الخميس، 11 ديسمبر 2014

السنة النبوية ضرورة حتمية

السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ ضَرورَةٌ حَتْمِيَّةٌ
(1)
السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ والْمُذَكِّرات التَّفْسِيرِيَّة

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وبعدُ.

فقد اتَّفَقَتْ عقولُ أهل الأرضِ قاطبةً، مؤمنهم وكافرِهم، على وضع الشروح والتفسيرات للمتون الدينية الإيمانية، وكذا المتون القانونية الوضعية، أو النظريات والقوانين العلميَّة.

ولعل أشهر من استخدم هذا بصورةٍ موسَّعة هم رجال القانون الوضعي في العصر الحديث، ورغم اعتراضنا على تحكيم القوانين من عدة جهات، أهمها مصادمة هذه القوانين وافتئاتها على حق الله عز وجل في التشريع لعباده؛ إلا أننا نرصد هنا مسيرة رجال القانون في تناول متونهم القانونية، لنرى من خلالها ما تواطأتْ عليه عقولُ البشر الآن.

لقد عكف رجال القانون على وضع متونهم القانونية، غير أنهم سرعان ما وجدوها عاجزةً أمام اختلاف الرؤى والأنظار، بل ربما كان القانون الواحد عرضة لفهمه بعشرات الفهوم المختلفة، والخروج من خلاله بعشرات الرؤى المتضاربة أحيانًا.
ولعلاج هذه المشكلة بادر رجال القانون بإصدار شروح وتفسيرات لهذه القوانين، واشتهرت المذكرات التفسيرية بينهم بما لا يكاد يجهله إلا القليل من غير القانونين، فضلا عنهم.

والمذكِّرَة التفسيرية أو الشروحات القانونية ليست قانونًا جديدًا معارضًا لأصل القانون القديم، وإنما هي مستوحاةٌ من القانون الأصل، وتستمد قوتها وبقائها من قوة وبقاء القانون الأم، ولكنها في الوقت نفسه تأخذ أهميتها من كونها مفسرةً للقانون، مبيِّنَةً لأبعاده المختلفة.

ولها الحق في أن تضيف شيئًا زائدًا مستوحىً من روح القانون الأم، ومأخوذًا منه.

وقد اكتسبت هذه المذكرات التفسيرية للقوانين أهمية خاصة في الأزمنة الأخيرة، بعد تداخل الثقافات، وكثرة الارتباطات الحياتية بين الناس، وفشوِّ التعاملات والاتفاقات، مع اختلاف اللغات واللهجات، مما نتج عنه في كثيرٍ من الأحيان اختلاف الرؤى في فهم بعض بنود الاتفاقيات بناءً على الترجمة الحرفية لكلمة ما، أو لبندٍ من البنود.
فجاءت المذكرات التفسيرية والشروحات القانونية مبيِّنةً لهذا، رافعة للإشكال المتوقَّع لاختلاف اللغة أو اختلاف الأفهام والعقول والرؤى.

وأمثلةُ ذلك كثيرةٌ مشهورة بحيث يستغنى بشهرتها عن استجلاب أحد أمثلتها، إذْ صارت كالمتواترات المقطوع بها.

وقد نحى بعض المحامون في الفترات الأخيرة إلى تأكيد دفاعاتهم القانونية بإضافة أحكام محكمة النقض القائمة في الحالات المثيلة، والتي تمثل التطبيق العملي للقانون، وكذلك الحال مع المحكمة الدستورية وغيرها من المحاكم العليا، بوصفها الجهة العليا لفرض القوانين ومناقشتها، ثم لتطبيقها بعد ذلك.
فكان تطبيق هذه المحاكم لقانونٍ ما وحكمها به في إحدى جلساتها مثالا عمليًّا وتطبيقًا واقعيًا كشرحٍ على القانون وكيفية تطبيقه.

ولأهمية ذلك رأينا التباري الواضح مؤخرًا لإصدار أحكام محكمة النقض ووقائع جلساتها، ومثلها الدستورية العليا، وغير ذلك في إصدارات حاسوبية أو مطبوعات سيارة، تتلقَّفها أيدي المختصين بالقانون تلقُّفًا يزيد على تلقُّفِهم للقانون الأصل.

فالقانون الأصلي في نظرهم لا يتجاوز المتن الذي يحتاج لشرح واقعي، وتطبيقٍ عمليٍّ يحسم مادة النزاع والاختلاف في التطبيق.

وهذه المواضعة العامة، والاتفاق والتواطؤ بين كافة البشر في هذه الجزئية تعطينا انطباعًا راسخًا في أن التطبيق لا يقل في أهميته عن التشريع.
فالتشريع يضع لنا الصيغة، والتطبيق يضع لنا تفسيرها.

والحق أن هذا التواتر البشري والتواطؤ العقلي ليس وليدَ لحظةٍ عابرةٍ ولكنه جهد سنين بشرية طويلة، غير أنه مسبوقٌ بتلك التشريعات الإلهية العظيمة والتي تفوق كافة تشريعات البشر.

لقد سبق الوحي الإلهي جميع البشر حين أراد سبحانه وتعالى وله المنة الكبرى أن يجمع بين التشريع والتطبيق في رسائله إلى البشر كافة.
وتلك ضرورة حتمية لطبيعة الرسالات السماوية لبني البشر.

لابد وأن نرجع بأذهاننا لحظات إلى الوراء لنطالع التاريخ البشري من لدن آدم عليه السلام وحتى لحظتنا هذه ولنسأل أنفسنا: ما هو حجم الاتفاق الكائن بين البشر؟ مقارنة بحجم اختلافهم في المدارك والعقول والرؤى؟

حين نعود بأذهاننا إلى حجم الاختلافات والبون الشاسع بين عقول ومدارك البشر سنرى أننا بحاجةٍ لقانونٍ لدستورٍ سماويٍّ يصلح لهؤلاء جميعًا، غير أنه في الوقت نفسه لابد وأن ينزل على بشرٍ، يصطفيهم الله عز وجل ويكلفهم بهذه الرتبة السامية.

فالبشر سكان الأرض لا يصلح أن يرسل الله عز وجل إليهم إلا بشرًا من جنسهم، ولو كان سكانها من الملائكة لأنزل الله عز وجل إليهم مَلَكًا.
وفي هذا يقول عز وجل:
{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الهُدَى إِلاَّ أَن قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً . قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَّسُولاً} [الإسراء:94- 95].

بشريَّة السكان تستلزم بشرية الرسول، واختلاف عقولهم تستلزم شرحًا وتفسيرًا لرسالته وما يوحيه الله عز وجل إليه.
فما يصلح لزيد لا يستقيم في فهم عمرو.

فلابد من مذكِّرة تفسيرية وشرح وافٍ يفسِّرُ لنا ماهية الرسالة وتفاصيلها، ويوقفنا على مراد الله عز وجل من كلامه في كتبه التي يوحيها للرسل، حتى ختمهم بالنبي الخاتم وآخر المرسلين لأهل الأرض وهو النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

والمذكَّرات التفسيرية التي وضعها الله عز وجل لعباده ونصبها لهم كانت من أرقى أنواع التفسيرات وأجملها في كافة وجوهها، ذلك لأنها جاءت على لسان المرسلين أنفسهم، فظهرت التفسيرات والبيانات على لسانهم وأفعالهم.

ومن هنا لم نكن بحاجة بعد هذه الأفعال والتفسيرات إلى كتابٍ يشرح الكتاب الأول.

وبناءً عليه فإن أفعال المرسلين لابد وأن تأخذ صفة القوة والأهمية لصلتها بالرسالة وشرحها وتفسيرها، كما أنه لابد من حفظ هذه الأفعال والتفسيرات على مر الأزمان التي أرادها الله لرسالاته.
فلما انتهت الرسالات بالنبي والرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم فقد تكفَّل الله عز وجل بحفظ أفعاله وأقواله وبَيَّن سبحانه وتعالى أنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى فقال عز وجل:
{وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى . إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3- 4].

وكان لابد من حفظ أفعاله وأقواله لاكتسابها صفة القوة نظرًا لأنها الشرح الوافي لمراد الله عز وجل بكلامه، والتفسير التطبيقي لكلام الله عز وجل، كما وصفته عائشة رضي الله عنها في قولها عنه صلى الله عليه وسلم: ((كان خُلُقُه القرآن)).

فأفعاله وأقواله وتصرفاته مثال تطبيقي لما في القرآن الكريم فلابد من حفظ هذا التفسير أثناء التعهد الإلهي بحفظ القرآن الكريم، كما قال عز وجل:
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].

والذِّكر هنا لابد وأن يكون المقصود به القرآن بتطبيقه وتفسيره الفعلي على يد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه هو أعلم الناس بمراد مُرْسِلِه.
فالرسل هم أعلم الناس بالله عز وجل وبمراده الذي طلبه، وتطبيقاتهم لكلامه سبحانه وتعالى تكتسب نفس القوة لاستمدادها ذلك من كلام الله عز وجل.

ولذا طلب الله عز وجل من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلم المسلمين كتاب الله عز وجل وامتنَّ عليهم بذلك فقال سبحانه وتعالى:
{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} [آل عمران: 164].

ويقول عز وجل في آيةٍ أخرى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ . بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَلِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44].

وهذا التعليم النبوي الكريم لأمتِه، والبيان للناس لابد وأن يكون محفوظًا يصل لكافة المسلمين في شتى بقاع الأرض وعبر كافة الأزمنة، فهذا ما يستلزمه العدل الإلهي، في عدم التفريق بين المسلمين الأوائل واختصاصهم بالتعليم دون غيرهم.
كما أن قيام الحجة على الناس لا يقوم إلا بما يعقلونه ويفهمونه، ولذا رأينا الشريعة الإسلامية في غير موضعٍ تطالبنا بمخاطبة الناس على قدر عقولهم، لأنَّ الحجة لا تقوم على الناس إلا بما يقدرون على فهمه، ولذا جاءت المعجزات التي أيد الله عز وجل به رسله من جنس ما يفهمه أقوامهم، وجاء القرآن الكريم بلسانٍ عربي مبين فصيح من جنس كلام العرب الذي يفهمونه ويحسنون فهمه.

وفي هذا يقول الله عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الَعَزِيزُ الحَكِيمُ}[إبراهيم: 4].

ونلاحظ في الآيات التالية على هذه الآية من سورة إبراهيم قوله عز وجل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ . وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ العَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ . أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ} [إبراهيم:5- 6].
فالمعجزات تأتي بلسان الأقوام، ثم الرسل تبين للناس ما أنزل الله عز وجل إليهم، وترشدهم بأقوالهم وأفعالهم لمراد الله عز وجل منهم.

لكن أفعال الرسل وأقوالهم ليست بديلة عن الكتب الإلهية التي هي أصل الرسالات، وإنما أفعالهم وأقوالهم مستمدة من كتب الله عز وجل، وما أوحاه إليهم سبحانه وتعالى، فهم التجسيد العملي لمراد الله عز وجل من عباده.

ونلاحظ في الآيات السابقات أن موسى عليه السلام قد طلب الله عز وجل منه أن يخرج قومه من الظلمات إلى النور، وتستمر الأحداث التي حكاها الله عز وجل عن الأقوام السابقين مع أنبيائهم ورسلهم حتى يختم الله عز وجل الجميع بنبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
ونرى الجميع عليهم السلام يصدعون بما أمرهم الله عز وجل به، ويمشون في الناس يعلمونهم ما أوحاه الله إليهم.

وفي هذا يقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ . وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ . فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ . وَتَوَكَّلْ عَلَى العَزِيزِ الرَّحِيمِ} [الشعراء:214- 217].

فهذا الفعل النبوي الكريم في إنذاره لأُمَّتِه وعشيرته لابد وأن يكون محفوظًا لنعرف كيف أنذرهم؟ وبأي طريقةٍ فهم النبي صلى الله عليه وسلم كلام ربِّه سبحانه وتعالى؟

ولذا فقد تكفل سبحانه وتعالى بحفظ السنة كما تكفل بحفظ القرآن الكريم سواء بسواءٍ؛ لأنها التطبيق العملي له، أو هي كما يمكن تصويرها بلهجة أهل العصر هي المذكِّرة التفسيرية للقرآن الكريم، والتي من خلالها نستطيع أن نفهم تطبيقات القرآن الكريم على وجهها الصحيح.

ولعل مما يُسْتَغْرَب هنا أن تتدخل الصهيونية العالمية في هذا الأمر فتجتهد وتصر على تشجيع فئة من الناس إِمَّا تكتب لهم صراحةً أو تحدد لهم الفكرة وتتركهم يسبحون في محاولةٍ هابطةٍ لتفريغ القرآن الكريم من الشرح والتطبيق، وليصبح مجرد كتابٍ وكلامٍ لا ندري ماذا يريد الله عز وجل به على الحقيقة، وليصبح عرضة بعد ذلك لكل ضعيف العقل والعلم ليقول برأيه في كتاب الله ما يشاء، بناء على فقدان المرجعيَّة في التطبيق والتفسير، وهو ما تسعى إليه الصهيونية العالمية تحت مسمى ((إنكار السنة النبوية))، واستأجروا لهذا جماعةً من المنبوذين إسلاميًا وعربيًا، ولعلي أشير لبعضهم في لقاءٍ قادمٍ إن شاء الله عز وجل.

غير أَنِّي أسأل الله عز وجل أن يكون القارئ الكريم قد فطِنَ لأبعاد المسألة، فهي ليست إنكارًا للسنة كما تزعم الصهيونية بمختلف مسمياتها، أو ما تموِّله من فرقٍ وأفكارٍ، وإنما هي محاولة لتفريغ القرآن الكريم من محتواه، والفصل بينه وبين تطبيقه وتفسيره النبوي الشريف.

{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً} [الفرقان: 27].


وإلى لقاءٍ قادمٍ إن شاء الله عز وجل....
التعديل الأخير تم 01-14-2006 الساعة 02:51 AM
رد مع اقتباسرد مع اقتباس



03-15-2006#2
ابو مارية القرشي 
ابو مارية القرشي غير متواجد حالياً
محاور


تاريخ التسجيل
Dec 2004
المشاركات
823
المذهب أو العقيدة
مسلم
افتراضي

من أعاجيب منكري السنة إعراضهم عن المواضيع الجادة وعدم جرأتهم على النقاش فيها ، وتأمل في عدد زوار موضوع حكم الزاني والزانية وزوار هذا الموضوع مع أن هذه المقالة تتكلم عن أصل خلافهم مع المسلمين !!
فهل هذا خلاق من يريد الحق أم من يريد تضييع الوقت وشغل الناس عن المواضيع االجادة المفيدة؟!!
======

الزميل ابن المصري :
للأسف أنت خلطتَ بين أمرين هنا خلطًا عجيبًا فانتبه رجاءً.
الأمر الأول: أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم التي هي شرح وتفسير للقرآن الكريم .. أو تجسيد عملي للقرآن الكريم .. كما عَبَّر سعادة المستشار أعلاه.
والأمر الثاني: مسألة هل السنة وحي أم لا؟ فذهبت أنت إلى أنها ليست بوحي.. بناءً على فهمك المغلوط لمعنى كون أفعاله صلى الله عليه وسلم تجسيدًا حيًّا للقرآن الكريم.

انتبه زميلي: مسألة أفعال النبي  من الجهة المذكورة أعلاه شيء.. ومسألة كون السنة وحي شيء آخر... يعني هنا نجد مسألتين.. الأولى أفعال النبي  من حيث كونها تجسيدًا عمليًّا للقرآن الكريم .. فهذا حق.
نأتي للأمر الآخر وهو: هل هذه الأفعال النبوية  نابعة فقط من مجرد الإيمان والاستجابة لأمر القرآن وفقط؟ هذه مسألة أخرى غير التي في المقال أعلاه.. وخلطك بينهما هو الذي سبب لك هذه النتيجة المغلوطة والتي توصلت بها إلى أن أفعال النبي  خارج نطاق القرآن كما تقول هي أفعال من رؤية بشرية كما ترى أنت في كلامك السابق أعلاه.
وهذا خطأ.. لأن السنة النبوية وحي أوحاه الله عز وجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم.. كما قال سبحانه وتعالى في قوله تعالى: {وما ينطق عن الهوى} {إن هو إلا وحي يوحى}.

وكون أفعاله  تعد شرحًا وتفسيرًا وبيانًا لما في القرآن الكريم لا يعني أنها ليست بوحي.. لأن الوحي يفسر بعضه بعضا.. ويشرح بعضه بعضا .. فلا إشكال هنا يا زميلي.

ولذلك أدلة كثيرة وهذا خارج موضوع الرابط أعلاه وأعتذر عن الكلام فيه هنا ولكن زميلنا ابن المصري أقحم المسألة هنا فكان لابد من الإشارة إليها سريعًا.
الزميل ابن المصري: إذا أردتَ استكمال مسألة (السنة وحي من الله عز وجل) أيضًا فيمكنك اختيار رابط آخر يتكلم عنها أصالة غير هذا الرابط الذي يتحدث عن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم من حيث كونها تفسيرًا وشرحًا لما في القرآن الكريم.. كما هو في المقال أعلاه.
 ===============
السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ ضَرورَةٌ حَتْمِيَّةٌ
(2)
السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ واللُّغَةُ الْعَرَبِيَّةُ
(الجزء الأول)


نزل القرآن الكريم بلغة العرب؛ كما قال سبحانه وتعالى واصفًا له: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِياًّ لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2].
وفي سورة (طه) يقول عز وجل: {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِياًّ وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً} [طه: 113]
وفي سورة (الشعراء) يقول عز وجل: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ العَالَمِينَ . نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ . عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنذِرِينَ . بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [الشعراء:192- 195]
وفي سورة (الزمر) يقول سبحانه وتعالى: {قُرْآناً عَرَبِياًّ غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الزمر: 28]
وفي سورة (فُصِّلَت) يقول سبحانه وتعالى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِياًّ لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت: 3]
وفي سورة (الشورى) يقول سبحانه وتعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِياًّ لِّتُنذِرُ أُمَّ القُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى: 7]
وفي سورة (الزخرف) يقول سبحانه وتعالى: {حم . وَالْكِتَابِ المُبِينِ . إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِياًّ لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف: 1- 3].

وهذا هو الأمر الطبيعي في كتابٍ نزل يتحدَّى العرب بلغتهم وفصاحتهم وبلاغتهم؛ ولو نزل عليهم القرآن بغير لسانهم لما تمت المعجزة ولا قامت عليهم به الحجة.
ولذا قال سبحانه وتعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الَعَزِيزُ الحَكِيمُ} [إبراهيم: 4].
فكل رسولٍ جاء بلسان قومه ليفهموه ولتقوم عليهم الحجة برسالته.

فلمَّا كانت اللغة العربية هي لغة القرآن التي نزل بها كان لابد في فهمه وتفسيره من الرجوع للغته الأصلية التي نزل بها.
ونحن نرى القانونيين يرجعون في تفسيراتهم لبنود الاتفاقات الدولية إلى اللغة الأصلية التي كُتِبَت بها في الأصل عند بدء وضعها والاتفاق عليها، كما نرى ذلك في المواد التفسيرية والشروحات القانونية.
كما نرى ذلك بوضوحٍ عند المهتمين بدراسة العهدين القديم والجديد (التوراة والإنجيل) فإنهم لا يقنعون بالترجمة العربية، وإنما يرجعون للنُّسَخِ المكتوبة باللغة الأصلية.

اللغة هي وسيلة التخاطب بين الناس، وهي وسيلة نقل المعارف وفهم المقروء والمكتوب، ولا عبرة بمكتوبٍ لا تُعْرَفُ لغته، أو لا يُحْسِن الناظر فيه قراءة سطوره بلغته التي كُتِبَ بها، كما هو الحال لعاميٍّ يعثر على مجلةٍ علميَّةٍ نادرةٍ غير أنها كُتِبَت بالفرنسية أو اليابانية أو الصينية أو غيرها من اللغات التي لا يُتْقنها، ومثله في ذلك مثل الذي يمسك بمجلة وهي لا يستطيع القراءة أصلاً!

فالذي لا يستطيع القراءة من الأساس، والذي يستطيع قراءة لغة غير لغة المكتوب أمامه يقفان جنبًا إلى جنبٍ تجاه هذا المكتوب أمامها ولا يقدران عليه، رغم اختلاف السبب لدى كلٍّ منهما، غير أَنَّ المحصِّلة النهائية واحدة، وهي جهل الاثنين بلغة المكتوب أمامهما.


ومن يتكلم في القرآن مع جهله بلغة القرآن الذي أنزله الله عز وجل عربيًا فصيحًا فسوف يخبط والدنيا ظلام، وستأتي أقرب مسافة بين نتائجه وبين مقاصد القرآن الكريم كما بين السماء والأرض!

ولقد وقفت اللغة العربية ولا زالت وقفة الحارس الأمين تزود عن حياض القرآن الطاهرة، وتفضح كل جاهلٍ يحاول أن يقترب منه بجهلٍ! وحَقٌّ لها أن تغارَ على نفسها وقرآنها الكريم؛ لأنَّه من غير المعقولِ أبدًا أن ينزل القرآن الكريم بلغةٍ عربية واضحةٍ صريحةٍ ثم يأتي أحدهم فيفهمه وفق لهجاتٍ ولغات لم يسمع بها العرب ولا رأوها، ولو رأوها لأنكروها جملةً وتفصيلاً!

ولَمَّا كان القرآن الكريم قد نزل يتحدَّى أرباب الفصاحة والبلاغة والبيان، مع عِلْم الله بما سيجري على الناس بعد هذه العصور من ضعفٍ في لُغَتِهم وأذواقهم، وهنا تلطَّفَ ربُّكَ بعباده وهو اللطيف الخبير، فنصبَ الرُّسل في حياتِهم مُعَلِّمِين للناس ما نُزِّلَ إليهم من ربِّهم؛ كما قال عز وجل:
{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} [آل عمران:164].
ويقول عز وجل في آيةٍ أخرى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ . بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:44].

ثم أَوْكَلَ الله عز وجل مَهَمَّة البيان والعِلْم والبلاغ بعد ذلك للعلماء العارفين بطرقِ الاستنباط واستخراج الأحكام من القرآن الكريم، بناءً على التَّطْبيق العمليِّ وشرحه وتفسيره في أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله وسيرته.

كما قال عز وجل: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83].
وقال سبحانه وتعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187].

وأعان الله عز وجل العلماء بالسُّنَّةِ النبوية الضرورية لفهم القرآن الكريم واستخراج الأحكام منه؛ بوصفها الفهم الأصلي للقرآن والتطبيق العملي له على يد من أنزل الله عليه هذا القرآن، فهو أعلم بمراد الله عز وجل، وبما أرسله ربُّه به من غيره.
وهذا من مسلَّمَات العقولِ السليمة.

ولذا رأينا أن الله عز وجل قد كَلَّفَ رسلَه بتبليغ ما أوحاه إليهم إلى الناس كافة، مع بيانه للناس بيانًا شافيًا وافيًا تقوم به الحجة عليهم، ولا تقوم الحجة إلا بإرسال الأنبياء والمرسلين إلى الناس ليبينوا لهم ما نُزِّلَ إليهم من ربِّهم.
كما قال عز وجل: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} [البقرة: 129].

وقال عز وجل: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 151].

وقال عز وجل: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} [آل عمران: 164].

وقال تبارك وتعالى: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15].

فبعثَ الله عز وجل الرُّسل والأنبياء لهداية الناس، وأقام الجزاء والعقاب بناءً على هذا الإرسال، وما كان الله عز وجل لِيُعَذِّبَ الناس بما ارتكبوه حتى يبعث لهم رسولاً كما في آية سورة الإسراء التي هنا؛ لكنَّ مهمة الرسول تبينها الآيات السابقة، فتقول:
1- يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ.
2- وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ.
3- وَالْحِكْمَةَ.
4- وَيُزَكِّيهِمْ.

فلا تكتمل إقامة الحجة بالرسالات حتى تكتمل هذه شروط البلاغ والتبيين لمراد الله عز وجل، وتعليم الناس ما نُزِّلَ إليهم من ربِّهم.

ولذا يأمرنا سبحانه وتعالى أن نأخذ بالدين كله، ولا نأخذ ببعضِه دونَ بعضٍ، كما قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [البقرة: 208].
وقال سبحانه وتعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ القِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ العَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 85].

فلابد إِذَن من الأخذ بجميع الدين الذي أرسله الله عز وجل إلينا وأمرنا بالأخذ به، بكل تفاصيله وأصوله وأركانه، بما في ذلك مهمَّات الرُّسُل والأنبياء وطرق تبليغ الدين إلى البشر.

ثم الإسلام نزل لكافة الناس، وليس لقوم دون قومٍ، ولا لفئة محدودةٍ في زمنٍ محدودٍ، كما قال عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [سبأ: 28].

وهذا يدلّ على أمور مهمةٍ:

الأولى: ضرورة الأخذ بكافة أحكام وأركان الدين.
الثانية: ضرورة فهم القرآن الكريم من خلال فهم النبي صلى الله عليه وسلم له، وتطبيقه لأحكامه، وشرحها وبيانها في واقعه وسيرته وسُنَّتِه النبوية الكريمة.
الثالثة: ضرورة فهم القرآن الكريم بناءً على لغة العرب التي نزل بها القرآن الكريم.

وأكتفي بهذه الثلاثية البالغة الأهمية؛ لأنها قوام الإسلام، بل هي قوام أية نقولات دينية أو دنيوية، وعليها اتفقت عقول البشر جميعًا.

فقد اتفق البشر فيما بينهم على أَنَّ أَعْلَم الناس بتفسير القانون واضعه، كما أن أعلم الناس بشرح النظريات العلمية هم واضعوها ومكتشفوها، كما أَنَّ أعلم الناس بالطب هم الأطباء، وأعلمهم بالهندسة هم رجال الهندسة، وهكذا.
فكذلك أعلم الناس بالرسالات وشرح مراد الله عز وجل منها هم رُسُل الله وأنبياء الله عز وجل، كما أَنَّ أعلم الناس بالقرآن الكريم هو من نزل عليه القرآن الكريم.

فلابد في فهم القرآن الكريم من معرفة التطبيق الفعلي له، على يد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو سُنَّته صلى الله عليه وسلم، فالسنة ليست بديلاً عن القرآن الكريم، كما أَنَّ رُسلَ الله عز وجل ليسوا شركاء لله عز وجل في التشريعات، ولكنهم ينفذون وحيًا أوحاه الله عز وجل لهم، وأمرهم بتبليغه، وتعليمه للناس.

ولابد حين يأمرهم سبحانه وتعالى بتعليمه للناس أن يعصمَهم في طريقة التعليم، وأن يوحيها إليهم، كما أوحى إليهم ما يُعَلِّمونه.
فإذا كان الله عز وجل قد أوحى القرآن الكريم إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإِنَّ العقول السليمة تستدعي أن يوحي الله عز وجل طريقة تعليم هذا القرآن للناس حتى لا يخطئ النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو بشر في تعليمه للناس، ومن أراد أن تنجح خُطَّتُه في الناس فليضع لها تطبيقات مضمونة وأساليب بعيدة عن الخلل والخطأ، ليأمن من تأرجح الخطط في تطبيق النص كل فترة، بما في ذلك من إضعاف للنصِّ نفسه.
وهذا من مُسَلَّمَات العقول السليمة.

ونحن نرى شاهده الآن في حياتنا في تلك القوانين الوضعية التي لا حصر لها، لكنها لكثرة التبديل والتغيير وتعرُّضها للاختراق مراتٍ ومرات، قد صارت أَوْهَى من بيت العنكبوت، ورجعت طرق تطبيق القانون على القانون نفسه بالضعفِ.

وهذا من المسلَّمات كما ذكرتُ مرارًا، وهو من ضرورات العقول.

والفكرة مهما كانت صحيحة فإنها بحاجةٍ إلى تطبيقٍ صحيحٍ يدلُّّ عليها.

ولذا امتنَّ الله عز وجل على عباده بتكليف الرُّسُل ببيان ما نُزِّل إلى الناس لهم، وشرحه وتفسيره لهم، كما قال عز وجل: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} [آل عمران:164].

ثم هو قد كَلَّف علماء المسلمين بالقيام بهذه المهمة الجليلة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال سبحانه وتعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187].

وتكتسب السنة النبوية أهمية أخرى إلى أهميتها الأصلية حين نعلم ما وصل إليه حال الناس من ضعفٍ في فهم لغة العرب التي وصل بها القرآن الكريم، فهنا تأتي السنة النبوية الكريمة لتقول قولتَها وتوضح لنا المراد من الأسلوب الإعجازي العظيم في القرآن الكريم، والذي استعصت محاكاته أو الإتيان بمثله على أئمة اللغة والفصاحة قديمًا، فكيف بأهل عصرنا الذين تربَّى أكثرهم على (لغة الشوارع) أو لنقل على (لغة المجلات والصحف اليومية) على أحسن تقدير.

هنا لابد من الرجوع لفهم القرآن وتطبيقه العملي في السنة النبوية المطهرة لنفهم المراد منه حقَّ فهمه.

ولنضرب المثال على ذلك حين أراد بعضهم أن يخرج من مسلَّمات العقول، وضروراتها، وأن لا يعود للسُّنَّةِ النبوية في فهم القرآن الكريم، وهو مثال لكاتبٍ صهيونيٍّ معاصرٍ، لكنه يعمل تحت ستار (إنكار السُّنَّةِ) لينسب نفسه للإسلام، زورًا وبهتانًا.

فلننتقل إلى الكلام عن:
(الزواج بالخالة من الرضاعة) جريمةٌ جديدةٌ لصهاينةِ الْعَرَبِ
تحت ستار (إِنْكار السُّنَّةِ)!!

وذلك في لقاءٍ قريبٍ قادمٍ إن شاء الله عز وجل...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق