كان القرن التاسع عشر والعقود الأولي من القرن العشرين حقبة صعود المد الاستعماري في عالم الشرق والإسلام.
.. كما مثل حقبة التراجع لدولة الخلافة العثمانية... ومن ثم صلاحية التربة الشرقية وقابليتها لزرع بذور الاستشراق والتغريب.. ولقد تكونت ـ في هذه الحقبة ـ نخبة رأت الإسلام في الصورة العثمانية فأدارت له ظهرها, ويممت وجهها قبل النموذج الحضاري الغربي, الذي كان في أوج قوته وازدهاره.. كانت ليبراليته جذابة, لم تظهر عيوبها بعد.. وكانت شيوعيته تدغدغ أحلام الفقراء والبؤساء.. وكان الدكتور طه حسين6031 ـ3931 هـ9881 ـ3791 م واحدا من النخبة التي انبهرت بالنموذج الحضاري الغربي ـ في الفترة الأولي من حياته الفكرية ـ فابتلع طعم الاستشراق, في مناهج البحث, وفي نزع القداسة عن المقدسات, وفي الدعوة إلي أن نأخذ النموذج الحضاري الغربي بحلوه ومره, بخيره وشره, بما يحمد منه وما يعاب... وفي خضم هذا الانبهار بالغرب, تبني الدكتور طه حسين دعوي التماهي والمماثلة بين العقل الشرقي والعقل اليوناني, والقول إن أسلافنا قد قبلوا حضارة الإغريق الرومان, ومن ثم فعلينا أن نتقبل الحضارة الأوروبية الحديثة ـ وضمنها علمنة القانون ـ.. وفي هذا المقام قال الدكتور طه: إن الحضارة العربية والحضارة الفرنسية تقومان علي أصل واحد, هو في نهاية الأمر الحضارة اليونانية اللاتينية... وأن العقل الشرقي هو كالعقل الأوروبي مرده, في التكوين والمقومات, إلي عناصر ثلاثة: حضارة اليونان, وما فيها من أدب وفلسفة وفن, وحضارة الرومان, وما فيها من سياسة وفقه. والمسيحية, وما فيها من دعوة إلي الخير وحث علي الإحسان, وأن الإسلام قد تقبل الحضارة اليونانية, فلم لا يتقبل الحضارة الأوروبية؟.
وانطلاقا من هذه الدعوي دعوي نفي الاختلاف بين حضارة الشرق وحضارة الغرب, ومن ثم نفي الاختلاف بين الشريعة الإسلامية والقانون الروماني, ورومانية الفقه الإسلامي, والتماثل والتماهي بين العقل الشرقي والعقل الأوروبي, وإنكار تميز الإسلام, ومن ثم ضرورة قبول القانون الوضعي الغربي ـ ضمن قبول النموذج الحضاري الغربي ـ أي إلغاء التمايز الحضاري, والاستقلال القانوني.. انطلاقا من هذه الدعوي العريضة والخطيرة, اعتبر أنصار هذه الدعوي أن دعواهم هذه قد تجاوزت كونها خيارا مطروحا أمام العقل المسلم, إلي حيث أصبحت التزاما لافكاك منه تجاه الأوروبيين, وبعبارة الدكتور طه حسين: لقد التزمنا أمام أوروبا أن نذهب مذهبها في الحكم, ونسير سيرتها في الإدارة ونسلك طريقها في التشريع!
هكذا فتح أصحاب هذه الدعوي ـ العريضة الخطيرة الأبواب أمام القانون الوضعي الأوروبي ليحل محل الشريعة الإسلامية وفقه المعاملات الإسلامية... أي الوقوف بالإسلام عند العقيدة دون الشريعة... وأمام إلحاق الحضارة الإسلامية بالمركزية الحضارية الغربية.
> ولقد كان طبيعيا أن تستفز هذه الدعاوي ـ بصورها المختلفة ـ روح المقاومة الوطنية والقومية والإسلامية, عند الذين يؤمنون بتمايز الحضارات الإنسانية, وبالاختلاف الجذري بين الشريعة الإسلامية ـ ذات المصدر الإلهي ـ وبين القانون الوضعي الغربي.. وكان طبيعيا ـ كذلك ـ أن تبدأ هذه المقاومة منذ بدايات هذا الغزو القانوني الغربي لديار الإسلام.
فعندما بدأ تسلل القانون الوضعي الأوروبي إلي مصر ـ في خمسينيات القرن التاسع عشر ـ وبدأ الاحتكام إليه بالمجالس التجارية ـ في المواني ـ بالمنازعات بين التجار الأجانب والمصريين ـ تصدي رفاعة الطهطاوي6121 ـ0921 هـ1081 ـ3781 م لهذا التسلل, الذي يسعي لاغتصاب السيادة التشريعية والقانونية للشريعة الإسلامية وفقه معاملاتها.. وتحدث عن أن المعاملات الفقهية لو انتظمت وجري عليها العمل لما أخلت بالحقوق.. ومن أمعن النظر في كتب الفقه الإسلامية ظهر له أنها لا تخلو من تنظيم الوسائل النافعة من المنافع العمومية, حيث بوبوا للمعاملات الشرعية أبوابا مستوعبة للأحكام التجارية. كالشركة, والمضاربة, والقرض, والمخابرة, والعارية, والصلح, وغير ذلك.. إن بحر الشريعة الغراء, علي تفرع مشارعه, لم يغادر من أمهات المسائل صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وأحياها بالسقي والري. وفوق ذلك أعلن الطهطاوي تميز الشريعة الإسلامية ـ بمصدرها الإلهي ـ وارتباط فقه معاملاتها بمعايير الشرع المنزل وفلسفته في التشريع, وذلك علي عكس القانون الوضعي, الصادر عن العقل المجرد من الشرع, والذي يتغيا المصلحة بمعناها النفعي, وليس المصلحة الشرعية المعتبرة.. فشتان بين القانون النابع من النواميس الطبيعية والعقل المجرد من الشرع, وبين الفقه الإسلامي النابع من الشرع العقلاني والعقلانية المؤمنة, والذي يتغيا تحقيق صلاح الإنسان وسعادته في المعاش والمعاد جميعا.. وفي التمايز الفلسفي بين الحضارتين ـ الغربية والإسلامية ـ وبين القانونين ـ الإسلامي والأوروبي.
وعندما فرض الاستعمار الانجليزي ـ تحت حراب الغزو المسلح ـ القانون الوضعي علي مصر سنة3881 م, اتخذت المقاومة طرقا متعددة.. فالفقيه القانوني محمد قدري باشا7321 ـ6031 هـ1281 ـ8881 م ـ وهو تلميذ الطهطاوي ـ قام بتقنين أربعة كتب في الفقه الحنفي, ليقدم البديل الإسلامي العصري مقننا تقنينا حديثا, ليبطل حجة أنصار الغزو القانوني, الذين يرجحون كفة القانون الأجنبي المصاغ صياغة قانونية حديثة علي كتب الفقه الإسلامي التي يتم تقنينها...
> ويحذر جمال الدين الأفغاني4521 ـ4131 هـ8381 ـ8981 م من تقليد النموذج الغربي سبيلا للتقدم, مؤكدا أن بعث الأصول الإسلامية هو طريق النهوض, ضاربا المثل بالتحديث العثماني الذي سلك طريق أوروبا, والذي زاد من التبعية للغرب, دون أن يحدث تقدما حقيقيا... وفي ذلك يقول لقد علمتنا التجارب أن المقلدين من كل أمة, المنتحلين أطوار غيرها, يكونون فيها منافذ لتطرق الأعداء إليها.. وطلائع لجيوش الغالبين وأرباب الغارات, يمهدون لهم السبيل, ويفتحون الأبواب, ثم يثبتون أقدامهم.. إن المقلدين لتمدن الأمم الأخري ليسوا أرباب تلك العلوم التي ينقلونها, وإنما هم حملة ونقلة!... لا يراعون فيها النسبة بينها وبين مشارب الأمة وطباعها...
إن الدين هو قوام الأمم, وبه فلاحها, وفيه سعادتها, وعليه مدارها, وهو السبب المفرد لسعادة الإنسان... ومن طلب إصلاح الأمة بوسيلة أخري فقد ركب بها شططا. وجعل النهاية بداية, وانعكست التربية, وانعكس فيها نظام الوجود, فينعكس عليه القصد, ولا يزيد الأمة إلا نحسا, ولا يكسبها إلا تعسا..
> وعلي هذا الدرب ـ درب الإصلاح بالإسلام, لا بالنموذج الغربي الوضعي اللا ديني ـ سار الإمام محمد عبده(6621 ـ3231 هـ9481 ـ5091 م)... فبعد أن انتقد لا دينية المدينة الأوروبية ـ مدنية الملك والسلطان( القوة) مدنية الذهب والفضة, مدنية الفخفخة والبهرج مدينة الختل والنفاق.. التي عجز فلاسفتها وعلماؤها عن اكتشاف طبيعة الإنسان, وجلاء الصدأ الذي غشي الفطرة الإنسانية, ليعود لها لمعانها الروحي..
بعد هذا النقد لمادية المدنية الغربية ولا دينيتها... انتقد المقلدين لها, والمأخوذين ـ في مصر ـ بها أولئك الذين لم يزدادوا إلا فسادا ـ وإن قيل إن لهم شيئا من المعلومات ـ فما لم تكن معارفهم وآدابهم مبنية علي أصول دينهم, فلا أثر لها في نفوسهم..
ثم رفع الإمام محمد عبده شعار: الإسلام هو سبيل الإصلاح... فقال: إن سبيل الدين لمريد الإصلاح في المسلمين سبيل لا مندوحة عنها, فإن إتيانهم من طرق الأدب والحكمة العارية عن صبغة الدين, يحوجه إلي إنشاء بناء جديد ليس عنده من مواده شيء, ولا يسهل عليه أن يجد من عماله أحدا.. لقد ظهر الإسلام, لا روحيا مجردا, ولا جسدانيا جامدا, بل إنسانيا وسطا بين ذلك, آخذا من كلا القبيلين بنصيب, فتوافر له من ملاءمه الفطرة البشرية ما لم يتوافر لغيره, ولذلك سمي نفسه دين الفطرة, وعرف له ذلك خصومه اليوم, وعدوه المدرسة الأولي التي يرقي فيها البرابرة علي سلم المدنية.. لقد جاء الإسلام, كما لا للشخص, وألفة في البيت ونظاما للملك, امتازت به الأمم التي دخلت فيه عن سواها ممن لم يدخل فيه.
هكذا تصدي علماء الإسلام, وطلائع المجددين, أعلام تيار الإحياء والتجديد لمقاومة هذا الغزو الفكري والتغريب الحضاري الذي أراد علمنة الإسلام, وإحلال القانون الوضعي الغربي محل شريعة الإسلام.
.. كما مثل حقبة التراجع لدولة الخلافة العثمانية... ومن ثم صلاحية التربة الشرقية وقابليتها لزرع بذور الاستشراق والتغريب.. ولقد تكونت ـ في هذه الحقبة ـ نخبة رأت الإسلام في الصورة العثمانية فأدارت له ظهرها, ويممت وجهها قبل النموذج الحضاري الغربي, الذي كان في أوج قوته وازدهاره.. كانت ليبراليته جذابة, لم تظهر عيوبها بعد.. وكانت شيوعيته تدغدغ أحلام الفقراء والبؤساء.. وكان الدكتور طه حسين6031 ـ3931 هـ9881 ـ3791 م واحدا من النخبة التي انبهرت بالنموذج الحضاري الغربي ـ في الفترة الأولي من حياته الفكرية ـ فابتلع طعم الاستشراق, في مناهج البحث, وفي نزع القداسة عن المقدسات, وفي الدعوة إلي أن نأخذ النموذج الحضاري الغربي بحلوه ومره, بخيره وشره, بما يحمد منه وما يعاب... وفي خضم هذا الانبهار بالغرب, تبني الدكتور طه حسين دعوي التماهي والمماثلة بين العقل الشرقي والعقل اليوناني, والقول إن أسلافنا قد قبلوا حضارة الإغريق الرومان, ومن ثم فعلينا أن نتقبل الحضارة الأوروبية الحديثة ـ وضمنها علمنة القانون ـ.. وفي هذا المقام قال الدكتور طه: إن الحضارة العربية والحضارة الفرنسية تقومان علي أصل واحد, هو في نهاية الأمر الحضارة اليونانية اللاتينية... وأن العقل الشرقي هو كالعقل الأوروبي مرده, في التكوين والمقومات, إلي عناصر ثلاثة: حضارة اليونان, وما فيها من أدب وفلسفة وفن, وحضارة الرومان, وما فيها من سياسة وفقه. والمسيحية, وما فيها من دعوة إلي الخير وحث علي الإحسان, وأن الإسلام قد تقبل الحضارة اليونانية, فلم لا يتقبل الحضارة الأوروبية؟.
وانطلاقا من هذه الدعوي دعوي نفي الاختلاف بين حضارة الشرق وحضارة الغرب, ومن ثم نفي الاختلاف بين الشريعة الإسلامية والقانون الروماني, ورومانية الفقه الإسلامي, والتماثل والتماهي بين العقل الشرقي والعقل الأوروبي, وإنكار تميز الإسلام, ومن ثم ضرورة قبول القانون الوضعي الغربي ـ ضمن قبول النموذج الحضاري الغربي ـ أي إلغاء التمايز الحضاري, والاستقلال القانوني.. انطلاقا من هذه الدعوي العريضة والخطيرة, اعتبر أنصار هذه الدعوي أن دعواهم هذه قد تجاوزت كونها خيارا مطروحا أمام العقل المسلم, إلي حيث أصبحت التزاما لافكاك منه تجاه الأوروبيين, وبعبارة الدكتور طه حسين: لقد التزمنا أمام أوروبا أن نذهب مذهبها في الحكم, ونسير سيرتها في الإدارة ونسلك طريقها في التشريع!
هكذا فتح أصحاب هذه الدعوي ـ العريضة الخطيرة الأبواب أمام القانون الوضعي الأوروبي ليحل محل الشريعة الإسلامية وفقه المعاملات الإسلامية... أي الوقوف بالإسلام عند العقيدة دون الشريعة... وأمام إلحاق الحضارة الإسلامية بالمركزية الحضارية الغربية.
> ولقد كان طبيعيا أن تستفز هذه الدعاوي ـ بصورها المختلفة ـ روح المقاومة الوطنية والقومية والإسلامية, عند الذين يؤمنون بتمايز الحضارات الإنسانية, وبالاختلاف الجذري بين الشريعة الإسلامية ـ ذات المصدر الإلهي ـ وبين القانون الوضعي الغربي.. وكان طبيعيا ـ كذلك ـ أن تبدأ هذه المقاومة منذ بدايات هذا الغزو القانوني الغربي لديار الإسلام.
فعندما بدأ تسلل القانون الوضعي الأوروبي إلي مصر ـ في خمسينيات القرن التاسع عشر ـ وبدأ الاحتكام إليه بالمجالس التجارية ـ في المواني ـ بالمنازعات بين التجار الأجانب والمصريين ـ تصدي رفاعة الطهطاوي6121 ـ0921 هـ1081 ـ3781 م لهذا التسلل, الذي يسعي لاغتصاب السيادة التشريعية والقانونية للشريعة الإسلامية وفقه معاملاتها.. وتحدث عن أن المعاملات الفقهية لو انتظمت وجري عليها العمل لما أخلت بالحقوق.. ومن أمعن النظر في كتب الفقه الإسلامية ظهر له أنها لا تخلو من تنظيم الوسائل النافعة من المنافع العمومية, حيث بوبوا للمعاملات الشرعية أبوابا مستوعبة للأحكام التجارية. كالشركة, والمضاربة, والقرض, والمخابرة, والعارية, والصلح, وغير ذلك.. إن بحر الشريعة الغراء, علي تفرع مشارعه, لم يغادر من أمهات المسائل صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وأحياها بالسقي والري. وفوق ذلك أعلن الطهطاوي تميز الشريعة الإسلامية ـ بمصدرها الإلهي ـ وارتباط فقه معاملاتها بمعايير الشرع المنزل وفلسفته في التشريع, وذلك علي عكس القانون الوضعي, الصادر عن العقل المجرد من الشرع, والذي يتغيا المصلحة بمعناها النفعي, وليس المصلحة الشرعية المعتبرة.. فشتان بين القانون النابع من النواميس الطبيعية والعقل المجرد من الشرع, وبين الفقه الإسلامي النابع من الشرع العقلاني والعقلانية المؤمنة, والذي يتغيا تحقيق صلاح الإنسان وسعادته في المعاش والمعاد جميعا.. وفي التمايز الفلسفي بين الحضارتين ـ الغربية والإسلامية ـ وبين القانونين ـ الإسلامي والأوروبي.
وعندما فرض الاستعمار الانجليزي ـ تحت حراب الغزو المسلح ـ القانون الوضعي علي مصر سنة3881 م, اتخذت المقاومة طرقا متعددة.. فالفقيه القانوني محمد قدري باشا7321 ـ6031 هـ1281 ـ8881 م ـ وهو تلميذ الطهطاوي ـ قام بتقنين أربعة كتب في الفقه الحنفي, ليقدم البديل الإسلامي العصري مقننا تقنينا حديثا, ليبطل حجة أنصار الغزو القانوني, الذين يرجحون كفة القانون الأجنبي المصاغ صياغة قانونية حديثة علي كتب الفقه الإسلامي التي يتم تقنينها...
> ويحذر جمال الدين الأفغاني4521 ـ4131 هـ8381 ـ8981 م من تقليد النموذج الغربي سبيلا للتقدم, مؤكدا أن بعث الأصول الإسلامية هو طريق النهوض, ضاربا المثل بالتحديث العثماني الذي سلك طريق أوروبا, والذي زاد من التبعية للغرب, دون أن يحدث تقدما حقيقيا... وفي ذلك يقول لقد علمتنا التجارب أن المقلدين من كل أمة, المنتحلين أطوار غيرها, يكونون فيها منافذ لتطرق الأعداء إليها.. وطلائع لجيوش الغالبين وأرباب الغارات, يمهدون لهم السبيل, ويفتحون الأبواب, ثم يثبتون أقدامهم.. إن المقلدين لتمدن الأمم الأخري ليسوا أرباب تلك العلوم التي ينقلونها, وإنما هم حملة ونقلة!... لا يراعون فيها النسبة بينها وبين مشارب الأمة وطباعها...
إن الدين هو قوام الأمم, وبه فلاحها, وفيه سعادتها, وعليه مدارها, وهو السبب المفرد لسعادة الإنسان... ومن طلب إصلاح الأمة بوسيلة أخري فقد ركب بها شططا. وجعل النهاية بداية, وانعكست التربية, وانعكس فيها نظام الوجود, فينعكس عليه القصد, ولا يزيد الأمة إلا نحسا, ولا يكسبها إلا تعسا..
> وعلي هذا الدرب ـ درب الإصلاح بالإسلام, لا بالنموذج الغربي الوضعي اللا ديني ـ سار الإمام محمد عبده(6621 ـ3231 هـ9481 ـ5091 م)... فبعد أن انتقد لا دينية المدينة الأوروبية ـ مدنية الملك والسلطان( القوة) مدنية الذهب والفضة, مدنية الفخفخة والبهرج مدينة الختل والنفاق.. التي عجز فلاسفتها وعلماؤها عن اكتشاف طبيعة الإنسان, وجلاء الصدأ الذي غشي الفطرة الإنسانية, ليعود لها لمعانها الروحي..
بعد هذا النقد لمادية المدنية الغربية ولا دينيتها... انتقد المقلدين لها, والمأخوذين ـ في مصر ـ بها أولئك الذين لم يزدادوا إلا فسادا ـ وإن قيل إن لهم شيئا من المعلومات ـ فما لم تكن معارفهم وآدابهم مبنية علي أصول دينهم, فلا أثر لها في نفوسهم..
ثم رفع الإمام محمد عبده شعار: الإسلام هو سبيل الإصلاح... فقال: إن سبيل الدين لمريد الإصلاح في المسلمين سبيل لا مندوحة عنها, فإن إتيانهم من طرق الأدب والحكمة العارية عن صبغة الدين, يحوجه إلي إنشاء بناء جديد ليس عنده من مواده شيء, ولا يسهل عليه أن يجد من عماله أحدا.. لقد ظهر الإسلام, لا روحيا مجردا, ولا جسدانيا جامدا, بل إنسانيا وسطا بين ذلك, آخذا من كلا القبيلين بنصيب, فتوافر له من ملاءمه الفطرة البشرية ما لم يتوافر لغيره, ولذلك سمي نفسه دين الفطرة, وعرف له ذلك خصومه اليوم, وعدوه المدرسة الأولي التي يرقي فيها البرابرة علي سلم المدنية.. لقد جاء الإسلام, كما لا للشخص, وألفة في البيت ونظاما للملك, امتازت به الأمم التي دخلت فيه عن سواها ممن لم يدخل فيه.
هكذا تصدي علماء الإسلام, وطلائع المجددين, أعلام تيار الإحياء والتجديد لمقاومة هذا الغزو الفكري والتغريب الحضاري الذي أراد علمنة الإسلام, وإحلال القانون الوضعي الغربي محل شريعة الإسلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق