الأحد، 26 فبراير 2017

كثرة الطوائف الزاعمة أنها الطائفة المنصورة


كثرت الطوائف والفرق التي تزعم أنها هي الطائفة المنصورة، واشتبه على كثيرٍ من الناس الأمر، فماذا نفعل خاصة أن هناك فرقاً تنتسب للإسلام كالصوفية والسلفية ونحو ذلك من الفرق، فكيف نميز؟ بارك الله فيكم.

ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة - يعني: كلها في النار إلا واحدة، وهم أتباع موسى عليه السلام - وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة - والمعنى: أنها كلها في النار إلا واحدة، وهم التابعون لعيسى عليه السلام - قال: وستفترق هذه الأمة - يعني أمة محمد عليه الصلاة والسلام - على ثلاثٍ وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)) قيل يا رسول الله: من هي الفرقة الناجية؟ قال: ((الجماعة))، وفي لفظ: ((ما أنا عليه وأصحابي)).

هذه هي الفرقة الناجية، الذين اجتمعوا على الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم واستقاموا عليه، وساروا على نهج الرسول صلى الله عليه وسلم ونهج أصحابه وهم أهل السنة والجماعة، وهم أهل الحديث الشريف السلفيون الذين تابعوا السلف الصالح، وساروا على نهجهم في العمل بالقرآن والسنة، وكل فرقة تخالفهم متوعدة بالنار.

فعليكِ - أيتها السائلة - أن تنظري في كل فرقة تدعي أنها فرقة ناجية، فتنظري أعمالها؛ فإن كانت أعمالها مطابقة للشرع فهي من الفرقة الناجية، وإلا فلا، والمقصود: أن الميزان هو القرآن العظيم والسنة المطهرة في حق كل فرقة، فمن كانت أعمالها وأقوالها تسير على كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم فهذه داخلة في الفرقة الناجية، ومن كانت بخلاف ذلك، كالجهمية والمعتزلة والرافضة والمرجئة وغير ذلك، وغالب الصوفية الذين يبتدعون في الدين ما لم يأذن به الله، هؤلاء كلهم داخلون في الفرق التي توعدها الرسول صلى الله عليه وسلم بالنار حتى يتوبوا مما يخالف الشرع.

وكل فرقة عندها شيء يخالف الشرع المطهر فعليها أن تتوب منه، وترجع إلى الصواب وإلى الحق الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وبهذا تنجو من الوعيد، أما إذا بقيت على البدع التي أحدثتها في الدين ولم تستقم على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنها داخلة في الفرق المتوعدة، وليست كلها كافرة، إنما هي متوعدة بالنار، فقد يكون فيها من هو كافر لفعله شيئاً من الكفر، وقد يكون فيها من هو ليس بكافر ولكنه متوعدٌ بالنار؛ بسبب ابتداعه في الدين، وشرعه في الدين ما لم يأذن به الله سبحانه وتعالى.

فتاوى نور على الدرب الجزء الأول

موقع الشيخ الدكتور سفر الحوالي شرح العقيدة الطحاوية الافتراق (الحلقة الثالثة) تعريف الفرقة الناجية

تعريف الفرقة الناجية

الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي

من درس: الافتراق (الحلقة الثالثة)

لم يذكر المصنف هنا إلا بعض روايات حديث الفرقة الناجية؛ لأن الحديث روي من طرق وروايات كثيرة، فلم يذكر إلا حديث عبد الله بن عمرو ، وأبي هريرة ، ومعاوية رضي الله عنهم، وأما بقية الروايات التي في المسند والمستدرك وغيرهما فلم تذكر هنا.

وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الروايات تعريفين للفرقة الناجية :

الرواية الأولى التي تتضمن التعريف الأول للفرقة الناجية : روى الترمذي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: {... قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي }.


الرواية الثانية: روى الإمام أحمد والدارمي وغيرهما عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: {هي الجماعة }.

ونريد أن نعرف معنى قوله: {ما أنا عليه وأصحابي }، ومعنى الجماعة؛ حتى نعرف حقيقة الفرقة الناجية .

فالنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن ذكر أن الفرق الثلاث والسبعين متوعدة بالنار، استثنى من هذه الفرق فرقة واحدة، وهي الفرقة الناجية والطائفة المنصورة ، فسأله الصحابة الكرام: { من هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي }، أو قال: {هي الجماعة }، وسند الرواية الثانية صحيح لذاته، بخلاف الرواية الأولى فإنها صحيحة لغيرها -أي: بمجموع الطرق- على أن المعنى واحد: فإن (الجماعة) تعادل: {ما أنا عليه وأصحابي } وهذه تؤيد تلك، ولا يمنع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حدثهم عن الفرقة الناجية بهذا الحديث في مجالس عدة، وسئل أكثر من مرة ويجيب مرة بهذه الجملة ومرة بتلك، ومعناهما ومؤداهما واحد، أو أن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم عبَّروا عن المعنى الواحد كما فهموه من النبي صلى الله عليه وسلم، فلو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {هي الجماعة }، وعبر عنها أحد أصحابه بالمعنى فقال: {ما أنا عليه وأصحابي }، لكان المعنى أيضاً حقاً؛ لأنهما شيء واحد وصفاً ومعنىً وحقيقةً.

الفرقة الناجية لا يضرها من خالفها حتى يأتي أمر الله

قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأولى: {ما أنا عليه وأصحابي } وقوله في الرواية الثانية: {هي الجماعة } تتفرع عنهما جميع أوصاف أهل السنة والجماعة ، وجميع مميزاتهم التي يتميزون بها عن سائر الفرق، والتي بها يكون لهم ما وعدهم به الله سبحانه وتعالى، وهو النصر على من خالفهم، وأنهم {لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله عز وجل }، وأمر الله هو: الريح الطيبة التي يرسلها الله تبارك وتعالى في آخر الزمان {فتقبض أرواح المؤمنين فلا يبقى إلا شرار الخلق، وعليهم تقوم الساعة }، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح.

وهذه الطائفة منصورة ظاهرة على من خالفها، لا يضرها من خالفها، وليس معنى ذلك: أن من خالفها لا يلحق بها أي ضرر؛ وإنما لا يضرها بمعنى: لا تبالي بمن خالفها، وإن ابتليت، وامتحنت، واستضعفت؛ فإنها هي الغالبة، كما قال الله سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173]، فهؤلاء الموعودون بالنصر هم الطائفة المنصورة ، وهذا هو الوصف الأول وهو أنها منصورة.

والوصف الثاني: أنها ناجية، مع أن غيرها متوعد بالنار، وهي موعودة بالنجاة موعودة بالجنة، قال تعالى: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185].

معنى النجاة للفرقة الناجية

وقبل أن نستعرض صفات الفرقة الناجية ، نقف قليلاً عند موضوع النجاة، فهل تعني نجاة هذه الفرقة أن كل من كان من أهل السنة والجماعة -إذا قلنا: إن الطائفة المنصورة هم أهل السنة والجماعة عامةً- فهو ناج من العذاب، وغير متوعد، وهو على حق وعلى استقامة في سلوكه، وفي خلقه ومعاملته مع ربه دائماً؟

الجواب: إذا قلنا بالمعنى العام أن أهل السنة عامةً كل من اعتقد الحق، ودان لله تبارك وتعالى به، فيكون المرء بهذا قد نجا من أهل الأهواء والبدع والضلالات، ولكن من أهل السنة من هم أصحاب كبائر، وقد لا ينجون من النار، فالنجاة هنا لا تعني عدم الوقوع في الكبائر أو المعاصي وما يترتب على ذلك من العقوبة، فمن كان من أهل السنة في العقيدة، ولكن قد يزني، وقد يسرق، وقد يشرب الخمر، وقد يصر على كبيرة؛ فيعذب بها؛ مع أنه من أهل التوحيد ومن أهل السنة ، وليس من أهل الأهواء والضلالات والبدع.

إذاً: النجاة هنا هي في باب الاعتقاد، فمنهجهم منهج نجاة، ولا يعني ذلك أن أحدهم إذا ارتكب موبقة أنه لا يحاسب عليها.. نقول هذا لأمرين:

الأمر الأول: حتى يعلم أهل السنة أنه يجب عليهم أن يطبقوا دين الله كله، ويلتزموا أوامره وحدوده جميعاً، ويستقيموا على أمره، مع السنة ومع الاستقامة في العقيدة.

الأمر الثاني: حتى لا يأتي أهل البدع فيشككوا أهل السنة ، كأن يقولوا: أنتم تزعمون أنكم فرقة ناجية وطائفة منصورة، وفيكم من يشرب الخمر، وفيكم من يزني...؛ فهل هذا فعل الناجين؟ كلا؛ بل هو فعل الهالكين! ويرجحون عدم نجاة أهل السنة ؛ لأن من أهل البدع من هو على عبادة وجهاد وذكر، فلو قارنا بين هؤلاء وهؤلاء، لبدت الموازنة غير صحيحة، فكيف يقال: إن أهل السنة موعودون بالنجاة مع ما عند بعضهم من فجور، وأولئك متوعدون بالهلاك مع الذكر والعبادة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟!

فنقول لهم: النجاة والهلاك المقصودان هنا هما بحسب الاعتقاد.

أما ما يقع من أهل السنة والجماعة ، فكما تقدم بيانه، ولو دخلنا في باب المقارنة لكان أهل السنة أكثر خيراً وأقل شراً، قولاً وعملاً واعتقاداً، والواقع شاهد بذلك، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (كل خير عند أهل البدعة، ففي أهل السنة والجماعة مثله وأكثر منه، وكل شرٍ أو فجورٍ أو فسقٍ في أهل السنة ، ففي أهل البدعة مثله وشر منه وأكثر).

فليس ميزان النجاة ألا يوجد في أهل السنة أصحاب فجور، ولكن ميزان النجاة سلامة الاعتقاد؛ فهو الأساس، وإذا جعلنا وجود الشر أو الفجور ميزاناً، فإن أهل البدع أكثر فجوراً وشراً، وأيما فرقة من الفرق تزعم أنها أفضل من أهل السنة ؛ فإننا نقارن بينها وبين أهل السنة ، فنجد ذلك واضحاً، ويكفينا أن نعلم أن أهل السنة يدخل فيهم النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {ما أنا عليه وأصحابي }، والقرون الثلاثة المفضلة، فهل يمكن أن يكون في فرقة أخرى من يوازن أو يعادل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والقرون الثلاثة المفضلة؟ لا يمكن أبداً. فإذا كان في آخر الزمان من أهل السنة من لديه ما يستنكر، فإنا ننظر إلى أهل السنة في الجملة، وننظر إلى أهل البدع في الجملة، فنجد في هذه المقارنة فرقاً وبوناً شاسعاً.

وأما أهل البدع؛ فكل ما فيهم من خير، فهو نتيجة اتباعهم لشيء من السنة، أو اقتدائهم بـأهل السنة والجماعة ، أو على الأقل بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

فأهل البدع إن كان فيهم ذو علم أو من يحب العلم ويحرص عليه، فلأنه إنما يعتمد على كتب أهل السنة ، فيعتمد على صحيح البخاري وصحيح مسلم ، وعلى مسند الإمام أحمد ، وعلى كتب السنن، وكتب الرجال، وأقوال علماء الرجال، وعلماء الرجال إنما هم من أهل السنة ، أمثال: الإمام أحمد ، والبخاري ، والنسائي ، وابن المديني ، وأبي زرعة ، فأهل البدع إن كان لديهم خير أو فضل أو علم فمرجعه إلى السنة وأهلها.

ومع ذلك؛ فإنه يجب أن يكون أهل السنة والجماعة في جميع العصور مستقيمين على أمر الله في كل شيء، ولا يكفي أن يكون الإنسان على عقيدة صحيحة وهو يقصر في أداء الواجبات، فإن ذلك دليل على ضعف في الإيمان بهذه العقيدة، فلا ينبغي أن يكون في سلوكه وخلقه وتعامله مع الناس مخالفاً لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم.

ومع أن هذا واقع من بعض أهل السنة ، فإنه لا يعني أفضلية أهل البدعة على أهل السنة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق