السبت، 6 ديسمبر 2014

دراسة حول أقدم نسخة من صحيح البخاري ، وشيء من مناهج العلماء وطرائقهم في تحقيق الصحيح


دراسة حول أقدم نسخة من صحيح البخاري ، وشيء من مناهج العلماء وطرائقهم في تحقيق الصحيح
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد،

فهذه دراسة مختصرة حول تلك القطعة من صحيح البخاري، الموجودة ضمن مجموعة منجانا، والمزعوم أنها أقدم نسخة من صحيح البخاري، وسأتبعها بمبحث مختصر عن طريقة العلماء في ضبط البخاري ، وتحقيق رواياته، ومن ثم ليقارن القارئ الكريم منهج العلماء الأثبات وطريقتهم في الاعتناء في البخاري بالطبعات التجارية في هذا الزمان.
والبداية بعنوان :
قطعة من صحيح البخاري برواية أبي زيد المروزي:
أبو زيد المروزي أحد رواة صحيح البخاري عن الفربري، وثمت قطعة من روايته موجودة ضمن مجموعة منجانا، وهي من أصح قطع البخاري وأندرها، وقد كتب منجانا دراسة حولها باللغة الإنجليزية، ضمنها شجرة للرواة عن البخاري هي من أحسن ما اطلعت عليه في هذا الباب وإن كان فاته شيء كثير، وقد نشرت تلك الدراسة عام 1936 في كامبريدج، ساعده في بعضها المستشرق مرجليوث، وقد تفضل الأخ الشيخ نضام يعقوبي بتصوير القطعة مع دراستها وإرسالها لي فجزاه الله خير الجزاء.

أبو زيد المروزي:
هو محمد بن أحمد بن عبدالله بن محمد المروزي، علم مشهور، موصوف بكتب التراجم بـ: الشيخ الامام المفتى القدوة الزاهد، شيخ الشافعية ..
ولد سنة 301 ، وسمع الصحيح من الفربري سنة 318، رحل إليه لأجل ذلك وله من العمر نحو 17سنة، فبين سماعه والسماع الأخير لشيخه الفربري على البخاري نحو 66 سنة.

- والفربري له سماعان للبخاري، الثاني سنة 252 ، وتكرر في فهرست ابن خير أن السماع كان سنة 253 وهو خطأ إما من الناسخ أو المحقق، فإن ابن خير حافظ لا يغلط بمثل هذه التواريخ المحفوظة ، وقد نقله كثير من الباحثين دون أن ينتبهوا أو ينبهوا -

وأبو زيد صاحب الرؤيتين المشهورتين.
قال الحاكم: سمعت أبا الحسن محمد بن أحمد الفقيه، يقول: سمعت أبا زيد المروزى يقول: لما عزمت على الرجوع من مكة إلى خراسان، تقسى قلبى بذلك، وقلت: متى يكون هذا والمسافة بعيدة، والمشقة لا أحتملها، وقد طعنت فى السن، فرأيت فى المنام كأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعدًا فى المسجد الحرام وعن يمينه شاب، فقلت: يا رسول الله، قد عزمت على الرجوع إلى خراسان والمسافة بعيدة، فالتفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الشاب، وقال: يا روح الله، اصحبه إلى وطنه، فأريت أنه جبريل، عليه السلام، فانصرفت إلى مرو، ولم أحس شيئًا من مشقة السفر.
وأما الثانية فقد قال: كنت نائمًا بين الركن والمقام، فرأيت النبى - صلى الله عليه وسلم - فى المنام، فقال: يا أبا زيد، إلى متى تدرس كتاب الشافعى ولا تدرس كتابى؟ فقلت: يا رسول الله، وما كتابك؟ قال: جامع محمد بن إسماعيل، يعنى صحيح البخارى، رضى الله عنه.
ولا أستبعد أن هذه الرؤيا هي التي حرضته على العناية بصحيح البخاري، والتفرغ له حتى صار أجل رواة الصحيح عن الفربري.

قال الحاكم أبو عبدالله والخطيب البغدادي والنووي وغيرهم : حدث أبو زيد ببغداد، ثم جاور بمكة، وحدث هناك بالصحيح ، وهو أجل من رواه أهـ

ومع أن أبا زيد المروزي قد شاخ وكبر، وعمر طويلا، واشتهر بالعلم والفقه و الحديث، وحدث بالصحيح في مكة وبغداد وغيرهما من بلاد المشرق ، ومع أنه أيضا أجل من روى الصحيح عن الفربري ، إلا أن الروايات لم تشتهر عنه إلا من طريق المغاربة ، أبي محمد الأصيلي وأبي الحسن القابسي.
نعم قد رواه عنه الحافظ أبو نعيم الأصفهاني واتصلت الرواية من طريقه لأهل دمشق، فقد رواه المقدسي عن أبي موسى المديني عن الحداد عن أبي نعيم بإسناده، إلا أن ذلك لم يشتهر كما اشتهر الأولان.
وكذلك روى ابن عساكر الصحيح من طريقه من رواية أبي الحسين عبد الوهاب بن جعفر الميداني وأبي محمد عبد الواحد بن أحمد بن مشماش الهمداني وأبي الحسن علي بن موسى بن السمسار كلهم عن أبي زيد.

ولئن كانت رواية ابي زيد أجل الروايات عن الفربري فرواية الأصيلي أجل الروايات عن أبي زيد.
فقد سمعه مرتين على الأقل، وكان ملازما لأبي زيد، وهو الذي كان يضبط عليه السماعات، ويقرأ عليه الروايات.
فقال الفقيه أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن سعيد بن عابد المعافري ( احد الرواة عن الأصيلي سمع منه البخاري سنة 383)، قال ابو محمد الأصيلي: قرأتها على أبي زيد محمد بن احمد المروزي بمكة سنة (353)، وسمعتها على أبي زيد أيضاً ببغداد في شهر صفر سنة (359)، قرأ أبو زيد بعضها، وقرأت أنا بعضها حتى كمل جميع المصنف أهـ
قلت: وفي السماع الأول زامله أبو الحسن القابسي الذي لم يدخل بغداد، وعاد من الحج إلى بلاده، وكان القابسي ضريرا ، وكان الأصيلي يتولى ضبط نسخته وتحريرها، وبذلك يظهر فضل رواية الأصيلي على القابسي.

هذا، ولم يتصل بنا في هذا الزمان من رواية ابي زيد – بحسب اطلاعي القليل– إلا هذه الورقات من مجموعة منجانا، وإلا كتاب النصيح للمهلب بن أبي صفرة الذي روى صحيح البخاري عن شيخه أبي محمد الأصيلي عن أبي زيد، وجعل هذه الرواية عمدته، وعضدها بروايته عن القابسي عن أبي زيد، وعن أبي ذر عن شيوخه الثلاثة.
والكتاب قد أعانني الله على تحقيقه وهو في طريقه إلى الطباعة يسر الله ذلك.

أما هذه النسخة – نسخة ابي زيد – فالموجود منها اثنتان وخمسون ورقة، ثبت في الورقة الأولى ما صورته:
الجزء الثاني من الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه.
تصنيف أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري.
واستفدنا اسم الكتاب كاملا، وأنه: الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم وسننه، هكذا ثبت في هذه نسخة.
بينما قال النووي في تهذيب الأسماء: أما اسمه: فسماه مؤلفه البخارى، رحمه الله: الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه أهـ

وهذا الجزء الذي بين يدينا يبدأ بكتاب الزكاة، ثم كتاب الصوم، ونبه المصعولي في هامش كاب الصوم إلى أن نسخة أبي الوقت تخالف نسخة ابي زيد في الترتيب وأن كتاب الحج متقدم فيها.
وفي كتاب الصوم سقط كبير من النسخة ، ففي آخر اللوحة الأولى من ورقة 45 باب الصوم من آخر الشهر ، ثم ساق إسناد حديث عمران بن الحصين، وفي اللوحة التي يليها باب من أين يدخل مكة، وهذا من كتاب الحج.
وآخر النسخة باب من لم يقرب الكعبة ولم يطف ..
وقد بدأ الناسخ أول الجزء بالتصريح بالسماع من أبي زيد وكذلك أوائل الكتب، وهذا ما أعلمنا بنسب النسخة وإسنادها وقدمها.
قال أول الجزء: أخبرنا أبو زيد محمد بن أحمد قال: حدثنا محمد بن يوسف قال أخبرنا البخاري ...
ثم يبدأ في أول إسناد كل حديث بقوله: أخبرنا البخاري قال ..
لم يتضح لي من هو كاتب النسخة ، ولا يوجد في النسخة ما يدل عليه، إلا انه متقن للغاية، فقد قابلها وراجعها، كما تدل على ذلك التصحيحات على هامش النسخة، والعلامات الدالة على بلوغ المقابلة.
ولم أستطع كذلك تحديد تاريخ نسخها إلا ان السماعات والأسانيد المثبتة على طرة النسخة، والتملكات في أولها قد دلت على الحقبة التي تلي كتابتها، كما ستراه قريبا، وبشكل عام فإن الخط أشبه ما يكون بخطوط القرن الرابع، والله تعالى أعلم.
وأما ما ورد في دراسة منجانا وتبعه سزكين وغيره من تحديد تاريخ كتابتها سنة 370 فهذا لم أجد في النسخة ما يدل عليه، وقد استنتجه منجانا استنتاجا كما يظهر من دراسته ولم يجده نصا، حيث جعله قبل تاريخ وفاة أبي زيد بسنة واحدة ، فإن ابا زيد توفي سنة 371 ، فافترض أن النسخة مكتوبة في زمانه لأجل التصريح باسمه فيها فجعله قبيل وفاته بسنة.
ولكن قدم الخط أولا، وسوق الإسناد من أبي زيد ثانيا قد يدل على هذا التاريخ ، وعلى أن النسخة كتبت في حياة أبي زيد أو على الأقل في حياة راوٍ عن أبي زيد، والأول أرجح لأن النسخة لو كانت لراوٍ عنه لصرح باسمه، مع أنه لا يمكننا الجزم بشيء لأن الكتاب ناقص ، فربما كان في الأوراق الساقطة ما يحدد تاريخ النسخ واسم الناسخ والراوي.
إلا أن أقدم سماع على النسخة مقروء مؤرخ في رمضان من عام 464 أي بعد وفاة ابي زيد بنحو94 سنة.

احمد بن فارس السلوم14-01-07 05:55 PM

السماعات:
على النسخة سماعات عدة ، بعضها على الصفحة الأولى وبعضها في تضاعيف الكتاب.
السماع الأول قديم جدا، مكتوب أسفل العنوان مباشرة، وصورته ما يلي:
[سمع مني هذا الجزء من أوله إلى آخره بقراءة الشيخ أبي الحجاج (اسمه واسم أبيه غير واضحين) المصري : ابو الفتوح ناصر بن موهوب، والفقيه أبو محمد عبدالباقي بن الحسين بن مسافر ، وأبو محمد عبدالغني بن عبدالرحمن القرطبي(لعله) وعبدالسلام بن محمد (لعله ) ...، وأحمد بن إبراهيم بن الفرات(لعله)، وأبو الأشبال بن علي الأنماطي، والسري بن حسن بن علي العباسي، وأبو البركات حسن بن علي الأنماطي، وابو الوفاء عبدالكريم بن علي بن عبيدالله ، وعلي بن بركات الأنماطي، وعبدالعزيز بن علي بن عطية الصواف ، وابو الحسن علي بن .. العراقي وابنه، والله عليه وحده..
وكتب .. في رجب سنة ثلاث ..]
هكذا طمس اسم الشيخ المسمع وتاريخ السماع.
إلا أن منجانا اختصر هذا السماع وأثبت منه ما يلي:
[سمع مني هذا الجزء من أوله إلى آخره بقراة الشيخ ابن الحجاج...في رجب سنة 618]
وفيه نظر من وجوه:
الأول: أن الخط أقدم من الذي تحته، وقد أرخ السماع الذي تحته سنة 464
الثاني: أن التاريخ مطموس، والذي ثبت منه لا يدل على ما أثبته منجانا.
الثالث: أن التاريخ مكتوب بالحروف وليس بالأرقام وأول حرف منه واضح جدا، وهو حرف الثاء ملتصق باللام مباشرة ليس بينهما نبرة تدل على الميم ليقول: ثمانية عشر مثلا، وهو أقرب ما يكون للرقم ثلاثة، وتكملته لا أعرفها إلا إن كانت الكتابة واضحة في الأصل واعتمد عليها منجانا، وإلا فإن التصوير لا يدل على ما ذهب إليه البتة.
ولو استطعنا الوقوف على تراجم المذكورين في السماع لأمكننا معرفة التاريخ على وجه التقريب، إلا أنني لم أجد لهم ترجمة في المصادر القليلة المتاحة لي وقت كتابة هذه الورقات.

وتحت هذا السماع سماع آخر لكن بخط مغاير، صورته ما يلي:
[ سمع مني أبو محمد عبدالله بن (عبد السلام – هكذا قرأها منجانا وهي في التصوير مطموسة- ) بن شجاع ، وكتابه هذا ممسك به إلى آخره كتابي الذي سمعته على الشيخ ابي حفص عمر بن الحسن الهوزني بقراءة ولدي مروان، في أصل نسختي وذلك بثغر الاسكندرية حماه الله (ثم شطر سطر مضروب عليه لا يمكن قراءته، لكن نقله منجانا كما يلي: كتب عثمان بن محمد بن مروان بن عبدالسلام) في شهر رمضان سنة أربع وستين أربعمائة .
وهذا السماع على الشيخ هو بعد استشهاد الهوزني بأربع سنين، فإن الهوزني قتل سنة 460، وكانت رحلته إلى المشرق من الأندلس سنة 444 كما يعلم ذلك من مصادر ترجمته، كالصلة وغيرها، وصورة السماع تثبت أن النسخة قرئت على الهوزني، والله أعلم.
والهوزني يروي عن الباجي والطبقة.

وفوق العنوان إلى اليسار سماعٌ مختصرٌ صورته ما يلي:
[قرأت جميعه على صاحبه (هكذا قرأه منجانا بمساعدة الصليبي الحاقد مرجليوث، والأقرب لقراءة اللفظة: منتخبه أو شيخه ) وكتب الفقير إلى ربه: جبريل (قرأها منجانا وصاحبه : حرمل، وهو تصحيف) بن جميل الحنفي، بتاريخ ذي الحجة سنة أربع وسبعين وخمسمائة ].
وجبريل علم مشهور، توفي سنة 600 مرجعه من الحج، أي أنه تملك النسخة قبل وفاته بـ25 سنة، له ترجمة في تكملة المنذري والوافي بالوفيات والطبقات السنية وغيرها.

ثم سماع أسفل منه غير مؤرخ، صورته:
[سمع جميعه وما قبله أبو الفضل بن الصقلي الحنفي العثماني]

ثم سماع أسفل منه على شاكلته، صورته:
[مسموع عبدالحق بن هبة الله بن طاهر بن حمزة القضاعي وأوله إلى الجزء(لعله)قبله غفر الله له ولوالديه]

وإلى يمين الصفحة سماع آخر على هذا المنوال، صورته:
[سمعه وما قبله عبدالعزيز بن صالح بن حمزة الحنفي]

وفي تضاعيف الكتاب سماعات مؤرخة على شيخ واحد صورتها مايلي:
[سمعت على القاضي الأجل تاج الدين محمد بن عثمان بن عمر البُلبيسي التاجر من أول كتاب الصوم إلى هنا فسمع ..بقراءتي ..الفقيه الإمام جمال الدين حمزة بن عمر بن احمد الهكاري بسماعه من العز الحراني بسماعه من ابن البيع بسنده وأجاز لنا وصح ذلك ثالث شهر رجب الفرد سنة خمس وأربعين وسبعمائة وكتب أحمد بن عبدالرحيم بن المتيحي]

وعلى يمينه سماع بخط دقيق، صورته:
[بلغت قراءته من أول كتاب الصوم إلى باب الصوم في السفر على القاضي تاج الدين المذكور .. بسماعه لجميع الكاب من العز الحراني بسماعه من البيع بسماعه من أبي الوقت فسمع ذلك..محمد بن ابراهيم بن عرفات وولد ولده ناصر الدين بن محمد ..ونوار بنت علي بن شمس الدين .. والشيخ شمس الدين محمد بن بدر الدين ..وصح ذلك بمنزل المسمع بالثغر بقراءة كاتب الحروف احمد بن عبدالرحيم بن المتيحي في شهر ربيع الأول سنة .. وأربعين وسبعمائة والحمد لله حق حمده وصلى الله على سيدنا محمد..]

ثم في ورقة أخرى سماع على الشيخ نفسه، صورته:
[بلغت قراءة من أول كتاب الصوم على الشيخ الجليل الرئيس تاج الدين محمد بن عثمان بن عمر البلبيسي التاجر بسماعه من العز الحراني أنبا ابن البيع انبا ابو الوقت بسنده(لعله) فسمعه الشيخ المحدث الفقيه العدل شهاب (الدين، سقطت وأكملتها أنا )ابو العباس أحمد بن عبدالرحيم بن عبدالرحمن المتيحي وصح في سابع عشر رمضان سنة اربع وأربعين وسبعمائة بمنزل المسمع بثغر الاسكندرية ، وأجاز لنا.
وكتب عبدالله بن محمد بن إبراهيم الوالي والحمد لله وحده ]

والشيخ المسمع تاج الدين محمد بن عثمان بن عمر بن كامل البلبيسي توفي في الطاعون في ليلة الثامن والعشرين من صفر سنة 749 ، من أقران الامام الذهبي والمزي والطبقة فهؤلاء كلهم لهم سماع من العز الحراني.
وأما الهكاري فقد ذكره ابن رافع في وفيات شهر رجب سنة 749، وقال: وفي يوم الخميس ثاني عشري الشهر توفي المحدث الخير عز الدين أبو يعلى حمزة بن عمر بن أحمد الهكاري الدمشقي بها وصلي عليه من يومه بجامعها ودفن بمقابر باب الصغير، سمع من الجزري وبنت الكمال وجماعة وكتب بخطه وقرأ بنفسه.
أي أنه توفي بعد الشيخ المسمع بقليل.

تملكات النسخة:
أحصيت ثلاث تملكات على الورقة الأولى:
الأول صورته: تملكه محمد بن محمد بن عبدالسلام المنوفي غفر الله له ولوالديه وللمسلمين.
الثاني صورته: في نوبة الفقير محمد الشافعي ابن شرف الدين عفا الله عنه.
الثالث متأخر، صورته: تملكه محمد بن حسين ...سنة 810 إلا أنني غير متأكد من الرقم الأول، فالثمانية والواحد يلوحان بوضوح، والصفر غير واضح من أجل السواد في التصوير.

احمد بن فارس السلوم14-01-07 05:57 PM

علاقة النسخة بالعلامة ابن دحية الكلبي
 
علاقة النسخة بابن دحية الكلبي:
هذه النسخة بالإضافة إلى أنها نسخة ابي زيد المروزي فهي نسخة العلامة الحافظ ابن دحية الكلبي صاحب التصانيف المشهورة.
فقد ثبت إسناده في أولها، وجاء في الورقة الأولى ما يلي:
(طمس أول السطر ويمكن تخمينه : قال ذو النسبتين العلامة ابن دحية ...)... الفاطمي الحسني .. أيده الله :
قرأت جميعه بالأندلس على جماعة من العلماء (لعله هكذا الصواب ، بينما في دراسة منجانا: قرأت جميعه بالأندلس على أحمد بن محمد بن ... رحمهم الله منهم المقرئ الحسين ... وخدمني به !) رحمهم الله منهم (أبي بكر محمد بن خير الاشبيلي الاسم مطموس لكن الاشبيلي قد تكون واضحة ، وقد نص الذهبي على أن ابن دحية أخذه عن ابن خير كما سيأتي ) ... وحدثني به عن جماعة من شيوخه أقربهم إسنادا الإمام ابو الاصبع عيسى بن محمد بن ابي البحر الزهري الشنتريني ( في دراسة منجانا الإمام ابن الاصبع قصي بن محمد بن ابي أسير الزهري الشنتري ، تصحيف كله !) .

ورحلت به (لعله) وسمعته على الفقيه القاضي بأوكش بقية المحدثين بقرطبة أبي القاسم خلف بن عبدالملك بن بشكوال الأنصاري، قال: نا به جماعة منهم: الشيخ ابو العباس أحمد بن عبدالله القونكي يعرف بالعطار.
قالا: حدثتنا الحرة الفاضلة كريمة بنت أحمد الكشميهينية بالحرم الشريف قالت: سمعته على الأديب أبي الهيثم الكشميهني .

قال ذو النسبتين أيده الله:
وأجازنا (به) إجازة عامة أبو الوقت عبدالأول بن عيسى بن شعيب السجزي الصوفي، قال: نا جمال الإسلام أبو الحسن عبدالرحمن بن محمد بن المظفر الداودي قراءة عليه وأنا اسمع ببوشنج سنة خمس وستين واربعمائة أنبأنا أبو محمد عبدالله بن محمد بن حمويه السرخسي.
قالا: أنبأ أبو عبدالله محمد بن يوسف بن مطر الفربري أنبا الحافظ ابو عبدالله محمد بن اسماعيل بن المغيرة البخاري .
والمغيرة هو الذي أسلم من المجوسية على يدي اليمان الجعفي والي بخارا ( لك أن تكتب بخارى أو بخارا وهكذا في كل رباعي كما قرره ابن جني في المقصور والممدود ) .
وتوفي رحمه الله منفيا عن وطنه ممتحنا بقرية خرتنك على نحو من ثلاثة أميال من سمرقند ليلة عيد الفطر و يوم السبت سنة ست وخمسين ومائتين وله اثنتان وستون سنة إلا ثلاثة عشر يوما اهـ

وفي هذا الإسناد وقفات:
الأولى: الشيخ المسمع صاحب الإسناد هو ذو النسبتين أبو الخطاب عمر بن الحسن بن علي الأندلسي، ولد أبو الخطاب ابن دحية في ذي القعدة سنة سبع - أو ثمان - وأربعين وخمسمائة ، وقيل سنة 544 وقيل غير ذلك وتوفّي في انفجار الفجر ليلة الثلاثاء رابع عشر ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين وستمائة بالقاهرة، ودفن بسفح المقطم، وهو إمام مشهور ، قد حدث في رحلته بصحيح البخاري وغيره .
وهذا المجلس أستظهر أنه في مصر، لما قدمها وبنيت له دار الحديث فيها ، والنسخة مكتوبة بخط أقدم من الخط الذي كتب به الإسناد، وكلا الخطين مشرقي، فالسماع في المشرق، والنسخة مكتوبة في المشرق أيضا، ولعلها كتبت في مصر.
فالسماع وإن لم يكن مؤرخا إلا أنه لا شك قبل أن يصرف عن التدريس في دار الحديث.
الثانية: لذي النسبتين إسنادان عن كريمة ، وإسنادان عن الفربري.
أما روايته عن كريمة ، فقد ذكر الإسناد الأول من طريق الشنتريني شيخ شيخه :
وهو عيسى بن محمد بن عبدالله بن عيسى بن مؤمل بن أبي البحر الشيخ العالم المعمر أبو الاصبع الزهري الشنتريني.
سمع من كريمة، والحبال، وأبي معشر الطبري، وأبي الوليد الباجي، وابن دلهاث، وعدة.
أخذ الناس عنه، وسكن العدوة.
قال ابن بشكوال : كتب لي القاضي أبو الفضل أنه توفي نحو سنة ثلاثين وخمس مئة، وأنه أخذ عنه.
قال الذهبي: وروى عنه أبو بكر بن خير ، وقد روى ابن دحية عن ابن خير عنه، عن كريمة من الصحيح أهـ
والثاني : من طريق أبي العباس العطار القونكي ، نسبة إلى قونكة مدينة بالأندلس .
وأما عن الفربري، فطريق كريمة عن الكشميهني عنه، وطريق الداودي عن السرخسي عنه.
وهذان الإسنادان غير إسناد النسخة، فإنها نسخة أبي زيد المروزي عن الفربري.
ولأنه لم يثبت على النسخة الإسناد إلى أبي زيد فإن ذلك قد يحتمل أن تكون هي نسخة أبي زيد نفسه، أو منسوخة من نسخته مباشرة، كما ذكرنا آنفا، والله أعلم بحقيقة الحال.

المقابلات والمراجعات:
ثبت في الصفحة الأولى من النسخة ما صورته:
قال محمد بن أحمد المصعولي(في دراسة منجانا المصعوبي): قابلت نسختي هذه بنسخة مقابلة بأصل عليه خط أبي الوقت وعلمت له: قت، ولماسقط عنده : س قت، هكذا ليعلم ذلك.
وكان معنا نسخة بأصل أبي ذر فما كان فيه أيضا من الخلاف عليه : ذ فإنه له، وما كان عليه خ فإنه له نسخة ، والله الموفق.
فالمصعولي هذا قابل النسخة، وليست النسخة الأصل بخطه، بل حشاها بالمقابلة على روايتين أخريين ، هما رواية ابي الوقت وأبي ذر، وخطه في النسخة مميز من خط الأصل.
وهذه الطريقة التي اعتمدها هي طريقة العلماء في ضبط البخاري وتحقيقه، وسأبين ذلك بمزيد بسط في المبحث الآتي الذي يتكلم عن منهج العلماء في تحقيق البخاري، والله الموفق.

مسلم200324-01-07 04:09 PM

هل لديك معلومات عن مصير النسخة التي بخط الحافظ الإسماعيلي؟

احمد بن فارس السلوم25-01-07 10:56 AM

منهج العلماء في تحقيق صحيح البخاري.
 
المنهج في تحقيق صحيح البخاري:
كل كتاب تتعدد رواياته يحتاج إلى طريقة مناسبة لتحقيقه ونشره بين الناس، ذلك لأن طريقة التلفيق لإخراج متن مصحح لا تصلح مع الكتب التي تتعدد رواياتها، ولا سيما في كتب ومصنفات الطبقة المتقدمة من المصنفين، حيث إن الرواية قد تتغاير مع الرواية الأخرى حتى كأن كل واحدة كتاب على حيالها.
ولك أن تتطالع على سبيل المثال الكتاب الذي صنفه ابن قتيبة في تراجم الشعراء لترى كيف أن الرواية تختلف مع صاحبتها حتى كأنك تقرأ في كتابين ، وكذلك كتاب العلامة الجمحي طبقات فحول الشعراء وغيرها من المصنفات.
لذلك كان لا بد من اعتماد منهج مناسب في تحقيق مثل هذه الكتب التي لو اعتمدنا فيها على تلفيق النص وعلى ما يسمى بتصحيح المتن لخرجنا برواية زائدة محرفة لا تمت إلى المؤلف بصلة.
وكتب السنة تختلف فيها الروايات زيادة ونقصانا وتقديما وتأخيرا وتصحيحا وتضعيفا، والمحدثون يعرفون الفرق بين روايات ونسخ سنن النسائي وابي داود وابن ماجة والترمذي مثلا، ويعلمون لم اشترط أهل النظر والتثبت منهم مراجعة نسختين معتمدتين - على الأقل – لكل كتاب منها.
وقد وفقني الله فانتبهت إلى ضرورة البحث عن منهج مناسب لمثل هذه الكتب خلال تحقيقي لكتاب الحافظ أبي عبدالله الحاكم معرفة علوم الحديث، حيث إنني وقفت على عدة روايات لهذا الكتاب فكان لا بد من إخراجها جميعها كاملة في كتاب واحد، دون خلط أو تلفيق.
فاعتمدت في المتن رواية مشهورة وأثبت فروق النسخ في الهوامش، ورمزت للروايات بنسخها، ولو أني رمزت للنسخ برواياتها لكان أحسن.
وهذا لا يعني أن نعتمد في المتن الرواية الأم بعجرها وبجرها دون تصحيح ما قد يقع فيها من تصحيف ظاهر، أو غلط واضح.
وهذا المنهج هو المنهج الذي اعتمدها علماؤنا في ضبط نسخ البخاري وتحقيقها.
وهو منهج يعتمد على ضبط الروايات وتنقيحها في كتاب واحد، فيجعل لك الفربري كله في متناول يدك، مع أن كل رواية عنه نسخة وكتاب مستقل.
وفي نسختنا هذه، اعتمد في الأصل رواية أبي زيد المروزي، وهي من أحسن الروايات، وهو من أضبط الرواة، وإسناد النسخة ثابت في الأصل، ثم قام الناسخ ( وإن شئت قلت: المحقق أو الباحث ) بسوق إسناد روايات أخرى ليست في أصل الكتاب ، فذكر رواية كريمة وأبي الوقت، وهما مقيدان عنده في كتاب آخر، ثم اطلع على نسخة ابي ذر ولم يكن له فيها إسناد فيذكر وهذا كتاب آخر، فتحصل له نحو اربع كتب أي نسخ من صحيح البخاري، فاختار كتاب أبي زيد لما ذكرته عنه وعن روايته، ولحسن خطها وضبطها، فاعتمدها أصلا للتحقيق، ثم عمد إلى نسخ البخاري فرمز لها رموزا، وأثبت في هوامش النسخة الأصل فروقات هذه النسخ، فاستغنى بكتاب عن أربع كتب، جمع فيه ما تيسر له من روايات البخاري.
وقد وجد بالاستقراء أن الاختلاف بين النسخ يكون بإبدال كلمة مكان كلمة، أو زيادة أو نقصان، أو تقديم أو تأخير، وقد تعامل نساخ البخاري مع هذه الفروقات، فالكلمة المختلف فيها يعيدون كتابتها في الهامش بالرواية الأخرى ويكتبون فوقها رمز الرواية.
والسقط يرمزون له بـ: س ، ويحددونه بـ: من لا ، أو : ليس ثم يذكرون النسخة مرموزا لها، ويحددونه بـ: من إلى ونحو ذلك.
وأما التقديم والتأخير فيحددونه كتابة في الهامش.
وإذا اختلفت النسخ في ضبط الكلمة بحيث لا يمكن جمع الضبط في المتن فصل في الهامش، كما في نسختنا هذه لما ضبط " كخ كخ " بتنوين الكسر والضم وبالإسكان كتبه كله بالهامش مفصلا.
وكذلك ما كان مضروبا عليه يكتب ضرب عليه في نسخة كذا من إلى .
مثاله: قول البخاري: " وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فِي الْمُرِي ذَبَحَ الْخَمْرَ النِّينَانُ وَالشَّمْسُ " هذا ثابت في رواية أبي زيد وغيره ولكن في أصل القابسي مضروب عليه، وهو ثابت في أصل الأصيلي، بين ذلك تلميذهما المهلب في كتاب النصيح، ثم علل ضرب القابسي عليه في نسخته بأنه لم يعرف معناه إذ كان قد تصحف عليه !
وهذا المنهج المذكور لا نكاد نجده في النسخ المطبوعة والمنتشرة بين الناس، فهي نسخ تجاريةلم تعتمد على أصل مسند، فهي مجهولة الهوية أولا، واعتمدت على تلفيق النص فهي محرفة المتن ثانيا.
وهذا المنهج في تحقيق البخاري هو المعتمد عند العلماء، المستعمل بينهم.
وهذه النسخة القديمة من رواية أبي زيد من أوضح الحجج على هذا المنهج، وسأذكر على سبيل المثال بعض من اعتمده منهجا له من العلماء المعروفين.
ذكر الحافظ في ترجمة أحمد بن عبد الوهاب النويري (من الدرر الكامنة) أنه نسخ من البخاري ثماني نسخ وكان يكتب النسخة ويقابلها وينقل الطباق والروايات عليها ويبيعها بألف أهـ
وكذلك حال النسخ المشهورة الموثوقة لدى العلماء إنما حصلت على هذه المنزلة لأخذها بهذا المنهج.
فهذا شرف الدين علي بن أحمد اليونيني البعلي ، صاحب النسخة المشهورة ، قال عنه الذهبي ، استنسخ صحيح البخاري وحرره ، حدثني أنه قابله في سنة واحدة واسمعه إحدى عشرة مرة, وقد ضبط رواية الجامع الصحيح ، وقابل أصله الموقوف بمدرسة آقبغا آص بسويقة العزيّ خارج باب زويلة من القاهرة المعزية ، بأصل مسموع على الحافظ أبي ذرِّ الهروي ، وبأصل مسموع على الأصيلي ، وبأصل الحافظ مؤرخ الشام ابن عساكر ، وبأصل مسموع عن أبي الوقت أهـ
ثم اجتهد فبالغ في التحري لما قابلها بحضرة إمام اللغة جمال الدين ابن مالك ، صاحب ألفية النحو، فكان يضبطها على الأوجه في اللغة، ويعلل ما وقع فيها من ضبط قد يشكل على أصحاب النحو.
وكذلك الغزولي ، صاحب الفرع المنسوب إليه ، وهو من المحدثين الضابطين، قابل على أصلين، أصل اليونينين وآخر موقوف على مدرسة عندهم .
ويمكن أن يقال أن الطبعة السلطانية هي فرع عن اليونينية لكنها ليست نسخة منها لأن مصححيها اعتمدوا على نسخة من اليونينية وعلى غيرها ، وهي الطبعة التي أعادها للنشر العلامة أحمد شاكر ، ثم ظهرت مؤخرا في الأسواق بأشكال مختلفة.
وكذلك حال النسخة العراقية المنسوبة لأبي زرعة العراقي (وأظنها بخطه) ، فإن أبا زرعة ساق إسناده أولا إلى كريمة ثم إلى أبي ذر ثم إلى أبي الوقت، واعتمد سوق المتن لواحد، وذكر في الهامش فروقات النسخ، وهي من أحسن النسخ المخطوطة التي اطلعت عليها .
وكذلك حال نسخة ابن سعادة الأندلسي ( المتوفي أول سنة 566 أو آخر السنة التي قبلها ) وهو من تلاميذ أبي علي الصدفي ، ممن لازمه وصاهره واختص بصحبته، ولما توفي أبو علي آلت إليه نسخه وأصوله، ومنها صحيح البخاري ومسلم بخط الصدفي ، فنسخة ابن سعادة هذه فرع عن نسخة أبي علي الصدفي المشهورة ، ونسخة الصدفي فرع عن رواية أبي ذر عن شيوخه الثلاثة، ومع شهرة هذه النسخة إلا انه يجب التنبيه على أن الصدفي سيء الخط، مشهور بقلة إعجام الحروف بل بعدمه، ولذلك تطرق التصحيف إلى نسخته وارد، وقد اطلعت على مصورة سنن الدارقطني بخط الصدفي على الوصف المذكور من رداءة الخط وترك الإعجام فوجدتها غير خالية من التصحيف والتحريف، إلا أن ابن سعادة محدث فقيه، وكان قد رحل إلى مكة وأخذ عن أصحاب كريمة المروزية صاحبة النسخة المشهورة، فلعله تحرى في نَسْخِ رواية الصدفي، ولأجل ذلك اشتهرت نسخته وذاعت.
والقاضي عياض أخبر عن نفسه أنه التزم هذا المنهج وذلك في كتابه مشارق الأنوار.
بقي لنا وقفة أخرى مع البخاري في بيان منهجه في تفسير الحديث وشرحه، والله الموفق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق