الثلاثاء، 16 ديسمبر 2014

الجواب على رواية شريك في البخاري بان النبي أسرى به قبل البعثة

أورد البخاري في كتاب التوحيد 



ان النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد أسري به قبل الوحي

بل مراد قول شريك  قبل أن يوحى إليه فرض الصلوات، وليس المراد أن الحادثة كانت قبل البعثة

=========

 رواية شريك بن عبد الله، والتي كانت محل هذه الادعاءات الباطلة. 

فقد أورد البخاري في صحيحه الحديث الذي رواه سليمان عن شريك بن عبد الله، أنه قال: «سمعت ابن مالك يقول ليلة أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مسجد الكعبة: أنه جاءه ثلاثة نفر - قبل أن يوحى إليه - وهو نائم في المسجد الحرام، فقال أولهم: أيهم هو؟ فقال أوسطهم: هو خيرهم، فقال أحدهم: خذوا خيرهم، فكانت تلك الليلة، فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه، وتنام عينه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فلم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم، فتولاه منهم جبريل، فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته حتى فرغ من صدره وجوفه، فغسله من ماء زمزم بيده حتى أنقى جوفه، ثم أتى بطست من ذهب فيه تور من ذهب، محشوا إيمانا وحكمة، فحشا به صدره ولغاديده - يعني عروق حلقه - ثم أطبقه، ثم عرج به إلى السماء الدنيا، فضرب بابا من أبوابها، فناداه أهل السماء: من هذا؟ فقال: جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: معي محمد، قال: وقد بعث؟ قال: نعم، قالوا: فمرحبا به وأهلا، فيستبشر به أهل السماء، لا يعلم أهل السماء بما يريد الله به في الأرض حتى يعلمهم، فوجد في السماء الدنيا آدم، فقال له جبريل: هذا أبوك فسلم عليه، فسلم عليه ورد عليه آدم، وقال: مرحبا وأهلا يا بني، نعم الابن أنت، فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان، فقال: ما هذان النهران يا جبريل؟ قال: هذان النيل والفرات عنصرهما، ثم مضى به في السماء، فإذا بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، فضرب يده فإذا هو مسك أذفر، قال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك، ثم عرج إلى السماء الثانية، فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الأولى، من هذا؟ قال: جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد - صلى الله عليه وسلم - قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قالوا: مرحبا به وأهلا، ثم عرج به إلى السماء الثالثة، وقالوا له مثل ما قالت الأولى والثانية، ثم عرج به إلى الرابعة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السماء الخامسة، فقالوا مثل ذلك، ثم عرج به إلى السادسة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السماء السابعة، فقالوا له مثل ذلك، كل سماء فيها أنبياء قد سماهم، فوعيت منهم إدريس في الثانية، وهارون في الرابعة، وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه، وإبراهيم في السادسة، وموسى في السابعة بفضل كلامه لله، فقال موسى: رب، لم أظن أن ترفع على أحدا، ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله، حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة فتدلى، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى الله فيما أوحى خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة، ثم هبط حتى بلغ موسى، فاحتبسه موسى، فقال يا محمد: ماذا عهد إليك ربك؟ قال: عهد إلى خمسين صلاة كل يوم وليلة، قال: إن أمتك لا تستطيع ذلك، فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم، فالتفت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك، فأشار إليه جبريل أن نعم، إن شئت، فعلا به إلى الجبار، فقال وهو مكانه: يارب خفف عنا، فإن أمتي لا تستطيع هذا، فوضع عنه عشر صلوات، ثم رجع إلى موسى فاحتبسه، فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات، ثم احتبسه موسى عند الخمس، فقال: يا محمد، والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من هذا فضعفوا فتركوه، فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا، فارجع فليخفف عنك ربك، كل ذلك يلتفت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جبريل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبريل، فرفعه عند الخامسة، فقال: يارب إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبدانهم فخفف عنا، فقال الجبار: يا محمد، قال: لبيك وسعديك، قال: إنه لا يبدل القول لدي، كما فرضت عليك في أم الكتاب، قال: فكل حسنة بعشر أمثالها، فهي خمسون في أم الكتاب، وهي خمس عليك، فرجع إلى موسى، فقال: كيف فعلت؟ فقال: خفف عنا، أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها، فقال موسى: قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه، ارجع إلى ربك فليخفف عنك أيضا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا موسى قد والله استحييت من ربي مما اختلفت إليه، قال: فاهبط باسم الله، قال: واستيقظ وهو في مسجد الحرام»[2]. 

أما الاضطرابات - التي يدعيها المغرضون - بين الروايات، فإننا نقرر أنها ادعاءات باطلة، وسوف نفند هذه الادعاءات واحدة تلو الأخرى، في السطور التالية: 

·       لا اضطراب في تحديد وقت حادثة الإسراء والمعراج:

يوضح ذلك ابن القيم حيث يقول: "والصواب الذي عليه أئمة النقل أن الإسراء كان مرة واحدة بمكة بعد البعثة"[3]، أما الأدلة التي يعتمد عليها القائلون بهذا الاضطراب، فإن ابن القيم قد عرضها ووضح زيفها، حيث قال: "وكان الإسراء مرة واحدة، وقيل مرتين: مرة يقظة، ومرة مناما، وأرباب هذا القول كأنهم أرادوا أن يجمعوا بين حديث شريك، وقوله: ثم استيقظت، وبين سائر الروايات. ومنهم من قال: بل كان هذا مرتين، مرة قبل الوحي، لقوله في حديث شريك: «وذلك قبل أن يوحى إليه» ومرة بعد الوحي، كما دلت عليه سائر الأحاديث. ومنهم من قال: بل ثلاث مرات: مرة قبل الوحي، ومرتين بعده، وكل هذا خبط، وهذه طريقة ضعفاء الظاهرية من أرباب النقل، الذين إذا رأوا في القصة لفظة تخالف سياق بعض الروايات، جعلوه مرة أخرى، فكلما اختلفت عليهم الروايات عددوا الوقائع، والصواب الذي عليه أئمة النقل أن الإسراء كان مرة واحدة بمكة بعد البعثة، ويا عجبا لهؤلاء الذين زعموا أنه مرارا، فكيف ساغ لهم أن يظنوا أنه في كل مرة تفرض عليه الصلاة خمسين، ثم يتردد بين ربه وبين موسى حتى تصير خمسا، ثم يقول: «أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي» ثم يعيدها في المرة الثانية إلى خمسين، ثم يحطها عشرا عشرا، وقد غلط الحفاظ شريكا في ألفاظ من حديث الإسراء، ومسلم أورد المسند منه، ثم قال: فقدم وأخر وزاد ونقص، ولم يسرد الحديث، فأجاد - رحمه الله"[4]. 

أما السيوطي فقد علق على عبارة: (قبل أن يوحى إليه) - التي وردت في رواية شريك، والتي استند إليها من يرى أن الحادثة حدثت قبل البعثة، وأن هناك اضطرابا في روايات الإسراء والمعراج - فقال: "هذا مما أنكر على شريك في هذا الحديث، فإن المعروف أن الإسراء بعد البعثة، وفي تلك الليلة فرضت الصلاة، حتى تجاسر ابن حزم وادعى أن هذا الحديث موضوع، وانتقد على الشيخين حيث أخرجاه، وقد رد عليه ابن طاهر في جزء وقال: إن أحدا لم يتهم شريكا، بل وثقه أئمة الجرح والتعديل، وقبلوه واحتجوا به، قال: وأكثر ما يقال: إن شريكا وهم في هذه اللفظة، ولا يرد جميع الحديث بوهم في لفظة منه، ولعله أراد أن يقول: بعد أن يوحى إليه، فجرى على لسانه (قبل) غلطا، ومنهم من تأوله على أمر مخصوص؛ أي: قبل أن يوحى إليه فرض الصلوات، أو في شأن الإسراء، يريد: أنه وقع بغتة قبل أن ينذر به، وذكر الحافظ ابن حجر أن شريكا لم ينفرد بهذه اللفظة، بل تابعه عليها كثير بن خنيس عن أنس، أخرجه سعيد بن يحيى الأموي في مغازيه: وهو نائم؛ أي: أول ما جاءوه - يقصد الملائكة - كما صرح به في رواية ميمون بن سياه، وفيها (وكانت قريش تنام حول الكعبة) وقدم فيه شيئا وأخر، وزاد ونقص، وقد ساقه بلفظه البخاري في كتاب التوحيد من صحيحه"[5]. 

وما قاله السيوطي من أن علماء الجرح والتعديل قد وثقوا شريكا - هو أمر واضح يسهل الاستدلال عليه، وهاك أقوال العلماء فيه: 

قال محمد بن سعد: كان ثقة كثير الحديث. 

وقال أبو أحمد بن عدي: وشريك رجل مشهور من أهل المدينة، حدث عنه مالك وغير مالك من الثقات، وحديثه إذا روى عنه ثقة فلا بأس بروايته، إلا أن يروي عنه ضعيف[6]. 

وخلاصة القول في هذه المسألة: أن رواية شريك صحيحة ولا غبار عليها، وأن ما قاله شريك صحيح إذا فهمنا عبارته كما فهمها العلماء الشارحون، وأن المراد منها قبل أن يوحى إليه فرض الصلوات، وليس المراد أن الحادثة كانت قبل البعثة، ويؤيد ما ذهبنا إليه أقوال العلماء وأهل الجرح والتعديل الذين وثقوا شريكا وقبلوا روايته، كما يؤيد هذا القول الروايات الأخرى التي ذكرها العلماء، والتي تساند رواية شريك. 

أما إذا افترضنا - جدلا - أن شريكا قد وهم في هذه العبارة، فإن ذلك لا ينقص من قدره؛ فهو بشر، يجوز عليه ما يجوز على غيره من نسيان ووهم وخطأ، لكن هذا الفرض لا يجعلنا نرفض روايته بالكلية، ويؤيد ذلك ما ذكره ابن حجر في الفتح، حيث قال: "قال ابن طاهر: وحديثه هذا رواه عنه ثقة، وهو سليمان بن بلال، قال: وعلى تسليم تقدير تفرده بعبارة: «قبل أن يوحى إليه» لا يقتضي طرح حديثه؛ فوهم الثقة في موضع من الحديث لا يسقط جميع الحديث، ولا سيما إذا كان الوهم لا يستلزم ارتكاب محذور، ولو ترك حديث من وهم في تاريخ لترك حديث جماعة من أئمة المسلمين"[7]. 


[2]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: التوحيد، باب: ما جاء في قوله عز وجل: ) وكلم الله موسى تكليما (، (13/ 486)، رقم (7517).

[3]. زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن القيم، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط8، 1405هـ/ 1985م، (3/ 42).

[4]. زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن القيم، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط8، 1405هـ/ 1985م، (3/ 42).

[5]. الديباج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، السيوطي، تحقيق: أبي إسحاق الحويني الأثري، دار ابن عفان، السعودية، ط1، 1416هـ/ 1996م، (1/ 198، 199).

[6]. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، أبو الحجاج المزي، تحقيق: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1400هـ/ 1980م، (12/ 477).

[7]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (13/ 493). 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق