرر الوسائل لا محل لكل هذا في بناء الحضارة والوقوف على الحق، فالمغرضون من الباحثين في حرب مع الحق، والتضاد بين الحق والباطل قائم منذ زمن بعيد، كما هو التضاد بين الخير والشر، والواقع أن العلماء والباحثين المسلمين في القرنين الأخيرين قدموا بحوثاً قيمة، وحققوا كتباً لها مكانتها في الذب عن القرآن الكريم والسنة بطريق مباشر وغير مباشر، هذا إلى جانب مقالات علمية ممتازة نشرت في المجلات العامة والمحكمة كمجلة ( دعوة الحق ) التي تصدر في المغرب، و ( منار الإسلام ) في الإمارات، ومجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت، ومجلة ( الرسالة ) و ( الفتح ) و ( الأزهر ) ومجلات جامعات الأزهر الكثيرة في أنحاء مصر، ومجلات الجامعات والكليات الإسلامية في الأردن وفي الهند، كل هذه أسهمت إسهاماً ممتازاً في دحض الشبهات والافتراءات، فالخصم في ساحة المعركة يهمه الغلبة فلا يتقيد باستعمال سلاح دون غيره كل ما يراه مناسباً للوصول إلى غايته يمتطي ظهره – إن صح التعبير – ليصل إلى بغيته، وإذا اتضح في العقدين الأخيرين الصراع الحضاري – لا التواصل الحضاري - ندرك أن موضوع المراحل التي وردت في الأسئلة نظرية.
2- ليس في أيدي الخصوم نقاط من الشبهات إنما يتلمسون الشبهات ويبحثون عنها ويصنعون بعضها من حيث ثبوت النصوص، أو التعارض بينها – أو كيفية فهمها – اصطناعاً وليس لهم حول القرآن ما يدعونه – في أيامنا هذه – فتوجهوا نحو السنة المشرفة بإثارة بعض الشبهات حولها.
ولا بد من أن أشير إلى ظهور محاور جديدة في ميدان البحث العلمي لدى علماء المسلمين هي غرة في جبين الحضارة العلمية الإسلامية المعاصرة منها: التفسير الموضوعي، والإعجاز العلمي والبياني وغيرها في القرآن الكريم، وقررت مواد التفسير الموضوعي وأنواع الإعجاز القرآني في كثير من الجامعات والكليات والمعاهد الإسلامية، كما اعتمد مقرر ( الحديث الموضوعي ) في كثير من الجامعات وإلى جانبه الإعجاز العلمي في السنة، وهذه مبشرات ممتازة تفند كثيراً من شبهات الخصوم.
3- وقد انتهت إثارة الشبهات حول التدوين للقرآن والسنة، ولله الحمد.
4- إن محاولة التشكيك في ما ورد من نصوص حديثية يعارض بعضها بعضاً أو تعارض ما جاء في القرآن، إنما هي نتيجة لسوء فهم الباحث تلك النصوص، وقد تكفل الإمام أبو محمد عبد الله بن مسـلم بن قتيبة الدنيـوري ( 213 – 276هـ ) في كتابه ( تأويل مشكل القرآن ) ببيان هذا، كما وفى القاضي عبد الجبار بن أحمد ( -415هـ ) في كتابه ( متشابه القرآن ) جوانب أخرى، ووفق ابن قتيبة في كتابه ( تأويل مختلف الحديث ) في الرد على كثير مما أثاره الخصوم من الشبهات، كما وفق الإمام المحدث أبو بكر محمد بن الحسن ( ابن فورك ) الأنصـاري الأصبهـاني ( - 406هـ ) في كتابـه ( مشكل الحديث وبيانه ) في إزالة إشكال ما قد يفهم من ظاهر الحديث أو التعارض بين الأحاديث، بما يلقي إضاءات جيدة أمام الباحثين.
5- يمكن أن تطلق على هذه المرحلة ما اخترته من ( تغير جذري في مناهج الخصوم ) وإن كنت أرى أن هذا التغير ليس في المنهج بل في الأسلوب نتيجة لردود الباحثين المسلمين على الشبهات السابقة.
أسأل الله عز وجل التوفيق والسداد لكم ولنا ولسائر العاملين على خدمة الإسلام والمسلمين في الميادين العلمية والعملية المتنوعة.
- سؤال: السلام عليكم و رحمة الله وبركاته ... جزاكم الله خيراً ... الحمد لله أنا مؤمن بكتاب الله وسنة نبيه تماماً إلا أنه في الآونة الأخيرة بدأت تؤرقني بعض الأفكار المرهقة عن السنة وصحيحها ... أردتُ أن أعلمَ إذا كان البخاري ومسلم صحيحين لا يشوبهما خطأ ... إذاً لماذا نجد الأحاديث تتعدد رواياتها وألفاظها؟ أي لو وجدت حديثاً واحداً بروايات مختلفة ... فبالتأكيد أحدهما صحيح والباقي لم يذكر حقاً ... وهذا يعني وجود بعض المغالطات في كتب السنة ..؟ بالله عليكم أنيروني فقد أرهقني الأمر كثيراً ...
الجواب:
إن اختلاف الروايات في الموضوع يعود لعدة أسباب:
1- تعدد مجالس الرسول  فقد يذكر حديثاً طويلاً في مجلس، ثم يذكر بعضه لمناسبة السؤال أو نحوه.
2- يجيب السائلين على حسب أحوالهم وأسئلتهم، مثلاً: أخرج البخاري في باب ( أي الإسلام أفضل ) عن أبي موسى الأشعري  قال: قالوا: ( يا رسول الله أيُّ الإسلامِ أفضل؟ ) قال: « من سلم المسلمون من لسانه ويده »( ).
وفي باب ( إطعام الطعام من الإسلام ) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أنَّ رجلاً سألَ النبي  أي الإسلام خيرٌ؟ قال: « تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت وما لم تعرف »( ).
وأخرج البخاري في باب ( فضل الصلاة لوقتها ) عن عبد الله بن مسعود  قال: سألت النبي : أي العمل أحب إلى الله؟ قال: « الصلاة على وقتها » قال: ثم أيُّ؟ قال: « بِرُّ الوالدين » قال: ثمَّ أي؟ قال: « الجهاد في سبيل الله » قال: حدثني بهن ولو استزدته لزادني.( )
3- وقد يختصر الراوي الحديث في موطن ويذكره بطوله في موطن آخر، كحديث ضمام بن ثعلبة وإسلامه بعد سؤال الرسول  أسئلة عدة وإجابته عنها، وروايات مالك بن الحويرث، وغيرهما( ).
4- مخاطبة الرسول  الناس بلغتهم ولهجاتهم، من هذا ما رواه الخطيب البغدادي بسنده عن عاصم الأشعري قال: سمعتُ رسول الله  يقول: « ليس من امبرِ امصيامُ في امسَفر » أراد « ليس من البر الصيام في السفر »( ) وهذه لغة الأشعريين يقلبون اللام ميماً( ).
فهل ننكر أحد الحديثين وهما صحيحان، ولمجرد معرفة سبب الرواية الأولى ندرك روعة الرسول  في تربية أصحابه بل الأمة جميعها.
وهناك أسباب أخرى لتعدد الروايات، واختلاف ألفاظها، ولكن المعنى واحد.
لكل هذا تلقِّي القرآن الكريم عن الحفاظ هو السبيل الوحيد لحسن حفظه وإتقانه، وتلقِّي الحديث عن العلماء المخلصين يجنبنا الوقوع في الشك كما يجنبنا الزلل في الفهم والتطبيق.
وقد اشتهر قول السلف: ( لا تقرأ القرآن عن المُصحفيين، ولا تأخذ العلم عن الصُحفيين ) أي لا تتعلم القرآن الكريم على من أخذه من المصحف من غير أن يسمع القراء الحفاظ، وكذلك لا تأخذ العلم وتتلقاه ممن حصله من الكتب، من غير أن يتلقاه عن العلماء، مخافة سوء الفهم والتصحيف وغيره، وإذا اضطر أحدنا إلى حديث ولم يدرك معناه فعليه أن يسأل العلماء أهل التخصص، وإن لم يتح له هذا فليراجع بدقة شروح الحديث التي أسلفت كثيراً منها في الصفحات الأولى من هذا اللقاء.
فيا عزيزي دع عنك وساوس الشيطان الذي يريد أن يُلَبِّسَ عليك أمر دينك، ويسعد لتشكيك فيما ظاهره التعارض من الروايات، وسدد الله تعالى خطاك وخطا جميع المسلمين، وثبتنا بالقول الثابت في الدنيا والآخرة.
- سؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولاً: جزى الله إدارة المنتدى والدكتور الفاضل عنا كل خير إن شاء الله تعالى.
الدكتور الفاضل: ما لدي من معلومات هو أن تدوين السنة النبوية الشريفة لم يكن في عهد الرسول  ولا حتى بعده، بل بدأ بعد فترةٍ طويلة من وفاته، لا أدري هي مائة سنةٍ تزيدُ أو تنقص، هذا الفراغ يثير كثيراً من الشكوك حول مصداقية كثير من الأحاديث التي وصلتنا، كذلك العلوم القائمة عليه مثل علم مصطلح الحديث وعلم الجرح والتعديل بدأت في عهد التدوين أيضاً، هي خاضعة لأحكام الفراغ الزمني هذا، فما هي الأدلة التي لدينا عن مدى صدق كثير من الأحاديث؟
ثانياً: يقال فيما يقال: أن بعض الخلفاء في الدولة الإسلامية كانوا يدفعون لأناس معينين حتى يقوموا بتأليف أحاديث تخدم أهدافاً معينة ومآرب خاصة بهم، فما نسبية الصحة في هذه الأخبار؟
ثالثاً: هل يكفر من لا يتقيد بالسنة مع عدم إنكاره لها؟ لا أدري كيف أصوغ السؤال بأسلوب صحيح، لكن أرجو أن تفهموا قصدي، جزاكم الله خيراً.
الجواب:
أولاً- ما جاء في السؤال الأول، أقول: ما لديكم من معلومات تسرب إلى المسلمين عن طريق كتابات بعض المستشرقين مثل جولدتسيهر وغيره، ودوائر المعارف الإسلامية الأجنبية، وما كتبه بعض الباحثين الغربيين في تاريخ الدين الإسلامي، وقد فندت هذه الدعوى في الفصل الثالث من كتابي ( السنة قبل التدوين ) أسوق إليكم بعض ما جاء فيه بعد الإجابة عن قولكم ( كذلك العلوم القائمة عليه مثل علم مصطلح الحديث ... )
علم مصطلح الحديث، وعلم الجرح والتعديل، وغريب الحديث وغيرها نشأت مع نشأة الرواية في الإسلام أي منذ عهد الرسول ، وتنامت في عصر الرواية – القرون الثلاثة الأولى – واكتملت أصولها وثوابتها، وقد بسطت القول في هذا في نصف رسالة الدكتوراه ( نشأة علوم الحديث ومصطلحه مع تحقيق كتاب المحدث الفاصل بين الراوي والواعي للقاضي الرامهرمزي ) في المجلد الأول في نحو ( 550 ) صفحة محفوظة نسخة منها في مكتبة جامعة دمشق منذ عام ( 1966م ) ونسخة أخرى في المكتبة الظاهرية منذ ذلك التاريخ، ونقلت إلى مكتبة الأسد، ومع هذا إليكم موجز في هذا الموضوع من كتابي ( أصول الحديث ) في آخر الإجابة عن سؤالك المتضمن ثلاثة أسئلة طويلة هامة ( انظر ص من هذا اللقاء ).
ثانياً: ما ذكرته ( يقال أن بعض الخلفاء ... ) من سؤالك تدرك أن المقولة ضعيفة جداً جداً بل مكذوبة، وحسبنا هنا ما انتهينا إليه بأنه لم ينقل أحد يعتد به أن أحداً من رجال الحديث أو غيرهم تقرب من خلفاء بني أمية بوضع ما يرضي ميولهم من الحديث( )، وطبيعي أن يتقرب بعض المرائين إلى الطبقة الحاكمة في بعض العصور بوضع ما يرضيهم من الحديث، وقد حدث هذا في عهد العباسيين فقد أسند أبو عبد الله الحاكم عن هارون بن أبي عبيد عن أبيه قال: ( قال لي المهدي: ألا ترى ما يقول لي مقاتل؟ قال: إن شئت وضعت لك أحاديث في العباس، قلت: لا حاجة لي فيها )( ).
وقد كذب غياث بن إبراهيم للمهدي في حديث: « لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر » فزاد فيه ( أو جناح ) حين رآه يلعب بالحمام فتركها المهدي بعد ذلك وأمر بذبحها بعد أن أعطاه عشرة آلاف درهم، وقال فيه بعد أن ولى: ( أشهد على قفاك أنه قفا كذاب على رسول الله  )( ). وفي رأينا أن إنكار المهدي عليه لا يكفي، بل كان عليه ألا يعطيه عشرة آلاف درهم من أموال المسلمين، لكذبه على الرسول الكريم، وأن يمنعه من هذا ويزجره ويحبسه إذا لم يشأ أن يضرب عنقه لكذبه وافترائه.
ثالثاً: هل يكفر من لا يتقيد بالسنة، مع عدم إنكاره لها؟ يجب أن نفرق بين أمرين:
الأول: ما ثبت متواتراَ عن الرسول  وما هو بحكم التواتر كخبر الآحاد الذي يرافقه الإجماع، ومثال هذا: حديث الرسول  المتواتر « من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار » فمن استحل الكذب على رسول الله  ووضع حديثاً، أو تقول عليه ما لم يقل فهو كافر ما لم يعلن توبته ويعود إلى رشده.
ومثال آخر: قول الرسول : « لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتهـا » ( أخرجه الشيخان )، وقد أجمعت الأمة على هذا، وكذلك أجمعت الأمة على وجوب إحداد المرأة المتوفى عنها زوجها، لما جاء في الحديث عن أم عطية نُسَيبة رضي الله عنها أن رسول الله  قال: « لا تُحِدُّ امرأةٌ على ميتٍ فوقَ ثلاثٍ إلا على زوجٍ أربعةَ أشهرٍ وعشرا ... » ( أخرجه الشيخان )، فمن ينكر الإحداد مع العدة لا شك أنه على هاوية ومهلكة، وإن كان لا ينكر السنة، لأنه يرد حكماً له حكم التواتر.
الثاني: أما ما ثبت بخبر الآحاد الصحيح الذي يوجب العلم والعمل فلا شك في أنه يفسق وقد سبق بيان هذا.
ولا بد من كلمة حق إذا كنا نحب الرسول  أليس من الواجب أن نتبعه ونتأسى به في سننه، في الأذكار والعبادات والآداب ... إن التفريط في ترك السنن يفضي إلى التفريط والتراخي في أداء الفروض والواجبات، وأداء السنن حباً بالرسول  يفيدنا يوم القيامة فيجبر ما قد وقع من تقصير في أداء الواجبات.
وأضيف إلى كل هذا أن من عادة المحبين الصادقين أن يحرصوا على تنفيذ ما يحبه محبوبوهم – مما لا معصية فيه لله – وهم بشر سواءً أكان المحبوب من الوالدين أو الأولاد أو الأصدقاء ... ( وإن الحبيب للحبيب مطيع ) إن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان أشد الناس تحرياً لسنن الرسول  في الطاعات ( العبادات ) وفي العادات، حتى إنه كان ذات مرة في سفر فمر بمكان فحاد عنه، فسئل: لم فعلت؟ فقال: رأيت رسول الله  فعل هذا ففعلت( ). وكان يأتي شجرة بين مكة والمدينة فيقيل تحتها، ويخبر أن النبي  كان يفعل ذلك( ).
فما رأيكم أيها الأعزاء ونحن المحبون للحبيب محمد  ونأمل شفاعته يوم لا ينفع مال ولا بنون، هل من المعقول أن يفكر أحدنا في أن يدع سنن المصطفى  في العبادات والسلوك والآداب والأخلاق .. وخطاب المولى الكريم  لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً  -ملء مسامعنا وقلوبنا ونصب أعيننا!! والله ما يخطر مثل هذا في خاطر المحبين ...
- سؤال: هل يكفر من لا يتقيد بالسنة مع عدم إنكاره لها؟
الجواب عن السؤال السابق جواب لهذا السؤال.
- ماذا لو كان منكراً لها أو بعضها، هل لا زال مسلماً وقتئذٍ؟
نرجو من سيادتكم بيان وجه ارتباط إنكار منكري السنة أو بعضها بالعقيدة.
الجواب: منكر السنة جملة معتقداً لا شك أنه ينكر المصدر التشريعي الثاني الثابت في القرآن والسنة والإجماع، فإنه يكفر بهذا الإنكار، أما عدم إنكارها جملة وعدم العمل بخبر الآحاد الصحيح الذي يوجب العلم والعمل فإنه يفسق به.
سبق أن بينت أن ما من أمر عقيدي إلا ثابت بالقرآن الكريم، أو بالسنة المتواترة.
وأما بيان بعض فروع لها صلة بالعقيدة وليست أصولاً فيها، فحكمه حكم ما بينته في المتواتر من السنة، وما هو في حكم المتواتر، وما جاء في خبر الآحاد.









- سؤال: ما رأيكم في تصحيح المعاصرين؟ وهل في البخاري أحاديث ضعيفة من الأصول؟ 
الجواب: 
1- أجمع العلماء الأئمة من أهل الحديث على أن كل ما في صحيح البخاري من المسند المتصل المرفوع صحيح، وقد تلقته الأمة بالقبول، وإذا عرض بعضهم لذكر بعض الأحاديث التي لم تتوفر فيها شروط الإمام البخاري في صحيحه فقد رد عليها شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني في كتابه ( هدي الساري ) الذي جعله مقدمة لشرح صحيح البخاري ( فتح الباري ).
2- إن بعض الباحثين يتعالم ويقول في بعض الأحاديث التي أخرجها البخاري والحديث صحيح في هذا ما يشعر بأن في صحيح البخاري أحاديث غير صحيحة وهذا مغاير للصواب.
3- تصحيح المعاصرين متفاوت بين متساهل ومتشدد ، والحكم على التصحيح أو التضعيف بشكل عام أمر لا يتفق مع المنهج العلمي ، والأصل دراسة ما يصحح أو يضعف دراسة موضوعية علمية، وأحيل المشاركين إلى موضوع ( مسألة التصحيح والتحسين في الأعصار المتأخرة ) للدكتور عبد الرزاق بن خليفة الشايجي نشر في مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت السنة الثالثة عشرة العدد الخامس والثلاثون.
وخلاصة القول في هذا أن تصحيح الأحاديث وتحسينها والحكم عليها بالضعف أو بالوضع في العصور المتأخرة أمر ممكن للعلماء المتخصصين ممن تحققت فيهم شروط العلم، وجمع أدوات المجتهد هذا إلى جانب العدالة، ومعرفة قواعد الجرح والتعديل، ومناهج العلماء السابقين فيه، معرفة دقيقة، وليس الأمر سهلاً في أن يرجع الباحث إلى كتب الرجال ويقف على أقوال العلماء جرحاً وتعديلاً، لا بد للباحث من معرفة شيوخ الرواة ومن روى عنهم وسماعاتهم، فلكل علم رجال يعرفون به وعلماء الحديث من أجل العلماء وأصدقهم وأتقاهم، والخوض في أمر الرجال ليس أمراً سهلاً يقوم على النقل الصحيح عن الأئمة الجهابذة في الجرح والتعديل، وما لم يرد فيه تصحيح أو تحسين لا يحتج به حتى ينظر في اتصال إسناده وأحوال رواته، ويقف على شواهده ومتابعاته وإلا فيكفيه أن ينص على صحة الإسناد فقط إذا لم يقف على جميع طرقه وشواهده مخافة أن يكون شاذاً أو معلاً، وإذا صحح الحديث إمام سابق أو حسنه فيكتفي بذلك، والله ولي التوفيق، فالموضوع دين لا بد من مزيد الاحتياط في البحث والحكم. 
- سؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... فسؤالي لكم يتعلق بإعادة ترتيب السنة النبوية على يد شيخنا الجليل محدث العصر الشيخ الألباني رحمه الله تعالى ورضي الله عنه فهناك من أنكر عليه هذا العمل الجبار حتى قال أحدهم على صحيح البخاري في السلسلة الصحيحة لو كان البخاري حياً لما عرف كتابه، وكذلك يقول بعضهم إن إعادة ترتيب البخاري وتصحيحه دليل على أن السنة ليست وحياً من عند الله عز وجل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أفيدونا بارك الله فيكم ...
الجواب: هذا السؤال يتضمن أمرين هامين:
الأول: إعادة ترتيب البخاري وتصحيحه، والثاني: أن هذا يدل على أن السنة ليس وحياً.
1- عزيزي لو كتبت حضرتك مقالاً علمياً أو بحثاً، وجاء غيرك وقدم فيه وأخر لأنكرت عليه لأن البحث أو المقال وحدة متكاملة يترابط بمباحثه وفقراته. إن صحيح البخاري كتاب فذ لا مثيل له بين مصنفات الحديث على الإطلاق، وفقه البخاري في تراجمه، وفيها من الأسرار واللطائف الحديثية ما لا يحصى. إن ترتيب كتبه، في مجموع المصنف، وترتيب الأبواب في كل كتاب، فيه من العلم والإبداع والصناعة الحديثية والفقهية ما لا يوجد في غيره، فالإقدام على تغيير ترتيبه نقض لذلك البناء العلمي، ومن يطالع فتح الباري وغيره من شروح البخاري يدرك أضعاف أضعاف ما ذكرته، هل يجوز لي اليوم أن أعمد إلى كتاب مؤلفه حي أن أعيد ترتيبه تحت أي مسوغ علمي أو منهجي من غير أن أستأذنه!!؟ نعم يمكن أن أحلل بعض موضوعاته أو أنتقد بعض ما فيه علمياً أما أن أفرق وحداته جملة وتفصيلاً فإن في هذا من التجاوز ما لا يخفى وبخاصة أن أئمة العلماء اتفقوا على صحة ما فيه من المسند المرفوع، وتلقته الأمة بالقبول، ما أقوله قد لا يرضي بعض من يطلع عليه، وآمل من بعض المشاركين الإطلاع على نماذج من البخاري وشرحها في فتح الباري أو غيره ليدرك أني لم أتجنَّ على الشيخ الذي أعاد ترتيب البخاري وتصحيحه، وإن المطلع على مناهج المحدثين في كتبهم يدرك أهمية ما قدمت.
ثانياً: وأما أن إعادة ترتيب البخاري فيه دليل على أن السنة ليست وحياً من عند الله عز وجل فهذا كلام مردود لا يقوم على دليل، وقد سبق لي أن بينت أن السنة وحي غير متلو من الله تعالى إلى رسوله  أو اجتهاد، وأن الله عز وجل لا يقر رسوله على خطأ، ونهاية الأمر أن كل ما ثبت عن الرسول  هو وحي من الله تعالى إلى رسوله  في جوابي عن السؤال السادس.
والحمد لله رب العالمين

           ======================
حجيَّة أحاديثِ الآحاد في العقائد والأحكام
http://goo.gl/VRMt6e

الرد على ما هي السنة حفظ السنة من المنافقين التواتر والقطعي والظني حجية الآحاد

http://goo.gl/bvo96K
أسئلة عجز عن الإجابة عليها منكرو السنة
ملف الردود المميزة على المواضيع التي يتكرر طرحها من منكري السنة
 الصلاة و السنه المزعومة

حديث الآحاد الصحيح يفيد الظن ولا يُحتج به في العقائد
http://goo.gl/4iOeRL

ملف اسئلة مكررة  منكري السنة 
خبر التواتر الاحاد ونسخه القرآن

==========
==========
==========
 حجية السنة النبوية المطهرة، على صاحبها والمتمسك بها أفضل الصلاة والسلام.

وإني لو أقسمت بالله أن الأدلة على ذلك أكثر من ألف ما كنت حانثاً إن شاء الله تعالى. لكن لما كنت قد تعهدت أن ألتزم بالاكتفاء بعشر أدلة، فإني موفّ غير ناقض عهداً. قال تعالى: ( قد أفلح المؤمنون ) ثم ذكر من أوصافهم: ( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ).
فإلى المقصد، والله أسأل أن يوفق ويسدد، ويهدي به إلى الحق ويرشد.

الدليل الأول: قوله تعالى: ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين ).

وجوه الدلالة من الآية الكريمة:

1. ربنا سبحانه وتعالى قال: ( وأطيعوا الله ) ثم قال: ( وأطيعوا الرسول ). فهنا أثبت طاعتين ومطاعين. بمعنى أن الفعل الأول مضارع كما لا يخفى، والمضارع يتضمن مصدراً، فالمعنى: ( وأطيعوا الله تعالى طاعةً، وأطيعوا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم طاعة ). ومعلوم أن الأصل إن تعاقب نكرتان أن ذلك يدل على تغايرهما. مثال ذلك قوله تعالى: ( إن مع العسر يسراً. إن مع العسر يسراً ) أي مع العسر يسران، يسر بأجر الصبر، ويسر بالفرج. على كلٍّ، يكون المعنى هنا: ( وأطيعوا الله تعالى طاعةً، وأطيعوا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم طاعةً أخرى ).
فإذا ثبت هذا التغاير، قلنا: ما الطاعة التي لله، وما الطاعة المغايرة التي للرسول صلى الله عليه وآله وسلم. فالجواب: أن طاعة الله هي طاعة ما بلغنا من كلامه، وهو القرآن، وأن طاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي طاعة ما بلغنا من كلامه كذلك، وهي السنة النبوية.

2. لو كان مراد الله تعالى في هذه الآية الكريمة: ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فيما يبلغكم من القرآن )، لو كان ذاك هو المعنى لكان اللازم فصاحةً وبلاغةً أن تضمر الطاعة الثانية، إذ هي عين الأولى.
لم يجب ذلك؟ لأن الأفضل في كلام العرب قصر الكلام، ولا يؤتى بالتطويل إلا لفائدة زائدة. فكيف إن كان في التطويل إيهام بخلاف المقصود؟! لا شك يكون الإضمار آكد وآكد.
ولازم الإضمار أن يقال: ( أطيعوا الله ورسوله ) فيكون الثابت طاعة واحدةً لمطاعين، فالطاعة واحدة للقرآن، ونطيع المتكلم به والمبلغ له. فلما كان في القرآن الكريم مثل هذا التعبير، وعدل الله تعالى عنه إلى الأمر بطاعتين، لزم أن يكون ذلك لحكمة، وهي إثبات طاعة مستقلة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم. ويشهد لذلك أنه تعالى لما أمر بطاعة ولاة الأمور قال: ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) فجعل طاعة الرسول متضمنة لطاعة ولاة الأمر، وذلك لأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بطاعتهم، ولم يجعل لهم طاعة مستقلة، لنهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن طاعتهم في المعصية. فالحمد لله رب العالمين.

3. لو كان المراد هنا بطاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم طاعة ما جاء به من القرآن، لاستوى بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع غيره من آحاد البشر، بل لاستوى مع الكفرة والشياطين. كيف؟ معلوم أن طاعة كلام أي أحد يأمر بما في القرآن لازمة لا محيد عنها، فلو قال لك مثلاً: صم رمضان، للزم أنك تصومه، لا طاعة لذاته، لكن لموافقة القرآن. ومعلوم بالضرورة أن للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مزية زائدة على غيره، فما هي هذه المزية إلا أن تكون طاعته في شيء زائد على ما في القرآن؟! وهذه هي السنة. والحمد لله رب العالمين.

4. أن الله تعالى هنا علق طاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على كونه ( الرسول ). وبالتالي فله من الطاعة ما يكون للرسول على قومه. فنرى في القرآن الكريم كثيراً أن الله تعالى يلزم الكافرين طاعة رسلهم في أمور غير التي في كتبهم. وذلك أشهر من أن يذكر، لكن أمثل له بمثالين واضحين.
الأول قوله تعالى: ( فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ). فهنا جعل الله تعالى وحيه إلى نبيه إبراهيم أمراً، مع كونه مناماً ليس في كتاب. وكذلك نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم يأمره الله ويأمر أمته بوحي ليس بقرآن. إذ ليس رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم ببدع من الرسل، قال تعالى: ( قل ما كنت بدعاً من الرسل ).
الثاني قوله تعالى: ( ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً لا تخاف دركاً ولا تخشى ). فهنا وحي من الله تعالى إلى موسى فيه تكليف له ولقومه بالإسراء، وليس هو من التوراة، إذ التوراة نزلت بعد هذا عندما لقي موسى ربه. وكذلك يجوز لنبينا ما يجوز لموسى عليهما الصلاة والسلام. والحمد لله رب العالمين.

5. ووجه دلالة عموم رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكل زمن إلى قيام الساعة قوله تعالى قبل هذه الآية في نفس سياقها: ( يا أيها الذين آمنوا ). ووجه آخر أن قوله تعالى: ( وأطيعوا ) فيه ضمير الرفع المتصل، وهو مفيد للعموم.

الدليل الثاني قوله تعالى: ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ).

وجوه الدلالة من الآية الكريمة:

1. أن الله تعالى أمر بأخذ الذي آتانا الرسول وترك ما نهانا عنه، والأمر يفيد الوجوب. وما آتى الرسول وما نهى عنه هو السنة النبوية، وبالتالي فهي واجبة الاتباع. ويؤكد هذا المعنى تتمة الآية: ( واتقوا الله إن الله شديد العقاب ).

2. هنا أسند الله تعالى الإتيان والنهي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فدل على أنهما صادران منه. ولو كان المراد ما آتى القرآن ونهى، لما صح أن يسند ذلك إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إذ القرآن كلام الله تعالى، وليس كلامه صلى الله عليه وآله وسلم. والكلام يسند إلى من صدر منه أولاً لا إلى ناقله ومن تكلم به بعد ذلك. فلا يقال عن القرآن أنه كلام محمد صلى الله عليه وآله وسلم لأنه بلغه، بل هو كلام الله تعالى لأنه هو من ابتدأ التكلم به. وتأمل رد الله تعالى على المشرك القائل عن القرآن: ( إن هذا إلا قول البشر ) قال: ( سأصليه سقر ).

3. سياق الآية في معرض الحديث عن قسمة الفيء، قال تعالى: ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ). ومعلوم عقلاً واضطراراً أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
كما في قوله تعالى: ( قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ). فكون الله لا يضيع أجر المحسنين عامٌّ لفظاً، وإن كان في سياق الحديث عن رجلين خاصين، هما يوسف وشقيقه، لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

4. العلة في وجوب إطاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هنا أنه مبلغ عن ربه، ولذلك وصف هنا بالرسالة، إشارة إلى أن الذي يبلغه عن ربه وليس من عند نفسه. وهذه العلة كما هي موجودة في قسمة الغنائم، فهي موجودة في كل أمر ونهي صادرٍ منه صلى الله عليه وآله وسلم.

5. ودليل عموم رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكل من بلغته هو الضمير المتصل في قوله تعالى: ( فخذوه ) وفي قوله: ( فانتهوا ) لأنه يفيد العموم.

6. هنا علق الله تعالى طاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على كونه رسولاً، فقال: ( وما آتاكم الرسول ) فدل على أن له من الطاعة ما يكون للرسول على قومه. وقد ثبت - كما مر - أن للرسول على قومه طاعة زائدة على مجرد ما في كتابه. والحمد لله رب العالمين.

الدليل الثالث قوله تعالى: ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً ).

ووجوه الدلالة من الآية كما يلي:

1. أن الله تعالى حرم مشاقة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ورتب على مشاقته ألواناً من أشد العذاب. ففي الدنيا يوليه الله تعالى شيطانه الذي آثر اتباعه على طاعة النبي ليزداد إثماً وضلالاً. قال تعالى: ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين ). وفي الآخرة يصليه الله تعالى جهنم ويحرمه الجنة، كما استبدل في الدنيا طاعة النبي بطاعة الشيطان.

2. أن الله تعالى هنا حرم مشاقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي الآية الأخرى حرم مشاقته نفسه سبحانه وتعالى، فقال: ( ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب ). فلو كان المراد بمشاقة الرسول مشاقته فيما جاء به من القرآن، لاستوت الآيتان ولم يكن ثمة حكمة من التفريق بينهما.
وتأمل كذلك قوله تعالى: ( ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ). فلو كانت مشاقة الرسول هي مشاقته فيما جاء به من القرآن، لما كان فائدة من ذكره، ولكان القول: ( ذلك بأنهم شاقوا الله ). لكن لما كانوا قد شاقوا القرآن الذي هو كلام الله والسنة التي هي كلام الرسول، حسن النص عليهما كليهما.

3. أن تحريم مشاقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تقتضي تحريم مخالفته في كل أمر أو نهي صدر منه، سواء كان من القرآن أو غيره. مثال ذلك قوله تعالى: ( وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك ). وظاهر أن ذلك الأمر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( أمسك ) ليس من القرآن، بل قد نزل القرآن بعده.
ويدل لذلك أيضاً أن المشاقة التي حرمها الله تعالى هنا مطلقة، غير مقيدة بما جاء في القرآن ولا بما وافقه ولا بغير ذلك، فوجب أن تحمل على إطلاقها. ومن قيد ما أطلق الله تعالى فقد شاقه، والله المستعان.

4. أن الله تعالى علق تحريم مشاقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هنا على كونه رسولاً، فقال: ( ومن يشاقق الرسول ). وبالتالي فإن له صلى الله عليه وآله وسلم من الطاعة ما يكون للرسول على قومه. وقد ثبت - كما مر - أن للرسول على قومه طاعة زائدة على مجرد ما في كتابه، وهي السنة. فالحمد لله رب العالمين.

5. دليل عموم رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الآية الاسم الموصول ( من ) إذ أنه يفيد العموم.

الدليل الرابع قوله تعالى: ( حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون ).
والآية هنا ذكر لما حدث في غزوة أحد، إذ أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الرماة من أصحابه أن يلزموا الجبل وألا ينزلوا عنه لجمع الغنائم، ولو رأوا ظفر المسلمين. ثم لما ظهر المسلمون على الكفار، اختلف الرماة، فمنهم من سبق إلى الغنائم وعصى، ومنهم من ثبت وقتل. وقد عفا الله عمن أخطأ منهم فقال: ( ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على العالمين ).

وجوه الدلالة من الآية الكريمة كما يلي:

1. أن الله تعالى أثبت أمراً لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا الأمر غير موجود في القرآن قطعاً. ثم أثبت أن من خالف هذا الأمر كان عاصياً آثماً، فدل على وجوب اتباع ذلك الأمر. فهذا دليل على وجود سنة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى وجوب اتباع تلكم السنة.

2. أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمر وينهى بأوامر ونواهي زائدة على ما في القرآن الكريم. ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: ( وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله ). وقوله تعالى: ( إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ). وقوله تعالى: ( ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ). وكما قال تعالى: ( وعلى الثلاثة الذين خلفوا ) فدل على أن النبي أمرهم بالقتال والغزو ثم هم تخلفوا، ومعلوم أنه ليس في القرآن أمر بغزوة بعينها ولا بمكانها ولا بزمانها، وإنما كان ذلك بوحي غير قرآن، وهو السنة النبوية المطهرة.

3. أن العلة في الهزيمة هنا هي عصيان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في الآية الكريمة. وهذا نوع عقوبة، فدل على تحريم ذلك العصيان ووجوب ضده وهي الطاعة. ثم هذه العلة متعدية كما لا يخفى، وبالتالي فالعبرة بتعديها لا بخصوص السبب، فيحرم كل عصيان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.

4. أن الله تعالى قال بعد هذه الآية: ( إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم ). فعلق الله تعالى الأحكام الواردة في الآية على وصف ( الرسول ) وليس مجرد القائد، فدل على أن علة تحريم عصيانه كونه رسولاً، وليس لمجرد أنه قائد المعركة. 
ثم تعليقه سبحانه الوصف بالرسالة دليل على أن له صلى الله عليه وآله وسلم من الطاعة ما يكون للرسول على قومه. وقد مر سابقاً أن للرسول طاعة زائدة على ما في كتابه، وهي السنة. والحمد لله رب العالمين.

الدليل الخامس قوله تعالى: ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون. بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما ما نزل إليهم ولعلكم تتفكرون ).

وجوه الدلالة من الآيتين الكريمتين كما يلي:

1. أن الله تعالى قرر أنه أرسل مع كل نبي قبل نبينا صلى الله عليهم وسلم أمران، الأول البينات والثاني الزبر وهي الكتب. فدل على أنهم أرسلوا بشيء زائد على ما في الكتب، وهي البينات. 
ثم البينات جمع بينة، وهي فعيل إما بمعنى فاعل أو مفعول، فعلى الأول بينة بمعنى بائنة أي واضحة، وعلى الثاني بينة بمعنى مبيَّنة أي موضَّحة. والواضحات هي آيات الأنبياء ومعجزاتهم، لوضوح دلالتها على صدقهم، والموضَّحات هي سننهم وشرائعهم فصلت لهم، والله أعلم. 
وعلى المعنى الأول قوله تعالى: ( سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة ) وعلى الثاني قوله تعالى: ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينةُ رسولٌ من الله ). 
وحيث أن اللفظ هنا مشترك ولا مرجح لأحد المعنيين ولا تنافي بينهما، وجب حمله عليهما جميعاً، إذ تخصيصه في أحدهما من غير دليل تحكم. 
ثم لو أردنا قرينة ترجح أحد المعنيين، لكان معنى الشرائع والسنن أولى، لأن الآيتين في مقام الحديث عن الوحي، ولأن الذي ذكر في الآية الثانية لا يحتمل معنى الدلائل والمعجزات.
فإذا ثبت بذلك أنه كان لكل نبي ممن كان قبل نبينا صلى الله عليهم أجمعين سنة زائدة على ما في كتبهم، ثبت أن لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم كذلك سنة زائدة على ما في كتابه. إذ ليس رسولنا ببدع من الرسل كما أمره تعالى أن يقول: ( قل ما كنت بدعاً من الرسل ).

2. قوله تعالى: ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ). يلحظ فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أنزل الله إليه أمران، الأول القرآن الذي نزل للناس، والثاني بيان يوضح ما في القرآن. ومعلوم أن الموضِّح غير الموضَّح. فدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أنزل إليه شيء زائد على ما في القرآن، وليس ذلك إلا السنة المطهرة.
ثم تأمل أيها القارئ الكريم أنه يمتنع حمل الآية على معنى: ( وأنزلنا إليك القرآن لتبين للناس القرآن ) ليكون القرآن بياناً للقرآن. وهذا الامتناع لأمور:

أ. أن المبيَّن في هذه الآية الكريمة وصفه الله تعالى بأنه ( نُزِّل ) ولم يصفه بأنه ( أُنْزِل ). والفرق بينهما أن ما نُزِّل أي جملة واحدة، وما أنزل أي مفرقاً منجماً أو جملة واحدة.
ومن ذلك قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزّل على رسوله والكتاب – أي الكتب - الذي أنزل من قبل ) فوصف القرآن بأنه منزّل لنزوله جملة واحدة، ووصف الكتب بأنها أنزلت لأنها نزلت مفرقة كل نبي بكتاب. ومثل هذا كثير في القرآن.
فإن ثبت أن المنزل هو كل القرآن، لزم أن يكون الموضح ليس بقرآن، لأن المطلوب بيان كل القرآن، فلو شرح بعضه بعضاً منه، لزم وجود شرح للبعض الشارح، وهكذا إلى أن يحصل التسلسل. فعلم أن السنة النبوية هي الشارحة لكل القرآن.

ب. أن الله تعالى أضاف التبيين المطلوب للقرآن إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: ( لتبين ) ولم يقل ( لأبين ) أو ( لنبين ) ومعلوم أن الأصل إضافة الكلام إلى قائله المباشر، فدل على أن البيان صادر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
والقرآن الكريم لا يصح أن يضاف إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة، كما قال تعالى حاكياً قول المشركين: ( إن هذا إلا قول البشر ) فرد عليه بقوله تعالى: ( سأصليه سقر ). 

ج. أن الأمرين النازلين من الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم موصوفان بوصفين مختلفين في سياق واحد. الأول منزَل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم والثاني منزَّل إلى الناس كافة. فدل على أن أحدهما أكثر اختصاصاً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم من الآخر. 
أما القرآن الكريم فليس بعضه أكثر اختصاصاً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فدل على أنه ليس هو الموضِّح المقصود هنا، فبطل أن يكون هو الموضَّح والموضِّح. وإنما الذي يختص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أكثر من اختصاصه بغيره هو السنة النبوية المطهرة. فالحمد لله رب العالمين.

الدليل السادس قوله تعالى: ( ومن يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً ).

وجه الاستدلال من الآية كما يلي:

1. أن الله تعالى جعل طاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم طاعة له، ورتب على من تولى عن طاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الوعيد. وهذا يدل صراحة على وجوب الائتمار بأمره صلى الله عليه وآله وسلم فعلاً وتركاً. وهو المطلوب ولله الحمد.

2. أن الله تعالى هنا علق المدح على طاعة الرسول. فالطاعة هنا قيدت بمطاع هو الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا يعني أن المطاع فيه صدر منه لا من غيره. إذ لو كانت صادرة عن غيره وكان هو المبلغ لما كان هو المطاع، ولكان المطاع هو المبلغ عنه، إذ الأصل في إضافة الطاعة إلى مطاع أن يكون هو المباشر للأمر والنهي.

3. أن الآية لم تخص أمراً للرسول صلى الله عليه وآله وسلم دون أمر، ولا نهياً دون نهي، وإنما هي عامة في كل من أطاع الرسول في أمٍه أمر به أو في نهي نهى عنه. بيان العموم هو كلمة ( من ) الشرطية، إذ هي من صيغ العموم. وعليه فلا تخصص الآية بمن أطاع القرآن الذي جاء به، ولا تخصص بما كان مسكوتاً عنه في القرآن، بل تعم كل ما صدر منه، سواء كان مخصصاً أو مقيداً أو مبيناً أو زائداً أو ناسخاً لكتاب الله، ولا فرق. ومن فرق فقد خالف الآية.

4. أن الله تعالى علق المدح على من ( يطيع ) رسوله. والفعل المضارع يفيد التجدد والحدوث. فيكون ذلك دليلاً على حجية سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أي زمان. فكما أن الآية تتناول أهل كل زمان بعموم لفظ ( من ) الشرطية، فهي كذلك تتناوله بفعل ( يطيع ) المضارع.
وفي هذا الفعل المضارع كذلك تأكيد على المعنى الذي ذكرته في الوجه الثاني، وهو أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو الآمر المباشر، وليس هو مبلغ، بمعنى أن الكلام الذي فيه الأمر صدر منه هو ابتداء، وإن كان معناه وحي من الله تعالى إليه. وجه التأكيد أن الله تعالى علق المدح على المطيع متى كان زمانه. فإذا علمنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سيموت، وأن من جاء بعده سيطيعه لينال من الأجر مثل ما نال الصحابي، علمنا أن الطاعة لم تكن لناقل الحديث كالبخاري ومسلم، وإنما بقيت للرسول صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا يدل على أن الطاعة إنما هي لمن صدر منه الكلام الآمر أو الناهي وليس للناقل. وهذا قوي محكم لا مجال لرده.

5. أن الله تعالى علق الطاعة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم على وصف له، وهو الرسول. فدل على أمرين: 
الأول أن له صلى الله عليه وآله وسلم من الطاعة ما يكون للرسول، وقد تبين مراراً مما سبق أنه قد كان للرسل على أقوامهم من الطاعة أكثر مما فيه كتبهم، فكذلك يكون لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم. 
الثاني أن طاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لأنه رسول، وليس لأنه مجرد مبلغ، فتكون الحجة في كل قوله قرآناً أو سنةً، وليس كغيره من العلماء والدعاة المبلغين الذين الحجة في الذي يسندون إلى الله والرسول من قولهم لا في كل قولهم.

6. لو كان المراد أن من أطاع الرسول فقد أطاع الله لأن قول الرسول لا يخرج عن أن يكون أمراً بما في القرآن، لكان المعنى فاسداً. لأن كل من أمر بما في القرآن كان طاعته في ذلك واجبة، ولا مزية للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ومعلوم ضرورة أن له مزية ليست لغيره. 
فإن قيل: المزية أن قوله لا يخرج عن القرآن، بخلاف غيره فيأمر بالقرآن تارة ويخالف تارة. قلنا: وهذا كذلك محجوج، إذ يلزم عليه أن ميزة الرسول هي مجرد العدالة، وهي حاصلة لغيره، فليس مزية له. كما يرده ما مر من الأدلة على أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمر بغير ما في كتاب الله تعالى.

الدليل السابع: قوله تعالى: ( لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ).

أوجه الدلالة منه كما يلي:

1. أن الله تعالى أثتب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أمراً. والأمر كلام، والكلام لفظ ومعنى. فالأمر الصادر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفظاً ومعنىً هو السنة. ثم الأصل إضافة الكلام إلى الصادر منه ابتداء لا إلى ناقله كما مر غير مرة. ثم حذر الله تعالى عن مخالفة هذا الأمر، فدل على وجوب اتباعه، والحمد لله رب العالمين.

2. لو كان المراد بأمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أمره بما في القرآن، لما كان له على غيره مزية، والضرورة حاصلة على أن له مزية ليست لغيره، ولا يصح أن تكون أنه لا يأمر إلا بما في القرآن كما مر سابقاً. فلزم أن تكون مزيته وجوب اتباعه فيما أمر به ابتداءً. والحمد لله رب العالمين.

3. أن هذه الآية جاءت تابعة للآية السابقة لها، وهي قوله تعالى: ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين آمنوا بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فائذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم ). ويتضح منها أمور:

الأول أن الله أثبت وجوب اتباع أمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم المباشر المغاير للقرآن، فإذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمؤمن المعين ليس بقرآن قطعاً، وإنما يكون من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابتداءً، فدل على أن له علينا أن يطاع فيما أمر به ابتداءً.

الثاني أن الله سمى هذا الإذن وعدمه في الآية الثانية ( أمراً ) وأضافه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فدل على أنه صادر منه ابتداءً، وليس هو اتباع لما في القرآن.

الثالث أن الله تعالى أثنى على مؤمنين استأذنوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل نزول الآية الكريمة، فدل على أن طاعتهم للرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الاستئذان كانت محمودة قبل نزول القرآن بما فعلوا. فدل ذلك قطعاً على أن اتباع سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم محمود مطلوب.

الرابع أن الله تعالى ذم أناساً لم يستأذنوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل نزول الآية الكريمة، بل نفى عنهم الإيمان. فدل ذلك على أن مخالفتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت مذمومة قبل نزول القرآن بما فعلوا. فدل ذلك قطعاً على أن اتباع سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم محمود وأن تركها مذموم.

4. أن الضمير في قوله ( أمره ) عائد على لفظ ( رسول ). وتعليق الحكم على وصف الرسول، يدل على أن له صلى الله عليه وآله وسلم من الطاعة ما يكون للرسول من رسل الله تعالى. وقد مر سابقاً أنه كان للرسل على أقوامهم من الطاعة أكثر من مجرد ما في كتبهم. والحمد لله رب العالمين.

5. قوله تعالى: ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ) في صدر الآية يدل كذلك على سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. إذ الإيمان هو التصديق المقرون بالعمل، وليس مجرد التصديق.
دليل ذلك قوله تعالى: ( فلما أسلما وتله للجبين. وناديناه أن يا إبراهيم. قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين. إن هذا لهو البلاء المبين. وفديناه بذبح عظيم ) فجعل تصديق الرؤيا تطبيق ما فيها من أمر، ولو كان مجرد اعتقاد وجوبها تصديقاً، لكان مصدقاً من قبل أن يمسك ابنه، ولو كان لترتب عليه ما رتب الله على الإيمان من الفداء، ولو كان لما تل ابنه أصلاً. ويدل على ذلك كذلك قوله تعالى: ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) فسمى الصلاة إيماناً، وهي عمل. وكذلك قوله تعالى: ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ) فحصر الإيمان فيهم، فدل على اختصاصه بهم دون من اعتقد من غير عمل. وغير ذلك كثير.
فإذا تقرر ذلك انتقلنا إلى المرحلة الثانية، وهي: قد حصر الله تعالى في آيتنا هنا الإيمان في الذين آمنوا بالله ورسوله، أما الإيمان بالله تعالى فيترتب عليه عمل، وهو اتباع ما تكلم به الله تعالى من القرآن الكريم، ثم الإيمان بالرسول أي عمل يترتب عليه؟ إن قيل نصرته ومحبته، قلنا: هذا مأمور به في القرآن، فهو من الإيمان بالله تعالى. فلما لزم أن يكون للإيمان بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم مقتضىً يعمل به، ولم نجد شيئاً سوى اتباعه، لزم أن يكون الإيمان المطلوب هو اتباعه، واتباعه ليس اتباع ما جاء به من القرآن، فإن هذا إيمان بالله كما مر، وإنما يكون اتباعه باتباع ما اختص به من سنة مطهرة. والحمد لله رب العالمين.

الدليل الثامن قوله تعالى: ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ).

وجوه الدلالة من الآية الكريمة:

1. أن الله تعالى أثبت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم اتباعاً واجباً، حيث علق عليه صدق محبة العبد لربه، وهي واجبة، وما تعلق عليه الواجب فهو واجب.

2. الاتباع هنا مضاف إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والأصل أن يضاف الاتباع إلى المتبوع المباشر. فلا يقال لي إن أمرني رجل بالصلاة فصليت أني قد اتبعته، وإنما يقال أني اتبعت الله تعالى الذي هو الآمر المباشر بالصلاة، وليس ذلك الرجل إلا مبلغاً. وهذا مر كثيراً فيما سبق. فلله الحمد والمنة.

3. الاتباع المأمور به هنا مطلق، لم يقيد بشيء ألبتة، ولا يصح تقييد ما أطلقه الله سبحانه. فمن زعم أن الاتباع هنا مقيد باتباع ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من القرآن فقط، فقد خالف القرآن الذي صرح بالعكس.

4. أن الله تعالى أتبع بهذه الآية الكريمة ما يوضح المراد من الاتباع المذكور هنا، فقال تعالى: ( قل أطيعوا الله ورسوله فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين ). فأمر بطاعته سبحانه وطاعة رسوله، ووحد الطاعة هنا لأن طاعة الرسول طاعة لله تعالى الذي قال: ( من أطاع الرسول فقد أطاع الله ). ثم بين سبحانه وتعالى أن من لم يلتزم طاعة الله ورسوله ( بمعنى لم يعتقد وجوبها أو لم يقبل بها ) أنه كافر الكفر الأكبر المخرج من الملة، والعياذ بالله تعالى.

الدليل التاسع قوله تعالى: ( وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين ).

وجوه الدلالة من الآية الكريمة كما يلي:

1. أن الله تعالى أثبت طاعة لازمة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم. والأصل أن تضاف الطاعة إلى من صدر منه الكلام أولاً، لا إلى المبلغ. ومثل هذا مر كثيراً ولله الحمد.

2. لو كان المراد طاعة الرسول بما جاء به من قرآن فقط، ما كان له مزية عن غيره، والاتفاق واقع على أن له مزية ليست لغيره، ضرورة أنه ذكر ولم يذكر غيره من المبلغين كجبريل ونقلة القرآن والعلماء. 
فإن قيل: المزية أنه لا يأمر إلا بالقرآن. قلنا: المزية هنا أنه عدل لا يأمر بما يخالف القرآن، وهذا خلاف الاتفاق، لأن العدالة لا تختص به صلى الله عليه وآله وسلم. فلزم أن مزيته صلى الله عليه وآله وسلم وجوب اتباعه. ثم قد تواتر عنه صلى الله عليه وآله وسلم تواتراً قطعياً لا يمكن دفعه، أنه كان يأمر بما لم يأت في القرآن، بل ويأمر بما يخالف القرآن ظاهراً ( لكنه مبين في واقع الأمر ) كتخصيص العام وتقييد المطلق.

2. أن الله تعالى أطلق الطاعة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يقيدها بما جاء في القرآن فقط، ولا يجوز تقييد ما أطلق الله تعالى. فدل على أن له علينا من الطاعة أن نطيعه في كل أمره قرآناً كان أو غير قرآن.

3. أن الله تعالى علق الهداية على هذه الطاعة، فدل على وجوبها. إذ طريق الهداية واحد، ويلزم من تركه أنه غير مهتد كما قال تعالى: ( وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) فوحد سبيل الهداية وجمع سبل الضلالة. فالحمد لله رب العالمين.

4. قوله تعالى: ( وما على الرسول إلا البلاغ المبين ) يدل على أنه ليس على الرسول أن يتكلم من تلقاء نفسه، ولا أن يشرع هو صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما عليه يبلغ ما يوحى إليه من ربه. وبالتالي يفهم منه أن الأصل في ما تكلم به الرسول صلى الله عليه وآله أنه وحي وأنه حجة، سواء كان في القرآن أو لم يكن في القرآن. 
ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى: ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) وقوله تعالى: ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ). فالحمد لله رب العالمين.

الدليل العاشر قوله تعالى: ( وثيابك فطهر ).

ولقارئ أن يستغرب استشهادي بهذه الآية الكريمة، مع وجود عشرات غيرها أوضح منها في الدلالة.
فأجيبه أني أرمي بهذه الآية الكريمة إلى الاستدلال على المطلوب أولاً، ثم الاستدلال على استحالة تفسير القرآن وفهمه من غير السنة ثانياً. وذلك كما يأتي إن شاء الله تعالى:

أولاً: الأمر هنا مجرد عن القرينة، فيفيد الوجوب كما هو متقرر في علوم العربية.
ثانياً: الأمر هنا مخاطب به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مقصود به كل الأمة، كما هو ظاهر من السياق، حيث قال تعالى: ( قم فأنذر. وثيابك فطهر. والرجز فاهجر. ولا تمنن تستكثر. ولربك فاصبر ). وهذا هو الأصل في خطاب الله تعالى لنبيه أن يراد به الأمة كلها إلا بدليل على التخصيص، كما في قوله تعالى: ( يا أيها النبي اتق الله ) وقوله تعالى: ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين ) وغيرها.
ثالثاً الأمر بتطهير الثياب هنا مطلق في الصلاة وفي غيرها، وهو مطلق في النجاسات والقاذورات، وهو مطلق في الكثير والقليل، وهو مطلق في كل أنواع الثياب.

فإذا تقرر ما سبق، جاء السؤال: الأمر هنا للوجوب، وهو عام لكل الأمة، وهو مطلق تماماً، فهل يلتزم الخصم بهذا؟ 
لا شك أنه لن يلتزم الإطلاق، لما فيه من الحرج الشديد والمشقة البالغة، والله تعالى يقول: ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ). وسيقول بل الأمر بالتطهير خاص بالنجاسات.

فيأتي السؤال التالي: ما الدليل على تخصيصه بالنجاسة دون سائر ما يتطهر منه من القاذورات والعرق والتراب ونحوها؟ وهنا ينقطع ولا شك.

ثم لو سلمنا أن الأمر هنا خاص في النجاسات وحدها دون ما عداها، فما هي النجاسات؟ هل هي ما ذكر في قوله تعالى: ( قل لا أجد في ما أوحي إلي محرم على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس ) وعليه فالعذرة والبول والحيض والمذي وبراز الخنزير والكلاب ونحوها، كل ذلك طاهر ليس بنجس!

وإن قال أنه نجس، طالبناه بالدليل. فإن قال أنه الطبع. قلنا: الطبائع تختلف ولا تنضبط، ثم هذا يجعل حكم الله تعالى متعلقاً بما يشتهي كل واحد لنفسه، وهذا تحكيم غير الله، ولو جاز عنده لجاز تحكيم سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من باب أولى، إذ طبعه أقوم الطبائع ونفسه أشرف الأنفس.

فلن يجد بعد ذلك محيصاً للخروج من هذا الحرج الشديد إلا القول بسنة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ففيها الجواب الكافي.

ثم مثل هذه الآية في كتاب الله تعالى كثير، ومنه:
قوله تعالى: ( حرمت عليكم الميتة ) تتناول تحريم السمك الميت وإيجاب ذبحه.
وقوله تعالى: ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) تحتمل قطع اليد من طرف الإصبع كما تحتمل قطع اليد من الكتف.
وقوله تعالى: ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) يشمل كل ظلم ولو صغيراً.
وقوله تعالى: ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج ) مع قوله تعالى: ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً ) متناقضتان تماماً.
والآيتان السابقتان مع قوله تعالى: ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) متناقضتان حيث تلد المرأة قبل أربعة الأشهر.
وقوله تعالى: ( والذين في أموالهم حق معلوم ) الحق لا يعلم كم هو؟ ولا ما هو؟ ولا متى هو؟ ولا ممن هو؟ ولا كيف هو؟ 
وقوله تعالى: ( وربائبكم اللاتي في حجوركم ) لا يتناول اللاتي لسن في حجورهم.
وقوله تعالى: ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً ) يدل على جواز إكراههن إن لم يردن التحصن.
وقوله تعالى: ( وأحل لكم ما وراء ذلكم ) يبيح الجمع بين الزوجة وعمتها وخالتها.
وقوله تعالى: ( فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) يدل على عدم استحباب وعدم إيجاب السعي بين الصفا والمروة.
وغير ذلك كثير جداً في كتاب الله تعالى لا يمكن أن يفهم من غير بيان السنة المطهرة.

وأنبه هنا أن ذكري كل هذه الآيات ليس استدلالاً بكل منها، فتزيد الأدلة الواردة على العشر، وهو خلاف الاتفاق، وإنما الدليل الجنس. إذ دليلي كثرة ما في القرآن مما لا يفهم من غير بيان السنة النبوية المطهرة، ولا يتم لي إثبات الكثرة التي ذكرت إلا بذكر كمٍّ من الأمثلة.

وبهذا تتم عشرة أدلة، والله أسأل أن يثبت بها مسلماً ويهدي بها من شاء من عباده، والله أعلى وأعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .

===================


الحمد لله الذي أظهر الحق والدين، والصلاة والسلام على إمام الموحدين، وعلى آله وصحبه والمقتفين.
وبعد، فقد ذكر المناظر أموراً أربعة، أرد عليها أولاً، ثم أذكر بما أردت.

أولاً: حروف كلمة ( السنة ) لم ترد في القرآن! 
نعم لم ترد، وبعد؟ 
إذا ليست بحجة! 
وهذا باطل، لأن العبرة بالمعاني لا بالمباني. 
لأن لفظة ( السنة ) اصطلاح، ولا مشاحة في الاصطلاح. 
وقطعاً للجاج سأسميها ( الوحي ) أو ( الذكر ) أو ( الصراط المستقيم ) أو ( حكم الرسول ) أو غيرها مما جاء في كتاب الله تعالى.

ثم يا هذا لم يأت في القرآن ذكر الوضوء، فهل نصلي من غير وضوء!!
تقول: قال تعالى: ( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ) 
أقول: وأين حروف ( و ض و ء )!! 
تقول: ( فيه رجال يحبون أن يطهروا ). 
أقول: وأين حروف ( و ض و ء )!! 
تقول: ( وليطهركم به ).
أقول: وأين حروف ( و ض و ء )!! 
تقول: لا مشاحة في الاصطلاح. 
نعم: لا في هذا الاصطلاح، ولا في اصطلاح السنة!! والحمد لله رب العالمين.

بل وأقول مثل هذا في التنزيه، أعني تنزيه الله عن كل نقص، لم ترد حروف ( ت ن ز ي ه ) في القرآن. ونحو ذلك كثير!

ولقارئ أن يلحظ دلالة تعلق المناظر بمثل هذا على ضعف حجته.

ثانياً: الآيات التي كتبتُها لا تمت بصلة إلى ما نسب إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم! 
كيف؟ 
لأن الله قال: ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله )! 
وهذا استدلال المناظر برأيه في محل النزاع! وهو باطل. 
إذ إن كتب السنة ليست من اختراع المحدثين، ولا من الصحابة، وإنما هي من الرسول أوحى إليه بها ربه سبحانه وتعالى.

ولي أن أدعي نقيض ما ادعى، أن الآيات التي ذكرها هو لا تمت إلى ما أراد بصلة، وحق لي كما قرأتم سابقاً.

ثالثاً: الآيات التي استدللتُ بها من قبيل رد المحكم بالمتشابه!! 
وللقارئ الكريم أن يرى بعد ما استدل هو به على مراده، وكيف فندت دلالاته، وله أن يرى قرب مأخذي من الآيات التي ذكرتها، ثم له أن يحكم أي الفريقين رد المحكم بالمتشابه.

وأسهل مثال لذلك، أني استدللت بقوله تعالى: ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) فهل هذه متشابهة؟!!
وهو قد استدل بقوله تعالى: ( وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها ) فهل هذه محكمة في الدلالة على نفي السنة؟!!

فلا أقول إلا: رمتني بدائها وانسلت!!

رابعاً: سيقوم بتفنيد الآيات التي ذكرتها!! 
أمهلتك عاماً، أن تردّ عليها بعلم إن كنت من الصادقين. 
لكن - والله - لن تستطيع، كما لم تستطع أن ترد على الذي قبله.

ثم قال: ( لك تحياتي ) وتقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر!! فالله المستعان.

ثم الآن أشرع بما أردتُ، وهو تذكير المناظر بالالتزام بالشروط السابقة، فليتأملها قبل الشروع في كتابة ما أراد.

===================
=====================

افتراضي رداً على من يسمون القرآنيين: القرآن يثبت وجود السنة
لم أكن اتوقع أن أكتب في هذا الموضوع الذي كان من المفروض أن يكون بدهياً لدى كل مسلم إلا أن مما يؤسف له أننا نرى في هذا العصر الذي نعوذ بالله تعالى من فتنه من يشككون في السنة المشرفة بل ينشئون مواقع متخصصة في ذلك كموقع ذلك المتنبئ الكذاب! وغيره من مواقع الرافضة!
وقد بادرت بكتابة هذه الكلمة للتذكير وللتحذير من هؤلاء المارقين وهذه الكلمة موجهة إلى هؤلاء أيضاً ليروا انهم ليسوا على شيء وأنهم هم الكاذبون.
السنة متواترة
ونبدأ بتذكيرهم بأن السنة المشرفة متواترة بعمومها عن رسول الله كتواتر القرآن العظيم مثلاً بمثل! وهذا لا يخفى على ذي بصيرة فكما أن كل مسلم على وجه الأرض قد تلقى القرآن العظيم ممن قبله وتلقاه من قبله عمن قبلهم وهكذا جيلاً بعد جيل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكذلك فقد تلقى المسلمون السنة جيلاً عن جيل تواتراً وإجماعاً لا يشك فيه مسلم وكما أن كل مسلم يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ شيئاً اسمه القرآن فكذلك فكل مسلم يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغ شيئاً اسمه السنة!
ثم إن كثيراً من امور السنة المشرفة قد تواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تواتراً مقطوعاً به لا يشك فيه مسلم جيلاً عن جيل. كالأذان والصلوات الخمس والاحتفاء بالعيدين وغير ذلك من السنن المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما أن كل مسلم على وجه الأرض صغيراً ام كبيراً ذكراً ام أنثى عربياً أم أعجمياً يحفظ الفاتحة عن ظهر قلب ويعلم أنها من القرآن الذي بلغه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل فكذلك فكل مسلم على وجه الأرض يحفظ الأذان عن ظهر قلب -من لفظ الجلالة إلى لفظ الجلالة- ويعلم أنه من السنة التي بلغها النبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى بجانب القرآن العظيم! ولا شك أن هذا وحده كاف للدلالة على وجود السنة وثبوتها لقوم يعقلون.
القرآن يؤكد وجود السنة ويثبت حجيتها
ولكن ليس تواتر السنة هو دليلنا الوحيد وإن كان كافياً شافياً والحمد لله ولكن القرآن العظيم نفسه قد بين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبلغ الناس أخباراً وشرائع واحكاماً لم تنزل في القرآن مما يؤكد أنها جاءت في السنة قطعاً. والأمثلة على ذلك في القرآن أكثر من أن نستطيع إحصاءها هنا وسنكتفي بذكر مثال واحد في الأخبار وبمثال آخر في الأحكام.
فقد قال الله تعالى -راوياً أحد الأخبار التي بشر بها المؤمنين(1)-: (إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم ان يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين*بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين*وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم).
فهاهو القرآن يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الخبر الذي تضمن بشرى بشر بها أصحابه الكرام وهي وعد الله تعالى بأن يمدهم بالملائكة.
ومن البدهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل هذه البشرى من عند نفسه! فالإخبار عن الملائكة والإمداد بهم وتحديد المدد بهذا العدد أو ذاك كل ذلك من أمر الغيب الذي لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلمه أو يعلمه غيره إلا بإطلاع الله تعالى إياه عليه فمن أين عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى سيمد المؤمنين بالملائكة؟! لا شك أن الله تعالى أطلعه على ذلك ولكن أين أطلعه الله تعالى عليه؟!
لو قرأنا القرآن العظيم سورة سورة وآية آية فإننا لن نجد آية واحدة تذكر هذه البشرى إلا هذه الآية التي تروي إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بها ولا ترويها ابتداءً! فأين تلقى النبي صلى الله عليه وسلم هذه البشرى حتى يبلغها الناس؟! لا شك أنه تلقاها في الوحي الآخر الذي هو السنة!
ويقول الله تعالى: (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم*وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم).
وهذه الآية تذكر حكماً شرعياً بلغه الني صلى الله عليه وسلم للناس ونسخ القرآن جزءً منه وهو استقبال القبلة الأولى -بيت المقدس فك الله أسره- ومن البدهي ايضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع استقبال تلك القبلة من عند نفسه وقد صرح القرآن بأن الله تعالى هو الذي جعلها قبلة للمسلمين فأين أنزل الله تعالى الأمر باستقبال بيت المقدس؟! إن هذا الأمر لم ينزل في القرآن فأين نزل إذن لا شك انه نزل في الوحي الآخر الذي هو السنة المشرفة.
ونكتفي بهذين المثالين الذين يدلان يقيناً على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتلقى وحياً آخر غير القرآن وكان يتلقى فيه الأخبار والأحكام.
ولقد صرح القرآن العظيم بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتلقى أخباراً ومبشرات وشرائع وأحكاماً في غير القرآن وصرح في آيات كثيرة بذكر الطريق الذي تلقى النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأمور من خلاله. فقد قال تعالى: (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً).
فهذه الآية الكريمة تصرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم تلقى خبراً وبشرى متضمناً الإشارة إلى حكم شرعي -هو الحلق والتقصير وربما كان فيه الإشارة إلى جواز أي منهما- في رؤيا حق رآها النبي صلى الله عليه وسلم في المنام -وهو أحد صور الوحي- وليس في آية من القرآن العظيم.
ما سبق يؤكد بما لا يدع مجالاً لشك أو احتمال بأن النبي صلى الله عليه وسلم تلقى شيئين لا شيئاً واحداً هما القرآن والسنة.
القرآن يؤكد حجية السنة
وقد أكد القرآن حجية السنة المشرفة بذكره مالا نحصيه الآن من السنن ومنها ما ذكره ذكراً عارضاً كالنداء للصلاة كما في قوله تعالى: (وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزواً ولعباً) ومن المعلوم أن الأمر بالنداء لم ينزل في القرآن بل نزل في السنة ولم يرد له ذكر في القرآن إلا إشارة كما بينا ولا شك أن ذكر السنة هو إقرار لها يقيناً وهكذا في كل السنن التي اشار إليها القرآن. ومن السنن ما أكد عليه القرآن وشدد عليه وهذا ولا شك يدل على أهميتها وحجيتها قطعاً وذلك كصلاة الجمعة حيث قال الله تعالى: (ياأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) والأمر بصلاة الجمعة لم نزل في القرآن العظيم بل في السنة المشرفة وهلنحن نرى القرآن العظيم يؤكد على أهمية هذه السنة حتى إنه ليأمر بالسعي إلى صلاة الجمعة بمجرد سماع النداء لها وترك البيع. وهل هناك ما هو أدل من ذلك على أهمية صلاة الجمعة؟!
ومن السنن ما ذكره القرآن العظيم مبيناً حكمته وأهميته للمسلمين كما في قوله تعالى: (فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكه لكي لا يكون على المؤمنين حج في ازواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً وكان أمر الله مفعولاً).
كما أكد القرآن حجيةالسنة تأكيداً عاماً بأمره العام المطلق باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاعته والتأسي به مطلقاً. كما حذر من معصيته ومخالفة أمره وشدد في ذلك.
فقد أمر الله تعالى بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم مطلقاً وبين ان طاعته سبب في الرحمة والهداية قال الله تعالى: (وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون) وقال تعالى (وإن تطيعوه تهتدوا). وليس أدل على وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم من أن طاعته جاءت مقرونة بطاعة الله تعالى في عشرات المواضع في القرآن العظيم.
كما أمر باتباعه مطلقاً واخبر بان اتباع النبي صلى الله عليه وسلم دليل على محبة العبد لله تعالى وسبيل لنيل محبته سبحانه فقد قال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم).
كما أمر بالتأسي به مطلقاً فقال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً).
ثم إنه حذر من مخالفته أو معصيته وبين أن ذلك سبب في الفتنة بل هو دليل على عدم الإيمان والعياذ بالله! فقد قال الله تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب أليم)وقال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً).
كل هذه الأدلة تؤكد حجية السنة ولهذا فقد اتفقت كلمة المسلمين على الإيمان بالسنة المشرفة كما اتفقت كلمتهم على أن من أنكر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو شيئاً منها فإنه لا حظ له في الإسلام وما له في الآخرة من نصيب. والحمد لله رب العالمين
أخوكم خالد بن عبد الرحمن

==========================
 أسئلة لا يجيب عليها منكرى السنة


 دعوى أن السنة ليست تشريعًا أبديا!

الامر من الله باتباع النبي وطاعته واتباع سنته

جواب عدد الأحاديث المتواترة / الحديث المتواتر / فيصل القلاف

عشرة ادلة على حجية السنة فيصل القلاف

اين نجد في القرآن اتباع الاحاديث النبوية ؟

ملف ردود على منكر السنة عن القطعي الظني المتواتر الضروري طاعة النبي


الوحي القرآني «دراسة تقويمية لأقوال المستشرق الألماني كارل بروكلمَنْ

تفنيد زعم القرآنيين بأنه لا طاعة للنبي لاطاعة للنبي بعد وفاته

الرد على شبهات القرآنيين إعداد عثمان بن معلم محمود بن شيخ علي / منكري السنة

 الرد على شبهات المستشرقين حول السنة النبوية.. لأحمد محمد بوقرين



الرد على منكر السنة الشبهة الأولى الاكتفاء بالقرآن


حوار حول حديث الآحاد و المتواتر مع منكر السنة / التواتر والآحاد

============

الرد على منكر السنة الذي يدعي ان طاعة النبي في حياته فقط

مناظرتي مع منكر السنة والتي انتهت بانسحابه ..

 السهام النقدية على فرقتي الشحرورية والعقلانية 

الرد على ما هي السنة حفظ السنة من المنافقين التواتر والقطعي والظني حجية الآحاد


البخاري على الأصل؛ فإن الحديث الصحيح يفيد العلم:

قال البخاري في كتابه «الجامع المسند الصحيح المختصر»: كتاب العلم، وذكر فيه جملة من الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم وكلها أخبار آحاد، وقال: باب فضل العلم- وقول الله تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾[ المجادلة: 11]. وقوله عز وجل: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: 114]. قلت: وهذا العلم في قوله: ﴿أُوتُوا الْعِلْمَ﴾، و﴿زِدْنِي عِلْمًا﴾، لا شك أن من العلم المراد في الآيات؛ السنة القولية والفعلية، فالأخذ بالأخبار والأحاديث الصحيحة المروية عن الثقات علم . و قد روى في البخاري (105)، ومسلم (1679) في «صحيحيهما» من طريق محمد بن سيرين، عن ابن أبي بكرة، عن أبي بكرة ذكر النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «فإن دماءكم وأموالكم - قال محمد: وأحسبه قال: - وأعراضكم عليكم حرام؛ كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب»، وكان محمد يقول: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذلك «ألا هل بلغت»؛ مرتين . 

قال البخاري في كتاب العلم: باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب .

قلت: فسمّاه البخاري علماً وهو خبر آحاد: «ليبلغ الشاهد منكم الغائب»؛ أي: ليبلغ من حضر منكم وسمع منا؛ الغائب الذي لم يحضر سماع الخطبة . والحمد لله على توفيقه وإحسانه.
الرد على منكر السنة و قول الصلاة جاءت بالتواتر / التواتر

============

تقسيم السنة إلى متواتر وآحاد 

د . عبدالكريم بن عبدالله الخضير 

السؤال هناك من يقول أن التقسيم للسنة إلى متواتر وآحاد أمرٌ حادث قال به أهل البدع لرد الأحاديث، ولهذا لم يرد عن السلف هذا التقسيم، فما رأيك؟ . 

الجواب لو قلنا أن كل هذه التقسيمات لم توجد عن السلف، ابحث عن كلام الصحابة عن كل من الصحيح والضعيف والحسن فهل تجد شيء ؟ فهذا التقسيمات اصطلاحية، و لا أحصي ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- ومثّل للمتواتر بأحاديث، وقسّم المتواتر إلى لفظي ومعنوي، كل هذا موجود في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الذي تصدى لأهل البدع.

إذا وجد هذا الكلام، نعم لو لم يلفظ به إلا مبتدع اجتنبناه، لكنه موجود في كلام أهل السنة، وسواء سميناه متواتر أو آحاد أو لم نسمه، الحقيقة حقيقة ، الأخبارُ متفاوتة، هل الأخبار على حد سواء؟ الخبر الذي يأتيك من طريق عشرة مثل الخبر الذي يأتيك عن طريق واحد؟ نعم، لا ، فالأخبارُ متفاوتة ، والخلافُ لفظي، والتسمية اصطلاحية، ولا مشاحّـة في الاصطلاح، وإذا عرفنا أن شيخ الإسلام –رحمه الله- نطق بالمتواتر وأن في السنة متواتر وأنه يفيد القطع ومنها المتواتر اللفظي وأن منها المتواتر المعنوي، .

ونقول العقائد تثبت بالآحاد كالأحكام وينتهي الإشكال، المبتدعة يريدون شيء، حينما يقسّموا إلى متواتر وآحاد يريدون أن يثبتوا أن المتواتر هو المفيد بالقطع والآحاد لا يفيد إلا الظن ، يريدون أن ينفوا كثير مما يثبته أهل السنة في أمورِ الاعتقاد بهذه الطريقة، لا نلتزم بلازمهم، أما كونهم يقولون بشيء وهو صحيح حق، الحقُّ يُقبَلُ ممن ما جاءَ به، لكنَّ باطلهم يُـرد عليهم، ولا يحملنا الحماسة والدفاع على أن ننفي الحقائق، أو نثبت مالم يثبت عن الله أو عن رسوله.

فمثل واحد يقول أنّ اليهود نفوا صلب المسيح وقتل المسيح، قام واحد من الجُهّال من المسلمين وقال: لا، اليهود قتلوه!! هو يزعم أن اليهود يتقرَّبون إلى النصارى في كلامه هذا من أجل كسب القضيّة وهو يريد أن يكسب القضيّة من طرف آخر، فهذا تكذيب القرآن .

فأحياناً حماسة بعض طلاب العلم يوقعه في الحَرج فينفي ما هو موجود مُثبت، فالأخبار متفاوتة منها ما يفيد العلم، يعني بمجرد سماعه تجزم بأنه صحيح، ومنها ما يفيد إلا الظن .

====================

التواتر يفيد العلم القطعى 

الأحاد يفيد العلم الظاهر ( لا اريد أن اقول الظن الراجح)
كلاهما يؤخذ به فى الاحكام و العقائد
فما ظاهره الصحة لا نرفضه و الا لنرفض أى خبر يذاع فى نشرات الأخبار و ليرفض الطلبة ما يقوله المدرس تحسباً لاحتمال توهمه و لنرفض أى خبر لم يصلنا بطريق متواتر و هذه ليست سنة العقلاء

================================

فالمتواتر له معان ، ولقد بينها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى فقال :
(( وأما عدة الأحاديث المتواترة التي في الصحيحين فلفظ المتواتر : يراد به معان ؛ إذ المقصود من المتواتر ما يفيد العلم لكن من الناس من لا يسمي متواترا إلا ما رواه عدد كثير يكون العلم حاصلا بكثرة عددهم فقط ويقولون : إن كل عدد أفاد العلم في قضية أفاد مثل ذلك العدد العلم في كل قضية وهذا قول ضعيف . والصحيح ما عليه الأكثرون : أن العلم يحصل بكثرة المخبرين تارة وقد يحصل بصفاتهم لدينهم وضبطهم وقد يحصل بقرائن تحتف بالخبر يحصل العلم بمجموع ذلك وقد يحصل العلم بطائفة دون طائفة )) إنتهى .

=======
أما العدد الذي يحصل به التواتر فيقول شيخ الإسلام في الفتاوى :
(( ان المتواتر ليس له عدد محصور بل إذا حصل العلم عن إخبار المخبرين كان الخبر متواترا وكذلك الذي عليه الجمهور أن العلم يختلف باختلاف حال المخبرين به . فرب عدد قليل أفاد خبرهم العلم بما يوجب صدقهم وأضعافهم لا يفيد خبرهم العلم ؛ ولهذا كان الصحيح أن خبر الواحد قد يفيد العلم إذا احتفت به قرائن تفيد العلم . وعلى هذا فكثير من متون الصحيحين متواتر اللفظ عند أهل العلم بالحديث وإن لم يعرف غيرهم أنه متواتر ؛ ولهذا كان أكثر متون الصحيحين مما يعلم علماء الحديث علما قطعيا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله تارة لتواتره عندهم وتارة لتلقي الأمة له بالقبول . وخبر الواحد المتلقى بالقبول يوجب العلم عند جمهور العلماء من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وهو قول أكثر أصحاب الأشعري كالإسفراييني وابن فورك ؛ فإنه وإن كان في نفسه لا يفيد إلا الظن ؛ لكن لما اقترن به إجماع أهل العلم بالحديث على تلقيه بالتصديق كان بمنزلة إجماع أهل العلم بالفقه على حكم مستندين في ذلك إلى ظاهر أو قياس أو خبر واحد فإن ذلك الحكم يصير قطعيا عند الجمهور وإن كان بدون الإجماع ليس بقطعي ؛ لأن الإجماع معصوم فأهل العلم بالأحكام الشرعية لا يجمعون على تحليل حرام ولا تحريم حلال كذلك أهل العلم بالحديث لا يجمعون على التصديق بكذب ولا التكذيب بصدق . وتارة يكون علم أحدهم لقرائن تحتف بالأخبار توجب لهم العلم ومن علم ما علموه حصل له من العلم ما حصل لهم )) انتهى .

===========
الرد على شُبهة أنَّ حديث الآحاد لا يفيد إلا الظن


==============
الآحاد تفيد القطعية في ثبوتها

الأول: قول الظاهرية وجمع من أهل العلم - منهم العلامة أحمد شاكر - أن كل حديث صحيح يفيد القطع، لما اقترن به من وعد الله تعالى بحفظ الدين، قال تعالى: ( إنا نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ). 
الثاني قول جمهور أهل الحديث أن الآحاد إن صح واحتفت به قرينة ترفع احتمال الخطإ أفاد القطع. 
ومن القرائن كون الحديث في الصحيحين ولم يعله حافظ، وجلالة رواته حيث يتابعون، وتعدد طرقه وإن لم يصل حد التواتر، وصحة السند من غير مغمر من غير أن يكون أحداً ضعفه، وتلقي الأمة له بالقبول عملاً وتصديقاً، وغير ذلك. 
الثالث قول بعض المتكلمين ممن ليس له باع في فقه ولا حديث أنه لا يفيد القطع، وهو قول باطل منشؤه الجهل والهوى.
وعليه فدعوى ( سامي ) غير صحيحة أصلاً، إما عن عدم علم بأقوال العلماء أو بتجاهل لها! وأحلى الأمرين مر! لا سيما وأن الصحيح الذي عليه جماهير الأمة سلفاً وخلفاً، بل هو الصواب المقطوع به، بخلاف الذي ادعى عليه الإجماع.
لكن أعتذر له، فلعله لم يفرق بين القطعي من العلم والضروري، فالذي يختص به المتواتر هو الضروري، والضروري هو ما لا يحتاج إلى استدلال ولا يملك الإنسان دفعه عن نفسه. أما القطعي فهو الذي لا يدخله احتمال أو شك، مع كونه قد يستدل له. فشتان ما بينهما.

======================


 أسئلة لا يجيب عليها منكرى السنة

أقوال العلماء في حجيّة خبر الآحاد

 مقالات عن حديث الآحاد


اقتراح مناظرة 


الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام
تأليف
محمد ناصر الدين الألباني
الفصل الأول
وجوب الرجوع إلى السنة وتحريم مخالفتها
أيها الإخوان الكرام : إن من المتفق عليه بين المسلمين الأولين كافة ، أن السنة النبوية – على صاحبها أفضل الصلاة والسلام – هي المرجع الثاني والأخير في الشرع الإسلامي ، في كل نواحي الحياة من أمور غيبية اعتقادية – أو أحكام عملية ، أو سياسية ، أو تربوية وأنه لا يجوز مخالفتها في شيء من ذلك لرأي أو اجتهاد أو قياس ، كما قال الإمام الشافعي رحمه الله في آخر " الرسالة " : " لا يحل القياس والخبر موجود " ، ومثله ما اشتهر عند المتأخرين من علماء الأصول :" إذا ورد الأثر بطل النظر " ،" لا اجتهاد في مورد النص " ومستندهم في ذلك الكتاب الكريم ، والسنة المطهرة .
* القرآن يأمر بالاحتكام إلى سنة الرسول صلى الله عليه و سلم
أما الكتاب ففيه آيات كثير ، أجتزىء بذكر بعضها في هذه المقدمة على سبيل الذكرى ]فإن الذكرى تنفع المؤمنين[.
1- قال تعالى:] وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً[ (الأحزاب : 36) .


الأدلة القرآنية على حجية السنة النبوية (حوار مع منكر السنة )



الرد على شبهة -تأخر في تدوين السنة-


الأحاديث المتواترة. ثانياً: ما أخرجه الشيخان ولم ينتقده أحد الحفاظ. ثالثاً: ما تسلسل بالأئمة الحفاظ حيث توبعوا. رابعاً: ما جاء من طرق واختلف مخرجه. خامساً: ما صح سنده من غير مطعن. سادساً: ما تلقته الأمة بالقبول عملاً وتصديقاً.
وهذه الأنواع تحتها من الأفراد ما لا ينحصر، وبالتالي تبطل دعوى أن السنة ظنية الثبوت.
3. أن الرواة الذين رووا الأحاديث هم الذين رووا القرآن، فمن طعن في نقلهم هذا فقد طعن في نقلهم ذاك. 
واتهامهم بالغلو في تقديس البشر مردود لعرية عن الدليل، ولاشتهار عكسه. كيف وهم الذين رووا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم ). وهم الذين تواتر عن أئمتهم قولهم: ( كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر ) وقولهم: ( إذا عارض قولي الكتاب والسنة فاضربوا به عرض الحائط ) وغيره مما في معناه.

======

اقتراح بمناظرة تحسم مسألة حجية السنة في المنتدى  


=============


حجيَّة أحاديثِ الآحاد في العقائد والأحكام
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?11897-%CD%CC%ED%F3%F8%C9-%C3%CD%C7%CF%ED%CB%F6-%C7%E1%C2%CD%C7%CF-%DD%ED-%C7%E1%DA%DE%C7%C6%CF-%E6%C7%E1%C3%CD%DF%C7%E3

الرد على ما هي السنة حفظ السنة من المنافقين التواتر والقطعي والظني حجية الآحاد
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?13774-%C7%E1%D1%CF-%DA%E1%EC-%E3%C7-%E5%ED-%C7%E1%D3%E4%C9-%CD%DD%D9-%C7%E1%D3%E4%C9-%E3%E4-%C7%E1%E3%E4%C7%DD%DE%ED%E4-%C7%E1%CA%E6%C7%CA%D1-%E6%C7%E1%DE%D8%DA%ED-%E6%C7%E1%D9%E4%ED-%CD%CC%ED%C9-%C7%E1%C2%CD%C7%CF&highlight=%D9%E4%ED%C9
أسئلة عجز عن الإجابة عليها منكرو السنة
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?13764-%C3%D3%C6%E1%C9-%DA%CC%D2-%DA%E4-%C7%E1%C5%CC%C7%C8%C9-%DA%E1%ED%E5%C7-%E3%E4%DF%D1%E6-%C7%E1%D3%E4%C9

ملف الردود المميزة على المواضيع التي يتكرر طرحها من منكري السنة
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?14794-%E3%E1%DD-%C7%E1%D1%CF%E6%CF-%C7%E1%E3%E3%ED%D2%C9-%DA%E1%EC-%C7%E1%E3%E6%C7%D6%ED%DA-%C7%E1%CA%ED-%ED%CA%DF%D1%D1-%D8%D1%CD%E5%C7-%E3%E4-%E3%E4%DF%D1%ED-%C7%E1%D3%E4%C9

 الصلاة و السنه المزعومة
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?22459-%C7%E1%D5%E1%C7%C9-%E6-%C7%E1%D3%E4%E5-%C7%E1%E3%D2%DA%E6%E3%C9

حديث الآحاد الصحيح يفيد الظن ولا يُحتج به في العقائد
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?21622-%CD%CF%ED%CB-%C7%E1%C2%CD%C7%CF-%C7%E1%D5%CD%ED%CD-%ED%DD%ED%CF-%C7%E1%D9%E4-%E6%E1%C7-%ED%F5%CD%CA%CC-%C8%E5-%DD%ED-%C7%E1%DA%DE%C7%C6%CF
ملف اسئلة مكررة  منكري السنة
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?14794-%E3%E1%DD-%C7%E1%D1%CF%E6%CF-%C7%E1%E3%E3%ED%D2%C9-%DA%E1%EC-%C7%E1%E3%E6%C7%D6%ED%DA-%C7%E1%CA%ED-%ED%CA%DF%D1%D1-%D8%D1%CD%E5%C7-%E3%E4-%E3%E4%DF%D1%ED-%C7%E1%D3%E4%C9/page3

خبر التواتر الاحاد ونسخه القرآن
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?24633-%CD%E6%E1-%CE%C8%D1-%C7%E1%C2%CD%C7%CF-%E6%E4%D3%CE%E5-%E1%E1%DE%D1%C2%E4-%C7%E1%E3%CA%E6%C7%CA%D1/page5

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق