الخميس, 02 تموز/يوليو 2009
أحمد لاشين
إن تعامل النظام الإيراني مع أزمة التظاهر الحالية لا تختلف كثيراً عن أي من الأنظمة الفاشية التي مرت على التاريخ الإنساني،فمأساة الشعب الإيراني مع الدولة الدينية قد تجاوز الآن مرحلة الرأي إلى مرحلة الدم،وللأسف لا سبيل للتراجع لا من قبل النظام و لا المتظاهرين الحالمين بحياة مختلفة خارج نظام الولي الفقيه،وطموح الدولة الدينية،فدماء الشعب ستظل هي القربان الوحيد لزوال اللعنة.
فبعد خطبة علي خامنئي يوم الجمعة 19/ 6 / 2009،أصبح وجه النظام أكثر وحشية،فقد قسم الشعب الإيراني إلى قسمين ،قسم يجلس أمامه في طاعة يهتفون (0لبيك يا خامنئي لبيك يا حسين)،منتخبين نجاد سعداء بالنتيجة،متبعين تعاليم الخوميني،ومن قبل أوامر الإمام المهدي،وقسم يموج ويثور ويُقتل،واللذين وصفهم خامنئي أنهم ضحية العبث الأجنبي،الأمريكي والإسرائيلي،وأنه لن يسمح بهذا التهاون الذي يضر بمظهر الديمقراطية الإيرانية،وبمصالح القسم الأول من الشعب.ففي النهاية الشعب خائن طالما أعترض على نتائج الإنتخابات،خائن أو ضحية خونة أخريين،وليس ضحية نظام أسس نفسه بالقوة والقمع على مدار تاريخه،ويظل يتجرع دماء شعبه لأخر قطرة.ولنا في ديكتاتورية بدايات الثورة الإسلامية موعظة حسنة ضد معترضيها.
مما أستتبع بعد ذلك القبض على العديد من الجماعات المتظاهرة في الشارع الإيراني ليس فقط بتهمة إثارة الشغب أو الفساد العام،وإنما بوصفهم وفجأة بعد الخطاب جماعات إرهابية ممولة من أنظمة خارجية لإثارة أعمال التخريب بالبلاد،ووصف الذي فجر نفسه في مرقد الإمام الخوميني رمز الثورة الإيرانية بأنه عميل للصهاينة وإسرائيل.وكذلك القبض على ما يزيد عن ثلاثة عشر إسماً من أعضاء (جبهة المشاركة الإسلامية) التي ينتمي لها (مير حسين موسوي)،هذا بالإضافة إلى مصادمات عنيفة بين المتظاهرين و قوات (البسيج) الإيراني،أدت إلى مقتل وجرح ما يقرب من 100 شخص، في مشاهد غاية في الألم والقسوة،أي أن النظام قد أطلق حراسه على شعبه.
المشكلة تجاوزت الإنتخابات أو نتائجها وتزويرها من عدمه،إن ما حدث في شوارع العاصمة الإيرانية لهو رفض حقيقي لنظام الدولة وليس فقط نجاد أو أي رئيس جمهورية أخر،فموسوي قد أعلن بعد خطبة خامنئي أن الهدف قد تحقق ولابد من اللجوء إلى المحافل القانونية،وأن هدفه هو ومؤيديه هو التغير ولكن بشرط أن يظل تحت ظل ولاية الفقيه والدولة الإسلامية الإيرانية،في تسوية نهائية بينه وبين النظام بعيدأ عن طموحات الشارع،بل أنه دعا المتظاهرين مؤخرأ إلى حالة من الهدوء،كما أعلن خاتمي أن الهدف أيضاً هو التغير في ظل النظام العام،ولابد وأن يخضع النظام لطلبات التغير قبل فوات الأوان.ولكن لابد ألا يتجاوز المتظاهرين حدود القانون والتظاهر السلمي،خاصة بعد أن أعلنت قوات الحرس الثوري أنه سوف يكون المسؤول الأول عن صد الإعتراضات في شوراع العاصمة.فمن الواضح أن الصفقة قد تمت الناس مقابل رضا النظام،ذلك الرضا الذي لم يتنازل عنه موسوي أو خاتمي على مدار تاريخهم،فكما هو معلوم أن موسوي كان رئيس الوزراء في عهد الخوميني والحرب العراقية الإيرانية،ولم يتنازل لحظة عن الطاعة الكلية للنظام،وقمع كل التوجهات المعارضة في عهده،ثم غاب موسوي 20 عاماً،ولم يظهر إلا كمستشار لخاتمي في عهد رئاسته،خاتمي الذي كان مسؤول الحرب الإعلامية في نفس مرحلة الحرب العراقية،وحينما آلت إليه أمور الرئاسة تحت دعوى الإصلاح،جاء ليحافظ على النظام الراديكالي المحافظ أكثر من الرغبة في تغيره،ففي هذه الفترة كان النظام على وشك الإنهيار لتشدده الذي لم يتمكن من التراجع عنه وقتها،أو حتى إعلان ذلك ،فأتى بخاتمي الذي سيتمكن بتاريخه المخلص للثورة وخلفيته الثقافية أن يداعب أحلام التغيير في الشعب الإيراني،فنال الرئاسة باكتساح بدون اعتراض أو مظاهرات،في صفقة واضحة المعالم مع السلطة،وحينما خلق النظام رداءه الإصلاحي الجديد ليمتص أفكار الشارع ثم يتعامل معها كل بطريقته فيكون الإصلاح على الطريقة الراديكالية،إنتهى دور خاتمي،وجاء نجاد.
ولكن نجاد فشل بأسرع مما تصور الكثيرون،أولاً لبعده عن ترضية النخبة التي جاءت به بمنتهى الهدوء،بسبب أنه ليس ذا سند عائلي قوي،مثل علاقات النسب التي بين (غلام حداد عادل) الرئيس السابق لمجلس الشورى الإسلامي،والمرشد الأعلى (علي خامنئي)،أو بين 0(علي لاريجاني) الرئيس الحالي لمجلس الشورى و(هاشمي رفسنجاني)،أو التي بين (خاتمي) وعائلة الخوميني شخصياً،كما أن نجاد لم يتمتع بالعهد الذهبي لتقسيم الثروات الإيرانية على مستوى الإقتصاد أو البترول،مما أستتبع الصدامات بينه وبين رفسنجاني مؤخراً،أو بينه وبين (لاريجاني)،(أو حداد عادل)،فنجاد من أبناء الحرس الثوري،ومن أتباع المرشد المخلصين،وإختياره كرئيس التي جاءت تعبيراً عن رغبة النظام في تجديد الوجوه ولكن مع الحفاظ على الأيدلوجية القديمة،ولكن مع تلك الخلافات جاء دور موسوي.
موسوي مثل العديد من الرموز على الساحة السياسية الإيرانية،فهو من أبناء الثورة المخلصين،والأهم أنه لم يشارك في الحياة السياسية لمدة عشرين عاماً مكتفياً بحياة الخاصة،وبعض التصريحات هنا وهناك التي لم تكن ذات أهمية طوال هذه الفترة،أي أنه بعيد عن أي خلاف على مستوى تاريخ الثورة بعد ذلك،وله علاقات جيدة مع النظام طوال هذه الفترة،رغم بعض الخلافات التي كانت بينه وبين خامنئي في فترة رئاسة خامنئي للجمهورية الإيرانية،من فترة 1981 إلى 1989، إلا أن تلك الخلافات ليس مؤثرة الآن على الأقل.أي أن هناك جيل بأكلمه لم يعرف عنه شيئاً إلا ما يُدرس لهم في الكتب الدراسية عن بطل قاد الدولة الإيرانية بنجاح في فترة الحرب مع العدو الأصيل العراق ،وقتها على الأقل.فكان ظهوره المفاجئ مكسب لا حدود له للنظام الذي استدعاه لهذه المهمة بالذات،حتى يمتص الغضب الحقيقي على الفكر الراديكالي الذي شوهه نجاد بمزايدته على المزايدة.فوعد الشارع بالتغيير،بنفس الدعاوي الخاتمية في بداية مرحلته،وحتى تكتمل اللعبة تنازل خاتمي لنجاد على الملأ لموسوي وموسوي فقط،لأنه كما أُعلن عنه قد تعرض لتهديدات بالقتل من قبل بعد التوجهات المتشددة في النظام،حتى أن الأمن أعلن أنه غير قادر على حماية خاتمي من تلك التهديدات،فجاء موسوي البطل ليحل الأزمة جاء من غياهب التاريخ كمهدي منتظر ليضحي بنفسه لأجل الشعب والإصلاح،ويحمي خاتمي.
ودارت المعركة البطل البرجوازي موسوي أمام البطل الشعبي نجاد،والملك الولي الفقيه ينتظر المنتصر ليرفع يده أمام الجماهير،ويعطيه البركة المطلقة،وعندما أعترض بعض الجماهير على النتيجة المعدة مسبقاً بالطبع،لأنه للأسف قد أعتقد بسبب قوة الأداء التمثيلي أنها معركة حقيقية،أطلق الملك جنوده عليهم حتى يرضخوا لما أراد،وبالتدريج التمثيلي يتراجع البطل المهزوم أمام المنتصر الشعبي،حتى يكون لتأيد الملك الفقيه له صورته القوية،المقنعة أمام الجماهير.
الضحية هو الشعب،الجماهير طوال الوقت،فخامنئي في خطابه الأخير،أعلن أنه لا تراجع عن نجاد رئيساً،بل أن حتى تكتمل الدائرة أعلن 0علي لاريجاني) رئيس البرلمان أن المجلس قد حدد ميعاد القسم الدستوري لنجاد وإعطاء ثقة المجلس لحكومته المشكلة من تاريخ 26 /7 /2009 إلى 18 /8 /2009.وهذا إعلان نهائي لا رجعة فيه كما أنه وجه حديثه لموسوي حذره فيه من إستغلال الناس لتحقيق أهدافه،كما أن مجلس صيانة الدستور أعلن أن هناك نسبة خطأ في الإنتخابات ولكنها لا تمثل ضرراً على النتيجة بشكل عام.ولهذا هو يقر بنتيجة الإنتخابات بشكل نهائي،إلا إذا جد جديد.
وفي نفس السياق يُعلن موسوي أنه سيقدم دلائل على فساد العملية الإنتخابية خلال الفترة القادمة،و لا أدري إذا كان يملك الحقيقة كما أدعى ،فلماذا لم يقدمها منذ البداية،ووفر نزيف الدماء الشعبي الذي اتهمه قائده بالخيانة،فلماذا الأن أراد أن يُظهر الورقة الأخيرة الآن فقط،ألهذا علاقة بقرار المرشد الأعلى تمديد الوقت المسموح به لتقديم شكاوي الإنتخابات خمسة أيام من تاريخ (23/6/2009)،أي أنها كانت مجرد إشارة من المرشد لإستكمال اللعبة علها تكون فرصة لمزيد من إظهار السلطة.
ولنا أن نتخيل موقف (مهدي كروبي) الذي حصر كل همه في بيانه الأخير أن يسمح الأمن لأهالي الضحايا أن يقيموا العزاء على أولادهم الذين قُتلوا في التظاهرات،بشكل يليق بموقفهم المشرف من الوطن،كما طلب أن يُعلن الأمن عن مكان اعتقال بقية المتظاهرين اللذين وصلوا حسب التصريحات الرسمية الإيرانية إلى خمسمائة معتقل،حقاً إنها طلبات عادلة ولكنها بالتأكيد لا تليق بأولئك اللذين دفعوا حياتهم ثمناً لمن نسج لهم أحالمهم الجديدة وأحيى داخلهم أمل التغير.واضعين في الاعتبار بالطبع موقع كروبي كرئيس لمجلس الشورى الإيراني لدورتين متتاليتين.
وامتدت الصفقات للخارج،فهذا (بن كي مون) يُمهل إيران يومان فقط انتهوا حتى تصحح الأوضاع وإلا ستدخل الأمم المتحدة ولكنه لم يقل لنا كيف سيتم ذلك،وحينما سُئلت شيرين عبادي الحائزة على جائزة نوبل للسلام والناشطة الحقوقية الإيرانية،عن موقفها من تصريحات (الأمم المتحدة) وما هي الكيفية التي سوف تتعامل بها مع الموقف في إيران أجابت أنها (للأمم المتحدة )أسلوبها في الحفاظ على حقوق الإنسان في إيران.
وأمام الموقف الإيراني المتشدد من الولايات المتحدة وأوروبا بشكل عام،إلا أن نجاد قد نال التأييد الكامل من روسيا في المقابل،ومن الأخبار المثيرة للسخرية أن شركة نوكيا للتليفونات المحمولة قد أذاعت على شبكة (bbc)«،انها قد أعطت للنظام الإيراني أنظمة قادرة على التصنت على كل المكالمات والرسائل القصيرة المتبادلة في إيران،وكأن هذه الميزة قد كانت هبة لإيران فقط،لكن بالتأكيد أن النظام الإيراني هو من أجاد إستخدامها في الأحداث السابقة.
فالوضع النهائي،كان لصالح النخبة الإيرانية،ولكن الضحية الوحيدة هي الشعب الذي دفع دمه ثمن لصفقات النظام مع من يأتي بهم أو يسترجعهم من الزمن البعيد،فرغم كل تصريحات موسوي وكروبي وخاتمي،ورغم ما أدعوه من رغبة في التغير،حتى إن شمل هذا التغير نظام ولاية الفقيه ذاته،إلا أن الكلمة النهائية للولي الفقيه ذاته، الذي يمثل نظام الدولة الدينية التي تقسم العالم بطبيعة الحال إلى ملهمين ومنصتين،نخبة وشعب،ولا يملك من ينصت أن يُغير نظام أقره من يزعم الهداية،وإن أراد التغير فسيكون الثمن دمه،فالصفقة لصالح بقاء النظام بوجهه الذي صدره منذ البداية،ويظل الأخرون مجرد لعبة تحت مائدة المفاوضات
ahmedlashin@hotmail.co.uk
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق