منصور بن عبدالعزيز الرشيد
باستجابة كريمة لطلب مشرف هذه الصفحة تفضل الشيخ الباحث منصور الرشيد بنشر هذا البحث بين جنبات هذه الصفحة فشكر الله سعيه وألبسه ثوب الصحة والعافية.
أولاً - المؤلفات الفقهية:
شغل الفقه الإسلامي عقول الأمة الإسلامية منذ أن هداها الله إلى الدين الحنيف الوافي الكافي الصالح لكل زمان ومكان ولكل عصر وأوان؛ فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يسألون الرسول عليه الصلاة والسلام فيما يُعرض لهم. وكان الوحي ينزل عليه من السماء بالقول الفصل، الحكم العدل غير القابل للتحريف والتأويل. وحين انقطع الوحي ولحق الرسول بالرفيق الأعلى كان صحابته قد فقهوا في دينهم. وكان بعضهم مرجعاً مهماً في كثير من المعضلات التي تحدث في هذه الأمة، وهكذا كان العلماء يتسلم الراية بعضهم من بعض، وينظرون فيما يجد في حياتهم من مشاكل على هدي من سبقوهم. ثم يعملون فكرهم بالاستنباط من كتاب الله وسنة رسوله. حتى بنوا هذا الصرح الشامخ الموطد الأركان القوي الدعائم من الدراسات الفقهية التي واكبت الأمة الإسلامية في تاريخها الطويل حيث تم وضع الدراسات والأسس والأحكام والضوابط والشروط لجميع المشاكل الواقعية.. وقد أدى اختلاف وجهات النظر وتوسع رقعة البلاد الإسلامية إلى نشأة المذاهب الفقهية وتعدد مدارس الفقه. وتبع كل مذهب فريق من رجال الفكر على مر العصور يمحصون قول صاحب المذهب ويستدلون له. وقد يخالفون بعضاً في بعض المسائل. وأشهر هذه المذاهب هي المذاهب الأربعة: المذهب الحنفي والمذهب المالكي والمذهب الشافعي والمذهب الحنبلي، وهناك مذاهب فقهية أخرى. كالمذهب الظاهري وغيره. وقد أثرى هذا الجهد حصيلة الفقه الإسلامي، وملأ جوانبه نقاشاً ودراسة. الأمر الذي أتاح للأمة علاج مشكلاتها والإفتاء في جميع النوازل التي وقعت. وإذا كانت كتب الفقه في المذاهب المختلفة قد قامت بتسجيل ذلك كله وتشعبت مناهجها في تفصيل ذلك ابتداءً من المختصرات الفقهية وانتهاءً بالكتب المبسوطة. ومن الكتب التي تناقش مذهباً واحداً إلى الكتب التي تتطرق إلى مسائل الخلاف وتناقشها في جميع المذاهب الفقهية ولا سيما المذاهب الفقهية الأربعة السالفة الذكر.
تعريف الفقه:
يُعرّف المؤلفون الفقه بأنه استنباط القواعد الأساسية والمسائل الفرعية من الأدلة الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله ثم الإجماع ثم القياس، واستحضار المعلومات الفقهية من مظانها من الأدلة والمراجع ومعرفة أحكام الحوادث نصاً واستنباطاً. وقد قسم الفقهاء مؤلفاتهم الفقهية إلى أبواب متعددة هي العبادات والمعاملات والأنكحة والجنايات والديات والقضاء والدعاوى. ومن بين المذاهب المتعددة الحنبلي. ومن المعروف أن الإمام أحمد بن حنبل لم يؤلف كتاباً في الفقه. وإنما أخذ مذهبه من أقواله وأفعاله وتقريراته، وقد نقل عنه ما يزيد على 132عالماً ترجم لهم مؤلفو طبقات الحنابلة على حروف المعجم، وجمعت فتاواه وأجوبته وأقواله فصارت هي المذهب الحنبلي. ولعل صاحب الفضل في جمع مسائل الإمام أحمد بن حنبل وتتبعها حتى صارت مجلدات تبلغ عشرين سفراً هو الشيخ الإمام أبوبكر أحمد بن محمد بن محمد بن هارون الخلال، علامة زمانه المتوفى سنة 311ه. وقد سمي كتابه (جامع الروايات) ولا يزال مخطوطاً. فقد طوف الآفاق ورحل إلى أقصى البلاد في جمع مسائل الإمام أحمد بن حنبل وسماعها ممن سمعها من الإمام أحمد، أو ممن سمعها ممن سمعها من الإمام أحمد، فنال غرضه وحقق مراده وأربه، ووصل إلى ما لم يصل إليه سابق ولم يلحقه بعده لاحق. وقد كان شيوخ المذهب الحنبلي يعترفون له بالفضل والتقدم ويشهدون له بذلك. وقد كان مؤلفه عمدة وأصلاً لمن جاء بعده من الفقهاء الحنابلة. ثم تتابعت المؤلفات الفقهية في المذهب الحنبلي.
وكان فقهاء الديار النجدية يرجعون فيما يشكل عليهم إلى ما ألفه الحنابلة من مؤلفات فقهية في الشام ومصر. والتي كان من أشهرها مؤلفات الشيخ عبدالله بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي ثم الصالحي المتوفى سنة 618ه والذي كانت مؤلفاته متسلسلة حسب مستوى الدارس. فطالب العلم المبتدئ يدرس كتاب "العمدة" فإذا أتمه انتقل إلى الدراسة في كتاب "الكافي". فإذا أكمله ورغب في التوسع ومعرفة آراء الفقهاء وأدلة كل رأي في الكتاب والسنة فإنه يدرس كتاب "المغني" ولم يستكف ابن قدامة بهذه المؤلفات الفقهية الأربعة. بل ألف في أصول الفقه كتاب "روضة الناظر وجنة المناظر" وبذلك جمعت كتب ابن قدامة المقدسي الفقه وأصوله وتدرجت فيها حسب مستوى الطالب. وقد طبعت مؤلفات ابن قدامة المقدسي (العمدة - الكافي - المقنع - المغني - روضة الناظر) عدة طبعات. ولعل أقدم الطبعات لهذه الكتب كانت على نفقة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود حيث ضم المغني إلى الشرح الكبير في 12مجلداً كبيراً وتولت طباعته دار المنار بالقاهرة في العقد الرابع من القرن الرابع عشر. كما تولى الشيخ علي آل ثاني حاكم قطر طباعة قسم من هذه المؤلفات على نفقته. ووزعت هذه الطبعات على طلبة العلم الشريف مجاناً. ولم يكتف العلماء بما ألفه ابن قدامة بل جاء من بعده أُناس ألفوا مؤلفات فقهية أخرى منها مختصر وآخر متوسط وثالث أميل إلى التوسع والاستيعاب، فهناك مختصر الخرقي، وزاد المستنقع في اختصار المقنع، وأخصر المختصرات ودليل الطالب إلى أهم المطالب بالنسبة للكتب المختصرة، وهناك المنتهى وغاية المنتهى والإقناع وغيرها بالنسبة للكتب المتوسطة، وهناك الإنصاف في مسائل الخلاف الفروع وغيرها بالنسبة للكتب الموسعة.
وقد طبعت هذه الكتب الفقهية عدة طبعات على نفقة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود وعلى نفقة آل ثاني حكام قطر وغيرهم. وقد استفاد منها طلبة العلم وهذه الكتب المختصرة والمتوسطة والموسعة وضع عليها شروح وحواش وتعليقات. وقد ألف الشيخ عبدالله بن علي بن محمد بن عبدالله بن حميد المتوفى عام 1346ه كتاباً عدد فيه أسماء الكتب التي ألفها فقهاء الحنابلة طبع أخيراً بعد تحقيقه. ويوجد منه نسخة مخطوطة في المكتبة السعودية بالرياض واسمه (الدار المنضد في أسماء كتب الإمام أحمد).
والشيخ عبدالله بن علي بن محمد بن عبدالله بن علي بن عثمان بن علي بن حميد بن غانم من آل ابن غانم. وُلد في بلدة عنيزة سنة 1293ه. ثم انتقل بصحبة والده إلى مكة. حيث تولى إفتاء الحنابلة بعد وفاة جده الشيخ محمد بن عبدالله بن حميد، نشأ في مكة وقرأ على علمائها حتى أدرك لا سيما في الفقه، وقام بعدد من الرحلات أثناء دراسته العلمية إلى المدينة وعنيزة. ثم تولى إفتاء الحنابلة وإمامة المقام الحنبلي بعد الشيخ أبي بكر خوقير. ودام فيها إلى أن قام الشريف حسين بالثورة على الدولة التركية، فجعل مكانه الشيخ عمر باجنيد الشافعي فعاد إلى عنيزة. وبعد مدة عاد إلى مكة ومكث بها إلى أن توفي وكانت وفاته في الطائف في اليوم الواحد والعشرين من شهر ذي الحجة عام 1346ه. وله أيضاً كتاب (النعت الأكمل في تراجم أصحاب الإمام أحمد بن حنبل) وهو ذيل على "السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة" تأليف جده الشيخ محمد بن عبدالله بن حميد.
ثانياً - المؤلفات الفقهية لعلماء نجد:
نجد هي بلاد فسيحة الأرجاء كانت خالية من الطرق المرصوفة والمعبدة، وكانت مياه الآبار غير متوفرة في الطرق. والمواصلات الوحيدة كانت سفن الصحراء الجمال. ولم يكن هناك إذاعة أو تلفاز أو صحافة، وكانت تتركز فيها القبائل المتناثرة التي لا يربطها رابط. حتى إن كل قبيل أشبه بدولة مستقلة عن جارتها إلى درجة كبيرة. وكانت الصحراء تحيط بها من كل جانب، ويكفينا وصف من قاموا باجتيازها من الشمال أو من الشرق أو الغرب من عرب أو مستشرقين، فقد وصف ناصر خسرو علي نجداً في كتابه (سفرنامه)؛ تعريب يحيى الخشاب ثم تعريب البدلي من جامعة الرياض. وهو من علماء القرن الخامس الهجري توجه من الطائف إلى نجد في 23من ذي الحجة سنة 442ه زارها بعده ابن جبير. ثم ابن بطوطة. ثم عدد من المستشرقين ووصفوا ما يعانيه هذا الجزء الكبير من جزيرة العرب من حوادث السلب والنهب والفقر المدقع. ومع كل ذلك فقد كان علماء نجد يقومون برحلات بين شتى أنحاء الجزيرة العربية ويقومون بأعمال التدريس والتعليم والتأليف. ومن هؤلاء الذين قاسوا شدة ومحنة الشيخ عبدالله بن أحمد بن عضيب العمروي التميمي ( 1070- 1160ه)، والذي وصل إلى بلدة عنيزة سنة 1110ه. فأوقف له بعض الراغبين في العلم والخير منزله ليدرس فيه. فنشر العلم وحث الناس على التعليم ورغبهم فيه. وأعان الطلبة فيما يقدر عليه من مال وكتب وورق. وصار يشير على كل واحد من تلاميذه بكتابة كتاب في الفقه أو التفسير أو غيرهما ويبدؤه له، ثم يساعده عليه. حتى صار للفقه على يد هذا العالم الجليل سوقاً رائجة، وتواجد منه غريبه، واستحصل بسببه على مكتبة كبيرة. فقد كان كثير المداومة على النسخ والكتابة. حتى إنه كتب بخطه الحسن الفائق في الضبط ما لا يحصى من كتب التفسير والحديث والفقه كبيرها وصغيرها، بحيث لم يعلم ولم يسمع منذ عصور من ضاهاه، أو قاربه في كثرة الكتابة. ونفع الله به أهل عنيزة نفعاً ظاهراً وكان مواظباً على التدريس والتعليم، رغم الحوادث والقلاقل والفقر المدقع الذي وصل فيه إلى غايته، فإنه في سنة 1110ه حفر بئراً في بلدة المذنب تسمى حالياً (القفيفة) وكان لحفره لتلك البئر قصة يحسن إيرادها، فإنه كان يحفر البئر بنفسه. وكان يشارط الصبيان لكي يرفعوا له التراب كل زنبيل بتمرة. وكان يضع التمر عنده في أسفل البئر، ويملأ الزنبيل تراباً، ثم يضع عليه تمرة، ثم يأمر الصبيان برفع الزنبيل فيرفعونه فيأخذون ما عليه من تمر وهكذا. واتفق ذات مرة أن سقطت من أعلى الزنبيل تمرة وهو لا يعلم، ولما جذب الصبية الزنبيل وجدوا أن ليس عليه تمر فكبوا عليه التراب وهربوا وتركوه. هذا هو أقل دليل على ما عاناه هذا العالم الجليل من فقر مدقع. ومع ذلك فقد كان شديد الحرص على جمع الكتب، كثير الشراء لها. والنسخ لمحتوياتها. وكان يرسل في طلبها إلى البلدان الأخرى. وإذا كان الطريق مخوفاً أرسل فارساً من فرسان الأمير يأتي إليه بالكتاب المطلوب فينسخ الكتاب هو أو أحد تلاميذه. ثم يعيد الكتاب إلى صاحبه، هكذا كانت همته ورغبته، وكان لا يصرفه عن هذه الرغبة صارف. وكان يبذل في جمع الكتب الأثمان الكثيرة رغم فقره، وكان المسافرون من أهل نجد إلى الشام أو بغداد وغيرها يتقصدون شراء الكتب ثم يهدونها إليه. فلا يوجد تحفة أعظم منها. حتى إنه جمع من هذه الكتب الجليلة شيئاً عظيماً. وكان كل كتاب يحصل عليه يجري عليه تعليقات وهوامش لا تخلو من فائدة. ولكن مع الأسف تفرقت كتبه على كثرتها بعد وفاته وتشتتت؛ هذا مثالٌ من أمثلة كثيرة لحال العلماء في نجد وفقرهم مع إصرارهم الشديد على الدرس والتدريس.
وقد اطلع الشيخ محمد بن عبدالله بن حميد صاحب السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة على بعض الكتب التي خطها الشيخ عبدالله بن أحمد بن عضيب بخط يده، وذكر أن منها تفسير البغوي والإتقان والقاموس المحيط وقواعد ابن رجب وغاية المنتهى وشرح الإقناع ومتنه وشرح المنتهى ومتنه وحاشية الإقناع وحاشية المنتهى.
ولم يقتصر العلماء على الدرس والتدريس في ديارهم بل بادروا إلى الرحلات وجلب المؤلفات. ولما رأى بعض العلماء الذين لهم جدارة ومعرفة أن العلم قد بدأ في الانتشار في شتى الأنحاء النجدية. إضافة إلى بعدها عن المصدر الفقهي في كل من الشام والعراق ومصر على الرغم من الرحلات المتوالية لهذه البلاد ابتداءً من القرن التاسع حتى انتشرت الدعوة الإصلاحية في نجد بفضل رائدها الشيخ محمد بن عبدالوهاب 1115- 1206ه.
وقد أخذوا على عاتقهم القيام بتأليف كتب فقهية إضافة إلى قيامهم بأعمال التدريس والقضاء والإمامة والحسبة وغيرها من الوظائف مع صعوبة الحال في البلاد، رغم الفقر المدقع والحروب المتوالية وقد زاد ما نعرفه من هذه المؤلفات على خمسة وعشرين كتاباً. وفيما يلي بيان تفصيلي لها حسب الحروف الأبجدية:
1- إبداء المجهود في جواب سؤال ابن داوود تأليف الشيخ عبدالوهاب بن محمد بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب بن عبدالله بن فيروز بن بسام بن عقبة بن ريس بن زاخر بن محمد بن علوي بن وهيب. وذلك أن تلميذه عبدالله بن داوود الزبيري المتوفى سنة 1225ه والذي كان في الأصل من أهل بلدة حرمة حيث وُلد بها وتوفي في الزبير قد سأله شيخه ابن فيروز "عن القول المرجوح، وعن المقلد المذهبي وعن الناقل المجرد"، ولا يزال مخطوطاً، جاء في بعض نسخ (السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة) نقلاً عن عبدالله بن غملاس (كذلك أخبرني أنها موجودة عنده).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق