الخميس، 1 ديسمبر 2016

كيف قرّب نادر شاه السنة والشيعة؟!

شرفات
 (1 ــ 2)
د.صالح السعيدي  13 يونيو، 2016 0

صالح-السعيد

في خضم هذا الاشتباك الطائفي، الذي يأبى ان يتوقف، ووسط السعار الملتهب في منطقتنا، الذي يعيد انتاج نفسه بين فترة وأخرى، بفعل فاعلين متطرفين في كلا الجانبين، يتغذون على هذا الصراع، ويعتاشون عليه ويستفيدون منه، ثمة بقعة ضوء في تاريخ العلاقة بيم الطائفتين، لعلنا نتمكن من البناء عليها او الرجوع اليها. تتمثل هذه البقعة المضيئة في مبادرة جادة قادها الشاه الايراني نادر شاه للتقريب بين الطائفتين قبل نحو ثلاثة قرون.
يعد نادر شاه الافشاري من أعظم ملوك ايران في العصر الحديث، فبعد اجتياح الافغان لايران واسقاط الدولة الصفوية 1722، قاد نادر شاه المقاومة، وتمكن من تحرير ايران وطرد الافغان والاتراك 1730، وجهز جيشا قويا اخضع دول الجوار لنفوذه.
وقد انفرد نادر شاه بأمر يخفى على كثير من الناس، ألا وهو محاولته التقريب بين السنة والشيعة، وجمعه لعلماء المذهبين في مؤتمر جامع بمدينة النجف عام 1743م.
وقد اطلعت على كتاب المؤتمر بقلم رئيسه السيد عبدالله السويدي، ولي من العمر 15 عاما، ومنذ ذلك التاريخ تولدت لدي الرغبة في الكتابة عن هذا المؤتمر وتقديمه للقراء، وقد نشر بعنوان «الحجج القطعية لاتفاق الفرق الإسلامية» في سنة 1333 هجري الموافق 1915م بمطبعة السعادة بالقاهرة.
وتبدأ قصة المؤتمر بعدما عجز نادر شاه عن احتلال بغداد سنة 1743، فتصالح مع والي بغداد، وتوجه نحو النجف لزيارة قبر الإمام علي رضي الله عنه، وفيها أراد نادر شاه عقد مؤتمر لمصالحة علماء الشيعة والسنة الخاضعين لملكه من أهل إيران وأفغانستان وتركستان، فاستدعى مجموعة كبيرة من علماء الطائفتين، في مقدمتهم السيد نصرالله بن الحسين الحائري مجتهد الشيعة في كربلاء، ونحو سبعين عالماً من علماء الشيعة بإيران، من ابرزهم علي أكبر ميرزا أسد الله المفتي بتبريز، وشيوخ الافتاء في قم، مشهد، مازندران، خلخال، أسترأباد، أرومية، قزوين، سبزوار، كرمان، كرمنشاه، شيراز وإمام أصفهان وفاضي شروان، ونائب الصدارة بمدينة مشهد.
وطلب من والي بغداد أن يرشح له عالماً من اهل السنة لكي يناظر علماء الشيعة والوصول الى حالة من التوافق الديني بين الطائفتين، فرشح عبدالله بن الحسين السويدي العباسي علامة العراق، الذي ترأس علماء السنة، وحضر من علماء ايران السنة أحمد المفتي الشافعي بأردلان، ومن علماء الأفغان السنة المفتي ملا حمزة القلجاني الحنفي، ومن تركستان العلامة الهادي خوجة (الملقب ببحر العلم) ابن علاء الدين البخاري القاضي في بخارى، وكثيرون غيره.
وعقد المؤتمر أيام الأربعاء، الخميس، والجمعة، 24 و25 و26 من شوال 1156هـ، الموافق 11، و12، و13ديسمبر 1743ميلادي، وانتهى المؤتمر بجملة قرارات على طريق التقريب بين الطائفتين، فوافق علماء الشيعة على إبطال التعرض للصحابة، والتزموا تحريم بعض الأمور. ومقابل ذلك، يعترف السنة بالمذهب الجعفري مذهبا خامسا، وكانت جريدة مقررات المؤتمر مكتوبة بالفارسية وكان مضمونها:
اعلموا أيها الإيرانيون أن فضلهم وخلافتهم على هذا الترتيب، فمن سبهم أو انتقصهم فماله وولده وعياله ودمه حلال للشاه، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
وكنت (أنا نادر شاه) اشترطت عليكم حين المبايعة في صحراء مغان عام 1148 رفع سب (الصحابة)، فالآن رفعته فمن سب قتلته، وأسرت أولاده وعياله وأخذت أمواله.
(يتبع..)
=============
شرفات
كيف قرّب نادر شاه السُّنّة والشِّيعة؟! (2 ــــ 2)
د.صالح السعيدي  14 يونيو، 2016 0 تعليقات

صالح-السعيد
A A

وهكذا، تعهَّد علماء الشيعة، فقالوا «إنا قد التزمنا رفع السب وإن الصحابة فضلهم وخلافتهم على هذا الترتيب الذي هو في الرقعة، فمن سب منا، أو قال خلاف ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين».
وكذلك تعهّد الأفغانيون السنة، فقالوا: إذا التزم الإيرانيون ما قرروه ولم يصدر منهم خلاف ذلك فهم من الفرق الإسلامية، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم، وبنفس القول قال علماء السنة فيما وراء النهر (آسيا الوسطى)، ثم صادق الجميع على ما جاء في الرقعة، وكلٌّ وضع خاتمه تحت الكلام الذي يخصه، ثم كتب السويدي شهادته على الجميع، فقال «شهدت على الفرق الثلاثة، بما قرروه والتزموه وأشهدوني عليهم»، ثم وضع خاتمه تحت اسمه.
ومن توصيات المؤتمر الاخرى ان يعيّن في كل سنة إيرانيا أميرا للحج الإيراني، وان الأركان الأربعة من الكعبة المشرفة من المسجد الحرام التي تتعلق بالمذاهب الأربعة؛ فالمذهب الجعفري يشاركهم في الركن الشامي ويصلون على الطريقة الجعفرية، وحفظ المحضر في خزانة الروضة العلوية في النجف.
وفي اليوم الثالث من أيام المؤتمر أقيمت صلاة الجمعة في جامع الكوفة، 26 شوال 1156هــ، الموافق 13 ديسمبر 1743م، وحضرها عبدالله السويدي فرأى فيه نحو 5000 مصلٍّ، وذكر فيها أن جميع علماء إيران كانوا حاضرين، ونقل وقائعها ومنها ان الشيخ نصر الله الفائزي الحائري بعدما صعد المنبر حمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي وعلى الخليفة الأول من بعده على التحقيق أبي بكر الصديق وعلى الخليفة الثاني الناطق بالصدق والصواب سيدنا عمر بن الخطاب، ثم قال وعلى الخليفة الثالث جامع القرآن، عثمان بن عفان، وعلى الخليفة الرابع ليث بني غالب، سيدنا علي بن أبي طالب، ثم على الحسن والحسين وعلى باقي الصحابة، والقرابة ثم دعا للسلطان العثماني والشاه الايراني.
ولتنفيذ الاتفاق أرسل نادر شاه، الشيخ نصر الدين الفائزي الحائري مع هدايا وتحف إلى مكة المكرمة، إتماماً لذلك الأمر، فذهب الى مكة ورجع، واجتمع بنادر شاه بالنجف وأرسله سفيراً الى القسطنطينية في أيام السلطان محمود العثماني لإمضاء الاتفاق، لكن مقتل الحائري في القسطنطينية، أدى إلى تعثّر الاتفاق، وجاء اغتيال نادر شاه عام 1747 على يد حرسه من الهزارا الشيعة.
وهكذا، قتل المتطرفون السنة الشيخ الحائري، وقتل المتطرفون الشيعة نادر شاه، لتوأد وتنتهي أول محاولة جدية وحقيقية للتقريب بين المذهبين.
ولقرون خلت، استمرت رايات الحقد والكراهية خفاقة عالية، وجد المتطرِّفون وتجار الحروب فيها وسيلة للتكسُّب والبروز والصدارة، فتحوّلت كراهية الآخر الى أسلوب حياة، والتطرُّف الى سلوك إنساني يهيمن، ويسيطر على مجتمعاتٍ بأكملها.

د. صالح السعيدي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق