الجمعة، 23 ديسمبر 2016

الأقليات , معول هدم الإسلام , مسمار جحا الاجنبي

النصيرية

تعتبر النصيرية من الملل الحديثة التي خصها الاجنبي بعطفه , فلم يكن احد يتهم لهم بقدر ما كانوا يهتمون للدروز او اليهود او الارمن او الموارنة . حيث انه في بدايات القرن التاسع عشر كانت الدول الكبرى قد فرضت نفسها على الدولة العثمانية كحامية للأقليات , فقد كانت روسيا المسؤولة عن حماية الارمن و الارثودكس و كانت فرنسا المسؤولة عن حماية المارونيين والكاثوليك و بريطانيا حامية اليهود و الدروز .

وربما سبب اسبتعاد النصيرية والاسماعيلية من الحسابات وقتها كونهم منعزلين اكثر من باقي الطوائف الاخرى , حيث ان الدروز كانوا في لبنان و المناطق القريبة من فلسطين , اما باقي الطوائف المسيحية فكانت متمدنة مقارنة مع الفرق الباطنية . لهذا كان الاتصال مع النصيرية والاسماعيلية التي تعيش في مناطق جبلية وعرة و غابات كثيفة أصعب من باقي الطوائف . وكان اقدم اتصال في عهد الدولة العثمانية هو الذي حصل ايام الدولة الصفوية حيث كان النصيرية يتعاطفون مع الدولة الصفوية (1) بالرغم من الكراهية بين الفريقين , الا ان كراهيتهما للدولة العثمانية الممثل الوحيد وقتها للاسلام كان أشد . الأمر الذي دعا متولي اللاذقية وقتها الوالي (ضياء الدين بك) (1885- 1892 ) الى الطلب من السلطان العثماني عبدالحميد الثاني ادراج النصيرية تحت حكم المسلمين و حاول بناء المساجد و المدارس في مناطقهم , وتم ذلك , إلا انهم بعد ذهاب المتولي انقلبوا الى عادتهم القديمة في تحويل المساجد لزرائب او هدمها و تحويل المدارس الى مساكن (2)

وقد ثار النصيرية مرات عديدة ضد الدولة العثمانية , وكثيرا ما كانت عندما تثور تهاجم مدن و قرى المسلمين , ففي عام 1834 هاجموا اللاذقية ونهبوها و فتكوا بأهلها , فعاقبهم الوالي بشدة و أحرق عددا من قراهم حتى تابوا و اظهروا الطاعة , وكلما ضعفت الدولة عادوا الى ما كانوا عليه .(3) و بالرغم من هذا فقد كانت الدولة العثمانية قلما تأخذ شيء يذكر من الضرائب على النصيريين , يقول محمد كرد علي "و القائم مقام الذي يجبي منهم ضريبة سنة تصفق له الدولة و ينال تقدير ولاة الامر و يشرف برتب الدولة و مراتبها " (4).

وعند دخول الفرنسيون لسوريا عام 1918 , كان تركيز الفرنسيين على اتخاذ حرسهم من الاقليات النصيرية و الاسماعيلية و الدرزية بشكل خاص و الفت منهم جيشا عام 1924 اسمته القوات الخاصة للشرق (وليس جيش المشرق) كان تعداده اول ما انشئ 6500 مجند و ارتفع العدد لاحقا الى 10 الاف مجند (5). و لدى الدخول في فترة الانتداب الفرنسي لا بد من المرور على تمرد صالح العلي , الذي حاول بعض الناس تصوريه بالثائر على الفرنسيين والرجل الوطني الاول , بينما صوّر المؤرخون الموضوعيون حقيقة هذا النزاع بأنه لم يكن يملك أي خلفية ايدولوجية بل كان نزاعا على المصالح . حيث انه في نيسان من عام 1919 هجمت النصيرية على الاسماعيلية في جبل الكلبية وفي ناحيتي الخوابي والقدموس, فتحالفت الاسماعيلية مع جيرانها المسيحيين , ولكن نهبت القدموس عن بكرة أبيها وخربت بعض بيوتها وكانت معركة دامية بين الطرفين مات فيها المئات ,فزحفت القوات الفرنسية الى قرية (الدويلة) فحرقتها مع قرى أخرى , ثم سارت الى منطقة (المريقيب) مسقط راس صالح العلي , فجمع حوله حوالي 12 الف مقاتل من النصيرية و المتاورة و دامت المعركة بين الطرفين 7 ساعات ,انسحب منها الجيش الفرنسي الى القدموس ثم بانياس و طرطوس (6), وكان الصراع قد استمر فترة سنتين تقريبا , وذلك بسبب دعم الاتراك الكماليين للنصيرية ضد الاسماعيليين لإثارة للقلاقل من اجل اضعاف النفوذ الفرنسي في سبيل الحصول على مدينة (قلقيلية) المتنازع عليها وقتها, وقد حصل ذلك في 1921 بأن سلمت فرنسا المدينة للاتراك , واستسلم في نهاية السنة صالح العلي للفرنسيين بعد توقف الدعم التركي له (7). و ايضا بخصوص صالح العلي يقول الاديب السوري المعروف محمد المجذوب في كتب الاسلام في مواجهة الباطنية :

عاد في عام 1936 وفد المفاوضات من باريس يحمل صك الحرية ، و كنا مع الشيخ صالح العلي و ال المحمود نؤلف احد الوفود القادمة إلى دمشق للمشاركة في استقبال قادة النضال ، و في طريقنا من فندق الاندلس لزيارة سلطان الاطرش في فندق فيصل بالسنجقدار ، وقف الشيخ صالح وسط ساحة المرجة و جعل يدير عينيه في تلك الارجاء ثم التفت الي قائلا : أي فلان ... هذا البلد سنحكمه نحن العلويين ذات يوم .

قلت : لو اوضحت ما تريد

قال : ذلك ما يقرره الجفر (8) .

أشار يوسف الحكيم (أحد وزراء الملك فيصل ايام حكومته) في مذكراته , ان التقارير الناجمة عن لجنة (كرين) 1919 الامريكية , افادت برغبة الأكثرية العلوية بالانتداب الفرنسي (9) و قد رد الفرنسيون الجميل بأن اسسوا لهم دولة في 3 سبتمبر / أيلول 1921 (10).

يقول المؤرخ الفرنسي (جاك فاليرس) " بأنه منذ مطلع القرن التاسع عشر كان المسيحيون يشكلون أغلبية في بعض القرى مثل ديرشميل و علمية فأصحبت نصيرية ,وفي عام 1921 بعد هجمات النصيرية قرر نصف سكان قرية سرية المسيحيون الهجرة الى سكالبية ثم تبعهم البقية فيما بعد و قد كان نفس الأمر كذلك بالنسبة لمسيحيي المنطقة الدخلية ولإسماعيليي الجبل. فقد انحدر الفلاحون النصيريون من جبالهم واحتلوا الغاب كله غرب نهر العاصي. اما في السهل فقد استقروا على التلال المهجورة مثل (تل سلهب) كما انتشروا داخل سوريا حيث ان في قضاء حماه يوجد 40 قرية لهم

ويقول الكاتب ايضا " وقد ساعدهم على ذلك كون النصيري فلاحا مخادعا لا يتسنى للبدوي ان ينافسه في هذا المضمار وهذا ما جعل اغوات حماه يفضلونه على الثاني حينما يريدون استثمار اراضيهم ,كما انهم يرون في الفلاحين النصيريين اكثر ضمانا و خضوعا لأن هؤلاء الفلاحين لا يمكنهم الاستغناء عن وصاية اسيادهم و حمايتهم وهذا ما يفسر الاستيطان الحديث للقرى الشمالية الشرقية لقضاء حماه"(11)

بدأ التآلف الفرنسي النصيري يتضح أكثر في كلام المندوب الفرنسي في سوريا (الجنرال غورو) , الذي ارسل برقية الى رئيس الوزراء الفرنسي قائلا "وأفيدكم بهذا الصدد بأن النصيرين الذين يستيقظ حسهم الإقليمي الذاتي منذ لم يعد الأتراك موجودن لتذويبهم مع المسلمين قد ساعدوني كثيرا في قمع الفتنة التي اثارها الشريف حسين في تل كلخ, فقد تلقيت برقية من 73 زعيما نصيريا يتحدثون بإسم جميع القبائل يطالبوننا بإنشاء اتحاد نصيري مستقل تحت حمايتنا" (12)

وكانت العريضة المشهورة التي ارسلها زعماء الطائفة النصيرية لرئيس الوزراء الفرنسي (ليون بلوم) عندما سعت الكتلة الوطنية في توحيد سوريا , ارسل كبار زعماء الطائفة عام (وكان من بينهم الشاعر بدوي الجبل و والد جد حافظ ) 1936 خلال شهر حزيران يطالبونه فيها بعدم الاتحاد مع سوريا , وقد وقع عليها زعماء العشائر الرئيسية من بيت (هواش –الكنج – جنيد بك وعباس و غيرهم ) (13) .

جاء في مذكرة من وزير الحربية (قسم ما وراء البحار) الى وزير الشؤون الخارجية الفرنسي في عام 1935 ((يجب ان لا ننسى ان النصيريين من الاقوام التي تمتهن الحرب في الدول الخاضعة للانتداب الفرنسي ولقد جندنا مهم افضل عناصر القوات الخاصة و ان ضم "الشعب" النصيري الى سوريا سيجردنا من اسناد ممتاز .لقد كان من المتفق عليه ان القوات الفرنسية سترابط في المشرق بعد توقيع الاتفاقية الفرنسية-السورية من الممكن ان تضم عناصر محلية وبصفة خاصة من النصيريين(( (14).

وقد أشارت تقارير الاستخبارات البريطانية الى ان النصيرية في بادئ الأمر عندما دخلت القوات البريطانية سوريا اولا , كانت ترغب بالحكومة البريطانية , واشار التقرير الى ان النصيريين يمكن ان يكونوا من اكثر فئات المجتمع خدمة لبريطانيا (15) .

بقيت دولة العلويين حتى عام 1943 , حيث اصدر قرار ضمها مع دولة الدروز للدولة السورية عام 1936 و لكن القرار لم يتم تنفيذه الا في عام 1943 (16) , وبذلك انتهت الدولة العلوية في ضمن حدود الجبل و نصبت عيون مشايخ الطائفة على البلاد كلها .
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق