الأربعاء، 10 ديسمبر 2014

السنة والزبد القديم نوال العيد

السنة والزبد القديم


الخميس، ٠٦ حزيران ٢٠١٣

نوال العيد

ابتلي المجتمع هذه الأيام بمن يعتقدون بأنهم قادوا دفة التحرر، وترأسوا سنام التطور، وأعلنوا الثورة على كتب التراث وعلى رأسها كتب الصحاح والسنن ولا سيما صحيحي البخاري ومسلم، وأنه حان الوقت الذي يتحررون فيه من الوصاية الفكرية، والكهنوت الديني.
الغريب أن هؤلاء لم يأتوا بأفكار جديدة؛ لأن رحم إبليس عقمت أن تلد أفكاراً أخرى، لكنه الزبد القديم الذي زال ثم عاود الظهور مرة أخرى وسيذهب جفاء، ذلك أنه في القرن الثاني الهجري ظهرت فرقة المعتزلة التي بدأت في التشكيك بالسنة النبوية، يقول ابن حزم في الإحكام في أصول الأحكام: «...وأيضاً فإن جميع أهل الإسلام كانوا على قبول خبر الواحد الثقة عن النبي صلى الله عليه وسلم يجري على ذلك كل فرقة في علمها كأهل السنة والخوارج والشيعة والقدرية، حتى حدث متكلمو المعتزلة بعد المئة من التاريخ فخالفوا الإجماع في ذلك»، ثم اختلفت فرق المعتزلة المنقسمة في ما بينها فمن هم من أنكر الآحاد من دون المتواتر، ومنهم من أنكر حجية السنة التي لم ترد بياناً لما في القرآن، وهو ما يردده البعض اليوم من تقسيم السنة إلى تعبدية وغير تعبدية.
وأدى صراع المعتزلة قديماً والمدرسة العقلانية حديثاً إلى نتيجتين خطيرتين، سيتناول مقال هذا الأسبوع النتيجة الأولى منهما، وهي:
ما فتحه رؤس المعتزلة من ثغرات في مكانة الصحابة استطاع من خلالها أن يلج المتعصبون من المستشرقين حمى الذادة الميامين صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مستندين إلى ما افتراه النظام وأمثاله من رؤوس الاعتزال على الصحابة، وقد ذكر العلامة ابن قتيبة في كتابه «تأويل مختلف الحديث» الكثير مما رمى به النظام المعتزلي وغيره أبا هريرة، وإنما هاجموا أبا هريرة خاصة، لأنه أكثر الصحابة رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي إسقاطه إسقاط كثير مما يرويه عن رسول الله، وقد رد ابن قتيبة عليهم بمنهجية علمية من عالم متخصص.
وقد تبع المستشرقين الحاقدين على الإسلام وعلمائه بعضُ الكتبة والأبواق كأحمد أمين ومحمود أبو رية، يقول أبو رية في كتابه «أضواء على السنة» (ص 187): «ولقد استخفه أشره وزهوه - يعني: أبا هريرة - ونم عليه أصله، فخرج عن حدود الأدب والوقار! مع هذه السيده الكريمة فكان يقول بعد هذا الزواج (على ابنة غزوان) الذي ما كان يحلم به: إني كنت أجيراً لبسرة بنت غزوان بطعام بطني، فكنت إذا ركبوا سقت بهم، وإذا نزلوا خدمتهم، والآن تزوجتها، فأنا الآن أركب فإذا نزلت خدمتني...»، ويعلق على هذه العبارة بالهامش، فيقول ما نصه عن أبي هريرة: «انظر إلى هذا الكلام الذي تعرى من كل مروءة وكرم، واتسم بكل دناءة ولؤم..» علماً بأن القصة التي أوردها عن أبي هريرة لم تثبت وإنما أوردها ابن سعد في كتابه الطبقات(4/326) وفي إسنادها محمد بن عمر بن واقد الأسلمي الواقدي المدني القاضي، متروك عند الإمام أحمد والبخاري وابن المبارك وابن حجر كما في تهذيب التهذيب(9/324)، إذنْ فالأثر موضوع مردود من جهة الإسناد على قواعد المحدثين، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى على فرض صحة الأثر، هل هذا هو أسلوب النقد الذي يعرفه العقلانيون - زعموا - وهل هذه آداب الحوار عندهم؟ نعم لا يدعي أحد من أهل السنة العصمة لأحد من البشر حاشا الأنبياء، لكن لا بد من أن ينزل الناس منازلهم، ويعرف لأهل العلم حقهم، ولا سيما أصحاب رسول الله، الذي قال الله تعالى فيهم: «والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه»، وقال فيهم رسول الله فيما أخرجه البخاري من حديث أبي سعيد: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» والنصيف أي: نصف المد، لكن يجب قبل النقد أن يتخصص الباحث في ما يريد أن يتحدث عنه، والحكم عن الشيء فرع عن تصوره، فكيف يتحدث في مثل هذه الأمور العلمية من يجهل مصطلح الحديث وعلم الجرح والتعديل والعلل، وإنما يتكأ على أقوال المستشرقين، ويدخل البحث وهو متشبع بفكرة يبحث عما يؤيدها، وهذا خلاف الموضوعية في البحث العلمي.
كما أن على الناقد أن يلتزم بآداب النقد وأن يكون عفيف القول كريم التعبير مترفعاً عن الإسفاف والسخرية، والإنصاف وعدم التجني.
ورحم الله ابن قتيبة حين قال: «وقد تدبرت مقالة أهل الكلام فوجدتهم يقولون على الله ما لا يعلمون ويفتنون الناس بما يأتون ويبصرون القذى في عيون الناس وعيونهم تطرف على الأجذاع ويتهمون غيرهم في النقل ولا يتهمون آراءهم في التأويل»


* داعية، وأكاديمية سعودية.
nwal_al3eed@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق