الخميس، 11 ديسمبر 2014

منكري السنة شبهاتهم حول السنة والرد عليهم

( شبهاتهم حول السنة والرد عليهم ):
============

الشبهة الأولى : القرآن يستغنى به عن السنة لأنه تكفل بذكر الأمور الدينية كلها بالشرح والتفصيل.

الرد عليهم : لإنزاع أن القرآن شمل أُصول الشريعة كلها ، ونص على بعض جزئياتها اليسيرة ، وأما ما أدعاه هؤلاء من تنصيصه على كل صغيرة وكبيرة فهو بهتان عليه لا يقره واقع القرآن ، يقول د مصطفى السباعي في كتابه ( السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص 178) : « إن القرآن الكريم قد حوى أصول الدين وقواعد الأحكام العامة ، ونص على بعضها صراحة، وترك بعضها الآخر لرسوله صلى الله عليه وسلم فمنها ما أحكم فرضه بكتابه وبين كيف هو على لسان نبيه مثل عدد الصلاة والزكاة ووقتها وغير ذلك من فرائضه التي أنزل من كتابه».

ويقول خادم حسين بخش في كتابه ( القرآنيون ص 212) : «ولعل الذي أوقعهم في اللبس هو الفهم الخاطئ لقوله تعالى [ ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء].

ويقول عماد السيد الشربيني في كتابه ( السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام 1/193) : «إن أعداء السنة المطهرة فهموا أن المراد من الكتاب في قوله تعالى : 
[ ما فرطنا في الكتاب من شيء] القرآن ، ولكن مجموع الآيات ابتداء ونهاية ، يفيد أن المراد بالكتاب هنا هو اللوح المحفوظ الذي حوى كل شيء »

الشبهة الثانية : السنة لو كانت حجة لتكفل الله بحفظها.

الرد عليهم : زعم أعداء السنة أن الله تعالى تكفل بحفظ القرآن دون السنة ، واحتجوا بقوله تعالى : [إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون].

الرد عليهم : إن رب العزة قد تكفل بحفظ ما صح من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والدليل من القرآن على حفظ السنة قوله تعالى : [ وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ] فليست كلمة الذكر في القرآن خاصة بالقرآن بل هي للسنة أيضاً، فيلزم من هذا أن يكون الله تكفل بحفظ السنة ، لأن حفظ المبين يستلزم حفظ البيان للترابط بينهما.

يقول الدكتور عبد الله المهدي عبد القادر في كتابه ( دفع الشبهات عن السنة النبوية ص 64): « سلمنا جدلاً أن " الذكر " هو القرآن ، إلا أن الآية تفيد حفظ الله سبحانه وتعالى السنة ، فإن حفظ المبين يقتضي حفظ المبين ، فمادامت السنة بيان القرآن ، فإن حفظ القرآن يقتضي حفظ السنة ، وإلا لبقي القرآن دون بيان فلا يكون قد حفظ ! »

الشبهة الثالثة : ( لو كانت السنة حجة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابتها، ولعمل الصحابة والتابعون من بعد على جمعها وتدوينها ، لما في ذلك من صيانتها من العبث والتبديل ، وفي صيانتها من ذلك وصولها للمسلمين مقطوعاً بصحتها.

الرد عليهم : قال د مصطفى السباعي في كتابه ( السنة ومكانتها في التشريع ص 81) : «إن عدم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة السنة ونهيه عن ذلك كما ورد في بعض الأحاديث الصحيحة ، لا يدل على عدم حجيتها ، بل إن المصلحة حينئذ كانت تقتضي وبتضافر كتاب الصحابة – نظراً لقلتهم – على كتابة القرآن وتدوينه ، ويتضافر المسلمين على حفظ كتاب الله خشية من الضياع واختلاط شيء به ، وما ورد من النهي إنما كان عن كتابة الحديث وتدوينه رسمياً كالقرآن ، أما أن يكتب الكاتب لنفسه فقد ثبت وقوعه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم .

وليست حجية السنة مقصورة على الكتابة حتى يقال : لو كانت حجية السنة مقصودة للنبي لأمر بكتابتها ، فإن الحجية تثبت بأشياء كثيرة : منها التواتر ، ومنها نقل العدول الثقات ، ومنها الكتابة ، والقرآن نفسه لم يكن جمعه في عهد أبي بكر بناء على الرقاع المكتوبة فحسب ، بل لم يكتفوا بالكتابة حتى تواتر حفظ الصحابة لكل آية منه ... » 
الشبهة الرابعة : السنة انتقدت متناً وسنداً ، وعلماء الحديث تكلموا في رجالها ومتونها، وما كان ذلك ودخله النقد وآراء الرجال لا يصلح ديناً.

الرد عليهم : مثل هذا الكلام لا يصدر إلا ممن يجهل تاريخ الإسلام لمقاومة حركة الوضع في السنة ، فقد كان الصحابة على نقاء من السيرة والسريرة فنقلوا الدين بأمانة وإخلاص ، وفي أخر عهد عثمان رضي الله عنه خرج إلى حيز الوجود جماعة يتكلمون باسم الإسلام ، ويدسون فيه ما ليس منه ، ثم مع مرور الزمن إزداد عدد هؤلاء وكثر خداعهم ، إذ لم يكن هناك ما يردعهم عن هذا المسلك ، كما أن الخلافات السياسية والكلامية كانت من العوامل الرئيسية في حركة الوضع، يقول الباحث خادم بخش في كتابه ( القرآنيون ص 234-235) : «ثم دخل هذه الساحة الزنادقة والقصاصون والمتعصبون للجنس والبلد فاستحلوا الكذب في الحديث، وقد قاوم العلماء هذه الحركة الوضعية ، ووضعوا الأسس العلمية لفحص الحديث ومعرفة الصحيح من السقيم ، ومن بين هذه الأسس المطالبة بالإسناد المتصل الخالي من العلة والشذوذ حتى ينتهي الأمر إلى صاحب المتن ، ومن بين تلك الأصول عرض الرواة على علم الجرح والتعديل ، والبحث عن ضبطهم ومخالفتهم لغيرهم من الرواة، ثم البحث عن مضمون الحديث وعرضه على الأصول الإسلامية ، وقد أدت حركة الوضع إلى نتائج إيجابية من تشييد صرح السنة وإيجاد العلوم والفنون لضبطها سنداً ومتناً ، فهل يزعم بعد هذا أن الأحاديث قد انتقدت ، وما أنتقد لا يسعنا إقحامه في الدين وإقامة الشعائر بمقتضاه ؟! فالنقد والفحص للسنة لم يكن إلا لإزالة ما لصق بها ما ليس من أصلها .

الشبهة الخامسة : السنة أخبار آحاد تفيد الظن وهو ليس حجة.

الرد عليهم : إن خبر الأحاد أمرنا القرآن بقبوله وجرى العمل عليه في شرع الله قال تعالى : [ واستشهدوا شهيدين من رجالكم ] ولم يشترط شهادة التواتر ، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم كتب الرسائل إلى كسرى والنجاشي والمقوقس ، وقام بإيصال تلك الرسائل أفراد معدودون من رسله ، على اعتبار قبول خبر الآحاد والاحتجاج به فقبل أولئك الملوك تلك الرسائل دون أن يقولوا للرسل إنكم أفراد آحاد ، لا يستفاد من خبركم الحجة واليقين.

وقد ذكر الإمام الشافعي في كتابه ( الرسالة ص 401) أدلة كثيرة على حجية خبر الآحاد منها :


1- حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « نضَّر الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها »

2- وحديث أم سلمة في الرجل الذي قبَّل امرأته وهو صائم فأرسل امرأته تسأل عن ذلك فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: « ألا أخبرتيها أني أفعل ذلك» قال الشافعي : «فيه دلالة على أن خبر أم سلمة عنه مما يجوز قبوله ، لأنه لا يأمرها بأن تخبر عن النبي إلا وفي خبرها ما تكون الحجة لمن أخبرته . وهكذا خبر امرأته إن كانت من أهل الصدق عنده» .

3- وحديث ابن عمر رضي الله عنه قال : «بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ أتاهم آت فقال: إن رسول الله قد أنزل عليه قرآن ، وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها " وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة. ولم يكن لهم أن يدعوا فرض الله في القبلة إلا بما تقوم عليهم الحجة ولم يلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم».

ويقول الدكتور عبد المهدى عبد الهادي في كتابه ( دفع الشبهات عن السنة النبوية) (ص51): «وهذه الشبهة مغالطة في وصف الأحاديث بأنها آحاد ، فهذا المصطلح لم يستعمله المحدثون وإنما أطلقه من أرادوا إبطال الأحكام ، ومن راجع كتب المصطلح لا يجد هذا المصطلح عند المتقدمين ، ومن راجع كتب الأصول لم يجد هذه الدعوى عن المتقدمين منهم أيضا»ً

الشبهة السادسة : السنة فيها الصحيح والموضوع بخلاف القرآن .

الرد عليهم : إن من قال السنة فيها الصحيح والموضوع وسكت ، أفاد أن صحيح السنة مختلط بموضوعها ، ولا يميز الغث من السمين وهذا تجن على الحقيقة ومجانبة للصواب ، ولو أن قائله أنصف لأكمل الكلام فقال : السنة فيها الصحيح والموضوع، والصحيح معلوم والموضوع معلوم.
يقول د. عبد المهدي عبد الهادي في كتابه ( دفع الشبهات عن السنة النبوية ص 46-49) : «إن السنة لها رجالها وعلماؤها ولقد بينوا حال كل حديث ، وحكموا على الصحيح بالصحة ، وعلى الحسن بالحسن ، وعلى الضعيف بالضعف ، وعلى الموضوع بالوضع. وألف بعضهم كتباً في ذلك ، إن وجود كتب جامعة للأحاديث المقبولة وكتب للأحاديث المردودة ظاهرة طيبة في شأن السنة النبوية فمن أراد الأحاديث المقبولة فلها كتبها الكثيرة، وذلك لمعرفتها والتحذير من روايتها».

فمن قال من أراد إنكار السنة بأن فيها الصحيح والموضوع أراد بهذا أن تمييز الصحيح من الموضوع لا يمكن بل هو مختلط بعضه مع بعض وهذا لا يصلح أن يكون تشريعاً ومصدراً في الإسلام فلهذا الخطر لابد من إنكارها والاكتفاء بالقران.

الشبهة السابعة : التأخر في تدوين السنة النبوية فالسنة لم تدون إلا في مطلع القرن الثاني الهجري.

الرد عليهم : قال عماد السيد الشربيني في كتابه ( السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام ص 346-353).

«استعراض الشبهة وأصحابها : روى البخاري في صحيحة تعليقاً قال وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم انظر «ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء ، ولا تقبل إلا حديث رسول الله صلى الله عليه سلم ولتفشوا العلم ، ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم ، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سراً »

بهذه الرواية تعلق أعداء الإسلام من الرافضة ، والمستشرقين ، ودعاة اللادينية المتفرنجة فقالوا: إن السنة لم تدون إلا في مطلع القرن الثاني الهجري ، لأن أول من أمر بتدوينها هو الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ، وهو قد تولى الخلافة سنة 99هـ وتوفي سنة 101هـ. وهذه المدة الطويلة تكفي لأن يحصل فيها من التلاعب والفساد ما قد حصل.

والجواب ؛ بأدئ ذي بدء – نحن نجزم بصحة هذه الرواية التي صدرنا بها البحث ، وهي التي تفيد أن عمر بن عبد العزيز ، هو أول من أمر بتدوين السنة ، نجزم بصحتها لأنها وردت في أوثق مصادرنا ، وأصحها بعد كتابه تعالى ، وهو صحيح البخاري ، ولكننا نهدف من وراء هذا البحث إلى إثبات حقائق هامة وهي : 

1- الحقيقة الأولى : أن الكثيرين خلطوا بين النهي عن كتابة السنة، وبين تدوينها حيث فهموا خطئاً أن التدوين هو الكتابة ، وعليه فإن السنة النبوية –ظلت محفوظة في الصدور لم تكتب إلا في نهاية القرن الأول الهجري في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز- رحمه الله – 

ولو أن المعاصرين فهموا حقيقة الكتابة ، وحقيقة التدوين ، وأدركوا الفرق بينهما ، لما تعارضت النصوص في فهمهم ، ولما صح تشكيك أعداء الإسلام في السنة النبوية بدعوى تأخر تدوينها مدعين أنه دخلها الزيف ، لأن العلم الذي يظل قرناً دون تسجيل لابد وأن يعتبره يعتريه ويخله التحريف ، فإن الذهن يغفل والذاكرة تنسى ، أما القلم فهو حصن آمان لما يدون به.

الحقيقة الثانية : أن عمر بن عبد العزيز حينما أمر بتدوين السنة لم يبدأ ذلك من فراغ ، ولكنه اعتمد على أصول مكتوبة كانت تملأ أرجاء العالم الإسلامي كله من خلال روح علمية نشطة ، أشعلها الإسلام في أتباعه ، فأصبحوا يتقربون إلى الله بأن يزدادوا في كل يوم علماً ، وخير العلوم قطعاً ما كان متعلقاً بالقرآن والسنة.

إن القول بأن السنة قد بدأت كتابتها منذ عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى زمن تدوينها رسمياً أصبح حقيقة علمية مؤكدة ثبتت بالبراهين القطعية ، وتضافرت على إثبات هذه الحقيقة الساطعة أقوال جملة من الباحثين الثقات الأثبات».

وهناك شبهات كثيرة لدعاة إنكار السنة وقد رد عليها العلماء ، ودعاة إنكار السنة في الهند يحسن لطالب العلم أن يقرأ في الرد عليهم ممن عرفهم وجالسهم وهم علماء الحديث من الهند فهم أفضل من رد عليهم وذلك لمعرفتهم بهم على التفصيل.

فقد ألف الأستاذ خادم بخش ( القرآنيون وشبهاتهم حول السنة ) وألف العلامة حبيب الرحمن الأعظمي ( نصرة الحديث في الرد على منكري الحديث) وألف د. صلاح الدين مقبول ( زوابع في وجه السنة قديماً وحديثاً ).

وهناك دعاة لإنكار السنة قويت شوكتهم وتعددت شبهاتهم وقد اجتهدوا في الطعن في الحديث وحملته من الصحابة ومن بعدهم من أهل الحديث ، وأخبث وأشد هؤلاء الساقطين محمود أبو رية فقد ألف كتابه ( أضواء على السنة المحمدية) وكان من أفضل من رد عليه العلامة المحدث عبد الرحمن المعلمي في كتابه (الأنوار الكاشفة) وكذا الشيخ محمد أبو شهبة في كتابه ( دفاع عن السنة ).


هذا ونسأل الله الثبات على الإسلام والسنة ، وأن يعيذنا من مضلات الفتن .
وآخر دعوانا أن الحمد لله برب العالمين .


========= المـــراجــع =========


1- القرآنيون وشبهاتهم حول السنة .
تأليف : خادم حسين بخش ، الناشر مكتبة الصديق.
2- السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي .
تأليف : الدكتور مصطفى السباعي ، الناشر دار الوراق.
3-السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام مناقشتها والرد عليها.
تأليف : عماد السيد الشربيني ، الناشر دار اليقين – مصر
4- دفاع عن السنة ، تأليف : د. محمد أبو شهبة.
5- السنة النبوية بين دعاة الفتنة وأدعياء العلم.
تأليف د . عبد الموجود محمد عبد اللطيف ، الناشر مطبعة طيبة –مصر.
6-دفع الشبهات عن السنة النبوية . تأليف د. عبد المهدي عبد القادر عبد الهادي ، الناشر مكتبة الإيمان – مصر 
7- زاوبع في وجه السنة ، تأليف د. صلاح الدين مقبول أحمد، الناشر مجمع البحوث العلمية الإسلامية – الهند
8- نصره الحديث في الرد على منكري الحديث ، تأليف حبيب الرحمن الأعظمي، الناشر دار رحاب طيبة – المدينة المنورة.
9- الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على السنة من الزلل والتضليل والمجازفة 
تأليف الشيخ عبد الرحمن المعلمي ، الناشر المكتب الإسلامي – بيروت 
10- دراسات في الحديث النبوي ، تأليف محمد الأعظمي ، ا لناشر مطابع الرياض.
__________________
أبو سعد الأثري رياض بن عبدالمحسن بن سعيد

==================


السنة متواترة

ونبدأ بتذكيرهم بأن السنة المشرفة متواترة بعمومها عن رسول الله كتواتر القرآن العظيم مثلاً بمثل! وهذا لا يخفى على ذي بصيرة فكما أن كل مسلم على وجه الأرض قد تلقى القرآن العظيم ممن قبله وتلقاه من قبله عمن قبلهم وهكذا جيلاً بعد جيل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكذلك فقد تلقى المسلمون السنة جيلاً عن جيل تواتراً وإجماعاً لا يشك فيه مسلم وكما أن كل مسلم يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ شيئاً اسمه القرآن فكذلك فكل مسلم يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغ شيئاً اسمه السنة!
ثم إن كثيراً من امور السنة المشرفة قد تواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تواتراً مقطوعاً به لا يشك فيه مسلم جيلاً عن جيل.
كالأذان والصلوات الخمس والاحتفاء بالعيدين وغير ذلك من السنن المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما أن كل مسلم على وجه الأرض صغيراً ام كبيراً ذكراً ام أنثى عربياً أم أعجمياً يحفظ الفاتحة عن ظهر قلب ويعلم أنها من القرآن الذي بلغه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل فكذلك فكل مسلم على وجه الأرض يحفظ الأذان عن ظهر قلب -من لفظ الجلالة إلى لفظ الجلالة- ويعلم أنه من السنة التي بلغها النبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى بجانب القرآن العظيم! ولا شك أن هذا وحده كاف للدلالة على وجود السنة وثبوتها لقوم يعقلون.


القرآن يؤكد وجود السنة ويثبت حجيتها

ولكن ليس تواتر السنة هو دليلنا الوحيد وإن كان كافياً شافياً والحمد لله ولكن القرآن العظيم نفسه قد بين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبلغ الناس أخباراً وشرائع واحكاماً لم تنزل في القرآن مما يؤكد أنها جاءت في السنة قطعاً. والأمثلة على ذلك في القرآن أكثر من أن نستطيع إحصاءها هنا وسنكتفي بذكر مثال واحد في الأخبار وبمثال آخر في الأحكام.

فقد قال الله تعالى -راوياً أحد الأخبار التي بشر بها المؤمنين(1)-: (إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم ان يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين*بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين*وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم).

فهاهو القرآن يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الخبر الذي تضمن بشرى بشر بها أصحابه الكرام وهي وعد الله تعالى بأن يمدهم بالملائكة.

ومن البدهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل هذه البشرى من عند نفسه! فالإخبار عن الملائكة والإمداد بهم وتحديد المدد بهذا العدد أو ذاك كل ذلك من أمر الغيب الذي لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلمه أو يعلمه غيره إلا بإطلاع الله تعالى إياه عليه فمن أين عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى سيمد المؤمنين بالملائكة؟! لا شك أن الله تعالى أطلعه على ذلك ولكن أين أطلعه الله تعالى عليه؟!

لو قرأنا القرآن العظيم سورة سورة وآية آية فإننا لن نجد آية واحدة تذكر هذه البشرى إلا هذه الآية التي تروي إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بها ولا ترويها ابتداءً! فأين تلقى النبي صلى الله عليه وسلم هذه البشرى حتى يبلغها الناس؟! لا شك أنه تلقاها في الوحي الآخر الذي هو السنة!

ويقول الله تعالى: (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم*وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم).

وهذه الآية تذكر حكماً شرعياً بلغه الني صلى الله عليه وسلم للناس ونسخ القرآن جزءً منه وهو استقبال القبلة الأولى -بيت المقدس فك الله أسره- ومن البدهي ايضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع استقبال تلك القبلة من عند نفسه وقد صرح القرآن بأن الله تعالى هو الذي جعلها قبلة للمسلمين فأين أنزل الله تعالى الأمر باستقبال بيت المقدس؟! إن هذا الأمر لم ينزل في القرآن فأين نزل إذن لا شك انه نزل في الوحي الآخر الذي هو السنة المشرفة.

ونكتفي بهذين المثالين الذين يدلان يقيناً على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتلقى وحياً آخر غير القرآن وكان يتلقى فيه الأخبار والأحكام.

ولقد صرح القرآن العظيم بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتلقى أخباراً ومبشرات وشرائع وأحكاماً في غير القرآن وصرح في آيات كثيرة بذكر الطريق الذي تلقى النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأمور من خلاله. فقد قال تعالى: (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً).

فهذه الآية الكريمة تصرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم تلقى خبراً وبشرى متضمناً الإشارة إلى حكم شرعي -هو الحلق والتقصير وربما كان فيه الإشارة إلى جواز أي منهما- في رؤيا حق رآها النبي صلى الله عليه وسلم في المنام -وهو أحد صور الوحي- وليس في آية من القرآن العظيم.

ما سبق يؤكد بما لا يدع مجالاً لشك أو احتمال بأن النبي صلى الله عليه وسلم تلقى شيئين لا شيئاً واحداً هما القرآن والسنة.


القرآن يؤكد حجية السنة

وقد أكد القرآن حجية السنة المشرفة بذكره مالا نحصيه الآن من السنن ومنها ما ذكره ذكراً عارضاً كالنداء للصلاة كما في قوله تعالى: (وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزواً ولعباً) ومن المعلوم أن الأمر بالنداء لم ينزل في القرآن بل نزل في السنة ولم يرد له ذكر في القرآن إلا إشارة كما بينا ولا شك أن ذكر السنة هو إقرار لها يقيناً وهكذا في كل السنن التي اشار إليها القرآن. 

ومن السنن ما أكد عليه القرآن وشدد عليه وهذا ولا شك يدل على أهميتها وحجيتها قطعاً وذلك كصلاة الجمعة حيث قال الله تعالى: (ياأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) والأمر بصلاة الجمعة لم نزل في القرآن العظيم بل في السنة المشرفة وهلنحن نرى القرآن العظيم يؤكد على أهمية هذه السنة حتى إنه ليأمر بالسعي إلى صلاة الجمعة بمجرد سماع النداء لها وترك البيع. وهل هناك ما هو أدل من ذلك على أهمية صلاة الجمعة؟!

ومن السنن ما ذكره القرآن العظيم مبيناً حكمته وأهميته للمسلمين كما في قوله تعالى: (فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكه لكي لا يكون على المؤمنين حج في ازواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً وكان أمر الله مفعولاً).

كما أكد القرآن حجيةالسنة تأكيداً عاماً بأمره العام المطلق باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاعته والتأسي به مطلقاً. كما حذر من معصيته ومخالفة أمره وشدد في ذلك.

فقد أمر الله تعالى بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم مطلقاً وبين ان طاعته سبب في الرحمة والهداية قال الله تعالى: (وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون) وقال تعالى (وإن تطيعوه تهتدوا). وليس أدل على وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم من أن طاعته جاءت مقرونة بطاعة الله تعالى في عشرات المواضع في القرآن العظيم.

كما أمر باتباعه مطلقاً واخبر بان اتباع النبي صلى الله عليه وسلم دليل على محبة العبد لله تعالى وسبيل لنيل محبته سبحانه فقد قال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم).

كما أمر بالتأسي به مطلقاً فقال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً).

ثم إنه حذر من مخالفته أو معصيته وبين أن ذلك سبب في الفتنة بل هو دليل على عدم الإيمان والعياذ بالله! فقد قال الله تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب أليم) وقال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً).

كل هذه الأدلة تؤكد حجية السنة ولهذا فقد اتفقت كلمة المسلمين على الإيمان بالسنة المشرفة كما اتفقت كلمتهم على أن من أنكر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو شيئاً منها فإنه لا حظ له في الإسلام وما له في الآخرة من نصيب. 
والحمد لله رب العالمين


أخوكم 
خالد بن عبد الرحمن 

والنقل
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=22700

================
( القلاف )

الحمد لله المتكلم بالقرآن الحكيم، له الحمد أن بعث فينا الرؤوف الرحيم، فبين لنا بسنته صراط الله المستقيم، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أتم تسليم.

وبعد، فقد كنت اتفقت مع الزميل ( من أهل الذكر ) أن يذكر لي أوضح عشر آيات في الدلالة على نفي حجية السنة النبوية المطهرة. فوفى وأتى بما عرف، لكن خالف العهد غير مرة كما سيتبين، والله المستعان.

وها أذكر الرد مبيناً فيه بطلان ما ادعى، وثبوت خلافه، أعني وضوح دلالة القرآن الكريم على حجية السنة النبوية المطهرة.
فأبدأ مستلهماً الله الصواب، سائلاً إياه التوفيق والسداد.

ذكر المناظر في مقدمة كلامه قوله تعالى: ( قد جاءكم من ربكم نور وكتاب مبين ) مستدلاً بذلك على أن القرآن الكريم نور.

وهذا خطأ، لأن العطف يقتضي المغايرة قطعاً في لغة العرب. 

وعليه فالنور مغاير للكتاب الذي هو القرآن. فما هو هذا النور؟ 

معلوم أننا لم يأتنا من الله تعالى سوى القرآن والسنة، وقد تبين أن القرآن غير مراد بالنور هنا، فهو إذاً سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو هو عام يشمل كليهما. 
هذا أول دليل، قد تبين أنه لي، وليس له.

ثم وصف القرآن بأمور، منها أنه: ( إباء الأبي )، والإباء رفض بأنفة. فأقول أي رفض جاء به القرآن؟ 

إن أراد رفض المعصية ونوازع الشر، فنعم هو كذلك، وكذلك السنة النبوية المطهرة.

أما إن أراد رفض السنة، فلا وربي، ما جاء القرآن به، وإنما جاء بذمه كما قال تعالى: ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً ).

ثم ادعى صاحبنا أن: ( التفسير الواضح في القرآن وحده ).

وهذه إحدى العجائب! إذ التفسير الشرح والتوضيح. فهل القرآن شرح للقرآن؟! 

نعم في بعض القرآن شرح لبعض القرآن، لكن هذا البعض الذي هو الشرح، أين شرحه؟ إن قيل شرحه بعض آخر من القرآن، يقال: وأين شرح هذا البعض الآخر؟ وهكذا، مما يلزم منه التسلسل أو الدَّوْر، وكلاهما ممتنع مرفوض. 

وإن قال أن بعض القرآن غامض يحتاج توضيحاً، والبعض الآخر هو الذي يوضحه، ثم هذا البعض الآخر واضح لا يحتاج ما يوضحه، إن قال هذا، فمردود كذلك. 

لأن القرآن عربي، ولا شك تحتاج كل آية منه توضيحاً لغير العربي، فلزم أن يكون للقرآن شرح بشري يفهمه به غير العربي. وهذا حاصل حساً ولا خلاف، وليس في ذلك انتقاص ولا محال. 

بل والعربي، قد يكون فيه نقص فهم أو علم أو تدبر، يخفى عليه به بعض القرآن. فيأتي رجل عربي آخر فيوضحه له. وهذا حاصل حساً بلا خلاف. ولا يلزم منه محال ولا انتقاص. 

فنقول: أولى من يشرح القرآن ويوضحه للعربي ولغيره هو الذي أنزل عليه القرآن، صلوات الله وسلامه عليه، وتوضيحه هو السنة. وبالتالي فهي حجة، ولله الحمد.

ثم ذكر المناظر قوله تعالى: ( ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً ). يريد أن يستدل بذلك على أن القرآن يوضح بعضه بعضاً، ولا يحتاج إلى غيره في بيانه.
وهذا غلط في الدليل والمدلول. 

بمعنى أن الدليل لا يدل على المراد، والمراد غير صحيح أصلاً.

بيان بطلان المدلول مر فيما سبق قريباً.

أما بيان بطلان الدليل فكما يلي: الله تعالى تكفل في هذه الآية أن لا يأتي الكافرون النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشبهة لإبطال أمره، إلا جاءه الله بالحق الذي يدمغ ذلك الباطل، وجاءه الشرع البالغ في الوضوح غاية الحسن، بحيث لا يمكن لأحد أن يدعي فيه عيباً.

فالخلاف إذاً في البيان الذي يأتي به النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فالخصم يدعي أنه القرآن وحده. وأنا أرد عليه بأن البيان إما كتاب وإما سنة. ومعلوم أن الذي أخذ الرسول من الله هو الكتاب والسنة، فمن خصص أحدهما من غير دليل فقد تحكم، وهذا مرفوض.

فالحمد لله رب العالمين.

ثم وصف المناظر القرآن بأنه ليس فيه ( موقوف ولا مكذوب ) يريد بذلك التعريض بكتب السنة النبوية المطهرة، التي فيها الموقوف والمكذوب.
وهذا غلط شنيعٌ، لو فهمه ما تكلم به. 

بيانه أن كتب قراءات القرآن الكريم فيها آيات تروى بأسانيد غير صحيحة أو مخالفة لوجوه الإعراب أو مخالفة للرسم العثماني، وهذه الروايات يسميها أهل العلم ( شاذة ). وبالتالي فالكتب التي تنقل القرآن فيها الشاذ والآحاد والمتواتر.

وهذا لا شك لا يطعن في القرآن الكريم، إذ القراءات الشاذة معروفة مشهورة، والقراءات الصحيحة معروفة مشهورة، وبالتالي فالقرآن محفوظ من الله تعالى.
وكذلك نقول في السنة النبوية المطهرة، فالأحاديث الموضوعة والموقوفة والمقطوعة وغيرها معلومة، والأحاديث الصحيحة معلومة، وبالتالي فهي محفوظة من الله كالقرآن، ولا فرق، والحمد لله رب العالمين.

ثم قال المناظر: ( فإن اختلف في الشرع مختلفان فالحكم لله، وفصل الخطاب في كتابه العزيز ).

وهذا غلط كذلك. 

لأنه بنى مقدمة، واستنتج منها ما لا تدل عليه. 

كيف؟ 

المقدمة أن الحكم لله تعالى وحده، وهذا حق، قال تعالى: ( أليس الله بأحكم الحاكمين ) وقال تعالى: ( إن الحكم إلا لله ) وقال تعالى: ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) وقال تعالى: ( لله الأمر من قبل ومن بعد ) وغيرها.

لكن حكم الله تعالى في المسألة يعلم بطرق مختلفة. فتارة من القرآن كما قال تعالى: ( وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون ). وتارة من السنة كما قال تعالى: ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ). وتارة من الإجماع كما قال تعالى: ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً ). وتارة من أقوال الصحابة المأخوذة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما قال تعالى: ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ). وتارة من القياس الصحيح كما قال تعالى: ( أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحي الموتى، بلى ). 

ففي هذه الآيات يحث الله تعالى المؤمنين على اتباع الطرق التي بها يعلم حكمه تعالى. فالسنة من الرسول أخذها عن الله، والإجماع مستند إلى كتاب أو سنة، وكلاهما من الله، والقياس يفهم من الكتاب والسنة، وكلاهما من الله. فالحمد لله الذي وسع علينا ولم يضيق.

ثم قال المناظر: ( وإذا تباين أثر وآية... ). 

وهذا فرض مستحيل، لأن الكل من عند الله، وما كان من عند الله لم يكن فيه تناقض.

ثم قال مرجحاً الآية على الأثر: ( فالآية قطعية ومحكمة، والأثر ظني ورواية رواها راوون والعون بتعظيم وتقديس البشر ).

وهذا غلط من وجوه:

1. أن الآية قطعية الثبوت أما الدلالة فلا. وبالتالي فالحكم المستفاد من الآية ظني غير قطعي. وذلك في كثير من الأحيان.

2. أن الآية وإن كانت قطعية الثبوت، فكثير جداً من الأحاديث قطعي الثبوت كذلك. ومن الأحاديث قطعية الثبوت:

أولاً: الأحاديث المتواترة. ثانياً: ما أخرجه الشيخان ولم ينتقده أحد الحفاظ. ثالثاً: ما تسلسل بالأئمة الحفاظ حيث توبعوا. رابعاً: ما جاء من طرق واختلف مخرجه. خامساً: ما صح سنده من غير مطعن. سادساً: ما تلقته الأمة بالقبول عملاً وتصديقاً.

وهذه الأنواع تحتها من الأفراد ما لا ينحصر، وبالتالي تبطل دعوى أن السنة ظنية الثبوت.

3. أن الرواة الذين رووا الأحاديث هم الذين رووا القرآن، فمن طعن في نقلهم هذا فقد طعن في نقلهم ذاك. 

واتهامهم بالغلو في تقديس البشر مردود لعرية عن الدليل، ولاشتهار عكسه. 

كيف وهم الذين رووا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم ). وهم الذين تواتر عن أئمتهم قولهم: ( كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر ) وقولهم: ( إذا عارض قولي الكتاب والسنة فاضربوا به عرض الحائط ) وغيره مما في معناه.

وهنا ألمح إلى لطيفة مليحة، وهي أن الصوفية يتهمون أهل السنة أنهم يحقرون الأشخاص، فدل أنهم لا يغلون فيهم. والقرآنيون يرمونهم بأنهم غلاة في الأشخاص، فدل على أنهم لا يحقرونهم. وبالتالي فهم الوسط، فالحمد لله والمنة.

ثم ألحق المناظر كلاماً كثيراً إنشائياً لا يسمن ولا يغني من جوع، إنما ذكره تهويلاً لا طائل من ورائه، بل ليس فيما ذكر من الآيات دليل على شيء مما ذكر.

ثم قال في ختام مقدمته الطويلة واصفاً القرآن الكريم: ( وتلقته الأمة عن رسول الله عن جبريل عن العليم الحكيم الأمر الذي لم يتوفر لأي كتاب من كتب البشر ).

وهذه مغالطة ظاهرة.

فكل كتب السنة النبوية، تلقتها الأمة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن جبريل عن العليم الحكيم. فالحمد لله.

وهنا أنبه إلى أمر لا بد منه، ليقف القارئ الكريم على ملابسات الحوار من أوله. وهو أننا قد اتفقنا أن يكون موضوع المناظر حول أدلة عشرة من القرآن يثبت بها عدم حجية السنة، وأن تكون هي أظهر أدلته. لكن رأيت المناظر قد أتى بمقدمة طويلة هي قرابة نصف الموضوع، مما أطال موضوعي في الرد عليها. 

ولا يمكن أن يقال أن المقدمة خارجة عن المناظرة، لأني لا يمكن أن أدع هذا الكلام يمر على عامة الناس يقرؤونه ولا يعرفون وجه فساده.
فالله المستعان. 

وأبدأ الآن بمناقشة الأدلة، التي ذكرها عاريةً عن وجه الاستدلال، وهذا ثاني إخلال منه بشروط المناظرة، فالله المستعان.

الآية الأولى التي استدل بها قوله تعالى: ( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوبَ والأسباطِ وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داوود زبوراً ).

وهو يريد بهذه الآية أن يثبت أن الوحي الوحيد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من الله هو القرآن. والعجيب أنه لا ذكر للقرآن في الآية، وإنما فيها ذكر أن الله أوحى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، من غير ذكر للموحى به. ثم العجب الآخر أن الآية لا حصر فيها، فلو كان الذكر المعني فيها القرآن، لم يكن فيها نفي لوحي غيره!

فهذه الآية الأولى لا حجة فيها ألبتة، فكيف وهي أحد أظهر الآيات على مراده!

بل العجيب أن في الآية دليل ظاهر على أن السنة وحي من الله تعالى. كيف؟ 

هنا يثبت الله تعالى أن الوحي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كالوحي إلى السابقين من النبيين. 

والوحي إلى النبيين السابقين كان أعمّ من الكتاب، بل كان يوحى إليهم بشرع غير الذي في كتبهم. 

والدليل على ذلك في نوح قوله تعالى: ( قال يا نوح إنه ليس من أهلك ) فهذه كلمة أوحاها الله تعالى إلى نوح عليه السلام، وليست من كتابه على فرض أن يكون له كتاب. 

وفي إبراهيم وإسماعيل قوله تعالى: ( فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى، قال يا أبت افعل ما تؤمر ) وليس المنام ذاك بكتاب، ومع ذلك هو وحي من الله تعالى. 

وفي عيسى يقول تعالى: ( إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه ) وليست هذه من الإنجيل. وهارون قد أوحي إليه بنص هذه الآية، ولم يكن له كتاب كما هو معلوم، وإنما أوتي التوراة موسى، فدل على أن وحيه لم يكن كتاباً، وهذا الذي نريد.

فهذا وغيره كثير جداً لا يمكن حصره في القرآن الكريم، كله يثبت أن الله تعالى قد أوحى إلى الأنبياء من الشرائع والعلوم ما ليس في كتبهم، بل شيئاً زائداً عنها.

فكذلك نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أوحي إليه كما أوحي إليهم.

فالحمد لله رب العالمين. 

يتبع إن شاء الله تعالى...

============
الآية الثانية قوله تعالى: ( ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدىً وشفاءٌ والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمىً أولئك ينادون من مكان بعيد ). 

والآية الثالثة قوله تعالى: ( وكذلك أنزلناه قرآناً عربياً وصرّفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكراً. فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علماً ). 

والآية الرابعة قوله تعالى: ( وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير ).

وهذه الآيات كذلك تتكلم عن القرآن الكريم من غير ذكر لحصر أو قصر. فليس فيها أي دلالة على نفي السنة النبوية المطهرة.

ولم يجرؤ المناظر على ذكر وجه الدلالة منها، إذ لا دلالة له فيها على مراده من قريب ولا بعيد.

والآية الخامسة قوله تعالى: ( قل إنما أنذركم بالوحي ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون ).

وهذه أول آية يذكرها فيها دلالة على حصر، إذ فيها أداة القصر ( إنما ). لكن هي كسابقاتها لا دلالة فيها على مراده. لأن الذي فيها إنما هو حصر الإنذار على الوحي، من غير تحديد لنوع من الوحي.

بل القرائن تدل على أن الوحي هنا هو القرآن والسنة، لا القرآن وحده. كيف؟ قال تعالى: ( أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً ) وقال تعالى: ( وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر ) وقال تعالى: ( وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب ) وغيرها من الآيات التي تأمر الرسول بأن ينذر، ومعلوم أن الكلام الذي سينذر به ليس في القرآن، وإنما سيعبر عنه بأسلوبه، وهذه هي السنة، أي أن المعنى من عند الله واللفظ من عند الرسول يعبر به. والحمد لله.

ثم كلمة ( الوحي ) هنا محلاة بحرف أل، فهي دالة على العموم، فتشمل كل وحي من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم كتاباً كان أو سنةً.

الدليل السادس قوله تعالى: ( قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ. وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون. اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين ).

فالآية الأولى من الدليل فيها ذكر البصائر، وهي البراهين والبينات التي أوتيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فتشمل الوحي قرآناً وسنةً، كما تشمل المعجزات الأخرى كانشقاق القمر وتنزل الملائكة والإسراء والمعراج وغيرها. فليس فيها حصر لنوع الوحي!

والآية الثانية ذكر تنويع الله تعالى للآيات من وعد ووعيد وتشريع حتى يؤمنوا به، لكن لم ينفعهم ذلك فتؤول عاقبتهم إلى التكذيب. وليس فيها ذكر لحصر الوحي في القرآن. 

وإن قيل أن الآيات هنا هي البصائر في الآية السابقة، ردّ بأن لا دليل على ذلك، وباستقراء أسلوب ( ونصرف الآيات ). وعلى فرض عودتها على البصائر، فليس فيها حصر كما مر سابقاً.

الآية الثالثة من الدليل فيها أمر النبي بأن يتبع ما يوحى إليه من ربه، وأن لا يأتي بشيء من عند نفسه. وليس في الآية ذكر لنوع الوحي الذي يتبعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم. بل الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مأمور باتباع كل وحي أوحي إليه به كتاباً كان أو سنةً، لأن لفظة ( ما ) هنا اسم موصول يدل على العموم، فلا وجه للتخصيص. 

فالدليل لنا - أهل السنة - وليس له فيه شيء، فالحمد لله رب العالمين.

الدليل السابع قوله تعالى: ( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إليّ ).

فكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يعلم الغيب ولا يملك من الأمر شيئاً لا ينفي حجية سنته، إذ هي من عند الله لا من عنده هو.

هذا أولاً.

ثانياً قوله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم: ( إن أتبع إلا ما يوحى إليّ ) فيه حصر المتبوع في الوحي، فليس يتبع النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً غير الوحي. لكن ما هو الوحي هنا؟ لفظة ( ما ) اسم موصول يدل على العموم فيشمل كل ما يوحى إليه به، سواء كان قرآناً أو سنةً. 

فالآية دليل لنا – أهل السنة – لا لهم، فالحمد لله رب العالمين.

الدليل الثامن قوله تعالى: ( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إليّ إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم. قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمراً من قبله أفلا تعقلون ).

فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس له من الأمر شيء، فلا يبدل ولا يغير، وهذا نقول به، إذ الحكم لله وحده. أما السنة فهي وحي من الله، وليست من عند الرسول ابتداءً.

ثم قوله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم: ( إن أتبع إلا ما يوحى إلي ) مرّ الكلام على مثلها مرتين، فلا داعي للتكرار.
ثم الآية الثانية فيها أن الأمر بيد الله تعالى، لو شاء ما أنزل القرآن عليهم، ولتركهم في ضلالهم. إذ الحكم لله وحده.

ثم ذكر لبث النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قومه سنين، يتكلم ويعمل، ولم يكن في كلامه ولا عمله حجة لهم. وهذا لا يدل على عدم حجية السنة النبوية المباركة. ذلك لأن تلك الأفعال والأقوال لم تكن وحياً من الله تعالى، وبالتالي فلا حجة فيها اتفاقاً. 

أما بعد النبوة، صارت أفعاله وأقواله وحياً من الله تعالى، إلا ما دل الدليل على خلافه، وبالتالي صارت أفعاله وأقواله وحياً من الله تعالى، وبالتالي فهي حجة.

والحمد لله.

الدليل التاسع قوله تعالى: ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ).
يريد – والله أعلم – أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم واحد من أولئك الناس الذين لا يستطيعون حال اجتماعهم الإتيان بمثل القرآن، فكيف به منفرداً؟!

وهذا حق فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا يستطيع أن يأتي بمثل القرآن من عند نفسه. 

لكن كيف تكون السنة مثل القرآن في الاحتجاج والحكمة والإحكام، وهي كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟ 

الجواب أن السنة من عند الله، وليست من عند الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وإذ كانت كذلك كانت كالقرآن إحكاماً وحكمةً وحجيةً. 
والحمد لله.

الدليل العاشر قوله تعالى: ( نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين ).
أولاً وصف القصص التي في القرآن بأنها أحسن القصص. نقول نعم، والقصص التي في السنة حسنة كذلك، وكل حجة، ولله الحمد. فليس في هذا القدر من الآية ذكر لحصر الوحي ولا القصص في القرآن.

ثم وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه كان قبل نزول القرآن عليه – أي قبل النبوة، لأن القرآن كان أول النبوة - غافلاً، أي غير شاعر ولا عالم بتلك القصص وما فيها من الحكم والتشاريع. وليس في هذا دليل على عدم حجية السنة، لأن هذا الوصف كان قبل النبوة، أما بعدها فقد صار عالماً. وليس في الآية ذكر لحصر ولا قصر، فالله المستعان.

آخر الأدلة قوله تعالى: ( فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم. وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون ).

فيه أمر الله تعالى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يتمسك بما أوحي إليه، وهو القرآن، بدلالة الآية بعدها. وليس في ذلك نفي لحجية السنة النبوية المطهرة. إذ من تمسك بشيء لم يمتنع عليه أن يتمسك بغيره معه، فكيف إن كان الآخر متضافراً مع الأول؟! 

ألا ترى قول الله تعالى: ( يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ) فهنا يحثنا على اتباع سبل، وليس سبيلاً واحداً. ولا إشكال، إذ هذه السبل كلها متضافر مؤدٍّ إلى نتيجة واحدة. كالصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد، كلها سبل إلى الجنة، ولا تعارض بينها، وهي كلها واجب التمسك بها، ولا ينافي التمسك بأحدها أن نتمسك بالآخر. 

فالحمد لله رب العالمين.

وبهذا انتهت أدلته، التي هي أوضح الأدلة وأبينها، والتي بانتفائها ينتفي غيرها، كما اتفقنا عليه سابقاً، فالحمد لله رب العالمين.

ثم أتى المناظر بمخالفة ثالثة لما تم الاتفاق عليه، فزاد على الأدلة العشرة، ولا أدري أيريد بذلك تشتيت ذهن القراء الكرام، أم أن يشق عليّ، أم الاستكثار غير المجدي؟!

لكن سأتابع الرد، وإلى الله المشتكى.

ذكر قوله تعالى: ( ما ضل صاحبكم وما غوى. وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى. علّمه شديد القوى. ذو مرة فاستوى. وهو بالأفق الأعلى. ثم دنا فتدلى. فكان قاب قوسين أو أدنى. فأوحى إلى عبده ما أوحى ).

فالآيات تتكلم عن وحي الله تعالى إلى نبيه بالقرآن الكريم. وفي أثناء الكلام عن القرآن الكريم جاء قول الله تعالى: ( وما ينطق عن الهوى ). 

فهل هذا اللفظ العام ( ما ) خاص بما سيق فيه أم عام له ولغيره؟ معلوم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وعليه فهذه اللفظة على عمومها تشمل كل ما ينطق به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قرآن وسنة. 

بل دخول السنة هنا ظاهر جداً، ويمتنع إهماله، لأنها الغالب من نطق النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يمكن في العموم - الباقي على عمومه أو المراد به الخصوص - أن يخرج منه الغالب ويحمل على النادر. 

وهذا وجه قوي مفحم، فتأمله. 

فالحمد لله رب العالمين.

ثم ذكر آيات التكوير في الدلالة على صدق نسبة القرآن لله تعالى، وبراءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من اختراع شيء منه، وهذا حق لا شك فيه.

لكن لا دلالة فيه على نفي كون السنة النبوية وحياً من الله تعالى.

ثم أتى بعجيبة من عجائب موضوعه فقال ما نصه: ( ومن ثم برّأه مما كتب ونسب إليه بعد وفاته بقوله: [ ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل. لأخذنا منه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين. فما منكم من أحد عنه حاجزين ] ). انتهى.

بيان العجب فيه أنه يستدل بهذه الآية التي هي وعيد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يفتري على الله كلاماً غير الذي قاله، يستدل بها على أن ما كتب من السنة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم افتراء وكذب!!

وأزيد الأمر تجلية إن شاء الله تعالى: 

فوجوه المغالطة في هذا كثيرة جداً، منها:

1. أن هذه الآية وعيد شرعي، ليس كونياً. وهو يستدل بها على وقوع أمر كوني!

2. أن هذه الآية فيها دليل ظاهر على امتناع الوقوع، لأن الله تعالى قال: ( لو ) وهو حرف امتناع الجواب لامتناع الشرط. فكيف يستدل بالامتناع على الوقوع؟!

3. الآية تحذير للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في طيّ قطع للجاج الكفرة، فكيف تنزل على أنها في رجال أتوا بعده؟!
هذا الوجه الأول في بيان بطلان مدعاه.

ثم الوجه الآخر أن الآية لا تنفي تكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الله بشيء غير القرآن، بل تنفي أن يدعي النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً ليس بقرآن أنه قرآن. وشتان بين الأمرين! إذ الأول هو مراد المناظر، وليس بصحيح. والثاني هو معنى الآية، وهو متفق عليه بيننا.

فهي بمعنى: ( هذا القرآن من عندي، وإن زدت فيه شيئاً أو أنقصت عذبتك ) وهذا بخلاف ما لو قال: ( هذا القرآن هو فقط ما عندي لك، وإن زدت عليه شيئاً أو أنقصت عذبتك ). ففرق بين أن يزيد ( عليه ) وأن يزيد ( فيه ). فالمنفي أن يزيد ( فيه ).

ثم هذا توعد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لو تقول على الله، ومعلوم أن السنة ليست تقولاً عليه، وإنما هي من الله تعالى. 

ثم إنه إن أراد الاستدلال بهذه الآية على مراده كان استدلالاً بالنتيجة على المقدمة! وهذا خطأ في الاستدلال.

لأن النتيجة هي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يتقول على الله، والمقدمة هي أن السنة تقول على الله.

فالمنطقي في الاستدلال أن يقول: السنة تقول على الله، والرسول لا يتقول على الله فهي ليست من الله. لا العكس.

فتأمل هذا جيداً.

يتبع إن شاء الله تعالى...
=======================

ثم ذكر قوله تعالى: ( وإن كادوا ليفتنوك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذاً لاتخذوك خليلاً. ولولا أن ثبتّناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً. إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً ).

وادعى أن في هذه الآية دليلاً على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يتكلم عن الله تعالى بشيء غير القرآن، وبالتالي فلا سنة.

ولا دلالة في الآية على شيء من ذلك. إذ المنفي في الآية أن يفتري الرسول على الله، ونحن نقول أن السنة من الله أصلاً، فليست افتراءً. فهذا استدلال آخر منه بالنتيجة على المقدمة!

ثانياً الافتراء المذكور هنا هو افتراء قرآن مكان هذا القرآن. 

تأمل قوله تعالى: ( ليفتنوك [ عن ] الذي أوحينا إليك ) ففعل يفتن هنا فيه معنى يصدّ. ثم تأمل قوله تعالى: ( لتفتري علينا [ غيره ] ) فكلمة غيره هنا بمعنى بدله.

دليل ذلك أن هذه الفتنة من الكفار قد ذكرها الله تعالى، فقال: ( وقال الذين كفروا ائت بقرآن غير هذا أو بدله ) ثم أتبعها ببيان المنفي، فقال: ( قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي ). فتبين أن الكلام عن تبديل القرآن بقرآن آخر، لا عن إضافة سنة إليه.

أي أنه زيادة ( في ) القرآن، وليس زيادة ( على ) القرآن، كما مر سابقاً. فالحمد لله رب العالمين.

ثم ختم موضوعه بقوله تعالى: ( قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم ).

فهذه الآية تدل على أن الله تعالى يشهد بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقومه. وليس في ذلك ذكر للقرآن ولا للوحي ولا لحصر ولا لقصر! 

ثم لو فرضنا أن شهادة الله تعالى بينهم تكون بالوحي الذي هو القرآن، فهو إذن أكبر شهيد، ولا ينفي ذلك وجود شهادة أخرى بينهم. كما قال تعالى: ( قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ) وقال تعالى: ( قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم ).

وبهذا يتضح أن الآية لا دلالة فيها على مراد المناظر هداه الله.

وبهذا أنتهي بحمد الله من الموضوع، وبإبطال أدلته هذه يبطل ما سواها من باب أولى، كما هو المتفق عليه سابقاً، 

فالحمد لله رب العالمين.

وأذكّر ختاماً بمخالفات ثلاث من المناظر لعهده الذي اتفق عليه، وهي:

1. أنه لم يلتزم الاكتفاء بذكر الحجج والبراهين، وإنما أضاع كثيراً من الموضوع كمقدمة، وكثيراً كخاتمة.

2. لم يذكر وجه الدلالة من الأدلة التي استدل بها، إلا في القليل النادر.

3. زاد على عشر الأدلة، فذكر ما يزيد على عشرين دليلاً، فالله المستعان.

وكفى أن يصم المرء ناصيته أن لم يتجاوز قرانه كتاب الله بل ريقه! 

فالحمد لله الذي قال: 
( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ).

والله أعلى وأعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

وكتبه
فيصل سيد القلاف
عفا الله عنه. 

==========

( المخاصم )
أرى أن يبدأ الزميل القلاف بسرد ادلته من القرآن على إثبات حجية السنة كي يتسنى الرد عليها بإختصار 
كما ارجوا المعذرة عن تأخري في الرد لإنشغالي بأمور طارئة

===========

( القلاف ) 

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى. وبعد

فإني إن شاء الله تعالى كاتب ما طلب المناظر، فأذكر بإذن الله تعالى عشر الأدلة مدعمة بوجه الدلالة في كل منها، أمانة مني والتزاماً بالعهد

وإلا فإن أدلة إثبات السنة تفوق الألف لمن تدبر.

لكن ليمهلني أخي الجندي قليلاً حيثما أتفرغ لإعداد المقال.

والله أسأل أن يوفقني للصواب، والحجة والسداد.

والحمد لله رب العالمين.
===================

( القلاف )
[size=21]
الحمد لله الذي أمر باتباعه نبيه الأمين، والصلاة والسلام على المطاع سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وأصحابه نقلة الشرائع والدين، وعلى تابعيه بالسمع والطاعة، حشرنا الله في وفدهم، آمين. 

وبعد، فمما تواتر في الأخبار، ونص عليه الأئمة الأخيار، واقتضته عادة الناس، وتواتر عند العام والخاص، وأوجبه العقل صحيحاً، ودل عليه القرآن صريحاً: حجية السنة النبوية المطهرة، على صاحبها والمتمسك بها أفضل الصلاة والسلام.
وإني لو أقسمت بالله أن الأدلة على ذلك أكثر من ألف ما كنت حانثاً إن شاء الله تعالى. لكن لما كنت قد تعهدت أن ألتزم بالاكتفاء بعشر أدلة، فإني موفّ غير ناقض عهداً. قال تعالى: ( قد أفلح المؤمنون ) ثم ذكر من أوصافهم: ( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ).
فإلى المقصد، والله أسأل أن يوفق ويسدد، ويهدي به إلى الحق ويرشد.

الدليل الأول: قوله تعالى: ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين ).

وجوه الدلالة من الآية الكريمة:

1. ربنا سبحانه وتعالى قال: ( وأطيعوا الله ) ثم قال: ( وأطيعوا الرسول ). فهنا أثبت طاعتين ومطاعين. بمعنى أن الفعل الأول مضارع كما لا يخفى، والمضارع يتضمن مصدراً، فالمعنى: ( وأطيعوا الله تعالى طاعةً، وأطيعوا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم طاعة ). ومعلوم أن الأصل إن تعاقب نكرتان أن ذلك يدل على تغايرهما. مثال ذلك قوله تعالى: ( إن مع العسر يسراً. إن مع العسر يسراً ) أي مع العسر يسران، يسر بأجر الصبر، ويسر بالفرج. على كلٍّ، يكون المعنى هنا: ( وأطيعوا الله تعالى طاعةً، وأطيعوا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم طاعةً أخرى ).
فإذا ثبت هذا التغاير، قلنا: ما الطاعة التي لله، وما الطاعة المغايرة التي للرسول صلى الله عليه وآله وسلم. فالجواب: أن طاعة الله هي طاعة ما بلغنا من كلامه، وهو القرآن، وأن طاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي طاعة ما بلغنا من كلامه كذلك، وهي السنة النبوية.

2. لو كان مراد الله تعالى في هذه الآية الكريمة: ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فيما يبلغكم من القرآن )، لو كان ذاك هو المعنى لكان اللازم فصاحةً وبلاغةً أن تضمر الطاعة الثانية، إذ هي عين الأولى.
لم يجب ذلك؟ لأن الأفضل في كلام العرب قصر الكلام، ولا يؤتى بالتطويل إلا لفائدة زائدة. فكيف إن كان في التطويل إيهام بخلاف المقصود؟! لا شك يكون الإضمار آكد وآكد.
ولازم الإضمار أن يقال: ( أطيعوا الله ورسوله ) فيكون الثابت طاعة واحدةً لمطاعين، فالطاعة واحدة للقرآن، ونطيع المتكلم به والمبلغ له. فلما كان في القرآن الكريم مثل هذا التعبير، وعدل الله تعالى عنه إلى الأمر بطاعتين، لزم أن يكون ذلك لحكمة، وهي إثبات طاعة مستقلة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم. ويشهد لذلك أنه تعالى لما أمر بطاعة ولاة الأمور قال: ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) فجعل طاعة الرسول متضمنة لطاعة ولاة الأمر، وذلك لأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بطاعتهم، ولم يجعل لهم طاعة مستقلة، لنهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن طاعتهم في المعصية. فالحمد لله رب العالمين.

3. لو كان المراد هنا بطاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم طاعة ما جاء به من القرآن، لاستوى بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع غيره من آحاد البشر، بل لاستوى مع الكفرة والشياطين. كيف؟ معلوم أن طاعة كلام أي أحد يأمر بما في القرآن لازمة لا محيد عنها، فلو قال لك مثلاً: صم رمضان، للزم أنك تصومه، لا طاعة لذاته، لكن لموافقة القرآن. ومعلوم بالضرورة أن للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مزية زائدة على غيره، فما هي هذه المزية إلا أن تكون طاعته في شيء زائد على ما في القرآن؟! وهذه هي السنة. والحمد لله رب العالمين.

4. أن الله تعالى هنا علق طاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على كونه ( الرسول ). وبالتالي فله من الطاعة ما يكون للرسول على قومه. فنرى في القرآن الكريم كثيراً أن الله تعالى يلزم الكافرين طاعة رسلهم في أمور غير التي في كتبهم. وذلك أشهر من أن يذكر، لكن أمثل له بمثالين واضحين.
الأول قوله تعالى: ( فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ). فهنا جعل الله تعالى وحيه إلى نبيه إبراهيم أمراً، مع كونه مناماً ليس في كتاب. وكذلك نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم يأمره الله ويأمر أمته بوحي ليس بقرآن. إذ ليس رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم ببدع من الرسل، قال تعالى: ( قل ما كنت بدعاً من الرسل ).
الثاني قوله تعالى: ( ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً لا تخاف دركاً ولا تخشى ). فهنا وحي من الله تعالى إلى موسى فيه تكليف له ولقومه بالإسراء، وليس هو من التوراة، إذ التوراة نزلت بعد هذا عندما لقي موسى ربه. وكذلك يجوز لنبينا ما يجوز لموسى عليهما الصلاة والسلام. والحمد لله رب العالمين.

5. ووجه دلالة عموم رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكل زمن إلى قيام الساعة قوله تعالى قبل هذه الآية في نفس سياقها: ( يا أيها الذين آمنوا ). ووجه آخر أن قوله تعالى: ( وأطيعوا ) فيه ضمير الرفع المتصل، وهو مفيد للعموم.

الدليل الثاني قوله تعالى: ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ).

وجوه الدلالة من الآية الكريمة:

1. أن الله تعالى أمر بأخذ الذي آتانا الرسول وترك ما نهانا عنه، والأمر يفيد الوجوب. وما آتى الرسول وما نهى عنه هو السنة النبوية، وبالتالي فهي واجبة الاتباع. ويؤكد هذا المعنى تتمة الآية: ( واتقوا الله إن الله شديد العقاب ).

2. هنا أسند الله تعالى الإتيان والنهي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فدل على أنهما صادران منه. ولو كان المراد ما آتى القرآن ونهى، لما صح أن يسند ذلك إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إذ القرآن كلام الله تعالى، وليس كلامه صلى الله عليه وآله وسلم. والكلام يسند إلى من صدر منه أولاً لا إلى ناقله ومن تكلم به بعد ذلك. فلا يقال عن القرآن أنه كلام محمد صلى الله عليه وآله وسلم لأنه بلغه، بل هو كلام الله تعالى لأنه هو من ابتدأ التكلم به. وتأمل رد الله تعالى على المشرك القائل عن القرآن: ( إن هذا إلا قول البشر ) قال: ( سأصليه سقر ).

3. سياق الآية في معرض الحديث عن قسمة الفيء، قال تعالى: ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ). ومعلوم عقلاً واضطراراً أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
كما في قوله تعالى: ( قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ). فكون الله لا يضيع أجر المحسنين عامٌّ لفظاً، وإن كان في سياق الحديث عن رجلين خاصين، هما يوسف وشقيقه، لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

4. العلة في وجوب إطاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هنا أنه مبلغ عن ربه، ولذلك وصف هنا بالرسالة، إشارة إلى أن الذي يبلغه عن ربه وليس من عند نفسه. وهذه العلة كما هي موجودة في قسمة الغنائم، فهي موجودة في كل أمر ونهي صادرٍ منه صلى الله عليه وآله وسلم.

5. ودليل عموم رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكل من بلغته هو الضمير المتصل في قوله تعالى: ( فخذوه ) وفي قوله: ( فانتهوا ) لأنه يفيد العموم.

6. هنا علق الله تعالى طاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على كونه رسولاً، فقال: ( وما آتاكم الرسول ) فدل على أن له من الطاعة ما يكون للرسول على قومه. وقد ثبت - كما مر - أن للرسول على قومه طاعة زائدة على مجرد ما في كتابه. والحمد لله رب العالمين.

الدليل الثالث قوله تعالى: ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً ).

ووجوه الدلالة من الآية كما يلي:

1. أن الله تعالى حرم مشاقة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ورتب على مشاقته ألواناً من أشد العذاب. ففي الدنيا يوليه الله تعالى شيطانه الذي آثر اتباعه على طاعة النبي ليزداد إثماً وضلالاً. قال تعالى: ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين ). وفي الآخرة يصليه الله تعالى جهنم ويحرمه الجنة، كما استبدل في الدنيا طاعة النبي بطاعة الشيطان.

2. أن الله تعالى هنا حرم مشاقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي الآية الأخرى حرم مشاقته نفسه سبحانه وتعالى، فقال: ( ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب ). فلو كان المراد بمشاقة الرسول مشاقته فيما جاء به من القرآن، لاستوت الآيتان ولم يكن ثمة حكمة من التفريق بينهما.
وتأمل كذلك قوله تعالى: ( ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ). فلو كانت مشاقة الرسول هي مشاقته فيما جاء به من القرآن، لما كان فائدة من ذكره، ولكان القول: ( ذلك بأنهم شاقوا الله ). لكن لما كانوا قد شاقوا القرآن الذي هو كلام الله والسنة التي هي كلام الرسول، حسن النص عليهما كليهما.

3. أن تحريم مشاقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تقتضي تحريم مخالفته في كل أمر أو نهي صدر منه، سواء كان من القرآن أو غيره. مثال ذلك قوله تعالى: ( وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك ). وظاهر أن ذلك الأمر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( أمسك ) ليس من القرآن، بل قد نزل القرآن بعده.
ويدل لذلك أيضاً أن المشاقة التي حرمها الله تعالى هنا مطلقة، غير مقيدة بما جاء في القرآن ولا بما وافقه ولا بغير ذلك، فوجب أن تحمل على إطلاقها. ومن قيد ما أطلق الله تعالى فقد شاقه، والله المستعان.

4. أن الله تعالى علق تحريم مشاقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هنا على كونه رسولاً، فقال: ( ومن يشاقق الرسول ). وبالتالي فإن له صلى الله عليه وآله وسلم من الطاعة ما يكون للرسول على قومه. وقد ثبت - كما مر - أن للرسول على قومه طاعة زائدة على مجرد ما في كتابه، وهي السنة. فالحمد لله رب العالمين.

5. دليل عموم رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الآية الاسم الموصول ( من ) إذ أنه يفيد العموم.

الدليل الرابع قوله تعالى: ( حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون ).
والآية هنا ذكر لما حدث في غزوة أحد، إذ أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الرماة من أصحابه أن يلزموا الجبل وألا ينزلوا عنه لجمع الغنائم، ولو رأوا ظفر المسلمين. ثم لما ظهر المسلمون على الكفار، اختلف الرماة، فمنهم من سبق إلى الغنائم وعصى، ومنهم من ثبت وقتل. وقد عفا الله عمن أخطأ منهم فقال: ( ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على العالمين ).

وجوه الدلالة من الآية الكريمة كما يلي:

1. أن الله تعالى أثبت أمراً لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا الأمر غير موجود في القرآن قطعاً. ثم أثبت أن من خالف هذا الأمر كان عاصياً آثماً، فدل على وجوب اتباع ذلك الأمر. فهذا دليل على وجود سنة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى وجوب اتباع تلكم السنة.

2. أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمر وينهى بأوامر ونواهي زائدة على ما في القرآن الكريم. ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: ( وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله ). وقوله تعالى: ( إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ). وقوله تعالى: ( ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ). وكما قال تعالى: ( وعلى الثلاثة الذين خلفوا ) فدل على أن النبي أمرهم بالقتال والغزو ثم هم تخلفوا، ومعلوم أنه ليس في القرآن أمر بغزوة بعينها ولا بمكانها ولا بزمانها، وإنما كان ذلك بوحي غير قرآن، وهو السنة النبوية المطهرة.

3. أن العلة في الهزيمة هنا هي عصيان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في الآية الكريمة. وهذا نوع عقوبة، فدل على تحريم ذلك العصيان ووجوب ضده وهي الطاعة. ثم هذه العلة متعدية كما لا يخفى، وبالتالي فالعبرة بتعديها لا بخصوص السبب، فيحرم كل عصيان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.

4. أن الله تعالى قال بعد هذه الآية: ( إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم ). فعلق الله تعالى الأحكام الواردة في الآية على وصف ( الرسول ) وليس مجرد القائد، فدل على أن علة تحريم عصيانه كونه رسولاً، وليس لمجرد أنه قائد المعركة. 
ثم تعليقه سبحانه الوصف بالرسالة دليل على أن له صلى الله عليه وآله وسلم من الطاعة ما يكون للرسول على قومه. وقد مر سابقاً أن للرسول طاعة زائدة على ما في كتابه، وهي السنة. والحمد لله رب العالمين.

الدليل الخامس قوله تعالى: ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون. بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما ما نزل إليهم ولعلكم تتفكرون ).

وجوه الدلالة من الآيتين الكريمتين كما يلي:

1. أن الله تعالى قرر أنه أرسل مع كل نبي قبل نبينا صلى الله عليهم وسلم أمران، الأول البينات والثاني الزبر وهي الكتب. فدل على أنهم أرسلوا بشيء زائد على ما في الكتب، وهي البينات. 
ثم البينات جمع بينة، وهي فعيل إما بمعنى فاعل أو مفعول، فعلى الأول بينة بمعنى بائنة أي واضحة، وعلى الثاني بينة بمعنى مبيَّنة أي موضَّحة. والواضحات هي آيات الأنبياء ومعجزاتهم، لوضوح دلالتها على صدقهم، والموضَّحات هي سننهم وشرائعهم فصلت لهم، والله أعلم. 
وعلى المعنى الأول قوله تعالى: ( سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة ) وعلى الثاني قوله تعالى: ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينةُ رسولٌ من الله ). 
وحيث أن اللفظ هنا مشترك ولا مرجح لأحد المعنيين ولا تنافي بينهما، وجب حمله عليهما جميعاً، إذ تخصيصه في أحدهما من غير دليل تحكم. 
ثم لو أردنا قرينة ترجح أحد المعنيين، لكان معنى الشرائع والسنن أولى، لأن الآيتين في مقام الحديث عن الوحي، ولأن الذي ذكر في الآية الثانية لا يحتمل معنى الدلائل والمعجزات.
فإذا ثبت بذلك أنه كان لكل نبي ممن كان قبل نبينا صلى الله عليهم أجمعين سنة زائدة على ما في كتبهم، ثبت أن لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم كذلك سنة زائدة على ما في كتابه. إذ ليس رسولنا ببدع من الرسل كما أمره تعالى أن يقول: ( قل ما كنت بدعاً من الرسل ).

2. قوله تعالى: ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ). يلحظ فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أنزل الله إليه أمران، الأول القرآن الذي نزل للناس، والثاني بيان يوضح ما في القرآن. ومعلوم أن الموضِّح غير الموضَّح. فدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أنزل إليه شيء زائد على ما في القرآن، وليس ذلك إلا السنة المطهرة.
ثم تأمل أيها القارئ الكريم أنه يمتنع حمل الآية على معنى: ( وأنزلنا إليك القرآن لتبين للناس القرآن ) ليكون القرآن بياناً للقرآن. وهذا الامتناع لأمور:

أ. أن المبيَّن في هذه الآية الكريمة وصفه الله تعالى بأنه ( نُزِّل ) ولم يصفه بأنه ( أُنْزِل ). والفرق بينهما أن ما نُزِّل أي جملة واحدة، وما أنزل أي مفرقاً منجماً أو جملة واحدة.
ومن ذلك قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزّل على رسوله والكتاب – أي الكتب - الذي أنزل من قبل ) فوصف القرآن بأنه منزّل لنزوله جملة واحدة، ووصف الكتب بأنها أنزلت لأنها نزلت مفرقة كل نبي بكتاب. ومثل هذا كثير في القرآن.
فإن ثبت أن المنزل هو كل القرآن، لزم أن يكون الموضح ليس بقرآن، لأن المطلوب بيان كل القرآن، فلو شرح بعضه بعضاً منه، لزم وجود شرح للبعض الشارح، وهكذا إلى أن يحصل التسلسل. فعلم أن السنة النبوية هي الشارحة لكل القرآن.

ب. أن الله تعالى أضاف التبيين المطلوب للقرآن إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: ( لتبين ) ولم يقل ( لأبين ) أو ( لنبين ) ومعلوم أن الأصل إضافة الكلام إلى قائله المباشر، فدل على أن البيان صادر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
والقرآن الكريم لا يصح أن يضاف إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة، كما قال تعالى حاكياً قول المشركين: ( إن هذا إلا قول البشر ) فرد عليه بقوله تعالى: ( سأصليه سقر ). 

ج. أن الأمرين النازلين من الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم موصوفان بوصفين مختلفين في سياق واحد. الأول منزَل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم والثاني منزَّل إلى الناس كافة. فدل على أن أحدهما أكثر اختصاصاً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم من الآخر. 
أما القرآن الكريم فليس بعضه أكثر اختصاصاً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فدل على أنه ليس هو الموضِّح المقصود هنا، فبطل أن يكون هو الموضَّح والموضِّح. وإنما الذي يختص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أكثر من اختصاصه بغيره هو السنة النبوية المطهرة. فالحمد لله رب العالمين.

الدليل السادس قوله تعالى: ( ومن يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً ).

وجه الاستدلال من الآية كما يلي:

1. أن الله تعالى جعل طاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم طاعة له، ورتب على من تولى عن طاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الوعيد. وهذا يدل صراحة على وجوب الائتمار بأمره صلى الله عليه وآله وسلم فعلاً وتركاً. وهو المطلوب ولله الحمد.

2. أن الله تعالى هنا علق المدح على طاعة الرسول. فالطاعة هنا قيدت بمطاع هو الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا يعني أن المطاع فيه صدر منه لا من غيره. إذ لو كانت صادرة عن غيره وكان هو المبلغ لما كان هو المطاع، ولكان المطاع هو المبلغ عنه، إذ الأصل في إضافة الطاعة إلى مطاع أن يكون هو المباشر للأمر والنهي.

3. أن الآية لم تخص أمراً للرسول صلى الله عليه وآله وسلم دون أمر، ولا نهياً دون نهي، وإنما هي عامة في كل من أطاع الرسول في أمٍه أمر به أو في نهي نهى عنه. بيان العموم هو كلمة ( من ) الشرطية، إذ هي من صيغ العموم. وعليه فلا تخصص الآية بمن أطاع القرآن الذي جاء به، ولا تخصص بما كان مسكوتاً عنه في القرآن، بل تعم كل ما صدر منه، سواء كان مخصصاً أو مقيداً أو مبيناً أو زائداً أو ناسخاً لكتاب الله، ولا فرق. ومن فرق فقد خالف الآية.

4. أن الله تعالى علق المدح على من ( يطيع ) رسوله. والفعل المضارع يفيد التجدد والحدوث. فيكون ذلك دليلاً على حجية سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أي زمان. فكما أن الآية تتناول أهل كل زمان بعموم لفظ ( من ) الشرطية، فهي كذلك تتناوله بفعل ( يطيع ) المضارع.

وفي هذا الفعل المضارع كذلك تأكيد على المعنى الذي ذكرته في الوجه الثاني، وهو أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو الآمر المباشر، وليس هو مبلغ، بمعنى أن الكلام الذي فيه الأمر صدر منه هو ابتداء، وإن كان معناه وحي من الله تعالى إليه.
وجه التأكيد أن الله تعالى علق المدح على المطيع متى كان زمانه. فإذا علمنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سيموت، وأن من جاء بعده سيطيعه لينال من الأجر مثل ما نال الصحابي، علمنا أن الطاعة لم تكن لناقل الحديث كالبخاري ومسلم، وإنما بقيت للرسول صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا يدل على أن الطاعة إنما هي لمن صدر منه الكلام الآمر أو الناهي وليس للناقل. وهذا قوي محكم لا مجال لرده.
==============


5. 
أن الله تعالى علق الطاعة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم على وصف له، وهو الرسول. 

فدل على أمرين: 

الأول 
أن له صلى الله عليه وآله وسلم من الطاعة ما يكون للرسول، وقد تبين مراراً مما سبق أنه قد كان للرسل على أقوامهم من الطاعة أكثر مما فيه كتبهم، فكذلك يكون لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم. 

الثاني
أن طاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لأنه رسول، وليس لأنه مجرد مبلغ، فتكون الحجة في كل قوله قرآناً أو سنةً، وليس كغيره من العلماء والدعاة المبلغين الذين الحجة في الذي يسندون إلى الله والرسول من قولهم لا في كل قولهم.

6. 
لو كان المراد أن من أطاع الرسول فقد أطاع الله لأن قول الرسول لا يخرج عن أن يكون أمراً بما في القرآن، لكان المعنى فاسداً. لأن كل من أمر بما في القرآن كان طاعته في ذلك واجبة، ولا مزية للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ومعلوم ضرورة أن له مزية ليست لغيره. 
فإن قيل: المزية أن قوله لا يخرج عن القرآن، بخلاف غيره فيأمر بالقرآن تارة ويخالف تارة.
قلنا: وهذا كذلك محجوج، إذ يلزم عليه أن ميزة الرسول هي مجرد العدالة، وهي حاصلة لغيره، فليس مزية له. كما يرده ما مر من الأدلة على أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمر بغير ما في كتاب الله تعالى.

الدليل السابع: 
قوله تعالى: ( لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ).

أوجه الدلالة منه كما يلي:

1. 

أن الله تعالى أثتب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أمراً. والأمر كلام، والكلام لفظ ومعنى. فالأمر الصادر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفظاً ومعنىً هو السنة. ثم الأصل إضافة الكلام إلى الصادر منه ابتداء لا إلى ناقله كما مر غير مرة. ثم حذر الله تعالى عن مخالفة هذا الأمر، فدل على وجوب اتباعه، والحمد لله رب العالمين.

2. 
لو كان المراد بأمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أمره بما في القرآن، لما كان له على غيره مزية، والضرورة حاصلة على أن له مزية ليست لغيره، ولا يصح أن تكون أنه لا يأمر إلا بما في القرآن كما مر سابقاً. 

فلزم أن تكون مزيته وجوب اتباعه فيما أمر به ابتداءً. 

والحمد لله رب العالمين.

3. 
أن هذه الآية جاءت تابعة للآية السابقة لها، وهي قوله تعالى: ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين آمنوا بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فائذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم ). 

ويتضح منها أمور:

الأول 
أن الله أثبت وجوب اتباع أمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم المباشر المغاير للقرآن، فإذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمؤمن المعين ليس بقرآن قطعاً، وإنما يكون من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابتداءً، فدل على أن له علينا أن يطاع فيما أمر به ابتداءً.

الثاني
أن الله سمى هذا الإذن وعدمه في الآية الثانية ( أمراً ) وأضافه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، 

فدل على أنه صادر منه ابتداءً، وليس هو اتباع لما في القرآن.

الثالث
أن الله تعالى أثنى على مؤمنين استأذنوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل نزول الآية الكريمة، 

فدل على أن طاعتهم للرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الاستئذان كانت محمودة قبل نزول القرآن بما فعلوا. 

فدل ذلك قطعاً على أن اتباع سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم محمود مطلوب.

الرابع 
أن الله تعالى ذم أناساً لم يستأذنوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل نزول الآية الكريمة، بل نفى عنهم الإيمان.

فدل ذلك على أن مخالفتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت مذمومة قبل نزول القرآن بما فعلوا.

فدل ذلك قطعاً على أن اتباع سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم محمود وأن تركها مذموم.

4. 
أن الضمير في قوله ( أمره ) عائد على لفظ ( رسول ).
وتعليق الحكم على وصف الرسول، يدل على أن له صلى الله عليه وآله وسلم من الطاعة ما يكون للرسول من رسل الله تعالى. 

وقد مر سابقاً أنه كان للرسل على أقوامهم من الطاعة أكثر من مجرد ما في كتبهم. 

والحمد لله رب العالمين.

5. 
قوله تعالى: ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله )
في صدر الآية يدل كذلك على سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. إذ الإيمان هو التصديق المقرون بالعمل، وليس مجرد التصديق. 

دليل ذلك قوله تعالى: ( فلما أسلما وتله للجبين. وناديناه أن يا إبراهيم. قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين. إن هذا لهو البلاء المبين. وفديناه بذبح عظيم ) فجعل تصديق الرؤيا تطبيق ما فيها من أمر، ولو كان مجرد اعتقاد وجوبها تصديقاً، لكان مصدقاً من قبل أن يمسك ابنه، ولو كان لترتب عليه ما رتب الله على الإيمان من الفداء، ولو كان لما تل ابنه أصلاً. ويدل على ذلك كذلك قوله تعالى: ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) فسمى الصلاة إيماناً، وهي عمل. وكذلك قوله تعالى: ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ) فحصر الإيمان فيهم، فدل على اختصاصه بهم دون من اعتقد من غير عمل. وغير ذلك كثير.

فإذا تقرر ذلك انتقلنا إلى المرحلة الثانية، وهي: 
قد حصر الله تعالى في آيتنا هنا الإيمان في الذين آمنوا بالله ورسوله، أما الإيمان بالله تعالى فيترتب عليه عمل، وهو اتباع ما تكلم به الله تعالى من القرآن الكريم، ثم الإيمان بالرسول أي عمل يترتب عليه؟ إن قيل نصرته ومحبته، قلنا: هذا مأمور به في القرآن، فهو من الإيمان بالله تعالى. 

فلما لزم أن يكون للإيمان بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم مقتضىً يعمل به، ولم نجد شيئاً سوى اتباعه، لزم أن يكون الإيمان المطلوب هو اتباعه، واتباعه ليس اتباع ما جاء به من القرآن، فإن هذا إيمان بالله كما مر، وإنما يكون اتباعه باتباع ما اختص به من سنة مطهرة.

والحمد لله رب العالمين.

الدليل الثامن 
قوله تعالى: ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ).

وجوه الدلالة من الآية الكريمة:

1. 
أن الله تعالى أثبت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم اتباعاً واجباً، حيث علق عليه صدق محبة العبد لربه، وهي واجبة، وما تعلق عليه الواجب فهو واجب.

2.
الاتباع هنا مضاف إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والأصل أن يضاف الاتباع إلى المتبوع المباشر. فلا يقال لي إن أمرني رجل بالصلاة فصليت أني قد اتبعته، وإنما يقال أني اتبعت الله تعالى الذي هو الآمر المباشر بالصلاة، وليس ذلك الرجل إلا مبلغاً. وهذا مر كثيراً فيما سبق. فلله الحمد والمنة.

3. 
الاتباع المأمور به هنا مطلق، لم يقيد بشيء ألبتة، ولا يصح تقييد ما أطلقه الله سبحانه. فمن زعم أن الاتباع هنا مقيد باتباع ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من القرآن فقط، فقد خالف القرآن الذي صرح بالعكس.

4.
أن الله تعالى أتبع بهذه الآية الكريمة ما يوضح المراد من الاتباع المذكور هنا، فقال تعالى: ( قل أطيعوا الله ورسوله فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين ). فأمر بطاعته سبحانه وطاعة رسوله، ووحد الطاعة هنا لأن طاعة الرسول طاعة لله تعالى الذي قال: ( من أطاع الرسول فقد أطاع الله ). ثم بين سبحانه وتعالى أن من لم يلتزم طاعة الله ورسوله ( بمعنى لم يعتقد وجوبها أو لم يقبل بها ) أنه كافر الكفر الأكبر المخرج من الملة، والعياذ بالله تعالى.

الدليل التاسع 
قوله تعالى: ( وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين ).

وجوه الدلالة من الآية الكريمة كما يلي:

1. 
أن الله تعالى أثبت طاعة لازمة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم. والأصل أن تضاف الطاعة إلى من صدر منه الكلام أولاً، لا إلى المبلغ. ومثل هذا مر كثيراً ولله الحمد.

2. 
لو كان المراد طاعة الرسول بما جاء به من قرآن فقط، ما كان له مزية عن غيره، والاتفاق واقع على أن له مزية ليست لغيره، ضرورة أنه ذكر ولم يذكر غيره من المبلغين كجبريل ونقلة القرآن والعلماء. 
فإن قيل: المزية أنه لا يأمر إلا بالقرآن. قلنا: المزية هنا أنه عدل لا يأمر بما يخالف القرآن، وهذا خلاف الاتفاق، لأن العدالة لا تختص به صلى الله عليه وآله وسلم. فلزم أن مزيته صلى الله عليه وآله وسلم وجوب اتباعه. ثم قد تواتر عنه صلى الله عليه وآله وسلم تواتراً قطعياً لا يمكن دفعه، أنه كان يأمر بما لم يأت في القرآن، بل ويأمر بما يخالف القرآن ظاهراً ( لكنه مبين في واقع الأمر ) كتخصيص العام وتقييد المطلق.

2. 
أن الله تعالى أطلق الطاعة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يقيدها بما جاء في القرآن فقط، ولا يجوز تقييد ما أطلق الله تعالى. فدل على أن له علينا من الطاعة أن نطيعه في كل أمره قرآناً كان أو غير قرآن.

3. 
أن الله تعالى علق الهداية على هذه الطاعة، فدل على وجوبها. إذ طريق الهداية واحد، ويلزم من تركه أنه غير مهتد كما قال تعالى: ( وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) فوحد سبيل الهداية وجمع سبل الضلالة. فالحمد لله رب العالمين.

4. 
قوله تعالى: ( وما على الرسول إلا البلاغ المبين ) يدل على أنه ليس على الرسول أن يتكلم من تلقاء نفسه، ولا أن يشرع هو صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما عليه يبلغ ما يوحى إليه من ربه. وبالتالي يفهم منه أن الأصل في ما تكلم به الرسول صلى الله عليه وآله أنه وحي وأنه حجة، سواء كان في القرآن أو لم يكن في القرآن. 

ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى: ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) وقوله تعالى: ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ). فالحمد لله رب العالمين.

الدليل العاشر
قوله تعالى: ( وثيابك فطهر ).

ولقارئ أن يستغرب استشهادي بهذه الآية الكريمة، مع وجود عشرات غيرها أوضح منها في الدلالة.

فأجيبه أني أرمي بهذه الآية الكريمة إلى الاستدلال على المطلوب أولاً، ثم الاستدلال على استحالة تفسير القرآن وفهمه من غير السنة ثانياً. 

وذلك كما يأتي إن شاء الله تعالى:

أولاً:
الأمر هنا مجرد عن القرينة، فيفيد الوجوب كما هو متقرر في علوم العربية.

ثانياً:
الأمر هنا مخاطب به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مقصود به كل الأمة، كما هو ظاهر من السياق، حيث قال تعالى: ( قم فأنذر. وثيابك فطهر. والرجز فاهجر. ولا تمنن تستكثر. ولربك فاصبر ). وهذا هو الأصل في خطاب الله تعالى لنبيه أن يراد به الأمة كلها إلا بدليل على التخصيص، كما في قوله تعالى: ( يا أيها النبي اتق الله ) وقوله تعالى: ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين ) وغيرها.

ثالثاً 
الأمر بتطهير الثياب هنا مطلق في الصلاة وفي غيرها، وهو مطلق في النجاسات والقاذورات، وهو مطلق في الكثير والقليل، وهو مطلق في كل أنواع الثياب.

فإذا تقرر ما سبق، جاء السؤال: الأمر هنا للوجوب، وهو عام لكل الأمة، وهو مطلق تماماً، فهل يلتزم الخصم بهذا؟ 
لا شك أنه لن يلتزم الإطلاق، لما فيه من الحرج الشديد والمشقة البالغة، والله تعالى يقول: ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ). وسيقول بل الأمر بالتطهير خاص بالنجاسات.

فيأتي السؤال التالي: ما الدليل على تخصيصه بالنجاسة دون سائر ما يتطهر منه من القاذورات والعرق والتراب ونحوها؟ وهنا ينقطع ولا شك.

ثم لو سلمنا أن الأمر هنا خاص في النجاسات وحدها دون ما عداها، فما هي النجاسات؟ هل هي ما ذكر في قوله تعالى: ( قل لا أجد في ما أوحي إلي محرم على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس ) وعليه فالعذرة والبول والحيض والمذي وبراز الخنزير والكلاب ونحوها، كل ذلك طاهر ليس بنجس!

وإن قال أنه نجس، طالبناه بالدليل. فإن قال أنه الطبع. قلنا: الطبائع تختلف ولا تنضبط، ثم هذا يجعل حكم الله تعالى متعلقاً بما يشتهي كل واحد لنفسه، وهذا تحكيم غير الله، ولو جاز عنده لجاز تحكيم سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من باب أولى، إذ طبعه أقوم الطبائع ونفسه أشرف الأنفس.

فلن يجد بعد ذلك محيصاً للخروج من هذا الحرج الشديد إلا القول بسنة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ففيها الجواب الكافي.

ثم مثل هذه الآية في كتاب الله تعالى كثير، ومنه:
قوله تعالى: 
( حرمت عليكم الميتة )
تتناول تحريم السمك الميت وإيجاب ذبحه.

وقوله تعالى: 
( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) 
تحتمل قطع اليد من طرف الإصبع كما تحتمل قطع اليد من الكتف.

وقوله تعالى: 
( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) 
يشمل كل ظلم ولو صغيراً.

وقوله تعالى: 
( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج ) 
مع قوله تعالى: 
( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً )
متناقضتان تماماً.

والآيتان السابقتان مع قوله تعالى: 
( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن )
متناقضتان حيث تلد المرأة قبل أربعة الأشهر.

وقوله تعالى:
( والذين في أموالهم حق معلوم )
الحق لا يعلم كم هو؟ ولا ما هو؟ ولا متى هو؟ ولا ممن هو؟ ولا كيف هو؟ 

وقوله تعالى:
( وربائبكم اللاتي في حجوركم )
لا يتناول اللاتي لسن في حجورهم.

وقوله تعالى: 
( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً )
يدل على جواز إكراههن إن لم يردن التحصن.

وقوله تعالى:
( وأحل لكم ما وراء ذلكم )
يبيح الجمع بين الزوجة وعمتها وخالتها.

وقوله تعالى:
( فلا جناح عليه أن يطوف بهما )
يدل على عدم استحباب وعدم إيجاب السعي بين الصفا والمروة.

وغير ذلك كثير جداً في كتاب الله تعالى لا يمكن أن يفهم من غير بيان السنة المطهرة.

وأنبه هنا 
أن ذكري كل هذه الآيات ليس استدلالاً بكل منها، فتزيد الأدلة الواردة على العشر، وهو خلاف الاتفاق، وإنما الدليل الجنس. 
إذ دليلي كثرة ما في القرآن مما لا يفهم من غير بيان السنة النبوية المطهرة، ولا يتم لي إثبات الكثرة التي ذكرت إلا بذكر كمٍّ من الأمثلة.

وبهذا تتم عشرة أدلة، والله أسأل أن يثبت بها مسلماً ويهدي بها من شاء من عباده،

والله أعلى وأعلم

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .
==============
================

ملف الرد على منكري السنة



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق