ان ما يؤكد كون نظام الشورى دستورا كان يلتزم به الامام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب وعدم معرفته بنظام الوراثة الملكية العمودية في اهل البيت ، هو دخول الامام في عملية الشورى التي أعقبت وفاة الخليفة عمر بن الخطاب ، ومحاججته لأهل الشورى بفضائله ودوره في خدمة الاسلام ، وعدم إشارته الى موضوع النص عليه او تعيينه خليفة من بعد الرسول ، ولو كان حديث الغدير يحمل هذا المعنى لأشار الامام الى ذلك ، وحاججهم بما هو أقوى من ذكر الفضائل لقد كان الامام علي يؤمن بنظام الشورى « وان حق الشورى بالدرجة الاولى هو من اختصاص المهاجرين والأنصار ، ولذلك فقد رفض بعد مقتل عثمان الاستجابة للثوار الذين دعوه الى تولي السلطة وقال لهم ليس هذا إليكم هذا للمهاجرين والأنصار من أمره أولئك كان أميرا . وعندما جاءه المهاجرون والأنصار فقالوا امدد يدك نبايعك ، دفعهم ، فعاودوه ، ودفعهم ثم عاودوه فقال · دعوني والتمسوا غيري واعلموا اني ان أجبتكم ركبت بكم ما اعلم ,وان تركتموني فأنا كأحدكم ، ولعلي أسمعكم أطوعكم لمن وليتموه أمركم وانا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا . ومشى الى طلحة والزبير فعرضها عليهما فقال من شاء منكما بايعته ، فقالا لا الناس بك أرضى ، واخيرا قال لهم· فان أبيتم فان بيعتي لا تكون سرا ، ولا تكون الا عن رضا المسلمين ولكن اخرج الى المسجد فمن شاء ان يبايعني فليبايعني ولو كانت نظرية النص والتعيين ثابتة ومعروفة لدى المسلمين ، لم يكن يجوز للامام ان يدفع الثوار وينتظر كلمة المهاجرين والأنصار ، كما لم يكن يجوز له ان يقول· انا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا ، ولم يكن يجوز له ان يعرض الخلافة على طلحة والزبير ، ولم يكن بحاجة لينتظر بيعة المسلمين وهناك رواية في كتاب (سليم بن قيس الهلالي) تكشف عن إيمان الامام علي بنظرية الشورى وحق الامة في اختيار الامام ، حيث يقول في رسالة له :· الواجب في حكم الله وحكم الاسلام على المسلمين بعدما يموت إمامهم او يقتل .. ان لا يعملوا عملا ولا يحدثوا حدثا ولا يقدموا يدا ولا رجلا ولا يبدءوا بشيء قبل ان يختاروا لأنفسهم اماما عفيفا عالما ورعا عارفا بالقضاء والسنة ¨ ¦ وعندما خرج عليه طلحة والزبير احتج عليهما بالبيعة وقال لهما ـ بايعتماني ثم نكثتما بيعتي ¨ ولم يشر إلى موضوع النص عليه من رسول الله ، وكلما قاله للزبير فتراجع عن قتاله هو ان ذكره بقول رسول الله له· لتقاتلنه وأنت له ظالم وقال الامام علي لمعاوية الذي تمرد عليه · اما بعد .. فان بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام لأنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان ، فلم يكن للشاهد ان يختار ولا للغائب ان يرد. وانما الشورى للمهاجرين والأنصار اذا اجتمعوا على رجل فسموه اماما كان ذلك لله رضا إذن فقد كانت الشورى هي اساس الحكم في نظر الامام علي ، وذلك في غياب نظرية (النص والتعيين) التي لم يشر اليها الامام في أي موقف. وقد كان الامام علي (ع) ينظر الى نفسه كانسان عادي غير معصوم ، ويطالب الشيعة و المسلمين ان ينظروا اليه كذلك ، ويحتفظ لنا التاريخ برائعة من روائعه التي ينقلها الكليني في (الكافي) والتي يقول فيها اني لست في نفسي بفوق ان أخطي ولا آمن ذلك من فعلي ، الا ان يكفي الله من نفسي ماهو املك به مني . ويتجلى إيمان الامام علي بالشورى دستورا للمسلمين بصورة واضحة ، في عملية خلافة الامام الحسن ، حيث دخل عليه المسلمون ، بعدما ضربه عبد الرحمن بن ملجم ، وطلبوا منه ان يستخلف ابنه الحسن ، فقال · لا ، انا دخلنا على رسول الله فقلنا استخلف ، فقال لا أخاف ان تفرقوا عنه كما تفرقت بنو اسرائيل عن هارون ، ولكن ان يعلم الله في قلوبكم خيرا يختر لكم . وسألوا عليا ان يشير عليهم بأحد ، فما فعل ، فقالوا له ان فقدناك فلا نفقد ان نبايع الحسن ، فقال لا آمركم ولا أنهاكم . انتم ابصر وقد ذكر الحافظ أبو بكر بن ابي الدنيا في كتاب (مقتل الامام أمير المؤمنين) عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه قال قلت: يا أمير المؤمنين، ان فقدناك ـ ولا نفقدك ـ نبايع للحسن ؟..فقال: ـ ما آمركم ولا أنهاكم. فعدت فقلت مثلها فرد¹ علي مثلها وذكر الشيخ حسن بن سليمان في (مختصر بصائر الدرجات) عن سليم بن قيس الهلالي ، قال : سمعت عليا يقول وهو بين ابنيه وبين عبد الله بن جعفر وخاصة شيعته : · دعوا الناس وما رضوا لانفسهم ألزموا أنفسكم السكوت وقد قام الامام أمير المؤمنين بالوصية الى الامام الحسن وسائر أبنائه ولكنه لم يتحدث عن الامامة والخلافة ، وقد كانت وصيته روحية أخلاقية وشخصية ، او كما يقول الشيخ المفيد في (الإرشاد) ان الوصية كانت للحسن على أهله وولده واصحابه ، و وقوفه وصدقاته . وتلك الوصية هي كالتالي · هذا ما أوصى به علي بن ابي طالب: أوصى انه يشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له ، وان محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. ثم ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، بذلك أمرت وانا من المسلمين . ثم اني أوصيك ياحسن وجميع ولدي أهلي ومن بلغه كتابي : ان تتقوا الله ربكم ولا تموتن الا وانتم مسلمون) ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا فاني سمعت رسول الله (ص) يقول: صلاح ذات البين افضل من عامة الصيام والصلاة ، وان المعرة حالقة الدين فساد ذات البين ، ولا قوة الا بالله . انظروا ذوي أرحامكم فصلوهم يهون عليكم الحساب. والله الله في الأيتام فلا تغبون أفواههم ، ولا يضيعون بحضرتكم . والله الله في جيرانكم ، فانهم وصية رسول الله مازال يوصينا بهم حتى ظننا انه يورثهم . والله الله في القرآن أن يسبقكم في العمل به غيركم . والله الله في بيت ربكم ، لا يخلون¹ ما بقيتم ، فانه ان خلا لم تناظروا . والله الله في رمضان فان صيامه جنة من النار لكم . والله الله في الجهاد في سبيل الله بأيديكم واموالكم وألسنتكم . والله الله في الزكاة فإنها تطفئ غضب الرب . والله الله في ذمة نبيكم ، فلا يُظلمن بين أظهركم . والله الله فيما ملكت أيمانكم . انظروا فلا تخافوا في الله لومة لائم ، يكفكم من أرادكم وبغى عليكم ، وقولوا للناس حسنا كما أمركم الله . ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولى عليكم شراركم ثم يدعوا خياركم فلا يستجاب لهم . عليكم يابني بالتواصل والتباذل ، واياكم والتقاطع والتكاثر والتفرق وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ، واتقوا الله ان الله شديد العقاب حفظكم الله من اهل بيت ، وحفظ نبيكم فيكم ، استودعكم الله ، اقرأ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ولذلك لم تلعب هذه الوصية القيمة الروحية والأخلاقية أي دور في ترشيح الامام الحسن للخلافة ، لأنها كانت تخلو من الإشارة اليها ، ولم تكن تشكل بديلا عن نظام الشورى الذي كان اهل البيت يلتزمون به كدستور للمسلمين الامام الحسن والشورى وقد ذكر ابن ابي الحديد في (شرح نهج البلاغة)· انه لما توفي علي (ع) خرج عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الى الناس فقال: ان أمير المؤمنين توفي ، وقد ترك خلفا ، فان أحببتم خرج إليكم ، وان كرهتم فلا أحد على أحد فبكى الناس وقالوا: بل يخرج إلينا. وكما هو ملاحظ فان الامام الحسن لم يعتمد في دعوة الناس لبيعته على ذكر أي نص حوله من الرسول او من أبيه الامام علي ، و قد أشار ابن عباس إلى منزلة الامام الحسن عندما ذكر المسلمين بأنه ابن بنت النبي ، و ذكر : انه وصي الامام أمير المؤمنين ، ولكنه لم يبين : ان مستند الدعوة للبيعة هو النص او الوصية بالإمامة وهذا ما يكشف عن إيمان الامام الحسن (ع) بنظام الشورى وحق الامة في انتخاب إمامها ، وقد تجلى هذا الايمان مرة اخرى عند تنازله عن الخلافة الى معاوية واشتر اطه عليه العودة بعد وفاته الى نظام الشورى حيث قال في شروط الصلح · على انه ليس لمعاوية ان يعهد لأحد من بعده وان يكون الأمر شورى بين المسلمين ولو كانت الخلافة بالنص من الله والتعيين من الرسول ، كما تقول النظرية الامامية ، لم يكن يجوز للامام الحسن ان يتنازل عنها لأي أحد تحت أي ظرف من الظروف . ولم يكن يجوز له بعد ذلك ان يبايع معاوية او ان يدعو أصحابه وشيعته لبيعته . ولم يكن يجوز له ان يهمل الامام الحسين ولأشار الى ضرورة تعيينه من بعده .. ولكن الامام الحسن لم يفعل أي شيء من ذلك وسلك مسلكا يوحي بالتزامه بحق المسلمين في انتخاب خليفتهم عبر نظام الشورى الامام الحسين والشورى وقد ظل الامام الحسين ملتزما ببيعة معاوية الى آخر يوم من حياة الأخير ، ورفض عرضا من شيعة الكوفة بعد وفاة الامام الحسن بالثورة على معاوية، وذكر ان بينه وبين معاوية عهدا وعقدا لا يجوز له نقضه ، ولم يدع الى نفسه الا بعد وفاة معاوية الذي خالف اتفاقية الصلح وعهد الى ابنه يزيد بالخلافة بعده ، حيث رفض الامام الحسين البيعة له ، وأصر على الخروج الى العراق حيث استشهد في كربلاء عام61 للهجرة. و يصرح الشيخ المفيد بان الامام الحسين لم يدع أحدا الى إمامته في ظل عهد معاوية، ويفسر ذلك بالتقية والهدنة الحاصلة بينه وبين معاوية والتزام الامام الوفاء بها حتى وفاة معاوية (الارشاد ص 200) ولا توجد اية آثار لنظرية النص في قصة كربلاء ، سواء في رسائل شيعة الكوفة الى الامام الحسين ودعوته للقدوم عليهم ، او في رسائل الامام الحسين لهم ، حيث يقول الشيخ المفيد: ان الشيعة اجتمعت بالكوفة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي فذكروا هلاك معاوية .فحمدوا الله واثنوا عليه ، فقال سليمان بن صرد : ان معاوية قد هلك وان حسينا قد تقبض على القوم ببيعة ، وقد خرج الى مكة وانتم شيعته وشيعة أبيه ، فان كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدو عدوه وتقتل أنفسنا دونه فاكتبوا اليه واعلموه ، وان خفتم الفشل والوهن فلا تغروا الرجل في نفسه ، قالوا : لا بل نقاتل عدوه ونقتل أنفسنا دونه قال فاكتبوا اليه ، فكتبوا اليه : ـ للحسين بن علي ، من سليمان بن صرد والمسيب بن نجية ورفاعة بن شداد البجلي وحبيب بن مظاهر وشيعته المؤمنين والمسلمين من اهل الكوفة : سلام عليك فانا نحمد اليك الله الذي لا اله الا هو .. اما بعد : فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزى على هذه الامة فابتزها أمرها وغصبها فيئها وتأمر عليها بغير رضى منها ثم قتل خيارها واستبقى اشرارها وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها فبعدا له كما بعدت ثمود . انه ليس علينا إمام ، فاقبل لعل الله ان يجمعنا بك على الحق . والنعمان بن بشير في قصر الإمارة لسنا نجتمع معه في جمعة ولا نخرج معه الى عيد ، ولو قد بلغنا انك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام ان شاء الله . فكتب إليهم : ـ من الحسين بن علي الى الملأ من المؤمنين والمسلمين اما بعد فان هانيا وسعيدا قدما علي بكتبكم ، وكان آخر من قدم علي من رسلكم وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم ومقالة جلكم ·أنه ليس علينا إمام فاقبل لعل الله ان يجمعنا بك على الحق والهدى ¨ واني باعث إليكم آخي وابن عمي وثقتي من اهل بيتي مسلم بن عقيل ، فان كتب الي انه قد اجتمع رأي ملأكم وذوي الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم ، وقرأت في كتبكم فاني اقدم إليكم وشيكا ان شاء الله . فلعمري ما الامام الا الحاكم بالكتاب ، القائم بالقسط ، الداين بدين الحق ، الحابس نفسه على ذات الله ، والسلام . إذن فان مفهوم (الإمام) عند الامام الحسين لم يكن الا (الحاكم بالكتاب القائم بالقسط الداين بدين الحق الحابس نفسه على ذات الله) ولم يكن يقدم اية نظرية حول (الامام المعصوم المعين من قبل الله) ولم يكن يطالب بالخلافة كحق شخصي له لأنه ابن الامام علي او انه معين من قبل الله . ولذلك فانه لم يفكر بنقل (الإمامة) الى أحد من ولده ، ولم يوصِ الى ابنه الوحيد الذي ظل على قيد الحياة علي زين العابدين ، وانما أوصى الى أخته زينب او ابنته فاطمة ، وكانت وصيته عادية جدا تتعلق بأموره الخاصة ، ولا تتحدث أبدا عن موضوع الامامة والخلافة ومما يؤكد عدم وجود نظرية (الامامة الإلهية) في ذلك الوقت ، عدم إشارة الامام علي بن الحسين اليها ، في خطبته الشهيرة التي ألقاها بشجاعة أمام يزيد بن معاوية في المسجد الأموي عندما أُخذ أسيرا الى الشام ، وقد قال في خطبته تلك: · أيها الناس أُعطينا ستا وفضلنا بسبع : أعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبة في قلوب المؤمنين ، وفُضلنا بأن منا النبي والصديق والطيار أسد الله أسد رسوله وسبطا هذه الامة. ثم ذكر الامام أمير المؤمنين فقال: انا ابن صالح المؤمنين ووارث النبيين ويعسوب المسلمين ونور المجاهدين وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ومفرق الأحزاب ، اربطهم جأشا وامضاهم عزيمة ذاك أبو السبطين علي بن ابي طالب . ولم يشر الامام زين العابدين في خطبته الجريئة تلك الى موضوع الوصية او الامامة الالهية ، او الى قانون وراثة الامامة بالنص ، ولم يقل للناس انه الامام الشرعي المفترض الطاعة بعد أبيه الامام الحسين ، وانما اكتفى بالحديث عن فضل اهل البيت وفضائل الامام أمير المؤمنين وإنجازاته التاريخية اعتزال الامام زين العابدين وقد بايع الامام علي بن الحسين يزيد بن معاوية بعد واقعة الحرة ورفض قيادة الشيعة الذين كانوا يطالبون بالثأر لمقتل أبيه الامام الحسين ، ويعدون للثورة ، ولم يدعِ الامامة ، ولم يتصدَ لها ، ولم ينازع عمه فيها ، وكما يقول الشيخ الصدوق : فانه انقبض عن الناس فلم يلق أحدا ولا كان يلقاه الا خواص أصحابه ، وكان في نهاية العبادة ولم يخرج عنه من العلم الا يسيرا ويتطرف الصدوق جدا وبشكل غير معقول فينقل عن الامام السجاد : انه كان يوصي الشيعة بالخضوع للحاكم والطاعة له وعدم التعرض لسخطه، ويتهم الثائرين بالمسؤولية عن الظلم الذي يلحق بهم من قبل السلطان (الأمالي ص 396 المجلس رقم 59) انتخاب سليمان بن صرد الخزاعي زعيما للشيعة ومن هنا ونتيجة للفراغ القيادي فقد انتخب الشيعة في الكوفة بعد مقتل الامام الحسين سليمان بن صرد الخزاعي زعيما عليهم ، وذلك عندما اجتمعوا الى خمسة من رؤوسهم ، وقام المسيب بن نجيبة خطيبا فقال: ـ أيها القوم ولوا عليكم رجلا منكم فانه لا بد لكم من أمير تفزعون إليه وراية تحفون بها ، وقام رفاعة بن شداد فعقب على كلامه قائلا قلت: ولوا أمركم رجلا منكم تفزعون إليه وتحفون برايته ، وذلك رأي قد رأينا مثل الذي رأيت ، فان تكن أنت ذلك الرجل تكن عندنا مرضيا وفينا منتصحا وفي جماعتنا محبا ، وان رأيت ورأى أصحابنا ذلك ولينا هذا الأمر شيخ الشيعة صاحب رسول الله وذا السابقة سليمان بن صرد ، المحمود في بأسه والموثوق بحزمه¨« ثم تكلم عبد الله بن وال ، وعبد الله بن سعد فحمدا ربهما واثنيا عليه ... فقال المسيب بن نجيبة : · أصبتم ووفقتم وانا أرى مثل الذي رأيتم فولوا أمركم سليمان بن صرد¨ وقد قام سليمان بن صرد الخزاعي بقيادة حركة قامت للثأر من قتلة الحسين ، وعرفت بحركة التوابين إمامة محمد بن الحنفية وعندما قام المختار بن عبيد الثقفي ، بعد ذلك ، بحركته في الكوفة ، كتب الى علي بن الحسين يريده على ان يبايع له ويقول بإمامته ويظهر دعوته ، وانفذ اليه مالا كثيرا ، فأبى ان يقبل ذلك منه ، او يجيبه عن كتابه ، فلما يئس المختار منه كتب الى عمه محمد بن الحنفية يريده على مثل ذلك ، واخذ يدعو الى إمامته وقد استلم محمد بن الحنفية قيادة الشيعة فعلا ، ورعى قيام دولة المختار بن عبيدة الثقفي في الكوفة لقد كان أئمة اهل البيت يعتقدون بحق الامة الاسلامية في اختيار أوليائها وبضرورة ممارسة الشورى ، وإدانة الاستيلاء على السلطة بالقوة ولعلنا نجد في الحديث الذي يرويه الصدوق في (عيون أخبار الرضا) عن الامام الرضا عن أبيه الكاظم عن أبيه جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر عن علي بن الحسين عن الحسين بن علي عن أبيه عن جده رسول الله (ص) والذي يقول فيه من جاءكم يريد ان يفرق الجماعة ويغصب الامة أمرها ويتولى من غير مشورة فاقتلوه ، فان الله عز وجل قد أذن ذلك .. لعلنا نجد في هذا الحديث افضل تعبير عن إيمان اهل البيت بالشورى والتزامهم بها ، واذا كانوا يدعون الناس الى اتباعهم والانقياد إليهم فإنما كانوا يفعلون ذلك إيمانا بأفضليتهم وأولويتهم بالخلافة في مقابل ·الخلفاء¨ الذين كانوا لا يحكمون بالكتاب ولا يقيمون القسط ولا يدينون بالحق من هنا وتبعا لمفهوم (الأولوية) قالت أجيال من الشيعة الأوائل ، وخاصة في القرن الأول الهجري ان عليا كان أولى الناس بعد رسول الله لفضله وسابقته وعلمه ، وهو افضل الناس كلهم بعده أشجعهم وأسخاهم وأورعهم وأزهدهم . وأجازوا مع ذلك إمامة ابي بكر وعمر وعدوهما أهلا لذلك المكان والمقام ، وذكروا ان عليا سلم لهما الأمر ورضي بذلك وبايعهما طائعا غير مكره وترك حقه لهما ، فنحن راضون كما رضي المسلمون له ، ولمن بايع ، لا يحل لنا غير ذلك ولا يسع منا أحدا الا ذلك ، وان ولاية ابي بكر صارت رشدا وهدى لتسليم علي ورضاه بينما قالت فرقة اخرى من الشيعة : · ان عليا افضل الناس لقرابته من رسول الله ولسابقته وعلمه ولكن كان جائزا للناس ان يولوا عليهم غيره اذا كان الوالي الذي يولونه مجزئا ، أحب¹ ذلك او كرهه ، فولاية الوالي الذي ولوا على أنفسهم برضى منهم رشد وهدى وطاعة لله عز وجل ، وطاعته واجبة من الله عز وجل وقال قسم آخر منهم : · ان إمامة علي بن ابي طالب ثابتة في الوقت الذي دعا الناس واظهر أمره و قد قيل للحسن بن الحسن بن علي الذي كان كبير الطالبيين في عهده وكان وصي أبيه وولي صدقة جده ألم يقل رسول الله من كنت مولاه فعلي مولاه؟فقال: بلى ولكن والله لم يعنِ رسول الله بذلك الامامة والسلطان ، ولو أراد ذلك لأفصح لهم به وكان ابنه عبد الله يقول: · ليس لنا في هذا الأمر ما ليس لغيرنا ، و ليس في أحد من اهل البيت إمام مفترض الطاعة من الله¨ وكان ينفي إمامة أمير المؤمنين انها من الله مما يعني ان نظرية النص وتوارث السلطة في اهل البيت فقط ، لم يكن لها رصيد لدى الجيل الأول من الشيعة ، ومن هنا فقد كانت نظرتهم الى الشيخين ابي بكر وعمر نظرة إيجابية ، إذ لم يكونوا يعتبرونهما ·غاصبين¨ للخلافة التي تركها رسول الله شورى بين المسلمين ولم ينص على أحد بالخصوص
|
أحمد الكاتب
|
بسم الله الرحمن الرحيم
نقد الخطأ المنهجي لأحمد الكاتب حول نظرية الشورى
لسنا في صدد استيعاب بحث الامامة فانه يحتاج الى جهد كبير بقدر ما نحن في ملاحقة مغالطات "أحمد الكاتب " حول حكومة اهل البيت عليهم السلام التي جعلها الله لهم بالنص والتعيين لا بالشورى المأخوذة لملمةً من أصول فكرة العامة.
قد يصوّر قائلا أنّه حامي ومدافع عن مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ـ الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ـ لدى عامة الشباب المؤمن بأدلة من مصادر العامة ، وهو في الحقيقة يتوخّى إثبات نظرية أهل العامة والسقيفة، من كون الخلافة انتخابية على موازين اختيارية ناشئة من نوازع الهوى والمصالح الشخصية، وأنّ أهل البيت (عليهم السلام) ما هم إلاّ رواة حديث شأنهم ذلك ليس إلاّ، وهذا عين نظرية مدرسة السقيفة.
مقامات أهل البيت (ع): وأمّا مدرسة الدين الحنيف وأهل البيت (عليهم السلام) فنظريتها أنّ الخلافة إلهية بالتعيين والاصطفاء من الله تعالى ]إنّي جاعل في الأرض خليفة ـ إلى قوله ـ فعلّم آدم الأسماء كلّها[ فدلّل على أن الخلافة مدارها وشرطها العلم اللدنيّ الإلهي والعصمة، وأنّ أهل البيت (عليهم السلام) لهم مقامات عديدة ومناصب ربانية شتى. منها: الحكومة والولاية، قال تعالى: ]وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واُولي الأمر منكم[ فالولاية هاهنا ولاية الطاعة للأمر، وغيرها من الآيات التي تبيّن هذا المقام كقوله تعالى: ]النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم[ وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) فالولاية بالتعيين الإلهي لم يفسح المجال للإختيار فيها طبق المشتهيات البشرية الأرضية. ومنها: القضاء، قال تعالى: ]إنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله[، وقال تعالى: ]يا داود إنّا جعلناك خليفة فاحكم بين الناس بالحق[ فبالإذن الإلهي يتحقق جواز القضاء ببين الناس وبجل المقام الأول يتفرع جعل المقام الثاني، ومنه يعرف أن ((أقضاكم علياً)) دال على المقام الاول له عليه السلام أيضاً. ومنها: حجية الأخبار عن الأحكام الشرعية ]وما ينطق عن الهوى إنْ هو إلاّ وحيّ يوحى[ و]ولكم في رسول الله اُسوة حسنة[ و]ولو ردوه إلى اُولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم[. وهذه المقامام الثلاثة يصطلح عليها في العصر الحاضر السلطة التنفيذية القضائية التشريعية. ومنها: السلطة والولاية المعنوية والتكوينية، وهذه لها شعب لا مجال لبسطها في المقام. ومنها: وجوب المودّة بنص القرآن ]قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى[. ومنها: الإقرار والإعتقاد بهم، وهو ركن في تحقق الإيمان قال (ص): ((من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية)) ( ) فأوجب المعرفة للإمام وهو عنوان يغاير عنوان الطاعة الواجبة، وحذّر (ص) بأن من لم تتحقق لديه تلك المعرفة فسيموت على الكفر الجاهلي الذي ما دخل الإسلام. ومنها: عرض أعمال العباد عليهم؛ قال تعالى ]وقل اعملوا فسرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون[، فان عرض اعمال كل الامة المخاطبة في هذه الاية لا يكون على الامة المخاطبة وانما على عدة خاصة من المؤمنين يتلون مقام رسول الله (ص). وغيرها من المقامات والمناصب الاخرى.
الولاية لله بالاصل ثم إنّ مقتضى أنّ الله سبحانه وتعالى مالك للمخلوقين ولأفعالهم أنّ مبدأ وأصل الولاية لله تعالى وأنّ كل الولاية تتشّعب من ولايته ]الولاية لله الحق[ وهذا أصل. غاية الأمر حيث جعل للإنسان الإختيار لا القسر كانت الولاية الربانية عليه من نميط تكويني غير قاسر ونمط تشريعي اعتباري قانوني. فمنطق التوحيد ومنطق الشرعية الإلهية يبنى على أن أصل الولاية وأنّ كل شعبة لا بدّ وأن تنتهي إلى ذلك الأصل. نعم المنطق الوضعي غير المتقيد بالملّة والمنهاج السماوي وأنّ للكون خالقاً مالكاً، يجعل مصدر الولاية هو الإنسان وسلطة الفرد على نفسه، فيجعل من العقد الفردي والإجتماعي مصدر السلطات والولايات، كما يفصل ذلك الدكتور السنهوري في (الوسيط)، فبين المنهجين بعد الشمرقين.
العقد ليس سببا للسلطة هذا مع ان الباحثين من فقهاء القانون الوضعي قد حققوا أن العقد ليس هو مبدأ نشوء السلطنة سواء على الأفعال أو الأعيان، بل السلطة التكوينية على الأُولى والحازة أو العمارة للثانية هو المنشأ، وأما فقهاء الشرع من الفريقين فقد نصّوا على لزوم إمضاء الشرع لهذا الإعتبار البشري للسلطة اذ ان لله ما في السموات والارض. فلا يملك الفرد البشري في الاعتبار من الأفعال والأعيان إلاّ ما حدّده الشرع له، إذ الشارع الأقدس مبدأ السلطات والولايات، لا أن الإنسان فاعل ومالك لما يشاء ومطلق العنان، إلاّ ما ينقله هو بإختياره عن نفسه بالعقد الفردي أو العقد الإجتماعي (الانتخاب) أو العقد السياسي (البيعة) الى الغير. فبين المنهج التوحيدي والمنهج الوضعي بون بعيد. وبذلك يتضح أن اساس الحكومة في المجتمع بين المنهجين مختلف، فعند المنهج التوحيدي هو متشعب من ولاية الله تعالى على المخلوقات البشرية، وعند المنهج الوضعي هو مستمّد من سلطة الفرد والأفراد على أنفسهم.
أساس الحكومة حكم العقل بل إنّ الدراسات القانونية في الفقه الوضعي تكاد تصل إلى هذه النتيجة، وهي أنّ الأساس في الحكومة هو حكم العقل الفطري، وذلك لأنّ العقد الإجتماعي (الانتخاب) الناشيء من سلطة الفرد على نفسه لا يبرر حكومة الأغلبية على الأقلية ولو بتفاوت يسير. وكذلك لزوم توفر شرائط في الشخص المنتخب بالعقد الإجتماعي ليس هو من وضع سلطة الأفراد على أنفسهم، بل كلا الأمرين وغيرها من النتائج التي لا تتلائم مع فلسفة السلطة الفردية والعقد هي من قضاء العقل كمواد قانونية مرعيّة عند الكل. فمثلاً لزوم كون الرئيس المنتخب ذو خبرة وكفائة عالية (العلم بمعناه الوسيع) وذو أمانة فائقة (العدالة وإذا ترقت أصبحت عصمة) لابدّ منه، وليس للفرد والأفراد تخطي هذا القانون تحت ذريعة السلطة الفردية المطلقة العنان، وهذا ما يقال من غلبة النزعة للمذهب العقلي في القانون الوضعي الحديث على المذهب الفردي.
العقد زيادة تعهّد ومن ذلك يتضح أنّ العقد الإجتماعي والسياسي (سواء الانتخاب أو البيعة) ليس إلاّ عبارة عن عملية توثيق وإحكام وعهد مغلّظ للعمل بالقانون، سواء على المنهج التوحيدي الديني أو الوضعي أخيراً، فضابطة الصحة للحاكم ليس هو العقد السياسي بل هو توفر شرائط القانون الإلهي فيه أو الوضعي، والعقد ما هو إلاّ إلتزام زائد لإستحكام العمل والمتابعة لذلك الحاكم. نعم بين المنهجين فارق من جهة اُخرى، وهو أنّ المنهج الإلهي حيث أنه يشعّب الولاية من المالك المطلق الخالق طبق موازين الكمال والعصمة والإصطفاء، فهو يعيني المصداق المتوفر فيه الشرائط ويكسبه ولاية الحكم وتكون البيعة والعقد السياسي معه من قبل الناس ما هو إلاّ زيادة تعهّد وإلزام بالعمل نظير النذر والقسم المتعلق بأداء صلاة الظهر أو صيام رمضان تغليظاً للوجوب. ويشير لذلك عدة من الروايات منها موثقة مسعدة بن صدقة عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام): أنه قال له: ان الايمان قد يجوز بالقلب دون اللسان؟ فقال له: أن كان ذلك كما تقول فقد حرم علينا قتال المشركين، وذلك أنّا لا ندري بزعمك لعل ضميره الايمان فهذا القول نقض لامتحان النبي (ص) من كان يجيئة يريد الاسلام، واخذه إياه بالبيعة عليه وشروطه وشدة التأكيد، قال مسعدة: ومن قال بهذا فقد كفر البتة من حيث لا يعلم( ). وأما المنهج الوضعي فهو يترك مجال تعيين المصداق لاختيار الأُمة، لكن يظلّ هذا التخيير له لون صوري غير واقعي في حالة تخلف الشرائط والمواصفات في الشخص الحاكم التي يعينها القانون، ويظلّ التخيير غير صائب في حالة توفر الموصفات بنحو أكمل في شخص لم يقع عليه الإختيار، وهذا الجانب السلبي في المنهج الوضعي قد عالجه المنهج الرباني الإلهي بجعل الإنتخاب بيد العالم بالسرائر وبمعادن البشر ]وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة[. فكون العقد السياسي هي وثيقة إلزام وإلتزام وسبب لزيادة التعهد لا أنّه عملية مولدة لصحة الشيء الذي تمّ التعاقد عليه، بل الصحة والسلامة آتية من الشارع او القانون، وكون العقد هذا مفاده من أوليات الأبحاث القانونية، فالعقد السياسي والبيعة لا يؤمنّان صحة الانتخاب وسلامة المنتخب والمبايع وإنّما الذي يؤمنه تعيين الشرع في المنهج التوحيدي والقانون في المنهج الوضعي. فالعقد لا يؤمّن الصحة والسلامة، وهذا ما نجده عند فقهاء القانون من تمييزهم أدلة الصحة عن أدلة اللزوم. هذا مضافاً إلى أن الإعتراف بأن الوجوب الشرعي ثابت على الأمّة في إيقاع البيعة مع المعصوم (ع) يعني نصب الشارع الأقدس لمعصوم خليفة ووالياً، غاية الأمر إلزام إياهم بالإلتزام والتعهد وزيادة إستيثاق بالعمل بهذا النصب، نظير إيجاب الشارع الأقدس السعي إلى صلاة الجمعة وعقدها فإنه وليد وجوب ذات صلاة الجمعة على المكلفين.
الحرية الفردية ذريعة شعارية ومن المضحك المبكي التشبث بشعار حرية اختيار الفرد في العقد السياسي (البيعة) من جانب، ومن جانب آخر تصحيح البيعة بجزء من الأمة مهما كثر ذلك على الجزء الآخر الذي لم يبايع وإلغاء رأيه، أو بايع شخصاً آخر، مع انه قد تكون النخبة في جانب الاقلية وذوي العقول الراجحة كماً وكيفاً. ولذلك ترى ان أصحاب مدرسة السقيفة القائلين بذلك يقعون في حيرة أمام صورة وتساؤلات عديدة تقع في المجتمع لا يؤمِّن الجواب عنها تحت ذريعة الحرية الفردية فهل الغلبة مسوغة لإلغاء الحرية الفردية للأقلية، فإذا كانت مسوّغة فالسلطة الفردية يرفع اليد عنها عندهم في موارد، فكيف لا يسوغ رفع اليد عنها أمام الاختيار الالهي الصائب الذي لا يخطأ بينما الغلبة البشرية ممكنة الخطأ. وكيف يكون وجوب البيعة لمعصوم (ع) على الأمة لا ينافي السلطة الفردية والاختيار( )، بينما نصب الشرع وتعيينه للوالي منافي للإختيار وحرية أفراد الأمة. وكيف يصحح الشارع بيعة الأمة لغير المعصوم (ع) مع أنه أوجب عليهم البيعة للمعصوم(ع) ـ كما يعترف بالوجوب المذكور الخصم ـ . وكيف يتلائم القول بأنّ الحكمة الإلهية في المعصوم (ع) هي تجسيده للقانون الالهي على كل الاصعدة السياسية والاجتماعية والفردية وغيرها، مع القول بعدم نصب الشارع له حاكماً ووالياً على الأمة، وهل يكون ناطقاً حيّاً بالقانون إلاّ بجعل الزعامة له على الأمة.
الشورى والنص والقول: بان قوله تعالى ]وامرهم شورى بينهم[ يفيد ان امر الحكم وكل شيء جماعي هو برأي الاكثرية، وان مفاد الاية اصل اصيل في قواعد الحكم الاسلامي مطلقا، او اذا لم يكن اصل اخر مقدما كالنص على الائمة الاثني عشر (عليهم السلام)، وان ذلك فماد ما ورد من النصوص المستفيضة في حسن الاستشارة وذم الاستبداد بالرأي. فهو وهم: اذ ان التعبير بلفظ الشورى المشتق من تشاور واشتور، والاشارة والمشورة هي اراءة المصلحة وشاورته في كذا راجعته لأرى رأيه، وشرت العسل اشوره جنيته، واشار بيده اشارة أي لوح بشيء يفهم من النطق. فمادة الشورى تعطي معنى الاستفادة من الخبرات والعقول الاخرى لكي يكون العزم على بصيرة تامة، فهي نظير ما جاء من ان اعقل الناس من جمع عقول الناس الى عقله، واعلم الناس من مع علوم الناس الى علمه، فهي توصية بجمع الخبرات وتنضيج وتسديد الرأي وتصويبه بكشف كل زواياه الواقعية عبر الاذهان المختلفة، وقريب من ذلك ما قاله اللغويين انها استخراج الرأي بالمفاوضة في الكلام ليظهر الحق. سواء كان الامر بيد الفرد الواحد ام لا، كما هو الحال في سلطة الانسان على امواله اذا اراد ان يقدم على بيع او عقد معاملي، فان استبداده برأيه يؤدي به الى الجهالة بخلاف ما اذا اعتمد المشورة والاستشارة، ولكن ذلك لا يعني في وجه من الوجوه قط سلطة المشير على المستشير، او سلطة المشير مع المستشير وولاية الناصح شركة مع المستنصح، وانما يعني اعتماد الوالي على الامر منهجَ العقل الجماعي في استكشاف الموضوعات والواقعيات العارضة. وهذا هو مفاد الروايات المستفيضة في باب الاشارة والمشورة والاستشارة والشورى، أي التوصية باعتماد تجميع الخبرات والعقول، لا جعل السلطة بيد المجموع بل الفيصل والنقض والابرام والترجيح بين وجهاة النظر يكون للولي على الشيء بعد استطلاعه على الاراء المختلفة، كما هو دارج قديما وحديثا في الزعامات الوضعية البشرية حيث تعتمد على لجان وخبرات ـ مستشارين ـ( ) في كل حقل ومجال مع عدم افادة ذلك لدى المدرسة العقلية البشرية ولاية لا فراد تلك اللجان يشاركون فيها ذلك الزعيم. ولذلك عد الفقهاء تلك الروايات المستفيضة احد انواع الاستخارة بل افضلها، والاستخارة هي طلب الخير لا تولية المشيرين مع المستشير، فلا يتوهم ان فتح باب الاستشارة والشورى في الرأي لغو اذا لم يكن بمعنى التشريك في الولاية وتحكيم سلطة المستشارين، اذ أي فائدة ابلغ واتم من استكشاف الوالي واقع الاشياء وحقائق الامور عبر مجموع الخيرات والعقول، واعتماده منهج جمع العلوم الى علمه، فان ذلك يصيّره نافذ البصيرة، سواء كان ذلك على الصعيد الفردي كولاية الفرد على امواله او على الصعيد الاجتماعي كولاية الشخص على المجتمع. فمجيئ مادة المشورة في قوله تعالى يعطي هذه التوصية للمؤمنين في التدبير، بان يكون البت فيه بعد استخراج الرأي الصائب من العقول المختلفة بالمداولة والمفاوضة مع العقول الاخرى، اما ان البات والمدبر من هو فليست الاية في صدده، لاختلاف ذلك التعبير مع (وامرهم بأيديهم) حيث ان اليد هي من اقرب الكنايات عن السلطة، وكذلك يختلف مع التعبير في وله تعالى ]واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله[، وغيرها من التعبيرات القرآنية المتعرضة للولاية في الاصعدة المختلفة. وممار يعزز ما تقدم قوله تعالى ]فان ارادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما[ فان تعالى ندب الى التشاور بين الزوجين في رضاعة الطفل مع ان ولاية الرضاعة ذات الاجرة بيد الزوج فقط، وان كانت الحضانة في غير ذلك من حق الزوجة. وكذا قوله تعالى ]فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فضا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فاضا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين[ ففيه ندبة من الله للرسول (ص) الى مشورة المسلمين في سياق الرأفة والرحمة بهم واللين معهم والعفو عنهم والاستغفار لهم، لا لتحكيم ولايتهم عليه (ص) (والعياذ بالله) اذ ذيل الاية صرّح بان العزم على افعل مخصوص به (ص). بل ان الامر بالتوكل فيه اشعار بنفوذ عزمه وحكمه (ص) وان خالف آراءهم، ولذلك ذكر اكثر المفسرين وجوها في امره بالمشاورة. احدها: ان ذلك لتطييب انفسهم والتألف لهم والرفع من قدرهم. الثاني: ان يقتدى به في المشاورة، كي لا تعد نقيصة في المستشير. الثالث: لامتحان الاصحاب بالمشاورة ليتميز الناصح من الغاش، كتشاوره (ص) قبل واقعة بدر ـ الكبرى والصغرى ـ وغيّرها من الوقائع. الرابع: لتشجيعهم وتحفيزهم على الادوار المختلفة والتسابق على الخيرات والاعمال الخطيرة المهمة، وتنضيج عقول المسلمين وتنميتها، ولكي يتعرفوا على حكمة قرارات الرسول وافعاله (ص). ومن الغفلة الاستدلال بمورد نزول الاية في غزوة احد على كون الشورى ملزمة له (ص)، بدعوى أن رأيه (ص) كان هو اللبث في المدينة وعدم الخروج، ورأي بقية أصحابه على الخروج ومع ذلك تابع رأي الاكثرية وخرج الى جبل أحد. وجه الغفلة أن الخروج من المدينة كما ذكره عدة من المحققين كان رأيه (ص) كما في رواية علي بن ابراهيم في تفسيره ((فلما بلغ رسول الله (ص) ذلك جمع أصحابه واخبرهم ان الله قد اخبره ان قرشا قد تجمعت تريد المدينة وحث اصحابه على الجهاد والخروج)) بخلاف رأي الاكابر من المهاجرين والانصار حيث لم يكن عزمهم على القتال والمواجهة. كما صرّح بذلك الواقدي في كتاب المغازي( ) ((وكان ذلك رأي الاكابر من اصحاب رسول الله (ص) من المهاجرين والانصار)). وهو الذي تشير اليه الايات في سورة آل عمران حيث تحث على الخروج وتذم القعود وتوبّخ ذلك، اما الهزيمة التي مني بها المسلمون فلتخلفهم عن طاعة رسول الله (ص) في ترك الرماة مكانهم، لكن حيث ان حزب السقيفة المتسلط لم يرقه ذلك قام بجعل الاحاديث في ان رسول الله (ص) كان يميل الى اللبث في المدينة. ومما يستأنس لكون معنى الشورى بمعنى المشورة والاستشارة لا تحكيم السلطة الجماعية أن الاية مكية ولم يكن ثمة كيان سياسي للمسلمين، بل ان ظاهر الاية ترغيب المؤمنين حين نزولها في الاتصاف بتلك الصفات، فكيف يلتئم مفاد السلطة الجماعية مع ولاية الرسول (ص) المطلقة، ولذلك ترى أن كثيرا من مفسري العامة فسروا الاية بمعنى الاستشارة واستخراج الرأي لا تحكيم السلطة الجماعية. ولنعم ما قاله بعض الاجلة ((قده)) ان الاية لو كان مفادها تحكيم سلطة الامة في ادارة نفسها بتأويل الشورى الى معنى الانتخاب لا معنى الاستشارة، لكان في ادارة نفسها بتأويل الشورى الى معنى الانتخاب لا معنى الاستشارة، لكان على الرسول (ص) تثقيف الامة واعدادها بشكل وافر وبالغ على هذا النظام من الحكم. لا سيما وان الامة كانت تعيش نظام الحكم القبلي، وان نظام الشورى (الانتخاب) فيه عدة مبهمات غائمة للترديد في كون المدار على اكثرية عامة الامة او اكثرية اهل الخبرة، وان الترجيح للكيف او للكم، واي مقدار من نسبة الاكثرية هو المعين، وما هي مواصفات المرشح الى غير ذلك من التساؤولات، الذي يحتاج في اصل بلورته الى تقنينات عديدة مبسوطة، فهو باب متكثر الفصول، هذا بعد كون البشرية ـ الغرب والشرق ـ لم تعهد هذا النظام الا في القرنين الاخيرين من عصرنا هذا. ولو بيّن الرسول هذا الباب الواسع لوصل الينا ذلك، لا سيما وان الدواعي متوفرة لنقله بشدة، اذ هو اتجاه اهل السلطة بعد رسول الله (ص) في مقابل اتجاه اهل النص، ألا ترى ان أحادث النبي (ص) في فضائل عليّ (ع) وتنصيصاته بنصبه زعيما قد رواها الغفير من الصحابة مع توفير الدواعي الكثيرة لاخفائها، فكيف لا تَرِد الاحاديث منه (ص) حول نظام الشورى واعداده الامة لكي تتهيأ من بعده على ذلك النظام. بل ان ممارسات مدرسة أهل السقيفة كانت بعيدة كل البعد عن نظام الشورى، اذ استدلالهم في إبعاد الانصار عن الامارة كان بمنطق الوراثة والقربى للرسول (ص)، وتعيين الاول للثاني كان بمنطق ان له الحق في التعيين على الامة، وكذلك حصر الثاني المرشحين من بعده بذلك المنطق ايضا. ولو كانت الاية في ذلك الصدد وانه (ص) قنن نظام الشورى (الانتخاب) من بعده لكانت الاية والاحاديث على فرض صدورها في ذلك محل استدلال في مساجلاتهم التي جرت بينهم وبين مدرسة النص. ومن الغريب الاستدلال بكلمة امير المؤمنين (ع) في الشورى ـ في نهج البلاغة وغيره ـ على كون البيعة هي مصدر تعيين الخليفة والحاكم على الامة، بدعوى ظهور كلامه (ع) في اقرار ذلك. وجه الغرابة انه (ع) ذكر ذلك جدلا بالتي هي احسن وحجة على الخصم المقر بذلك، ومما يفصح بذلك قوله (ع) في رواية سليم بن قيس في جواب كتاب معاوية حيث طلب من امير المؤمنين (ع) قتلة عثمان ليقتلهم، وذلك لما قرأ (ع) كتاب معاوية وبلغه ابو الدرداء وابو هريرة رسالته ومقالته قال (ع) لابي الدرداء: ((قد بلغتماني ما ارسلكما به معاوية فاسمعا مني ثم ابلغاه عني وقولا له ان عثمان بن عفان لا يعدو ان يكون احد رجلين، اما امام هدى حرام الدم واجب النصرة لا تحل معصيته ولا يسع الامة خذلانه، او امام ضلالة حلال الدم لا تحل ولايته ولا نصرته، فلا يخلو من احدى خصلتين، والواجب في حكم الله وحكم الاسلام على المسلمين بعد ما يموت امامهم او يقتل ضالا كان او مهتديا مظلوما كان او ظالم حلال الدم أو حرام ان لا يعملوا عملا ولا يحدثوا حدثا ولا يقدموا يدا ولا رجلا ولا يبدؤوا بشيء قبل ان يختاروا لانفسهم امام عفيفا عالما ورعا عارفا بالقضاء والسنة. قال: هذا اول ما ينبغي ان يفعلوه ان يختاروا اماما يجمع امرهم ان كانت الخيرة لهم ويتابعوه ويطيعون، وان كانت الخيرة الى الله عز وجل والى رسوله فان الله قد كفاهم النظر في ذلك والاختيار رسول الله (ص) قد رضى لهم اماما وامرهم بطاعته واتباعه. قال: وقد بايعني الناس بعد قتل عثمان وبايعني المهاجرون والانصار بعد ما تشاوروا في ثلاثة ايام وهم الذين بايعوا ابا بكر وعمر وعثمان وعقدوا امامتهم ولي ذلك اهل بدر والسابقة من المهاجرين والانصار غير انهم بايعوهم قبلي على غير مشورة من العامة وان بيعتي كانت بمشورة من العامة. قال (ع): فان كان الله جل اسمه جعل الاختيار الى الامة وهم الذين يختارون ويمضون لانفسهم واختيارهم لانفسهم ونظرهم لها خير لهم من اختيار الله ورسوله لهم، وكان من اختاروه وبايعوه بيعته بيعة هدى وكان امام واجبا على الناس طاعته ونصرته فقد تشاوروا فيّ واختاروني باجماع منهم، وان كان الله عز وجل الذي يختار وله الخيرة فقد اختارني للامة واستخلفني عليهم وامرهم بطاعتي ونصرتي في كتابه المنزل وسنة نبيه (ص) فذلك اقول لحجتي واوجب لحقي)). فانه (ع) يشير الى قوله تعالى ]وما ربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون[( ) فليس الاختيار من جذوره الا لله عز ول، مضافا الى مناشداته العديدة بالنص، وقوله (ع) في النهج ((فطفقت ارتئي بين ان اصول بيد جذاء او اصبر على طخية عمياء… فيا لله وللشورى…))( ) فلو كان (ع) يقر الشورى فلِمَ يخير نفسه بين ان يصول صولة الحق عليهم، ولِمَ يندد بالشورى. وكذا في احتجاجات المعصومين (عليهم السلام) من عدم تمكن البشرية من تحقيق الانتخاب الصائب للقيادة، والتاريخ ببابك، ومن هذا الاحتجاجات قول الرضا (ع) ((ان الامامة اجل قدرا واعظم شأنا واعلى مكانا وامنع جانبا وابعد غورا من ان يبلغها الناس بعقولهم او ينالوها بآرائهم او يقيموا امام باختيارهم)). ومن عجيب الغفلات محاولة الجمع بين ادلة التعيين والنصب ـ ككثير من الايات القرانية الدالة على ان الامامة عهد وجعل الهي وان المنصوب هو علي (ع) وذريته ـ وبين ما يزعم من مفاد اية الشورى ودلالتها أن السلطة للامة، بان مورد الادلة الاولى هو مع وجود المعصوم (ع) وتقلده للزعامة الاجتماعية السياسية، ومورد الثانية هو مع عدم وجوده (ع) كما في زمن الغيبة. وجه الغفلة: انه ان جعل المدار السلطة الامة والشورى عدم تقلد المعصوم الزعامة بالفعل فذلك يعني شرعية سلطة الامة في الفترة الزمنية التي كان فيها علي (ع) مبعدا عن السلطة، وكذلك في فترة ما بعد صلح الحسن (ع) الى عصر الغيبة، حيث انهم (ع) لم كونوا متقلدين بالفعل زمام امور الحكم، وهذا مناقض لمبدأ النص. وان جعل المدار على وجودهم (عليهم السلام) وان لم يتقلدوا زمام الامور والحكم بالفعل، فوجودهم لا تخلو منه الارض ((اللهم بلى لا تخلو الارض من قائم لله بحججه اما ظاهر مشهور او خائفا مغمور لكي لا تبطل حجج الله وبيّناته)) ( ). ولا فرق بين حضوره الامام وغيبته بعد كون عدم تقلده زمام الامور بالفعل غير مؤثر في كونه اماما بالفعل ـ بما للامامة من عهد معهود الهي ذات شؤون عظيمة بالغة ـ كما في الحديث النبوي المروي عند الفريقين ((الحسن والحسين امامان قاما او قعدا)) فقعودهما عليهما السلام بسبب جور لامة لا يفقدهما الجعل الالهي والخلافة الالهية على الامة. وهل من الامكان ابداء الاحتمال انه (عج) في غيبته يفقد هذا المنصب والجعل الالهي، اذ هذا لا ينسجم مع مبدأ النص والتعيين، ومن هنا كان تمسك الفقهاء في نيابتهم في عصر الغيبة الكبرى بنصبه لهم نوابا في قوله المروي مسندا في غيبة الشيخ الطوسي ((واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم وانا حجة الله)) فقوله (ع) ((فانهم حجتي عليكم)) استنابة منه (ع) للفقهاء. وهل يتعقل ان يكون لله حجتان بالاصل في عرض واحد بالفعل، بان يكون الحجة في غيبته حجل بالاصل، ومنتخب الامة حجة اخرى بالاصل ولكن بالانتخاب لا بالنيابة عنه، ومن هنا كان دأب فقهاء الامامية على ضوء مبدأ النص والتعيين ان ولاية الفقيه مستمدة منه (ع) وعجل الله فرجه الشريف في الغيبة لا انها للفقيه بالاصالة مع خلعه (ع) عن ذلك المنصب. هذا ولا يغفل عن ان سبب عدم تقلده (عج) زمام الامور والحك وعدم الظهور هو المذكور في قوله (ع) ((لو كنتم على اجتماع من امركم لعجل لكم الفرج)) ولذلك قال السيد المرتضى والخواجة وغيرهما ان سبب غيبته منا. نعم اذا أمكن ان تخلو الارض من الحجة المعصوم، وان يترك الله البشر وحالهم مع قوانين دينه على اوراق وتكون يد الله مغلولة ـ والعياذ بالله تعالى ـ امكن حينئذ ذلك الاحتمال والجمع المزعوم بين الادلة. ومن الطريف ان الدعوى المزبورة تذعن في طياتها بشروط في المرشح بالانتخاب من الفقاهة والكفاءة والامانة العدالة والضبط وسلامة الحواس الى غير ذلك من الشروط التي لا تتوفر بنحو الاطلاق والسعة وبنحو الثبات الذي لا تزلزل فيه الا في المعصوم (ع)، وكأن ذلك أوْبٌ الى النص مرة أخرى، اذ الاشتراط في جذوره تعيين. نعم نصبه (عج) للفقهاء كنوّاب بالنيابة العامة قد استفيد منه من قوله ((فارجعوا)) الايكال للامة في اختيار احد مصاديق النائب العام الجامع للشرائط ولا يعني ذلك أن النصب بالاصالة من الامة بالذات، بل منه (عج) بالاصالة ومن الامة بتبع ايكال وتولية المعصوم لها، كما هو الحال في القضاء والافتاء عند التساوي في الاوصاف. ولا يتوهم ان تولية الامة ذلك يلزمه امكان توليتها السلطة على نفسها بالاصالة من الله تعالى في اختيار خليفة الله في ارضه، اذ بين المقامين فيصل فاصل وفاروق فارق، حيث انه لا بد من العصمة في قمة الهرم الاداري للمجتمع دون بقية درجات ذلك الهرم، اذ بصلاح القمة يصلح مجموع الهيكل. كما لا يتوهم انه حيث لابد للناس من امير برّ او فاجر تدار به رحى ادارة النظام الاجتماعي البشري وهاذ اللابدية والضرورة العقلية التي نبه عليها علي (ع) في النهج تقتضي تنصيب الامير على الناس بمقتضى تلك الضرورة بالذات بالاصالة من دون حديث النيابة عن المعصوم. وجه اندفاع التوهم: ان الضرورة العقلية تقتض الزعيم، أما شرائط كونه امير برّ لا فارج هو كون امارته من تشريع الله تعالى واذنه اذ الولاية لله تعالى الحق، والامارة تجري على يد الفرد البشري المخول منه تعالى في ذلك. ولذلك ترى أن عدة من الفقهاء ((قدس الله اسرارهم)) استدلوا بتلك الضرورة في الكشف عن اذنه وتنصيبه للفقهاء باعتبار انهم الدر المتيقن، او غير ذلك من التقريبات المذكورة في كلماتهم. وبذلك ننتهي الى ان الاية هي في صدد الاشادة بصفة ممدوحة مهمة في المؤمنين وهي عدم الاستبداد بالرأي، واعتماد العقل المجموعي في استخراج الرأي الصائب وفتح الافق امام الخبرات في استعلام جودة الفكر والرأي، واما اين هي منطقة السلطة الجماعية واين هي منطقة السلطة الفردية ومن هو ومن هم فذلك يتم استكشافة من مبدأ السلطات وهو الله تعالى ومن ثم رسوله (ص) وخلفائه المعصومين، بالوقوف على حدود نصوص الجعل والتنصيب كما ذكرنا لذلك مثالا في النائب العام والقاضي والمفتي. والمهم التركيز على هذه الجهة في لاية ان مادة الشورى هي لاستطلاع الراي الصائب والمداولة مع بقية العقول، وفرق بين استطلاع رأي الاخرين وبين جمع ارادة الاخرين، فالاول هو موازنة بين الافكار والاراء من المستطلع والمستشير، والثاني سلطة جماعية، فلا يمكن اغفال التباين الماهوي بين الفكر والارادة، وان الشركة في الاول لا تعني الشركة في الثاني بتاتا. فالتوصية في الاية هي في اعتماد التلاقح الفكري في اعداد الفكرة، اما محلة البتّ والعزم والارادة فلا نظر إليها من قريب ولا من بعيد، ومجرد اضافة الامر الى ضمير الجماعة لا يعني كونها في المقام الثاني، بعد كون مادة المشورة صريحة في المقام الاول. بل غاية ذلك هي أهمية اعتماد المفاوضة في استصواب الرأي في الموضوعات التي تخص وتتعلق بمجموعهم، هذا لو جمدنا على استظهار الموضوع المتعلق بالمجموع من لفظة (امرهم)، ولم نستظهر معنى الشأن من الامر ـ كما استظهره كثير من المفسرين ـ أي بمعنى شأنهم وعادتهم ودأبهم على عدم الاستبداد بالرأي واعتماد طريقة الاستعانة بالمستشارين. ونكتة الاضافة الى ضمير الجماعة هي وحدة سوق الافعال في الايات كما في ((أقيموا الصلاة)) ((ومما رزقناهم ينفقون)) ((ويجتنبون كبائر الاثم))، وما لفظة (بينهم) فهي ظرف لغو متعلق بمادة الشورى لكونها مداولة بين الآراء ومفاوضة لا تقل عن كونها بين اثنين، فهي فعل بينيُّ وفيما بينهم.
مفاد آية القضاء وأما قوله تعالى: ]ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً[، فليس مورد نزوله في فصل الخصومة والنزاع ـ كما ادعى ـ بل مورد نزوله هو في زينب بن جحش وعبدالله أخيها عندما أراد رسول الله (ص) تزويجها من زيد بن حارثة فأبيا وأنكرا ذلك فنزلت الآية، فأطاعا وقبلا الزواج من زيد، فمفاد قوله (إذا قضى) أي إذا أوجب الله ورسوله أمر وألزماه وحكماه به ان يكون لهم الخيرة والإختيار من أمرهم على إختيار الله تعالى فليس لأحد مخالفته وتركه، فهي ليست خاصة بمورد الخصومة. وكذلك الحال في نصب الله ورسوله عليّاً (ع)، إلاّ أنّ الخصم حيث يتدين بنظرية العقد في القانون الوضعي ـ والتي تقدم ان قائليها لم يسلموا بها مطلقاً ـ يحاول إنكار كل ما فيه دلالة على انّ مبدأ الولاية والسلطة هو الله تعالى وأنّ منه تتشعب الولايات. ثم من الغريب قوله بأنّه من الطبيعي خلافة الثانية بعد الأول لأنّه كان وزيراً له، مع الإعتراف بأنّ علياً (ع) كان وزيراً لرسول الله (ص) ( ) ولكن ليس من الطبيعي والقانوني كونه خليفة بعد رسول الله (ص)!!!
انكاره استخلاف علي (ع) على الامة وأمّا إنكاره لوصيّة رسول الله (ص) باستخلاف عليّ (ع) على الاُمة، لأنّ الاُمة لم تمكله الحكم الابدي، فهو مبني على القاعدة الوضعية القائلة بأنّ مبدأ السلطات هو السلطة الفردية، وقد تقدم أنّ كبار فقهاء القانون الحديث اعترفوا بخطأ اطاق القاعدة وعموميتها وأنّه لابدّ من تحكيم المذهب والقضاء العقلي عليها. مع تقدّم من انّ البيعة لأجل الإستحكام لا لأصل نصب الحاكم لأنّ اللزوم متفرع ومترتب على الصحة. وكيف يسوغ الإنكار المذكور مع قوله تعالى: ]وإذا ابتلى ابراهيم ربه كلمات فأتمهن قال إنّي جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين[ وواضح لو كنّا نحن والآية أن ابراهيم قد كان نبيّاً رسولاً قبل أن يكون إماماً، إذ فيها تصريح بمخاطبة الله تعالى لإبراهيم بالقول الذي فيه البشارة بجعله إماماً للناس، ويعلم من ذلك أنّ الإمامة للنّاس مقام غير مقام تبليغ وحي الله وأحكامه ودينه، وأنّه أخطر من مقام النبوة والرسالة لأنّ الله ما اكتفى عن الإبتلاء والإمتحان الخاص لإعطاء الإمامة. وقد استثنى الله تعالى من طلب إبراهيم من هو ظالم من ذريته( )، وهذا ليس ملكاً وراثياً على نسق الملكية الفاسدة الوضعية، بل هو مطابق لقوله تعالى: ]إنّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم[ فهو بسبب طهارة المعدن والمنبت والأرض الطيبة تخرج نباتاً طيباً. ]أم يحسدون الناس على مآءاتهم الله من فضله فقد ءاتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمة واتيناهم ملكا عظيماً[. وقوله: ]وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إنّ ربك حكيم عليم، ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلاًّ هدينا ونوحاً هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين، وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين وإسماعيل واليسع ويونس ولوطاً وكلاًّ فضّلنا على العالمين ومن آبائهم وذريّاتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون، أُولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكمَ والنبوة فإن يكفر هؤلاء فقد وكّلنا بها قوم ليسوا بها بكافرين اُولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا اسئلكم عليه أجراً إن هو إلاّ ذكرى للعالمين[( ). فأثبت الله في ذريته العلم والحكم والنبوة وهي ثابتة لمحمد وآل محمد (ص) بالإلتفات إلى الاية الاخيرة مع ضميمة ]قل لا اسألكم عليه أجراً إلاّ الموّدة في القربى[ و]قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ من شاء أن تخذ إلى ربّه سبيلاً[. وكذلك قوله تعالى: ]وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم[، وقوله: ]الولاية لله الحق[، وقوله:]إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون[، وقوله تعالى: ]إنّ الله قد بعث لكم طالوت ملكاً قالوا أنّى يكون له الملك ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إنّ الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم[.
وحدت مقامات الائمة (ع) ثم إنّه من الغريب الإعتراف بأنّ الحجة صاحب العصر والزمان (عج) له منصب التصرف والتنفيذ والحكومة شرعاً بغض لانظر عن البيعة، دون بقية الأئمة (عليهم السلام) مع أنّ تنصيص القرآن والنبي (ص) عليهم وعلى مقاماتهم بحكم واحد، وكيف ارتضى النص في الحجة (ع) مع أن البيعة ستقع له أيضاً، فماذا معنى البيعة حينئذٍ إلاّ استيثاق لا أنّها نصب وتعيين. والإعتراف بكلامه (ع) ((محلّي منها محل القطب من الرحى، ينحدر عني السيل ولا يرقى الي الطير)) بأنّ المفروض على الاُمة انتخابه وبيعته وإنّ طريقها إلى غيره هو طريق معوّج ملتّف،وأنّ بيعة الاوّل فلتة، هذه هو الإعتراف بالنصّ على عليّ (ع) ونصبه، إذ ما معنى الوجوب الشرعي لبيعة الاُمّة الإسلامية لشخص هو عليّ (ع) لا غيره وإنّ إقدامها على بيعة غيره باطل معوّج ملتفٌ عن الحق، فالبيعة على هذا الوجوب وظيفتها هو تأكيد التوثيق والعهد بالعمل بالنص والتعيين نظير النذر المتعلق بصلاة الظهر الواجبة. أمّا إحتياج السلطة الغاصبة إلى عليّ (ع) وتحيده بمضي ثماني سنوات من حكم الثاني( )، فتحديده بذلك مغالطة يكذّبها الجوامع الروائية بين الفريقين إذ الأوّل منذ بدايات أياّمه التجأ إليه(ع) في مواجهة ما ينوبه من ورطات في تدبير الحكم والأقضية والحدود والردّ على علماء اليهود والنصارى حتى بدى واشتهر عجزه فقال: ((أقيلوني أقيلوني فلست بخيركم وعليُّ فيكم)، وكذا قال الثاني (لولا علي لهلك عمر) ( ).
الاستخفاف بصلاة علي (ع) ويالها من شنشنة الإستخفاف بصلاته (ع) ألف ركعة كل ليلة، وتسمية الإستعداد لمواجهة البيعة الباطلة للأوّل والثاني تسميته بالمؤامرة، وتسمية استعداد سلمان وعمّار والمقداد لمبايعة عليّ (ع) إذا مضى الثاني بالمؤامرة، وتصوير الثاني بالحلم عن ذلك. وأمّا الأنبياء والأوصياء بعد النبي موسى (ع) فقد تقدم ف يحيى وعيسى في آيات سورة الأنعام أنهم اُعطوا الكتاب والحكم والنبوّة، ويشير إليه أيضاً قوله تعالى: ]ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مريّة من لقائه وجعلناه هدى لبني اسرائيل وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقون[، وقال تعالى من نبأ موسى وفرعون ]ونُريد أن نمّن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونُمكّن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون[. ومن الغرابة انكاره كون عيسى (ع) من اولي العزم( ) الاتي بشريعة ناسخة اجمالا، مع ان الايات العديدة كقوله تعالى ]شرع لكم ما وصى به نوحا والذي اوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا[ المشير الى كون الخمسة هم أصحاب شريعة كل بعد الاخر، والى ذلك تصرح العديد من الروايات. ومن الحيل دعوى اشتباه كل من الكيان السني وكذا الشيعي عبر ثلاث عشرة قرنا، ثم بعد ذلك الإلتزام بمسلك العامة القائلين بأنّ الخلافة بالبيعة وأنّ الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) ما هم إلاّ رواة أحكام، فهل هذا إلاّ تصحيح لكيان السنة والتحامل على الكيان الشيعي.
عقائد الشيعة وحي إلهي ومن الفظيع القول بأنّ الكيان الشيعي والإعتقاد الاثني عشري هو من تلفيق علماء الشيعة في الغيبة الصغرى والكبرى، فهل عميت العيون والقلوب عن النصوص القرآنية في إمامة أهل البيت (عليهم السلام) والنصوص النبوية من طرق العامة، وهل صمّت الآذان عن صوت السير التاريخية المتواترة والمستفيضة في فضائلهم وكمالاتهم وعلمهم وأسبقيتهم على أفراد المجتمعات البشرية في كل خصلة حسنة ومنقبة باهرة تؤهلهم لزعامة البشرية. وأما المنهج الذي يسلكه الباحث في تحرّي الحقيقة فاللازم اتباع موازين محررّة قد ثبت صحتها من علوم عقلية ونقلية سواء من علم الكلام أو اُصول الفقه أو المنطق أو الفقه أو القانون أو اللغة وعلومها وقوانين المحاورة، وأمّا اتباع منهج القصّاصة الذين يتبعون ما يستظرفون من أنس الحكايات وسمر الليالي للتقنّع بها لبث فكر مدرسة السقيفة، فهو خبط وتخليط.
لا للفكر الكنيسي وأما قوله بأنّ النبي يوسف (ع) عبداً خادماً بحسب ميزان القانون مع كونه نبيّاً، وأنّ النبوة والوصاية أمر بين النبي أو الوصي وربّه لا علاقة له بمكانتهما ومقامهما في المجتمع، فهذا يفوح منه رائحة الفكر الكنيسي المسيحي القائل ((ما لله لله وما لقيصر لقيصر)) الذي يعزل الدين عن كونه منهجا وقانونا اجتماعيا وسياسيا، حيث يذهبون إلى أن الدين ما هو الا علاقة الانسان بينه وبين ربّه، وأمّا علاقته مع أفراد المجتمع فلا ربط للدين بذلك بل المتبع فيه السنن الوضعية لعقول البشر. وهو بعينه منهج فرقة المرجئة الذين صنعتهم دولة بني أمية لتبرير فساد سلطانهم وهدمهم للدين بمنطق لزوم الوفاء بالبيعة للسلطان وان كان فاسقا فاجرا، وهو رقدة المجتمعات السنية عن حكوماتها الظالمة.
لم يكن يوسف بعدا مملوكا ومن التهتك القول بان يوسف النبي كان في الحقيقة عبدا خادما، اذ كيف يصحح استعباد النبي يوسف (ع) ألم يقرع سمعه الآيات من سورة يوسف التي بتين مؤامرة اخوته وبيعهم له ظلماً وحسداً كما هو قول أكثر المفسرين، أو أن الذين أخرجوه باعوه وكتموا أمره، والكل متفق على أنّ ثمنه حرام لأنّه ثمن حرٌ، وكان الذين اشتروه من الزاهدين في شرائه لأنّهم وجدوا علامة الأحرار وأخلاق أهل البر والنبل فلم يرغبوا فيه مخافة أن يلحقهم تبعة في استعباده أو لأنه لقطة وليس ببضاعة. وأمّا أنّ الله تعالى لا يدبّر تكوينا بالمعجز لوصول الأنبياء والأوصياء لسدة الحكم في كل مراحل الوصول، فهذا لا يعني أنّ الجعل القانوني الاعتباري الشرعي من الله تعالى المتعلق بمقامهم ومكانتهم في المجتمع ليس هو جعلهم أئمة وقائدة قانونيين للمجتمع ونصبه تعالى لهم زعماء وساسة لعباده. مضافا الى انه يقر بان قدرة سليمان (ع) ليست عادية بل خارقة للطبيعة، فهل هذا إلاّ مدد رباني، وهل دعوة سليمان (ع) لبلقيس ومجتمع اليمن كان بالتخيير والبيعة!!! وكما هو الحال في كل موارد الدعوى والجهاد الإبتدائي المتفق عليه بين المسلمين أجمع.
الولاية التشريعية لله وما المراد من القول إنّ الله لا يفرض قانونه على البشر هل هو عدم قسرهم تكويناً عليه فهذا صحيح، ولكن لا ربط له بعدم تقنين الله تعالى منصب الزعامة للمعصومين، أو ان المراد من عدم الفرض ان الله تعالى سوغ لهم الاختيار كيفما يشاؤون في التقنين، فهذا يناقض انه قنن لهم قانونا والزمهم تشريعا به. وأمّا أن النبي (ص) وعلي (ع) والحسن (ع) لم ينفذوا الأحكام إلاّ بعد البيعة وأنّ النظام الإسلامي قائم على البيعة وكذلك الحسين (ع) لم يخرج إلى كربلاء إلاّ بعد أن بويع م أهل الكوفة. فهذا لو سُلّم فلا دلالة له على عدم التعيين والنصب كما أخبرتنا بذلك عشرات النصوص القرآنية ومئات النصوص النبوية المتواترة، التي مضى الكلام عنها، وإنما كان أخذهم البيعة لزيادة إستيثاق وتغليظ في تعهّد الناس بالنصب والتعيين، ولذلك كان مضمون البيعة له (ص) بالشهادة بأنّه رسول الله حقّاً وبالنصرة له لإقامة الدين الذي أمر بإقامته. وكذلك الحال في البيعة لعلي (ع) والحسن والحسين (عليهما السلام) فقد تضمنت الشهادة لهم (عليهم السلام) بالوصيّة من النبي (ص) وبالشهادة بالعصمة وبالأحقيّة لهم، ولذلك لم تكن البيعة من كل الاُمة من رؤسها والوجهاء والنخبة، فلو لم يكن النصب قبل البيعة كيف يلزم من لم يبايع وإنّما هي لإحكام العمل بالنص. ولذلك قال 0ع) في النهج: ((إنّما البيعة للمهاجرين والأنصار)) فخصّها بهم دون غيرهم ودون الطلقاء لكونهم عيون الأمة، فليس فلسفة وتقنين البيعة ناشئا من سلطة الأفراد ونقلها للمبايع وإلاّ لوجب أن تكون من الكل، لأنّ من لم يبايع لم ينقل سلطته على ذلك المسلك، وأمّا المسلك الصحيح فهو غنّ الولاية لله الحق، ومنه تتشعب باقي الولايات.
------------------ البحراني
|
محمد منصور
|
حتى لا يصبح حوارنا حوار طرشان او جدلا عقيما الأخ العزيز محمد منصور المحترم تحية طيبة وبعد فقد وردت في تعليقكم على موضوع الشورى نظرية اهل البيت تحت عنوان نقد الخطأ المنهجي لأحمد الكاتب حول نظرية الشورى نقاط لم ترد في حواراتنا السابقة مثل الحديث عن صلاة الامام علي الف ركعة كل ليلة او ان النبي عيسى من أولى العزم او النبي يوسف كان عبدا خادما وما الى ذلك ولم افهم هذه الفقرات لأنا لم نقترب من الحديث عنها ، فهل نقلتم تلك المقالة على عجل من مكان آخر لا علاقة له بالموضوع دون ان تقرأوه بدقة ؟ وهل هو من القص واللصق ؟ أم ماذا؟ أرجو توضيح المسالة او سحب المقال سألتكم فيما اذا كنتم من الإخباريين او الأصوليين وهل تؤمنون بالتسليم لكل ما ورد عن اهل البيت من دون تحقيق أم لا؟ ولم أسمع ردكم بوضوح وأسألكم : ما هو مفهومكم للتواتر؟ وكيف تصفون رواية بالتواتر كرواية ان المهدي هو ابن الحسن العسكري علما بأن الشيعة الامامية وغير الامامية اعتقدوا بمهدوية عدد من الأئمة السابقين كالإمام علي وابنه محمد بن الحنفية والإمام الباقر والإمام الصادق والإمام موسى الكاظم والإمام الحسن العسكري وغيرهم من الأئمة وهل يجوز اعتبار رواية متواترة مع وجود روايات كثيرة في مقابلها وعدم اجماع الشيعة عليها. أرجو قبل ان تحكموا على رواية بالتواتر بسهولة ان تلاحظوا الروايات المضادة لها وتراجعوا بالخصوص فصل الحركات المهدوية الشيعية السابقة التي بلغت حوالي العشرين حركة والتي كانت تعتقد بمهدويات أئمة آخرين. اعتقد انك لا تحتاج الى الذهاب الى طبيب نفساني متخصص ولا الى تصور انك تحاور طفلا في مدرسة ابتدائية او في الروضة ، وانما عليك ان تعيد قراءة الموضوع السابق مرة اخرى بشيء من التأني والروية لتدرك ان قولي : "ان الايمان بالأئمة السابقين او الأنبياء لا يتوقف على الايمان بإمامتهم او نبوتهم " كان تعقيبا على قولك العجيب الغريب: ان الايمان بوجود المهدي في الخارج يتوقف على الايمان بكبرى الامامة او نظرية الامامة ، والا فان من الصعب إثبات وجود الامام الثاني عشر كما قال السيد المرتضى علم الهدي الذي أيدته في قوله هذا. وقلت لك بوضوح ان الايمان بوجود الأنبياء والأئمة السابقين لا يتوقف على الايمان برسالتهم فان الملحدين والمشركين واليهود والنصارى يؤمنون بوجود النبي محمد (ص) وكذلك يؤمنون بوجود الامام علي والإمام الحسن والحسين وسائر الأئمة الآخرين الذين لا يشك أحد بوجودهم وان كان يعتقد او لا يعتقد بإمامتهم ، ولذلك لا يتوقف أحد ليسأل عن تاريخ ولادتهم ومكانها وظروفها لأنهم كانوا أشخاصا ظاهرين يعترف بوجودهم التاريخ ولا يشك بهم أحد ، على العكس من مسألة وجود الامام الثاني عشر الذي يشك الشيعة أنفسهم بوجوده وقد فتش الكثير منهم عنه ولم يجدوا له أثرا . واذا كنت تتفق مع السيد المرتضى ان من الصعب إثبات وجود الامام الاثني عشر من دون الايمان بنظرية الامامة أولا ، فانك تعترف بضعف كل الروايات التي أوردتها لاثبات ولادته ووجوده إذ انها لا ترقى الى مستوى إثبات وجود شخص الامام الثاني عشر بصورة مستقلة لمن يؤمن بإمامته ومن لا يؤمن بها وهذا هو جوهر كلامي حيث أقول ان الدليل الأول والأقوى على وجود الامام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري هو دليل نظري اعتباري عقلي - وسمه ما شئت – وانه كان فرضية فلسفية وليس دليلا تاريخيا يمكن إثباته لكل أحد في العالم. وان فرضية المهدي مربوطة بحبل السرة بنظرية الامامة فاذا قطعنا هذا الحبل لا تبقى اية حياة او أي معنى لنظرية الامامة ولا لفرضية وجود المهدي. وقد حاولت وحاول غيرك إثبات نظرية الامامة أولا ثم الوصول من خلالها الى إثبات وجود الامام الثاني عشر ثانيا تبعا للنظرية الاولى. وقد تجنبت الخوض في بحث الأدلة التاريخية حتى الآن لأنك تعرف انها أسطورية وضعيفة ولا ترقى إلى مستوى خبر الآحاد فضلا عن التواتر او الصحة. أقول ان هذا منطق معكوس في إثبات الأمور إذ علينا أولا ان نثبت وجود الامام محمد بن الحسن العسكري ثم نثبت له صفة الامامة او نعطيه الرقم الثاني عشر ، واذا لم نستطع إثبات وجوده بصورة علمية تاريخية مستقلة فعلينا ان نعيد النظر في فهم او صحة كثير من النظريات التي كنا نؤمن بها ، لا ان نفترض وجود انسان بالرغم من نفي أبيه له في الظاهر وندعي ولادته في السر ثم نفترض وجود الأجواء الإرهابية الضاغطة لنبرر الغيبة الطويلة المتعارضة مع فلسفة الامامة. ولا يفيد بعد ذلك التشبث بأقوال بعض علماء السنة الذين يذكرون ان المهدي هو محمد بن الحسن العسكري ، خاصة اذا كانوا يتأخرون عن زمن العسكري بقرون كابن عربي الذي توفي في 638 او عبد الوهاب الشعراني الذي توفي في 973 او محمد بن طلحة الشافعي الذي توفي في 652 او سبط ابن الجوزي الذي توفي في 654 او الآخر الذي توفي في 855 دون ان نسألهم على ما ذا بنوا قولهم؟ وما هو سند روايتهم؟ وهل يعتقدون بذلك أم يروون عن الشيعة واذا كان المتكلمون الاثني عشرية لم يستطيعوا ان يثبتوا ولادة ابن الحسن للشيعة أنفسهم فكيف يجوز ان نعتمد على قول آخرين بدون مناقشة؟ وحسبما علمت من رسالتك السابقة انك تسلم للأخبار الواردة عن اهل البيت ولست ادري هل انك تسلم للأخبار الواردة عن غيرهم هكذا ايضا بدون مناقشة؟ وهل هذا من منهج الإخباريين القدماء أو المحدثين؟ واخيرا أرجو منك عندما تتحدث عن الشيعة ان تميز بين عموم الشيعة و الامامية و الاثني عشرية ولا تخلط بين الأسماء فبينها عموم وخصوص . وحديثنا كما تعرف يدور حول الاثني عشرية فلا يجوز ان تقول مثلا : هل ان الطائفة الامامية اختلقت أحاديث المهدي ابن الحسن واحسب ان الحوار بيننا أخذ يقترب من حوار الطرشان ويدخل في خانة الجدل العقيم وحتى نخرج من هذه المشكلة أرجو منك الإجابة على بعض الاسئلة 1- ماهو الدليل الأقوى على وجود وولادة الامام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري؟ 2- هل هو الدليل النظري؟ أم الدليل التاريخي؟ 3- ماهو رأيك بالأدلة التاريخية ؟ وهل فحصتها وتأكدت منها؟ وهل تعتبرها صحيحة؟ 4- هل يمكن لأي أحد لا يؤمن بنظرية الامامة او لا يؤمن بضرورة الوراثة العمودية من بقية الشيعة او سائر المسلمين ان يتوصل الى الاقتناع بوجود ابن الحسن؟ ولماذا قال السيد المرتضى ان ذلك صعب؟
|
أحمد الكاتب
|
|
الشورى عند آل البيت
اخوتي في الله اقدم لكم موضوع حول الردود على الشبهات فيه ما يثلج الصدر
بخصوص كذبة تعيين الرسول صلى عليه وسلم لعلي ابن ابي طالب رضي الله عنه واحقيته بالخلافة ..............
الشورى نظرية أهل البيت
كانت الأمة الإسلامية في عهد الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه وبعد وفاته وخلال العقود الأولى من تاريخ الإسلام تؤمن بنظام الشورى وحق الأمة في اختيار ولاتها، وكان أهل البيت في طليعة المدافعين عن هذا الإيمان والعاملين به، وعندما أُصيبت الأمة بتداول السلطة بالوراثة وإلغاء نظام الشورى، تأثر بعض الشيعة بما حدث فقالوا رداً على ذلك: بأحقية أهل البيت بالخلافة من الأمويين وضرورة تداولها في أعقابهم، ولكن هذه النظرية لم تكن نظرية أهل البيت أنفسهم ولا نظرية الشيعة في القرن الأول الهجري.
وبالرغم مما يذكره الإماميون من نصوص حول تعيين النبي صلوات الله وسلامه عليه للإمام علي بن أبي طالب كخليفة من بعده، إلا أنّ تراثهم حافل بنصوص أخرى تؤكد التزام الرسول الكريم وأهل بيته بمبدأ الشورى وحق الأمة في انتخاب أئمتها.
تقول رواية يذكرها الشريف المرتضى - وهومن أبرز علماء الشيعة في القرن الخامس الهجري - إنّ العباس بن عبد المطلب خاطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في مرض النبي عليه الصلاة والسلام أن يسأله عن القائم بالأمر بعده، فإن كان لنا بينه وإن كان لغيرنا وصى بنا، وإنّ أمير المؤمنين قال: (دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين ثقل، فقلنا: يا رسول الله…استخلف علينا، فقال: لا، إني أخاف أن تتفرقوا عنه كما تفرقت بنواسرائيل عن هارون، ولكن إن يعلم الله في قلوبكم خيراً اختار لكم. (23)
ويروي الكليني في الكافي نقلاً عن الإمام جعفر الصادق: أنه لما حضرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الوفاة دعا العباس بن عبد المطلب وأمير المؤمنين فقال للعباس (يا عم محمد…تأخذ تراث محمد وتقضي دينه وتنجز عداته؟ …فرد عليه فقال: (يا رسول الله بأبي أنت وأمي إني شيخ كبير كثير العيال قليل المال من يطيقك وأنت تباري الريح، قال: فأطرق هنيهة ثم قال: (يا عباس أتأخذ تراث محمد وتنجز عداته وتقضي دينه؟ …فقال كرد كلامه…قال: (أما إني سأعطيها من يأخذها بحقها، ثم قال: (يا علي يا أخا محمد أتنجز عدات محمد وتقضي دينه وتقبض تراثه؟ فقال: (نعم بأبي أنت وأمي ذاك عليّ ولي. (23)
وهذه الوصية كما هوملاحظ وصية عادية شخصية آنية، لا علاقة لها بالسياسة والإمامة والخلافة الدينية، وقد عرضها الرسول في البداية على العباس بن عبد المطلب فأشفق منها وتحملها أمير المؤمنين طواعية، ولوكان فيها إشارة ولومن بعيد إلى الإمامة لما عُرضت أصلاً على العباس قبل علي بن أبي طالب.
وهناك وصية أُخرى ينقلها المفيد في بعض كتبه عن الإمام علي ويقول أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أوصى بها إليه قبل وفاته، وهي أيضاً وصية أخلاقية روحية عامة، وتتعلق بالنظر في الوقوف والصدقات. (72)
وإذا ألقينا بنظرة على هذه الروايات التي يذكرها أقطاب الشيعة الإمامية كالكليني والمفيد والمرتضى، فإننا نرى أنها تكشف عن عدم وصية رسول الله للإمام علي بالخلافة والإمامة، وترك الأمر شورى، وهوما يفسر إحجام الإمام علي عن المبادرة إلى أخذ البيعة لنفسه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالرغم من إلحاح العباس بن عبد المطلب عليه بذلك، حيث قال له: (امدد يدك أبايعك، وآتيك بهذا الشيخ من قريش - يعني أبا سفيان - فيُقال: (إنّ عم رسول الله بايع ابن عمه) فلا يختلف عليك من قريش أحد، والناس تبع لقريش) فرفض الإمام علي ذلك. (34)
شعور بالأحقية بالخلافة لا أكثر
ويجمع المؤرخون الشيعة على أنّ الإمام علي بن أبي طالب امتعض من انتخاب أبي بكر الصدّيق في البداية، وأمسك يده عن البيعة وجلس في داره لفترة من الزمن، وأنه عقّب على احتجاج قريش في (سقيفة بني ساعدة) بأنهم شجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالقول: (إنهم احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة) (32)
ويذكر الشريف الرضي في (نهج البلاغة) أنّ الإمام اشتكى من قريش ذات مرة فقال: (اللهم إني أستعديك على قريش ومن أعانهم فإنهم قد قطعوا رحمي وأكفؤوا انائي، وأجمعوا على منازعتي حقاً كنت أولى به من غيري (76)) (29)
وبالرغم من شعور الإمام علي بالأحقية والأولوية في الخلافة كما شهدت بذلك النصوص السابقة إلا أنه عاد ليبايع أبا بكر وليضع كفه على كف أبي بكر وذلك عندما أرسل إلى أبي بكر أن يأتيه، فأتاه أبوبكر فقال له: (والله ما نفسنا عليك ما ساق الله إليك من فضل وخير، ولكا كنا نظن إنّ لنا في هذا الأمر نصيباً استبد به علينا) وخاطب المسلمين قائلاً: (إنه لم يحبسني عن بيعة أبي بكر إلا أن أكون عارفاً بحقه، ولكنا نرى أنّ لنا في هذا الأمر نصيباً استبد به علينا) ثم بايع أبا بكر، فقال المسلمون: أصبت وأحسنت. (34)
أما الخطبة الشقشقية فإن صحت فهي لا تخرج مقدار أنملة عما ذهبت إليه النصوص السابقة، فإنّ اقرار الإمام علي كان مع إحساس داخلي في نفسه يراوده بأنه أحق بالخلافة من غيره لقرابته من رسول الله لا أكثر، ولذا كان يعبر عما في خاطره قائلاً (أما والله لقد تقمصها فلان وأنه ليعلم: إنّ محلي منها محل القطب من الرحى، بنحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير…) (29)
وفي هذه الخطبة وغيرها يشير الإمام علي إلى أولويته بالخلافة وأحقيته بها وأنّ أهل البيت هم الثمرة إذا كانت قريش هي شجرة رسول الله، ولا يشير إلى مسألة النص عليه من رسول الله أوتعيينه خليفة من بعده من قريب اوبعيد، وينقل الكليني رواية عن الإمام محمد الباقر فيها: إنّ الإمام علي لم يدع إلى نفسه وأنه أقر القوم على ما صنعوا وكتم أمره. (48)
وإذا كان حديث الغدير يعتبر أوضح وأقوى نص من النبي في حق أمير المؤمنين علي فإنّ كبار علماء الشيعة الإمامية الأقدمين كالشريف المرتضى يعتبره نصاً خفياً غير واضح بالخلافة، حيث يقول في الشافي: (إنّا لا ندّعي علم الضرورة في النص، لا لأنفسنا ولا على مخالفينا، وما نعرف أحداّ من أصحابنا صرح بادعاء ذلك) (23)
ولذلك فإنّ الصحابة لم يجدوا أنفسهم أمام نص يلزمهم باختيار الإمام علي دون غيره من الصحابة ولذلك اختاروا الشورى، وبايعوا أبا بكر كخليفة من بعد الرسول عليه الصلاة والسلام.
الإمام علي والشورى
ومما يؤكد كون نظام الشورى دستوراً كان يلتزم به الإمام علي وعدم معرفته بنظام الوراثة الملكية العمودية في أهل البيت، هودخوله في عملية الشورى التي أعقبت وفاة الخليفة عمر بن الخطاب، ومحاجته لأهل الشورى بفضائله ودوره في خدمة الإسلام وعدم إشارته مع ذلك إلى موضوع النص عليه أوتعيينه خليفة من بعد رسول الله، ولوكان حديث الغدير يحمل هذا المعنى لأشار إلى ذلك ولحاججهم بما هوأقوى من ذكر الفضائل.
لقد كان الإمام علي يؤمن بنظام الشورى، وأنّ حق الشورى بالدرجة الأولى هومن اختصاص المهاجرين والأنصار، ولذلك فقد رفض - بعد مقتل عثمان - الاستجابة للثوار الذين دعوه إلى تولي السلطة وقال لهم: ليس هذا إليكم…هذا للمهاجرين والأنصار من أمرّه أولئك كان أميراً.
وعندما جاءه المهاجرون والأنصار فقالوا: امدد يدك نبايعك (38). دفعهم، فعاودوه ودفعهم ثم عاودوه فقال: (دعوني والتمسوا غيري واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم…وإن تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم وأنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً)، ومشى إلى طلحة والزبير فعرضها عليهما فقال: من شاء منكما بايعته، فقالا: لا…الناس بك أرضى، وأخيراً قال لهم: (فإن أبيتم فإنّ بيعتي لا تكون سراً، ولا تكون إلا عن رضا المسلمين ولكن اخرج إلى المسجد فمن شاء أن يبايعني فليبايعني) (67)
ولوكانت نظرية النص والتعيين ثابتة ومعروفة لدى المسلمين، لم يكن يجوز للإمام أن يدفع الثوار وينتظر كلمة المهاجرين والأنصار متخلياً عن فرض من فروض الله، كما لا يجوز له أن يقول: (أنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً).
وهناك رواية في كتاب (سليم بن قيس الهلالي) (19) تكشف عن إيمان الإمام علي بنظرية الشورى وحق الأمة في اختيار الإمام، حيث يقول في رسالة له: (الواجب في حكم الله وحكم الإسلام على المسلمين بعدما يموت إمامهم أويُقتل…أن لا يعملوا عملاً ولا يحدثوا حدثاً ولا يُقدموا يداً ولا رجلاً ولا يبدءوا بشيء قبل أن يختاروا لأنفسهم إماماً عفيفاً عالماً ورعاً عارفاً بالقضاء والسنة). (87)
وعندما خرج عليه طلحة والزبير احتج عليهما بالبيعة وقال لهما: (بايعتماني ثم نكثتما بيعتي) ولم يشر إلى موضوع النص عليه من رسول الله، وكل ما قاله للزبير بعد ذلك فتراجع عن قتاله هوأن ذكره بحديث رسول الله (لتقاتلنه وأنت له ظالم).
وقال الإمام علي لمعاوية الذي رفض مبايعته: (أما بعد…فإنّ بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام لأنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار إذا اجتمعوا على رجل فسموه إماماً كان ذلك لله رضا، فإن خرج منهم خارج بطعن أوبدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى). (29)
إذن فقد كانت الشورى هي أساس الحكم في نظر الإمام علي، وذلك في غياب نظرية (النص والتعيين) التي لم يشر إليها الإمام في أي موقف.
والإمام علي يثير حقائق حول الشورى جديرة بالاهتمام حيث يجعل:
أولاً: الشورى بين المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبيدهم الحل والعقد.
ثانياً: اتفاقهم على شخص سبب لمرضات الله وعلامة لموافقته سبحانه وتعالى إياهم.
ثالثاً: لا تنعقد الإمامة في زمانهم دونهم، وبغير اختيارهم
رابعاً: لا يرد قولهم ولا يخرج من حكمهم إلا المبتدع الباغي المتبع غير سبيل المؤمنين.
ويتجلى إيمان الإمام علي بالشورى دستوراً للمسلمين بصورة واضحة، في عملية خلافة الإمام الحسن، حيث دخل عليه المسلمون، بعدما ضربه عبد الرحمن بن ملجم، وطلبوا منه أن يستخلف ابنه الحسن، فقال: (لا، إنا دخلنا على رسول الله فقلنا: استخلف، فقال: لا، أخاف أن تفرقوا عنه كما تفرقت بنوإسرائيل عن هارون، ولكن إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يختر لكم) وسألوا علياً أن يشير عليهم بأحد، فما فعل، فقالوا له: إن فقدناك فلا نفقد أن نبايع الحسن، فقال: لا آمركم ولا أنهاكم، أنتم أبصر) (45)
وقد ذكر الحافظ أبوبكر بن أبي الدنيا في كتاب (مقتل الإمام أمير المؤمنين) عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه قال: قلت: يا أمير المؤمنين، إن فقدناك ولا نفقدك نبايع الحسن؟ …فقال: ما آمركم ولا أنهاكم، فعدت فقلت مثلها فردّ علي مثلها. (39)
وذكر الشيخ حسن بن سليمان في (مختصر بصائر الدرجات) عن سليم بن قيس الهلالي، قال: سمعت علياً يقول وهوبين ابنيه وبين عبد الله بن جعفر وخاصة شيعته: (دعوا الناس وما رضوا لأنفسهم وألزموا أنفسكم السكوت) (32)
وقد كان الإمام علي ينظر إلى نفسه كإنسان عادي غير معصوم، ويطالب الشيعة والمسلمين أن ينظروا إليه كذلك، ويحتفظ لنا التاريخ برائعة من روائعه التي ينقلها الكليني في (الكافي) والتي يقول فيها: (إني لست في نفسي فوق أن أُخطئ ولا آمن ذلك من فعلي، إلا أنّ يكفي الله من نفسي ما هوأملك به مني). (23)
وقد قام الإمام أمير المؤمنين بالوصية إلى الإمام الحسن وسائر أبنائه ولكنه لم يتحدث عن الإمامة والخلافة، وقد كانت وصيته روحية أخلاقية وشخصية، أوكما يقول المفيد في الإرشاد: إنّ الوصية كانت للحسن على أهله وولده وأصحابه، ووقوفه وصدقاته. (23)
وتلك الوصية كالتالي: (هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب: أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولوكره المشركون، ثم إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، بذلك أمرت وأنا من المسلمين، ثم إني أوصيك يا حسن وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي: أن تتقوا الله ربكم (ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) فإني سمعت رسول الله يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامة الصيام والصلاة، وإنّ المعرّة حالقة الدين فساد ذات البين، ولا قوة إلا بالله، انظروا ذوي أرحامكم فصلوهم يهون عليكم الحساب، والله الله في الأيتام فلا تغبّبون أفواهم، ولا يضيعون بحضرتكم، والله الله في جيرانكم، فإنهم وصية رسول الله ما زال يوصينا بهم حتى ظننا أنه يوّرثهم، والله الله في القرآن أن يسبقكم في العمل به غيركم، والله الله في بيت ربكم، لا يخلونّ ما بقيتم، فإنه إن خلا لم تناظروا، والله الله في رمضان فإنّ صيامه جنة من النار لكم، والله الله في الجهاد في سبيل الله بأيديكم وأموالكم وألسنتكم، والله الله في الزكاة فإنها تطفئ غضب الرب، والله الله في ذمة نبيكم، فلا يُظلمنّ بين أظهركم، والله الله فيما ملكت أيمانكم، انظروا فلا تخافوا في الله لومة لائم، يكفكم من أرادكم وبغى عليكم (وقولوا للناس حسناً) كما أمركم الله، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولّي عليكم شراركم ثم يدعوا خياركم فلا يُستجاب لهم.
عليكم يا بني بالتواصل والتباذل، وإياكم والتقاطع والتكاثر والتفرق (وتعاونا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، واتقوا الله إنّ الله شديد العقاب) حفظكم الله من أهل بيت، وحفظ نبيكم فيكم، استودعكم الله، أقرأ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته). (23)
ولذلك لم تلعب هذه الوصية القيّمة الروحية والأخلاقية أي دور في ترشيح الإمام الحسن للخلافة، لأنها كانت تخلومن الإشارة إليها، ولم تكن تُشكل بديلاً عن نظام الشورى الذي كان أهل البيت يلتزمون به كدستور للمسلمين.
مبايعة الإمام علي لأبي بكر وعمر حجة دامغة
ولقد علل مشايخ الشيعة بيعة علي لأبي بكر وعمر بتعليلات أهمها:
التعليل الأول: أنّ بيعته كانت خوفاً على الإسلام من الضياع ومما يُبطل هذا التعليل أنّ عصر الإسلام في عهد عمر وعثمان كان عصراً ذهبياً امتدت فيه الخلافة من الشرق حتى بخارى حتى شمال أفريقيا، بل لوكانت المبايعة خوفاً على الإسلام فلماذا حارب الإمام علي معاوية في وقت عصفت به الفتن بالأمة الإسلامية وكانت أحوج ما يكون إلى السلم والمهادنة، لوكانت المسألة هكذا لسلّم معاوية الحكم وتنازل هوعنه لا من أجل أحد بل خوفاً على الإسلام من الضياع.
التعليل الثاني: أنه بايعهم تقية، أي أظهر لهم الموافقة ظاهراً وأسر في قلبه عدم الرضى عن خلافتهم وبيعتهم، وهذا التعليل أقبح من الذي قبله، إذ يجعل من شخصية الإمام علي شخصية مزدوجة خائفة جبانة مضطربة تتظاهر بخلاف ما تُبطن، وهذا ما لا يُعهد عنه لم يعرف شجاعته الفائقة، وقوته في الحق ولمن يطّلع على الروايات التي تثبت شجاعته وإقدامه في غير موقف، فهوالقائل (وإني من قوم لا تأخذهم في الله لومة لائم) (23) ويقول: (فوالله لوأُعطيت الأقاليم السبعة وما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة، ما فعلت. وإن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها). (67)
وإذا قلنا أنّ بيعته لهم كانت تقية فماذا نقول في بقائه لهم وزيراً طيلة فترة خمس وعشرين سنة من خلافتهم؟!! إنه من الصعب الاعتقاد أنه كان يستخدم التقية طول تلك الفترة.
وهل كان تزويجه ابنته أم كلثوم من عمر تقيّة أيضاً؟!! وهل كانت تسميته أولاده بأسماء الخلفاء الثلاثة تقية أيضاً؟!! (39)
الإمام الحسن والشورى
وقد ذكر المسعودي في مروج الذهب وابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة) أنه (لما توفي علي خرج عبد الله بن العباس بن عبد المطلب إلى الناس فقال: إنّ أمير المؤمنين توفي، وقد ترك خلفاً، فإن أحببتم خرج إليكم، وإن كرهتم فلا أحد على أحد، فبكى الناس وقالوا: بل يخرج إلينا (23)
وكما هوملاحظ فإنّ الإمام الحسن لم يعتمد في دعوة الناس لبيعته على ذكر أي نص حوله من الرسول أومن أبيه الإمام علي، وقد أشار ابن عباس إلى منزلة الإمام الحسن عندما ذكّر المسلمين بأنه ابن بنت النبي، وقد ذكر: أنه خلف أمير المؤمنين ولكنه لم يبين أنّ مستند الدعوة للبيعة هوالنص أوالوصية بالإمامة من الله بل أوكل الأمر للناس إن شاؤوا قبلوا وإن شاؤوا أعرضوا عن البيعة.
وهذا ما يكشف عن إيمان الإمام الحسن بنظام الشورى وحق الأمة في انتخاب إمامها، وقد تجلى هذا الإيمان مرة أخرى عند تنازله عن الخلافة إلى معاوية واشتراطه عليه العودة بعد وفاته إلى نظام الشورى حيث قال في شروط الصلح: (…على أنه ليس لمعاوية أن يعهد لأحد من بعده وأن يكون الأمر شورى بين المسلمين). (45)
ولوكانت الخلافة بالنص من الله والتعيين من الرسول كما تقول النظرية الإمامية، لم يكن يجوز للإمام الحسن أن يتنازل عنها لأي ظرف من الظروف، ولم يكن يجوز له بعد ذلك أن يبايع معاوية أوأن يدعوأصحابه وشيعته لبيعته، ولم يكن يجوز له أن يهمل الإمام الحسن ولأشار إلى ضرورة تعيينه من بعده…ولكن الإمام الحسن لم يفعل أي شيء من ذلك وسلك مسلكاً يوحي بالتزامه بحق المسلمين في انتخاب خليفتهم عبر نظام الشورى.
الإمام الحسين والشورى
وقد ظل الإمام الحسين ملتزماً ببيعة معاوية إلى آخر يوم من حياة معاوية، ورفض عرضاً من شيعة الكوفة بعد وفاة الإمام الحسن بالثورة على معاوية، وذكر أنّ بينه وبين معاوية عهداً وعقداً لا يجوز له أن ينقضه، ولم يدع إلى نفسه إلا بعد وفاة معاوية الذي خالف اتفاقية الصلح وعهد إلى ابنه يزيد بالخلافة بعده، حيث رفض الإمام الحسين البيعة له، وأصرّ على الخروج إلى العراق حيث استشهد في كربلاء عام 61 للهجرة. (56)
ولا توجد أية آثار لنظرية النص في قصة كربلاء، سواء في رسائل شيعة الكوفة إلى الإمام الحسين ودعوته للقدوم عليهم أوفي رسائل الإمام الحسين لهم، حيث يقول المفيد: إنّ الشيعة اجتمعت بالكوفة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي فذكر هلاك معاوية. فحمدوا الله وأثنوا عليه، فقال سليمان بن صرد: إنّ معاوية قد هلك وإنّ حسيناً قد تقبض على القوم ببيعة، وقد خرج إلى مكة وأنتم شيعته وشيعة أبيه، فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدوا عدوه وتُقتل أنفسنا دونه فاكتبوا إليه واعلموه، وإن خفتم الفشل والوهن فلا تغروا الرجل في نفسه، قالوا: لا بل نقاتل عدوه ونقتل أنفسنا دونه، قال: فاكتبوا إليه، فكتبوا إليه: للحسين بن علي، من سليمان بن صرد والمسيب بن نجية ورفاعة بن شداد البجلي وحبيب بن مظاهر وشيعته المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة: سلام عليك فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو…أما بعد: فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزى على هذه الأمة فابتزها أمرها وغصبها فيئها وتأمر عليها بغير رضى منها ثم قتل خيارها واستبقى شرارها وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها فبعدا له كما بعدت ثمود. إنه ليس علينا إمام، فاقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق، والنعمان بن بشير في قصر الإمارة لسنا نجتمع معه في جمعة ولا نخرج معه إلى عيد، ولوقد بلغنا أنك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام إن شاء الله.
فكتب إليهم (من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين…أما بعد فإنّ هانياً وسعيداً قدما علي بكتبكم، وكان آخر من قدم علي من رسلكم، وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم ومقالة جلكم: (أنه ليس علينا إمام فأقبل لهل الله أن يجمعنا بك على الحق والهدى) وإني باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل، فإن كتب إلي أنّ قد اجتمع رأي ملأكم وذوي الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم، وقرأت في كتبكم فإني أقدم إليكم وشيكاً إن شاء الله، فلعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الداين بدين الحق، الحابس نفسه على ذات الله، والسلام. (37)
إذن فإنّ مفهوم (الإمام) عند الإمام الحسين لم يكن إلا (الحاكم بالكتاب القائم بالقسط الداين بدين الحق الحابس نفسه على ذات الله) ولم يكن يقدم أية نظرية حول (الإمام المعصوم المعين من قبل الله) ولم يكن يطالب بالخلافة كحق شخصي له لأنه ابن الإمام علي أوأنه معيّن من قبل الله، ولذلك فإنه لم يفكر بنقل (الإمامة) إلى أحد من ولده، ولم يوص إلى ابنه الوحيد الذي ظل على قيد الحياة (علي بن زين العابدين)، وإنما أوصى إلى أخته زينب أوابنته فاطمة، وكانت وصيته عادية جداً تتعلق بأموره الخاصة، ولا تتحدث أبداً عن موضوع الإمامة والخلافة. (45)
اعتزال الإمام زين العابدين
وقد بايع الإمام علي بن الحسين يزيد بن معاوية بعد واقعة الحرة ورفض قيادة الشيعة الذين كانوا يطالبون بالثأر لمقتل أبيه الإمام الحسين، ويعدون للثورة، ولم يدّع الإمامة، ولم يتصدى لها، ولم ينازع عمه فيها، وكما يقول الصدوق: (فإنه انقبض عن الناس فلم يلق أحداً ولا كان يلقاه إلا خواص أصحابه، وكان في نهاية العبادة ولم يخرج عنه من العلم إلا يسيراً .. (25)
لقد كان أئمة أهل البيت يعتقدون بحق الأمة الإسلامية في اختيار ولاتها وبضرورة ممارسة الشورى، وإدانة الاستيلاء على السلطة بالقوة، ولعلنا نجد في الحديث الذي يرويه الصدوق في (عيون أخبار الرضا) عن الإمام الرضا عن أبيه الكاظم عن أبيه جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر عن علي بن الحسين عن الحسين بن علي عن أبيه عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله والذي يقول فيه: (من جاءكم يريد أن يفرق الجماعة ويغصب الأمة أمرها ويتولى من غير مشورة فاقتلوه، فإنّ الله عز وجل قد أذن ذلك) (76) لعلنا نجد في هذا الحديث أفضل تعبير عن إيمان أهل البيت بالشورى والتزامهم بها، وإذا كانوا يدعون الناس إلى اتباعهم والانقياد إليهم فإنما كانوا يفعلون ذلك إيماناً بأفضليتهم وأولويتهم بالخلافة في مقابل (الخلفاء) الذين كانوا لا يحكمون بالكتاب ولا يقيمون القسط ولا يدينون بالحق.
ومن هنا وتبعاً لمفهوم (الأولوية) قال أجيال من الشيعة الأوائل، وخاصة في القرن الأول الهجري: (إنّ علياً كان أولى الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفضله وسابقته وعلمه، وهوأفضل الناس كلهم بعده وأشجعهم وأسخاهم وأورعهم وأزهدهم، وأجازوا مع ذلك إمامة أبي بكر وعمر وعدوهما أهلاً لذلك المكان والمقام، وذكروا أنّ علياً سلّم لهما الأمر ورضي بذلك وبايعهما طائعاً غير مكره وترك حقه لهما، فنحن راضون كما رضي المسلمون له، ولمن بايع، لا يحل لنا غير ذلك ولا يسع منا أحداً إلا ذلك، وأنّ ولاية أبي بكر صارت رشداً وهدى لتسليم علي ورضاه). (78)
بينما قالت فرقة أخرى من الشيعة: (إنّ علياً أفضل الناس لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله ولسابقته وعلمه ولكن كان جائزاً للناس أن يولوا عليهم غيره إذا كان الوالي الذي يولونه مجزئاً، أحبّ ذلك أوكرهه، فولاية الوالي الذي ولوا على أنفسهم برضى منهم رشد وهدى وطاعة لله عز وجل، وطاعته واجبة من الله عز وجل). (67)
وقال قسم آخر منهم: (إنّ إمامة علي بن أبي طالب ثابتة في الوقت الذي دعا الناس وأظهر أمره). (39)
وقد قيل للحسن بن الحسن بن علي الذي كان كبير الطالبين في عهده وكان وصي أبيه وولي صدقة جده: ألم يقل رسول الله: (من كنت مولاه فعلي مولاه؟ فقال: بلى ولكن - والله - لم يعن رسول الله بذلك الإمامة والسلطان، ولوأراد ذلك لأفصح لهم به. (23)
وكان ابنه عبد الله يقول: (ليس لنا في هذا الأمر ما ليس لغيرنا، وليس في أحد من أهل البيت غمام مفترض الطاعة من الله) وكان ينفي أن تكون إمامة أمير المؤمنين من الله (38)
مما يعني أنّ نظرية النص وتوارث السلطة في أهل البيت فقط لم يكن لها رصيد لدى الجيل الأول من الشيعة، ومن هنا فقد كانت نظرتهم إلى الشيخين أبي بكر وعمر نظرة إيجابية، إذ لم يكونوا يعتبرونها (غاصبين) للخلافة التي تركها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شورى بين المسلمين ولم ينص على أحد بالخصوص، وهذا يفسر أمر الإمام الصادق لشيعته بتوليهما.
من الشورى إلى الحكم الوراثي
يسجل المؤرخون الشيعة الأوائل: (الأشعري القمي والكشي والنوبختي) أول تطور ظهر في صفوف الشيعة في عهد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) على يدي المدعو(عبد الله بن سبأ) الذي يقولون: إنه كان يهودياً وأسلم، والذي يقول النوبختي عنه: إنه أول من أشهر القول بفرض إمامة علي، وكان يقول في يهوديته بيوشع بن نون وصياً لموسى، فقال كذلك في إسلامه في علي بعد رسول الله، وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه وأظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة. (34)
وسواء كان عبد الله بن سبأ شخصية حقيقية أوإسطورية فإنّ المؤرخين الشيعة يسجلون بوادر ظهور أول تطور في الفكر السياسي الشيعي اعتماداً على موضوع (الوصية) الروحية والشخصية، الثابتة من الرسول الأكرم إلى الإمام علي، وإضفاء المعنى السياسي عليها، وذلك قياساً على موضوع (الوصية) من النبي موسى (ع) إلى يوشع بن نون وتوارث الكهانة في أبناء يوشع.
ومع أنّ هذا القول كان ضعيفاً ومحصوراً في جماعة قليلة بقيادة عبد الله بن سبأ تُدعى (السبئية)، إلا أنّ ذلك التيار وجد في تولية معاوية بن أبي سفيان لابنه يزيد من بعده أرضاً خصبة للنمووالانتشار، ولكن المشكلة الرئيسية التي واجههته هوعدم تبني الإمامين الحسن والحسين له واعتزال الإمام علي بن الحسين عن السياسة، مما دفع القائلين به إلى الالتفات حول محمد بن الحنفية باعتباره وصي أمير المؤمنين أيضاً، خاصة بعد تصديه لقيادة الشيعة في أعقاب مقتل الإمام الحسين، وقد اندس السبئية في الحركة الكيسانية التي انطلقت للثأر من مقتل الإمام الحسين بقيادة المختار بن عبيدة الثقفي.
وقد ادعى المختار الذي كان يقود الشيعة في الكوفة: أنّ محمد بن الحنفية قد أمره بالثأر وقتل قتلة الحسين، وأنه الإمام بعد أبيه. ولم يكن المختار يكفّر من تقدم علياً من الخلفاء كأبي بكر وعمر وعثمان، ولكنه كان يكفّر أهل صفين وأهل الجمل. (45)
ويذكر الأشعري القمي: أنّ صاحب شرطة المختار (كيسان) الذي حمله على الطلب بدم الحسين ودلّ على قتلته، وصاحب سره ومؤامراته والغالب على أمره، كان أشدّ منه إفراطاً في القول والفعل والقتل، وأنه كان يقول: أنّ المختار وصي محمد بن الحنفية وعامله، ويكفّر من تقدم علياً كما يكفّ {أهل صفين وأهل الجمل. (87)
وبالرغم من سقوط دولة المختار بعد فترة قصيرة، إلا أنّ الحركة الكيسانية التي التفت حول قائدها الروحي محمد بن الحنفية أخذت تقول: (أنّ الإمامة في ابن الحنفية وذريته). (67)
ولما حضرت الوفاة محمد بن الحنفية ولّى ابنه عبد الله (أبا هاشم) من بعده، وأمره بطلب الخلافة إن وجد إلى ذلك سبيلاً، وأعلم الشيعة بتوليته إياهم، فأقام عبد الله بن محمد بن علي وهوأمير الشيعة. (56)
وقد أصبح أبوهاشم قائد الشيعة بصورة عامة في غياب أي منافس له في نهاية القرن الأول الهجري، وقد تشرذمت الحركة الكيسانية من بعده إلى عدة فرق يدّعي كل منها أنه أوصى إليه، فقد ادعى العباسيون: أنّ أبا هاشم أوصى إلى محمد بن علي بن عبد الله ابن عباس، وقال له: إليك الأمر والطلب للخلافة بعدي، فولاّه وأشهد له من الشيعة رجالاً .. ثم مات، فأقام محمد بن علي ودعوة الشيعة له حتى مات فلما حضرته الوفاة ولّى ابنه ابراهيم الأمر، فأقام وهوأمير الشيعة وصاحب الدعوة بعد أبيه. (56)
وادعى (الجناحيون): أنه أوصى إلى عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الذي ظهر في الكوفة سنة 128 وأقام دولة امتدت إلى فارس، في أواخر أيام الدولة الأموية. وادعى (الحسنيون) أنه أوصى إلى زعيمهم (محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن، ذي النفس الزكية).
وعلى أي حال فقد تطور القول بالوصية من وصية النبي الأكرم العادية والشخصية إلى الإمام علي، إلى القول بالوصية السياسية منه إلى ابنه محمد بن الحنفية، ومن بعده إلى ابنه أبي هاشم عبد الله، وهوما أدى إلى اختلاف الفصائل الشيعية المتعددة فيما بينها وادعاء كل منها الوصية إليه وحصر الشرعية فيه.
***************
(23) الشافي في الإمامة ج4 ص149 وج3 ص295
(23) الكافي ج1 ص236 عن محمد بن الحسين وعلي بن محمد عن سهل بن زياد عن محمد بن الوليد، الصيرفي عن ابان بن عثمان عن أبي عبد الله
(72) آمالي المفيد ص22 المجلس 21 والإرشاد للمفيد ص188
(34) الشافي في الإمامة ج3 ص237 و252، ج2 ص149
(32) نهج البلاغة ص98
(76) لوكانت الإمامة من الله لقال الإمام علي (وأجمعوا على منازعتي حقاً لي) أوأشار إلى أنّ هذا الحق له من الله دون سواه، لكنه ذكر هنا الأولوية لقرابته من النبي عليه الصلاة والسلام
(29) نهج البلاغة ص336 خطبة رقم 217
(34) الشافي في الإمامة ج3 ص242
(29) نهج البلاغة ص48 خطبة 3
(48) الكافي 8/ 246
(23) الشافي ج2 ص128
(38) لوكان في قلب المهاجرين والأنصار تجاه أهل البيت ولوكان مبغضين لعلي ومرتدون على أعقابهم كما تصورهم كتب الشيعة، فلماذا يأتونه للمبايعة بعد عثمان وعندهم ابن عباس وغيره من كبار الصحابة!!!
(67) الطبري ج3 ص45
(19) هناك خلاف بين علماء الشيعة حول موثوقية هذا الكتاب وصحة نسبته إلى سليم بن قيس، ولا مانع من ذكر هذه الرواية استناداً إلى قول من يرى بصحته، خصوصاً وأن الرواية
(87) كتاب سليم بن قيس الهلالي ص182 وبحار الأنوار للمجلسي ج8 ص555 الطبعة الحجرية
(29) نهج البلاغة ج3 ص7 تحقيق محمد عبده وص367 تحقيق صبحي
(45) الشافي ج3 ص295 وتثبيت دلائل النبوة ج1 ص212
(39) مقتل الإمام أمير المؤمنين ص43
(32) بحار الأنوار ج7 باب أحاديث تُنسب إلى سليم غير موجودة في كتابه
(23) الكافي 8/ 292 - 293 وبحار الأنوار ج74 ص39
(23) الإرشاد ص187
(23) مقتل الإمام أمير المؤمنين ص41 - 42، تحقيق مصطفى مرتضى القزويني (طباعة مركز الدراسات والبحوث العلمية، بيروت)
(23) نهج البلاغة ص159
(67) نهج البلاغة ج2 ص218
(39) سيأتي مزيد بيان لحقيقة موقف أهل البيت من الصحابة
(23) مروج الذهب ج2 ص44 وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج4 ص8 وج16 ص22
(45) بحار الأنوار ج44 ص65 باب كيفية المصالحة من تاريخ الإمام الحسن المجتبى
(56) الإرشاد للمفيد ص199
(37) الإرشاد للمفيد ص24
(45) الإمامة والتبصرة من الحيرة للصدوق ص198 وبصائر الدرجات للصفار ص148 وص198
(25) إكمال الدين ص91
(76) عيون أخبار الرضا ج2 ص62
(78) فرق الشيعة للنوبختي ص22 والمقالات والفرق للقمي ص18
(67) فرق الشيعة للنوبختي ص21 والمقالات والفرق للقمي ص18
(39) فرق الشيعة للنوبختي ص54
(23) التهذيب لابن عساكر ج4 ص162
(38) بصائر الدرجات للصفار ص153وص156
(34) فرق الشيعة للنوبختي ص22 والمقالات والفرق للأشعري القمي ص19 ورجال الكشي والشيعة في التاريخ لمحمد حسن الزين ص172
(45) المقالات والفرق ص21 - 22
(87) المصدر السابق
(67) الفصول المختارة للمفيد ص24
(56) الإمامة والسياسة ج2 ص13
(56) المقالات والفرق ص65 وتاريخ اليعقوبي ج3 ص4 ومقاتل الطالبيين ص126 والتنبيه والاشراف للمسعودي ص292
مأخوذ من كتاب تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه. بقلم: أحمد الكاتب (شيعي)
===================
==================
قال تعالى
((وأمرهم شورى بينهم))
لوكان بالنص فكيف يخالف المعصوم النص ففي نهج البلاغة كلاما منسوب لعلي -
رضي الله عنه- يبين مبدأ الشورى ومن كتابٍ له عليه السلام إلى معاوية: إنَّه بايعني
القوم الذين بايعوا أبا بكرٍ وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن
يختار ولا للغائب أن يردَّ، وإنَّما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجلٍ
وسمَّوه إماماً كان ذلك لله رضي، فإن خرج من أمرهم خارج بطعنٍ أو بدعةٍ ردُّوه إلى
ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على إتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولَّى إذا
فإن
اجتمع المهاجرون و الأنصار على رجل و سموه إماما كان ذلك لله رضى و من خالفهم
و لم يرض بهذا الإمام فقد إتبع غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى, و قد قرأ العهد
من أبي بكر إلى عمر بالخلافة على كافة المسلمين فلم ينكره أحد, و ذلك قبل أن تتم
البيعة لعمر أو تعقد. اضافة واذا كانت الخلافة بالنص فقد خالف الحسين الحسن ذلك
لان الحسن والحسين قد بايعوا سيدنا معاوية رضي الله عنه فهذا يسقط القول بالنص
بناء على هذه البيعة اذا كان هناك نص وليس هناك نص فلماذا خالف علي والحسن
والحسين النص وبايعوا الخلفاء الراشدين.
=========================
قال امامنا علي في النهج إنَّما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجلٍ
وسمَّوه إماماً كان ذلك لله رضي
امامنا علي بايع الثلاثة ابوبكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم جميعا على السمع
والطاعة
الشجاعي النبي لم يوصي علي خليفة بعد النبي
https://www.youtube.com/watch?v=rT9zB2Lhy_Y
الحيدري مولاه تعني المحبة لا الإمامة
https://www.youtube.com/watch?v=1CXFgVKeKJk
لماذا علي لم يحضر الدواة ويكتب لاحاجة للكتابة لماذا لم يقل النبي علي هو الخليفة 1
لكن الواقع امر النبي ابوبكر ليؤم المصلين وبايع علي ابوبكر وعمر وعثمان صدق
امامنا الباقر الشيعة حمقى
من الذي قال يهجر هم اهل البيت و ليس عمر رضي الله عنه راجع الحديث
http://alsrdaab.com/vb/showpost.php?p=426694&postcount=9 …
كلام عمر حسبنا كتاب الله صحيح فقد ذكر علي "وكفى بكتاب الله حجيجا و خصيما "
بحار الأنوار
لماذ ا لم يحضر علي الدواة ليكتب للنبي لماذا لم يقل النبي علي هو الخليفة بعدي بل
امر ابوبكر ليؤم المصليين
اي مؤامرة علي بايع الثلاثة علي السمع والطاعة يعني علي شريك في المؤامرة صدق
امامنا الباقر الشيعة حمقى
بل النبي لم يوضي بدليل ان علي بايع الثلاثة وقال تعالى امرهم شورى بينهم
قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم قدموا أبا بكر يصلي بالناس
التزم الصحابة بامر الله وكان امرهم شورى بينهم وامر النبي يؤم ابوبكرالصلاة وبايع
علي الثلاثة فهل خالف علي النبي
========
في النهج قال علي إنَّما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجلٍ وسمَّوه
إماماً كان ذلك لله رضي
==============
فضل الله الحيدري كاشف الغطاء ينفون قصة حرق دار الزهراء و كسر ضلع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق